(535)
(364)
(604)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب القِراض، باب الكِرَاء في القِراض، وباب التَعَدِّي في القِرَاض.
فجر الأحد 6 ذو القعدة 1443هـ.
باب الْكِرَاءِ فِي الْقِرَاضِ
2033 - قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، فَاشْتَرَى بِهِ مَتَاعاً، فَحَمَلَهُ إِلَى بَلَدِ التِّجَارَةِ، فَبَارَ عَلَيْهِ وَخَافَ النُّقْصَانَ إِنْ بَاعَهُ، فَتَكَارَى عَلَيْهِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَبَاعَ بِنُقْصَانٍ، فَاغْتَرَقَ الْكِرَاءُ أَصْلَ الْمَالِ كُلَّهُ. قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ فِيمَا بَاعَ وَفَاءٌ لِلْكِرَاءِ، فَسَبِيلُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ بَقِيَ مِنَ الْكِرَاءِ شَيْءٌ بَعْدَ أَصْلِ الْمَالِ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ شَيْءٌ يُتْبَعُ بِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالتِّجَارَةِ فِي مَالِهِ، فَلَيْسَ لِلْمُقَارِضِ أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُتْبَعُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ، لَكَانَ ذَلِكَ دَيْناً عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الَّذِي قَارَضَهُ فِيهِ، فَلَيْسَ لِلْمُقَارِضِ أَنْ يَحْمِلَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ.
باب التَّعَدِّي فِي الْقِرَاضِ
2034 - قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، فَعَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ، ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ رِبْحِ الْمَالِ أَوْ مِنْ جُمْلَتِهِ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ، ثُمَّ نَقَصَ الْمَالُ. قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أُخِذَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ مِنْ مَالِهِ، فَيُجْبَرُ بِهِ الْمَالُ، فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ بَعْدَ وَفَاءِ الْمَالِ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْقِرَاضِ الأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَفَاءٌ بِيعَتِ الْجَارِيَةُ حَتَّى يُجْبَرَ الْمَالُ مِنْ ثَمَنِهَا.
2035 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، فَتَعَدَّى فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً وَزَادَ فِي ثَمَنِهَا مِنْ عِنْدِهِ. قَالَ مَالِكٌ: صَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ، إِنْ بِيعَتِ السِّلْعَةُ بِرِبْحٍ أَوْ وَضِيعَةٍ أَوْ لَمْ تُبَعْ، إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ، أَخَذَهَا وَقَضَاهُ مَا أَسْلَفَهُ فِيهَا، وَإِنْ أَبَى كَانَ الْمُقَارَضُ شَرِيكاً لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ فِي النَّمَاءِ وَالنُّقْصَانِ، بِحِسَابِ مَا زَادَ الْعَامِلُ فِيهَا مِنْ عِنْدِهِ.
2036 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ فَعَمِلَ فِيهِ قِرَاضاً بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ، إِنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ، إِنْ نَقَصَ فَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ، وَإِنْ رَبِحَ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ شَرْطُهُ مِنَ الرِّبْحِ، ثُمَّ يَكُونُ لِلَّذِي عَمِلَ شَرْطُهُ بِمَا بَقِيَ مِنَ الْمَالِ.
2037 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَعَدَّى فَتَسَلَّفَ مِمَّا بِيَدَيْهِ مِنَ الْقِرَاضِ مَالاً، فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ. قَالَ مَالِكٌ: إِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ عَلَى شَرْطِهِمَا فِي الْقِرَاضِ، وَإِنْ نَقَصَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلنُّقْصَانِ.
2038 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، فَاسْتَسْلَفَ مِنْهُ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ الْمَالُ مَالاً، وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ : إِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ شَرِكَهُ فِي السِّلْعَةِ عَلَى قِرَاضِهَا، وَإِنْ شَاءَ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَخَذَ مِنْهُ رَأْسَ الْمَالِ كُلَّهُ، وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِكُلِّ مَنْ تَعَدَّى.
الحمْد للهِ مُكرمنا بشريعته وبيانها، على لسانِ خير بريّته عبدهِ وصفوته، سيدنا محمد صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلهِ وصحابته، وأهل ولائه ومتابعته، وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، خيرة الله سبحانه وتعالى في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم، وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين.
وبعدُ،
فيُواصل الإمام مالك -عليه رضوان الله تعالى- ذكر الأحكام المتعلقة بالقِراض، ويقول في هذا الباب: "باب الْكِرَاءِ فِي الْقِرَاضِ"؛ أي: حكم الكراء ومؤن الحمل إذا اكترى المُقارض شيئًا من حاملات من إبل وغيرها فنقل البضاعة من بلد إلى بلد، فاكترى لذلك بأجرة ما ينقل به البضاعة من بلد إلى بلد.
"قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، فَاشْتَرَى بِهِ مَتَاعاً، فَحَمَلَهُ إِلَى بَلَدِ التِّجَارَةِ"؛ ليبيعه في تلك البلد الأخرى؛ حمل المال ذلك، " فَبَارَ"؛ كسد، وحصّله ما يجيب ثمن في هذا البلد وأنه سقط ثمنه ونقص، فماذا عمل؟ "فَبَارَ عَلَيْهِ وَخَافَ النُّقْصَانَ إِنْ بَاعَهُ "، في هذا البلد، ففكر قال: أنقله إلى بلد أخرى من أجل نحصّل فيه ربح "فَتَكَارَى عَلَيْهِ"، ثاني مرة سلّم أجرة للحمل والنقل، " فَتَكَارَى عَلَيْهِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَبَاعَ" المتاع "بِنُقْصَانٍ"، ما حصّل له ثمن قوي، "فَاغْتَرَقَ"؛ يعني: استوفى، "الْكِرَاءُ أَصْلَ الْمَالِ كُلَّهُ"؛ مقابل المال كله راح في الكراء وفي أجرة النقل، وزاد عليه؛ عاده باقي عليه.
"قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ فِيمَا بَاعَ وَفَاءٌ لِلْكِرَاءِ، فَسَبِيلُهُ ذَلِكَ"، هذا سبيله خلاص، الذي أخذه اجتهد اجتهاد خاطئ وبدل ما يربح خسر المال كله، "وَإِنْ بَقِيَ مِنَ الْكِرَاءِ شَيْءٌ بَعْدَ أَصْلِ الْمَالِ" عاد باقي؛ الكراء أكثر من قيمة البضاعة، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! كسدت البضاعة ونقصت إيش يعمل؟ قال: "كَانَ عَلَى الْعَامِلِ" إيش البلادة والبلاهة حقك! أعطوك المال تربح فيه، تتجر لهم فيه، فاستغرقته وفوق ذلك تريدهم يسلمون لك شيء! خلاص.. ما زاد على المال من الكراء والخسارة فعليك أنت يا عامل هامل! يا عامل ما تعرف تعامل خلاص.. وقع عليك ما ليس في الحسبان، وخرجت ما لك شيء خلاص والخسران عليك. يكفي أن صاحب المال أعطاك إياه يريد ربح وتجارة، فاستغرقته كله في الخسارة، خلاص ما لك شيء الآن، وتريده يساعدك في الباقي؟! الباقي على رقبتك وعندك ومنّك وإليك لأنك ما سُلّمت المال إلا لأجل الاتجار لا أن تجيء عليه بديْن بعد ذلك!
"فَلَيْسَ لِلْمُقَارِضِ أَنْ يَتْبَعَهُ"؛ يعني: رب المال "بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُتْبَعُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ، لَكَانَ ذَلِكَ دَيْناً عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الَّذِي قَارَضَهُ فِيهِ"؛ من مال بيته، "فَلَيْسَ لِلْمُقَارِضِ أَنْ يَحْمِلَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ" وهكذا هو باتفاق الأئمة، فقال الفقهاء كلهم: إذا تكارى العامل على السلع إلى بلد، فاستغرق الكراء قيم السلع فَفضل عليه فضلة، أنها على العامل لا على رب المال؛ لأن رب المال دفع إليه المال ليتجر به فما كان من خسران في المال فعليه.
قال: "باب التَّعَدِّي فِي الْقِرَاضِ"، إذا تعدى المضارب:
فيصير ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم؛ لأنه تعدى. ثم ذكر ما إذا تعدّى بوطء جارية من جواري مال القراض.
"قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، فَعَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ، ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ رِبْحِ الْمَالِ أَوْ مِنْ جُمْلَتِهِ"؛ يعني: من رأس المال والربح الإجمالي " جَارِيَةً" للقِراض؛ من أجل البيع والشراء، "فَوَطِئَهَا" المضارب هذا، "فَحَمَلَتْ مِنْهُ، ثُمَّ نَقَصَ الْمَالُ.". في مذهب الإمام مالك: "إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ"، بأن كان موسر "أُخِذَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ مِنْ مَالِهِ"، فيُؤخذ من ماله الخاص قيمة الجارية في يوم وطئها، فيردّه إلى رأس مال القراض، "فَيُجْبَرُ بِهِ الْمَالُ "؛ يعني: يكمّل نقصانه، "فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ بَعْدَ وَفَاءِ الْمَالِ"، بعد وفاء رأس المال شيء "فَهُوَ" الزائد "بَيْنَهُمَا" يقتسمان به على ما اشترطا "عَلَى الْقِرَاضِ الأَوَّلِ"؛ ثلث، ربع، نصف؛ على ما اشترطوا. "وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَفَاءٌ"؛ ما عنده شيء، قال الإمام مالك: "بِيعَتِ الْجَارِيَةُ" لرجلٍ آخر "حَتَّى يُجْبَرَ الْمَالُ مِنْ ثَمَنِهَا" الذي بيعت به.
فهكذا الحكم عند الإمام مالك: أنه من ابتاع جارية من مال القراض فوطئها فحملت منه إن كان له مال أُخذت منه قيمتها ويُرجع إلى أصل مال المقارضة، وإن كان عديم ما عنده شيء، كان صاحب المال مخيّر بين أن يضمنها له ويُتبعه بقيمتها في ذمّته، وبين أن تُباع عليه جميعًا، أو إذا لم يكن في المال ربح أو حصّته منها، إن كان في المال ربح.
يقول الحنابلة: ليس للمضارب وطء أمة من المضاربة ،سواءً ظهر في المال ربح أو لم يظهر، فإن فعل أثِم وعليه المهر وعليه التعزير، قال: وإن حملت منه ولم يظهر في المال ربح فولده رقيق؛ لأنها علقت منه وحملت في غير ملك ولا تصير أم ولد لذلك.
"قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، فَتَعَدَّى فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً وَزَادَ فِي ثَمَنِهَا مِنْ عِنْدِهِ"، اشترى سلعة تزيد قيمتها على قيمة مال القراض الذي أعطاه، "وَزَادَ فِي ثَمَنِهَا مِنْ عِنْدِهِ" فإذا استدان مالًا وأدخله في مال القراض، يقول الإمام مالك: هذا لا يجوز -كما سمعت كلامه- "وَزَادَ فِي ثَمَنِهَا مِنْ عِنْدِهِ".
"قَالَ مَالِكٌ: صَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ، إِنْ بِيعَتِ السِّلْعَةُ بِرِبْحٍ أَوْ وَضِيعَةٍ أَوْ لَمْ تُبَعْ، إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ، أَخَذَهَا وَقَضَاهُ مَا أَسْلَفَهُ فِيهَا، وَإِنْ أَبَى كَانَ الْمُقَارَضُ شَرِيكاً لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ فِي النَّمَاءِ وَالنُّقْصَانِ، بِحِسَابِ مَا زَادَ الْعَامِلُ فِيهَا مِنْ عِنْدِهِ".
قال الإمام الشافعي وأبو حنيفة: إذا اقترض المقارّض هذا شيء من عنده وأدخله في المال، دخل في مال القراض وصار الربح بينهما؛ رأس ماله أيضًا هو الذي أدخله له، ولكن الربح بينه وبين من؟ بين صاحب المال الأول إذا دفع له المال الأول هكذا يقول الشافعي وأبو حنيفة.
"قَالَ مَالِكٌ: صَاحِبُ الْمَالِ"؛ يعني: صاحب رأس المال "بِالْخِيَارِ"
فبالصور الثلاثة "إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ، أَخَذَهَا وَقَضَاهُ"؛ قضى رب المال العامل؛ "مَا أَسْلَفَهُ فِيهَا"؛ يعني: يقضي العامل الذي زاده من عند نفسه يرجع له؛ ولكن الربح بينهم.
"وَإِنْ أَبَى كَانَ الْمُقَارَضُ شَرِيكاً لَهُ"؛ لرب المال "بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ" الزائد الذي أداه من عند نفسه "فِي النَّمَاءِ"؛ أي: الربح "وَالنُّقْصَانِ، بِحِسَابِ مَا زَادَ الْعَامِلُ فِيهَا مِنْ عِنْدِهِ".
ويقول الحنابلة: ليس له أن يشتري بأكثر من رأس المال؛ لأن الإذن ما تناول أكثر من رأس المال، فلا يشتري به شيء أكثر من رأس المال الذي معه.
فإذا أعطاه ألفًا فاشترى عبد بألف، ثم اشترى عبدًا آخر بعين الألف، فالشراء فاسد؛ لأنه اشترى بمال يستحق تسليمه في البيع الأول. فإن اشترى في ذمته صح الشراء، والعبد له؛ لأنه اشترى في ذمته لغيره ما لم يأذن له في شرائه فصار له هو؛ للمشتري هذا لأنك اشتريت من غير أن يكون عندك رصيد من رأس مال القراض، ورأس مال القراض قد راح في قيمة البضاعة الأولى، والبضاعة الثانية أنت اشتريتها في ذمتك فهذه البضاعة ما له دخل فيها صاحب القراض -صاحب المال- الذي قارضك صاحب المال، هكذا يقول الحنابلة.
وسمعت قول الشافعية والحنفية أن هذا جائز أن يشتري بشيء زائد من عنده ويدخل فيكون الربح أيضًا على الشرط الأول ما كان من ربح، وأما رأس المال يرجع لصاحبه.
"قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ" ما يجوز له! قارض هذا ويقارض واحد ثاني في المال الذي أخذه من هذا، هو أذِن لك أنت تتجر في ماله فتعطيه واحد ثاني من دون إذنه!! "ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ فَعَمِلَ فِيهِ قِرَاضاً بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ" الأول؛ "إِنَّهُ"؛ يعني: هذا المقارض "ضَامِنٌ لِلْمَالِ" المذكور، "إِنْ نَقَصَ فَعَلَيْهِ" على عمرو هذا "النُّقْصَانُ"؛ لأنه تعدّى، أعطاه واحد ثاني، والثاني خسر، فالآن عليك أنت، من قال لك تقارض من دون إذن المالك الأول؟ المالك أعطاك أنت تتّجر لا الثاني، طالما أعطيت واحد ثاني وخسر، فالخسارة على هذا الوسطي، من قال لك تعطي من دون أن ترجع إلى رب المال؟!
"وَإِنْ رَبِحَ" فإن كان العكس ما خسر بل ربح، قارض ثاني وربح قال: "فَلِصَاحِبِ الْمَالِ شَرْطُهُ"؛ يعني: ما شرط لعمرو "مِنَ الرِّبْحِ، ثُمَّ يَكُونُ لِلَّذِي عَمِلَ شَرْطُهُ"؛ مع الثاني هذا؛ يعني: ما شرط مع عمرو يرجع لمن؟ لبكر هذا الثالث الذي أعطوه المال مما بقي من المال بعد أن يأخذ زيد رأس المال ونصيبه من الربح إن كان نصف أو ربع حسب ما اتفقوا. الآن أنت وصاحبك يعطيه صاحب المال يأخذ رأس ماله كامل، وما شرط من الربح كامل .
ويقول الشافعية: حينئذٍ هذا القراض الثاني فاسد في حكمه كما تقدم معنا، فالثالث هذا بكر ليس له إلا أجرة المثل، الباقي يرجع بين الأول والثاني على ما شرطوا، وللثالث أجرة المثل إن كان وفى بها نصيب الثاني هذا الذي أقرضه من دون إذن، إن كان وفى نصيبه منه، وإن كان ما وفى نصيبه، أجرة المثل يسلمها هو، لا دخل للأول لأنه ما أذن له أن يقارض غيره.
"قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ تَعَدَّى" فعل ما لا يجوز "فَتَسَلَّفَ" استدان "مِمَّا بِيَدَيْهِ مِنَ الْقِرَاضِ مَالاً، فَابْتَاعَ بِهِ"؛ أي: اشترى "سِلْعَةً لِنَفْسِهِ" خاصة "قَالَ مَالِكٌ: إِنْ رَبِحَ" في تلك السلعة "فَالرِّبْحُ عَلَى شَرْطِهِمَا"؛ يعني: بينه وبين المالك "فِي الْقِرَاضِ، وَإِنْ نَقَصَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلنُّقْصَانِ"؛ لأنه تعدى، كيف تشتري لنفسك؟ أنت موكل في هذا المال مأذون لك تتجر به والربح بينكم، فتقول هذا لنفسي اشتريتها، اشتريتها لنفسك؟!.. إن كان ربح فيما بعته فيها فيرجع إلى الأصل، إن صار نقصان، أنت تعدّيت على المال واشتريت به لنفسك ردّ المال كامل، رأس المال ردّه إلى أصل مال المضاربة والخسارة عليك أنت، من قال لك تشتري لنفسك من مال القراض! مال القراض ليس خاص بك، هو بينك وبين المالك.
"قَالَ مَالِكٌ: إِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ عَلَى شَرْطِهِمَا فِي الْقِرَاضِ، وَإِنْ نَقَصَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلنُّقْصَانِ."؛ لأنه تعدّى .
"قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً، فَاسْتَسْلَفَ"؛ يعني: تسلّفَ " مِنْهُ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ الْمَالُ مَالاً، وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ" خاصة "إِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ شَرِكَهُ فِي السِّلْعَةِ عَلَى قِرَاضِهَا، وَإِنْ شَاءَ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا"؛ أي: بين السلعة "وَأَخَذَ مِنْهُ رَأْسَ الْمَالِ كُلَّهُ"، بلا ربح "وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِكُلِّ مَنْ تَعَدَّى" العامل.
فإذا اشترى أيضًا ما لم يؤذن فيه، فربح فالربح لرب المال.
طوّل في القراض، يمكن الناس في وقته يُقارضون كثير، وعاد موجود عندهم الإيمان والآن ما عاد شيء عندنا في وقتنا.
رزقنا الله الاتباع والاقتداء، والارتباط بالنبي والاهتداء بما به هدانا إلى ربّه ذي العُلا، وألحقنا بذلك بخيار الملأ، وأعاذنا من الآفات والعاهات، والأمة أجمعين، وجعلنا في الهداة المهتدين بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
12 ذو القِعدة 1443