(536)
(228)
(574)
(311)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في النِّداءِ للصَّلاةِ.
فجر السبت 25 ذي الحجة 1441هـ.
باب مَا جَاءَ فِي النِّدَاءِ لِلصَّلاَةِ
174 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ خَشَبَتَيْن، يُضْرَبُ بِهِمَا لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ لِلصَّلاَةِ، فَأُرِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، ثُمَّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ خَشَبَتَيْنِ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ : إِنَّ هَاتَيْنِ لَنَحْوٌ مِمَّا يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، فَقِيلَ: أَلاَ تُؤَذِّنُونَ لِلصَّلاَةِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ اسْتَيْقَظ، فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالأَذَانِ".
175 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ".
176 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً".
177 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ، أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : "إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ فَلاَ تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلاَةِ".
178 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَاري، ثُمَّ الْمَازِنِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ قَالَ لَهُ: "إنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاء، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
179 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ النِّدَاءَ، فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى".
الحمد لله مُكْرِمِنِا بأحكام دينه، وبيانها على لسان حَبِيبِه وأَمِيِنِه سيدنا محمد صلّى الله وبارك وكرّم عليه وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار قُرَة عيونه، وعلى من تبعهم بصدقٍ وإخلاص في ظهوره وبطونه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل الصدق مع الحق جل جلاله وتعالى في علاه، ومحل اصطناعهم بعينه، وعلى آلهم وأصحابهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وعِبَاد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه اكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،
فَيَذْكُرُ الإمام مالك عليه رضوان الله -تبارك وتعالى- أحاديث تتعلق بالأذان الذي هو في
وذلك أنهم كانوا يَتَحَيّنون الوقت ليُصَلُّوا مع رسول الله ﷺ، فلم يصح شرع الأذان قبل الهجرة؛ فيما قاله جماعةٌ أنه كان ليلة الإسراء والمعراج وغير ذلك، ولم يصح من ذلك شيءٌ في الروايات، وإنما كان بعد مَجِيِئه إلى المدينة المنورة عليه الصلاه والسلام، وبِنَاءِهِ مسجده الشريف، وحِرْصُ الصحابة على أن يصلوا معه؛ فكانوا لا يُحِسُونَ بالوقت فيَتَحَينُون الفرصة للحضور، وإذا تخلف بعضهم، واجتمعوا يومًا بين يديه ﷺ، وتذاكروا شأن الإعلام بوقت الصلاة وكيف يفعلونه؟ وكيف يقيمونه؟ وبينما كان كانوا كذلك إذ ذكروا استعمال الناقوس وقالوا إنه من عمل النصارى، وذكروا استعمال البوق وقالوا إنه من عمل اليهود، وذكروا إشعال النار وقالوا إنها من عمل المجوس؛ فلم يتفقوا على شيء ولم يُقِرْ ﷺ على شيء من ذلك؛ حتى ذكر له -عليه الصلاة والسلام- بعضهم أن يجعل العلامة للأذان، ذكروا علامة ما استحسنها ﷺ، ماهي؟ … ثم انصرفوا قبل أن يُقِرُ لهم رسول الله ﷺ شيء و يستقروا على شي.
فجاءت رؤيا سيدنا عبد الله بن زيد فتبعها رؤيا لسيدنا عمر، ثم جماعة من الصحابة كلهم رأوا ما رأى، فصادفت إقرار رسول الله ﷺ وإنزال الوحي عليه؛ فكان شَرْعُ الأذان بإقرار رسول الله ﷺ له لا برؤيا عبد الله بن زيد ولا ببقية مرائي الصحابة؛ فإنه لا يقوم على الرؤيا تشريع، ما يقوم تشريع على رؤيا غيره ﷺ، ما يقوم عليها تشريع فما قام التشريع برؤيا سيدنا عبد الله بن زيد وغيره؛ ولكن بتقرير رسول الله ﷺ، لما أَقَره وأمرهم بذلك ثبت مشروعية الأذان بذلك. وقال: "إنها لرؤيا حق"، وأمره أن يُلْقِي تلك الألفاظ التي سمعها، وذلك أن سيدنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- لما عاد من الجلسة التي كانوا مع رسول الله ﷺ رأى من يحمل خشبتين؛ وهي الناقوس التي يضرب به إحدى الخشبتين على الأُخْرَى فقال له: أتَبِيعُنِي هذا؟ قال لماذا؟ قال من أجل أن نُعْلِم بها في الصلاة أن وقت الصلاة حضر قال :ألا أدلك على أحسن من هذا؟ تأذن قال قل:
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر..الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله..أشهد أن لا إله إلا الله
علّمه، إذا أردت أن تصلي فقل كذا وكذا وعَلَمَهُ الإقامة؛ فجاء سيدنا عبد الله بن زيد عليه رضوان الله -تبارك وتعالى- إلى النبي ﷺ يخبره.
تعقّب الحافظ ابن حجر في الإصابة على ما نُقِل عن جماعة أنه لم يُؤثَر عنه، ولم يروى غير حديث الأذان. فقال: لا بل ورد عنه روى عنه ستة أو سبعة أحاديث سيدنا عبد الله بن زيد عليه رحمة الله تبارك الله وتعالى، وليس مجرد حديث الأذان فيما ذكره جماعة من أكابر المحدثين إنه لم يروى عنه غير الأذان، غير حديث الأذان؛ فَتَعَقْب ابن حجر فقال: بل جاءت عنه ستة أو سبعة أحاديث، جاءت عن سيدنا عبد الله بن زيد رضي الله -تبارك وتعالى- عنه وأرضاه الذي مات سنة 32 من الهجرة وهو ابن 64 سنة على الأصح وقيل غير ذلك.
ثم أن عبد الله بن زيد كان يَذُكُرُ هذه الرؤيا ويقول كما جاء في رواية أبي داود: "لولا أن يقول الناس لقلت أني كُنْتُ يقظانًا غير نائم"، لولا إن يقول الناس و هكذا؛ فقوله في بعض الروايات رأيت فيما يرى النائم حَمْلَهُ على المجاز أنه قال: فيها ولو قلت إنّي لم أكن نائمًا لصدقت، فكانت له مشاهده عرضت لروحه فشاهدها وهو جالس من دون أن يكون نائمًا، فكان ذلك ولهذا قال الإمام السيوطي أن الأظهر أن يُحْمَلَ على الحالة التي تعتلي أرباب الأحوال قال والصحابة هم سادات أهل الأحوال ويشاهدون ما يشاهدون فيها في اليقظة، ولهذا جاءت عنه هذه الروايات أنه قال: "ولو قلت إني لم أكن نائمًا لصدقت"، وقال: في الرواية الاخرى عند أبى داود يقول: "إنّي لبين نائمٍ ويقظان" فرأى هذه الرؤيا، فلما رأى أخبر بها النبي ﷺ فقال: "إنها لرؤيا حق" ألقَِها على بلال فإنه أندى صوتًا منك، فألقاه على بلال، فأذّن بلال:
الله أكبر..الله أكبر
لما جاء وقت الاذان، وأقبل سيدنا عمر يجر ردائه فقال: رأيت مثل هذا، وإذا بالثاني والثالث والرابع من الصحابة وعدد كلهم رأوا مثل هذه الرؤيا؛ فكان التقرير لها مِنْهُ ﷺ والتشريع بتقريره عليه الصلاة والسلام.
ويقول بعضهم أنها صادفت نزول الوحي على النبي ﷺ والتشريع مجمعٌ أنه قائم بِتَقْرِيرِهِ للأمر من عنده ﷺ فكفانا ذلك في مشروعية الأذان. وهذا الأذان صار شعارًا للمسلمين؛ ومن هنا جاء الكلام عن حُكْمِه ما حكم هذا الأذان أهو فرض كفاية؟ أم هو واجب؟
وقد جعله النبي ﷺ علامة إسلام أهل البلد أو كفرهم، فيما كان يَغْزو فإذا سمع الأذان للصبح كفّ عنهم، فهو دليل على أنه قد ظهر الإسلام بينهم وأن فيهم مسلمين، فصار بذلك قول من يقول:
إذًا، جاء أيضًا في الحديث: "ما من ثَلاثةٍ في قريةٍ لا يُؤَذّنُ ولا تُقامُ فيهم الصلاةُ إلا استْتحوذَ عَليهمُ الشيطانُ"، وهذا من أدلة القائلين بوجوبه أو لأن استحواذ الشيطان يجب اجتنابه، فما يجوز تمكينه من أن يستحوذ، فإذا تركوا الأذان استحوذ عليهم الشيطان، فأثِموا؛ فيجب عليهم أن يؤذنوا. وهو خاص بالرجال و الإقامة عامة للرجال والنساء.
فأورد لنا الحديث الأول يقولُ: "أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ خَشَبَتَيْن" أن هذا الناقوس، يأخذ واحدة طويلة من الخشب ووحدة أصغر منها يُضْرَب هذا بهذا يُخْرَجْ منها صوت، "يُضْرَبُ بِهِمَا لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ لِلصَّلاَةِ"، فالأقرب أن معنى هذا الكلام أن ذلك مما ذُكِرَ بين يديه، وما أراده أن يتخذ ذلك؛ ما عزم عليه ولا أقرّه أصلاً من قبل، بل جاء الإنتقاد عليه أنه هذا من فعل النصارى وما أَقْرّهُمْ عليه. فقوله: "أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ خَشَبَتَيْن" يعني: ذُكِرَ في الاخْتِيَارَات من أَجِلْ إعلام بالصلاة إتخاذ الخشبتين، كما ذُكر البوق كما ذُكر النار إلى غير ذلك، قال: "فَأُرِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، ثُمَّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ خَشَبَتَيْنِ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ: إِنَّ هَاتَيْنِ لَنَحْوٌ مِمَّا يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقِيلَ: أَلاَ تُؤَذِّنُونَ لِلصَّلاَةِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ اسْتَيْقَظ، فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالأَذَانِ".
تكلموا وقال بعضهم ناقوسًا، وقال بعضهم بوقًا، وقال عمر سمعت رجلًا ينادي قال ﷺ: يا بلال قم فَنَادي بالصلاة فنادى بالصلاة: أي: بالصلاة جامعة وكان أول ينادي الصلاة جامعة؛ ثم جاءت شَرْعِيَة الأذان لما اقترح سيدنا عمر أن يُنَادًى، فنادى عمر ينادي نداء الصلاة جامعة، ثم جاءت ألفاظ الأذان فيما سبقت فيه الرؤيا، ثم تقريره ﷺ.
وذكروا فضل الأذان، والمفاضلة بينه وبين الإمامة وأيهما أفضل وقالوا:
وقد مضى الإمام عبد الرحمن المشهور عليه رحمة الله في مسجده الشيخ علي يؤذن ويقيم ويصلي بالناس ٢٥ سنة، في خلال الخمس وعشرين سنة لم يتخلف في فرضٍ واحد، لا صحيح ولا مريض، ولا صيف ولا شتاء ٢٥ سنة، كُل فرض يؤذن ويقيم ويؤم بالناس، عليه رحمة الله تبارك وتعالى. وفي الحديث: "من أذَّنَ سبعَ سنين محتسبًا حرَّمَ اللهُ لحمَه ودمَه على دوابِّ الأرضِ أن تأكلَه في القبرِ"، لم تمس الأرض له جسد، سبع وسبع وسبع خمس وعشرين سنة، وهكذا فيما يذكرون كان عملهم ديمة لما ابتدأ يعمل بقراءة (الم..) [السجدة:1]، وَ(تَبَارَكَ..) [الملك:1] في بعدية العشاء، ابتدأ بها فاستمر عليها لم يتركها خمسين سنة، خمسين سنة ماتركها ليلة سبحان الله!
قال الحبيب محمد الهدار جئت إلى مسجد سرور آخر الليل أحضر الحزب مع الحبيب علوي، حصلت واحد شايب قاعد يقرأ معهم المقرأ حقه ويصلح لهم القهوة أثناء الحزب، بعد ذلك سألته كم لك تقوم آخر الليل؟ تقرؤون أربع خمس أجزاء ستة أجزاء، قال أكثر.. كل ليلة قبل الفجر، قال له: خمسين سنة قال خمسين سنة وانت مع الحبيب علوي ما تخلّفت ليلة؟ قال: الحمد لله لا أنا ولا الحبيب علوي خمسين سنة كل ليلة حاضرين ما قد تخلّف منا واحد ليلة واحدة؛ على طول الخمسين سنة. فكان عملهم ديمة في اتباعه ﷺ، ثم كثير من السالكين يبغى يسلك هذا الطريق يقوم بالعمل خمس أيام، ويَتْرُكُه ثلاثة أيام يرجع يوم ويترك أسبوع أسبوعين، يصلح أسبوعين يتركه يومين لا توجد ديمومة، قال الإمام الحداد: إن الأوراد والأذكار بدون حضور ما تنفع، و من دون مداومة ما تَؤثْر؛ ما يظهر أثرها إلا بالمداومة والمواظبة و الإستمرار، بكثرة الذكر يظهر سر ما في الغيوب.
وقد قالوا أن ألفاظ الأذان مع وجَازَتِهَا جمعت حقائق التوحيد، وحقائق ما يجب اعتقاده. ولذلك قال الإمام الحداد: لو وجدت فرصة لتكلمت على ألفاظ الأذان؛ لما يراه في طَيْهَا من المعاني الكبيرة، ولكن ما قام بشيء من ذلك ولا حفظ لنا عنه شئ؛ فهو شعيرةٌ عظيمة وشأنٌ كبير، و هو من خصائص الإسلام، وعَلِمْنَا ما فيه من الأحكام وبعضهم جعلهُ واجب في الجمعة، وسُنْة في غيرها؛ وهذه بداية مشروعيته كما سمعنا إنها في المدينة المنورة في أي سنة؟ والأصح أنه في السنة الأولى؛ لأنهم بَدَاؤ التجمع معه ﷺ في السنة الأولى فأشكل على بعضهم وتأخر بعضهم وهم يصلون، وبعضهم قد صلوا فرجعوا وقالوا نريد علامة لأجل كُلْنَا يحضر الصلاة معك؛ فجاء هذا التشاور بينهم وجاءت هذه الرؤيا، وما تبعها من المرائي وجاء تقريره عليه الصلاة والسلام.
واختار لذلك بلال بن أبي رباح؛ مع كونه فيه من أثر العُجْمَة، اللكنة اللي في لسانه و كان ينطق بالشين نشهد قريبًا من السين؛ ومع ذلك ما قدم ﷺ غِيْرُه، وجعله هو المؤذن، وصوته نَدِي يصل إلى أماكن بعيدة وحسن، فاختاره ﷺ للأذان، واختص بلال بخصائص كثيرة: كان هو الأمين عنده على شؤون أمواله ونفقاته عليه الصلاة والسلام، بلال بن أبي رباح أو بن رباح. من سادة الحبشة سادة الأُمْة كان يقول سيدنا عمر: "أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا": يعني بلالا؛ لما اشتراه من أمية بن خلف وأعتقه فقال: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا.
وعَظُمَ شأن الأذان وفضيلة المؤذنين؛ وأورد لنا في ذلك أحاديث ومنها ما يتعلق في إجابة المؤذن أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ" أي: الأذان "فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ"، فجاء في الروايات استثناء الحيعلتين، فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ عند حي على الصلاة وحي على الفلاح. كذلك، ما ذكر أهل العلماء عند قوله الصلاة خير من النوم هو يَسْتَحِثُكْ على أن تجيبه فكيف تجيبه؟ انت تقول له: الصلاة خير من النوم وما هو نائم هو يؤذن هناك فتقول له: صدقت وبَرَرْتَ وبالحق نَطَقْتَ. ولأنه إذا قال لك حي على الصلاة أي: أقبلوا على الصلاة، فما معنى الجواب تقول له حي على الصلاة؟ حي على الصلاة تريده يجيء لعندك؟ محل الصلاة هناك يقول لك تعال، وانت تقول تعال! كيف تعال؟ أي أستعين بحول الله وقوته بتلبية النداء والحضور، لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم؛ هذا نداء توجّه إليّ وأنا ناوي على الإجابة و مستعينًا بحول الله وقوته لا بحولي وقوتي، وأما هو يقول لك حي على الصلاة تقول له حي على الصلاة! تريده يجيء لعندك البيت؟ ولا أين يصلي عندك؟ تقول له: لاحول ولا قوة الا بالله؛ أي: أنا سمعت نداءك وسأُجِيِب والَبِّي وأقوم بحول الله وقوته، لا بحولي ولا بقوتي.. لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
كان بعض سلف الأمة يقول مضت أربعون سنة لم يؤذن المؤذن إلا وهو في محل الصلاة قد جاء من قبل الأذان، وقال: لا أكون كعبد السوء، عبد السوء ما يجيء عند سيده إلا عندما ينادي عليه، أما العبد الطيب الخيّر حاضر من قبل ما تجيء الحاجة، إذا أراد حاجة تجده حاضر موجود، وذاك بعيد تحتاجه في حاجة تبحث عنه.. يا فلان.. تدورونه. قال: لا أكون مثل عبد السوء، بل أجيء محل الصلاة قبل مايقولون لي: حي على الصلاة، أنا عبد الله سآتي إلى محل الفرض حقه من قبل ما ينادون في الصلاة، فبقي أربعين سنة ما يؤذن المؤذن إلا وهو جالس في محل في الصلاة انتظارًا للصلاة. ورضي الله عن المجتهدين من الأمة في رضوان ربهم -جل جلاله-.
"إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ" ..و"لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ" من الثواب والأجر والخير والمنزلة عند الله تبارك وتعالى "ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ" أي: يقترعوا بالإِسْتِهَام يجعلون قرعة بينهم، من تزاحمهم،"لاَسْتَهَمُوا"؛ اقترعوا (فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) [الصافات:141] استعملوا القرعة لكثرتهم وزحمتهم؛ فحينئذٍ ما يُفَض بينهم التزاحم إلا بالقرعة؛ فمن خرجت قُرْعَتُهُ لأنهم كلهم يسبقون ويأتون كلهم يريدون الأذان لو عرفوا فضل الأذان.
ولهذا قال: ما ينبغي للمؤمن أن يمر عليه شهر والشهرين والسنة وما قد أذّن! أذِّن شارك سواءً في مسجد، سواءً في بيتك، سواءً في الطريق تعدّي عليك الأيام ما تؤذن، وثواب الأذان عظيم و"المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة"، و"لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌّ ولا إنس ولا شجر ولا حجر إلا شَهِد له يوم القيامة"؛ و"يُغْفَر للمؤذن مدى صَوتِه" وقد يسَّر الله للمتأخرين مكبرات الصوت التي وصلت أصواتهم إلى محلات بعيدة، ويسَّر لهم الإذاعات، ويسَّر لهم النت يؤذن ويصل صوتهم أقصى الأرض شرقها وغربها؛ فعسى يرجع من مدى الصوت؛ لأنه يحتاج إلى مغفرة أكثر أكثر من المتقدمين، يحتاج المتأخرين لمغفرة أكثر فيسّر الله لهم وسائل أكبر.
قال "ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا"، لو يعلمون ما فيه من الأجر، كما جاء في الروايات: "لا يسمَعُ مدى صوتِ المؤذِّنِ جنٌّ ولا إنسٌ ، ولا شيءٌ ، إلَّا شَهدَ لَه يومَ القيامَةِ".
وقيل أنه ﷺ لم يتولى بنفسه الأذان لأن فيه النداء للحضور؛ حي على الصلاة..حي على الفلاح، وأمْرَهُ واجب فرض عين، فإذا نادى الأمة بذلك صار فرض عين على كل واحد أن يحضر، وكان في ذلك مشقة على الأُمة؛ فما تولى الأذان بنفسه، ترك غيره يؤذن -عليه الصلاة والسلام-، لو قال هو: حي على الصلاة صارت فرض عين؛ كل من سمعه يجي صغير كبير مريض ذكر وأنثى، يالله بسم الله قال لكم النبي تعالوا (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) [الأنفال:24] فما تولى هو بنفسه لأجل هذا الأمر في الأذان وترك غيره يأذن؛ لئلا يكون فرض عين على كل من سمعه ﷺ.
وكانوا يتحرّون الامتثال لأمره ولو من بعيد، ولو لم يدخلوا في عموم الخطاب. وكان ﷺ يومًا على منبره رأى بعض الناس قيام فقال: يا أيها الناس اجلسوا؛ و إذا يسمعهُ صحابي خارج المدينة عند غنم حقه، قال: يا أيها الناس اجلسوا، جلس محله وهو ليس من المقصودين بالخطاب ولكن لما سمع أمر النبي أراد أن ينفذ جلس محله هناك عند الغنم حقه هناك بعيد، قال يا أيها الناس اجلسوا جلس، صلى الله على سيدنا محمد و رَزَقَنَا حسن متابعته.
"لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ": يعني: الأذان، والأذان أخص من النداء، يكون المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة على كثبان المسك يوم القيامة، هذا محل المؤذنين، يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطبٍ ويابس -لا إله إلا الله!- والصف الأول؛ الأجر والخير والبركه في الصف الأول.
وابن عبد البر يقول: من بَكْر وانتظر الصلاة وإن لم يصلي في الصف الأول أفضل ممن تأخر وصلى في الصف الأول، هذا جاء قبلك وأنت الآن جئت تزاحم تدخل تريد نفسك أفضل منه! و لكن الجمع بينها أولى، يبكّر ما استطاع ويحرص على الصلاة في الصف الاول، إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول والثاني، و"خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجالِ أوَّلُها" يقول عليه الصلاه والسلام، فلا تعدّي عليك الأيام مالك نصيب من الصف الاول. فهو الذي يلي الإمام هذا الصف الأول، ثم الذي بعده ثم الذي بعده هكذا كل ما قرب كان فهو أفضل.
واستدل بعضهم بهذا على أن المؤذن يكون واحد؛ أنهم يستهمون يعني واحد سيؤذن، ولو كان اثنين ثلاث يؤذنون صار عدد منهم كل واحد سيؤذن، لكن الأذان يكون لواحد، حتى قال العيني: إن أذان اثنين معًا منعه قوم، وقال: أول ما أحدثه بني أمية. قال الشافعية: لا يُكْرَه إلا أن حصل منه تهوّش، وبعض الأماكن يؤذنوا اثنين، ولكن بعضهم على أساس هذا يبلغ عن هذا، وبعضهم في وقت واحد، هذا وهذا يؤذنان معًا.
وأحيانًا يكون تعدد المساجد
ومما حدث فيه كثرة التمطيط؛ فيأخذ وقت زائد وبلحن وكله بلحن ولا ينبغي ذلك وهو بعيد من أذان سيدنا بلال والصحابة. وما كانوا حول التمطيط، والمد في غير محله زائد، لكن يضعون كل شيء في موضعه.
"وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ" أي التهجير هذا؟ الذهاب في الهاجرة للظُهر والجمعة؟ أو المراد التبكيرعموم التبكير؟ فمنهم من رأى معنى التهجير:
"لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ" أي: العشاء، كانوا يعتمون بالإبل كما ورد من حيث تسميتها بالعتمة، ثبت النهي عن تسميتها العتمة"لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الأعْرَابُ علَى اسْمِ صَلَاتِكُمُ" وهذا الحديث إذًا لبيان الجواز "وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً". ثواب الجماعة في العشاء، وفي الفجر يَعْظُم ثوابهما من بقية الصلوات الخمس.
ويقول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: "إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ": يعني: أقيمت الصلاة، "فَلاَ تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ" يعني: تمشون بسرعة يُذهب الخشوع، ولا يليق بتعظيم الصلاة. وأما السعي في قوله: (..فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ..) [الجمعة:9]، قالوا ليس المراد الإسراع الذي يشتت الذهن بل المراد الإمضاء والمشي، حتى كان ابن مسعود يقرأ: (.. إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ ۚ فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ..) [الجمعة:9] . وقالوا المراد بالسعي: المضيّ.
"وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا"، وأما إذا أردتم الإدراك فاحضروا مبكرين، ولاتتأخروا حتى إذا أقيمت تجرون في الطريق بل امشوا على السكينة والوقار؛ فذلك أحب إلى الحق ورسوله عليه الصلاة والسلام. "وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا" وفي رواية: "فاقضوا"، وأكثر الطرق جاءت: "فَأَتِمُّوا" وبعضها جاءت: "فاقضوا"، وعليه ترتّب اجتهادهم في: أن المسبوق تكون أول صلاته ما فاته من صلاة الإمام، فيصلي الآن ما حضر مع الإمام ثم يقضي الذي قد مضى عليه بعد سلام الإمام، أو أول إن أول صلاته هي أول صلاته وهي آخر صلاة الإمام كما عليه الشافعية وغيرهم قالوا: أول صلاته هي نفسها، ومن قال أنها أول صلاته ما فاته فيقضيه بعد أن يسلم الإمام، قالوا لا يصح للمأموم المسبوق أن يصير بعد سلام الإمام إمامًا، لا يصح أن يكون إمام؛ لأنه يقضي ما فاته مع ذاك الإمام.
يقول: "فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلاَةِ": يعني: يقصد إلى الصلاة، يعني: كان في حكم المصلي فعليه أن لا يفعل ما يناقض ذلك ومالا يليق به من سرعة مشي ولا لغطٍ ولا رفع صوت، وما إلى ذلك.. إذا يمشي إلى الصلاة لا يرفع صوته، وإذا داخلين إلى الصلاة فيضحكون ويجيبون نكتة!! هذا لا يليق وقت الدخول إلى الصلاة! هذا وقت الصلاة يمشي، حتى الإسراع بالمشي وانت ساكت ما ينبغي فكيف تقهقه وأنت داخل إلى الصلاة؟ "فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلاَةِ".
ثم ذكر لنا الحديث عن أبي سعيد الخدري قال: إني أراك يقول لمن سيدنا أبو سعيد الخدري؟ للمازني عن أبي صعصعة يقول له: سيدنا ابو سعيد "إنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاء"، ففيه الحرص على الأذان ولو كان وحده، ولو كان في مكان ما فيه ناس يأتون يصلون، ولو كان في بادية، ولو كان عند الغنم ؛ "فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ" يعني ماذا؟ غير الإنس والجن جميع الحيوانات كما جاء في رواية: "كلُّ رطْبٍ ويابِسٍ" "إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". "قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ" لأن هذا ما يقال بالرأي من أين يجيء بهذا الخبر؟ هو تلقّاه عن خير البشر ﷺ، وفيه شهادة النباتات والحيوانات والجمادات يوم القيامة قال الله تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا*بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا) [الزلزلة:4-5]، "سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ".
وجاء في رواية أن النبي قال لسيدنا أبي سعيد: إنك تحب الغنم والبادية.. وجاء نفس الحديث؛ لكن المشهور لا هو الذي قال أبو سعيد، وإنما المرفوع ﷺ قوله:"فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ.." هذا الذي يرفعه للنبي ﷺ. "لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وفيه أن الشيطان يهرب من الأذان والبيوت التي يؤذن فيها تكون أبعد عن تسلّط الشياطين والسحرة وغيرهم من الجان المؤذيين؛ فإن الجن الكفار والمؤذيين يشق عليهم الأذان ويزعجهم. وأن الشيطان يهرب حتى لا يسمع الأذان، فيَتَعَمَّد الضراط حتى لا يسمع الأذان، ثم يعود يوسوس ثم إذا أُقِيمَت للصلاة هرب حتى لا يسمع الإقامة، ثم يرجع ويوسوس للمصلي "فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ" أقيم للصلاة "أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ" ؛ يورد الخاطر، "حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ" يعني: قلبه، يوسوس له "يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي" يعني: ما يدري؛ لايدري، إن نافية؛ بمعنى: لا يدري "كَمْ صَلَّى" من كثرة وسوسة الشيطان لأنه فتح بابه و استمع إليه وأنصت إليه.
فهكذا ينبغي الاستعاذة بالله من الشيطان عند دخول المسجد، وعند إقامة الصلاة، ويقرأ بعضهم سورة الناس تحصّنًا من الشيطان؛ حتى لا يأتي يوسوس أذكر كذا أذكر كذا؛ حتى قالوا كثير أشياء ما يذكرها المصلي إلا لما يدخل يصلي يذكرها، حتى قال واحد جاء عند سيدنا أبي حنيفة يقول إنه عنده مال دفنه ونسي موضعه أين دفنه، قال سيدنا أبو حنيفة: ليس في هذا علم ولكني احتال لك، إذا كان الليل فصلّي حتى يطلع الفجر يدلك الله على مكانه. وقام بعزيمة يريد يصلّي طول الليل حتى صلى ركعتين ثلاثة… جاء الشيطان قال له حقك ذاك المال في المكان الفلاني، ذَكَّرَهُ بها!! فترك الصلاة وراح خرّج حقه البضاعة، جاء ثاني يوم عند أبي حنيفة فأخبره قال: ما أمرك؟ قال: صليت كم ركعات فذكرت ذلك قلت ما كان ليدعك تصلّي طول الليل لربك! سيأتي قرينك ذا من الشياطين وهو يدري مكانه، يذَكْرَك حتى تخرج من صلاتك فهلا أتممت شكرًا؟ لماذا ما شكرت الله وبقيت في الصلاة؟ قال: أوووه! ألّا كذا ضحك عليّ! الليلة بخزيه و أصلي لله طول الليل. فيصير بعضهم يقول إذا نسي شيء يقوم يصلي.. ليس هكذا!! الصلاة ما هي محل تَذَكُر لما نسيته، يعني بتَفْتَح قلبك للوسوسة؟! ولكن أي حاجة لك صلِّ لهُ حاضر معه، وهو يقضي حاجتك كائنةً ما كانت "كان إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة".
اللهمّ ارزقنا حسن متابعته، واحشرنا في زُمْرَتِه، وأحيي فينا حقائق سُنْتِه، وأعذنا به من كل سوء أحاط به علمك بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.
29 ذو الحِجّة 1441