شرح الموطأ -280 - كتاب النكاح: باب ما لا يُجمَع بينَه مِن النساء، وباب ما لا يجوز مِن نِكَاحِ الرَّجُل أمَّ امْرَأَتِه

شرح الموطأ -280 - كتاب النكاح، باب ما لا يُجمَع بينَه مِن النساء، من حديث: « لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلاَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا»
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب النكاح، باب مَا لاَ يُجْمَعُ بَيْنَهُ مِنَ النِّسَاءِ، وباب مَا لاَ يجوز مِن نِكَاحِ الرَّجُل أمَّ امْرَأَتِه.

فجر الأحد 2 ربيع الثاني 1443هـ.

باب مَا لاَ يُجْمَعُ بَيْنَهُ مِنَ النِّسَاءِ

1524 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلاَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا".

1525 - وَحَدَّثَنِي، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يُنْهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، أَوْ عَلَى خَالِتِهَا، وَأَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ لِغَيْرِهِ.

باب مَا لاَ يَجُوزُ مِنْ نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَتِهِ

1526 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا، هَلْ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا؟ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لاَ، الأُمُّ مُبْهَمَةٌ، لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ.

1527 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ اسْتُفْتِيَ وَهُوَ بِالْكُوفَةِ، عَنْ نِكَاحِ الأُمِّ بَعْدَ الاِبْنَةِ، إِذَا لَمْ تَكُنْ الاِبْنَةُ مُسَّتْ، فَأَرْخَصَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ، فَرَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى الْكُوفَةِ، فَلَمْ يَصِلْ إِلَى مَنْزِلِهِ، حَتَّى أَتَى الرَّجُلَ الَّذِي أَفْتَاهُ بِذَلِكَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَه.

1528 - قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ، ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا، فَيُصِيبُهَا: إِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وَيُفَارِقُهُمَا جَمِيعاً، وَيَحْرُمَانِ عَلَيْهِ أَبَداً، إِذَا كَانَ قَدْ أَصَابَ الأُمَّ، فَإِنْ لَمْ يُصِبِ الأُمَّ، لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وَفَارَقَ الأُمَّ.

1529 - وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ، ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا: إِنَّهُ لاَ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا أَبَداً، وَلاَ تَحِلُّ لأَبِيهِ، وَلاَ لاِبْنِهِ، وَلاَ تَحِلُّ لَهُ ابْنَتُهَا، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ.

1530 - قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا الزِّنَا فَإِنَّهُ لاَ يُحَرِّمُ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) [النساء:23] فَإِنَّمَا حَرَّمَ مَا كَانَ تَزْوِيجاً، وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْرِيمَ الزِّنَا، فَكُلُّ تَزْوِيجٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَلاَلِ، يُصِيبُ صَاحِبُهُ امْرَأَتَهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ الْحَلاَلِ، فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ، وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمدُ لله مُكرمنا بشريعته العظيمة، وبيانها على لسان عبدهِ محمد المصطفى الهادي إلى الطرق القويمة، اللهم أدِم صلواتك على عبد المجتبى سيدنا محمد وعلى آلهِ وأصحابهِ، ومن سار بسيرته الفخيمة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعدُ،

فيُواصل الإمام مالك -عليه رحمة الله- في الموطأ ذكر أبواب النكاح، ويتكلم في هذا الباب عمّن لا يحِلّ الجمع بينهم من النساء في عقد رجلٍ واحد، وذلك أن الله تعالى جعل محارم، حرّم على الرجل أن يتزوّج أحدًا منهنّ 

  • من النسب

  • ومن الرضاع

  • ومن المصاهرة

ثم قال: (وأَحلّ لَكُم) وفي قراءة (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ)[النساء:24]. فمن الذي جاء أيضًا في التحريم قوله سبحانه وتعالى: (وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ)؛ حرامٌ عليكم، قال (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ..) قال: (وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ)[النساء:23]؛ بين المرأة وأختها؛ لا يجوز أن يجتمعا في عقد واحد؛ فإذا عقد على أختها فالعقد باطل، والأولى في عقده.

 وهكذا؛ هذه من المسائل المجمع عليها: أنه لا يجوز أن يجمع الرجل في نكاحه بين:

  • أختين

  • ولا بين امرأة وعمتها

  • ولا امرأة وخالتها

  • ولا امرأة وبنت أخيها

  • ولا امرأة وبنت أختها

 وكل امرأتين لو قُدر إحداهما ذكر والأخرى أنثى لم يجوز التزاوج بينهما، فلا يجوز الجمع بينهما؛ فلا يجوز أن يجمع في نكاح:

  •  بين امرأةٍ وابنة أختها

  • ولا ابنة أخيها وإن سفل

  •  ولا عمتها وإن علت

  •  ولا خالتها وإن علت؛ أخت أمها أو أخت جدتها أو أخت أم جدتها.

وكذلك كما هو في تحريم الأمهات وإن علون، والبنات وإن سفلن، (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ) فالبنت، وبنت البنت، وبنت الابن، وبنت ابن الابن، وبنت بنت البنت، كلهم حرام. كالأمهات؛ الأم، والجدة من جهة الأب أو من جهة الأم كلهم محارم.

 وكذلك الجمع بين المرأة وأختها، 

  • سواءً كانت شقيقة 

  • أو أخت للزوجة من الأب

  •  أو أخت لها من الأم

  •  أو أخت لها من الرضاع

 لا يجوز الجمع بين الأختين سواءً كانت أختها شقيقة، أو أختها من الأب، أو من الأم، أو من الرضاع. وهكذا صارت القاعدة واشتهرت من القرون الأول؛ أن كل امرأتين لو قُدّر إحداهما ذكرًا لم يجز له أن ينكح الأخرى، فلا يجوز الجمع بينهما.

 كذلك لا يجوز الجمع بينهما في الوطء بملك اليمين بأن ملك عدد من النساء من أخوات، أو بنات أخوات، أو بنات أخوان، فلا يجوز له بملك اليمين أن يطأ هذه وهذه. بل إذا وطئ واحدة منهن حرمت عليه الأخرى حتى تحرم الأولى عليه، بأن يبيعها أو يزوّجها غيره، فتصير حرامًا عليه فيجوز له أن يطأ الأخرى، وإلا فلا؛ كما لا يجوز أن يجمع بينهما في نكاح.

يقول: "عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلاَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا". وفي هذا تفصيل وزيادة إفادة على الكتاب العزيز فإنه لم يذكر إلا الأختين في قوله تعالى: (وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ)[النساء:22]، فبيّن ﷺ زيادةً في الحكم؛ أن الحكم أيضًا التحريم بأن يجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، والمرأة وابنة أخيها، المرأة وابنة أختها وهكذا… كل ذلك حرام وهذا من المجمع عليه والمتفق عليه، لا يُجمع -أي في نكاح واحد- بين المرأة وعمتها في نكاح، ولا وطء بملك يمين كذلك. 

يجوز أن يجمع بينهن في ملك اليمين نعم؛ لكن في الوطء لا، ما يجوز أن يطأ واحدة منهن بملك يمين مع الأخرى.

"وَلاَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا"، سواءً كانتا عمة وخالة حقيقة؛ أو مجازية وهي أخت الجد؛ يقال لها: عمة، وإن علا، أخت الجدة وإن علت، كلهن حرام إجماعًا. يحرم الجمع بينهما نكاحًا ووطئًا بملك يمين، فلو عقد عليهما عقدًا واحدًا بطل في الكل، وإن عقد على الأولى ثم عقد على الثانية بطل نكاح الثانية وثبت نكاح الأولى. 

هكذا أما في ملك اليمين يجوز أن يجمع بين أخوات، وبين عمات، وبين خالات. كملك أما في الوَطء لا. فيجوز الجمع بين الأختين في الملك هذا من غير خلاف أمر مجمع عليه بين أهل العلم، ويجمع في ملك اليمين بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها وهكذا، فحتى لو أنه وطئ جاريته بملك اليمين، يجوز له أن يشتري أختها، وأن يشتري عمتها؛ لكن ما يجوز أن يطأ أحد منهن حتى تحرم عليه هذه، وهكذا.. لأن: الأصل في الملك يُقصد به التموّل بخلاف القصد في النكاح. فالنكاح يُقصد به الوطء، فلهذا حرم الجمع في الوطء، ولم يحرم الجمع في الملك في ملك اليمين.

 على ذلك أجمع الأئمة الأربعة وغيرهم. (وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ)[النساء:22]؛ أي: ما كان في أيام الجاهلية، والآن انتهى حكمه، فإذا كان في ملك أختان جاز له وطء إحداهما فقط بملك اليمين.

  •  وجاء عن بعض أهل العلم كالنخعي والحكم وحماد: أنه إذا جمع بينهما في الملك فلا يطأ واحدة منهما.

  •  وقال الجمهور: يجوز أن يطأ واحدة دون الثانية 

وذكر لنا الحديث الثاني: "عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " يُنْهَى " أي نقل النهي لنا؛ أي: عن الصحابة " يُنْهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، أَوْ عَلَى خَالِتِهَا، وَأَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ لِغَيْرِهِ". أيضًا نعم ممنوع إذا كانت كانت حاملًا من سيدها قبله، فلا يجوز له أن يطأها حتى تعتد، أو زوجها فحملت، ثم طلقها زوجها فلا يجوز لمالكها أن يطأها حتى تضع حملها وتنتهي عدّتها، "وَأَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ لِغَيْرِهِ".

 وجاء عن رويفع بن ثابت الأنصاري في رواية أبي داود: أنه قام خطيبًا فقال أما أني لا أقول لكم إلا ما سمعت رسول الله ﷺ يقول يوم حنين قال: "لا يحل لأمرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءَ زرع غيره"؛ يعني: ما يتزوج امرأة حامل. قال تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)[الطلاق:4]. وجاء في رواية الإمام أحمد والطبراني: "لا يقعن رجل على امرأةٍ وحملها لغيره".

 

باب مَا لاَ يَجُوزُ مِنْ نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَتِهِ

 

رضي الله تعالى عنه يقول أيضًا ما كان من تحريمٍ بسبب الصهارة، فكذلك يأتي فيه تحريم الجمع بين المرأة وأمّ المرأة، كما يحرم عليه أختها، ويحرم عليه عمتها وخالتها فكذلك أمها، وكذلك بناتها. 

  • إلا أن الجمهور: على أنه إذا عقد على البنت حَرُمت عليه أمهاتها، وإن لم يدخل بها. 

  • قال بعض الصحابة: لا بدّ أن يدخل بها. 

وإن عقد على الأم فطلقها قبل أن يدخل بها لم تحرم عليه بنتها، وإذا عقد على أحد من الأمهات فلا تحرم عليه بنتها، ولا حفيدتها إلا أن دخل بالأم؛ فإن لم يدخل بالأم فلا يكفي العقد. قال تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) هذا في بناتهن (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم) ربائب (مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ)[النساء:23]. وعلى ذلك الجمهور من الصحابة والتابعين، كما أشار إليه الإمام مالك رضي الله تعالى عنه.

 فالمحرّمات بسبب الصهارة؛ بسبب النكاح:

  • أم الزوجة، فمثله جدتها من جهة الأب، أو من جهة الأم، وإن علت.. 

  • وبنت الزوجة كذلك هي ربيبة وحرام. 

    • إلا أن أم الزوجة تحرم بمجرد العقد 

    • وبنت الزوجة إنما تحرم إذا دخل بأمها؛ فإن لم يدخل بأمها لا تصير محرم له بعد حتى يدخل بأمها. 

ومن بديع حِكَم الشيخ أبي بكر بن سالم قال: الدنيا بنت الآخرة؛ ومن عقد على البنت حَرُمت عليه الأم. الدنيا بنت الآخرة فمن عقد على البنت حرمت عليه الأم بمجرد العقد تحرم الأم،  الأم تحرم بمجرد العقد دخل بها أو لم يدخل؛ أي: من رغب إلى الدنيا ومال إليها حرمت عليه الآخرة.

وهكذا؛ يذكر لنا الإمام مالك سُئِلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا، هَلْ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا؟ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لاَ، الأُمُّ مُبْهَمَةٌ، لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ". (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ)[النساء:23]، فشرط الدخول في تحريم الربائب -البنات- أما الأم تحرم بمجرد النكاح بالبنت. كما ذكر الإمام زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه.

"تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا، هَلْ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا؟ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لاَ"؛ أي: صارت أمها محرم، بمجرد أن عقد على البنت "الأُمُّ مُبْهَمَةٌ"؛ أي: مطلقة في القرآن الكريم ليس فيها شرط، وإنما ذكر الشرط في الربائب؛ (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ)؛ فهذا شرط من أجل تحريم الربيبة؛ أن يكون دخل بالأم.

وليس في تحريم الأمهات، أمهات نسائكم من دون شرط، أمهات نسائكم بمجرد العقد خلاص. أما في الربائب (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ)[النساء:23] فذكر الشرط فقط في الربائب. ولهذا قال سيدنا زيد بن ثابت: "الأُمُّ مُبْهَمَةٌ"؛ يعني: مطلقة في القرآن قال: (أُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) دخلتم ولا ما دخلتم بالبنات "لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ".

 إذًا؛ التقييد ورد في الربائب، فقيّد تحريمها بالدخول بالأم؛ فغير الدخول بها دخل تحت عموم قوله: (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ)[النساء:24]. وهكذا جاء عن ابن عباس قال: يجوز أن يتزوج الأم إن لم يدخل بالبنت. ولكن جمهور الصحابة ومن بعدهم: على أنه لا يجوز؛ إنما يجوز أن يتزوج البنت إذا لم يدخل بأمها.

وجاء في رواية ابن أبي شيبة وكذلك ابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي، عن سيدنا زيد بن ثابت أيضا قال:  يقول إذا ماتت عنده فأخذ ميراثها، كُرِه أن يخلف على أمها، وإذا طلقها قبل أن يدخل بها فلا بأس أن يتزوج أمها.

وعلى كل حال الثابت عن سيدنا زيد بن ثابت ما ذكره الإمام مالك في أول الكتاب وهو عن جمهور الصحابة وعليه أجمع الأئمة الأربعة: أن شرط الدخول يختص بالربائب، وأما أمهات النساء فلا شرط فيه.

وذكر: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ اسْتُفْتِيَ وَهُوَ بِالْكُوفَةِ، عَنْ نِكَاحِ الأُمِّ بَعْدَ الاِبْنَةِ، إِذَا لَمْ تَكُنْ الاِبْنَةُ مُسَّتْ"، هذه المسألة، ففي البداية ابن مسعود افتى بالقياس على شرط الدخول بالأم بالنسبة للربائب، وقال: يجوز.. ثم لما ذهب المدينة وتباحث مع الصحابة عَلِم أنه لا يجوز، وإنما الشرط في البنات أن يدخل بالأمهات، أما في الأمهات فيحرمن بمجرّد العقد. فلما عاد قبل أن يذهب إلى بيته ذهب إلى عند الذي استفتاه وأمره أن يفارق زوجته وأنها حرامٌ عليه.

هكذا جاء عن أبي عمرو الشيباني: أن رجلًا من بني شمخٍ تزوج امرأة ولم يدخل بها، ثم رأى أمها، فاستفتى ابن مسعود فأمره أن يفارق البنت ويتزوج أمها، ففعل ثم أتى ابن مسعود المدينة، فسأل أصحاب النبي قالوا لا تصلح، فلما رجع إلى الكوفة قال للرجل إنها عليك حرام ففارقها. ففيه:

  • رجوع الصحابة إلى الحق وصحة الحكم إذا تبيّن. 

  • وحرصهم على استبيان الحكم ورجوعهم إلى القول الصواب.

 وهكذا في رواية: جاء أن رجل من بني فزارة تزوج امرأة مع نفس المعنى المتقدم .. في طرق: من بني شمخ من فزارة، فكأنه ذكر مرة في الرواية من بني فزارة ومرة من بني شمخ وهم هم نفسهم عندهم الاسمان. " فَأَرْخَصَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ" عمر وغيره من أصحاب النبي ﷺ، "فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ" فقط. "فَرَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى الْكُوفَةِ، فَلَمْ يَصِلْ إِلَى مَنْزِلِهِ" لم يرجع إلى داره "حَتَّى أَتَى الرَّجُلَ الَّذِي أَفْتَاهُ بِذَلِكَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ"، رجوعًا إلى الحق والصواب، فأراد تعجيل الأمر وقدّمه على الوصول إلى بيته، لمّا ظهر له وجه الصواب بخلاف ما أفتى به فتعجّل استدراك الأمر في المستقبل والمبادرة إلى منعه من استدامة النكاح.

"قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ تَحْتَهُ"؛ يعني: في نكاحه، معنى تحته في نكاحه الْمَرْأَةُ، ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا" هذا حرام؛ ولكن إذا تمّ ذلك بنكاح فدخل على أمها "إِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ" السابقة أيضًا. ويجب عليه أن يفارق أمها فلا تحل له الأم، ولا تحل له البنت، "وَيُفَارِقُهُمَا جَمِيعاً"

  • لا تحل له الأم؛ لأنه تزوج ابنتها فهي حرام عليه.

  • ولا تحل له البنت؛ لأنه بوطئه لأمها صارت بنت التي دخل بها فصارت حرام عليه. 

فحينئذٍ؛ وإن كان النكاح فاسدًا لكن يترتب عليه الحكم بتحريم ابنتها عليه، فتحرم عليه الاثنتان. 

كما فعلها بعض الخبيثات التي أرادت نزع ابنتها من زوجها، فدخلت إلى فراش ابنتها، وتزيّنت واستغفلت زوج ابنتها حتى ظنّها زوجته فوطئها، فحرُمت عليه البنت أيضًا.. حَرُمت عليه البنت صارت حرام لأنه وطء أمها وهو يظن أنها زوجته، فصار وطء شبهة يثبت به ما يثبت من تحريم من النكاح، فنزعت بذلك ابنتها ولكنها هي واقعة في الإثم المحض، وإثم الزنا عليها كامل عند الله تعالى، وذاك لمّا كان يظن أنها زوجته خرج من الإثم ولكن حرمت عليه البنت.

 وقال: "وَيَحْرُمَانِ عَلَيْهِ أَبَداً، إِذَا كَانَ قَدْ أَصَابَ الأُمَّ، فَإِنْ لَمْ يُصِبِ الأُمَّ"، العقد من أصله باطل، والطلاق تبعه. "لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وَفَارَقَ الأُمَّ"، وبقي على البنت.

 وهكذا إذًا؛ نكاح المرأة على بنتها حرام، فإذا وطئها بنكاحٍ حَرُمت عليه الابنة لوطء أمها، وحَرُمت عليه الأم، لأنه قد عقد النكاح على ابنتها قبلها، فحرمتا عليه معًا حرمةً مؤبدة، فأما إذا لم يدخل بالأم فالنكاح باطل، ويتبعه الطلاق ويبقى زوجته في عقده.

"وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ، ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا: إِنَّهُ لاَ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا أَبَداً، وَلاَ تَحِلُّ لأَبِيهِ، وَلاَ لاِبْنِهِ، وَلاَ تَحِلُّ لَهُ ابْنَتُهَا، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ "؛ لأنه نكح أمها.

هذا في:

  • وطء الشبهة 

  • والنكاح المختلف فيه 

  • ومن يظن أنها زوجته 

"قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا الزِّنَا فَإِنَّهُ لاَ يُحَرِّمُ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ" لا اعتبار له لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) [النساء:23]، ليس في الزنا النساء ولا عقد "فَإِنَّمَا حَرَّمَ مَا كَانَ تَزْوِيجاً، وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْرِيمَ الزِّنَا"؛ والمعنى: أنه -والعياذ بالله- لو كان قد زنا بامرأة جاز له أن يتزوج ابنتها، جاز له أن يتزوج أمها -والعياذ بالله تعالى- لكن التزويج يجوز، لا يثبت تحريم بالزنا؛ إنما التحريم بالنكاح، ووطء الشبهة.

"فَكُلُّ تَزْوِيجٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَلاَلِ، يُصِيبُ صَاحِبُهُ امْرَأَتَهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ الْحَلاَلِ"؛ أي: يكون على عقد التزويج على طريق النكاح المباح، وإن لم يكن مباح بنفسه لكونها أم زوجته مثلًا، 

  • فإذا تمّ بنكاحٍ صارت الشبهة 

  • وكذلك إذا ظنها زوجته فصارت الشبهة 

بخلاف الزنا المحض -والعياذ بالله- فإنه يترتب عليه الإثم الكبير، والعقاب الشديد، ولا يترتب عليه حكم من جهة التحريم لابنتها أو لأمها. يقول الإمام مالك: "فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ"؛ يعني: من أهل العلم، "وَالَّذِي عَلَيْهِ" أي: وهو الذي عليه "أَمْرُ النَّاسِ" وعملهم "عِنْدَنَا"؛  يعني: بالمدينة المنورة.

وينتقل إلى باب نكاح الرجل أمّ امرأةٍ قد أصابها على وجه ما يُكره.

الله يملأنا بالإيمان واليقين والتقوى والاستقامة، ويتحِفنا بالمِنن والمواهب والمزايا والكرامة، ويعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ويصلح أسرنا وأسر المسلمين، رجالهم ونسائهم وصغارهم وكبارهم، بأتم الصلاح حتى يهيئهم للفوز والفلاح، ويدفع عنهم جميع الشرور في البطون وفي الظهور، ويرزقنا وإياهم تبعية حبيبه بدر البدور في جميع الأمور، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ. 

 

تاريخ النشر الهجري

04 ربيع الثاني 1443

تاريخ النشر الميلادي

09 نوفمبر 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام