شرح الموطأ - 217 - كتاب الحج: باب الصلاة بمِنى يوم التَروية وَالجُمُعة بِمَنى وعرفة، وباب صلاة المزدلفة

شرح الموطأ - 217 - كتاب الحج: باب الصَّلاَةِ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوَيَةِ وَالْجُمُعَةِ بِمَنًى وَعَرَفَةَ، من حديث نافع
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الحج، باب الصلاة بمِنى يوم التَروية وَالجُمُعة بِمَنى وعرفة، وباب صلاة المزدلفة.

فجر السبت 30 ذي القعدة 1442هـ.

باب الصَّلاَةِ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوَيَةِ وَالْجُمُعَةِ بِمَنًى وَعَرَفَةَ

1190- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِمِنًى، ثُمَّ يَغْدُو إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ إِلَى عَرَفَةَ.

1191- قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ عِنْدَنَا: أَنَّ الإِمَامَ لاَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءةِ فِي الظُّهْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَأَنَّهُ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَأَنَّ الصَّلاَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ إِنَّمَا هِيَ ظُهْرٌ، وَإِنْ وَافَقَتِ الْجُمُعَةَ فَإِنَّمَا هِيَ ظُهْرٌ، وَلَكِنَّهَا قُصِرَتْ مِنْ أَجْلِ السَّفَرِ.

1192- قَالَ مَالِكٌ فِي إِمَامِ الْحَاجِّ إِذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ، أَوْ يَوْمَ النَّحْرِ، أَوْ بَعْضَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: إِنَّهُ لاَ يُجَمِّعُ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الأَيَّامِ.

باب صَلاَةِ الْمُزْدَلِفَةِ

1193- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعاً.

1194- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ، نَزَلَ فَبَالَ فَتَوَضَّأَ، فَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلاَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "الصَّلاَةُ أَمَامَكَ". فَرَكِبَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ فَصَلاَّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئاً.

1195- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَاري: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْخَطْمِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ: أَخْبَرَهُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعاً.

1196- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعاً.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكْرِمِنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته، عبده وحبيبه وصفوته سيِّدنا مُحمَّد بن عبد الله صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحابته، وعلى أهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين محل نظر الحق -تبارك وتعالى- من الخلق وخيرته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المُقربين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين بفضله وإحسانه وإذنه ومشيئته.

أما بعدُ،

فيواصل الإمام مالك -عليه رحمة الله- ذِكر الأخبار المُتعلِّقة بالصلاة أيام مناسك الحج، ويذكر الصَّلاَةِ بِمِنى يَوْمَ التَّرْوَيَةِ، كما يذكر الجُمْعة إن كان يوم عرفة أو كانت في مِنى، "الصَّلاَةِ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوَيَةِ" يوم التَّروية؛ هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة الحرام، بارك الله لنا وللأُمة في إهلاله وفي قدومه علينا، وبارك لنا في تلك الأيام واللَّيال، بركة يرفعنا بها إلى المراتب العوال، وهو اليوم الذي يتراوى فيه أهل مِنى الماء فسُمي يوم التَّروية، اليوم الثامن من شهر ذي الحجة. 

جاءنا في عدد الرِّوايات عن النَّبي ﷺ أنه خرج في وقت الضُّحى من مكَّة متوجهًا إلى مِنى، وأنه صلَّى الصَّلوات الخمس بمنى، صلَّى الظُّهر ثم صلَّى العصر ثم المغرب ثم صلَّى العشاء ثم صلَّى الفجر في اليوم التاسع يوم عرفة في مِنى، وبعد صلاة الفجر في مِنى دفع إلى عرفة، فنزل بنَمِرة وقد ضُربت له الخيمة بجانب عرفة فلمَّا زالت الشَّمس في ظُهر يوم عرفة، دخل ﷺ إلى عرفة. 

  • فكان المُستحب كما هو مُتفق عليه عند الأئمة الأربعة: أن يصلي الحاج الصَّلوات الخمس يوم التَّروية بمنى، الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ويبيت بمنى تلك اللَّيلة؛ وهذا كله سُنَّة. ليلة التاسع أن يبيت بمنى سُنَّة، وأن يصلي الصَّلوات الخمس بمنى سُنَّة. 

  • وكره الإمام مالك للحاج أن يتأخّر بمكَّة في اليوم الثامن، والسُّنَّة أن يمشي إلى مِنى لاتباعه ﷺ. 

  • قال: إلا أن يكون يوم جُمْعة وهو مكَّي أو من قد أقام بمكَّة أربعة أيام فحينئذٍ تلزمه الجُمْعة، فلا يخرج بل يصلي أولًا الجُمْعة ثم يخرج إلى مِنى، إذا كان يوم الثامن يوم الجُمْعة. 

فهذا التَّوجه المُستحب إلا لمَن جاء متأخرًا وإلا فالسُّنَّة أن يُبادر بالذهاب إلى مِنى في اليوم الثامن ما دام قد أحرم من قبل، فيصلي تلك الصَّلوات الخمس ويبيت بمِنى كما أشار إليه.

"باب الصَّلاَةِ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوَيَةِ"، ومِنى يقال فيها: مِنن، ويقال فيها: مِنى. يُصرف ويمنع من الصَّرف. هذا الموضع المعروف من الحرم بين مكَّة والمُزدلفة. قال الإمام النَّووي -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-: شِعبٌ ممدود بين جبلين أحدهما ثبير والآخر الضائع، 

○ حدها من جهة الغرب؛ من جهة مكَّة جمرة العقبة. 

○ ومن جهة الشَّرق جهة مكَّة بطن المسيل إذا هبطت من وادي مُحْسِر هذه مِنى في حدود ميلين طولها.

○ وعرضها بين جبلين من الجبال المحيطة بها ما أقبل منها الجبال يعد من مِنى وما أدبر منها خارج مِنى. 

يذكرون في خصوصيتها اتساعها للحجّاج كما تتسع بطن الأم للطفل، فإن حجّوا قليل وإن حجّوا كثير؛ تسعهم مُنى.

وكذلك ذكر إذا كان يوم الجُمْعة بمنى أو بعرفة؛ فإنما تصلى ظهرًا، إنما الجُمْعة بمكَّة وبالمُدن التي يستوطن فيها مستوطنون ممَن تلزمهم الجُمْعة. يقول: "عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ" من يوم التَّروية "وَالصُّبْحَ" من غد يوم التاسع "بِمِنًى"، اتباعًا لفعل المُصطفى ﷺ؛ لأنه كما جاء في حديث جابر -رضي الله عنه- الذي رواه مُسلم وغيره: أنه ﷺ صلَّى الظُّهر بمِنى، فلمَّا كان يوم التَّروية توجّهوا إلى مِنى، وركب ﷺ فصلَّى بها الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. وهكذا جاء في رواية أبي داوود والتِّرمذي والإمام أحمد والحاكم أن ابن عباس قال: "صلَّى رسول الله ﷺ الظُّهر يوم التَّروية، والفجر يوم عرفة بمِنى". وهكذا جاء في رواية الإمام أحمد: "صلَّى النَّبي ﷺ بمِنى خمس صلوات". 

وهكذا جاءنا في الصَّحيحين: أن سائل يسأل سيِّدنا أنس بن مالك -رضي الله عنه-، يقول له: أين صلَّى رسول الله ﷺ الظُّهر والعصر يوم التَّروية، أو أخبرني بشيء عقلته عن النَّبي ﷺ، قال له: بمنى، قال: فأين صلَّى العصر يوم النَّفر؟ النَّفر الثاني بعدما رمى، قال: بالأبطح؛ وهو الوادي المشَّرف على مكَّة، فخرج بعد أن صلَّى الظُّهر ﷺ في آخر يوم النفر الثاني فرمى الجمار ثم نفر، مشى إلى الأبطح فصلَّى العصر بالأبطح وعسكر بالأبطح يجتمع إليه أصحابه وقرابته ومَن يسافر معه من أمهات المؤمنين وقرابته ﷺ، فكان بالأبطح وبات هناك ينتظر من يتهيأ له الأمر، وكذلك لأجل أن يطوف، فطاف بالبيت العتيق وخرج متهيئًا مسافرًا، واستأذنته عائشة أُم المؤمنين أن تعتمر عُمرة، فأمر أخاها عبد الرحمن أن يأخذها إلى التَّنعيم ويعتمر بها وتوافيه إلى الأبطح، وقالوا له وهو يريد أن يطوف طواف الوداع ويمشي فقالوا له: إنّ صفية حاضت، قال: أحابستنا هي؟ تحبسنا، هل أفاضت؟ طافت طواف الإفاضة، قال: نعم، قال: فلا إذًا، فأسقط طواف الوداع عن الحائض إذا أراد رفقتها أن يسافروا فلتسافر معهم، ويسقط عنها طواف الوداع ما دامت حائضًا.

 وهكذا هذا الاستحباب في الخروج إلى مِنى يوم الثامن كونه سُنَّة بها، والمبيت بها، وصلاة الفجر بها، سُنَّة متفق  عليها بين الأئمة. وعَلِمنا كراهة الإمام مالك لمُقام الحاج يوم الثامن بمكَّة المُكرَّمة إلا أن يكون يوم الجُمْعة وهو مكِّي أو قد أقام بمكَّة أربعة أيام، فاستحب له يصلي الجُمْعة أولًا في مكَّة أو أن يؤدي فرضه في صلاة  الجُمْعة ثم يذهب إلى مِنى.

"ثُمَّ يَغْدُو"؛ أي: يذهب وقت الغدو وهو الصَّباح "إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ" من مِنى "إِلَى عَرَفَةَ"، فهكذا هو السُّنَّة، 

  • إذا طلعت الشَّمس في منى، يمضي متوجّهًا نحو عرفة اتباعًا للنبي ﷺ، هذا من جهة السُّنَّة. 

  • ومَن تقدَّم أو تأخر في كل ذلك؛ فلا حرج عليه وإنما هذا الأفضل وهذه السنة.

 يقول ابن عُمَر: "غدا ﷺ حين صلَّى الصُّبح في صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة"؛ توجّه من مِنى بعد طلوع الشَّمس، كما جاء في رواية مُسلم حديث جابر صرَّح أن التَّوجه لم يكن بعد سلامه من الفجر مباشرة ولكن بعد طلوع الشَّمس. 

"قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ عِنْدَنَا"؛ يعني: عند أهل المدينة المُنوَّرة، "أَنَّ الإِمَامَ لاَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءةِ فِي الظُّهْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ"؛ لأنها صلاة سرّيّة، وهي ظُهر ليست جُمْعة. الجُمْعة يجهر فيها وكذلك فعل ﷺ، صلَّى الظُّهر والعصر في عرفة فلم يجهر. "وَأَنَّهُ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ عَرَفَةَ"، هذا أيضًا سُنَّة؛

  • عند الأئمة الثلاثة أنه قبل الصَّلاة يخطب ثم يصلوا. 

  • وقد تقدَّم معنا قول أحد الأئمة الأربعة: أن الخُطْبة بعد الصَّلاة.

 فإذا فرغ من الخُطْبة أذَّن المؤذن وأقام الصَّلاة.

يقول الإمام مالك: "وَأَنَّ الصَّلاَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ إِنَّمَا هِيَ ظُهْرٌ"؛ خلافًا لمَن قال من الأئمة أنها جُمعة. "وَإِنْ وَافَقَتِ الْجُمُعَةَ"، فليست بجمعة وقد حجّ ﷺ وكان الوقوف يوم الجُمْعة، فخطب بالناس، وصلَّى الظُّهر والعصر. فبالإجماع كانت حجته ﷺ يوم الجُمْعة في يوم عرفة، فخطب ثم أذَّن بلال ثم أقام فصلَّى الظُّهر ثم أقام فصلَّى العصر، ولم يصلِّ بينهما شيئَا ﷺ. 

  • فمال بعض أهل العلم من غير الأئمة الأربعة إلى أن صلاته ذاك اليوم كانت جُمْعة؛ لأن عرفة لا يسكن بها أحد، ولا يستوطن بها أحد؛ لأنه خطب خطبتين ثم صلَّى الظُّهر والعصر، فاشتبه على بعضهم وظن أنها جُمعة. 

  • وقال الأئمة الأربعة: إنّما صلَّى ظهرًا، وليس بمحل إقامة جُمْعة؛ ولأن خُطْبه في الحج كانت خُطْبة واحدة إلا يوم عرفة خطب خطبتين كما يخطب للجُمْعة؛ فاشتبه على بعضهم كابن حزم وقال: أنه صلَّى الجُمْعة في عرفة صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم. 

ولكنها هي صلاة الظُّهر قُصرت من أربع إلى ركعتين من أجل السَّفر. 

  • هكذا يقول الإمام مالك: أن القصر لأجل السَّفر. 

  • وفي قول عنه: أنّه لأجل النُّسك، فكل مُحرِم يقصر ولو كان قريبًا من عرفة. 

  • إذًا فالقصر للحاج عند المالكية: 

    • سُنَّة مؤكدة. 

    • وقيل: فرض. 

    • وقيل: مُستحب. 

    • وقيل: مباح. 

  • وقال الشَّافعية: إنَّما هو لأجل السَّفر

    • فمَن كان بينه وبين عرفة مسافة مرحلتين فأكثر، فليُقصر. 

    • ومَن كان من أهل مكة وممَن هو قريب من عرفة؛ فيصلي أربعًا وأربعًا. 

  • ولكن قال المالكية وكذلك الحنفية: أن القصر للنسك؛ أي لأجل الإحرام. 

"قَالَ مَالِكٌ فِي إِمَامِ الْحَاجِّ"؛ الذي يتولى الإمارة في الحج، "إِذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ، أَوْ يَوْمَ النَّحْرِ، أَوْ بَعْضَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: إِنَّهُ لاَ يُجَمِّعُ"؛ أي: لا يصلي الجُمْعة، "فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الأَيَّامِ"، لا بمنى ولا بعرفة؛ لأن الجُمْعة إنَّما تقام بموضع فيه استيطان وإقامة وليس كذلك عرفة، ومِنى كذلك قرية لا يسكن بها أحد، فإذًا لا تلزم. 

فإن كان في الثامن يوم جمعة، 

  • قال الإمام النَّووي: خرجوا قبل طلوع الفجر؛ يعني: من مكَّة؛ لأن السَّفر يوم الجُمْعة إلى حيث لا تصلى الجُمْعة حرام أو مكروه، ولا جُمعة بمنى ولا عرفات. 

  • قال الإمام الشَّافعي: فإن بني بها قرية واستوطن أربعون من أهل الكمال؛ أي: ممّن تلزمهم الجُمْعة، أقاموا الجُمْعة هم والنَّاس تبع لهم بعد ذلك، كما سكن بعضهم في الفترة الماضية في مِنى ولكن لم يبلغوا هذا العدد الذي تقام به الجُمْعة. 

 

باب صَلاَةِ الْمُزْدَلِفَةِ

 

ثم ذكر لنا أيضًا: "صَلاَةِ الْمُزْدَلِفَةِ"، وهي عمله ﷺ في صلاة المغرب والعشاء في المُزدلفة. فلو صلَّاها بعرفة جاز، وفي الطَّريق جاز، ولكن الأفضل أن يمضي حتى يُصلّي المغرب ثم العشاء في مُزدلفة اتباعًا للنبي ﷺ. 

وهكذا جاءنا في الأحاديث التي رواها، ومنها ما جاء في الصَّحيحين، في حديث: "ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ، نَزَلَ فَبَالَ فَتَوَضَّأَ، فَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ"؛ يعني: توضأ مرة مرة على غير عادته؛ لأنه لا يريد الصَّلاة الآن. "فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلاَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: الصَّلاَةُ أَمَامَكَ". قال: "الصَّلاَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: الصَّلاَةُ أَمَامَكَ"؛ يعني: في مُزدلفة، فمضى "فَرَكِبَ" حتى وصل إلى "الْمُزْدَلِفَةَ، نَزَلَ" فأعاد الوضوء، "فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ"؛ أتمّه وأكمله. فهذا تجديد الوضوء هو متوضئ، 

  • تجديد الوضوء عند الشَّافعية والمالكية إذا قد صلى، وعند المالكية أو قد فعل من أفعال الوضوء من مس المصحف ونحوه، فيُسن تجديد الوضوء.

  •  بل قال الحنفية: إذا تبدل من مكان إلى مكان؛ يُسن تجديد الوضوء. وعليه هذا أنه قد انتقل من محل ما توضأ أولًا في الطَّريق ثم وصل إلى مُزدلفة فأعاد الوضوء صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم. 

"ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ فَصَلاَّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئاً." وهكذا، وهذا الجمع جمع تأخير؛ لأنه أخّر صلاة  المغرب، فطلع المغرب عليه وهو في عرفة، ثم سار فلم يصل إلى مُزدلفة إلا بعد خروج وقت المغرب، في وقت العشاء فصلّاهما بالمزدلفة، والله أعلم.

الله يكرمنا بالتقوى والإنابة، ويصلح أحوال المسلمين في المشارق والمغارب، ويدفع البلايا والمصائب والنوائب، ويحوُل الأحوال إلى أحسنها ويرفعنا إلى أعلى مراتب قُربه والدنوّ منه والفهم عنه في عافية بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

01 ذو الحِجّة 1442

تاريخ النشر الميلادي

11 يوليو 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام