شرح الموطأ - 194 - كتاب الحج: باب الحج عمَّن يُحَجُّ عنه

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الحج: باب الَحجُّ عَمَّن يُحَجُّ عنه.
فجر الإثنين 26 شوال 1442هـ.
باب الْحَجِّ عَمَّنْ يُحَجُّ عَنْهُ
1042 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أبِي شَيْخاً كَبِيراً، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ". وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
نص الدرس مكتوب:
آله وأصحابه طُرّا، ومن والاهم في الله وبمجراهم جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء، والمُرسلين المُرتقين في الفضائل أعلى الذُرى، وعلى آلهم وصحبهم ومن والاهم وتابعيهم، والملائكة المُقربين، وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.
وبعدُ،
يذكر الإمام مَالِكْ عليه رضوان الله الحديث في الحج عن العاجز عن الحج بأن ينوب عنه أحدٌ، أو يستنيب أحدًا فيحجّ عنه، فيذكر في هذا الباب بيان الحج عن الغير.
ومن المعلوم أنّ الاستِنابة في الحج وغيره مما يقبل النيابة، فإن العبادات منها:
- ما هي ماليٌّ بحت، كمثل الزَّكاة ونحوها، وفيه تُقبل النيابة.
- ومنها ما هو بدنيُّ بحت كالصَّلاة، فلا يقبل النيابة.
- ومنها ما هو بدني ومالي كالحج، فيقبل النيابة عند الجمهور.
فلا يجوز أن يَستنيب في الحَج الواجب مَن كان قادرًا على الحَجِّ بنفسه إجماعًا، إنما اختلفوا في التطوع، وقال الحَنَفِية: يجوز أن يستنيب من يحج عنه في التطوع ولوكان قادرًا، أما في حَجة الإسلام فإذا هو قادر فلا تجوز النيابة، إذًا، فالإجماع إذا كانت حَجة الإسلام فلا يجوز أن يستنيب وهو قادرٌ على الحج، فلا يُجزيء عنه أن يحجَّ عنه غيره.
والحجُّ المَنذور كذلك، بعد أداء الفريضة كحَجَة الإسلام في جواز الاستنابة عند العجز.
أما حج التطوع بعد أداء الفريضة، فَأشرنا إلى ذكر الخلاف فيه:
- وجوَاز الإنابة في الحجِّ النفل ولو كان مقتدرًا عند الحَنَفِية.
- ولكن قال الشَّافعية والحَنابِلة إنما يكون ذلك للعاجز.
- أما المَالِكْية فإنهم في أصل النيابة في الحجِّ يكرهون ذلك ولهم فيه كلام على أنهم يُصححون الوصية بالحجِّ وتنفيذها من الورثة.
وهل يجب الحجُّ على من لا يستطيع بنفسه؛ ولكن يستطيع أن يستأجر من يَحجَّ عنه؟ مَنْ وُجدت فيه شرائط وجوب الحجّ وكان عاجزًا عنه لمانع، إن كان هذا العجز:
- لمانع ميؤوس عنه، ميؤوس مِن زواله، مثل زمَانة أو مرض لا يُرجى برؤه ولا الشفاء منه،
- أو لكونها أدركته وكما في الحديث هذا الذي تلاه علينا وهو كبير، عاجز، شيخ فاني زَمِن لا يستطيع أن يحج لِكبره، وهذا ما يرجع إلى شاب ولا صغير فهذا يستمر معه الكِبَر إلى أن يموت.
وإذا وجد من ينوب عنه بالحجّ؛ فقال الشَّافعية وجماعة من أهل العلم: أنه مثل الاستطاعة بنفسه، الاستطاعة بالغير كالاستطاعة بالنفس، فيجب عليه أن يستأجر من يحجَّ عنه. والحديث صريحٌ الذي ذكره لنا عن استفتاء هذه المرأة منه صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.
مع قول أبي حَنِيفَة و مَالِكْ: أنه لا يلزمه أن يستأجر أحدًا، ولا أَن يَستنِيب أحدًا عن نفسه، فقال الشَّافعية: الاستِطاعة بالغير كالاستِطاعة بالنفس، فيلزم عليه أن يَستنيب مَن يحجّ عنه ما دام عاجزًا عجزًا لا يُرجى زواله كشأن المعضوب.
إذًا، استفدنا من الحديث جواز الحجِّ عن الغير، وهكذا إذا كان مَعضوبًا غير قادر على الحجّ، فكذلك يقول الجماهير من الأئمة الثلاثة: أبي حَنيفَة والشَّافعي وأحمَدْ بن حَنبَل: أنه يُحجُّ عنه.
وجاء رواية عن الإمام مَالِكْ:
- أنه ما يُحجّ عنه.
- وفي رواية أنه يجوز مِنْ الولد، مِنْ ولدِ المَعضوب هذا أن يَحجّ عنه دون غيره.
- وفي رواية أنه يجوز أن يحج عنه إن أوصى به.
هذه الروايات عن مَالِكْ، واشتهرَ عن المَالِكْية عدم قولهم بالنيابة في الحَجّ.
وأما مَن يُرجى زوال مرضه؛ أو محبوس ونحوه ممكن يُفتَك، فليس له أن يَستنيب، فإذا استنابَ لم يُجزئه ولم تبرأ ذمته وبقيت حَجة الإسلام عليه. هكذا يقول الشَّافعية والحَنَابِلة: من كان يُرجى زوال مرضه، أو كان محبوسًا يمكن فَكاكه فلا يَصح أن يَستنيب، وإن استناب وحُجَّ عنه فإن ذلك لا يقع عنه ولا تزال حَجة الإسلام في رقبته.
وقال الإمام أبو حَنِيفَة: يُنظر يَصِح الاستنابة، ويُنظر إن مات في الحبس، أو استمر به المرض الذي يُرجى برؤه وماتَ فيه، صَحّت، تبيَّن صحة الحَجّ عنه، وإن شُفي وعُوفي وخرج من السجن فلا بد أن يحجَّ بنفسه، فصحّته موقوفة عند الإمام أبي حَنِيفَة،
- فإن استمر عنده المرض حتى مات وقد استناب مَن يحجَّ عنه وهو مريض فقد أجزأه ذلك، وإن كان المرض مما يُرجى برؤه.
- أو كان محبوسًا فاستناب من يحجَّ عنه ثم مات في حبسه، فعنده صحَّ الحجّ بذلك.
ولهذا قالوا في شروطهم: دوام العجز إن كان لعذرٍ يرجى زواله، دوام العجز إلى أن يموت ذلك الذي استأجر.
وأما من وجدِت فيه شرائط وجوب الحجّ وهو عاجز لمانع ميؤوس من زواله، متى وجد من ينوب عنه، فلو كان على غير العادة شُفي مِن ذلك المرض واستناب مَن يحجّ عنه، راح حجه ثم هو تعافى،
- فكذلك المعتمد عند الشَّافعية: أنه يلزمه أن يحجّ، لأنه خرج من العذر وله ثواب على ما بعث من الحجّ عن نفسه وحَجها.
- وقال بعضهم أنه خلاص قد سقط عنه الوجوب فما بقي إلا أن يتطوع.
نَقَل عن الفتح القدير: اختلفوا فيما إذا ما عوفي المَعضوب، قال الجمهور: لا يجزئه لأنه تبين أنه لم يكن ميؤوسًا منه، قال أحمد وإسحاق: لا تلزمه الإعادة.
ذكر قول الإمام النَّووي في المناسك: ولو استناب المَعضوب مَن يَحجُّ عنه، فحجَّ عنه ثم زال العَضب على غير العادة، لم يُجزِه على الأصح بل عليه أن يحجّ، هذا معتمد الشَّافعية. وفي قول عندهم: أنه قد سقطت، برأت ذمته بالحجّ؛ لأن العادة أنه لا يُبرأ من هذا، فخروج هذا عن العادة لا يغير الحكم مقابل الأصح، والأصح عند الشَّافعية أنه ما دام عافاك الله، اذهب وحج، الحمد لله ربي أعطاك كرامة مِنْ عنده، مرض لا يرجى برؤه؛ وبرأك منه أنت، فقم اشكره وحج البيت ما دمت قادرًا على ذلك.
ولا يصِح الحجّ عن المَعضوب ونحوه بغير إذنه، فما دام هو حي فلا يُحجّ عنه إلا بإذنه.
ومتى توفي من وجبَ عليه الحجّ ولم يَحُج، وجب أن يُخرج عنه من ترِكة ماله ما يُحجّ به عنه ويُعتمَر هكذا قال الشَّافعية والحنَابِلة.
- قال أبو حَنِيفَة ومَالِكْ: إذا قد مات خلاص، يسقط بالموت، فإن أوصى فهي مِنَ الثُلث، ويقول الحَنَفِية إذا تبرع أحد ولو مِنْ دون وصية فهو مجزئ إن شاء الله تبارك وتعالى.
وأما من لم يحجّ عن نفسه فلا يجوز أن يحجَّ عن غيره حتى يحجّّ عن نفسه، فإذا حجَّ عن غيره وهو لم يحجُّ عن نفسه حَجَة الإسلام وقع إحرامه في حجه عن نفسه، وصارت حَجَة الإسلام له، وجب عليه أن يرد الأُجرة إن كان استؤجِر.
وفي رواية للإمام أحمد: يجوز ذلك، للحديث هذا الذي ذكره الإمام مَالِك، ولكن قد جاء في الحديث أنه سمع ﷺ من يقول: لبيك عن شُبرُمة، قال ما شبرمة؟ فقال إنه عمه قال: "قد حَججت عن نفسك؟" قال: لا، قال: "حُجَّ عن نفسك ثُمَّ حُجّ عن شُبرمة" أولاً عن نفسك حُج، وبعد ذلك حُج عن شُبرمة، ما دام ما حجّيت عن نفسك فلا يصح أن تحجَّ عن الغير، وبهذا قال الجمهور.
ويجوز أن ينوب في الحجّ:
- الرجل عن الرجل، والمرأة كذلك.
- والرجل عن المرأة.
- والمرأة عن الرجل
في جواز النيابة في الحجّ.
وأورد لنا هذا الحديث وقال: "كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ" أكبر أولاد سيدنا العباس وبه يُكنى يقال له أبو العباس، وهو شقيق عبد الله بن عباس، أمهما: أم الفضل، أردفه النَّبي ﷺ حَجة الوداع وحضر غُسل النَّبي -عليه الصلاة والسلام- سيدنا الفضل، وقُتل يوم اليرموك وعليه درع النَّبي ﷺ ، وقيل أنه مات كما ذكر الواقدي بطاعون عَمواس سنة ثمانية عشر.
والحديث هذا أيضًا جاء في صحيح البُخاري أن الفضل بِن عباس، يرويه عنه أخوه عبد الله بِن عباس، وكان ردْف النَّبي ﷺ؛ يعني: أركبه وراءه معه على الدابة، وذلك أنه عند خروجه ﷺ من عرفة أردفَ معه أسامة بِن زيد إلى مُزدلفة، ثم مع خروجه مِن مُزدلفة متوجهًا إلى مِنى أردفٍ الفضل بِن العباس -رضي الله عنهم أجمعين-، وهنيئا لهم بما آتاهم الله مِنْ قُربه وقرب رسوله الأمين ﷺ.
جاء في لفظ الإمام أحمد: وقف رسول الله ﷺ بعرفة، فقال هذه عرفة وهو الموقف، ثُمَّ أتى المَنحر وقال هذا المنحر، وكل ِمنى مَنحر، واستفتته امرأة. وفي رواية: ثم جاءته جارية شابة مِنْ خثعم فقالت: إن أبي شيخٌ كبير، قد أدركته فريضة الله في الحج أفيُجزئ أن أحجّ عنه؟ قال: "حجّي عن أبيك"، ولوّى عنق الفضل فقال له: قد لويت عنق ابن عمك، قال رأيت شابًا وشابة فلم آمن عليهما الشيطان. وفي هذا وجوب غض البَصر والحذر من موجبات السوء والشر، وهو المسلك الذي عليه أنبياء الله وَأصفياء الله وصالِحو عباد الله، وهو الذي يُضاده إبليس وجُنده، من الإنس والجن، ويحبّون:
- عدم التحرّز وعدم الاحتياط
- وعدم الغَض
- ويَستحبون الاختلاط والتبرج وما إلى ذلك
فهذا مسلك إبليس وجنده مِن شياطينِ الإنس والجن، لا خير فيه للبشر من قريب ولا من بعيد، ولا يحمل إلا الشَّر. ومسلك أنبياء الله ورسلِه وهو الأطهَر، والأنوَر، والأجّل، والأعظم، والأقوَم، فَرضينا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا ﷺ.
"رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ"، قالوا وفي جواز الإرداف، يقول وهو من التواضع، فإن أهل الفخر والكبرياء لا يسمحون لأحد أن يركب معهم، ويركبون وحدهم على الدواب ولا يردفون أحد، وكان ﷺ كما أسلفنا أردف أُسامة مِنْ عَرفة إلى مُزدلفة ليلة النحر، في اليوم الثاني أردف سيدنا الفضل بِن عباس. وكذلك مِمَن حضر غُسله ﷺ القُثم بِنْ العباس، ثُمَّ كانت وفاته في سمرقند، مِن أرض روسيا بخروجهم في الجهاد في سبيل الله في نشر الإسلام، عليهم الرضوان.
"قَالَ: فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ"، خثعم قبيلة، ويُقال أن جدهم هذا أبو قبيلة من اليمن يُقال له َخثعم، يُقال أنه سُميَّ بجبل يُقال له: خَثعَم، "تَسْتَفْتِيهِ"؛ أي: تسأله، "فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا" وتنظر الخَثعمية إليه "فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ" ﷺ حتى أنهت المرأة سؤالها ثُمَّ انصرفت.
ومشى ﷺ على ناقته العَضباء وخلفه الفضل بِن عباس حتى جاء إلى مِنْى، فقصدَ جمرة العَقبة فقطعَ التَّلبية ثُمَّ كبَّر، ورمى جمرة العقبة واشتغل بالتكبير، ثُمَّ انحاز فنَحَر هَديَه وكان مئة بَدَنة، ونَحَرَ بيديه الشريفة ثلاثًا وستين، ثُمَّ سلَّم المُدية لسيدنا علي ليُكمل ما بقيَ، ثُمَّ دعا الحلاق فحَلَق، فأحدق النَّاس به؛ يريدون شعره الشريف، فراقبهم، فلمّا حَلَق الشق الأيمن أمره أن يوزعه عليهم، يعطيهم إياه، فأقبل الصَّحابة عليه حتى كادوا أن يقتتلوا، فمنهم مَن تُصيبه الشعرتان، منهم من تصيبه الشعرة.
وكان من الذين زاحموا على ذلك سُهيل بِنْ عمرو، ورآه سيدنا أبو بكر وهو يُزاحم النَّاس حتى وقع في يده شعرةٌ من شعره ﷺ فقبَّلها ووضعها على عينيه ورفعها، فبكى سيدنا أبو بكر وقال: هذا سُهيل بِنْ عمرو في عام صلح الحُديبية ما رضي أن يكتب مُحمد رسول الله ما رضي أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم، ولو قتلناه ذاك اليوم لدخل النار؛ ولكنَّ رسول الله ﷺ في حِلمه وصبره كيف تحوّل الرجل اليوم ها هو ينازع ويريد شعرة من شعر رسول الله ﷺ يتَبرَّك بها، وقبَّلها ووضعها على عينيه ورفعها، فبكى لهذا الموقف سيدنا أبو بكر الصديق.
فبعد أن حلق ركِب وذهب إلى مكة المكرمة فطاف طواف الإفاضة، ثُمَّ عاد إلى مِنى وبات بها، ورمى في اليوم الثاني والثالث، ويُذكر في السيرة أنه قد يخرج ليلًا من دون أن يشعر به عامة الصَّحابة إلى الكعبة، فيطوف ويرجع ويبيت بمِنى، صلوات ربي وسلامه عليه.
قال الأظهر في صرف وجه الفضلِ لِخوف الوقوع في الحرام، لا الوقوع في الحرام، وكان في صرفه للفضل بيان لحُكم المسألة للمرأة وللرجل، فتعلَّم الحُكم بذلك، وكانت هي مُقبلة عليه لتسأله ﷺ فاكتفى بصرف وجه الفضل بِن العباس.
"فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ" في استفتائها، "إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ" وفي رواية: "إنَّ فَرِيضةَ الله عَلَى العِبَادِ في الحَجِّ" أي في أمر الحَجّ وشأنه، "أَدْرَكَتْ أبِي شَيْخاً"؛ أي: في حالة كونه شيخًا، "كَبِيراً، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟"؛ يعني: أيجوز لي أن أنوب عنه فأحجّ عنه؟ "قَالَ ﷺ: نَعَمْ" "حُجِّي عَن أبيكِ" جاء في الرواية "وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ"، جاءت عدد من الروايات، فيُحتمَل أيضًا من مجموع الروايات أنَّ السؤال أيضًا كان مِن المرأة ومعها عمّها ويسأل النبي ﷺ، وكان يسأله عن أبيه وأمه لمّا كبُرا، يعني: جاء في رواية السؤال عن الوالدين، فكانت معه ابنة أخيه هذه الخَثعمية فسألت لأبيها، وجمع بعضهم بين الروايات بهذا. "وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ" وهي حجته الوحيدة التي حَجّها بعد هجرته صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.
ثُمَّ يتكلم على: مَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ أو بِغيرِ عَدُوّ، كما سيأتي معنا، وقد شرع ﷺ أمر المُحصر في عام الحُديبية لمّا أُحصِر عن عُمرته التي أحرم بها ﷺ، وقد نزل القرآن بذلك (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ) [البقرة:196] يقول سبحانه وتعالى.
زاد الله بيته الحرام شرفًا وتكريمًا، ومَسجدَ نبيه المُصطفى ﷺ اعتلاءً ورفعةً، وخلَّص مسراه ﷺ وبيت المَقدس مِنْ اعتداء المُعتدين، وظلم الظالمين، وغصب الغاصبين، وأذى المؤذيين، وشرَّ أهل الشر، وفرَّج كروب المسلمين في المشارق والمغارب، وأدام لهم أمنًا، وطمأنينةً، وسكينةً، وتوفيقًا، وجمعًا على ما يُحب، ورفع عنهم سُلطة الأعداء، وعُضال الداء، وجميع الأسواء في السر والنجوى، وبارك لنا ولكم في الإقبال عليه، ورزقنا كمال القبول لديه في عافية، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النَّبي محمد ﷺ.
26 شوّال 1442