شرح الموطأ - 179 - كتاب الحج: باب مواقيت الإهلال

شرح الموطأ - 179 - باب مواقيت الإهلال، من حديث: (يُهِلُّ أهلُ المدينة مِن ذي الْحُلَيْفَةِ..)
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الحج، باب مواقيت الإهلال.

فجر الأربعاء 25 شعبان 1442هـ.

 باب مَوَاقِيتِ الإِهْلاَلِ

930- وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ".

931- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلَ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلَ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَمَّا هَؤُلاَءِ الثَّلاَثُ فَسَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ".

932- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَهَلَّ مِنَ الْفُرْعِ.

933- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَهَلَّ مِنْ إِيلْيَاءَ.

934- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَهَلَّ مِنَ الْجِعِرَّانَةِ بِعُمْرَةٍ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرمِنا بالشَّريعة العظيمة وبيانها على لسان عبده المصطفى مُحمَّد، صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه ومَن سار في دربه ووالاه في ذات ربّه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرَّبين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

يواصل سيِّدنا الإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى- ذِكر الأحاديث المُتعلِّقة بالحج، ويذكر "باب مَوَاقِيتِ الإِهْلاَل"، جمع ميقات؛ أن يُجعل للشيء وقت يُختصّ به، واتسِع إلى المكان كما هو للزمان، فجُعلَت هذه المواقيت المكانية لأجل الإحرام بالحج أو بالعُمرة. 

فقال: "باب مَوَاقِيتِ الإِهْلاَلِ"، والإِهْلاَل؛ أصله رفع الصَّوت عند رؤية الهلال، ثم وسِّع إلى مُطلق رفع الصَّوت، وكثيرًا ما يطلق على الإحرام بالحج أو بالعُمرة. يقال: أَهلّ بحج أو بعُمرة، فهذا هو الإهلال بالنُّسك؛ بمعنى: الإحرام به؛ بالحج أو بالعُمرة، يكون بمعنى التَّلبية ورفع الصَّوت بها عند الدخول في الحج أو بالعُمرة، وعليه جاءت الرِّوايات في إهلاله ﷺ،

○ فمَن سمعه في المكان الذي صلَّى فيه بذي الحُلَيْفة. قال: أنه أَهْلّ؛ أي: أحرم محل صلاته. 

○ ومَن سمعه عندما انبعثت به راحلته أَهْلّ، فقال: أَهْلّ عندما انبعثت به راحلته. 

○ ومَن لم يسمعه في إهْلاله إلا من بعد ما مشت في البيداء، قال: أنه أحرم عندما ما مشت به راحلته في البيداء؛ أي الصَّحراء. 

"باب مَوَاقِيتِ الإِهْلاَلِ"، فوَقَّت ﷺ هذه المواقيت في عام حجّه ﷺ. ويقول: "عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ"، الحليفة: تصغير حَلَفَة؛ نبات معروف، وهذا الموقع نحو ست أميال من المدينة المنورة؛ معلوم هو ميقات أهل المدينة، وهو أفضل المواقيت وهو أبعدها مسافة عن مكة المُكرمة. "يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ"، وكان الإتيان إلى مكة شعثًا تفلًا تاركًا لزهوه ونفسه ولرفاهيته، وكان في التَّكليف أن يُحرِم من بلده حرج ظاهر؛ فوقَّت لهم ﷺ أمكنة معلومة حول مكة يُحرمون منها، ولا يجوز لهم تأخير الإحرام عنها. 

"وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ" وجاء في رواية النَّسائي عن سيِّدتنا عائشة" ومِصر"، "يهلُّ أهل الشَّام ومِصر". وجاء في رواية عند الإمام الشَّافعي: "والمغرب"، "يهلُّ أهل الشَّام ومِصر والمغرب"، "مِنَ الْجُحْفَةِ"؛ وهي: منطقة معروفة على طريقهم بينها وبين مكة نحو خمس أو ست مراحل، وهي التي دعا ﷺ بنقل حُمَّى المدينة إليها، فقال: "اللَّهم حبِّب إلينا المدينة وصحِّحها لنا، وانقل حُمَّاها إلى الجُحْفة". وهكذا عندها ما يُسمى برابغ، يُحرم منه المصريون هذا بقرب الجُحْفة، سميِّت رابغ لكثرة حُمَّاها لا ينزلها أحد إلا حُمَّى. 

قال: "وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ". نجد؛ ما ارتفع من المكان؛ يعني غير أهل السَّهل وغير أهل التّهامة. فتهامة؛ ما انخفض من الوديان والأماكن. والنجد؛ ما علا من جبال. "وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ" الذي يُسمى: بقرن المنازل. "قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ"، والحديث جاء في الصَّحيحين وغيرهما. وهذه سمعها بأذنه سيِّدنا عبد الله بن عُمَر وهذه بلغته، ففرَّق بين ما سمعه بأذنه وبين ما بلغه. قَالَ: "وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ"؛ وهذا الجبل الذي على مرحلتين من مكة المُكرَّمة، وقد يُقال لها: ألملم. 

وأورد لنا حديث: "عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلَ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلَ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ". وأورد أيضًا حديث ابْنُ عُمَرَ: "أَمَّا هَؤُلاَءِ الثَّلاَثُ فَسَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ". 

وهكذا فإذا أراد المؤمن دخول مكة، فينبغي أن لا يدخلها الا مُحرمًا. وقالوا: فيمن يتكرّر دخوله من الذين لهم مهن قريب من مكة، ويدخلون مكة في كل يوم يخرجون؛ لا يلزمهم الإهلال. ومَن كان يندر دخوله إلى مكة، اختلفوا فيه:

  • قال الإمام مالك: 

○ مَن يندر دخوله إلى مكة؛ لا يدخلها إلا وهو مُحرم؛ فلا يدخل مكة حتى يُحرم بحج أو عُمرة من الميقات الذي يمُر عليه، يُحرم بذلك. 

○ فأما الذي يتكرر دخوله إلى مكة وكانوا يُمثلونهم بالحطَّابين؛ الأكرياء؛ فهؤلاء لا بأس بدخولهم إلى مكة بغير إحرام لأن المشقّة تلحقهم بتكرر الإحرام والإتيان بالعُمرة في كل مدخل، وهم يدخلون في كل يوم، وربما في اليوم أكثر من مرة.

○ وأما الذي يندر دخوله إلى مكة، والإمام مالك يقول: لا يجوز أن يدخل مكة إلا مُحرمًا؛ فلا يدخل مكة بغير إحرام. 

  • وقال غيره: يجوز له ذلك، والأفضل أن يدخلها وهو مُحرم تعظيمًا للشعائر.

وهكذا يلزم مَن أراد النُّسك أن لا يجاوز الميقات حتى يُحرم من عنده. فإن جاوزه؛ أثِم وعليه الفِدية وهذا الميقات المكاني. كما أن للحج ميقات زماني، قال عنه  سُبحانه وتعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ)[البقرة:197]؛ شوال وذي القعدة والعشر من ذي الحجة، وكذلك هذا الميقات المكاني؛ في الأماكن التي عيّنها ﷺ للإحرام بالحج. 

والنَّاس بعد ذلك بالنسبة للمواقيت ما بين:

  •  مكي، فهذا يُحرم بالحج من نفس داره ومن مكة المُكرَّمة.
  • وما بين حَرَمي؛ مَن يقيم في الحرم دون مكة وأقرب من الميقات.
  • وبين ميقاتي؛ الذي يسكن الميقات.
  • وبين كان آفاقي؛ مَن كان خارج هذه الأماكن من مُختلف الآفاق.

فمَن كان دون الميقات، يُحرم من حيث هو، ومن كان عند كذلك. ومن كان قريبًا من الميقات، فينبغي له أن يذهب إلى الميقات، ويجوز له أن يُحرم من دويرة أهله، وكل مَن كان بين الميقات وبين مكة. وكذلك مَن كان في حدود الحرم فميقاتُهم بالحج من محلاتهم. 

أمّا بالعُمرة فمَن كان في مكة أو في وسط الحرم، فلا بُد من الخروج إلى أدنى الحِل خارج حدود الحرم لأجل أن يُهل بالعمرة. وكذلك كل مَن كان وسط مكة ووسط حدود الحرم فأراد أن يعتمر فلا يجوز له أن يُحرم إلا أن يخرج عن حدود الحرم إلى إحدى الجهات: 

  • إمَّا أقربها وهو جهة التَّنعيم، فيُحرم من هناك خارج حدود الحرم.
  • ووسطها الحُديبية فيُحرم منها، في المنطقة التي يقولون لها الآن الشّميسي. 
  • وإما من الجعرَّانة؛ وهو أفضل مواقيت لمَن يُحرم بالعمرة من أهل مكة وهو أبعدها عن مكة، أحرم منها ﷺ عند مجيئه من الطَّائف. وأمر عائشة أن تُحرم من التَّنعيم.

فإما أن يُحرم من الحُديبية، ومنها رُدّ بعام عُمرته لمَّا جاء مُعتمرًا من المدينة المُنوَّرة وردّه المشركون وكان عند الحُديبية المدخل إلى مكة المُكرمة وأقام صلح الحُديبية ﷺ. 

يقول: "عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَهَلَّ"؛ يعني: أحرم "مِنَ الْفُرْعِ" مِنَ الْفُرْع؛ وهو دون ذي الحُليفة إلى مكَّة، قرية من نواحي الرَّبذة. لماذا أحرم من هناك؟ كأنه لم يكن عازمًا على عُمرة ولا حج إلا لمَّا كان في الفُرْع فأحرم من هناك لأن من كان بينه وبين الميقات عزم على حج أو عُمرة، فمن حيث عزم فليُحرم. وقال في هذه المواقيت: إنها لهم ولمَن مرَّ عليهن من غير أهلهن، وكل مَن مرَّ في هذا الطريق الذي فيه الميقات فالميقات ميقاته. 

فإذا جاء أهل الشَّام ودخلوا المدينة، ثم أرادوا أن يذهبوا إلى الحج والعُمرة؛ فميقاتهم ذو الحُليْفة الذي يمرون عليه. وهكذا كل مَن مرّ على هذه المواقيت. 

  • فإن كان يمر في طريقه على ميقاتين؛ فالأوْلى أن يُحرم من الميقات الأول. وقيل: يجب وهو مذهب الجُمهور: يجب أن يُحرم من الميقات الأول الذي يمر عليه.
  • ثم عند الإمام مالك: أنه يجوز أن يؤخِّر الإحرام إلى الميقات الثَّاني مادام يمرُّ على ميقاتين وإن كان الثَّاني أقرب إلى مكَّة المُكرَّمة، -زادها الله تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا-.

ويقول: "عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَهَلَّ مِنْ إِيلْيَاءَ"، وإِيلْيَاءَ من أسماء بيت المقدس، فأحرم من هناك وهو بعيد عن الميقات وهو أبعد بكثير عن الميقات، ولكن ورد حديث خاص فيمَن أحرم من بيت المقدس إلى مكة المُكرَّمة. 

  • فيقول أهل العلم: إذا أحرم من قبل الميقات؛ فلا شيء عليه والأفضل أن يُحرم من الميقات إلا إن خرج من إِيلْيَاءَ؛ -أي: من بيت المقدس- فينبغي أن يُحرم من بيت المقدس لأثرٍ ورد فيه، وإلا فإحرامُه من الميقات أفضل. وهكذا يقول الإمام مالك والإمام أحمد. 
  • فيقول أبو حنيفة والشَّافعي: إن إحرامه من الميقات رُخصة، وإن كثيرًا من الصَّحابة أحرموا من قبل المواقيت. 
  • وهكذا بالغ داوود الظاهري فجعل لا يصح الإحرام حتى يصل إلى الميقات.

وكان إحرامه ﷺ من الميقات تيسيرًا على أصحابه ورُخصة لهم. فكَره الإمام مالك أن يُحرم أحد قبل الميقات من أجل الاتباع وقبول الرُّخصة وكذلك عند الإمام أحمد. ولا شيء في أن يتقدَّم بالإحرام عن الميقات أو من بلده عند أبي حنيفة والشَّافعي ولكن الأفضل الإحرام من الميقات، الأفضل من أن يُحرم من بلده إلا لمَن كان تحرَّك من بيت المقدس فينبغي أن يُحرم من هناك لخصوصية وردت.

ويذكر عن سيِّدنا مالك: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَهَلَّ مِنَ الْجِعِرَّانَةِ بِعُمْرَةٍ"، وذلك بعد غزوة الطائف حينما رجع ﷺ وقد أحرم بعدما قسَّم غنائم حُنين من الجعرَّانة، حيث جمع الغنائم هناك وهي آخر حدود الحرم من جهة الطائف، فأحرم بالعُمرة من الجعرَّانة وهذه عملها ﷺ قبل رجوعه إلى المدينة المُنوَّرة بعد فتح مكة، وخروجه إلى الطائف وهوازن وقاتلهم وجمع غنائم أهل هوزان في الجعرَّانة، وعاد من الطائف وقسَّم الغنائم. ثم إنه سرى بالليل مُحرمًا بالعمرة من الجعرَّانة وطاف ولم يشعر به أكثر الصَّحابة. الذين كانوا حواليه هم الذين أثبتوا إحرامه من الجعرَّانة وذهابه في الليل، ثم عاد ليسوق الركب راجعين إلى المدينة المُنوَّرة ﷺ، وقد فتح الله عليه مكة في سنة ثمان من الهجرة ودخلها في أواخر رمضان، ثم أقام غزوة هوازن وغزوة الطائف في شوال، ثم عاد ﷺ إلى المدينة المُنوَّرة صلوات ربي وسلامه عليه. 

يقول: وقد أخرج أبو داوود والتِّرمذي والنَّسائي: " أن رسول الله ﷺ خرج من الجعرّانة معتمرًا ليلًا، فدخل مكة ليلًا فقضى عمرته ثم خرج من تحت ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت، فلما زالت الشمس من الغد خرج في بطن سرف حتى جاء مع الطريق طريق المدينة بسرف، فلذلك خفيت عمرته على كثيرٍ من الناس"، ولم يشعر به أكثر الصَّحابة أنه اعتمر وذهب ورجع. كما كان في ليالي مِنى يخرج في الليل ويأتي الكعبة ويرجع ولا أحد يشعر به من الصَّحابة ويعود إلى مِنى، لكن الصَّلوات الخمس كلها أيام مِنى صلّاها في مِنى، ومن هنا قالوا: أن صلاة الحاج في مِنى أفضل من صلاته في الحرم في أيام مِنى، واليوم الثامن كذلك، صلواته الخمس في اليوم الثامن في مِنى أفضل من صلاته في الحرم لأنه هناك صلَّى ﷺ في اليوم الثامن الظُّهر والعصر والمَغرب والعشاء، ثم صلَّى الفجر أيضًا صباح يوم التاسع في مِنى ثم مشى إلى قبةٍ ضُربت له بنمرة بجانب عرفة، وانتظر حتى زالت الشَّمس فدخل إلى عرفة ﷺ، وخطب بالنَّاس وصلَّى بهم الظُّهر والعصر، ووقف على ناقته يدعو الله -تبارك وتعالى- ويُلحّ عليه حتى غربت الشَّمس، فنفر ﷺ من عرفة متوجهًا نحو مُزدلفة.

وأمَّر على مكة المُكرمة أُسيد بن عتَّاب، وأمره أن يحج بالناس ذلك العام، فعاد ﷺ في أشهر الحج في ذي القعدة إلى المدينة المُنوَّرة، ثم أرسل في العام الذي يليه سيِّدنا أبو بكر الصِّديق ليحج بالناس، وأرسل سيِّدنا علي وراءه ليتلو على النَّاس سورة براءة وينذرهم ألا يحجّ بعد العام مُشرك ولا يطوف بالبيت عُريان، ثم جاء بنفسه في العام العاشر من الهجرة فحج حجّة الوداع صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله. 

ولم يذكر هنا ميقات أهل العراق وهو وقَّت أيضًا، والصَّحيح أن النَّبي ﷺ وقَّته لا سيِّدنا عُمَر، وكما وقَّت لأهل الشَّام وكلها أماكن لم تكن فُتحَت بعد في حياته ﷺ، وإنما فُتحَت بعد وفاته -أهل الشَّام وأهل العراق هؤلاء من هنا وهؤلاء من هنا…، ثم فتحت في زمن سيِّدنا عُمَر بن الخطاب -رضي الله عنه-. فمن جهة الأداء يأتون إلى قرن المنازل، هو الذي وقَّته قرن المنازل فيكون على محاذاته، لما كان فيه الميقات سمَّوه فيما بعد بهذا الاسم؛ لأن منه الإحرام، وهو نفس المكان الذي يسمّى قرن المنازل وفيه مسجد مبني هناك.

رزقنا الله حُسن متابعته، وملأ قلوبنا بمحبته، وأسعدنا بقُربه ومودته، وأثبتنا في أحبته، وجعلنا في خيار أُمَّته بِسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ. 

 

تاريخ النشر الهجري

26 شَعبان 1442

تاريخ النشر الميلادي

08 أبريل 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام