شرح الموطأ - 165 - كتاب الصيام: باب صيام اليوم الذي يُشَك فيه

شرح الموطأ - 165 - كتاب الصيام، باب صيام اليوم الذي يُشَك فيه، من حديث يحيى عن مالك
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الصيام، باب صيام اليوم الذي يُشَك فيه.

فجر الثلاثاء 25 رجب 1442هـ.

باب صِيَامِ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ

861- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ أَنْ يُصَامَ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ شَعْبَانَ، إِذَا نَوَى بِهِ صِيَامَ رَمَضَانَ، وَيَرَوْنَ أَنَّ عَلَى مَنْ صَامَهُ عَلَى غَيْرِ رُؤْيَةٍ، ثُمَّ جَاءَ الثَّبَتُ، أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ، وَلاَ يَرَوْنَ بِصِيَامِهِ تَطَوُّعاً بَأْساً.

قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الأَمْرُ عِنْدَنَا، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحَمْدُ لله مُكرمنا بشريعتهِ وبيانها، على لسان خير برِّيتهِ سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومحبتِه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الحق من الخلق وصفوته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 أما بعدُ،

 فيواصل سيدنا الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ذكر الأحاديث المتعلقة بالصوم، وبَوّبَ هذا الباب بـ "باب صِيَامِ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ"، وهو يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إن تُحدِّث برؤية الهلال ولم يثبت.

 فهكذا يقول الشافعية:

  •  لا يكون يوم شك يوم الثلاثين من شهر شعبان، إلا إن تُحدِّثَ برؤية الهلال ولكن لم يثبُت.
  •  فأما إن كانت السماء غيم ولا يُرى الهلال فهذا اليوم الثلاثين من شعبان وليس بيوم شك.
  •  وإن كان السماء أيضًا صاحيةً ولم يرَهُ أحد فهو أيضًا يوم الثلاثين من شعبان بيقين وليس بيوم شك.
  •  ولكن إن كان تُحدِّث بالرؤية؛ فرآه إما مملوك أو امرأة او طفل او أطفال لا يمكن إثبات رؤيتهم عند الحاكم، وتعميم صومه فهذا: يوم الشك، إذا كان يوم الثلاثين من شعبان وتُحدِّث برؤية الهلال ولم يُرَ. 

وهكذا يقول بعض الشافعية: أنهُ إذا كان قطع سحاب في السماء يمكن أن يُرى من خلالها، ولم يُرَ أنه يكون يوم شك، ولكن المعتمد أن تُحدّث برؤيته ولكن لم يثبت، أما من رآه في حق نفسه أو صدّق من رآه وإن لم يقبل عند الحاكم، فهو يوم من أيام رمضان وليس بيوم شك، فبقينا في يوم الشك هذا.

 والإمام أحمد بن حنبل جاء في رواية عنهُ: أنه إذا كانت السماءُ فيها غيم فيُحتمل أن يكون الهلال من وراء السحاب، ولم يُرَ فعنده حينئذٍ يجب الصوم وأوّل قوله ﷺ: "فإنْ غُمَّ  كُم فاقْدِرُوا له"، وجعله من التقدير التضييق؛ أي قدِرُوه وراء السحاب، وجعل ذلك اليوم من رمضان، وأنه يجب أن يبيّت الصيام من الليل ويصوم، فإن لم يبيّت الصيام من الليل وجب عليه القضاء هذا قول الإمام أحمد بن حنبل.

يقول: "باب صِيَامِ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ"، فإذا حال دون مطلع الهلال غَيم أو قَتر في ليلة الثلاثين من شعبان فذكرنا:

  •  عن الإمام أحمد: أنه يجب صومه وهذا هو المعتمد في مذهب الإمام أحمد على أنه من رمضان.
  •  والرواية الثانية عن الإمام أحمد: لا يجوز أن يُصام فرضًا ولا نفلاً مطلقًا، ولكن يجوز أن يُصام عن قضاء وعن كفارة أو عن نذرٍ أو نفل يعتاده.
  •  وهكذا قال الشافعية قالوا: إذا كان يوم الشك وتُحدّث به ولم يُرَ، فأراد أحدنا أن يتبرع بالصوم مطلقا، لم يكن من عادته ولا قضاء، ولا كفّارة فقالوا ممنوع، وحملوا عليه حديث:  "مَن صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم"، ولا يجوز كذلك أن يصومه عن رمضان؛ لأنه لم يثبت إلا إن وقع في قلبه صدق من رأى الهلال.
  •  وهكذا يقول الإمام مالك والإمام أبو حنيفة: عن يوم الشك لا يجوز عن فرض رمضان، ويجوز عن سوى ذلك ولو نفلاً مطلقًا.
  •  ونقل ابن حجر في (فتح الباري) عن الإمام أحمد قول: بأن هذا راجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر، فإذا كانت السماء ليلة الثلاثين مصحية لا سحابة فيها ولم يُرَ الهلال فهذا: 
    • عند الإمام الشافعي هو يوم الثلاثين من شعبان فلا شك فيه، فحكمه حكم بقية أيام شعبان.
    •  وهو عند الإمام أحمد بن حنبل يوم الشك، ولا يجوز صومه.
    • وإن كانت السماء مغيمة فعنده هذه الرواية الذي ذكرنا والأصح أنه يقدّر أنه وراء السحاب فُيصام ويجب تبييت النية من الليل. 

فعلمنا أن الإمام أبي حنيفة والإمام مالك -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- إنما جعلوا النهي عن الصوم على أنه من رمضان، فأما إذا صام تطوّعًا محضًا، أو عن نذرٍ أو كفارة فلا شيء عليه. علمنا خلافهم مع الشافعية في أنه إن كان في غير نذر، في غير كفارة، في غير قضاء في غير صوم معتاد، كأن يعتاد صوم إثنين أو خميس، وصادف يوم الشك إثنين وخميس فلا يجوز أن يَصومه إذا كان يوم الشك عند الشافعية.

 قال المالكية والحنفية: إذا كان ما نوى رمضان فيصح أن يصوم أي يوم كان، لا فرق عندهم بين الصوم المطلق والصوم عن نذر أو كفارة.

واستدلّ الشافعية بما جاء في الحديث: إذا كان يوم الشك فلا تصوموا، إلا صومٍ كان يصومه أحدكم؛ إذا كان يعتاد صوم مثل هذا اليوم أو كان قضاء أو نذرا أو كفارة وما الى ذلك .

يقول مالك: "أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ أَنْ يُصَامَ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ شَعْبَانَ، إِذَا نَوَى بِهِ صِيَامَ رَمَضَانَ" هذا مذهب الإمام مالك والإمام أبو حنيفة -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-؛ أنه إن نوى به رمضان ممنوع، أما صوم ثاني ما عليه شيء فليصم، "وَيَرَوْنَ أَنَّ عَلَى مَنْ صَامَهُ عَلَى غَيْرِ رُؤْيَةٍ، ثُمَّ جَاءَ الثَّبَتُ، أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ  أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ"؛ لأنه وقت الليل لم يبيّت الصيام من الليل إلا على شك، لم يكن يعلم بمجيء رمضان. "وَلاَ يَرَوْنَ بِصِيَامِهِ تَطَوُّعاً بَأْساً"  ولو كان تطوعًا مطلقًا. ولكن علمت قول الشافعية: إن كان نفلًا مطلقًا فلا، ولكن إن كان عن نذرٍ أو كفّارة أو قضاء ونحو ذلك فيجوز.

"قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الأَمْرُ عِنْدَنَا"؛ أي: محقّق عندنا، "وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا"؛ يعني: المدينة المنورة. 

إذًا، 

  • فالجمهور ورواية عن أحمد وهو قول المالكية والحنفية: أنه إنما يُمنع أن يصومه عن رمضان فقط، وما عدا ذلك فيجوز أن يصوم.

ويُروى عن سيدنا عليّ أنه يصومه للاحتياط ويقول: لأن أصوم يومًا من شعبان خيرٌ من أن أفطر يوم من رمضان. وعليه مذهب الهادوية: أنه يجوز صوم يوم الشك عن رمضان، ويقولون: هذا احتياط للدين وأنه أحسن يصوم يوم من شعبان ولا يفطر يوم من رمضان، فاغتفروا فيه تعليق النية، والذي عليه جمهور أهل العلم: لا، فلو نوى الصوم وهو لم يثبُت ثمّ ثَبَت -كما ذكر الإمام مالك- وجب عليه قضاء يوم مكان هذا اليوم. 

ثم قرأ باب جامع الصيام فيما يتعلق بفضيلة رمضان و شؤونه وأحواله.

 بلّغنا الله رمضان، وجعلنا من خواصّ أهله، وجعلنا ممّن يصومه إيمانًا واحتسابًا ويُقبل عند الله، وممّن يقومه إيمانًا واحتسابًا ويُقبل عند الله، وضاعف لنا الهِبات، وأجزل لنا العطيّات، ووفّر حظّنا من ساعاته وأيامه ولياليه كلها بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.

تاريخ النشر الهجري

26 رَجب 1442

تاريخ النشر الميلادي

09 مارس 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام