(229)
(536)
(574)
(311)
شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الزكاة، باب الزكاة في العَيْن مِن الذهب والوَرِق.
فجر السبت 10 جمادى الآخرة 1442هـ.
باب الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ
658 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُكَاتَبٍ لَهُ قَاطَعَهُ بِمَالٍ عَظِيم، هَلْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ، فَقَالَ الْقَاسِمُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.
قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَعْطَى النَّاسَ أَعْطِيَاتِهِمْ يَسْأَلُ الرَّجُلَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: لاَ، أَسْلَمَ إِلَيْهِ عَطَاءَهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً.
659 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ، عَنْ أَبِيهَا، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ إِذَا جِئْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَقْبِضُ عَطَائِي سَأَلَنِي: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ قَالَ: فَإِنْ قُلْتُ: نَعَمْ، أَخَذَ مِنْ عَطَائِي زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ قُلْتُ: لاَ، دَفَعَ إِلَىَّ عَطَائِي.
660 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لاَ تَجِبُ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.
661 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَخَذَ مِنَ الأَعْطِيَةِ الزَّكَاةَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أبِي سُفْيَانَ.
662 - قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ الَّتِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهَا عِنْدَنَا، أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي عِشْرِينَ دِينَاراً عَيْناً، كَمَا تَجِبُ فِي مِئَتَىْ دِرْهَمٍ.
663 - قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فِي عِشْرِينَ دِينَاراً، نَاقِصَةً بَيِّنَةَ النُّقْصَانِ زَكَاةٌ، فَإِنْ زَادَتْ، حَتَّى تَبْلُغَ بِزِيَادَتِهَا عِشْرِينَ دِينَاراً وَازِنَةً، فَفِيهَا الزَّكَاةُ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَاراً عَيْناً الزَّكَاةُ، وَلَيْسَ فِي مِئَتَىْ دِرْهَمٍ نَاقِصَةً بَيِّنَةَ النُّقْصَانِ زَكَاةٌ، فَإِنْ زَادَتْ، حَتَّى تَبْلُغَ بِزِيَادَتِهَا مِئَتَىْ دِرْهَمٍ وَافِيةً، فَفِيهَا الزَّكَاةُ، فَإِنْ كَانَتْ تَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ، رَأَيْتُ فِيهَا الزَّكَاةَ، دَنَانِيرَ كَانَتْ أَوْ دَرَاهِمَ.
664 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ سِتُّونَ وَمِئَةُ دِرْهَمٍ وَازِنَةً، وَصَرْفُ الدَّرَاهِمِ بِبَلَدِهِ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ: أَنَّهَا لاَ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عِشْرِينَ دِينَاراً عَيْناً، أَوْ مِئَتَىْ دِرْهَمٍ.
665 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، مِنْ فَائِدَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَتَجَرَ فِيهَا فَلَمْ يَأْتِ الْحَوْلُ حَتَّى بَلَغَتْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ: أَنَّهُ يُزَكِّيهَا، وَإِنْ لَمْ تَتِمَّ إِلاَّ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، أَوْ بَعْدَ مَا يَحُولُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ لاَ زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ زُكِّيَتْ.
666 - وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، فَتَجَرَ فِيهَا، فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَقَدْ بَلَغَتْ عِشْرِينَ دِينَاراً: أَنَّهُ يُزَكِّيهَا مَكَانَهَا، وَلاَ يَنْتَظِرُ بِهَا أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ بَلَغَتْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، لأَنَّ الْحَوْلَ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا، وَهِيَ عِنْدَهُ عِشْرُونَ، ثُمَّ لاَ زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ زُكِّيَتْ.
667 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، فِي إِجَارَةِ الْعَبِيدِ وَخَرَاجِهِمْ، وَكِرَاءِ الْمَسَاكِينِ، وَكِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ: أَنَّهُ لاَ تَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الزَّكَاةُ ، قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهُ صَاحِبُهُ.
668 - وَقَالَ مَالِكٌ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ يَكُونُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ: إِنَّ مَنْ بَلَغَتْ حِصَّتُهُ مِنْهُمْ عِشْرِينَ دِينَاراً عَيْناً، أَوْ مِئَتَىْ دِرْهَم، فَعَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ ، وَمَنْ نَقَصَتْ حِصَّتُهُ عَمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ بَلَغَتْ حِصَصُهُمْ جَمِيعاً مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ أَفْضَلَ نَصِيباً مِنْ بَعْضٍ، أُخِذَ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، إِذَا كَانَ فِي حِصَّةِ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ".
قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ.
669 - قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ ذَهَبٌ، أَوْ وَرِقٌ مُتَفَرِّقَةٌ، بِأَيْدِى أُنَاسٍ شَتَّى، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْصِيَهَا جَمِيعاً، ثُمَّ يُخْرِجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاتِهَا كُلِّهَا.
670 - قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَفَادَ مَالاً ذَهَباً، أَوْ وَرِقاً، إِنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ أَفَادَهَا.
الحمد لله مُكرِمنا بشريعته العظيمة وأحكام دينه القويمة، وصلى الله وسلم وبارك وكرَّم على عبده المصطفى سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن سلك منهجه الأرشد، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين صفوة الواحد الأحد، وعلى آلهم وأصحابهم وتابعيهم إلى يوم غَدْ، وعلى ملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر سيدنا الإمام مَالِكٍ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في هذا الباب الأحاديث المتعلقة بزكاة العَين؛ والمراد بالعين: النقد من الذهب والفضة، فالزكاة في العين من الذهب والوَرِق؛ وهي الفضة، يقال لها الوَرِق، ويقال لها الفضة، أيضًا كما يقال للذهب التِّبِرْ، والعسجد، إلى غير ذلك من أسمائه. ويذكرون للاعتبار أهل العلم فيقولون:
وقالوا الاعتبار:
النارُ آخرُ دينارٍ نطَقتَ به؛ -ديـ نار-
والهمُّ آخر هذا الدرهم الجاري؛ -دِرْ هَمْ-
فآخر الدينار: نار، وآخر الدرهم: هَمْ،
النارُ آخرُ دينارٍ نطَقتَ به *** والهمُّ آخر هذا الدرهم الجاري
والمرءُ بينهما ما لم كان ورعًا *** مُعذَّبُ القلبِ بينَ الهمِّ والنارِ
ومن أدى حق الله فيهما صارتا وسيلةً له للقرب منه، ودخل بذلك في: "نِعمَ المالُ الصَّالحُ للرَّجلِ الصَّالحِ"، وإلا فأكثر أصحابها مالهم إلا الهَمْ والنار، الهَمْ في الدنيا والنار في الآخرة -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، إلا من أقام بحق الله فيها واتقى الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)[التوبة :33-34].
ما أُدِّيَ زكاته فليس بكنز، قال ﷺ: "ما من صاحب ذهب، ولا فضة، لا يؤدي منها حقّها إلا إذا كان يوم القيامة صُفّحت له صفائح من نار، فأحميَ عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره" كما جاء في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما.
وذكر لنا عن المُكَاتَبْ، "سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُكَاتَبٍ لَهُ قَاطَعَهُ بِمَالٍ عَظِيم،"؛ يعني: قاطعه على مال تلزم فيه الزكاة -وصفه ب "عَظِيم"، يعني: أنه مقدار نصاب في زيادة، "هَلْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ، فَقَالَ الْقَاسِمُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ -يعني: جده- لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ."، فاحتجَّ بفعل أبي بكر -عليه الرضوان-، فمَالُ المُكاتَب، مُلْكُ المُكاتَب له ضعيف حتى يتخلّص من الرِّق، كذلك السيدُ يتوقف أن يكون المال من ملكه، فلا يملك إلا بعد أن يسلِّمَه له المُكاتَب، فإذا سلَّمه له احتاج عند الاستلام إلى مرور حولٍ حتى تلزم عليه فيه الزكاة.
"لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ"؛ فعند قبض المال يُشترط عند الشافعية أن يكون مُلكه تام في وجوب الزكاة، وما كان ملكه ضعيف لا تلزم فيه الزكاة، ومنه مال المُكاتب؛ لأنه إن أدّى مال الكتابة سُلِّمَ له، وإن عَجَز سُلِّمَ للمولى.
إذًا؛ فما أخذه من كتابة أو قطاعةٍ لا زَكَاة فيها حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ من حين يقبضه؛ لأن في خلال الْحَوْلُ -وهو العام - يتمكن من تنميته، ويتمكن من استثماره، فجاء التقدير في الشرع بالسنة، بالحول، "لا زكاةَ في مالٍ حتى يحولَ عليه الحَوْلُ"؛ أي: يمضي العام، ففي خلال العام يمكن استنماء المال واستثماره.
"قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- إِذَا أَعْطَى النَّاسَ أَعْطِيَاتِهِمْ"؛ جمع عطية، وهي ما يعطيه الإمام من بيت المال، ويوزع على الناس، "يَسْأَلُ الرَّجُلَ:"؛ أي: الذي يعطيه عطائه المُقدَّر له من بيت المال السنوي، "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ ، أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ ذَلِكَ زَكَاةَ الْمَالِ،"؛ لأنه الخليفة الذي يأخذ الزكاة من الرعيّة، فمقدار الزَّكَاةُ يأخذه من هذا الْمَالِ فيحمله، لا يشترط النية من المُزكّي، ودل ذلك على أنه يُعَيِّنَهُ له فَينويه ويرده على بيت الْمَالِ زَكَاةً.
"وَإِنْ قَالَ: لاَ ، أَسْلَمَ إِلَيْهِ عَطَاءَهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً."؛ ففيه بيان أنه من وجب عليه زَكَاةَ في ماله يجوز أن يُخرِج الزَّكَاة من مال آخر، مقدار ما وجب عليه الزَّكَاةُ من نفس المال، ولا يلزمه أن يكون من نفس المال، ويسأله: عندك مال تجب فيه الزَّكَاةُ؟ قال: نعم، فيأخذ من هذا العطاء الجديد الذي يملكه الآن مقدار زَكَاةَ المال الذي دار عليه فيه الحول، وهذه أول مسألة.
والثانية: أن هذا الخليفة ناب عن المُزكّي الذي وجبت عليه الزكاة، ووضعها هو في موضعها، ويأتي معنا في هذه المسألة بعض البيان.
يقول: "وَإِنْ قَالَ: لاَ ، أَسْلَمَ إِلَيْهِ عَطَاءَهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً.".
قال: "وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ، عَنْ أَبِيهَا،"؛ قدامة بن مظعون بن حبيب كان من أهل بدر -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-، " قَالَ: كُنْتُ إِذَا جِئْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -رضي الله عنه-"؛ يعني: أيام خلافته، "أَقْبِضُ عَطَائِي"؛ أي: لأجل أقبض نصيبي من بيت المال، "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ"؛ وهذا نظام توزيع الفائض في بيت المال والوارد إليه على أهل السَّبْقِ في الإسلام وعلى المحتاجين، نظام جاءت به الشريعة الغرّاء، وسبق إليه المسلمون اتباع النبي محمد ﷺ من سواهم من جميع الدول والشعوب في العالم، فكان هذا الترتيب الذي استفادوه من رسول الله ﷺ في العطاء.
فكان يُرتَّبُ على الناس من الدخل العام للدولة ما يحتاجون إليه، ومُرتَّبٌ أيضًا من بيت المال لأهل السَّبق إلى الإسلام، والذين سبق منهم الجهاد، أَعْطِيَةً تُوزَّع عليهم في كل عام.
قال: "إِذَا جِئْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَقْبِضُ عَطَائِي"؛ أي: نصيبي من العطاء من بيت المال، قال: "سَأَلَنِي: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ؟"؛ عندك شيء من الذهب والفضة مر عليه حول عندك؟ تلزم فيه الزكاة؟ يعني هو نصاب ومرَّ عليه العام، "فَإِنْ قُلْتُ: نَعَمْ، أَخَذَ مِنْ عَطَائِي زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ،"؛ أي: مقدار ما يلزمني من زكاة ذلك المال، "وَإِنْ قُلْتُ: لاَ"؛ ليس عندي مال يجب الزكاة، بل لم يكن شيئًا أصلًا، أو شيء دون النصاب، أو لم يحول الحول عليه، "دَفَعَ إِلَىَّ عَطَائِي.": يعني: كله ولم ينقص منه شيئًا.
سيدنا عثمان يسأل الذي يجيء، وإن قال: لا، خلاص لا وأعطاه، ولم يقل يمكن عندك شيء، نتأكد منك،… لأنهم مأمونون على أموالهم وحسابهم على الله جل جلاله وتعالى في علاه الله.
وذكر عن "عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لاَ تَجِبُ فِي مَالٍ"؛
فإذا أراد أن يُخرج الزكاة قبل الحول، وهي المُسمّاة بالزكاة المُعجَّلة، فذهب الإمام مالك: أنه لا يجوز ذلك، والذي نُقِل عن علماء مذهبه أنه إنما يكون قبل الحول بخمس أيام إلى عشر أيام، وقال بعضهم: إلى شهر، فلا يمكن تعجيل الزكاة قبل ذلك، فمن أخرج زكاة ماله قبل حول الحول؛ فالرواية عند مالك: أنه لا يُجزِئه ذلك.
وعلمتَ ما قال علماء مذهبه من جواز ذلك قبل الحول بأيام معدودة، ما بين خمسة إلى عشر، وقيل إلى شهر، يُخرج الزكاة قبل أن يحول الحول.
يقول سيدنا أبو حنيفة ومثله الإمام الشافعي: أنه يجوز تقديم الزكاة قبل وقتها، قبل أن يحول الحول، فتكون الزكاة المُعجَّلَة، والحول شرط من شروط وجوب المال.
و لكن قال بعض الأئمة -وأيضًا عند المالكية-: إذا دخل من نفس الجنس في أثناء الحول شارك في الحول أصله، كالحال عند الجميع فيما يتعلق بالتجارة، ما دخل عليه آخر يوم من الحول مثل الذي كان في بداية التجارة، أول يوم نفسه؛ الحول واحد.
وتعجيل الزكاة جائز، بشرط أن يقع بعد كمال النصاب وانعقاد الحول، لكن عند التعجيل اشترط الشافعية:
وقال الحنابلة كذلك يجوز تعجيل الزكاة لحولين فأقل، واستدلوا بما جاء عن سيدنا علي: أن النبي ﷺ تعجَّل من العباس صدقة سنتين، ويجوز تعجيلها إذا كَمُلَ النصاب.
وعلمت القول في مذهب مالك، وهو كذلك يُروى عن غيره من أهل العلم: كسيدنا سفيان الثوري، وربيعة، وداود، أنه لا يُجزئه إخراج الزكاة حتى يحول الحول.
ثم عرفت ما ذكر أصحاب مالك؛ من يومين إلى عشرة أيام إلى شهر إلى شهرين، هذا آخر ما ذكروا في رواية ابن القاسم؛ أنه شهر أو شهرين.
فإذا وُجد سبب وجوب الزكاة وهو النصاب؛ جاز تقديم الزكاة، إنما وجب بسببين:
جاز تقديمه على أحد السببين، إذا اكتمل النصاب يجوز تقديمه قبل أن يحول الحول، على من قال به من الأئمة الثلاثة كما سمعت.
وجاء في رواية الترمذي عن سيدنا علي أن النبي ﷺ قال لعمر -رضي الله عنه-: "إنا أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام"، وفي لفظ قال: "إنا كنا تعجّلنا صدقة العباس لعامنا هذا، عامَ أول"، وأخذ به الإمام أحمد؛ أنه لسنتين فما دون ذلك، يعني: سنة أو سنتين يجوز تعجيل الزكاة، أمّا قبل مُلك النصاب؛ فلا يصح تعجيل الزكاة، لأنه ما جاء أدنى سبب للوجوب حتى يعجّل، لكن إذا وُجد أحد السببين.
وجاء عن معاوية بن أبي سفيان: أن "أَوَّلُ مَنْ أَخَذَ مِنَ الأَعْطِيَةِ الزَّكَاةَ". وقد تقدّم معنا فعل سيدنا أبي بكر، وفعل سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه-؛ يعني: يأخذ من نفس الأَعطية الزكاة، يعتقد أن الزكاة فيها واجبة، أمّا هذا الذي لم يرد عمّن قبله إذا أراد هذا، أنه يقول هذا عطاؤك خَرِّجْ زكاته، وهذا خارج عن المسائل الأُولى التي جاءت عن سيدنا أبو بكر وسيدنا عثمان حين يسألون عن المال الذي عنده مرَّ عليه الحول، و الذي وجبت فيه الزكاة ليس فيما بيعطونه إياه، هذا الآن سوف يدخل إلى ملكه ولم يمر عليه الحول، ولكن كأن قوله قد جاء بأنه أول من أخذ من أعطية الزكاة؛ يعني من نفس الأَعطية رأى فيها الزكاة، هذا غريب! ويكون خارج عن قول الجمهور؛ أنه لابد من أن يحول الحول، و بذلك تم الإجماع من بعده؛ أنه لا تجب الزكاة إلا أن يحول الحول.
"قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ الَّتِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهَا عِنْدَنَا، أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي عِشْرِينَ دِينَاراً عَيْناً"؛ خالصًا، يعني: من الذهب، "كَمَا تَجِبُ فِي مِئَتَىْ دِرْهَمٍ."؛ أي: من الفضة، أي نصاب الوَرِق.
إذًا نصاب الذهب عشرين دينار من هذه الدنانير الشرعية، كل عشرة دراهم سبع دنانير، وتقديرهم في ذلك الوقت والزمان، فما بلغ من العشرين دينارًا من الذهب، أو مائتي درهم من الفضة؛ وجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول.
وجاء في الحديث أنه ﷺ قال: "ليس عليكَ شيءٌ -يعني: في الزكاة- حتى تكونَ لكَ عِشرونَ دينارًا، وحال عليها الحَوْلُ، ففيها نِصفُ دينارٍ"؛ في العشرون نصف دينار، لأنها ربع العشر، فعُشر العشرين اثنان -ديناران-، وربع الاثنين نصف، فيلزم في العشرين نصف دينار، وهو ربع العشر.
وجاء أيضًا في الحديث: "ليس في أقلّ من عشرين مثقالًا من الذَّهبِ، ولا في أقل من مائتي درهمٍ صدقة".
وجاء في رواية ابن ماجة عن عائشة: "أن النبي ﷺ كانَ يأخذُ من كلِّ عشرينَ دينارًا فصاعدًا نِصفَ دينارٍ، ومنَ الأربعينَ دينارًا دينارًا"؛ ربع العشر.
وعن سيدنا علي -رضي الله عنه-: "في كل أربعين دينارًا دينارًا، وفي كل عشرين دينارًا نصف دينار"؛ يعني العبرة بربع العشر قلَّ أو كثر.
علمنا قول أكثر العلماء: أن الزكاة تجب في مقدار عشرين دينارًا وزنًا، وعليه الأئمة الأربعة.
ومن أهل العلم مَن ربط الذهب أن يكون مقدار العشرين دينار يبلغ مقدار مائتي درهم، فإن نقص في الصرف؛ فينتظر حتى يبلغ مقدار ما يحصّله من الذهب ويملكه من الذهب مقدار مائتي درهم من الفضة، ولا يُعمل بهذا القول بل؛ للذهب نصابه، وللفضة نصابها.
"قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فِي عِشْرِينَ دِينَاراً، نَاقِصَةً بَيِّنَةَ النُّقْصَانِ زَكَاةٌ"؛ لأنه النصاب ما كَمُلْ، "فَإِنْ زَادَتْ، حَتَّى تَبْلُغَ بِزِيَادَتِهَا عِشْرِينَ دِينَاراً"؛ يعني: زادت الدنانير الناقصة على العشرين عدد زيادتها، "عِشْرِينَ دِينَاراً وَازِنَةً"؛ أي: كاملة الوزن، "فَفِيهَا الزَّكَاةُ"،
"قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَاراً عَيْناً"؛ يعني: ذهبًا خالصًا، "الزَّكَاةُ"؛ يعني: إذا كانت ناقصة الوزن ما تجب فيها الزكاة، إذا نقصت عن العشرين، إذًا النصاب في الذهب عشرون مثقال.
"قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ فِي مِئَتَىْ دِرْهَمٍ نَاقِصَةً"؛ أي: ناقصة الوزن، "بَيِّنَةَ النُّقْصَانِ زَكَاةٌ، فَإِنْ زَادَتْ،"؛ يعني الزيادة، "حَتَّى تَبْلُغَ بِزِيَادَتِهَا مِئَتَىْ دِرْهَمٍ وَافِيةً، فَفِيهَا الزَّكَاةُ"؛ لأنها بلغت النصاب.
إذًا؛ النقصان الواضح فيه يمنع وجوب الزكاة، كما ذكره الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك و تعالى-.
يقول الإمام أحمد رضي الله عنه:
فإذا كان عنده تسعة عشر دينارًا ونصف، عنده أكثر من الثلث نقص؛ ما تلزمه الزكاة، فإذا كان عنده عشرون دينارًا إلا ربع دينار؛ فتلزمه الزكاة عنده لأنه نقص أقل من الثلث.
فيقول: إذا نقص ثلث مثقال زكّى، وإن نقص نصف مثقال لا زكاة فيه. وهكذا يقول الإمام الشافعي كقول الإمام أحمد بن حنبل: أنه إذا نقص ولو يسيرًا سقطت الزكاة، كذلك يُروى عن الحنفية.
"فَإِنْ كَانَتْ تَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ، رَأَيْتُ فِيهَا الزَّكَاةَ، دَنَانِيرَ كَانَتْ أَوْ دَرَاهِمَ."؛
"قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ سِتُّونَ وَمِئَةُ دِرْهَمٍ وَازِنَةً"؛ يعني: كاملة الوزن، "وَصَرْفُ الدَّرَاهِمِ بِبَلَدِهِ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ: أَنَّهَا لاَ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ"؛ لأنه صار مجموع صرف الدراهم عشرين دينار، لا تجب فيها الزكاة، وإن بلغت نصاب ذهب، قيمتها يعني إذا صرفناها بالذهب ستبلغ نصاب، "وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عِشْرِينَ دِينَاراً عَيْناً،"؛ يعني: ذهبًا "أَوْ مِئَتَىْ دِرْهَمٍ" فضة فلا يعتبر النصاب الآخر؛ بمعنى لو ملك نصابًا من الذهب سواءً كان صرفه بالفضة يجيب نصاب الفضة أو أقل أو أكثر؛ تلزمه الزكاة.
فإن كان أقل لكن غلي الذهب، فصار صرفه بالفضة إذا صرف هو أقل من عشرين دينار، عنده تسعة عشر، ثمانية عشر دينار، لكن لو صرفها تجيب مائتين درهم فضة؛ فهي ناقصة في عين الذهب لكن لو صرفها فضة تجلب مقدار نصاب، لا يلزمه؛ هو عنده ذهب ما عنده فضة.
و كذلك في الفضة إذا عنده مقدار النصاب وإن كانت لا تأتي بمقدار النصاب من الذهب، إذا هي مائتين درهم يلزم فيها -وهي واحد وعشرين أوقية- يلزم فيها الزكاة، قال هذه لو صرفناها تجيب أوقيتين ذهب فقط؛ نحو ستة عشر، أو أربعة عشر دينار، ما تجيب عشرين دينار. قلنا: وإن كان هي فضة قد بلغت نصاب فأخرج زكاتها.
وبالعكس إذا كان عنده فضة مقدار مائة وستين درهم لكن الفضة غليت، لو باعها بذهب ستجلب له عشرين مثقال، تجلب له عشرين دينار ذهب، لكن حال الحول عليه و هي فضة عنده دون المائتين ما عليك زكاة، لأن العبرة بالنصاب الذي عندك ولا اعتبار باختلاف الصرف.
"قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ سِتُّونَ وَمِئَةُ دِرْهَمٍ وَازِنَةً، وَصَرْفُ الدَّرَاهِمِ بِبَلَدِهِ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ:"؛ فصارت المائة وستين تجيب له قيمة العشرين دينار، "أَنَّهَا لاَ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عِشْرِينَ دِينَاراً عَيْناً، أَوْ مِئَتَىْ دِرْهَمٍ."؛ بنفسها لا يحسب قيمة أحدهما من الآخر.
من كانت عنده فضة لا تبلغ النصاب لا زكاة عليه فيها، وإن كان قيمتها من الذهب تبلغ النصاب وهكذا. كذلك إذا كان عنده مقدار نصاب من الفضة لكنه لا يأتي بمقدار نصاب من الذهب، فتلزمه الزكاة لأن الذي عنده فضة.
"قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، مِنْ فَائِدَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَتَجَرَ فِيهَا -يعني اتجَّر- فَلَمْ يَأْتِ الْحَوْلُ حَتَّى بَلَغَتْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ: أَنَّهُ يُزَكِّيهَا،"؛ يعني عند مالك:
"وَإِنْ لَمْ تَتِمَّ إِلاَّ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ"، فإنه يلزمه الزكاة "أَوْ بَعْدَ مَا يَحُولُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ لاَ زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ زُكِّيَتْ.".
"وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، فَتَجَرَ فِيهَا، فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَقَدْ بَلَغَتْ عِشْرِينَ دِينَاراً: أَنَّهُ يُزَكِّيهَا مَكَانَهَا،"؛ وإن ابتدأ التجارة بغير نصاب، "وَلاَ يَنْتَظِرُ بِهَا أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ بَلَغَتْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، لأَنَّ الْحَوْلَ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا ، وَهِيَ عِنْدَهُ عِشْرُونَ، ثُمَّ لاَ زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ زُكِّيَتْ.".
"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، فِي إِجَارَةِ الْعَبِيدِ وَخَرَاجِهِمْ، وَكِرَاءِ الْمَسَاكِينِ، وَكِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ: أَنَّهُ لاَ تَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الزَّكَاةُ ، قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهُ صَاحِبُهُ".
يقول فإنَّ عمل أهل المدينة عندنا؛ يعني كلام الفقهاء السبعة في المدينة، أنَّ الإجارة و الخراج وكراء المساكن لا تجب فيها الزكاة، مثل: كتابة المُكَاتب حتى إذا قبضها وحال عليها الحول وجبت الزكاة؛ فلا زكاة في شيء من الفوائد حتى يحول عليه الحول بعد قبضها. وهكذا؛ فمن أجَّر داره قبض كِرَاها؛ فلا زكاة عليه حتى يحول الحول وهو مقبوض عنده.
وجاء في رواية عن الإمام أحمد: أنَّه يزكي إذا استفاد، والمعتمد في مذهب أحمد كالإمام مالك و الإمام الشافعي؛ أنَّه لا تلزم الزكاة إلا أن يحول الحول بعد قبض الفائدة، وأخذوا بعموم حديث: "لا زكاةَ في مالٍ حتى يَحولَ عليه الحوْلُ".
وجاء في رواية عن الإمام أحمد: لو أجَّر داره سنتين بأربعين دينارًا ملك الأجرة من حين العقد وعليه زكاة جميعها إذا حال عليه الحول. أما مُلك المُكَاتَب فليس بتام لوجود المنافي؛ لأنه دائر بينه وبين مولاه، إذا عجز يرجع إلى مولاه، فلا زكاة على مُكَاتَب.
"وَقَالَ مَالِكٌ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ يَكُونُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ: إِنَّ مَنْ بَلَغَتْ حِصَّتُهُ مِنْهُمْ عِشْرِينَ دِينَاراً عَيْناً، أَوْ مِئَتَىْ دِرْهَم، فَعَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ ، وَمَنْ نَقَصَتْ حِصَّتُهُ عَمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ بَلَغَتْ حِصَصُهُمْ جَمِيعاً مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ أَفْضَلَ نَصِيباً مِنْ بَعْضٍ، أُخِذَ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، إِذَا كَانَ فِي حِصَّةِ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ"".
"قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ".
وقد جاء عن جماعة من الصحابة والتابعين أنَّ الشركاء في العين والماشية والزرع إذا ما لم يُمَيز ما لأحدهم بعينه أنَّهم يزكّون زكاة الواحد، و يكون كلهم عليهم الزكاة، و إن كان المقدار الذي يملكه بعضهم أقل من النصاب.
ويقول الحنابلة: لا أثر للخِلطة في غير الماشية، وأنَّ الخِلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد، ولم يفرّق الإمام الشافعي بين المواشي وغيرها؛ مال الخليطين يعتبر كمالٍ واحد.
"قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ ذَهَبٌ، أَوْ وَرِقٌ مُتَفَرِّقَةٌ، بِأَيْدِى أُنَاسٍ شَتَّى، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْصِيَهَا جَمِيعاً، ثُمَّ يُخْرِجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاتِهَا كُلِّهَا"؛ لأن مالكها واحد، عند هذا قليل وعند هذا قليل، لكن مجموعها نصاب؛ نقول عليك الزكاة.
"وَمَنْ أَفَادَ مَالاً ذَهَباً، أَوْ وَرِقاً، إِنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ أَفَادَهَا"؛ من أفاد فائدة لا زكاة عليه فيها حتى يحول عليه الحول، وهو كذلك عند أكثر الأئمة، وعند الحنفية خلاف.
ويقول الحنفية: من كان عنده نصاب واستفاد في أثناء الحول من جنسه ضمَّه إليه وزكَّاه به، فيتبع في الحول أصله. يعني إذا ملك نصاب؛ عنده عشرين مثقال ذهب، بعد شهر جاء له مثقالين، بعد خمسة أشهر جاءه ثلاثة مثاقيل، بعد ثمانية أشهر جاء له أربعة مثاقيل، لمَّا يجيء حَول الأول هذا نقول له: أخرج زكاة ثمانية وعشرين مثقال، وإن هذه جاءت له قريب قبل أشهر، نقول الحول تبع الأول عندهم.
وعند الشافعية يقول: النصاب قد كَمُل والحول كلٌ من حين ما ملكته يبدأ نصابه، من حين ما ملكته يبدأ حوله، من حين ما ملكته يبدأ الحول، وهكذا...
رزقنا الله إيتاء الزكاة على وجهها، وإقام الصلاة على ما هو أحب إليه، وجعلنا من المقيمين الصلاة، المؤتين الزكاة، والذين هم من خشية ربهم مشفقون، لِمَا عند ربهم راجون وطامعون في لطفٍ وعافية، وثبّتنا على ما يحبه منّا، وتولانا بما هو أهله في الحِسّ والمعنى، بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
10 جمادى الآخر 1442