للاستماع إلى الدرس

الدرس التاسع للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في شرح كتاب: سُلّم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق، للإمام الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر. ضمن دروس الدورة الصيفية الأولى بمعهد الرحمة بالأردن. 

الزكاة - الصوم

فجر الخميس 17  صفر 1446 هـ

 لتحميل كتاب سلم التوفيق

 pdf: https://omr.to/sullam-pdf 

 

نص الدرس مكتوب:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إلى الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر ومن كتاب

فصل [في وجوب الزكاة]  

وتجب الزكاة في الإبل، والبقر، والغنم، والتمر، والزبيب،  والزروع المقتاتة حالة الاختيار، والذهب، والفضة،  والمعدن،  والركاز منهما، وأموال التجارة، والفطرة. 

فصل [في زكاة المواشي]

 وأول نصاب الإبل خمس، ومن البقر ثلاثون، ومن الغنم أربعون، فلا زكاة قبل ذلك، ولا بد لوجوب الزكاة فيها:  من الحول بعد ذلك،  ومن السوم في كلأ مباح، وألا تكون عاملةً.  فيجب في خمس من الإبل شاةٌ من الغنم، وفي أربعين من الغنم شاة جَذَعُ ضأن، أو ثني معز، وفي ثلاثين من البقر:  تبيع، ثم إن زادت ماشيته على ذلك وجب عليه أن يتعلم ما أوجبه الله تعالى عليه فيها.  

فصلٌ [في زكاة الزروع]

 وأما التمر والزبيب والزروع  فأول نصابها خمسة أوسق، وهي ثلاثمائة  صاع بِصاعه عليه الصلاة والسلام، ويضم زرع العام بعضه إلى بعض، ولا يكمل جنس بجنس، وتجب الزكاة ببدو الصلاح، واشتداد الحب، ويجب فيها العُشر إن لم تُسْقَ بمؤنة، ونصفه إن سقيت بها، وما زاد على النصاب  أخرج منه بقسطه، ولا زكاة فيما دون النصاب إلا أن يتطوع.

 فصلٌ [في زكاة النقدين]

 وأما الذهب  فنصابه عشرون مثقالاً، و الفضة مائتا درهم، ويجب فيهما ربع العشر وما زاد  فبحسابه، ولا بد فيهما من الحول، إلا ما حصل من معدن أو ركاز فيخرجها حالاً، وفي الركاز الخُمُسُ.

فصلٌ [في زكاة التجارة]

 وأما زكاة التجارة  فنصابها نصاب ما اشتريت به من النقدين، ولا يعتبر إلا آخر الحول، ويجب فيها ربع عُشر القيمة. 

فائدةٌ: ومال الخليطين والخلطاء كمال المنفرد في النصاب والمُخْرج إذا كملت  شروط الخلطة.  

 

ما شاء الله لا قوة إلا بالله. الحمد لله، بدأ الشيخ - عليه رحمة الله- يتكلم عن شؤون الزكاة التي هي من أركان الإسلام، وهي قَنطرة الإسلام. وقال تعالى: (وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) وقال: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) فالزكاة تأتي 

  • في اللغة بمعاني كثيرة؛ منها: النماء، والتطهير.
  • وفي الشّرع: ما يجب أن يُخرَج عن مال، أو بَدَن من مالٍ مخصوص.

وهذه الزكاة تكون قسمين: زكاة مال، وزكاة بَدن.

  • زكاة البدن هي: زكاة الفطرة التي سيتحدث عنها بعد هذا.
  • وزكاةُ المال: أموال مخصوصة، وجبَت فيها الزكاة، فمنها ما يتعلّق بالإبل، والبقر، والغَنم من جملة الحيوان.

وقال أيضًا الإمام أبي حنيفة بالزكاة في الخيل، ولم يقل بها صاحباه؛ محمد والحسن وأبو يوسف، لم يقولا بالزكاة في الخيل.
قال: والزكاة في الخيل عند الإمام أبي حنيفة؛ 

  • إما أن يُثمِّنها، ويُخرج في كل مائتين خمسة دراهم، بمقدار كل مئتين خمسة دراهم
  • أو يُسلّم دينارًا عن كل واحد منها.
     

وقال صاحباه: ليس فيها زكاة. ولكن تلزم في الإبل، والبقر، والغنم بالإجماع، إلا أن يُعِد شيئّا من الحيوانات الأخرى، سواء كانت خيولًا، أو غيرها، أو أي حيوان كان للتجارة، فزكاة التجارة تشمل كل ما اتُّجِرَ فيه كائنًا ما كان، ولكن إذا كانت هي سائمة وحدها في ذاتها، فإنما تلزَم الزكاة بالإجماع؛ في الإبل، والبقر، والغنم، وكانتْ أعزُّ أموال العرب الإبل، ويعدّونها العدة الكبيرة لهم فيما يدخرونه.

وقال: "وتجب الزكاة في الإبل، والبقر، والغنم، ثم ذكر التمر، والزبيب، وهما من الثمار.
ثمّ ذكر من الزروع المُقتات" 

  • وهذا مذهب الشافعي، أن كل ما يُقتات في حالة الاختيار تلزَمُ فيه الزكاة.
  • وقال المالكية: كل ما يُكال، أو يُوزن من الحُبوب، تلزم فيه الزكاة.
  • وعمّم الإمام أبو حنيفة في كلّ ما أخرجت الأرض الزكاة، (وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) في أي شيء كان، مثل أنواع الخضروات، وغيرها من الفواكه وغيرها، ولم يشترِط فيها نصابًا.

قال: والذهب والفضة، فهُما المعدنان اللذان رتّب الله عليهما قضاء الحاجات، وجعلهما الأثمان - سبحانه وتعالى - ومع أنهما حجران من جملة الأحجار، والأحجار كثيرة منها ما له ثمن، ولكن الله جعل قيمة الأشياء بالذهب والفضة.

  • والمعدِن: هو الذي يُستخرج من الأرض بعلاج، يُستخرج من أماكنه المدفونة فيه؛ الذهب، والفضة. 
  • والرِّكاز كذلك ما عُثر عليه من دفين الجاهلية، ممّا كان مدفونًا قبل الإسلام من الذهب، والفضة.
  • وأموال التجارة: والتّجارة تشمل أي شيء قُلِّب لغرض الربح، فهو تجارة، ويلزم سواءً كانت التجارة في أي شيء، ولو في الحَجَر، ولو في الطّين، ولو في أي شيء يتاجر فيه، ويبيع ويشتري، بغرض الرِّبح فهو تجارة يلزم فيها الزكاة، عند حلول الحول، وذلك بإخراج رُبع العُشر.

قال: "والفِطرة"، زكاة الفِطرة وهي التي تلزم عند خُروج رمضان، وحلول أول ليلة من ليالي شوال.

قال: "وأول نصاب الإبل خمس" باتفاقهم، لما جاء في كتاب النبي ﷺ الذي كتبه، والذي أرسله سيّدنا أبوبكر يقول هذا كتاب أرسله رسول الله ﷺ الذي كتبه في الزكاة فبيّن أن أول ما تلزم فيه الزكاة من الإبِل عدد خمس، فليس في أقل من خمس إبل زكاة، وعليه الأئمة الأربعة. 

فإذا وصَلَت الإبل إلى خمس، وهي ترعى في كَلَأ مباح، فمرّ عليها الحَول من حين ملك هذه الخمس، لأيّ إنسانٍ كان من الذين تلزمهم الزكاة. 

  • فوجب أن يخرج في الخمس شاة.
  • فإذا وصَلَت إلى عشر، فشاتان. 
  • وهكذا إلى أن تصل إلى خمسة عشر، فثلاث شياه. 
  • إلى أن تصل إلى عشرين، فأربع شياه.
  • فإذا وصلت إلى خمس وعشرين، كانت فيها بنت لبون له أي واحدة من هذه الإبل. 
  • وهكذا من الخامسة والعشرين، إلى أن تصل إلى ستة وثلاثين، ففيها بنت مخاض.

 وهكذا فيما جاء في كتاب رسول الله ﷺ في هذه النُّصُب التي أجمَع عليها الأئمة الأربعة.

وما بينها عفوٌ، يعني من الخمس إلى التسع كلها فيها شاة، من العشر إلى الأربع عشرة فيها شاة.
ومن مَلك عشرًا، أو إحدى عشرة، أو من مَلك اثنا عشرة، ومن مَلك ثلاثة عشر، ومن مَلك أربعة عشر، ففيها شاتان إلى الخمسة عشر، ومن ملك خمسة عشر، أو من مَلك ستة عشر، أو من مَلك سبعة عشر، أو من مَلك ثمانية عشر، أو من ملك تسعة عشر، ففيها ثلاث شياه، إلى أن تكمُل العشرين وهكذا.

في الخامس والعشرين فيها بنت مخاض، التي لها سنة ودخلت في الثانية، بنت المخاض في الستة والعشرين، وسبعة وعشرين وثمانية وعشرين، كلها بنت مخاض، واحد معه من الإبل خمس وثلاثون، واحد معه خمس وعشرين، كلهم عليهم بنتٌ مخاض

فإذا وصلت إلى ست وعشرين، انتقلنا إلى بنت اللبون، وهي التي لها سنتان، ودخلت في السنة الثانية، وهكذا من السّادسة والثلاثين إلى واحد وستين، فينتقل من بنت اللبون إلى الجذعة، وهكذا إلى واحد وتسعين، وكما هو مبيّن في كُتب الفقه.

كذلك ما يتعلق بالغنم؛ في أربعين من الغنم شاة، أي: قبل الأربعين لا تلزم الزكاة، وعليه الأئمة الأربعة، فإذا بلغت أربعين، ففيها شاة، وهكذا. 

والشاة التي تلزم: سواءً في الخمس من الإبل، أو في الأربعين من الغنم، يجب أن تكون إما جذعة من الضأن. 

والجذعة من الضأن: التي لها سنة، ودخلت في الثانية، أو كانت قد أسقَطت مقدّم أسنانها لقوة نمائها بعد الستة أشهر.

والثنيّ من الماعز: ما له سنتان، ودخل في السنة الثانية؛ كالشاة المجزئة في الأضحية ويُخرج شاة إما جذعة من الضأن، أو ثنيّ من المعز.

كذلك في البقر في الثلاثين تبيع، وليس فيما دون الثلاثين شيء؛ ما فوق الثلاثين لا شيء فيه إلى أن تصل الأربعين، ففيها مُسنّة. وفي قول عند الإمام أبي حنيفة: أنه يُخرج بقسط، فإذا عنده زائد واحدة على الثلاثين، فيُخرج قسطًا من المُسنّة، الثانية والثلاثين، كذلك والثالثة والثلاثين كذلك.
ولكن قال صاحباه: لا شيء حتى تبلغ الأربعين ففيها مُسنة.

  • التبيع من البقر: ما له سَنة، ودخل في السنة الثانية.
  • والمُسنّة: ما لها سنتان ودخلت في الثّالثة، ولم يفرِّق بعض الأئمة بين أن يكون مُسِنّ، أو مُسنة، أي ذكر وأنثى.

قال الشافعية: لا بد أن تكون مُسنة، يجزئ في التّبيع الذي له سنة، ودخل في الثانية من البقر، يجزئ أن يكون ذكرًا أو أنثى.

"ثم إن زادت ماشيتهُ على ذلك، وجب عليه أن يتعلم ما أوجبه الله تعالى عليه فيها".

"وأما التمر والزبيب" ـوهما من الثمارـ ما يجب فيه الزكاة من جملة الثمار عند الشافعيّة؛ خصوصا التمر، والزبيب فقط. فما كان من النّخيل من نخيل -التمر والعنب- فتخرج الزكاة بعد أن يتحول الرُّطب إلى تمر، والعنب إلى زبيب.

  • والزّروع كذلك عند الشافعية: كل ما يُقتات، كل ما يُعدّ قوتًا في حالة الاختيار.

"فأول نصابها: خمسة أوسق، وهي ثلاثمائة صاع، بصاع النبي ﷺ" 

  • والصاع: أربعة أمداد، بِمُدِّه ﷺ.

فثلاثمائة صاع تساوي خمسة أوسق، وهو أول ما تلزم فيه الزّكاة، والزكاة لها هذا النصاب عند الجمهور. وقال أبو حنيفة: أي شيء؛ قلّ أو كثر، يخرج منه الزكاة؛ إما العُشر، أو نصف العُشر، إن سُقي بمؤونة؛ فنصف العُشر، وإن سُقي بغير مؤونة؛ فعُشر كامل.

قال: "ويُضمّ زرع العام بعضُه إلى بعض"، زرع السنة الواحدة، حصل بعض النّصاب في الصيف، بعض النصاب من نفس النّوع، أن يكون أرزًا، أن يكون بُرًّا، أن يكون ذُرةً، وإن كان هذا في الصيف، وهذا في الشتاء، فالنوع الواحد يُضم بعضه إلى بعض، حصّل بعض النصاب في الصيف والباقي في الشتاء؛ فيُعد نصابًا كاملاً، فيُخرج فيه الزكاة.

يُضمّ ما كان في الحول الواحد، وطعام الحول الواحد بعضه إلى بعض، لما قالوا: يُضم زرع العام بعضه إلى بعض، ولا يُكمّل جنس بجنس، ما يُكمل بُر بذرة، ولا ذُرة بأرز، ولا أرز بفُول، وهكذا.

"وتجب الزكاة ببدوِّ الصلاح، واشتداد الحبّ"، يبدأ تعلُّق وجوب الزكاة، إذا بدأ الصلاح، كيف يبدو الصلاح؟ 

  • في الثمار بالتلوّن: تلوّن صفراء، حمراء؛ سواءً التمر أو العِنَب، فإذا بدأ التلون فيه؛ تغير لونه إلى الأحمر، أو الأصفر، أو الأسود في العنب، صار بذلك مُعلَّقةً به الزكاة.
  • أما بالنسبة للزروع: فباشتداد الحب، إذا اشتدّ الحب في السنبلة، تعلّقَت به الزكاة. 

قال: "تجب الزكاة ببدوّ الصلاح، واشتداد الحب".
 

"ويجِب فيها العُشر إن لم تُسق بِمؤونة، ونصفه إن سقيت بها"، أي: بإنفاق، يُنفق عليها بأن يُستخرج الماء بمشقة ونفقة. إن كان الذي سقاها بمؤونة يسير ما يؤثر؛ فيلزم فيه العُشر. وإن كان لا يمكن أن يتمّ الزرع إلا مع هذا السقي بالمؤونة، خلطها بالمؤونة، ففيها نصف العُشر.

  • وإن كان الذي سقاه بمؤونة ما يؤثر، بحيث أنه يمكن أن يُصلح زرعه، ويُكمل من دون هذا، ففيه إذًا عشر كامل، 
  • فإن لا يصلح بالسقي الآخر بالمؤونة؛ فنصف العُشر، نصف من سقى فيه.
     

"وما زاد على النصاب يُخرج منه بقسطه، ولا زكاة فيما دون النصاب إلا أن يتطوّع".

  • "وأما الذهب فنِصابه عشرون مثقالًا"، فيرجع إلى ثلاث أواقٍ، والأوقية تساوي عشرًا من القِفال، 
  • "والفضة مائتا درهم"، وترجع إلى واحدة وعشرين أوقية، والأوقية: عشر قِفَال

"ويجب فيهما رُبع العُشر" من الذهب، ومن الفضة، "وما زاد فبحسابه"، لا وَقصَ فيها؛ في الذهب، والفضة، وما زاد فبحسابه. "ولابد فيها من الحول"، إلا ما حَصَل، إلا من معدن أو ركاز.
 

المعدن والركاز تكون الزكاة فيه حالًا ما يحتاج إلى مُضيّ سنة -إلى حول- لكن غيرها مما ذَكر، زكاة الزّروع عند الحصاد، وأما زكاة التجارة وزكاة الإبل والبقر والغنم، فلابد من مرور سنةٍ.

وكذلك التجارة، من بداية التجارة مرور سنة، فإذا مرَّت السنة واجب عليه أن يحسُب ما عنده من مال التجارة نقدًا، أو عُروضًا، وما له من دَيْن متعلق بالتجارة؛ يجمع الجميع، ويُخرج فيه ربع العُشر -والذي هو 2.5%- من كل ألفٍ خمسين، فهكذا واجب زكاة التجارة، ولا يجوز أن يُؤخرها إذا  قد حال الحول، ويجوز أن يُقدمها قبل الحول بأيام، أو بمُدة، ولا يجوز أن يُؤخرها عن حولها إذا حالت.

أما الرِّكاز والمعدن؛ فزكاته أول ما يحصله.

والركاز: دفين الجاهلية، ما كان مدفونًا من الذهب والفضة من أيام الجاهلية، ولم يجرِ عليه ملكه في الإسلام، فالبقعة التي دُفِن فيها أول من أحياها من المسلمين، أول من مَلَكها من المسلمين، له حقّ ذلك الكنز المدفون فيها؛ من ذهب أو فضة؛ وهذا هو الرِّكاز، ويُخرِجه حالًا، أول ما يحصّله؛ يُخرج منه الخُمُس -20%-.

وأما المعدِن، فيُخرج منه رُبع العُشر، إذا اشتغل في الأرض واستخرج منها الذهب، أو استخرج منها الفضة، فأول ما يستخرجه يُخرج ربع العُشر زكاةُ المعدن وهكذا زكاةُ الركاز. يقول: "فيُخرجها حالًا"، ويُخرج من الركاز خُمسًا.

وحَدَّث ﷺ عن قصة حصلت في بني إسرائيل؛ صاحبي أرض، وذلك: أن رجلًا باع أرضًا، فذهب المشتري يحفر فيها، فوجد فيها كنزًا، فجاء به إلى صاحب الأرض، فقال: أنا قد بعتك الأرض بما فيها، ولا حقّ لي في هذا الكنز. فقال: أنا ما اشتريت منك إلا أرضًا، وما سلّمتك إلا قيمة أرض، ما لي حق في هذا الكنز، فاختصموا إلى قاضيهم، فقسمه بينهم.

ومثلها حصلت في الأمة في عدة مرات، وعدة أماكن منها حادثة حدثت في مدينة شبام في حضرموت، وإن قاضي تولى القضاء، ولما ولاّه الوالي القضاء، جلس في محل القضاء، ما أحد جاء أول يوم، ثاني يوم، ثالث يوم، يتعجب ويسأل قال: ما حد جاء إلى القضاء؟ قالوا: الناس ما بينهم خصومات، قد أصلح القرآن بينهم (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) لا يحتاجون يصلون الى عندك، قال وأنا كيف أجلس قضاء صورة؟ صورة قاضي! ورفع إلى الوالي، قال: لا أحد يجيء عندي، وسيمرّ شهر وستعطونا مرتّب على غير شيء؟! قال له الوالي هذه وظيفة دينية، يجب أن تُعمر، اجلس في محلك إن أحد جاء أو ما أحد جاء، ومرتّبك يمشي، فبقي مسكين، عدّا شهر، شهرين، ثلاثة أشهر، ما أحد جاء، سنة، سنتين، ثلاثة إلى أربعة عشر سنة!

في يوم وهو جالس في مكتبه، في مكانه، يراجع، ويذكر الله ويصلي لا أحد يجيء عنده، لا يوجد متخاصمين، فإذا بإثنين جاؤوا، قالوا السلام عليكم قال وعليكم السلام، ظن عندهم سؤال، قالوا: عندنا قضية، فَرِح، بيقضي بعد أربعة عشر سنة، وهو موظف ما بدا قضى! قال: اجلسوا، جلَّسهم في محل واحد، يُساوي بينهم في المجلس، يُساوي في النظر، يجيب السُّنن كلها، حق القاضي، فقدم الدعوى.

قال: اشتريت من هذا أرضًا، فخرجتُ أحفر فيها، فوجدتُ هذا الكنز، ذهب موجود فيه علامات قديم من قبل الإسلام، فجئتُ بها إلى صاحب الأرض، وقلت: خذ كنزك، فما اشتريت منك إلا الأرض، فأبى أن يأخذه، وقال: أنا قد بعتك الأرض بما فيها، وأنا لم أشترِ منه إلا الأرض. قال هذه الدعوى جواب، قال: جواب يا حضرة القاضي، أنا بعته الأرض بما فيها، فلا حقّ لي في هذا، كل ما يتعلق بالأرض فهو له، والثمن الذي استلمته منه، تعجَّب من هذه قضية، قال: فما رأيتم؟ قال: رأينا أنت قاضي، وتعرف حكم الله وشرعه خذها فاصرفها حيث أمرك الله. قال: تنجون بأنفسكم وتُغرقون قاضيكم، أنتم مجانين! لا، تأكد أنها من قبل الإسلام. قال: هذه حكمها رِكاز في الشريعة، خُمس حالًا زكاة، والأصل عندنا في المذهب أنه أول من مَلك الأرض هي له، ولكن الآن أنتم بهذا الحال. أخرِجوا الخمس زكاة. وباقي أربعة أخماس. أخبرهم أحد عندكم أولاد؟ قال: هذا عنده ابن، وأنا عندي بنت. قال: هذه الأربع الأخماس، زوِّجوا الابن على البنت، وأنفقوها عليهم. اذهبوا من عندي، هذا الحكم، خرجوا بهذا الصورة، لا إله إلا الله!

فما حُدثنا عن شيء من الفضائل وقع في الأمم السابقة، إلا وحصل في أمته ﷺ نظيره وهي خير الأمم، فالله يحفظ فينا هذه الأخلاق الشريفة، والمعاملات الرفيعة على الوَرَع، والصدق، والاحتياط.

كيف يصلون لعند القاضي، كل واحد يقول أنت خذه هو لك، شيء في المحاكم من هذا الآن؟  تطوّروا الناس، كل يأخذ حق الثاني، ويدَّعي حق الثاني! يا محول الأحوال، حول حالنا، وحال المسلمين إلى أحسن حال.

قال: وأما زكاة التجارة، ومالُ الخليطين -سواءً كان في إبل، أو بقر، أو غنم، أو في تجارة- مال الخليطين كمال المنفرد، كمال واحد في النصاب، والمُخرَج؛ إذا كمُلت شروط الخلطة، بأن يكون مراحُهُم واحد، ومبيت الأنعام هذه واحد، وما تميّزت في مراح، ولا في سَقِي، فخلطوا، فحُكمها حكم مُلْك الرجل الواحد، من حيث النصاب، فإذا كان هذا عنده من الغنم ثلاثين، وهذا عنده عشرين أو ثلاثين؛ فعليهم الزكاة

قال الواحد منهم أنا ما عندي النصاب، مادام خلطت مع الثاني! فالجميع نصاب عندنا خمسين شاة، أو ستين شاة، فيها شاة واحدة، وهكذا، ومن حيث النصاب، ومن حيث ما يخرج.

 

فصلٌ [في زكاة الفطر]

 وزكاة الفطر تجب بإدراك جزء من رمضان وجزء من شوَّال على كل مسلم عليه وعلى مَنْ عليه نفقتهم إذا كانوا مسلمين، على كل واحدٍ صاع  من غالب قوت البلد، إذا فَضَلت عن دينه وكسوته ومسكنه وقوته وقوت من عليه نفقتهم يوم العيد وليلته. 

فصلٌ [في مستحقي الزكاة] 

وتجب النية في جميع أنواع الزكاة بعد الإفراز، ويجب صرفها إلى من وجد من الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها والمؤلفة، قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، ولا يجوز ولا يجزئ صرفها إلى غيرهم.  

 

"زكاة الفطرة تجب بإدراك جزء من رمضان، وجزء من شوال"، وهكذا، المقرر عند الشافعية أن من أدرك جزءًا من رمضان، ولو آخر ساعات رمضان، كَمولود وُلِد أو مسلم أسلم قبل غروب الشمس في يوم آخر يوم من أيام رمضان، ثم أدرك جزءًا من شوال، وهو أول المغرب من ليلة العيد، فبإدراكه هذا، تلزم زكاة الفطرة.


بخلاف من مات في رمضان، قبل آخر يوم منه، قبل ليلة العيد، فلا زكاة فِطر عليه، ومن وُلد بعد الغروب ليلة العيد من وُلد، من الأولاد، لا زكاة فطرة عليه، لأنه لم يُدرك من رمضان شيء.

ولو فرضنا أن امرأة وَلَدت قبل غروب الشمس في آخر يوم من رمضان بساعة مولودًا، طفلًا، ثم غَرَبت الشمس، وبعد غروب الشمس بساعة أو نصف ساعة مات الطفل، وجب على وليه أن يُخرج عنه زكاة، لأن هذا المولود أدرَك جزءًا من رمضان، وجزءًا من شوال، أدرَك قبل المغرب ساعة، وبعد المغرب ساعة، أو نصف ساعة، فأدرَك جزءًا من رمضان، وجزءًا من شوال، فهذا يجب على كل صغير وكبير، إلا أن الصغار غير البالغين، يجب على أولياء أمورهم أن يُخرجوا عنهم الزكاة، وكل من تلزمه نفقته، يجب عليه أن يُخرج عنه زكاة الفطرة.

زكاةُ الفطرة طُهرة للصائم من اللغو والرفث، فلا يُتَقبل صوم رمضان إلا بإخراج زكاة الفطر.

تجب بإدراك جزءٍ من رمضان، وجزء من شوال، على كل مسلم، ولو صغيرًا، يعني يُخرج عنه وليّه، عليه وعلى من عليه نفقتهم إذا كانوا مسلمين، وقال الإمام أبو حنيفة: إذا كان العبد أو المملوك كافرًا، يُخرج عنه زكاة، وقال غيره من العلماء لا زكاة عليه، لأنه لا يُقبل الطُهرة، الزكاة طُهرة، والكافر ليس محل الطُهرة، فإنما تُخرج على المسلم. إذا كان مملوكه مسلمًا يجب عليه أن يُخرج عنه زكاة الفطرة، كما يجب عليه نفقته، وهكذا تجب، يُخرِج زكاة الفِطرة عن نفسه، وعن زوجته، وعن أبيه، وعن أمه، وعن ابنه، وعن بنته، وكل من تلزمهم نفقته.

"على كل واحد منهم صاع من غالب قوت البلد"، والصاع: أربعة أمداد، بمُد النبي ﷺ، وقوت البلد، إذا فَضلت عن دَينه، من غالب قوت البلد، يُخرجها في أي مكان من القوت، قوت أهل ذلك المكان، يقتاتون البُرَّ، أو يقتاتون الدُّرة، أو يقتاتون الأرز، أو غيرها من الأقوات، فبحسب القُوت الغالب في تلك البلدة يُخرج الزكاة منه، من غالب قوت البلد. 

  • فأمّا إذا أراد يُخرجها نقدًا غير زكاة، فهذا جائز عند أبي حنيفة.
  • قال غيره: لا بد من قوت البلد، صاعًا من بُرّ، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، باعتبار أن هذه الأقوات الغالبة في وقته ﷺ، فيقتاتون الناس الشعير، ويقتاتون البرّ، ويقتاتون التمر.
    فإذا استَوَت فأيّ نوع منها أخرجها صَحَّت فيه الزكاة.

وإذا كان الغالب نوع، فقد اجتهد بعض الفقهاء في الأفضليّة؛ الأنواع بعضها على بعض، فقال: 

  • إن أخرج من قوت البلد، أو نوع أعلى، وأفضل منه صَحَّ. 
  • وإن كان أدنى منه فلا. 

ورتّبها الشافعيّة باعتبار: أن البُرّ أعلاها، ثم السُّلت، ثم الشعير، ثم الذرة، ثم بعد الذرة الأرز، ثم الحمص، ثم الماش الذي هو الدُّجر، ثم العدس، ثم الفول، ثم التمر، ثم الزبيب، ثم الأقِط، ثم اللبن، ثم الأخير الجُبُن. على هذا الترتيب، فإن كان قُوت البلد واحد منها، فيُخرج منه، أو من أعلى منه، ولا يُخرِج من أقل منه، هذا ما اعتمده الشافعية في زكاة الفطرة.

وقلنا أما إخراجها نقدًا، فيصحّ على مذهب الإمام أبي حنيفة، وقال غيره لابد أن تُخرج "من قوت البلد، إذا فَضَلت عن دَينِه"، إن كان لديه دين حال، "وكسوته" اللائقة به لذلك الفصل، في الصيف، وفي الشتاء، "ومسكنه" اللائق به، ما يزيد على الحاجة، "وقوته" قوت اليوم والليلة؛ يوم العيد، وليلتها المقبلة، "وقوت من عليه نفقتهم ليلة العيد ويومهم"، والمراد بليلة العيد: ليست الليلة الأولى، التي هي أول ليلة من ليالي شوال، المراد بليلة العيد: التي تلي يوم العيد، بخلاف إطلاقهم لليلة كذا، المراد به الليلة: التي قبل اليوم، إلا أرادوا بيوم العيد وليلته، في الفطر أن يوم العيد، والليلة التي تَلِي يوم العيد، يكون النفقة متوفرة، فما زاد عن هذا وَجَب إخراجه في زكاة الفطر.

فإن لم يجد إلا البعض فيبدأ بنفسه، ثم بزوجته، ثم بولده، ثم بأبيه، ثم بأمه، وهكذا.

"وتجب النّيّة في جميع أنواع الزكاة بعد الإفراز"، وتحييدها، وإخراجها "ويجب صرفها إلى من وُجِد من الفقراء، والمساكين"، فإن قسّمها الحاكم، ويجب عليه أن يستوعب من في مملكته "من الفقراء والمساكين"، وإن قسّمها هو نفسه صاحب الزكاة، فيُعطي ثلاثة من الموجودين؛ من الفقراء والمساكين، إن كان يسعهم.

"والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم"، وبعض الأئمة قال إن المؤلّفة قلوبهم كان في أول الإسلام، وبعد انتشاره وقوته؛ فلا مبالاة بهم، والجمهور قالوا هو مستمر، ولكن كما تقدّم مَعَنا، هم الذين أسلموا، ونيتهم ضعيفة في الإسلام، وفي قول بعضهم: أنه من يُرجَى إسلامه، إذا أعطي من الزكاة.

"وفي الرقاب"؛ المكاتَبون

والغارمين"؛ أهل الدَّين

"وفي سبيل الله، وابن السبيل"؛ المسافرون، والمجاهدون في سبيل الله. 

ولا يجوز، ولا يجزئ صرفها لغيرهم، لأنها أمانة، ولقوم معيّنين في القرآن يُسلّم إليهم، فإذا صرفها لمن لا يستحق الزكاة، ما أغنَت عنه عند الله، وبقيت في ذمته، يُخاطب بها، ويُسأل عنها، وهكذا الذي يُعطي الزكاة لبعض الموظفين، وغيرهم من أجل له معاملة عندهم، يُسهلون لهم المعاملة، وهم غير أهل الزكاة، فهو باطل، وهي حرام، ويجب عليه أن يُخرجها لمن عيّنهم الله -تبارك وتعالى-، فإن لم يُوجد في البلد الذي هو فيها، فأقرب بلد من بلاد المسلمين، فأما إذا وُجدوا فهم أحَقّ، ولا ينقلها إلى بلد أخرى.
 

واختلفوا في جواز النقل إذا كان في البلد الأخرى أشدّ حاجة، أو صنْفٌ لا يوجد في البلد الذي هو فيه، كَصنْفٍ في سبيل الله، لا يوجدون إلا في مواطن موجهة المحاربين من الكفار، ولكن من أراد من أهل بلده أن يذهب للغزو، فهو أحقّ بذلك، فجعل ﷺ تؤخذ من أغنيائهم وتُرَدّ على فقرائهم، وإنما يكون النقل إذا كان في مكان أشد حاجة فيه من المسلمين، بعد أن يُعطي أهل البلد نصيبًا منها، أو كان له ذوي رحم، أقارب، محتاجين، ممّن تصحّ لهم الزكاة، فيُرسلها لذوي رَحِمه. 

 

[بابُ الصَّوْمِ]

فصلٌ   

يجب صوم شهر رمضان على كل مسلم مكلف، من حائض ونفساء، ويجب عليهما القضاء. ويجوز الفطر لمسافرٍ سفر قصرٍ وإن لم يشقّ عليه الصوم. و يجوز الفطر لمريض، وحامل، ومرضع، إذا شقّ عليهم مشقةً لا تحتمل، الفطرُ ويجب عليهم القضاء. 

 

صوم رمضان، بلغنا الله رمضان على خير الأحوال، ومع الفرج للمسلمين، والغياث لهم، وجمع شملهم اللهم آمين.

"يجب صوم شهر رمضان"، هذا شهر التاسع من الأشهر القمريّة، "على كل مسلم مكلّف"، قادر على الصوم "غير حائض ونفساء"؛ يُخاطب به المسلمون من غير شكّ، دون غيرهم من الكفار، والشرط أن يكون مكلّف؛ أي: بالغ عاقل، وهو يُطيق الصوم، فلا يلزم المريض الذي يشقّ معه الصوم، ولا المسافر كذلك يجوز له أن يفطر، ولكن كلٌّ من هؤلاء عليه القضاء. 

  • غير من كان كافرًا فأسلم لا قضاء عليه. 
  • ومن كان صبيًا فبلغ فلا قضاء عليه فيما كان في أيام صباه. 
  • وكذلك المجنون إذا أَفَاق. 

ولا يصح من حائض ونفساء، ولكن يلزمهم القضاء ويجب عليهم القضاء، كذلك المسافر والمريض.

والمسافر الذي سافر مسافة قَصر -مرحلتين- مَسِير يومين بِسَير الجمال المعتادة، وهو الذي يبلغ بالكيلومترات نحو 77 كيلو، إذا المسافة 77 كيلومتر وزيادة فهي مسافة قصر، أقل من ذلك تقصر عن مسافة القصر، التي يجوز فيها قصر الصلاة، ويجب عند الحنفية ويجوز عند غيرهم أن يقصر الصلاة الرباعية: الظهر والعصر والعشاء، فيصلِّي بدل الأربع ركعتين. فهذه المسافة 48 ميلًا بالأميال الهاشميّة، فهي تساوي بالكيلومترات 77 كيلو، فما كان من المسافة من خارج البلد إلى حيث مقصده 77 كيلو فأكثر، فهو مسافة قصر.

كذلك هذا المسافر: 

  • إذا سافر قبل الفجر، وطَلع الفجر عليه وهو في سَفر لمسافة لا تقل عن 77 كيلومترًا، فهو إذًا في رخصة أن يفطِر. 
  • أما إذا طلع الفجر عليه وهو في بلد ثم سافر، فأكثر أهل العلم يقولون: هذا اليوم قد لَزِمه، فلا يجوز أن يفطر إلا بعُذر آخر بأن يتعب ويشُقّ عليه الصوم، وأما بمجرد السفر فالعبرة بطلوع الفجر، إذا طلع عليه الفجر وهو مُقيم، وجب عليه صوم ذلك اليوم. 

المسافر، إذا كان في سَفَر مباح وهو طويل، وإن لم يشقّ عليه الصوم، ولكن الأفضل.. وهو كله وارد عنه ﷺ أن يصوم المسافر أو أن يفطر، ولكن الأفضل اختلفوا فيه، قال الشافعيّة: 

  • إن شقّ عليه الصوم مشقة شديدة، فالأفضل أن يفطر ويقبل الرخصة؛ لأن الله يحب أن تؤتى رُخَصَه كما يحب أن تُؤتَى عزائمه. 
  • وإن لم يشقّ عليه الصوم وسهُل، فالأفضل أن يفطر لشَرَف الوقت.

وقال الإمام أحمد بن حنبل: الأفضل أن يفطر، وبالغ داود الظاهري، قال: ما يصح صومه، ما دام مسافر عليه القضاء، إذا صام عليه القضاء، هذه مبالغة.

وقد جاء في الحديث أنه ﷺ صام في رمضان لما سافر في فتح مكة، صام بعض أيام رمضان وهو في السّفَر، وأفطر بعضها مراعاةً لحالة المسافرين معه -عليه الصلاة والسلام- أنه شقّ عليهم أن يفطروا، ورسول الله صائم، فلما علم بذلك منهم أفطر وقضى بعد ذلك.

قال تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، وكذلك المريض إذا كان يشقّ معه الصوم مع ذلك المرض مشقّة شديدة لا تُحتمل عادة، أو يزيد به المرض، أما أن لا يشق معه الصوم، فليس بعُذر، يقول واحد عنده زكام، أو حمى خفيفة، أو قال عنده وجع قليل في عينه أو أذنه، قال بيفطر، يشق عليك الصوم وتتعب؟!! قال: لا، مريض؛ نقول المريض إذا كان يشقّ معه الصوم فهذا عذر لأن يفطر.

وقال: "للمسافر مسافة قصر وإن لم يشق عليه الصيام، ولمريض، وحاملٍ، ومرضع، شقّ عليهم مشقة لا تُحتمل، يجوز لهم الفطر، ويجب عليهم القضاء".

  • ثم إن كان الحامل والمرضع لا تخاف بسبب الصوم إلا على الحَمْل فقط، أو على الرّضيع فقط، سينقص عليه لبنها وهي لا تخاف على نفسها إنما من أجل الرضيع، يجوز لها أن تفطر، وعليها مع القضاء فِدية، وهو مُدّ مع صوم اليوم؛ تخرج مُد لأنها أفطرت لا لنفسها، ولكن أفطَرَت من أجل غيرها، فيلزمها مع القضاء المُدّ، أي: كفّارة وقضاء.
  • أما إن أفطَرَت خوفًا على نفسها، أو على نفسها مع الولد معًا، فلا يلزمها إلا القضاء فقط من دون كفّارة.

"وحامل، ومرضع، شقَّ عليهم مشقة لا تُحتمل، يجوز لهم الفطر، ويجب عليهم القضاء".

ثم سيتكلم عن النيّة وما يتعلق بها، ومن أوسع المذاهب في النيّة مذهب الإمام مالك في جواز أن ينوي الشهر كله من أول ليلة، فيكفيه عن صومه كل يومٍ من أيام رمضان.

وقال غيرهم: لا، بل كل يوم له تبييت من ليلته الماضية، فلكل يوم حُكمُه المخصوص، والله أعلم.

رزقنا الله الاستقامة، وأتحَفَنا بالكرامة، وضاعف لنا الهبات، وأجزل لنا العطيّات، ودفع عنا جميع الآفات، وجعلنا من أهل إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، وعمل جميع ما أمر الله به والمسارعة والإكثار ممّا ندب إليه واستحبّه تعالى على خير الوجوه وأفضلها وأرضاها له وأحبها إليه وإلى رسوله ﷺ، وثبّتنا على الاستقامة، وأتحَفَنا بالكرامة في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة، ودار المُقامة في مرافقة عبده المصطفى المظلّل بالغمامة في خير ولطف وعافية.

 بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد ﷺ 

تاريخ النشر الهجري

01 ربيع الأول 1446

تاريخ النشر الميلادي

02 سبتمبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام