(374)
(607)
(535)
الدرس الثامن للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في شرح كتاب: سُلّم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق، للإمام الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر. ضمن دروس الدورة الصيفية الأولى بمعهد الرحمة بالأردن.
أركان خطبة الجمعة - أحكام القدوة - أحكام الجنازة: غسل الميت وتكفينه ودفنه والصلاة عليه.
ظهر الأربعاء 17 صفر 1446هـ.
لتحميل كتاب سلم التوفيق:
pdf: https://omr.to/sullam-pdf
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
وبعدُ،
من كتاب سُلَّمُ التَّوفيق إلى مَحَبَّةِ اللهِ على التَّحْقِيق للإمام العلامة سيدنا عبد الله بن حسين بن طاهر باعلوي رحمه الله ونفعنا به وبكم في الدارين آمين، ورضي الله تعالى عنه وعنكم، وبسندكم المتصل إليه قال:
وأركان الخطبتين:
- حمد الله.
- والصلاة على النبي ﷺ.
- والوصية بالتقوى، فيهما.
- وآية مفهمة، في إحداهما.
- والدعاء للمؤمنين، في الثانية.
وشروطهما:
- الطهارة عن الحدثين.
- وعن النجاسة في الثوب والبَدَنِ والمكان والمحمول.
- وسَتْرُ العَورَة.
- والقيام.
- والجلوس بينهما.
- والولاء بينهما.
- وبينهما وبين الصلاة.
- وأن يكونا بالعربية.
فَصْلٌ [في شروط صلاة الجماعة]
ويجب على مَن صلى مُقتديًا في جمعةٍ أو غيرها:
- أن لا يتقدم على إمامه في الموقف والإحرام، بل تُبطل المُقارنة في الإحرام، وتُكرَه في غيره إلا التأمين؛ ويحرم تقدمه بركن فعلي، وتبطل بركنين، وكذا التأخر عنه بهما لغير عذر، وبأكثر من ثلاثة أركان طويلة له.
- وأن يعلم بانتقالات إمامه.
- وأن يجتمعا في مسجد أو ثلاثمائة ذراع.
- وأن لا يحول بينهما حائل يمنع الاستطراق.
- وأن يتوافق نظم صلاتيهما.
- وأن لا يتخالفا في سنة تفحش المخالفة فيها.
- وأن ينوي الاقتداء مع التحرّم في الجمعة، وقبل المتابعة وطول الانتظار، في غيرها.
ويجب على الإمام:
- نية الإمامة في الجمعة والمعادة، وتسن في غيرهما.
الحمد لله، يبين بقية الأحكام المتعلقة بالجمعة وصلاة الجمعة، ومن شرط الجمعة أن يتقدمها خطبتان؛
قال الشافعي لابد من خطبتين اثنتين يفصل بينهما بالجلوس. خطبة الجمعة قال الإمام أبو حنيفة؛ يكفي أي ذكر لله يذكره قبل أن يخطب، واشترط الشافعية والحنابلة فيها شروط، وجعلوا هذه الأركان التي أشار إليها بقوله: "وأركان الخطبتين: حمدُ الله" تبارك وتعالى؛ أي: في الخطبة الأولى، والخطبة الثانية.
عند الشافعية خطبتين، لغيرهم تكفي خطبة واحدة، ويسن خطبتان عند بقية الأئمة، فكونهما خطبتين على سبيل السنة عندهم، والواجب خطبة.
"حمدُ الله" تبارك وتعالى أي فيهما، "حمدُ الله": بأن يثني على الله بلفظ الحمد لله وهو أفضله، أو ما اشتُقَّ من الحمد بأنَّه حامدٌ لله، الله المحمود على فضله؛ أحمد الله، لله الحمد، أي لفظ من الألفاظ المشتقة من الحمد يحمد بها الله تعالى؛ لأنَّه لم تخلُ خطبة من خطب النبي ﷺ عن حمد الله تبارك وتعالى.
كذلك الصلاة عليه ﷺ وقد كان كثيرًا ما يتشهد في الخطبة، ويصلي على نفسه -صلى الله عليه وسلم وعلى آله- "والصلاة على النبي ﷺ،" أيضًا من الواجبات في خطبة الجمعة وهذا عند الجمهور، وقال الحنفية يكفي أيّ الذكر.
"والوصية بالتقوى، فيهما؛" لأنها المقصود من التذكير ومن الخطبة؛ الوصية بالتقوى.
فهذه ثلاثة أركان عند الشافعية في الخطبتين معاً؛
والمراد بالوصية بالتقوى؛ الحثُّ على أداء المأمورات وترك المحرمات بأي صيغة كان وبألفاظ، فكل ما تضمّن الحثَّ على الواجبات والمأمورات والطاعات والزجر والنهي عن المعاصي والسيئات؛ فهو وصية بالتقوى، المراد بالوصية بالتقوى الحثُّ على طاعة الله والزجر عن معصيته -جلَّ جلاله-
وقد تقدم معنا أخبار التقوى في "الكبريت الأحمر" وخِلَعها الخمسة التي نسأل الرحمن، أن لا يحرمنا منها وأن يوفر حظنا منها وأهلينا وأولادنا وطلابنا ويُكتَفى بها في الوصية في الجمعة..
"وآية مُفهمة" أي تُفهِم معنى في إحداهما، فإنَّ بعض الآيات إذا كانت مرتبطة بمعنى قبلها وبعدها، لا تُفهِم لوحدها، فإذا قرأ آية قال: (ثُمَّ نَظَرَ) [المدثر:21]، مَنْ هو هذا؟! ما الخبر؟! وكيف؟ لا نفهم معناه، هذا كلام متعلق بما قبله وما بعده.
وهكذا إذا أراد أن يقرأ آية من القرآن، فقال من وسط كلام متراسل مثلًا: (فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) [المدثر:24] مَنْ هو؟ في أي موقف؟ كلام مربوط بالذي قبله والذي بعده، فما يكفي هذا الكلام، هات آية تُفهِم المعنى، يفهم منها السامع معنى صحيح، ولو قال: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص:1] لكفى، أُفهِمتَ معناها، (وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ) [البقرة:163] كفى، أمَّا يأتي بكلام وسط الكلام متعلق بما قبله وبعده ما يفهم المعنى منه.
"وآية مفهمة" فأكثر، وكثيرًا ما كان ﷺ يقرأ في الخطبة آيات حتى قال بعض الصحابة: "ما حَفِظْتُ سورة ق، إلَّا مِن فِي رَسولِ اللهِ ﷺ من الخُطبةِ" لكثرة ما كان يكرر آياتها في الخطبة، فيقرأها في الخطبة فحفظوها منه ﷺ، لِمَا فيها -سورة ق- من الوعظ العظيم. إذًا؛ فلابدَّ من قراءة آية من القرآن، إمَّا في الخطبة الأولى أو الثانية، والأفضل أن تكون في الأولى.
"والدعاء للمؤمنين في الثانية" بأمر عظيم أخروي، بمعنى الدعاء لهم بمجرد صحة الأبدان مثلًا أو رزق الأموال فقط لا يكفي، نريد لهم دعاء خيره يستمر ويدوم، ادعُ لهم بالمغفرة، ادعُ لهم بدخول الجنة، ادعُ لهم بالنجاة من النار؛ هذا كافي، وأمَّا تدعي لهم بصحة أجساد، كم مِنْ فُجَّار وكُفَّار صحيحة أجسادهم في الدنيا؟ أو تدعي لهم بكثرة مال، وقارون أكثر منهم مالًا، هات لهم بالدعاء الذي منفعته أبدية سرمدية، دعاء أخروي فيدعو لهم بذلك.
والمغفرة من أهم ما يُدعى به؛ الدعاء للمؤمنين في الخطبة الثانية؛ ولو خاطب به الحاضرين -غفر الله لي ولكم- كفى، والأفضل أن يشمل جميع المؤمنين والمؤمنات، يشملهم بالدعاء، هذا ما يتعلق بأركان الخطبتين.
قال: "وشروطهما: الطهارة عن الحدثين" هو كذلك عند الشافعية، ورواية عند الإمام أحمد.
والرواية الثانية عنده: أنَّه يجوز الخطبة بلا وضوء وثمَّ يتوضأ ويصلي بهم.
وكذلك عند الحنفية قالوا: أنّه لا يُشتَرط فيها الاستقبال ولا يُشتَرط فيها الوضوء، ذكر، إنَّما هو ذكر لا يُشتَرط فيه استقبال القبلة ولا يُشترط فيه الوضوء.
ولكن الأولى -عندهم كلهم-:
"الطهارة عن الحدثين،" فهي بمنزلة الصلاة، لِمَا جاء أنَّه كانت الجمعة أربعًا ثم كانت الخطبتين بمثابة الركعتين فصارت ركعتين، يروى هكذا، وعلى كل الأحوال معتمد أنَّها هي فرضت هكذا ركعتان، ولكن من شرطها الطهارة عند عدد من أهل العلم، "الطهارة عن الحدثين،".
"وعن النجاسة في البدن والمكان والمحمول" كالصلاة.
"وستر العورة" ما بين السرة والركبة.
وكذلك "القيام" هو مشروط أيضًا عند الشافعية، واختلف الأئمة بعد ذلك هل يُشتَرط القيام أو يمكن أن يجلس؟
وفي رواية عن الإمام أحمد -مثل الشافعية-: يجب القيام في خطبة الجمعة إلا أن يعجز، فإذا عجز عن القيام فهي كالصلاة يخطب قاعدًا، والأولى أن يستند بغيره، ويجوز أن يخطب وهو قاعد إذا عجز عن القيام.
"والجلوس بينهما"؛ بين الخطبة الأولى والثانية، فلو خطب خطبتين أو ثلاث أو أربع وهو قائم لم يجلس لم تُحسَب إلا خطبة واحدة حتى يجلس، فإذا جلس جاء دور الخطبة الثانية، عُدَّت التي بعد الجلوس ثانية.
فإن كان هو مريض لا يستطيع القيام فخطب وهو قاعد، وأكمل الخطبة كيف يفعل؟ لا يستطيع القيام هو قاعد نفسه، فكيف يفصل بين الخطبتين؟ يفصل بالسكوت، يسكت، لأنَّه قاعد من أصله، لا أحد يقول له اضطجع، لا يضطجع محله وهو قاعد، ولكن إذا خطب قاعدًا فالفصل بين الخطبتين بالسكوت، يبقى ساكت مدة فوق طمأنينة الصلاة.
ويُسَنُّ في هذه السكتة:
يقرأ المأمومون والمستمعون هذا الاستغفار، سيد الاستغفار الوارد عنه ﷺ، وهو أيضًا مظنّة لقبول الدعاء ما بين الخطبتين، وقيل أنَّها ساعة الإجابة، فيدعو الله تعالى بما شاء بعد أن يأتي بسيد الاستغفار، والإمام يأتي بثلاث من سورة الإخلاص، ثم يقوم يخطب الخطبة الثانية، وكل ذلك سنة أن يقرأ ويدعو في هذه الجلسة.
قال: "والولاء بينهما، وبينهما وبين الصلاة" فإذا خطب الخطبة الأولى ثم جلس طويلًا حتى مضى مقدار ما يسع ركعتين خفيفتين ثم قام ليخطب بالثانية، قلنا: على رِسْلك هذه الأولى لازالت، وأين الأولى، الأولية؟ فصْلتَ بينها وبينها؟ لم تعد تعتبر خطبتين؛ لأن الفصل طال، فلا يطول الفصل ما بين الخطبة الأولى والثانية زيادة على مقدار مايسع ركعتين خفيفتين.
وكذلك بين الخطبة الثانية والصلاة؛ فلو أكمل الخطبة الثانية وجلس يتلفت ويصلِّح ثيابه ويصلِّح السجادة ومضى مقدار ركعتين خفيفتين وقام ليصلي، قالوا له: محلك، تصلي ماذا؟! لا توجد خطبة! أين الخطبة؟!، قال: خطبت، قالوا: راحت؛ لأنك فصلت بينها وبين الصلاة، انتهى مفعولها، اذهب اطلع أخطب مرة ثانية وارجع وصلِّ مباشرة، ولا تقعد بين انتهاء الخطبة ودخولك في الصلاة وقت طويل أكثر من ركعتين! راحت الخطبة خلاص، يجب أن ترجع ثاني مرة وتخطب حتى تصح صلاة الجمعة "الموالاة بينهما" -بين الخطبتين- "وبينهما وبين الصلاة".
"وأن يكون بالعربية" قال الحنفية: يصح أن يكون بأي لغة لأنَّه المقصود الذكر، ولكن ينبغي أن يجعل الأركان بالعربية، وإذا كان القوم لا يفهمون العربية فيقرأ الأركان بالعربية ويعظهم ويذكرهم وينبههم ويوصيهم بالتقوى بلسانهم التي يعرفونها، ولغتهم التي يفهمونها.
وحرص الكثير من المسلمين العجم في كثير من الجهات أن يجعلوا الخطبة بالعربية خاصة، اقتداء بالنبي ﷺ والخلفاء الراشدين، ثم يجعلون وعظهم وتذكيرهم وتنبيههم قبل الخطبة درس وبعد الصلاة كذلك تذكير يذكرونهم، ليكون هيئة الخطبة على ما كان منه ﷺ ومن الخلفاء الراشدين، وهذا أولى، والأمر واسع.
وإذا جاء بالأركان بالعربية فلا يضر تخلّل بعض -الخطبة- بلغة أخرى، ولا يضر الفصل بين الأركان بلغة أخرى في الوعظ فهو متصل، الخطبة نفسها تكون.
ومما ابتلي به المسلمين أن تُحول الخُطب من تذكير بالله وبدينه وأمر بالاستعداد للقائه، إلى قضاء أغراض ومصالح من مصالح الدنيا أو سياسات أو غيرها، ويذهب مقصودها ورونقها، إنَّما مقصود الخطبة ربط القلوب بالرب وتنبيهها على تحقيق العبودية له والاستعداد للقائه؛ بفعل ما أمر واجتناب ما نهى عنه في الحياة.
يقول: "فَصْلٌ ويجب على مَن صلى مُقتديًا في جمعةٍ أو غيرها: أن لا يتقدم على إمامه في الموقف" مكان الصلاة وهذا عند الجمهور.
"والإحرام" بتكبيرة الإحرام؛ فيحرم الإمام أولاً.
ولكن عند الشافعية وجماعة من أهل العلم لا يبدأ بالتكبير حتى يتم تكبير الإمام، فلو نطق بالهمزة من "الله أكبر" والإمام لم ينطق بالراء من أكبر لم تصح صلاته، فلابد أن يترك الإمام يكمل التكبيرة ثم هو يكبر.
كذلك المتابعة عندهم في الأركان، لا يبتدئ في الهُوي للركوع حتى يستوي الإمام راكعًا، إذا استوى راكعًا يبدأ هو في الهُوي للركوع، ثم لا يبتدئ في الرفع حتى ينتصب الإمام قائمًا، فإذا انتصب ابتدأ في الارتفاع، ثم لا يهوي إلى السجود حتى يضع الإمام جبهته على الأرض فإذا وضع جبهته فيبدأ هو في الهُوي؛ فهكذا كيفية المتابعة عند الشافعية ومن وافقهم.
والحنفية قالوا: يجعله يتقدم، وفي آخر عمله هو يتبعه في ذلك.
قال: "وتُكرَه في غيره" أي: في غير التحريم، المقارنة، واختُلف في المقارنة في السلام، قيل تحرم وقيل تُكره.
"إلا التأمين؛" فيَسُنّ أن يُقارنه فيه لأمر النبي ﷺ "إذا قالَ الإمامُ: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) فَقُولوا آمِينَ، فمَن وافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ" وفي لفظ "تأمين الإمام". وفي رواية قال: "أنَّ الملائكة تُؤمّن مع تأمين الإمام، فمَن وافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ" قيل:
"فمَن وافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ".
"ويحرم تقدمه" -على الإمام- "بركنٍ فعليّ" وقيل: يَحرُم ولو ببعض الركن الفعليّ: من الركوع، والسجود، والقيام، والاعتدال، والجلوس بين السجدتين.
"ويَحرم تقدمه بركنٍ فعليّ" وأمَّا في القولي فيُكره تقدمه عليه، وقيل يَحرُم، يعني: لا يقرأ الفاتحة حتى يبدأ الإمام بقراءتها، ولا يبدأ بالتشهد حتى يبدأ الإمام في التشهد.
"ويحرم تقدمه بركن فعلي، وتبطل بركنين،" إذا تقدم بركنين فعليين، مستعجل!.. ركع والإمام قائم وارتفع وهوى إلى السجود بطلت صلاته، وقالوا: هذا من مظاهر الحَمَق تقدُّم المأموم على الإمام وهو لا ينوي أن يسلِّم إلا معه، هل سيسلم بعده بعدين؟ فما معنى هذا التقدم؟! بلاده أو بلاهة! وفي البلاء إشارة إلى أنَّه بلادة قال: "أَما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسه رأس حمار" أي أن يكون بليدًا كبلادة الحمار في عدم فهم الأشياء.
فينبغي الاعتناء بحسن الاقتداء بالإمام "إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليُؤتَمَّ بهِ، فإذا ركعَ فاركَعوا، وإذا سجدَ فاسجُدوا، وإذا قال وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا: آمينَ" وعلى اختلاف في سنية التأمين والجهر به.
قال: "وتبطل بركنين، وكذا التأخر عنه"؛ بركنين فعليين، فالتقدم والتأخر بركنين فعليين، "لغير عذرٍ"، ويُعذر من جاء يُصلي خلف الإمام وقد أدرك من قيام الإمام ما يسع الفاتحة، ولكنَّ هذا المأموم اشتغل بقراءة أدعية الافتتاح، قرأ أدعية الافتتاح، قرأ، قرأ، ركع الإمام فعليه أن يقرأ الفاتحة قبل أن يركع ويُعذَر، الإمام سيركع وسيرتفع من الركوع ويسجد وأنا لازلت أقرأ الفاتحة، نقول له: اقرأ وتُعذر إلى السجدة الثانية..
وأمَّا إذا أكملت قبل أن يسجد السجدة الثانية فتدارك ما فاتك حتى تلحقه، هذا مثل العذر في هذا، أو كان هو ثقيل القراءة -بطيء- فيُعذر في التخلف عن الإمام.
وأمَّا هذا ينبغي إذا أحرم ويخاف ركوع الإمام أن لا يشتغل بِدُعَاءِ الاستفتاح، ولكن يشرع في الفاتحة مباشرةً، فإذا لم يُدرك زمنًا يسع الفاتحة فهو المُسَمَّى عند الشافعية المسْبُوق؛
فإذا أحرم ولم يبقَ من قيام الإمام زمنًا يسع الفاتحة؛
قال: -فبالعذر- "بأكثر من ثلاثة أركان طويلة له"؛ والثلاث أركان طويلة يقصدون بها: الركوع والسجودان، ما يعدّون الاعتدال ولا الجلوس بين السجدتين، لأنه يُعَدّ عند الشافعية ركن قصير، الاعتدال بعد الركوع ركن قصير، والجلوس بين السجدتين ركن قصير، فلا يُحسب بالنسبة للمعذور في التأخر إلى ثلاث أركان طويلة.
"وأن يعلم بانتقالات إمامه،" وهذا الشرط الوحيد عند المالكية لصحة صلاة الجماعة، فلو كان في مكانٍ بعيد ويعلم انتقال الإمام صَحّ أن يقتدي به.
ولكن عند الشافعية شروط: أن يجتمعا إمَّا في مسجد مهما كبر المسجد، أو يكون ما بين المأموم والإمام من الفراغ لا يزيد على ثلاث مائة ذْرَاع، إذا كان فراغ بين الإمام والمأموم -بدون صفوف، فقط فراغ- فإن كان في بعضه صفوف وبعضه فراغ فمن آخر صف، لا يزيد من آخر صف إلى محل المأموم عن ثلاثمائة ذْرَاع، فإذا زاد على ثلاثمائة ذْرَاع، هذا لا يُحسب جماعة هذا أصبح في محلّ ثاني، فالشرط:
"وأن يجتمعا في مسجد أو ثلاثمائة ذراع، وألا يحول بينهما حائل يمنع الاستطراق" -المرور- يعني وإن لم يمنع الرؤية، مثل: الزجاج، يراه لكن لا يقدر أن يمرّ، لا تصَح صلاة الجماعة على هذه الشروط عند الشافعية، لابدَّ أن يكون يمكن الاستطراق والمرور إلى الإمام.
وهناك شرطًا آخر، أن يكون هذا الاستطراق إلى الإمام -إن كان في غير مسجد- أن يكون بالمشي المُعتاد من غير أن يُوَلِّيَ ظهره القبلة، إن كان في الطريق لَفَّةٍ فيها يستدبر القبلة ثم يرجع، لم تصَحّ الصلاة، بل لابدَّ أن يكون هناك طريق إذا مشى فيها بالمشي المُعتاد لا يستدبر القبلة، لا بَأس أن يُوَلِّيَها يمينه أو يساره لكن لا يستدبرها، هذا يسمى "الإِزْوِرَار" والانعطاف، أن يُمكن الوُصول الى الإمام بغير إِزْوِرَار ولا انعطاف، والمقصود به: أن يُوَلِّيَ ظهره القبلة بالمشي المُعتاد، هذا الإِزْوِرَار والانعطاف.
"وأن يتوافق نظم صلاتيهما" فإذا واحد صلاة جنازة والثاني صلاة فرض، كيف يُصَحِّ لهم جماعة في هذا؟ واحد عنده قيام فقط، وواحد عنده ركوع وسجود، وكيف يُصلّون جماعة؟ لا يصح، لابدَّ أن تتوافق نَظَم صلاتيهما، وإلا واحد يصلي كسوف أو خسوف بركوعين وسجودين، وواحد سيصلي سنة الظهر أو سنة العشاء؛ كيف تُصلّي بالركوعين والسجودين؟ لا يمكن، فلابدَّ أن تتوافق نَظَم الصلاتين؛ فهذا الشرط عند الشافعية.
والأمر واسع عند الشافعية.
قال: "يتوافق نَظَم صلاتيهما" إذا توافق نَظَم الصلاتين جَاز، وأخذوا من أنَّه كان يُصلي معه ﷺ بعض أصحابه ثم يذهب إلى مسجد قومه فيُصلي بهم، فتكون الثانية بالنسبة له نَفْل وهو إمام وهم لهم فرض، فكونه صلي مع النبي ثم رجع يُصلي بقومه فهو في نَفْل والقوم في فرض.
وحتى لو كان المأموم ركعاته أنقص، كيف يعمل؟ إذا قام الإمام فالمأموم ينوي المُفَارَقَة، ويتشهد ويسلّم، إذا كان مثلًا ذاك يُصلي عشاء، وجاء ثاني يُصلي مغرب خلف الإمام، كَمَّل ثلاث ركعات كيف يُصَلِّح المأموم؟ إذا قام من السجدة الإمام في الركعة الثالثة، ينوي المأموم المُفَارَقَة، ويتشهد ويسلّم.
قالوا: "أن لا يُخالفه في سنةٍ تفحش المخالفة فيها"، بأن يتشهد أحدهما التشهد الأول فيتركه الثاني، لا يمكن؛ إذا الإمام تشهد فوجب على المأموم يتشهد، وإذا ترك الإمام التشهد الأول نسي وقام أو تركه، فيجب على المأموم أن يتركه، لا يتشهد، إذا تشهدت بطلت صلاتك، لأنك أنت مأموم لابد تتبع، فلا تُخالفه في سنةٍ تفحش فيها المخالفة.
بخلاف ما يقوله الشافعية بسنية القنوت في صلاة الصبح، فإذا كان الإمام ما يقنت، سواء كان شافعي أو غير شافعي وترك القنوت، فهذه سنة لا تفحش المخالفة، فيه، لأنه ما يُحدِث فعل جديد، فيختصر الدعاء بحيث يدركه في السجود الأول، فيُدْعُو -يُثَني على الله ويُدْعُو ويلحقه- فهذا ما تبطل بالصلاة، لكن إذا سنة تفحش المخالفة فيها، كمثل تشهد، أو سجدة السهو؛ سجد الإمام سجدة السهو، قال أنا لحقت به الآن فما علي السهو، دعه يسجد! أنت ستبطل صلاتك، إذا سجد اسجد.
وهذا أيضًا لا يضرّ سجود المأموم إذا الإمام سُنَّ له سجود السهو فتركه، فسَلَّم، هنا لا يضرّ، بعد سلام الإمام، أن يسجد المأموم؛ إذا كان لزِم الإمام سجود، يعني ثَبَتَ على الإمام سجود السهو، فإن المأموم لا يسجد لسهو نفسه مهما سها في حالة القُدوة، ولكن يسجد لسهو إمامه، وإن لم يسهُ المأموم، لسهو إمامه يسجد.
فإذا جاء ووجد الإمام في التشهد الأخير، فسَلَّم، فسجد الإمام لِسَهْوٍ، يسجد معه ثم يُسَنّ للمأموم آخر صلاته نفسه أن يسجد، لأن الخلل يتطرق إليه من صلاة إمامه، فيُسَنّ له أن يسجد.
وإذا قلنا في حالة القُدوة -بخلاف إذا فارق الإمام- سَلَّم الإمام وهو مسْبُوق فقام، ففي أثناء صلاته التي يتمها سها، لأن هذا السهو وقع في غير حال القُدوة، وقد انتهت القُدوة، على هذا قال: لو كان باقي عليه ركعة، فسَلَّم الإمام، وهو نسي وسَلَّم، بعد ذلك ذكر، نقول له: قم أكمل.. فهل يسجد للسهو أم لا يسجد؟ يسجد لأنه إنما سَلَّم بعد أن سَلَّم الإمام، وإذا سَلَّم الإمام انتهت القُدوة، وهو سَلَّم في غير محله، أي سَلَّمْت فعليك أن تسجد للِسَهْوٍ، لأن تسليمك ما يقع قبل تسليم الإمام، إذا قد سَلَّم الإمام، انتهت القُدوة، فأي سهو تسهوه فتسجد لذلك، بخلاف قبل أن يُسَلِّم الإمام وهو في التشهد، قام يقرأ الفاتحة، ما لك؟ قال نسيت، إذا سَلَّم الإمام قُم أكمل صلاتك ولا تسجد للِسَهْوٍ، لماذا؟ لأن سهوك وقع في حال القُدوة، وأنت خلف الإمام، فلا تسجد لسهو نفسك ما دمت مقتديًا، بخلاف إذا انتهت القُدوة ثم سهوتَ، فتسجد لسهوك، يقول: "لا تُخالفه في سنةٍ تفحش المخالفة فيها".
أن "ينوي الاقتداء مع التَّحْرُّم في الجمعة"، لأن الجمعة من شرطها الجماعة، لابد من نية الاقتداء، "وقبل المُتابعة وطول الانتظار في غيرها"؛ في غير الجمعة؛ قام يُصلي ولم ينوِ الاقتداء بالإمام - المأموم- نقول -بدون متابعة الإمام- إذا تابعته وأنت غير ناوي الاقتداء، بطلت صلاتك، فلا تنتظر وتتابع، أو تنتظر، أنت استعجلت على شيء من الأركان الفعلية، أو تنتظر، أكملت وتريد أن تركع، منتظر الإمام، هو ليس إمام لأنك لم تنوِ الاقتداء أصلًا، فإذا رَبَطْتَ صلاتك في صلاة الغير من دون نية الاقتداء، بطلت صلاتك، ولكن إذا نويت الاقتداء به فصَحّت.
"ويجب على الإمام نية الإمامة في الجمعة والمُعَادَة" كيف هذا؟ يقول: الإمام إذا لم ينوِ الإمامة، واقتدى به مَن اقتدى فَنَووا الاقتداء صَحّت صلاتهم جماعة، وهو مُنْفَرِد، يُعتبر مُنْفَرِدًا لأنه لم ينوِ الإمامة، فاتته ثواب الجماعة، إلا في أربع صلوات، لابدَّ أن ينوِي، يجب عليه أن ينوي:
وعلمتم أن التقديم أيضًا والتأخير في الصلوات هذه عدّهُ الحنفية والمالكية لأجل النَّسَك في الحج فقط، ولم يُقولوا به بعد ذلك.
وهو عند الشافعية والحنابلة لأجل السفر، وكذلك لأجل المرض، إذا كان يُشَق عليه الصلاة كل صلاة في وقتها، فيجوز أن يجمع؛ تقديمًا وتأخيرًا، بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء،
أمَّا لعذر المطر، فيجوز التقديم دون التأخير، والشافعية يشترطون أن يكون المطر نازلًا وقت التَّحْريم، وأن يكون نازلًا وقت التسليم، ووقت التحريم بالثانية.
فصلٌ: [في الجنازة]
- غسل الميت، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه، فرض كفايةٍ، إذا كان مسلمًا، وُلِدَ حيًّا.
- ووجب لذميٍّ تكفينٌ ودفنٌ.
- ولِسِقطٍ ميتٍ غسلٌ، وكفنٌ، ودفنٌ، ولا يُصَلَّى عليهما.
- ومن مات في قتال الكفار بسببه، كُفِّن في ثيابه، فإن لم تَكفِه زِيدَ عليها، ودُفِن، ولا يُغسَّل ولا يُصَلَّى عليه.
وأقل الغسل: إزالة النجاسة، وتعميم جميع بَشَرِه وشعره، وإن كَثُفَ مَرَّةً بالماء المُطَهِّر.
وأقل الكفن: ساتر جميع البَدَنِ، وثلاث لفائف لمن تَرك تَرِكةً زائدةً على دَيْنِهِ ولم يُوصِ بِتَرْكِهَا.
وأقل الصلاة عليه:
أن ينوي الصلاة عليه، والفرض، ويعيِّنَ، ويقول: "الله أكبر"، وهو قائم إن قدر، ثم يقرأ الفاتحة، ثم يقول: "الله أكبر"، "اللهم صل على محمد"، ثم يقول: "الله أكبر"، "اللهم اغفر له" و "ارحمه"، ثم يقول: "الله أكبر"، "السلام عليكم".
ولابدّ فيها من شروط الصلاة، وترك المُبْطِلات.
وأقل الدفن:
- حفرة تُكتَم رائحته، وتحرسه من السباع، ويُسنُّ أن يُعمَّقَ قدرَ قامةٍ وبسطةٍ ويُوسَّع،
- ويجب توجيهه إلى القبلة.
يقول: الذي يلزم على المسلمين إذا مات الميت بينهم، فإذا مات الميت تعلّق به أربع فرائض كفاية، وهي:
الحَمْل لأنه ما يتأتّى تغسيله وتكفينه إلا بشيء من الحَمْل، فهو من درجة الوجوب في المعنى.
والصلاة عليه ما لم يكن شهيدًا في قتال الكفار، لأن الشهداء كثير في أمة النبي محمد، لكن يُصَلَّى عليهم كلهم، ويُغسَلون إلا الشهيد في معركة الكفار، إذا التقى مع حَرْبِيّين مقاتلين من الكفار فقُتل بسبب القتال، وليس بعيدًا عن ساحة القتال ومرض وبسبب المرض مات، هذا يُغسَّل و ويُكَفَّن ويُصَلَّى عليه ويدفن، وأمَّا إن كان الموت بسبب القتال، فتسقط الصلاة عليه، ويبقى تكفينه ودفنه؛ شهيد.
يقول: "غسل الميت، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه، فرض كفايةٍ، إذا كان مسلمًا، وُلِدَ حيًّا." يعني يخرج منه السِّقْط، السِّقْط إذا وُلِدَ وخرج من بطن أمه قبل تمام أُشْهُرِهِ، وخرج ميتًا، فهل يُصَلَّى عليه؟
أمَّا إن كان قبل بداية رَسْم خَلْقِهِ وتكوينه، وهو لا يزال عَلَقَةً أو نحو ذلك، فهذا يُسَنُّ سَتره ودفنه، ولا يجوز الصلاة عليه، وأمَّا إذا قد بدت فيه الصورة والتكوين، فيجب سَتْره ودفنه، وأمَّا الصلاة عليه؛
وإنَّما إذا قد ظهر خَلْقُهُ، فيجب تغسيله، وتكفينه، ودفنه، وأمَّا إذا له ستة أُشْهُرٍ ولكن لم تظهر عليه علامة من علامات الحياة بعد خروجه من بطن أمه بان خروجه ميتًا، فهذا اختُلِف: هل يُصَلَّى عليه أم لا؟ أمَّا التغسيل والتكفين والدفن واجب، ولكن هل يُصَلَّى عليه؟ فالأمر واسع، يجوز عند بعض أهل العلم، ولا يصح الصلاة عند الآخرين.
ثم إذا ظهرت عليه علامة من علامات الحياة بأن خرج من بطن أمه فصاح ثم مات، أو خرج فعطس ثم مات؛ خرج من بطن أمه، وصار يتحرك حركة اختيارية، ما هي حركة اختلاج ثمَّ مات، فإذًا هو كالكبير، يجب تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه؛ وهكذا يقولون الشافعية في المذهب عندهم:
والسِّقط كالكبير في الوفاة *** إن ظهرت أمارةُ الحياة
إذا ظهرت عليه علامة من علامات الحياة عند خروجه من بطن أمه فهو مثل الكبير؛ يجب تغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه
أو خَفِيت وخَلْقُهُ قد ظهرا *** ………….
قد تَكَوَّنَ خلقه، وظهرت فيه صورة الآدمي، فهذا تُمْنَع الصلاة فقط، ويلزم الباقي.
………… *** فامنع صلاةً وسواها اعتبرا
لكن في القول الثاني: أنَّه إذا قد مضت على السقط ستة أُشْهُرٍ يُصَلَّى عليه أيضًا، وعليه عمل سَلَفُنَا عندنا؛ إذا قد مضت ستة أُشْهُرٍ على السِّقْط وإن خرج ميتًا يصلون عليه، أو لا علامة من علامات الحياة بل التكوين كله ما بدت فيه صورة آدمي أبدًا أو خفيت أيضًا، ففيه لم يجب شيء.
وسِترٌ ثم دُفِن قد ندب ***
يندب ستره ودُفِنه، بل يُسَنّ تسمية السِّقْط؛ السِّقْط يأخذ بِسرَرِ أمه يوم القيامة إلى الجنة؛ له شفاعة، بل قالوا: أنَّه يُسَنّ حتى أن يَعُقَّ عنه -السِّقْط- خصوصًا إذا قد ظهرت عليه علامة الخَلْق، وأن يُسَمَّيه، لينال شفاعة بالعَقّ عنه.
قال: "ووجب لذميٍّ" لذميٍّ يعني: واحد من أهل الكتاب بيننا معشر المسلمين يُسَلِّم الجزية، فهو في حماية المسلمين بِتَسْليم الجزية، يعيش بينهم مُؤمَّن، فهذا الذمي إذا لم نجد أحدًا من جماعته، وجب على المسلمين أن يُكَفِّنُونَه ويدفنونه في غير مقبرة المسلمين، ولا يتركونه هكذا مرميّ، ولا تأكله السباع ولا يُورَّم في مكانه؛ بل واجب عليهم إذا لا أحد من جماعته يقوم المسلمين يدفنونه.
قال: "لذميٍّ تكفينٌ ودفنٌ." يسترونه ويدفنونه، ولا يجوز أن يصلون عليه؛ لأنَّه كافر.
سؤال: إذا لم يتضح السقط؛ هل هو ذكر أو أنثى؟
يسمى بإسمٍ يحتمل الذكر والأنثى مثل: طَلْحَة، نور، هذا يستعمل للذكور والإناث يُسمَّى بواحد من هذه الأسماء.
قال: "لِسِقطٍ ميتٍ غسلٌ، وكفنٌ، ودفنٌ،" إذا لم تظهر عليه علامة من علامات الحياة، "ولا يُصَلَّى عليهما." لا على الكافر، ولا على السِّقْط.
"ومن مات في قتال الكفار بسببه" أي: بسبب القتال، "كُفِّن في ثيابه، فإن لم تكفه زيد عليها، ودُفِن، ولا يُغسل، ولا يُصَلَّى عليه"؛ لا يحتاج إلى الغسل، لأنه يُزَيل أثر الدم، والدم يأتي يوم القيامة؛ اللون لون الدم، والريح ريح المسك، "لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ الله وَالله أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إِلَاّ جَاءَ يوم القيامة وجُرْحُه يَثْعَبُ دمًا، اللونُ لونُ الدمِ والريحُ ريحُ المسكِ." "ولا يُغسَّل، ولا يُصَلَّى عليه".
"وأقل الغسل: إزالة النجاسة، وتعميم جميع بَشَرِه وشعره" بالماء "وإن كَثُفَ مَرَّةً بالماء المُطَهِّر." هذا، ولكن الأفضل:
ويُسَنّ أن يُجْعَل في الغَسَلَات من السدر ما يطهر البدن، إعدادًا للقاء ربه سبحانه وتعالى؛ يُعَدُّ لِلِقاء رَبِّه فيُزَيَّن، ويُغَسَّل، ويُكَفَّن، ويُنَظَّف، ويعطر لأجل لقاء الربَّ -جلَّ جلاله-، ولا ينبغي أن يحضر عند تغسيله وتكفينه إلا من يقوم بالغُسل ومن يعاونهم فقط، ولا يتجمعون لينظروا للميت، الذي يتولى الغُسل هو الذي يحضر ومن يعاونه على ذلك ويحتاج إليه.
ثم يقول: "وأقل الكفن: ساتر جميع البَدَنِ، وثلاث لفائف لمن تَرك تَرِكةً زائدةً على دَيْنِهِ" إمّا ما عليه دين أو هي زائدة على مقدار الدَين، "ولم يُوصِ بِتَرْكِهَا." الثلاث اللفائف، فَتُلَفُّ عليه ثلاث لفَائف.
قال: "وأقل الصلاة عليه:
وهي فرض كفاية لكن لابدَّ من نيّة الفرضية فيها، "ويعيِّنَ"؛ أي: هذا الميّت، أو من صلى عليه الإمام، وإذا عيّن باسم الإشارة كَفَى، ولو غَلِط في الاسم ما يضر إذا عيّن باسم الإشارة، أو صلّى على من صلّى عليه إمامه كَفَى ذلك، فمن نوى الإمام الصلاة عليه، صحّت صلاة المأموم على ذلك الذي نوى عليه الإمام.
والأفضل أن يُكَبِّر بعد النيّة وهو مستقبل القبلة، ويكون جسد الميّت أمامه، فَيُكَبِّر أي بينه وبين القبلة، فإذا كبّر تعوّذ ولا يُسنُّ دعاء افتتاح، ولكن التعوّذ سُنّة؛ يتعوّذ ويقرأ الفاتحة.
وإذا دعا للميّت بعد كلّ تكبيرة فهو أفضل، كما هو مطلوب عند المالكية، يدعو للميّت بعد كلّ تكبيرة، فإذا أكمل الفاتحة يقول: اللهم اغفر له وارحمه، ثمّ يُكَبِّر، ثمّ يصلّي على النبيّ ﷺ، ثمّ يقول: اللهم اغفر له وارحمه.
والسُنّة أيضًا عند الشافعية أن يقرأ الصلاة الإبراهيمية وأن يقول بعدها: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، فينبغي أن يقول له: اللهم اغفر له وللمؤمنين وللمؤمنات.
بل يسُنّ عندهم أيضاً قبل الشروع في الصلاة الإبراهيمية، أن يحمد الله -الحمد لله رب العالمين-.
كما يسن أن يُضيف في الصلاة الإبراهيمية لفظة السلام: صلّ وسلم، لأنّ الصلوات الإبراهيمية فيها صلِّ فقط بالنسبة للصلوات لأنّ السلام تقدّم في التشهد بقول: السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته، ثمّ في الصلاة يقول: "اللهم صلّ علئ سيدنا مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ" ولا يقول: "وسلِّم" لكن في الجنازة لم يتقدّم تشهد، لم يتقدم سلام، فيقول: اللهم صلّ وسلِّم على سيدنا مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ النبي الامي وعلى آل سيدنا مُحَمَّدٍ وَأزواجه وذريته كما صلّيت وسلّمت على سيّدنا إبراهيم وعلى آل سيّدنا إبراهيم…
إذًا؛ فيحمد قبلها ويضيف فيها لفظة السلام، ويستغفر بعدها للمؤمنين والمؤمنات، ثمّ يُكَبِّر التكبيرة الثالثة، ويدعو للميّت، أقله: اللهم اغفر له وارحمه -وهو الأفضل-، وقد جاء عن مالك بن عوف أنَّه سمع النبيّ ﷺ وهو يصلّي على جنازة يقول: "اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعفُ عنه، وأكرم نزله، ووَسِّع مُدْخَلَه، وَاغْسِلْهُ بِٱلْمَآءِ وَٱلثَّلْجِ وَٱلْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ ٱلْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى ٱلثَّوْبُ ٱلْأَبْيَضُ مِنَ ٱلدَّنَسِ، وأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِّن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِّنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِّن زَوْجِهِ، وأسكنه ٱلْجَنَّةَ، وَقِهِ فِتْنَةَ ٱلْقَبْرِ، وَعَذَابَ ٱلنَّارِ" يقول سيّدنا مالك بن عوف: فتمنّيت أنّي ذلك الميّت، لمَّا سمعت النبيّ يدعو بهذا الدعاء، قلت: يا ليتني أنا هذا النبيّ ﷺ يدعو لي بهذا، -الله لا إله إلا الله-، فإذا كان أُنْثَى، يقول: اغفر لها وارحمها.
وكيف يقول: أَبْدِلْهُ زَوْجًا خَيْرًا مِّن زَوْجِهِ، والمؤمن تكون زوجته أيضًا في الدنيا -إذا لم تتزوّج غيره- تكون زوجته في الآخرة، والمؤمنة يكون زوجها أيضًا في الدنيا زوجها في الآخرة، كيف أبدله؟ يقول: إنّ التبديل يكون للذّات، ويكون للصفات، فإذا كان زوجها مؤمن وهي مؤمنة، فالمراد: أَبْدِلْهُ زَوْجًا أو أَبْدِلْهَا زَوْجًا في صفاته، لأنَّ صفاته في الجنّة والآخرة ليست مثل صفاته في الدنيا؛ يتبدّل يتغيّر شيء ثاني، فيكون زوج خير من الزوج، وهي أيضًا تكون زوج له خير ممّا كانت في الدنيا بيقين، خير ممّا كانت في الدنيا خَلقًا وخُلُقًا وحالًا، أمر الجنّة ثاني ما هو مثل في الدنيا، فتكون تتبدل تبديل صفات لا تبديل ذوات.
ويقول: السلام عليكم.
وقال الحنابلة: مرّة واحدة يُسَلِّم من دون أن يلتفت: السلام عليكم، وأكمله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فَيُزِيدُ في صلاة الجنازة: وبركاته، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرّة عن اليمين ومرّة عن الشمال.
"ولابدّ فيها من شروط الصلاة، وترك المُبْطِلات." فما أبطل الصلاة أبطل صلاة الجنازة.
"وأقل الدفن: حفرة تُكتَم رائحته، وتحرسه من السباع،" والأفضل أن يكون مقدار قامة ونصف، يُعَمِّقُ الحفرة في الأرض أربعة أذرع ونصف، فهو مقدار قامة ومَدّة، يعني المعتدل في قامته إذا كان في أرض القبر؛ يكون إذا رفع يده رأس أصابعه على مستوى الأرض، يعني: مقدار أربعة أذرع ونصف يحفر، هذا أكملُه.
وأقلّ حفرة تكتم الرائحة وتحرس من السباع أن تنَبْشِهِ،
والقبر إما روضة نعيمه *** نعم وإلا حفرة جحيمه
فاعمل لنفسك لا تكن بهيمه *** تجري ولا تدري بعظم الأخطار
اللهم اجعل قبورنا وقبور آبائِنا وأمّهاتنا وأهلينا وقراباتنا وأصحابنا وطلابنا رياضًا من رياض الجنّة.
"ويجب توجيهه إلى القبلة." في القبر، حتى قال الشافعية: إذا وُجِّهَ لغير القبلة، وجب نبش القبر بسرعة قبل تغيُّره حتى يُوَجَّهَ إلى القبلة، ولكن كثير من النّاس يُوَجَّهُون إلى القبلة، ولسوء أعمالهم ينحرفون عنها بعد ما يُدْفَنُون -والعياذ بالله تعالى-.
وقال بعض العارفين: جاء إليه تائب رجل كان ينبش القبور ويأخذ الأكفان يبيعها فتاب، قال له: كم قد نَبَشْتَ؟ قال له: كذا كذا، عدّ مئات القبور نبشها، قال: وجدتها للقبلة؟ قال: قليل، أكثرها حُوّلت، قال: حَسَبَهُم هذا شُكُّهُمْ في الرّزق، يموتون على شك -يقول العارف- شكّهم في رزقهم، يموتون على شَكّ، والحَقُّ قد ضمن لهم، والشك في الرّزق شكٌ في الرّزّاق، يُخْتم لهم بالسوء فلهذا يُوَجَّهُون، -لا إله إلا الله-.
إجابة سؤال: من نوى المفارقة لعذر لم يفته ثواب الجماعة، ومن نواها تشهيًا وإرادة تفوته.
بالنسبة لجمع الصلوات، نزول المطر عند الإحرام واستمراره حتى الإحرام في الثانية أحيانًا لو حصل هذا، ولكن الآن لا يصعب الرّجوع مرّة أخرى لوجود السيّارات وطرق التي لا يوجد بها صعوبة، فهل هذه صورة الجمع جائزة؟
إجابة: نعم يبقى الحكم على ما هو عليه، إذا كان أكثر المأمومين لو بالمشي المعتَادّ يشقّ عليهم الحضور، إلّا أن يكون هناك سَقْف من محلّ مساكنهم إلى محلّ صلاة الجماعة، هذا يَنْقَطِعُ عنهم العُذْر، إذا كان مَسْقُوفا، من أماكن مساكنهم إلى المسجد، هذا لا عذر لهم.
هل يقرأ سورة قصيرة بعد الفاتحة في صلاة الجنازة؟
إجابة: لا يوجد سورة، لا يُسَنُّ، صلاة الجنازة مبنيّة على التّخفيف، لا يوجد بعدها سورة، التعوّذ والفاتحة فقط، والدّعاء للميّت، لا بأس، ثم يُكَبِّر.
إجابة سؤال: لا يُسَنُّ أن يحضر تغسيل الميّت إلّا المُغَسِّل ومن يعاونه؛ سيّدنا عليّ، وسيّدنا الفضل، وسيّدنا أسامة، كانوا كلّهم لهم أعمال في الغُسل؛ أحد يُنَاوِل وأحد يُقرِّب في تغسيل النبيّ ﷺ، لم يكن أحد منهم مُتفرّج، كان أحد يُنَاوِل، وأحد يقرب الماء، وأحد يُباشِر التّغسيل، سيّدنا عليّ كان بنفسه يشاهد التّغسيل وكان يباشر التّغسيل بيده للحبيب ﷺ، وكان يصبّ عليه الفضل بن العبّاس، وكان يقرب الماء أسامة بن زيد، فكانوا كلّهم مُشْتَرِكِين في العمل في الغُسلّ.
وليس معنى لا يسمح أنه يحرُم، لكن لا يُسَن أن يحضره، والسُنة أن لا يحضر، إلّا إن كان أحد من أقرب أوليائه دخل لا إشكال في ذلك، ولكنّ يتفرّجون، وكلّ أحدّ يجيء يتشوّف ما ينبغي، مكروه.
إجابة سؤال: الذين يُصَابُون وهم في أماكنهم في غير معركة القتال، ولا هم في حالة القتال، في مثل هؤلاء يلجأون إلى الأماكن ويأتون ويضربونهم، هؤلاء شهداء في الآخرة، في الدّنيا يُغَسَّلُون، يُكَفَّنُون، ويُصَلَّى عليهم، إلّا من كان منهم مُقَاتِل، من كان منهم مُقَاتِل، وقُتِل بسبب القتال، هذا لا يُصَلَّى عليه، وأمّا الذين أصابتهم هذا، فهم في الآخرة شهداء، لكن في الدّنيا يُصَلَّى عليهم ويُغَسَّلُون ويُكَفَّنُون، وكذلك من استمرّت به جراحة القتال، إذا كان هو مُقَاتِل، استمرّت به جراحة القتال حتى مات، إذاً يصير تمْنَعُ الصلاة عليه، وإلّا في الآخرة يُعَدُّ شهيد، لكن في الدّنيا يُغَسَّل ويُصَلَّى عليه.
من كان عمرهُ دون ستة أشهر لا تجب؟ أم لا تصح الصلاة عليه؟
إجابة: الذين قالوا أنه لا يُصلى عليه يعني لا تصح الصلاة عليه، والذين قالوا بوجوب الصلاة عليه خلاص تجب.
بارك الله، نظر الله إلينا وإليكم وملأنا بالإيمان واليقين وجعلنا هداة مهتدين، وفقهنا في الدين وعلّمنا التأويل وهدانا إلى سواء السبيل، وأصلح شؤوننا والأمة وأحيا بينهم العلوم النافعات والأعمال الصالحات والوجهات الصادقات والأخلاق النبويات، ودفع عنا وعنهم الظلمات والآفات في الظواهر والخفيات وثبتنا أكمل الثبات، ورعانا بعين العنايات وختم لنا بأكمل حسن الخاتمات وهو راضٍ عنّا في لطف وعافية مع صلاح الشؤون ظاهرًا وباطنًا ولنا وللأمة أجمعين.
بسرِ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه
الفاتحة
21 صفَر 1446