(535)
(363)
(339)
(604)
الدرس السابع للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في شرح كتاب: سُلّم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق، للإمام الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر. ضمن دروس الدورة الصيفية الأولى بمعهد الرحمة بالأردن.
أركان الصلاة
صباح الأربعاء 17 صفر 1446هـ
لتحميل كتاب سلم التوفيق
pdf: https://omr.to/sullam-pdf
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، من كتاب سلم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق للإمام العلامة سيدنا عبد الله بن حسين بن طاهر با علوي رحمه الله ونفعنا به وبكم في الدارين آمين، ورضي الله تعالى عنه وعنكم، قال:
أركان الصلاة
فصل [في أركان الصلاة]
أركان الصلاة سبعة عشر:
الأول: النية بالقلب للفعل، أي لفعل الصلاة، ويعيّن ذات السبب والوقت، وينوي الفرضية في الفرض، ومثال النية الكافية أن ينوي قائلاً في ذهنه "أصلي فرض الظهر".
الثاني: ويقول بلسانه، بحيث يسمع نفسه ككل ركن قولي: "الله أكبر" مع استحضار النية بقلبه وهو ثاني أركانها.
الثالث: القيام في الفرض للقادر.
الرابع: قراءة الفاتحة بالبسملة والتشديدات، وموالاتها وترتيبها، وإخراج الحروف من مخارجها، وعدم اللحن؛ أي: الخطأ في نحو الحركات المخلة بالمعنى ويحرم اللحن الذي لم يُخل إذا تعمده، ولا يبطل إذا لم يتعمد.
الخامس: الركوع؛ بأن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه.
السادس: الطمأنينة فيه، بقدر قوله "سبحان الله".
السابع: الاعتدال بأن ينتصب قائمًا
الثامن: الطمأنينة فيه
التاسع: السجود مرتين بأن يضع جبهته ولو بعضها على مصلاه مكشوفة ومتثاقلاً بها ومنكساً، أي: جاعلا أسفله أعلى من أعلاه ويضع شيئاً من ركبتيه، ومن بطون كفيه ومن بطون أصابع رجليه.
العاشر: الطمأنينة فيه؛ أي: في السجود بالقدر المذكور.
الحادي عشر : الجلوس بين السجدتين،
الثاني عشر: الطمأنينة فيه؛ أي: في الجلوس بين السجدتين بالقدر المذكور.
الثالث عشر: الجلوس للتشهد الأخير وما بعده.
الرابع عشر: التشهد الأخير فأكمله أن يقول: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله"
الخامس عشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أقلها: اللهم صلِّ على محمد.
السادس عشر: السلام، أقله: السلام عليكم.
السابع عشر: الترتيب، فإن تعمَّد تَرْكَه كأن سجد قبل ركوعه . . بطلت ، وإن سها فترك الركوع مثلا فليعد إليه فور تذكره إلا أن يكون في مثله أو بعده فتتم به رکعته، ولغا ما سها به.
الحمد لله، يُبيّن الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- في هذا الفصل أركان الصلاة، ويُطلقون عليها أيضًا فروض الصلاة، ويُقال: "أركان الصلاة"، وجعلها الشافعية أركان وواجبات وسنن.
وكذلك هذه الأركان المذكورة السبعة عشرة هي بين الأئمة؛ بعضهم يعدّ فيها ستًا مثل الحنفية، ويعدّون الباقي: بعضه واجب وبعضه سنة مؤكدة. وبعضهم يعدّون اثني عشر، وكذلك من عدّ الطمأنينات المذكورة هنا واحدة نقص ثلاث من السبعة عشر، فبقي أربعة عشر، ومن عدّها من الشروط وليست من الأركان نقصت الأربعة فصارت ثلاثة عشر ركنًا.
يقول: "أركان الصلاة سبعة عشر: الأول: النية"
وهذا من الأركان المجمع عليها، الواجب أن يدخل إلى الصلاة بنية، قال ﷺ: "إنما الأعمال بالنيات".
فإذا عيّنها فهل تشترط الفرضية أم لا؟
قال الشافعي: يشترط ذكر الفرضية. وقال بعض الأئمة؛ ما يكون الظّهر إلا فرض، وهل ظُهر غير فرض؟ والعصر فرض والفجر، فإذا قال: أصَلّيَ الظّهر أوأصَلّيَ العصر كفى؛ لأنها هي الفروض وهي في حدّ ذاتها فرض.
فقال الشافعية : يَلزم هذه الثلاثة الأشياء:
وما زاد على ذلك من النية فهو من السنن:
هذه النية ومحلها القلب، فبقي التلفظ بها، يقولون: يُساعد القلب اللسان. تقدم معنا أن من قال بسنيِّتها قال بالقياس في تلفظه ﷺ بالنيةِ في الحج، وقول جبريل له: "قُل حجّةً في عمرة" ، والقول هو اللفظ باللسان، فإذا تلفظ كانت مساعدةً للقلب.
كما يقول أيضًا الحنابلة، وعامة الأئمة: ليساعد القلب اللسان.
وهذه النية لكلّ صلاة، فإن كانت الصلاة أيضًا نفلًا، فلا بدّ لها من النية وأن ينويها وأن يُعيّنها لتتميز عن غيرها، فيلزم فيها:
فأما إن كانت الصلاة نفلًا مطلقًا فيكفي فيها:
فإذا كانت راتبة أو كانت ذات سبب فيُعيّن، فإذا صلّى قبلَ الظّهر أربع ركعات ولم ينوِ سنّة الظهر كانت نفلًا مطلقًا، فلا تكون سنّة الظّهر حتى ينوي ويُعيّن أنها سنّة الظّهر، وكذلك سنّة العصر، وكذلك البعدية؛ وكذلك كلّ ما كانت ذاتَ وقتٍ أو ذاتَ سببٍ لا بدّ فيها من التعيين.
فإن كانت نفلًا مطلقًا لم يجب إلا مجرد قصد الفعل، وهو أن يقول: "أُصَلّي"، وهذا الفرق الرئيسي.
"الثاني: تكبيرة الإحرام"
يقول: "بحيث يسمع نفسه ككلّ ركنٍ قوليٍّ: الله أكبر"، وهو ثاني أركانها؛ التكبير، كذلك هو عند الجمهور يدخل إلى الصلاة بالتكبير، وهو لفظ: "الله أكبر". وبهذا اللفظ مُجمَعٌ على صحته: "الله أكبر".
وقال الشافعية: أيضًا يجوز أن يضيف الألف واللام ، فإذا قال: "اللهُ الأكبرُ" صحَّت.
عند الإمام أبا حنيفة لا يشترط تعيين التكبير، بل كلّ ذكرٍ لله خالصٍ يصحّ أن يدخل به الصلاة - وأبو يوسف من الحنفية يقول: إن كان يُحْسِنُ التكبير فلا يُجْزِئُ غيرُه، يُكبّر بأحد الألفاظ الثلاثة:
ولم يقل الشافعية بصحة "الله كبير"، بل اللهُ الأكبر، أو الله أكبر، فـ "الله أكبر" مُجمَعٌ عليها، وعلى صحتها "الله أكبر".
لقوله ﷺ : "تحريمها التكبير"، فحمله أبو حنيفة على الذكر الخالص، فلو قال: "اللهم اغفر لي"، وهو يدخل الصلاة، لم يصحّ عنده؛ لأنه في شيء بالطلب وليس ذكر خالص، بخلاف إذا قال: "اللهم" فقط: "فالأصحّ عندهم يصحّ" ؛ لأنه ذكر خالص: "يا الله" أن يقول "يا الله" لم يشبْهُ بطلب، فيدخل.
وقال غيرهم: لا يصحّ الدخول للصلاة إلا بالتكبير، وكما أشرنا إلى قول أبي يوسف: أن القادر على التكبير لا يُجْزِئُه غير التكبير، وهو صاحب أبي حنيفة.
يقول: "الله أكبر"، في افتتاحها أيضًا بالتكبير تهيئةٌ للقلب والضمير أن يُخْرِجَ الالتفات إلى غير الله من قلبه! فإذا عَظّمْتَ الحق تبارك وتعالى فلا يَرْضَى أن يكون مع الصغير ومع الأقل، إذا استشعر أن الله هو الأكبر جلّ جلاله ، "الله أكبر"، لا إله إلا هو، ولها معانيها الواسعة. ويخطر على بال أهل المعرفة واليقين؛ أن الله أكبر من أن يُعْرَفَ، من أن يُكَيَّفَ، من أن يُحَاطَ بوصفه، هو أكبر من ذلك -جلّ جلاله- فهو المُنَزَّهُ "الله أكبر".
الله عظيمٌ في ذاته جلّ جلاله "الله أكبر".. وهكذا جُعِلَت شعارًا أيضًا لأعياد المسلمين ولانتصاراتهم، ولما يحصل لهم من الخير يُكبّرون الله، كما يُكبّرونه على كلّ شرف، على كلّ ارتقاءٍ واعتلاء، إذا اعتلوا في دَرَجٍ، أو في مُصْعَدٍ، أو في عَقَبَةٍ يُكبّرون، فمن وَصْفِ هذه الأمة - حتى في الكتب السابقة -: "يُكبّرون الله على كلّ شرف"؛ على كلّ اعتلاءٍ وصعود ، كما يُسَنُّ عند النزول من العقبة أو من الدرج أو من المصعد: التسبيح.
يكبّرون الله تعالى على كلّ شرف، في وصف الأمة في التوراة لأمّة محمد ﷺ، يصفّون في الصلاة كصفوفهم في القتال، يكبّرون الله تعالى على كلّ شرفٍ، يحمدون الله على كلّ شدةٍ ورخاء، الله أكبر.
"الثالث: القيام في الفرض للقادر"
والثالث: القيام على القادر في الفرض، يقول: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة:238]، وقال ﷺ: "صَلّ قائمًا"؛
ومن هنا إذا عُلِم أن القيام في الفرض فرض، فما حال التكبير؟
فحال التكبير: لا بدّ أن يكون في حالة القيام، فلا يُجْزِئُ أن يجعل بعض التكبير وهو هاويًا للركوع ونحوه؛ تكبيرة الإحرام؛ لا بدّ أن تقولها من قيام.
ولكن قال بعض الأئمة: إنه إذا كبّر فَهْوَى للتكبير انعقدت نفلًا؛ لأن النفل يجوز أن يقعد فيه، ولكن أيضًا ناقشوا: أن هذا لا قائم ولا قاعد، فهل يُجْزِئُ أو لا؟
ويقول: "والقيام في الفرض للقادر عليه"، فإن عجز… العاجز أيضًا عن تكبيرة الإحرام، العاجز عن تكبيرة الإحرام بخرسٍ، ومثله قالوا: حتى إذا كان ما يعرف العربية، يقول له، الله : الله أكبر، يقول: "الله أكبر، بسهولة والفقهاء، قالوا: يجب أن يتعلّمها، يتعلّم التكبيرة، هذا يكون نادر، الواحد لسانه ثقيلةٌ، فهمه ضعيف وصعب، هذا يكون نادر، يحتاج للتعليم، والّا أي واحدٍ، أي عجمي كان من أي لغةٍ يتكلم، قل له يقول: "الله أكبر" يقول: الله أكبر بسهولة، ما فيها صعوبة، يقول: "الله أكبر".فإذا كان يستطيع قولها بالعربية فلا يُجزىء غير العربية عند عامة الأئمة.
ولاحظ أبو حنيفة أنه يكفي مجرد الذكر والتعظيم بأي لغةٍ كانت، ولكن يقول الجمهور: لا بدّ أن تكون باللغة العربية "الله أكبر".
ويأتي القيام على القادر في الفرض، فأما العاجز عن القيام فيجب أن يُصَلّيَ قاعدًا، وإذا صَلّى النفل قاعدًا:
أما إذا هو ضعيف ما يقدر، فأجره مثل القائم، سواء كان مضطجع أو كان قاعد أو كان مستلقي، إذا هو عاجز عن الاضطجاع له مثل أجر القائم، لكن إذا كان قادرًا، ففي الفرض لا يجوز، وفي النفل له نصف الأجر.
الركن الرابع: قراءة الفاتحة
يقول: "الرابع: قراءة الفاتحة بالبسملة والتشديدات"، فوجوب قراءة القرآن في الصلاة ، مُجمَعٌ عليه، ولكن ما الذي يُقْرأ؟
قال الجمهور: هو الفاتحة، وهل في جميع ركعات الصلاة؟ أو إذا نقصَت من بعض الركعات؟ أو من الأقلّ من الركعات يُجْزِي؟
فيه خلاف، ولكن أيضًا الجمهور على أنه لا بدّ منها في كلّ ركعةٍ من الركعات، وقيل: يكفي في أكثر الركعات، فإذا جاء بها في ثلاث ركعات من الظّهر أو العصر أو العشاء كفى، كما يقول بعض الأئمة أيضًا -من خارج المذاهب الأربعة - أنه في الركعة الثالثة والرابعة يُجْزِئُ التسبيح والذكر بدل الفاتحة.
وكما قال الشافعية والحنابلة: لا بدّ من الفاتحة في كلّ ركعة، أخذًا بقوله ﷺ: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". فكونها في كلّ ركعة هو الأفضل عند الجميع، الفاتحة وهي أمّ القرآن، وأعظم سورةٍ في القرآن.
أما قوله: "بالبسملة"، فاختُلِفَ في البسملة: هل هي آيةٌ من الفاتحة، أو آيةٌ مستقلة، أو آيةٌ من كلّ سورة؟ وهل يستحبّ الجهر بها في الجهرية؟ أو الإسرار؟ وهل أيضًا يجوز تركها جهرًا وسرًّا أم لا؟ فهو محلّ اجتهادٍ من الأئمة فيما ورد في البسملة، وقد وردت الأحاديث الكثيرة فيمن سَمِعَه يقول: "بسم الله الرحمن الرحيم"، وفيمن سمعه يقول: "الحمد لله ربّ العالمين" ﷺ.
في البسملة تَشْدِيدَات، فإذا نقص تشديدةٌ فكأنّما نُقِصَ حرفًا.
"وموالاتها":
"وموالاتها وترتيبها"، ولا يجوز أن يقدم آية على آية، بل ولا كلمة على كلمة.
"وإخراج الحروف من مخارجها"، من اعتنوا بقراءة الفاتحة على الشيوخ لأجل التصحيح، ولأجل أخذ الوزن الرجيح في أسرار فتح الفتّاح في كلامه سبحانه وتعالى.
والفاتحة جمعت أسرار القرآن، والقرآن جمع أسرار الكتب المنزلة كلها من السماء، وهكذا اعتنت الأمة بالفاتحة -أعظم سورة في القرآن- وبإخراج الحروف من مخارجها، "وعدم اللحن المخل بالمعنى" الذي يغير المعنى، والذي لا يغير المعنى يُكره ولا يبطل الصلاة.
أمثلة على أخطاء شائعة في قراءة الفاتحة
فالتشديدات كثير ما يقصِّر العامة في قوله تعالى: (إِيَّاكَ)؟ فهذا ياء واحد أو يائين مشددة؟ واحد ساكن وواحد مفتوح؛ "إِيَّاكَ" فيها يائين، هذا ليس ياء واحد. "إِيَّاكَ" واحد ساكن وواحد مفتوح. (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
وقوله تعالى: (ٱهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فإذا غيّرها وقال: أهدِنا؛ تغير المعنى. (ٱهْدِنَا) طلب الهداية. أمّا "أهدِنا" يعني اجعلنا هدية، كما تهدي الكتاب، تهدي مال لأحد ، أهدنا، وكيف اجعلنا نحن هدية لأحد هدية؟! فرق بين "ٱهْدِنَا" و"أهدنا". "أهدنا" اجعلنا هدية لأحد ؟! كمان نقول أهدني قلمك، أهدني متاع مثلاً تهدي . (ٱهْدِنَا) يعني ارزقنا الهداية، طلب الهداية (ٱهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ).
يقول: "ويحرمُ اللحن الذي لم يُخلّ" ولا يبطل الصلاة، ولكن القراءة به لغير العاجز حرام، لا يقرأ مع الخلل ومع اللحن في شيء من حروف القرآن.
وهو عامة ما ورد عنه ﷺ في قراءته في الصلاة أنه يقرأ سورة كاملة، أو يقسِّم السورة بين الركعتين، فيقرأ بعضها في الركعة الأولى، ويكملها في الركعة الثانية. والغالب أن يقرأ سورة في الأولى وسورة في الثانية ﷺ. وغالب قراءته أيضًا في الجهرية من المفصّل؛ من سورة الحجرات إلى آخر القرآن.
الخامس: الركوع؛ بأن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه،
"الركوع بأن ينحني" تواضعًا وتذللاً لعظمة الله، "بحيث تَنال راحَتَاهُ ركبتيه".
ويقول بعض الأئمة: تقرب راحتاه من ركبتيه، وضع الراحتين على الركبتين سنة بالاتفاق.
والانحناء من غير انخناس؛ انخناس يعني يؤخر -يطأطئ عجيزته- أي يقدم ركبتيه هذا انخناس، فيمكنه يوصِل الراحتين إلى الركبة، حتى تحت الركبة، ولكن من غير هيئة ركوع صحيح. فلا بد أن يكون الركوع من غير انخناس، بل الأفضل -والسنة- أن لا يرجع إلى الخلف أصلاً ويبقى كحاله في القيام، وإنما يلوي فقط ظهره وينصبه وهو مُستَقر على ما هو عليه في القيام، إلا ما كان بمقدار الضرورة، فينحني بحيث يتمكن من وضع راحتيه على ركبتيه، ووضْعهما سُنة.
ووصول الانحناء إلى حد وصول الراحتين الركبتين؛ واجب .
السادس: الطمأنينة فيه، بقدر قوله "سبحان الله"
قال: "السادس: الطمأنينة فيه بقدر قوله "سبحان الله"" بحيث يسكن كل عضو محله، فيستقر ساكنًا بمقدار "سبحان الله" فأكثر، هذا أقلّ الطمأنينة؛ بأن يكون بمقدار "سبحان الله" قال ﷺ: "ثم اركع حتى تطمئن راكعًا".
والذكر في الركوع سنة عند الجمهور.
يسبح الله تعالى في الرّكوع، يسبح الله تعالى في السّجود، والأفضل في الرّكوع أن يقول: "سبحان ربي العظيم" لقوله ﷺ لما قرأ قوله تعالى: (فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ) قال: "اجعلوها في ركوعكم".
وفي بعض الروايات زيادة: "بحمده"، في بعض الروايات مرتين يقول: "سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم "، وفي الثالثة يقول: "بحمده".
والواحدة هي الواجبة عند الحنابلة، وما زاد فهو سنة، والثلاث أفضل من الواحدة، والوتر أفضل من الشفع. وإلى إحدى عشر، ولكن لا يزيد الإمام على الثلاث إلا إن كان إمام قوم محصورين راضين بالتطويل، "سبحان ربي العظيم" في الركوع " وبحمده" .
وعند الشافعية الأفضل في كل مرة يقول: "وبحمده"، "سبحان ربي العظيم وبحمده، سبحان ربي العظيم وبحمده" سواء جاء بها واحدة أو ثلاث، أو خمس أو سبع، أو تسع أو إحدى عشرة.
وقد ورد في قيامه ﷺ كثرة التسبيح، فقد يتجاوز الإحدى عشرة والأكثر يقول: "سبحان ربي العظيم" عشرات المرات في الركوع الواحد، يأتي بها في ركوعه الطويل إلى جانب ما يدعو به، ولكن يسبح كثير في الركوع وفي السجود، وما ورد عنه في قيامه وصلاته في الليل: (وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) ]الإنسان:26]، صلوات ربي وسلامه عليه.
السابع: الاعتدال بأن ينتصب قائمًا
وهو الانتصاب من الركوع إلى القيام بالنسبة للمصلي قائماً؛ فعموم الاعتدال عَود المصلي من الركوع إلى ما كان عليه قبل الركوع؛
ويأتي فيه من الذكر: "ربنا لك الحمد"، وبعد أن يقول : "سمع الله لمن حمده"، وعند الشافعية للإمام والمأموم.
وقال بعض الأئمة، الإمام يقول: "سمع الله لمن حمده" والمأموم يقول: "ربنا لك الحمد"، أو"ربنا ولك الحمد" والزيادة فيه: "ربنا لك الحمد حمدًا كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السموات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيءٍ بعد". كما أنه من ذكر الاعتدال: "أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، كلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجدّ". الاعتدال، ثم ينتصب قائما، والطمأنينة فيه.
الثامن: الطمأنينة فيه .
التاسع: السجود.
"السجود مرتين بأن يضع جبهته ولو بعضها على مُصَلّاه" ؛ أي مرتين في كل ركعة يضع جبهته "على مُصَلّاه مكشوفةً"، فإنه كذلك كان سجوده ﷺ حتى إذا جاء وقت المطر رُؤِيَ على جبهته الماء والطين؛ أثر الماء والطين. وقال عن ليلة القدر: "وإنّي أُريت أن أسجد صبيحتها علَى مَاءٍ وَطِينٍ". فكان يُرَى أثر الطين عند سجوده على جبهته الكريمة وأنفه الكريم.
أعضاء السجود
والسجود يكون بالجبهة والأنف.
وإذا وضع الجبهة وحدها أجزأه عند العامة، وإذا وضع الأنف وحده لم يُجزئه أيضاً عند العامة، وقال بعض الحنفية بإجزائه، والمعتمد أنه لا يُجزئه إلا وضع الجبهة، ووضع الأنف سنة، وقيل: واجب.
فيسجد بوضع جبهته وأنفه على الأرض تذللاً وخضوعاً للرحمن -جل جلاله وتعالى في علاه- وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
"مُتَثَاقِلاً بها"؛ ليس واضعًا لها وضعًا خفيفًا، بل لو كان تحته صوف لاندك، فيجب أن يتحامل برأسه على الأرض.
"مُتَثَاقِلاً بها" بجبهته، "منكساً"؛ يعني: مُرْتَفِعاً أسافله على أعاليه، لو صُبَّ ماء لَسَالَ إلى أن يصل إلى كتفيه، "ويضع شيئاً من ركبتيه، ومن بطون كفيه، ومن بطون رؤوس أصابع رجليه" لقوله ﷺ: "أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ".
العاشر: الطمأنينة فيه، أي في السجود بالقدر المذكور
السجود وكذلك الطمأنينة في كل من السجدتين، والذكر كما ذكرنا واجب مرة عند الحنابلة: "سبحان ربي الأعلى " وهو سنّة عند غيرهم؛ من واحدة، إلى ثلاث، إلى خمس، إلى سبع إلى تسع، إلى إحدى عشرة "سبحان ربي الأعلى وبحمده"، لقوله لما قرأ ﷺ قوله : (سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلى) قال: "اجعلوها في سجودكم". وهو من مواطن الدعاء التي يُرْجَى فيه القبول لقوله: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا فيه من الدُّعَاءَ، فَقَمِّنٌ أن يُسْتَجَابَ لَكُمْ"
ولا يجب كشف شيء من أعضاء السجود إلا الجبهة، الجبهة وحدها يجب تكون مكشوفة. وأما اليدان؛ إذا كانا في قفازين، أو في الرجلين شرابات أوغيرها؛ لايضر، والركبة يجب أن تكون مستورة؛ ولكن الجبهة يجب أن تكون مكشوفة.
يضع شيئاً من ركبتيه، ومن بطون كفيه، ومن بطون أصابع الرجلين، فصار:
الجبهة عضو، واليدان عضوان، بحيث لو وضع واحدة ولم يضع الأخرى لم يصح سجوده على المعتمد. كذلك الركبتان عضوان؛ صارت الجبهة واليدان ثلاث، والركبتان اثنان؛ خمس.
وبطون أصابع الرجلين؛ بأن يلوي أصابعه، يعطفها فتكون باطنها ملامس للأرض، فلا يرفعها ولا يضع رؤوس الأصابع على الأرض، فلا يجزيء ذلك ولكن يعطفها بحيث تكون باطن الأصابع في الأرض؛ فيكون سجد؛
فصارت سبعة أعظم، "أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ".
وإن قيل بوجوب وضع الجبهة وحدها، ولكن المعتمد وجوب وضع السبعة الأعضاء، إلا أن الجبهة تتميز بوجوب كشفها؛ تكون مكشوفة.
الحادي عشر: الجلوس بين السجدتين
لقوله ﷺ : "ثُمَّ اجَلَسَ حَتَّى تطمئن جَالِسًا". وفيه وردت سبع دعوات: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي واجبرني وارفعني وارزقني وَاهْدِنِي". وزاد بعضهم ثامنًا: "وَاعْفُ عَنِّي".
كما أن من الأذكار في "الجلوس بين السجدتين" وَرَد أيضًا : "رَبِّ هبّ لي قَلْبًا تقيًّا نَقِيًّا خَالِصًا مِنَ الشِّرْكِ بريَّا، رَبِّ اغفر وَارْحَمْ وتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ ، انك أَنْت الْأعز الْأَكْرَمُ".
الثاني عشر: الطمأنينة فيه أي في الجلوس بين السجدتين بالقدر المذكور
"الطمأنينة فيه" ؛ أن يستقر كل عضو محله ساكناً بمقدار "سبحان الله" فأكثر.
الثالث عشر: الجلوس للتشهد الأخير وما بعده
"الجلوس للتشهد الأخير وما بعده"؛ ما معنى "وما بعده"؟ بعده الصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأخير بعد التشهد الأخير، ثم مسنونية الدعاء.
الرابع عشر: التشهد الأخير، فأكمله أن يقول : "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله"
والصلوات الأربع لها تشهدان: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، أما الفجر ففيه تشهد واحد.
فبعد الارتفاع من السجود في الركعة الثانية يجلس للتشهد الأول في هذه الأربع الفرائض، فيكون هذا التشهد من السنن -التشهد الأول-، لكن التشهد الأخير فرض.
والتشهد من باب تسمية الكل باسم البعض، لأن فيه "أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمد رسول الله" فسمي تشهُّد. و إلَّا هو عدد من الكلمات، ليس هو كله تشهد.
تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، والمراد قراءة الوارد كله، والوارد اختلف فيه الأئمة باختلاف الروايات، فمنهم من اختار هذه الرواية، ومنهم اختار روايات:
فالوارد عنه ﷺ اختار كل من الأئمة رواية، وهذه الرواية التي اختارها الشافعِيّ هي في صحيح مسلم: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته".
ويصح "سلامٌ عليك" بخلاف عند الخروج من الصلاة. ما يصح "سلامٌ عليكم"، لا بد أن يقول: "السلام". أمّا في : "سلامٌ عليك أيها النبي"، "السلام عليك أيها النبي". فقد وردت الروايتان. وكذلك "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين".
وفي هذا إذن خطابه ﷺ ونحن في الصلاة بكاف الخطاب" السلام عليك أيها النبي" وقد تقدم معنا أن خطاب غيره يُبطل الصلاة، فلا يخاطب في الصلاة إلا الله، إلا زين الوجود ﷺ "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"
فيكون من معاني السلام على النبي: تسليم الله له من النقائص والمعايب في أرفع درجات السلامة التي لم يتبوأها غيره عليه الصلاة والسلام. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله -المخصوصة بك- وبركاته -الفائضة عليك ومنك إلى العوالم- السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
وقد كانوا في الصلاة يقولون: "السلام على جبريل"، "السلام على ميكائيل" ، "السلام على فلان" فعلّمهم ﷺ يقولون: "السلام علينا وعلى عباد الله". قال: "فإنك إذا قلت بذلك بلغتْ كل عبدٍ لله صالح في الأرض والسماء" فبقي ذكره ﷺ وحده بالخصوص، ثم جميع الأنبياء والمسلمين والملائكة بالعموم.
"السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" فدخل المسلمون كلهم في سلامك، ثم تخرج من الصلاة بتسليم ثاني عليهم فتقول: "السلام عليكم" ثم إنك تتكلم عليهم وتؤذيهم !! ادخل بالسلام… إذا سلَّمت عليهم فهم سالمين منك، لا تُؤذي ولا تضر، ولا تغش، ولا تكذب، ولا تخدع.
سلام، كيف سلام؟ أمان من الآفات كلها، السلام عليكم، و لهذا حتى قال بعض أهل العلم : الذي ما يُصلي قَصّر في حقوق المسلمين كلهم وهو السلام عليهم! حتى قيل أن له الحق أن يطالبون به عند الحاكم يقولون: هذا مُقصّر، لا يُسلّم علينا في الصلاة، لأنه ما يصلي، وهذا حق واجب؛ فنسلم على عباد الله الصالحين.
ولما قالوا لبعضهم: لماذا تذهبون عند من تعتقدون فيهم الخير والصلاح والولاية؛ أحياء وأموات؟ قال: لأن الله أمرنا أن نسلم عليهم في الصلاة، فإذا خرجنا من الصلاة نذهب الى عندهم، ونحن حتى وسط الصلاة في حضرة الله نسلم عليهم!! وبعد ذلك إذا خرجنا نقاطعهم؟ وإلا كيف؟! إذا خرجنا من الصلاة نذهب نزورهم..
"السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله" وجاءت فيها الروايات الأخرى: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله".
الخامس عشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أقلها : اللهم صلِّ على محمد.
وهذا الذي قال بها الشافعية: أنه يلزم في كل صلاة، الصلاة عليه مع إجماع الأئمة، لأن الصلاة على النبيّ فرضٌ، ولكن متى؟
ولِما جاء أنهم قالوا: وقد علمنا السلام عليك؛ يعني: في الصلاة، فكيف الصلاة عليك؟ فعلمهم الصلاة، هذه محلها في التشهد، ومال إلى القول هذا ابن القيم في الاستدلال على وجوب الصلاة على النبي ﷺ في الصلاة، وهو الذي قال به الشافعية، وقال غير ذلك بأنه داخل في السنن وفي الواجبات؛ الصلاة على النبي ﷺ في الصلاة بل أقلها "اللهم صلّ على مُحمّد".
وأكملها الصلاة الإبراهيمية، وقد وردت فيها عدد من الروايات، سبعة عشر رواية أو أكثر في الصيغة الصلاة الإبراهيمية، يأتي بواحدة منها.
من أجمعها وأكملها ما جاء أيضًا في الصحيح من قول: "اللهم صلّ على سيدنا مُحمّد عبدك ورسولك النبيّ الأميّ، وعلى آل سيدنا مُحمّد وأزواجه وذريته، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا مُحمّد عبدك ورسولك النبيّ الأميّ، وعلى آل سيدنا مُحمّد وأزواجه وذريته، كما باركت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد".
ومن أخْصَرِها -الإبراهيمية- ما ورد من: "اللهم صلّ على سيدنا مُحمّد وعلى آل سيدنا مُحمّد، كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا مُحمّد، وعلى آل سيدنا محمد ، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم". فيأتي بشيء من هذه الصيغ فهي الأفضل.
ثم يسنُّ بعد ذلك قبل أن يُسلّم أن يدعو الله تعالى، ومن أهمه؛ أن يستعيذ بالله من عذاب القبر، وفتنة المحيا والممات ومن شرّ فتنة المسيح الدجال، ومن عذاب النار، "اللهم أعوذ بك من عذاب جهنم، من عذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، ومن شرّ فتنة المسيح الدجال، ومن المَغْرَم والمَأْثَم"، وكان ابن عبّاس يقول: إنّ الاستعاذة بالله من عذاب القبر واجب في الصلاة. ويأمر من لم يستعذ من عذاب القبر أن يعيد الصلاة.
و الدعاء الذي طلبه سيدنا أبوبكر من النبيّ يدعو به في صلاته، المُراد به في التشهد الأخير فعلمه أن يقول : "اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي"، وفي لفظ : "اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كبيرًا، فاغفر لي مغفرة من عندك، وتُب عليّ إنك أنت التواب الرحيم".
فينبغي أحيانًا أن يقول: "كثيرًا"، وأحيانًا يقول: "كبيرًا"، جمعًا بين الروايات، ورأى الإمام النووي لا بأس في الجمع بينهما في لفظة واحدة، ويقول: كثيرًا كبيرًا ، "اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا كبيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وتب عليّ، إنك أنت التواب الرحيم".
وكذلك جاء الدعاء بالمغفرة في اللفظ الآخر: " اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرّفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المُقَدِّم، أنت المُؤَخِّر، لا إله إلا أنت".
السادس عشر: السلام، أقله: السلام عليكم
لقول ﷺ: "تحليلها التسليم" يقول: "السلام عليكم" فالواجب مرة واحدة، وسُنة مرتين، وأن يكون أول أن يلتفت إلى اليمين، وفي الثانية يلتفت بوجهه- يلوي رقبته فقط- ؛ ما يحرك شيء من جسده الآخر، إنما الرأس وحده، سواء في الصلاة المعهودة، أو في صلاة الجنازة؛ لا يتحرك كله، يروح كذا ويروح كذا، دع صدرك مكانه مستقبلاً القبلة، الميْل للرأس فقط ، كما يلوي المؤذن عند قوله : "حيّ على الصلاة"، رأسه الى اليمين فقط، لا يلتفت كله، وإذا لوى رأسه يلويه ليًا مستويًا، لا يرفعه ويخفضه كما يفعل بعضهم، دعْ رأسك سواء، من دون ما تهزّ، ولا ترفع، ولا تخفض.
"السلام عليكم ورحمة الله" فينوي السلام به على:
فإن كان في جماعة:
وكذلك المأموم ينوي السلام على:
فإذا تقَبِل ذلك منك، أعطاك على عددهم ثواب سلام "السلام عليكم ورحمة الله" ثواب عشرين من كل واحد حسنة؛ عشرين عشرين عشرين عشرين.
ويخرج من الصلاة بالسلام، يعني أنا جئت من حضرة ربي، واستأمنوا لن أخونكم في شيء، ولن أظلمكم، مع "السلام عليكم ورحمة الله"؛ يرجع إلى عالم الخلق بالسلام، يجيء من حضرة السلام إلى عباده بالسلام، لا إله إلا الله.. فيكون اسم الجلالة يدخل به في الصلاة، ثم يختم به فيقول: "الله" أول ما يدخل الصلاة: "الله أكبر" ويخرج من الصلاة : " الله" فالله أول، "والله" آخر، الله لا إله إلا الله. حققنا الله بحقائق الصلاة.
السابع عشر: الترتيب ، فإن تعمَّد تَرْكَه كأن سجد قبل ركوعه . . بطلت ، وإن سها فترك الركوع مثلا فليعد إليه فور تذكره إلا أن يكون في مثله أو بعده فتتم به رکعته، ولغى ما سها به.
"الترتيب" بين الأركان، "فإن تعمد تركه كأن سجد قبل الركوع بطلت، وإن سها يعود إليه"، إلا أن يكون قد مشى في الصلاة، فعاد إلى مثل من الركعة الثانية، فالثاني هو يعتبر الأول، فتتم به ركعته، ولغى ما سها به، فإن ترك ركوعاً أو اعتدالاً أو سجوداً أو جلوساً بين السجدتين في ركعة ثم ذكره يعود إليه، فإن لم يذكره إلا وقد أتى بمثله من الركعة الثانية، فتعتبر هي الأولى هذه، والباقي يلغيه.
فصلٌ في الجماعة والجمعة
الجماعة على الذكور الأحرار المقيمين البالغين غير المعذورين، فرضُ كفاية، و والجماعة في الجمعة فرض عين عليهم، إذا كانوا أربعين، في أبنية، وعلى من نوى الإقامة عندهم أربعة أيام صحاحٍ وعلى من بلغه نداءُ صَيَّتٍ من طرفٍ يليه من بلدها.
وشرطها:
وقت الظهر.
وخطبتان قبلها فيه يسمعهما الأربعون،[ بالفعل لو أصغوا ولم يكن ضجة]
وأن تصلَّى جماعة بهم،
وأن لا تقارنها [ في تكبيرة الإحرام ] ولا تسبقها جمعة ببلدها [ إلا إذا شق الاقتصار على واحدة ]
وأركان الخطبتين
حمد الله.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
والوصية بالتقوى فيهما [ أي أن هذه الثلاثة المتقدمة أركان في كل من الخطبتين ]،
وآية مفهمة، في إحداهما.
والدعاء للمؤمنين في الثانية.
وشروطهما:
الطهارة عن الحدثين
وعن النجاسة في البدن والمكان والمحمول
وستر العورة
والقيام
والجلوس -قدر الطمأنينة- بينهما
والولاء بينهما
والولاء بينهما وبين الصلاة
وأن يكونا بالعربية.
فيتكلم عن صلاة الجماعة والجمعة.
والجماعة:
"الجماعة على الذكور، الأحرار، المقيمين، البالغين، غير المعذورين؛ فرض كفاية" ، في كل قرية وفي كل بلدة، لقوله ﷺ: "ما من ثلاثة في قرية، ولا بَدْوٍ، لا تُقام فيهم الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان"، فإقامتها فرض كفاية على أهل كل قرية وكل بلدة، بأن تُقام في مكان عام كالمسجد، أو محل عام لا يستحي ذو الهيئات من الدخول إليه، إذا قالوا نحن وسط الدار عندنا نصلي، هذا لا يكفي لإسقاط فرض الكفاية، حتى يكون في محل عام يستطيع كل من أراد الجماعة أن يحضر فيه.
يقول عنها ابن مسعود: "لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا مُنافق معلوم النفاق". و "صلاة الجماعة تفضُل على صلاة الفذ بسبعٍ وعشرين درجة".
و "الجمعة فرض عين عليهم" ، يعني: الذكور الأحرار المقيمين البالغين غير المعذورين "إذا كانوا أربعين"، وهو كذلك في مذهب الشافعية، وكذلك عند المالكية اثني عشر، إذا كانوا اثنا عشر، صحّت إقامة الجمعة بهم؛ لأنه لما جاءت القافلة وفيها بَضَائِعُهُم خرجوا من المسجد، وبقي اثنا عشر معه ﷺ في الخطبة، فتنعقد عنده باثني عشر. وعليه كان الإمام أحمد بن زين الحَبشي يأمر أهل القرى إذا كانوا اثني عشر ذكور بالغين، أن يُقيموا صلاة الجمعة لإقامة الشعار، ومعتمد الشافعية، لابد مِنْ أربعين.
وفيها أقوال متعددة بين الفقهاء، حتى قيل بصلاتها بثلاثة، وقيل بإمام ومأموم، والمثبت أنه لابد من عدد أكثر من ذلك؛ ما بين اثنى عشر إلى أربعين، وقيل: إنما تُقام في الأمصار حيث يُكثِر العدد الكثير.
قال: و"على من نوى الإقامة عندهم أربعة أيام صحاح" ، يصلّي الجمعة معهم، فمن أقام في أي منطقة فيها جمعة، وجب عليه أن يصلي الجمعة، ولايقول أنا مُسافر، مسافر إذا كنت غير مُقيم ما تعرف الطريق، وأمّا إذا كنت مُقيم عندهم أيام، فتصلّي معهم الجمعة.
"وعلى من بلغه نداء صَيّتٍ" أي: ذا صوت بالِغ، "صَيّتٍ" : أي قوي الصوت، لو نادى من الطرف الذي يليه من بلدة الجمعة لسمعه في قريته؛ وجب عليه أن يمشي إلى مكان الجمعة، ما دام يمكن سماع النداء
"وعلى من بلغه نداء صَيّتٍ من طرف يليه من بلدها" أي: من بلد الجمعة، يعني لو فرضنا أن أحد في طرف البلدة التي تُقام فيها الجمعة، نادى في هدوء الناس في مثل الليل؛ يُسمع، فكل من يسمعه من القرى حواليهم يجب على الذين لا جمعة عندهم، فإن كانوا؛ ثلاثة، أربعة، خمسة في القرية، لم يبلغ عددهم المطلوب للجمعة، وجب عليهم أن يذهبوا إلى محل الذي فيه الجمعة إن كانوا يسمعون النداء، فإن كانوا على مسافة مهما نادى المنادي مع هدوء الأصوات لن يسمعوا من طرف تلك البلدة إلى بلدتهم، فلا يلزمهم الذهاب إلى الجمعة، ولكن يُسّنّ لهم وينبغي، وإلّا سقطت عنهم.
قال: "وشرطها وقت الظهر" فإنما تُصلّى وقت الظهر، وفي قول عند الحنابلة أنه يجوز تقديمها كصلاة العيد على الزوال، والمعتمد والذي عليه الجمهور أنه لابد من إقامتها في وقت الظهر، من بعد الزوال إلى قبل أن يدخل وقت العصر.
ويتقدمه "خطبتان قبلها فيه، يسمعهما الأربعون" ولا يضر أن يكون فيهم أحد أصم، لكن الإمام يرفع صوته بحيث لو كان هذا سَمِعْ، لسمعه، يكفي ذلك، الأربعون "وأن تصلَّى جماعة بهم" في الركعة الأولى؛ فرض الجماعة في الجمعة.
وقال:"وأن لا تقارنها ولا تسبقها جمعة ببلدها" بلدة واحدة يكفي الناس فيها محل واحد يجتمعون فيه.
قام هذا يُصلّح جمعة، وهذا يُصلّح جمعة ثانية، فالتي تسبق هي التي تصِح، وإذا تعددت الجمعة من غير حاجة؛ قال المالكية: المسجد العتيق -القديم- الذي كانت تقام فيه الجمعة من قبل، هو الذي تصح فيه الجمعة، والثاني هذا الذي حدث يريد يصلِّح مشكلة، صلّح فتنة؛ جُمعته ما تصّح، جمعة قائمة من قبل أن تُحدَث جمعتك، جمعة هنا قائمة.
وتعدُّد الجمعة مما تساهل به الناس في كل البلدان، خصوصًا المدن، وكل من معه مسجد بيصلح جمعة؛ وذي جمعة، وذي جمعة، ولذا صار كثير من المُحْتَاطِين في هذه المدن إذا صلى الجمعة يرجع يُصلّي الظهر في بيته، خروجا من الخِلاف لأنه أين الذين تصحّ منهم؟ وأين المتقدم منهم؟ لأنها تعدد زائد على الحاجة.
فإذا تعمدوا إحداث جمعة مع وجود مكان يتسعهم، فهذا مضادة لقِصد الجمعة، هذا يسمى فرقة، فرض الفرقة أم فرض الجمعة؟ مادام محل يجمعكم روحوا اجتمعوا فيه، فمقصود أن أهل البلد يجتمعون، فإذا تعمّد يصلّح محل ثاني، فهذه ضد الجمعة، فرقة ليست جمعة، هذا دعوة للشتات والتباعد.
أصلح الله أمور المسلمين، وجمع قلوبهم، وشملهم عليه، ويجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين المُوَفّقين المَسْعُودِين بأعلى السعادة، ونيل الحُسنى وزيادة، وصلاح الغيب والشهادة، والاقتداء بحبيب الرّحمن في كل شأن، وأن يجعل صلواتنا على منوال الاتباع له والاقتداء به، تصحُّ فيها حقيقة: "صلّوا كما رأيتموني أصلّي" حتى تُنْدَرَج صلواتنا في صلاته، وصلاة المُقتدين به، ويقبلها الرّحمن بالفضل والإحسان، وواسع الامتنان، ويصلح لنا والأمة كل شأن، بِسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
21 صفَر 1446