للاستماع إلى الدرس

الدرس السادس للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في شرح كتاب: سُلّم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق، للإمام الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر. ضمن دروس الدورة الصيفية الأولى بمعهد الرحمة بالأردن. 

شروط الصلاة

ظهر الثلاثاء 16 صفر 1446هـ

 لتحميل كتاب سلم التوفيق

 pdf: https://omr.to/sullam-pdf  

 

نص الدرس مكتوب:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

فصلٌ [ في شروط أخرى  للصلاة]

ومن شروط الصلاة:

  • استقبال القبلة.
  • ودخول الوقت.
  • والإسلام.
  • والتمييز.
  • والعلم بفرضيتها.
  • وأن لا  يعتقد فرضاً من فروضها سنة.
  • وستر بما يستر لون البشرة لجميع بدن الحرة إلا الوجه والكفين، وستر ما بين السرة  والركبة، للذكر والأمة من كل الجوانب لا من الأسفل.

 

الشرط: فهو ما يجب أن تتوفر وتستمر في أثناء الصلاة، وما يجب تقدّمهُ على الشيء واستمراره فيه، يقال له الشرط

والركن: ما كان جزءًا من أجزاء الماهية، جزءًا من أجزاء الصلاة، كما تأتي معنا أركان الصلاة.

 فهذه شروطها التي تتقدم عليها وتستمر فيها، فذكرَ:

"استقبال القبلة"؛ قد كانت القبلة إلى بيت المقدس أول ما فُرضت الصلاة، فكان ﷺ في مكة المكرمة يأتي ما بين الركنين فيصلي مستقبِلًا الكعبة وبيت المقدس، حتى هاجر إلى المدينة المنورة، فلما هاجر ومضت عليه سنة وأشهر وكان يترقب أن يحوِّل الله له القبلة إلى قبلة أبيه إبراهيم -إلى الكعبة المشرفة- حتى قال لسيدنا جبريل عليه السلام: لو سألت ربك أن يحوّلني إلى قبلة إبراهيم فإنه فطرني على محبة الكعبة، قال: أنت أقرب إليه مني فاسأله، فلم يسأل ﷺ، عبوديةً وحياءً وأدبًا مع الرب، فوقع في قلبه أنه سينزل الله من عنده تحويلًا للقبلة، فكان يرفع طرْفه الى السماء، يقلِّب وجهه، فأنزل الله: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ) 

 فكان من شرط صحة الصلاة؛ استقبال القبلة:

  • إما يقينًا لمن يعاينها ويشاهدها في مكة.
  • وإما ظنًّا -بغلبة ظن- وذلك لمن كان بعيدًا عنها، فلا يشاهدها فيجب عليه استقبال القبلة بغلبة الظن.
  • فإن لم يدرِ أين القبلة، وجب عليه أن يجتهد بالعلامات حتى يعرف بها اتجاه القبلة، ثم يصلي باجتهاده ولو تغير اجتهاده، تغيرت إلى محل اجتهاده لأن الأمر قائم على الظن في ذلك.

 ثم إذ قد ثبت صلاة النبي ﷺ في موضع لم يجُز لأحد أن يجتهد فيه يمنة ولا يسرة، فضلا عن الجهة، إذا صلى فيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم،  فإن لم يكن صلى فيه ﷺ ولكن أهل البلدان على مدى القرون قد اجتهدوا ورتبوا جهة القبلة، فإذا أراد أحد أن يجتهد، يجيء الى بلداننا ويقول سأجتهد في القبلة هكذا ولا كذا وليست إلى هكذا، نقول أما إلى الجهة فليس اجتهادك، هذا أمر قد أجمع عليه في الجهة، وأما في التيامن والتياسر اجتهد لك ما شئت، واستعمل ما شئت من الأجهزة واجتهد في يمنة ويسرة لكن لنفس الجهة، أما تجي إلى بلدة قد صلى إليها المسلمون قرون وتقول الجهة غير جهة القبلة فلا قبول لهذا الاجتهاد.

من شروط الصلاة؛ استقبال القبلة: 

  • بالنسبة للقائم؛ بصدره 
  • وبالنسبة للقاعد كذلك 
  • وبالنسبة لمن يصلي على جنبه؛ فبوجهه وصدره
  • وبالنسبة للمستلقي فبأخْمصيه وبوجهه، إذا تأتّى رفع رأسه شيئًا، فيكون بالأخمصين استقبال القبلة. 

ويسقط ذلك في صلاة المصلين في شدة الحرب، إذا اختلطوا بالكافرين المحاربين المقاتلين وصاروا يصلُّون في شدة الحرب، يجوز أن يصلوا إلى القبلة وإلى غير القبلة لأجل الضرورة، قال سبحانه وتعالى (فَإِنۡ خِفۡتُمۡ فَرِجَالًا أَوۡ رُكۡبَانا)  كان يقول ابن عباس، مستقبلين القبلة وغير مستقبليها.

ثم في النافلة للمسافر؛ النافلة للمسافر غير الفرض -إذا أراد المسافر وهو يمشي في السفر أن يتنفل- فيجوز أن يتنفل إلى أي جهة، إلا إن كان ماشيًا على قدميه فيجب أن يستقبل في: 

  • حالة الإحرام 
  • وفي حالة الركوع
  • والسجود
  • وحالة السلام 

يستقبل القبلة، ويمشي في:

  • وقت القيام 
  • والاعتدال 
  • والجلوس بين السجدتين
  • وكذلك في أثناء التشهد، يكون ماشيا

  فإن كان على دابة -ومنه من جاء بعد ذلك من استعمال الدراجات والسيارات والطائرات والسفن فإن كان كذلك- 

  • أما إن كان في سفينة مستقرّة، فحكمه حكم المقيم، ما يجوز أن يصلي فرضًا ولا نفلا إلا قائمًا مستقبلا للقبلة في الصلاة كلها
  • وأما إن كان في مثل السيارة ونحوها أو في الطائرة كذلك فالفرض؛ لا يجوز أن يصلّيه إلا قائمًا مستقبلا جهة القبلة و مؤديًا لها
  • أما النفل فيجوز أن يصلّيه وهو على كرسيه إلى أي جهة كان
  • وقالوا إن كان على دابة يسهلُ لفَّها في وقت التحرّم، يصرفها نحو القبلة، فإن كانت مستصعبة فلا شيء عليه. 

وهكذا لِما جاء أنه ﷺ كان يصلي النافلة على راحلته ﷺ،  وأما للفرض فكان ينزل ويصليه على الأرض صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. 

"استقبال القبلةودخول الوقت" لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) فلا يجوز تقديمها على وقتها ولا تأخيرها عن وقتها، وذلك لما رتب الله في خلال الأربع وعشرين ساعة أن تكون محطات الإنابة والرجعة إليه والمحاسبة للعمل؛

  • في خلال ابتداء اليوم؛ في الفجر 
  • وفي أثناء النهار 
  • وعند معاودة النشاط للعشية
  • وأول الليل 
  • وقبل الرجوع إلى الراحة والخلود إليها بالعشاء 

فكانت أوقات محطات تتخلل اليوم، يبقى على صلة بالرحمن ويتدارك ما حصل منه في هذه الفترة من خلال وقوفه في الفترة الثانية، وهكذا فوقّتها الحق سبحانه وتعالى بهذا التوقيت. 

قال: "والإسلام والتمييز"، هذا الشرط قد تقدم معنا في الطهارة، وإذا جاء شرط الطهارة في الصلاة فقد دخل فيه الإسلام والتمييز أيضًا.

"والعلم بفرضيتها"؛ بأن يعلم أنها فرض، فمن كان يعتقد أن الظهر والعصر والمغرب سنة يصلِّيها، فهو باعتقاده ذلك يخرج عن أداء الفرض، فلا تصح، فعليه قضاؤها، ولكن يجب أن يعلم فرضيتها، والفرضية بأصل الإسلام هي: الصلوات الخمس؛ "خمس صلوات فرضهن الله على العباد في اليوم والليلة".

 ثم لا يكون بعد فرض إلا ما كان من نذر للسنن، وما جاء أيضًا عن الإمام أبي حنيفة من وجوب الوتر، قال به بعض الصحابة، وقال به الإمام أبو حنيفة وكذلك ما جاء عن بعض الصحابة وبعض الحنفية من وجوب سنة الصبح،  والجمهور على أن ما عدا الخمس الفرائض فلا يجب بأصل الإسلام إلا ما كان من نذر لشيء من السنن، فيجب الوفاء به، ولقوله ﷺ للذي علمه خمس صلوات في اليوم والليلة، قال: أعليَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع؛ العلم بفرضيتها.

 "وأن لا يعتقد فرضًا من فروضها سنة"، كالركوع والسجود ونحو ذلك، قالوا وفرَّقوا عندنا بين العامي والمشتغل بطلب العلم. 

  • فالمشتغل بطلب العلم لابد أن يعيِّن 
  • وأما العامي؛ فإذا اعتقد أن في الصلاة فرائض وسنن ولم يميز بينها فيغتفر له ذلك، لكن لا يجزم في شيء من الفروض أنه سنة، قالوا حتى إذا تردد بين فرضين؛ أن أحدهما سنة والآخر فرض فإنه تصح صلاة العامي لأن كل واحد يقول يمكن هو الفرض فما يجزم في واحد بأنه سنة، وإنما يضر أن يجزم أن هذا سنة فيفعله.

وأما المشتغل بطلب العلم والمجالِس للعلماء ما يمكن أن يعتقد واحد من الفرضين سنة، لا تصح صلاته هذا لأنه مخاطب بتعيين الفروض لأن المجال فسح له والفرصة عنده. 

والستر بما يستر لون البشرة لجميع بدن الحرَّة إلا الوجه والكفين، فالمرأة الحرة يجب أن تستر جميع بدنها بساتر لا يصف لون البشرة، ولذا قالوا إن بعض الأقمشة إذا فيها ماء يصف لون البشرة، أمّا إذا ما فيها بلل يصف لون البشرة فيصلي فيه؛

  • إن صلى فيه وهو مبلل فيه ماء لا تصح صلاته، لأن لون البشرة ظهر. 
  • وإن صلى وهو يابس ما يرى منه لون البشرة، فالصلاة صحيحة. 

"ستْر بما يستر لون البشرة؛ 

  • بالنسبة للحرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين 
  • ما بين السرة والركبة للذكر والمملوكة؛ من كل الجوانب، لا من الأسفل"؛ يعني من الأعلى ومن الجوانب لا من الأسفل ولكن، يسن الستر من الأسفل باستعمال السراويل. 

ويروى في الأثر، أن الأرض تستغفر للمصلين بالسراويل، لسترهم عوراتهم عنها، فتستغفر لهم، يكون ذلك في السنة؛ من تحت الإزار أو القميص -السراويل- تكون من تحت الإزار أو من تحت القميص فهذا من جهة الأفضل.

 بخلاف ما يذكرون في الخُفّين، أنه يجب أن يكونا ساترين لمحل الفرض من الأسفل ومن الجوانب لا من الأعلى، بحيث لو كان الخُف كبير من الأعلى يُرى محل الفرض لا يضر.

 بخلاف ستر العورة يجب أن يكون من الأعلى، فلو كان عنده ثوب قميص واسع من الأعلى، إذا ركع يُرى، بطلت الصلاة، لابد يكون ساتر من الأعلى ومن الجوانب، لا من الأسفل، وقال ستر ما بين السرة والركبة فهذا هو الفرض. 

وبعد ذلك؛ السُنة أيضًا للرجل أن يستعمل من الثياب الزينة (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف:31] وثياب الزينة ما كان يستعمله صلى الله عليه وصحبه وسلم؛ من الإزار، من القميص، من الجبة، من الرداء، من العمامة، من القلنسوة؛ هذه كلها زينة؛ زينة ليقابل بها الرحمن للصلاة، فهي الزينة في عُرف النبوة والشرع المصون، فهذه هي الزينة التي أُمرنا أن نتخذها لأجل الصلاة تعظيمًا للصلاة. 

كما ينبغي التعطر لأجل الصلاة كذلك، ويروى فيه مضاعفة ثواب الصلاة لمن يصلي متطيبًا.

وكذلك أورد الإمام ابن حجر ما ورد في مضاعفة الصلاة بالعمامة، وبالقميص، وبالرداء، ولما مر في شرحه للمنهاج في فقه الشافعية في كتاب اللباس وجد أحاديث كثيرة لا يسعها الشرح فأفردها برسالة أسماها "درُّ الغمامة في لبس القميص والطيلسان والسراويل والرداء والعذبة والعمامة" فجمع فيها عدد من الأحاديث الواردة وفيها مضاعفة الثواب لمن صلى بالرداء، مضاعفة الثواب لمن صلى بالقلنسوة، ومضاعفة الثواب لمن صلى بالعمامة وما إلى ذلك. 

والصلاة من جهة الصحة تصح إذا ستر ما بين السرة والركبة إلا أنه ينبغي أن يكون على عاتقه شيء ولو خيط يضعه، فيُكره أن يصلي وعاتقيه وكتفيه مكشوفتان. 

 

فصل

وتبطل الصلاة:

  • بالكلام ولو بحرفين أو بحرف مفهم إلا إن نسي وقل 
  • وبالأفعال الكثيرة المتوالية كثلاث حركات وبالحركة المفرطة 
  • وبزيادة ركن فعلي 
  • وبالحركة الواحدة للعب 
  • وبالأكل والشرب إلا إن نسي وقلّ
  • وبنية قطع الصلاة 
  • وبتعليق قطعها 
  • وبالتردد فيه 
  • وبأن يمضي ركن -مع الشك في نية التحرم- أو يطول زمن الشك.

 

نعم، يحرم إفساد أي عبادة دخل فيها الإنسان بالتعمد، قال تعالى: (وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) [محمد:33]

  • فإن كانت فرضًا فإبطالها حرام باتفاق
  • وإن كان نفلا فعلى خلاف؛ فإذا دخل الصلاة لا يجوز أن يتعمد ابطالها بشيء من المبطلات، فإن وقع شيء، فقد بطلت؛ فعليه أن يستأنفها ويعيدها، وإن كانت فرضًا فبوجوب، وإن كان نفلا فسنة أن يعيدها. 

قال تبطل الصلاة "بالكلام"؛ أي كلام الآدميين، الكلام الذي فيه خطاب أي مخلوق كان، فإن الصلاة محل الخطاب للحق سبحانه وتعالى وحده، وإنما أذن لنا -بل فرض علينا- أن نخاطب نبيه بالسلام في الصلاة، فيما علمنا ﷺ من التشهد في قولنا "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" فكان من خصوصيته ﷺ أن خطابه في الصلوات واجب، وخطاب غيره من المخلوقات، سواء كان ملك أو نبي أو غيرهم من الناس، تبطل الصلاة، فإذا خاطب أي إنسان، أي مخلوق في الصلاة تبطل صلاته، ولكن سيد المرسلين إن لم يخاطبه -بالسلام- تبطل صلاته، يبيّن مكانته عند الرب  صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. 

حتى ذكر عندنا الفقهاء أنه لو خاطب أحدًا وهو يصلي فأجاب عليه، أنه لا تبطل صلاة المجيب، ويدل عليه الحديث؛ حيث كان يصلي بعض الصحابة فناداه ﷺ فخفف صلاته ثم جاء فقال: ناديتكم من قبل، قال: كنت أصلي، قال: أما سمعت قول الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ) [الأنفال:24] فاستنبطوا أنه لو أجابه لم تبطل صلاته لأنه في فعل مأمور.

 كما لم يبطل صلاة المجاهد فيه يكرُّ ويفرُّ ويضرب وهو يصلي؛ يجوز -وفي التحام الحرب- أن يصلّوا مهما أمكنهم؛ ركبانًا ولو بالإيماء، ويعذر في الحركات؛ في الفرّ وفي الكرِّ، إلا الصياح لأن أساس الصياح ليس شأن الشجعان، وكذلك تلبية ندائه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، قالوا، فلو قال لمصلٍّ تعال فمشى لم تبطل صلاته، لأنه مأمور بذلك، فإنه مأمور به صلوات ربي وسلامه عليه. 

قال ولو "بحرفين"؛ بحرفين مما ليس بخطاب لله تبارك وتعالى؛ فهِم أو لم يفْهم؛ إذا نطق بحرفين غير الذِّكر، غير القراءة، غير الدعاء لله تعالى؛ بل اختلف الأئمة في الدعاء؛

  • وقالوا إذا كان على مثل نظم القرآن فلا يبطل الصلاة بأي شيء. 
  • وتوسع الشافعية وبعض الأئمة قالوا؛ إذا هو خطاب لله فلا يضر بأي لفظ كان وبأي شيء دعا. 
  • وقال الحنفية وكذلك غيرهم من الأئمة، أنه إذا دعا بالقرآن، أو بما ورد في السُنة أو بحق الدعاء ليس على نظم القرآن، وأن يتوسع ويأتي بشؤونه التفصيلية ويقول السيارة الفلانية وموديل كذا، أعطيناه… وإلّا شيء من هذا، يبطل عند بعض الأئمة، يبطل الصلاة عند بعض الأئمة وعند الحنفية وغيرهم. 

وأما عند الشافعية يقول مادام تخاطب الله، خاطبهُ بما شئت وقل له، حتى إذا طلبت منه الزواج قالوا لا تبطل، ولكن مثل ذلك بعد الصلاة أولى، خروجًا من الخلاف؛ يسأله بعد الصلاة.

ولو "بحرفين أو بحرف مفهِم" وذلك أن اللغة العربية في فعل الأمر؛ منها يكون الحرف كلمة كاملة، بل مفهِم كأنه جملة، يكون هو كلمة ومستتر فيه كلمة أخرى، فيكون كالمركّب، وهو فعل الأمر من بعض الحروف.

 إذا خاطب به الرجل في مثل قوله (لِ) فاللام المكسورة هذه يخاطب به الرجل، فإذا خاطب المرأة يقول لها (لي) بمعنى تولَّى الأمر، (لي) الأمر، لي كذا، لي كذا، يعني تولى كذا، أو بمعنى (قِ) توقَّى من الوقاية، أمر من الوقاية يقول لرجل (قِ)، وإذا أمره بالوشاية يقول له (شِ) لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا أمره بالوعي يقول له (عِ) إذا خاطب الانثى يحتاج زيادة ياء: (عي) حرفين صارت، وإذا خاطب الرجل يقول له (عِ) فحرف واحد له معنى يبطل الصلاة.

 القول "عيا، عي، عي، عينا" القول للواحد (عِ)، الاثنين يقول (عِيا)، والمرأة (عي) والنساء والمجموع الرجال (عوا) بواو الجماعة، ومجموع النساء(عين) القول؛ عوا، عين، عي.

 وكذلك للأمر (ليا) (لِ) (لي) |(لينَ)، للأمر الواحد تقول له (لي)، (ليا) إذا كان اثنين، (لوا) إذا كانوا جماعة، (لي) إذا كانت واحدة للأمر، و لينَ؛ إذا كان مجموعة النساء تقول (لينَ) للأمر. وهكذا يقول أو "بحرف مفهم"

"إلا إن نسي"؛ نسي أنه في الصلاة وتكلم، "وقلَّ" الكلام، شرط الكلام قليل، أما قال نسيت ولكنه تكلم نشرة كاملة، تكون خرجتَ من الصلاة. قال أنا ناسي ناسي ناسي؛ كلمة، كلمتين، ثلاثة، أربع؛ أما ناسي كلام طويل! قال نسيت أني في الصلاة، وقد خرجت من الصلاة بكثرة الكلام.

 قال إن نسي وقلّ، استدلالًا بما جاء من كلامه ﷺ مع ذي اليدين؛ لما  سلّم من ركعتين في الظهر وقام، وهبَّ الصحابة أن يتكلموا -فيهم الكبار- سيدنا ذو اليدين يقول: "يا رسول الله، أقَصُرت الصلاة أم نسيت؟" -في باله أنه صلى أربع- قال: "كل ذاك لم يكن" قال: "بل بعض ذاك قد كان أحقٌّ ما قال ذا اليدين؟ أشاروا نعم، فكبَّر وأكمل الركعتين ﷺ"، فعدُّوا أن هذه الكلمات، لقلّتها وأنه يظن أنه خارج الصلاة.

 وهكذا قالوا بالنسبة للناسي والجاهل المعذور بجهله يعذر في كلمات، وقد كان في أول الأمر يجوز الخطاب في الصلاة والكلام ثم حُرِّم ذلك، وفيه جاء الحديث أنه حضر بعض الأعراب مع النبي ﷺ وصلّوا  فصادف أنه واحد عطس في الصلاة، لمّا عطس في الصلاة قال: الحمد لله، هذا سمِعه قال: يرحمك الله، في خطاب له: يرحمك الله، فلما قال كذا قال: رماني القوم بأبصارهم؛ نظروا إليه، فلما رآهم استنكروا قال؛ واثكلا أمياه، ما لكم تنظرون إلي؟! أشاروا لي "اسكت" فسكتُّ وأكمل الصلاة، النبي كان يسمع كلامه وراءه في الصلاة فلما سلّم قال لهم: "من المتكلم؟" قال: أنا يا رسول الله، قالوا هذا الأعرابي، جاء فاستدعاني، قال هاتوه هنا، قال: لقد وجدته خير معلم، والله ماكهرني ولا نهرني ولا شتمني ولا ضربني ولكن قال لي؛ "يا عبدالله، إن هذه الصلاة لا تصلح لشيء من كلام الآدميين، إنما هي القراءة والذكر والدعاء فقط"، وهذا تعلّم وفرِح، ظنّ أنه سيعاتبه أو يعاقبه، ولم يأمره بإعادة الصلاة، ولهذا عذروا الجاهل المعذور بها، وإلا سيقول له ردّ الصلاة مرة أخرى، بل علّمه وقال له مرة ثانية، لا تكلم أحدا وأنت تصلي، صلى الله عليه على آله وسلم، إلا إن نسي وقلَّ.

 "وبالأفعال الكثيرة المتوالية؛ كثلاث حركات متوالية" وهكذا، قال الحنفية أيضًا؛ أن أي صورة يجزم للناظر بأنه في غير الصلاة؛ تبطل صلاته، ومن هنا حتى منعوا القراءة في المصحف في الصلاة -النظر في المصحف في الصلاة- يقولون هذا هيئة غير مصلي، فلا تصح عندهم، وقال الشافعية إذا خطا ثلاث خطوات متوالية أو تحرك ثلاثة حركات متوالية غير حركات الصلاة، تبطل بذلك صلاته.

 أو بحركة واحدة لكنها "مفرطة أو بوثبة"؛ قفز وهو يصلي، ها؟! ماذا معك؟ بهذا يخرج عن الصلاة لأنه مناقض للخشوع قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) إذا كنت في الجهاد وحضر الوقت وملتحم الحرب بينكم؛ قفِّز ما تشاء، أما في غير ذلك فعليك السكينة، قالوا بالحركة المفرطة.

 "وبزيادة ركن فعلي" واختلفوا في زيادة الركن القولي، ما بين كراهة وما بين ابطال للصلاة، وبزيادة ركن فعلي مثل؛ ركوع، أو سجود، أو قيام مزيد.

 إلا أن في صلاة الكسوف والخسوف قيامان وركوعان وردَ، فلا إشكال في ذلك، ولكن المأموم إذا جاء فأدرك الركوع الثاني لم تحسب له الركعة، إذا كان الإمام يصلي بركوعين؛ صلاة الكسوف والخسوف، فجاء المأموم وأدرك الركوع الثاني في القيام الثاني، ما تحسب له الركعة هذه، إلا إذا أدرك الركوع الأول؛ إذا أدرك الركوع الأول تحسب له الركعة، إن أدرك الركوع الثاني -حتى لو أدرك القيام الثاني- ما تحسب له الركعة، لأن هذا زائد، والقيام للركعة قد مضى، والركوع هذا زائد مخصوص بصلاة الكسوف والخسوف.

 قال: "وبالحركة الواحدة للعب"؛ أي  بقصد اللعب.

 "وبالأكل والشرب إلا أن نسي وقلَّ" ولكن القلة هنا مقدار حبة السمسمة قالوا، أما أكثر من ذلك فتبطل.

بخلاف الصوم، فإنه عند الشافعية وكذلك عند الحنابلة أنه إذا أكل ناسيًا، ولو كثيرا لم يبطل صومه، لكن عند غيرهم يبطل، أخذوا بحديث من "إذا أكَل أحَدُكم أو شرِب ناسيًا فلْيُتِمَّ صومَه فإنَّما أطعَمه اللهُ وسقاه".

ولكن بالنسبة للأكل؛ إذا أكل زائدًا على حبة السمسمة قال أنا ناسي!.. حتى ناسي تبطل الصلاة. قالوا لماذا سمحت للصائم؟ قل له؛ إن الصائم لا يوجد هناك هيئة تذكِّره بالصوم، أما أنت في صلاة؛ إمّا قيام أو ركوع أو سجود، كيف تنسى؟ ما هذا النسيان؟ تبطل صلاته إذا أكل زائد على مقدار حبة السمسمة وإن ادَّعى النسيان، وهكذا.

 قال الإمام أحمد بن حنبل لمّا لقي شيبان الراعي مع سيدنا الشافعي، وقال -يسأل شيبان- قال له: إذا شككت في الركعات في الصلاة كيف تفعل؟ قال: على مذهبكم أم على مذهبنا؟، قال: فيها مذهبان؟ قال: نعم، قال: ما هي على مذهبنا؟، قال: أما على مذهبكم يأخذ بالأقل، يزيد ركعة ثم يسجد للسهو، قال: صدقت، فما على مذهبكم؟ قال: على مذهبنا، هذا قليل أدب غافل في الصلاة ما يدري كم صلى، يحتاج تأديب صيام سنة هذا. تعجَّب الإمام من جواب هذا، وقال له: الغنم التي معك هذه كم زكاتها؟ -هو يرعى الغنم- قال: على مذهبكم أم على مذهبنا؟ قال: حتى هذه فيها مذهبان؟ قال: نعم، قال: ما هي على مذهبنا؟ قال: على مذهبكم في كل أربعين شاة، شاة حتى تصل الى 121 شاة، وشاتان؛ إذا تصل 201، وثلاث في كل مائة شاة. قال: صدقت، فماذا على مذهبكم؟ قال: على مذهبنا، العبد وما ملك لسيده، كله ملك ربي، أغمي على الإمام أحمد، قال له الشافعي: قلت لك لا تسأله.

قالوا يجلس عنده الشافعي كما يجلس الصبي بين يدي المعلم، من أدبه -عليهم رضوان الله- أئمة عرفوا عظمة الدين، وعظمة الرب، وعظمة الرسول، وصدقوا،  لا اغترّوا ولا عجبوا ولا تكبروا ولا مالوا إلى الدنيا، وبذلك نفع الله بهم وبعلومهم ونشر علومهم في الآفاق.

قال: "وبنية قطع الصلاة"؛ من نوى قطع الصلاة، انقطعت صلاته.

"وبتعليق قطعهِا"؛ إن قال: إن جاء فلان بن فلان، أو رن التلفون سأخرج من الصلاة.. من الآن قد خرجتَ من الصلاة حتى قبل ما يرن التليفون، مادمتَ تنوي الخروج فقد خرجت.

"وبالتردد في قطعها"؛ فإذا مضى عليهم مقدار ركن وهو متردد، يخرج، وإذا استمر بطلت صلاته

 "وإن يمضي ركن مع الشك في نية التحرُّم" أو يطول زمن الشك

 فالله يحفظ علينا صلواتنا ويكتب لها القبول عنده.

 

فَصْلٌ 

"وشُرِط ما مرّ لقبولها عند الله سبحانه، أن يقصد بها وجه الله تعالى وحده، وأن يكون مأكله وملبوسه ومصلاه حلالاً، وأن ويحضر قلبه فيها. فليس له من صلاته إلا ما عقل منها، وألا يُعجب بها."

 

لا اله الا الله. هذه شروط لا يذكرها عامة الفقهاء الذين يتكلمون عن الصلاة.

 قال شروط معنوية، شروط مع ما مرَّ -لقبولها- لا لحكم الفقيه بصحتها، فإن الفقيه يحكم بالصحة إذا ما عليك فيها أحد ولا مطالبة في الدنيا يقول لك صحيحة، لك المقصود قبولها عند الله تعالى، قال اسمع؛ اذا قمت بهذه كلها، عاد باقي، انتبه من شؤون بينك وبين الله؛ 

"شُرِط مع ما مرّ لقبولها عند الله تعالى أن يقصد بها وجهه"؛ تخلُص، تخلُص لوجه الله (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وكان بعض الناس يصلي في مسجد، سمع الباب انفتح، شخص دخل فحسَّن صلاته، فسمع هاتف يهتف به يقول: لولا أن أول صلاتك له، لخُرجتَ من ديوان السعداء إلى ديوان الأشقياء، شفع لك أن أول صلاتك كان خالصًا. 

وكان بعضهم في قيامه في الليل ويقرأ القرآن، مرّ المنبِّه، كما كان يعتاد المسلمون في مدنهم وقراهم أن يمر منبه آخر الليل ينبه الناس أن قرُب الفجر، كان يقرأ سورة طه، فلما مرّ المنبه رفع صوته بآيتين، وذهب المنبه، فأراد الله أن ينبهه، أغمض عينيه فرأى ملكين يقولان له: أين ثواب القراءة لهذا؟ قال: هذا، انظر، تحت كل حرف عشر حسنات مضاعفة، ونور -سورة طه- آيتين مطموسة. قال: وهذه الآيتين؟! قال: لا، هذه ما له فيها ثواب، قال: ما قرأها؟ قال: أنا قرأتها، قال المَلَك قرأها من أجل المنبه الذي مرّ، دعْهُ يأخذ الثواب من عنده هناك، ما له ثواب عندنا، كان رفعَ صوته لما مر المنبه يشعره بأنه يقرأ. قال فهذه الآيتين دعْه يذْهب ويأخذ ثوابه من عنده، عندنا ما له ثواب لأنه قصد بها ذلك.

"قال أن يقصد بها وجه الله تعالى وحده، وأن يكون مأكله و ملبوسه ومصلاه حلال"؛ يأخذ سكن بشبهة! أو لأوقاف أو لأيتام وإلا بغير حق، بعد ذلك يصلي فيه! فأين القبول؟ ولذا حتى قالوا لو أدركته الصلاة وهو مار في أرض مغصوبة، فهل يجوز أن يصلي أم يخرج منها؟ فيخاف إذا ما يقطعها خرج الوقت عليه، فاختلفوا حتى قالوا أنه يصلي مثل صلاة شدة الخوف، وهو يجري، يصلي وهو يجري وهو خارج منها، لأنه بقاءه في شيء ما فيه من إقرار هؤلاء الغاصبين. لا اله الا الله. 

ذكر ﷺ رجل أشعث أغبر يطيل السفر؛ يمد يديه للسماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذِّي، فأنّ يستجاب لذلك. ويروى في بعض الآثار لمن اشترى الثوب بعشرة دراهم؛ تسعة حلال، وواحد حرام، لم يتقبل له صلاة ما دام على بدنه شيء من ذلك الثوب، ولو خيط  "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا" يكون مأكله، ملبوسه، ومصلاه؛ حلالا.

 "وأن يحضر قلبه "،"إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم" "يحضر قلبه فيها، فليس له من صلاته إلا ما عقل منها"، وفوق هذا كله لا يعجب بها، بل يراها منَّة من منن الله ساقها إليه يسأله قبولها. 

وعلّمنا صلى الله عليه وسلم إذا خرجنا من الصلاة أن نستغفر، وهذا بُعد عن العجب.

كيف نستغفر؟ للتقصير الذي وقع منا في الصلاة، أنت خرجت من الصلاة، ما خرجت من معصية ولا من ذنب، كيف تستغفر؟ قُل استغفر الله، استغفر الله، تستغفر من ماذا؟ ليس من الصلاة؛ بل من التقصير في الصلاة، من الغفلة في الصلاة، فهذا علّمنا ما ينفي به العجب عنا، ونستشعر تقصيرنا فيها ونسأل الله القبول، لا اله الا هو سبحانه وتعالى.

ومن بركة صلاة الجماعة أن يتعرّض أصحابها للقبول، ولو باجتماعهم.

نوّر الله قلوبنا بهذا النور، ويجعل لنا سبحانه وتعالى من هذا السناء حظ وافر تصلح لنا به جميع الأمور، نرقى بها أعلى مراتب المعرفة واليقين، وعلم في علم اليقين ونُمكّن في مقاماته، وفي عين اليقين ونمكّن في مقاماته، ويأذن لنا الوصول إلى حق اليقين، ويرزقنا التمكين في كل مقام من مقامات اليقين، ويجعل لنا استنارة بهذا النور تزداد لنا كل لمحة وفي كل نفس حتى نكون من أقرب أمته إليه في؛ (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ)

  اجعلنا من رُفقاء البشير النذير، أسعدنا بقربه واسقنا من شربه وأدخلنا في حزبه وثبتنا على دربه واختم لنا بأكمل حسنى بواسطته، وارزقنا حسن متابعته، وشريف نصرته، وخدمة شريعته وأمته، على خير الوجوه وأحبها إليك وإليه وأحظاها لك وله وأرضاها لنا عندك وعنده وأنفعها للعباد والبلاد كما أنت أهله ياكريم يا جواد.

بسرِ الفاتحة 

وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه.

 

 

تاريخ النشر الهجري

22 صفَر 1446

تاريخ النشر الميلادي

25 أغسطس 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام