للاستماع إلى الدرس

الدرس الخامس للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في شرح كتاب: سُلّم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق، للإمام الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر. ضمن دروس الدورة الصيفية الأولى بمعهد الرحمة بالأردن.

شروط صحة الطهارة

 صباح الثلاثاء 16 صفر 1446هـ 

 لتحميل كتاب سلم التوفيق

 pdf: https://omr.to/sullam-pdf

 

نص الدرس مكتوب:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، من كتاب سلم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق للإمام العلامة سيدنا عبد الله بن حسين بن طاهر باعلوي رحمه الله ونفعنا به وبكم وبعلم سائر الصالحين في الدارين آمين، ورضي الله تعالى عنه وعنكم، إلى أن قال:

 

فصل: شرط الطهارة: 

  • الإسلام
  • والتمييز
  • وعدم المانع من وصول الماء إلى المغسول
  • والسيلان
  • وأن يكون الماء مُطلقًا، بأن: 
  1. لا يُسلب اسمه بمُخالطة طاهر يَستغني الماء عنه، 
  2. وأن لا يتغيّر بنجس ولو تغيرًا يسيرًا. 

وإن كان الماء دون القلتين زِيدَ: 

  1. بأن لا يلاقيه نجس غير معفو عنه، 
  2. ولا استُعمل في رفع حدث أو إزالة نجس.

ومن لم يجد الماء أو كان يضره الماء تيمم بعد:

  •  دخول الوقت 
  • وزوال النجاسة
  • ومعرفة القبلة

التيمم بتراب خالص طهور له غبار، في الوجه واليدين، يرتّبهُما بضربتين، بنية استباحة فرض الصلاة، مع النقل ومسح أول الوجه.

 

الحمد لله، يتحدث الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- عن الشروط التي تُشترط في صحة الطهارة من الوضوء والغسل، وإنما تصح الطهارة من المُسلم، فمهما اغتسل وتوضأ الكافر فالطّهارة تتناقض مع الكفر، ولا تصح، ولا تصْلح، (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا) [التوبة:28]، فنجاستهم الباطنة تمنع ارتفاع الأحداث الظاهرة عنهم، فلذلك لا يصح الطهارة، ولا الوضوء، ولا الغسل إلا من مُسلم.

واغتَفروا في حق من تزوج الكتابية، أنها تغتسل من الحيض لتحل لزوجها وهي كافرة، ولكن ذلك لأجل الضرورة، وليست للعبادة، ولكن لرفع الحرج عن زوجها، وما عدا ذلك فلابد للطهارة من الإسلام، والحمد لله على نعمة الإسلام، والله يزيدنا إسلامًا.

والإسلام بمعناه اللغوي يكون أعمّ من الإيمان، لأن الاستسلام يشمل القلب والجوارح، فيكون إسلام القلب، وإسلام الجوارح كلها في الظاهر والباطن للحق تعالى، داخل في معنى الإسلام.

وإن كان في الاصطلاح ينصرف اسم الإسلام الى استسلام الجوارح، والنطق بالشهادة في الظاهر، فيُجرى على صاحبها أحكام الإسلام، وسرائر علمها عند الله تعالى، وبهذا المعنى جاءت الآية: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ) [الحجرات:14].

إذًا فمن جهة الاصطلاح قد يُستعمل الإسلام بمعنى:

  • استسلام الظواهر فقط، والنطق بالشهادتين، في استسلام الجوارح في الظاهر بالانقياد للأحكام العملية الشرعية، والإيمان على التصديق بالقلب. 
  • وقد يُراد بالإسلام الإيمان بمعنى الإسلام، ومن جهة اللغة فالإسلام أعم، يشمل جميع الاستسلام بالقلب وبالجوارح.

شرط الطهارة: الإسلام، والتمييز؛ أي العقل والإدراك، فلا تصح الطهارة ولا الوضوء من غير المُميز؛ من مجنون ولا طفل صغير لم يميز بعد، بحيث يفهم الخطاب ويرد الجواب، ويفرِّق بين الأمور بحكم العقل.

ويستثنى من ذلك، تطهير الطفل غير المُميز، وكذلك المجنون لأجل النُّسك؛ لأجل العمرة أو الحج، إذا حَج بالطفل الصغير فأحرم عنه، وهو غير مميّز، فيُوضئه من أجل الطواف، لا يطوف به إلا وهو متوضىء، يصح الوضوء لغير المُميز، وكما يُحرم عنه وليّه، فينوي عنه الوضوء كذلك وليّه، لكن هذا الوضوء لأجل صحة الطواف. وكذلك إذا كان مجنونًا، أحرم عنه وليه، يوضئه للدخول إلى الكعبة لأجل الطواف بها، فهذا مغتفر. "ولا تصح الطهارة إلا من مُميز".

"وعدم المانع من وصول الماء إلى المغسول": والمَغسولات في الوضوء ثلاثة: الوجه، واليدان، والرجلان. والرأس ممسوح، والمغسول في الغُسل جميع أجزاء البدن من الرأس إلى القدمين، شعرًا وبشرًا، فلابد من وصول الماء، فإذا هناك مانع يمنع؛ من خاتم أو جبيرة، أو أي ساتر، أو ما تضعه بعض النساء في أظافرهن مما له جِرم يمنع وصول الماء إلى الأظافر، فلا يصح الوضوء، ولا الغُسل مع ذلك، بل لابد من إزالة المانع حتى يسيل الماء على العضو المغسول كله.

 "والسيلان"؛ أن يصير الماء سائلًا، فلا يُقبل في المغسول مسحٌ، لا يُقبل مسح في المغسول، لابد في المغسول يسيل الماء، وفي غير المغسول يكفي المسح.

واختلفوا إذا غسل الرأس، لم يمسح، ولكن غسله، فقالوا: يكفي أو لا؟

قال الجمهور: يكفي، لأن الغسل مسح وزيادة.

قال بعض أهل العلم: لابد من مسح، لأن الله قال: (فَامْسَحُوا)، إذا غسل ما يكفي، لابد يمسح.

وقال الجمهور أهل الفقه: يكفي الغسل، مسح وزيادة، زيادة على المسح فهو يُجزئ. قال: هو "السيلان.

وأن يكون الماء مُطلقًا". قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الفرقان:48]، وقال تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ) [الأنفال:11]

فالماء المُطلق: ما نزل من السماء أو نبع من الأرض على أصل خِلْقَته.

تفصيل ذلك: ما يكون من مطر أو ثلج نازل من السماء، أو برَد؛ ثلج تجمد على الأرض، البرد ينزل سائلًا ويتثلّج، يتجمّد على الأرض يقال: ثلج، الثلج والبرد، وكذلك ماء البحر، وماء النهر، وماء العين، وماء البئر؛ كل هذه ماء مُطلق، مُطلق يعني العالِم بحالِه من أهل العُرف واللسان يسميه ماء مُطلق من غير تقييد بشيء، يقول: "هذا ماء"

ولكن إذا خرج عن أصل خِلْقته، إما بتغير بطاهر، أو بتنجّس، تغير كثير بطاهر، سلب عنه اسم الماء، فما أحد ممكن من أهل العلم واللسان يُسمي القهوة ماء مُطلق، مايسميها ماء مُطلق القهوة!! أو العصير يسميه ماء مُطلق؟! تغير عن أصل خِلْقته بمخالطة أشياء فخرج عنه، سُلب عنه اسم الماء.

فلابد أن يكون الماء طهورًا، وهو الماء المُطلق؛ ما نزل من السماء، ونبَع من الأرض على أي صفة كان، بأن لا يُسلب اسمه بمخالطة طاهر يستغني الماء عنه، بخلاف ما كان في مقرّ الماء، أو في ممرّه، لا يستغني عنه الماء

 وأن لا يتغير بنجس ولو تغيرًا يسيرًا، التغير اليسير بالطاهرات لا يضر ولا يُسلب اسم الماء، ولكن إذا كان التغير شديدًا بحيث سلب عنه اسم الماء، فهنا تنقطع عنه الطهورية في رفع الحدث وإزالة النجاسة.

وتوسع الحنفية في إزالة النجس، وأما رفع الحدث شرط أن يكون بهذا الماء، وكل مُزيل بعد ذلك يُزيل النجاسة عندهم، بأنواع المائعات وغيرها، يصح بها إزالة النجاسة.

والماء، أن لا يتغير بنجس ولو تغيرًا يسيرًا:

هذا عند الجمهور أيضًا إذا كان الماء كثيرًا، ولم يُفرق السادة المالكية بين الكثير والقليل، فإنه لا يتنجس إلا بالتغير، لعموم قوله: "الماء الطهور لا يُنجسه إلا ما غلب على لونه أو ريحه أو طعمه."

وأخذ بقية الأئمة الثلاثة بحديث: "إذا بلغ الماء قُلّتين لم يحمل الخبث، فإذا كان دون القلّتين حمل الخبث."

ولهذا قال: "وإن كان الماء دون القلتين زيد، شرط بأن لا يلاقيه نجس غير معفو عنه." لأن بمجرد الملاقاة يصير نجسًا عند الأئمة الثلاثة، ولا يصير نجسًا عند المالكية إلا بأن يتغير، فإن تغير بسبب النجاسة، وإلا فهو طاهر.

نعم، قال: "زِيد بأن لا يلاقيه نجس غير معفو عنه." المعفو عنه في الماء: 

  • الميتة التي لا دم لها سائل، يعني الحيوانات الصغيرة، إذا وقعت في الماء فماتت فيه، والماء قليل، فهذا معفو عنه، ما دام ذلك الحيوان لا يسيل في العادة منه دم لو شُق منه عِضو في حال حياته، لو في حال حياته شققنا منه عضو ما يسيل دم، وذلك مقدار الوزغة فأقل منها، لا يسيل منها الدم، لحديث: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر دواء، فإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء"

فلو كان ينجسه ما أمر بغمسه، إذن فالحَيوانات الصغيرة التي لا دم لها سائل ميتتها لا تُنجس الماء، ما لم يتغير، إذا لم يتغير فلا تُنجسه.

  • وكذلك ما لا يُدركه الطرْف، فالنّجاسات المعفو عنها، ولها تفريعَات متعددة، واختلاف في المذاهب في ما يُعفى عنه وما لا يُعفى عنه، والتحرز والاحتياط أورع، وأرفع، مهما تمكّن المؤمن من الخروج من الخلاف، وأن يكون على طهارة بالاتفاق، فذلك أفضل وأكمل لعبادته، وملاقاته الرب.

قال: "ويشترط إذا كان الماء قليلًا أيضًا، أن لا يُستعمل في رفع حدث، أو إزالة نجس".

أن لا يكون مُستعملًا، 

  • فالماء القليل إذا قَدِ استُعمل في رفع حدث، فلا يرفع حدث آخر.
  • وإذا استُعمل أيضًا في إزالة نجاسة، فلا يُستعمل في رفع حدث ولا إزالة نجس.

فالماء المستعمل هو الماء القليل الذي قد تم به رفع حدث أو إزالة نجاسة، أما إذا كان كثيرًا فلا يضر أن يُرفع الأحداث المتعددة، ولا يُعد مُستعملًا إلا أن يكون دون القلتين، واستُعمل في رفع حدث أو إزالة نجاسة.

يقول: "ومن لم يجد الماء، أو كان يضره استعمال الماء، ففقد الماء حِسًا أو شرعًا، يُبيح التيمم. قال تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) من لم يجد الماء أو كان يضره الماء فلتيمم، ولكن شرط التيمم أن يكون بعد دخول الوقت، فإذا تيمم لأي صلاة فشرطُها بعد دخول وقتها. أوقات الصلوات الخمس مَرَّت معنا، ورواتبها مثلها. 

  • بقي وقت الضحى، إذا أراد أن يتيمم لصلاة الضحى فبعدَ ارتفاع الشمس قدر رمح. 
  • إذا أراد أن يتوضأ مثلًا لصلاة الوتر، فلا يصح إلا بعد فعل العشاء. 
  • إذا أراد أن يتوضأ لصلاة الجنازة، ما يصح إلا بعد تغسيل الميت، فإذا أراد تيممًا لأجل أن يصلي على الجنازة، فما يصح إلا بعد تغسيل الميت، إذا الميت ما غُسّل وهو تيمم قال: بعد ما يغسله بنصلي، فالتّيمم ما يصح؛ لأن وقت الصلاة ما دخل بعد، إذا دخل وقت الصلاة تيمم، فإذا قد غُسّلوا الميت قم تيمم وصلّ عليه، وهكذا. 

المعذور عن استعمال الماء يتيمم، ولا يصح تيممه للصلاة إلا بعد دخول وقتها، وهذا التيمم يُصلي به فرضًا واحدًا وما شاء من النوافل إذا نوى به استباحة فرض الصلاة، فإن تيمم لنَفل الصلاة لم يُجز أن يُصلي بذلك التيمم فرضًا.

وإذا تيمم لنحو الصلاة، بأن تيمم لسجْدة تلاوة أو شكر، أو تيمم للطواف بالبيت، أو تيمم لمس المصحف وحمله، فلا يصح أن يُصلي به لا فرضًا ولا نفلًا.

 إذًا فمراتب نية التيمم تختلف من فرض إلى نفل إلى نحو الصلاة:

  • فإن نوى فرض الصلاة جاز له فرض واحد بهذا التيمم، وما شاء من النوافل، ونحو الصلاة.
  • فإن نوى الصلاة مُطلقًا، أو نفل الصلاة، لم يُجز له أي فرض، وجازت له النوافل، ونحو الصلاة.
  • فإذا نوى التيمم لنحو الصلاة، لم يُجز له صلاة فرض ولا نفل بذلك التيمم. 

قال: "له غبار بتراب خالص" قال: "بعد دخول الوقت، وزوال النجاسة، ومعرفة القبلة" على ما اشترطه الشافعية على خلاف بينهم، وكذلك عند غيرهم، هل يشترط معرفة القبلة قبل التيمم أم لا؟ لأنه إذا كان في مكان لا يعرف أين اتجاه القبلة فيه، لا يمكنه الصلاة، اشترط بعضهم معرفة القبلة.

قال: "بتراب خالص." وهذا أيضًا في مذهب الشافعية في أن التيمم ما انحصر في التراب الخالص، وفسروا به الصعيد، الصعيد ترابًا خالصًا طهور لم يتنجس ولم يُستعمل من قبل في تيمم ولا إزالة نجاسة، ترابًا خالصًا طهور.

وتوسع الأئمة في المراد بالصعيد، وقيل: كل ما صعد على ظهر الأرض من جنس الأرض، من حجر، وتراب ونحوه كله يصح التيمم به. ما كان من جنس الأرض، ما صعد على وجه الأرض من جنسها، فإذا لم يجد التراب فيأخذ بهذه الأقوال، ويتيمم بأي شيء صعد على وجه الأرض.

وإذا كان وجد التراب، فشرطه عند الشافعية:

  • أن يكون ترابًا خالصًا، لم يخالطه شيء
  • طهور لم يستعمل قبل في تيمم ولا في إزالة النجاسة الكلبية
  • وله غبار، بحيث لو ضرب لثارَ منه الغبار في الوجه وفي اليدين

فلا يكون التيمم إلا في الوجه واليدين، وإن كان عن جنابة، فلا يكون التيمم إلا في الوجه واليدين فقط، وإن كان التيمم أيضًا عن جرح في الرجلين، فلا يكون التيمم إلا في الوجه واليدين.

وقال: "له في الوجه واليدين يرتّبهما بضربتين." فلابد من ضربتين اثنتين، والترتيب بين المَسحتين بأن يمسح الوجه أولا ثم اليدين، وتقدّم أن الترتيب في الوضوء مثله في التيمم سُنة عند الحنفية، وهو واجب عند غيرهم، الترتيب بين أعضاء الوضوء، وكذلك أعضاء التيمم.

ومسح أول الوجه، يكون وقت النية.

 في التيمم وقتان، لابد أن تحضر في وقتين: 

  • عند نقل التراب 
  • ومسح أول الوجه 

فتكون النية مع نقل التراب، ومسح أول الوجه، فيكون النية حاضرة عند نقل التراب، وعند ما يمسح أول وجهه؛ نية استباحة فرض الصلاة.

 

"فصل: ومن انتقض وضوءه حرم عليه: 

  • الصلاة، 
  • والطواف، 
  • وحمل المصحف، 
  • ومسه، إلا للصبي للدراسة، 

وعلى الجنب: 

  • هذه -ماسبق-
  • وقراءة القرآن، 
  • والمكث في المسجد، 

وعلى الحائض والنفساء: 

  • هذه -ماسبق-
  • والصوم قبل الانقطاع، 
  • وتمكين الزوج من الاستمتاع بما بين سرتها وركبتها قبل الغسل".

 

فيمن انتقض وضوءه، وحصل أسباب الحدث، فتحرم عليه:

  • الصلاة؛ فرضها ونفلها، ومنها أيضًا نحو الصلاة كسجدة شكر أو تلاوة
  • ومنه الطواف بالبيت العتيق، لا يصح كل ذلك إلا بالوضوء، يُحرم عليه الصلاة.

ولما رؤي بعض الموتى وما فعل الله بك، قال: إنه غفر لي وسامحني، إلا أني مرة دخلت الصلاة بغير وضوء، فأمُر بي فضُربت ضربة اشتعل بها عليّ قبري نارًا، ثم دخلت الصلاة مُتعمدًا بغير وضوء. من طرأ عليه الحدث في الصلاة، أو تذكر أنه بغير وضوء فليخرج، ولا يتمادى في الصلاة، فتحرم الصلاة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ) [المائدة:6].

"والطواف بالبيت العتيق" لقوله ﷺ: "الطواف بالبيت بمنزلة الصلاة، إلا أن الله أحلّ فيه النُّطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير" فالحَركة والمشي في الطواف جائز، وإلا هو بمنزلة الصلاة، في وجوب ستر العورة، ووجوب الطهارة، وأن يجعل البيت عن يساره في طول الطواف، فلا يلتفت يمنة ولا يسرة في شيء من الخطوات، فلو خطا خطوة، وظهْره إلى البيت، أو خطا خطوة وصدره إلى البيت غير يساره، لم تصح تلك الخطوة، فلابد أن يرجع ويَخطوها، أو الطوفة كلها ما تُحسب حتى يصل إلى عند تلك الخطوة، فتحسب الطوفة.

فقال: "فالطّواف، وحمل المصحف، ومسه." لقوله ﷺ: "لا يمس القرآن إلا طاهر"، (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة: 79]، واستثنى الشافعية، كما هناك استثناءات عند بعض الأئمة لقراءة القرآن، فالصبي المميز الذي يريد الدراسة، لا يُكلّف بالوضوء، لكن يُستحب أن يُعلّم، ولا يمسك المصحف إلا متوضئًا، ولكن إذا أراد القراءة فيه والدراسة في المصحف وهو مُميز، يجوز له أن يحمله ويمسه ويقرأ على غير طهارة، مادام لم يبلغ، والأفضل يُعلّم أن لا يمس القرآن إلا وهو طاهر.

"وعلى الجنب هذه"؛ أي: من الصلاة، والطواف، ومس المصحف وحمله؛ هذه الأشياء حرام على الجنب وزيادة وهي: قراءة القرآن من دون مس وحمل، لقوله ﷺ: "لا يقرأ القرآن جُنب ولا حائض." قراءة القرآن.. أيضًا استثنوا من ذلك، ما كان يقرأ لأجل التحصن، والتحفظ، والتعوذ، لا بنية التلاوة.

"قراءة القرآن والمكث في المسجد" ولا يجوز للجنب أن يمكث في المسجد، والمكث غير المرور، فالمُرور من دون أن يقف ولا يمكث؛ جائز، ولكن المكث في المسجد حرام على الجنب.

قال: وأيضًا هذه الأشياء الستة، تحرم على الحائض، وتزيد على الحائض والنفساء: هذه الستة المتقدمة، وزيادة الصوم قبل الانقطاع، فلا يجوز لها أن تصوم، وهي حائض أو نفساء، فامتِناعها عن المفطرات بنية الصوم حرام عليها، وكذلك بخلاف إذا كانت نوت وهي حائض أو نفساء وانقطع الحيض والنفساء قبل طلوع الفجر، فإن صومها يصح، وإن كانت النية وقت الحيض ووقت النفاس، وهذا قَد تحتاج له من تعتاد انقطاع حيضها في أثناء الليل، فاحتاج لها أن تجزم النية، ثم إذا طلع الفجر وقد انقطع الحيض، فالنية صحيحة، والصوم صحيح لذلك اليوم.

قال: "الصوم قبل الانقطاع"؛ بمعنى: لو انقطع قبل الفجر، ثم طلع الفجر ولم تغتسل بعد، فالصّوم صحيح.

"وتمكين الزوج من الاستمتاع بما بين سرتها وركبتها يحرم عليها قبل الغسل"؛ بمعنى: لو انقطع دم الحيض، لم يجز لزوجها الاستمتاع بما بين سرتها وركبتها حتى تغتسل أولًا، لقوله تعالى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:221].

 

ومن شروط الصلاة: الطهارة عن النجاسة: 

  • في البدن 
  • والثوب 
  • والمكان
  • والمحمول له

فإن لاقاه نجس أو لاقى ثيابه أو محموله، بطلت صلاته، إلا أن يُلقيه حالًا، أو يكون معفوًا عنه كدم جرْحه.

  • ويجب إزالة نجس لم يُعف عنه، بإزالة العين من طعم ولون وريح بالماء المُطهر.
  • والحكمية يجري الماء عليها.
  • والكلّبية بغسلها سبعًا إحداهن ممزوجة بالتراب الطهور، والمُزيلة للعين وإن تعددت واحدة. 

 

"ويُشترط ورود الماء إن كان قليلًا" هذا في إزالة النجاسة، وكيفية التطهير عن أنواع النجاسات.

وهو كل ما جعل الشارع وجوده مانعًا من صحة الصلاة من المُستقذرات التي تمنع صحة الصلاة فهي النجاسات، النجاسة سواء كانت في البدن من الرأس إلى القدمين، أو في الثوب، وهو كل ما حمله المُصلي، كل ما حمله المُصلي..

فإذا قال: ثوبي طاهر إلا القلم الذي معه فيه نجاسة، وهو حامله، أو الجوّال فيه نجاسة، قال: ثوبي طاهر! ثوبه طاهر، لكن أي شيء تحمله يجب أن يكون طاهر، ما هو شرط قماش ثوب، أي شيء، حتى ساعتك أو نظارتك إذا أنت تُصلي يجب تكون طاهرة، فكل ما حمله المُصلي فهو من ثوبه، يدخل في ثيابه، فلابد أن يكون طاهرًا.

والمكان ما يلاقيه ببدنه، والمحمول له نصّ عليه هنا، فإنهم يريدونه في الغالب، ما عاد يفردونه بالذكر، ويريدون به بالثوب المحمول للإنسان، بل المتصل به اتصالًا خاصًا، حتى لو ربط خيطًا في يده، وطرف الخيط الثاني موضوع على نجاسة بطلت صلاته.

وهكذا يقول: "فإن لاقاه نجس أو لاقى ثيابه أو محموله بطلت صلاته، إلا أن يُلقيه حالًا" في أثناء الصلاة، لقيه نجس، أو لاقى شيء من ثيابه؛ فإن إزالهُ مُباشرةً، ألقاه عنه، من دون أن يحمل النجاسة، عُفيت عنه، وإلا بطلت الصلاة.

النجاسة المعفو عنها مثل اليسير من الدم، أو دم جرحه، وإن كثر -جرحه نفسه- وقد صلى سيدنا عمر -رضي الله عنه- الصبح وجرحه يثعب دمًا، فهذا المعفو عنه ما يضر، ولكن النجاسة غير المعفو عنها إذا لاقاها في الصلاة بطلت صلاته أو صلى وهي فيه.

ويجب إزالة النجس - إن لم يُعَف عنه- وهوبإزالة عين النجاسة، فهو ما لها من جِرم، وفيه طعم، ولون، وريح، فيجب إزالة عين النجاسة، وطعمها، ولونها، وريحها بالماء المُطهر، وكونه بخصوص الماء عند الجمهور.

وقال الحنفية: يُطهّر الشمس، ويُطهّر النار، ويُطهر المائعات إذا أزالت طعم النجاسة ولونها وريحها، وهذه يُقال لها النجاسة العينية، التي لها لون، أو ريح، أو طعم.

فإن كانت حُكمية، لم يبق لها لون، ولا ريح، ولا طعم، ولكنها نجسة حُكمًا، فيكفي رفع النجاسة بجري الماء عليها، مُجرد جَري الماء عليها.

يكفيك جري الماء على الحُكمية *** وأن تُزال العين من عينيه

ثم أنهم أيضًا من الأئمة؛ كالشافعية والحنابلة وغيرهم جعلوا النجاسة مُغلظة ومُخففة ومتوسطة، وجعلوا المُغلظة نجاسة الكلب والخنزير أو أحدهما. ورأى المالكية أن الكلب كغيره من الحيوانات في أصله طاهر، ويتعبد بالتغسيل من ولْوغه "سبعًا" إحداهن بتراب.

قال الشافعية: جميع آثار الكلب، سواء كان ريقه أو دمه أو عرقه وجميع اجزاء جسمه نجسة نجاسة مُغلظة، فإذا لاقت شيئًا من الثياب، والأواني، أو الأبدان، وجب تغسيل ذلك الأواني أو البدن أو الثوب سبعًا، إحداها بتراب، فإذا كانت الملاقاة ببلل، وأما مع الجفاف، فما تنتقل النجاسة.

قال: والكلّبية بغسله سبعًا إحداهن ممزوجة بتراب طهور، فإذا كان عين النجاسة الكلبية موجودة، غسل أول مرة، ولا زالت العين موجودة، ثاني مرة، ثالث مرة، رابع مرة،  زالت العين؛ فالذي يُزيل العين واحدة. قال: أربع! ولكنها تحسب واحدة، إلى أن تزول العين، غسلة واحدة، بعد إزالة العين ست فوقها ترجع سبع، وأنت تصب الماء والعين موجودة!... حتى سبعين مرة فالنجاسة لا زالت موجودة، ولكن التي تُزيل عين النجاسة الكلبية، هذه أول غسلة، ولو كان عشر مرات غسل إلى أن زالت عين النجاسة، نقول: هذه غسلة واحدة، خُذ الثاني والثالث، ومَزج الماء بالتراب أول، ثم صبه على النجاسة، والمُزيل للعين وإن تعددت واحدة.

قال: "وإذا كان الماء قليلًا، فاشترط أن الماء يَرِد على النجاسة."

أما إذا دخل رجله التي فيها النجاسة الكلبية في الماء القليل، صار الماء كله نجس، أعاد ثاني مرة، ما ثاني مرة؟ هو ماء نجس، ثاني مرة يُنجسك إذا دخلت رجلك فيه، وهكذا. فاشترط ورود الماء إن كان قليلًا، أما إن كان الماء كثيرًا، فهو لا يحمل الخبث كما قرأنا، والله أعلم.

نظر الله إلينا ورزقنا طهارة الظاهر وطهارة الباطن، وطهّرنا تطهيرًا، ووهبنا منه خيرًا كبيرًا، ورقّانا مراتب قربه مع الصالحين من عباده ومحبة ووده وحبه، وأعَاذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وبلّغنا فوق آمالنا وكشف الضر عنا، وعن أمة الحبيب الأعظم، ورفع البلايا والآفات عنا وعنهم أجمعين، وجعلنا هُداةً مُهتدين، ودعاة للبر والتقوى، ظافرين بخيراته الكُبرى، سِرّا ونِجوى، واختم لنا يا كريم بالحسنى والرِضى عنا في خير ورِفعة وعافية.

 

بسرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

22 صفَر 1446

تاريخ النشر الميلادي

25 أغسطس 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام