للاستماع إلى الدرس

الدرس الحادي عشر للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ في كتاب: سُلّم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق، للإمام الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر. ضمن دروس الدورة الصيفية الأولى بمعهد الرحمة بالأردن.

( أحكام الربا والبيع )

 صباح السبت 20 صفر 1446هـ 

لتحميل كتاب سلم التوفيق

 pdf: https://omr.to/sullam-pdf 

 

نص الدرس مكتوب:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

من كتاب سُلَّمُ التَّوفيق إلى مَحَبَّةِ اللهِ على التَّحْقِيق للإمام عبد الله بن حسين بن طاهر با علوي رضي الله عنه وعنكم ونفعنا بعلومه وعلوم سائر الصالحين إلى أن قال:

[بابُ المُعامَلاتِ] 

فَصْلٌ [فيما يجب في المعاملات والأنكحةِ]

يجب على كل مسلمٍ مكلّف أن لا يدخل في شيءٍ حتى يعلم ما أحلّ الله تعالى منه وما حرَّم؛ لأن الله سبحانه تعبّدنا بأشياء فلابدَّ من مراعاة ما تعبّدنا به.

وقد أحلَّ الله البيع وحرَّم الرّبا، وقد قيَّد الشرع هذا البيع، المعرَّف بآلة التعريف، بقيودٍ وشروط وأركان لابُدَّ من مراعاتها، فعلى من أراد البيع والشراء أن يتعلّم ذلك، وإلا أكل الرّبا، شاء أم أبى؛ وقد قال رسول الله ﷺ: «التاجر الصَّدُوق يحشر يوم القيامةِ مع الصِّدِّيقين والشهداء» [رواه الترمذي وصححهُ]، وما ذاك إلا لأجل ما يلقاه من مجاهدة نفسه وهواه وقهرهما على إجراءِ العقود على ما أمر الله، وإلا فلا يخفى ما توعّد الله مَن تعدى الحدود، ثم إن بقية العقود، من الإجارة والقِراض والرَّهنِ والوكالةِ والوديعةِ والعاريَّةِ والشركةِ والمساقاةِ وغيرها، كذلك لابدَّ من مراعاة شروطها وأركانها.

وعقد النكاح يحتاج إلى مزيد احتياطٍ وتَثَبُتٍ حذراً مِمَّا يترتَّبُ على فَقْدِ ذلك.

فَصْلٌ [في مَنْهِيّاتٍ مِنَ البُيُوعِ]

  • يَحْرُمُ الرِّبا فعلُهُ وأكلُهُ وأخذُهُ وكتابتُهُ وشهادتُهُ وحيلتُهُ، وهو:
  • بيع أحد النقدين بالآخر نَسِيئَةً.
  • أو بغير تقابض.
  • أو بجنسه كذلك.
  • أو متفاضلاً،
  • والمطعومات بعضها ببعض كذلك،
  • ويحرم بيع ما لم يَقْبِضْهُ
  • واللحم بالحيوان
  • والدَّيْنِ بِالدَّيْنِ
  • وبيع الفُضُوليِّ 
  • وما لم يره 
  • وبيع غير المكلف وعليه.
  • وما لا منفعة فيه 
  • أو لا قدرةَ على تسليمه
  • أو بلا صيغةٍ
  • وبيع ما لا يدخل تحت المِلْكِ كالحُرّ والأرض الموات
  • وبيع المجهول 
  • والنجس، كالكلب وكل مسكِر 
  • ومُحَرَّمٍ كالطنبور
  • ويحرم بيع الشيء الحلال الطاهر على مَنْ تعلم أنه یرید أن يعصي به
  • وبيع الأشياء المُسْكِرَة
  • ولا يصح بيع المُكْرَهِ
  • ويحرم بيع المَعِيبِ بلا إظهارٍ لعيبه
  • ولا تصح قسمة تَرِكَةِ ميِّتٍ، ولا بيع شيء منها، ما لم تُوَفَّ ديونه ووصاياه، وتُخرج أجرة حجةٍ وعمرة إن كانا عليه، إلا أن يُبَاع شيءٌ لقضاء هذه الأشياء، فالتركة كمرهون بذلك.
  • كــرقيقِ جَنَى- ولو بِأخذِ دانِقٍ لا يصح بيعه، حتى يُؤَدَّى ما برقبته، أو يَأذَنَ الغَرِيمُ في بيعه.
  • ويحرم أن يُفَتِّرَ رغبة المشتري أو البائع بعد استقرار الثمن ليبيع عليه أو ليشتريه منه، وبعد العقد في مدة الخِيار أشدُّ.
  • وأن يشتري الطعام وقت الغلاء والحاجة ليحبسه ويبيعه بأغلى.
  • وأن يزيد في سلعةٍ لِيَغُرَّ غيره.
  • وأن يُفَرِّقَ بين الجاريةِ ووَلَدِها قبل التَّمييزِ.
  • وأن يَغُشَّ.
  • أو يخونَ في الكيل والوزن والذَّرعِ والعَدِّ
  • أو يكذبَ
  • وأن يبيع القطن أو غيره من البضائع ويُقرِضَ المُشتَرِيَ معه دراهم ويزيد في ثمن تلك البضاعة لأجل القرض
  • وأن يُقرِضَ الحائك أو غيره من الأُجَرَاء ويستخدمه بأقل من أجرة المِثلِ لأجل ذلك القرض، ويسمون ذلك الرَّبْطَةَ
  • وأن يُقرِضَ الحرَّاثين إلى وقت الحصاد، ثم يبيعون عليه طعامهم بِأَوضَعَ من السعر قليلاً، ويسمون ذلك المَقْضيَّ.

وكذا جملة من معاملات أهل هذا الزمان -أو أكثرها- خارجةٌ عن قانون الشرع.

فعلى مرید رضا ربه، وسلامة دينه ودنياه، أن يتعلم ما يَحِلُّ وما يَحرُمُ، من عالمٍ، ورعٍ، ناصحٍ، شفيقٍ، على دينه؛ فإنَّ طَلَبَ الحلالِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ.

 

الحمدُ لله الذي يملأ قلوبَ مَن شاءَ بحقائقِ الإيمان، فيصدُر عنهم حُسنُ المراقبةِ لهُ في السرِّ والإعلان، فينتظِمون في سِلْكِ العملِ بما أوحى إلى نبيِّه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم في السرِّ وفي الإعلان. لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الخالقُ الكريمُ المنَّان. أرسلَ إلينا عبدَه المصطفى محمدًا سيِّدَ الإنسِ والجان، وسيِّدَ جميعِ الأكوانِ، مَن أُنزِلَ عليه القرآن، وجعلَنا به خيرَ أمةٍ أُخرِجَت للناس، وأقامَ لنا به الأساس، فصلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم يا ربنا على عبدك الهادي إليك والدال عليك، المُجتبى المختار، سيِّدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وأهل محبته ومتابعته وقربه، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك ورُسلك وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقرَّبين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

يبين لنا الشيخ -عليه رحمة الله- واجبَ الاحتكامِ لشرع الله، وتحقيقَ الإيمانِ بالعمل بمنهج الرحمن -جلَّ جلاله- في معاملاتنا كلها، وأن لا نزيغَ في بيعٍ ولا شراءٍ، ولا قرضٍ ولا قِراضٍ، ولا هِبةٍ ولا شركةٍ، ولا إجارةٍ ولا مُساقاةٍ، ولا غير ذلك من أنواع العقود عن منهجه الذي ارتضاه لنا سبحانه وتعالى، وأن لا نُمَكِّنَ لأنفسنا ولا لأحدٍ من الخلق أن يتعدَّى فيُزاحمَ الحق في تحليل شيء مما حرَّم، أو تحريم شيء مما أحلَّ، فالأمرُ أمرُه، والملك ملكه، وله حقُّ الأمر والنهي والتحليل والتحريم: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النحل:116-117] -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.

وهذا أمرٌ مهمٌّ فيه تحقيقُ الإسلام، وتحقيقُ الإيمانِ من المؤمن بأن يقيم أعمالَه ومعاملاتِه كلّها على موجب شرع الله، ومنهج الله -سبحانه وتعالى- الذي ارتضاه لعباده وارتضاه لبراياه، فلا يتقدَّمُ على نظام الله نظامُ شرقٍ ولا غربٍ، ولا دولٍ وحكوماتٍ ولا شعوبٍ، ولا هيئاتٍ ولا وزاراتٍ ولا جماعاتٍ، الله أعلمُ بخلقه وبمصالحِ خلقه وبخيرِ خلقه، وبضرِّ خلقه وبنفع خلقه، هو الأعلم من غير ما شَكَّ: (قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) [البقرة:140].

ولذلك قال: ""جب على كلِّ مسلمٍ مكلَّفٍ أن لا يدخل في شيءٍ حتى يعلمَ ما أحلَّ الله تعالى منه وما حرَّم" من ذلك الشيء؛ لأن الله سبحانه تعبَّدَنا بأشياءَ فلابدَّ من مراعاةِ ما تعبَّدنا به، أي: جعل فيه إقامةَ عبوديتِنا وتحقيقَ العبادة له -سبحانه وتعالى-.

"وقد أحلَّ الله البيع وحرَّمَ الرِّبا" (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) [البقرة:275]، كما نصَّ عليه في القرآن؛ ولذلك كان إنكارُ تحليل البيع كُفرًا، وإنكارُ تحريم الربا كُفرًا، فمن اعتقد أنَّ الربا حلالٌ كفَرَ لأن الله نصَّ على تحريمه في كتابه، ومن اعتقد أن البيع حرامٌ فقد كفر -والعياذ بالله تعالى- لأن الله نصَّ على حِلِّه في كتابه.

"وقد قيَّد الشرع هذا البيع، المُعرَّفَ بآلة التعريف" لم يقل وقد أحلَّ الله أيَّ بيعٍ، ولكن البيعَ المستجمِعَ للشروط على حسب النظام الذي أنزله وبيَّنه على لسانِ رسولِه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، وبذلك كان يقول سيدنا عمر: "مَن لم يَتفقَّه في ديننا، فلا يَبِعْ في سوقنا".

وهكذا قال: "فعلى من أراد البيعَ والشراءَ أن يتعلَّمَ ذلك، وإلا أكلَ الرِّبا، شاءَ أم أبى"، كما قالوا. مَن دخل السوقَ وتعاملَ فيها، ولم يتفقَّهْ في الدين فقد ارتطَمَ في الرِّبا، ثم ارتطم. ولهذا وجبَ التفقُّهُ في دين الله تعالى في المعاملات.

قال رسول الله ﷺ: "التاجر الصَّدُوق - وفي رواية: "المسلم الصدوق" - يُحشَر يوم القيامةِ مع الصِّدِّيقين والشهداء". قال: وما ذاك إلا لأجل ما يلقاه من مجاهدة نفسه وهواه، وقهر نفسه وهواه على إجراءِ العقود بما أمر الله تبارك وتعالى. 

فقد يتخيل أن وجود الفائدة والربح له قد تكون في غير ذلك، ولكنه لا يرضى إلا بمطابقة شرع الله -تبارك وتعالى-، ولهذا يكون مع الشهداء، ومع الصديقين يوم القيامة. "التاجر الصدوق المسلم" في رواية: "يُحشَرُ مَعَ النَّبِيِّينَ، والصِّدِّيقِينَ، والشُّهَدَاءِ يَومَ القِيَامَةِ". 

بخلاف من لا يبالي، فقد جاء فيهم: "خَسِروا وربِّ الكَعْبةِ، خَسِروا وربِّ الكَعْبةِ". فقال سيدنا أبو ذر: فمن هم؟" قال: "هُمُ الأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَبَرَّ وَصَدَقَ". وفيهم أيضًا جاء: "التُّجَّارُ هُمُ الْفُجَّارُ". ولكن هؤلاء التجار المخلصون الصادقون هم الذين ترتقي درجاتهم حتى يُحشَروا مع الصديقين والشهداء؛ وقال إنهم يقيمون أمر الله -تبارك وتعالى-، وإلا فلا يخفى ما توعَّد الله به مَن تعدَّى الحدود.

أما بقية العقود، مثل: الإجارة والقِراض والرَّهنِ والوكالةِ والوديعةِ والعاريَّةِ والشركةِ والمساقاةِ وغيرها، فقد جعل الشارع لها شروطًا وأركانًا، فلابدَّ من مراعاتها. 

قال؛ "وعقد النكاح يحتاج إلى مزيد احتياطٍ وتَثَبُتٍ" حتى يكونَ صحيحًا على جميع مذاهب المعتبرين في الدين، لأن فيه استحلال البِضع، قال ﷺ: "استحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ الله". فلا بدَّ من الاحتياط في ذلك؛ لأن عليه يترتب النسب، فلا يُجرَى عقد النكاح إلا على الصحة وعلى اتفاق. وقد كانوا يحتاطون في الأموال والأبضاع ما لا يحتاطون في غيرها من الأبواب، وهذا مسلك السلف الصالح -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-، رزقنا الله مشابهتهم.

هكذا يُبيِّن -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في هذا الفصل ما أُجمِعَ عليه من تحريم الربا، فقد قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) وأنكر على الذين يقولون: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا)، قال: كيف يكون مثله وأنا أحللت هذا وحرَّمت هذا؟ فلا مجال لقياس الأفكار ولا العقول في هذا؛ ما حرَّم الله فهو الخبيث القبيح المحرَّم، وما أحلَّ فهو الطيب الحلال.

قال: وأحلّ الله البيع، بل جاء التوعُّد بالحرب -والعياذ بالله تعالى- بهذا اللفظ، ولم يأتِ التوعُّد بالحرب من الله إلا على اثنين:

  • آكل الربا
  • ومعادي الأولياء

وآكل الربا في الكتاب العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة:278] -والعياذ بالله تعالى- حربٌ من الله! كيف تساهلوا فيه ونشروه ووصّلوه إلى كل محل، حتى إلى جانب الحرمين الشريفين وإلى غيرها! لا إله إلا الله.. 

وصحَّ ما قال لَنَا مُحَدِّثًا مُنَبِّهًا: "يَأْتِي على الناسِ زمانٌ لا يَبْقَى فيه أهل بيتٍ إلَّا أكلُوا من الرِّبا، فمنْ لمْ يَأكلْهُ، أصابَهُ من غُبارِهِ". وهذا الغبار أصابنا وانتشر بين المسلمين، ولكن بقي الفرق بين من يبالي ومن لا يبالي، ومن يقصد ذلك ومن يتجنَّب ما استطاع، فرقٌ بينهم عند الله -تبارك وتعالى- حتى يأذن الله بصلاح الحال، وترتفع هذه الأنظمة الخبيثة الكفرية؛ أنظمة شيء اسمها اشتراكي وشيء رأسمالي، لَعِبوا علينا فيه كفار من الشرق والغرب؛ لا خلقونا، ولا خلقوا أرزاقنا، ولا لهم حق في تحريم ولا تحليل، وعطَّلنا منهج الله من أجلهم.

وفينا من وقع -والعياذ بالله- في الردّة بأن اعتقد أن نظامهم أحسن -والعياذ بالله-. وقد فشلت الاشتراكية وفشلت الرأسمالية، كلهم وفي أنظمتهم هذه أتعبوا أنفسهم، وأتعبوا من اتَّبعهم، ولم يصلوا إلى حقيقة استقرار، ولا طمأنينة، ولا صلاح للأحوال. دفع الله شرّهم وأصلح أحوال المسلمين.

قال: "يَحْرُمُ الرِّبا" وفي الحديث: "لَعَنَ الله الرِّبَا، وآكِلَه وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ"، كلهم واقعون في اللعنة -والعياذ بالله تعالى-، "فعلُهُ وأكلُهُ وأخذُهُ وكتابتُهُ وشهادتُهُ وحيلتُهُ"؛ فالتَّحيُّل للوصول للربا بأي طريقة، وكلُّها محرمات.

قال: "وهو: 

  •  بيع أحد النقدين بالآخر نَسِيئَةً
  • أو بغير تقابض
  • أو بجنسه كذلك
  • أو متفاضلاً"

أشار إلى أقسام الربا، وما يكون نسيئة، وما يكون رِبا الفضل -إذا كان من جنس واحد- وقد جاء في الحديث الذي ذكره ﷺ: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير"، فذكر أصنافًا ﷺ؛ أربعة من الطعام، والذهب والفضة -وهما النقدان-؛ ومن هنا أخذ أهل الفقه في الدين عِلَّة الربا، لماذا حُرِّمت هذه، وجُعل فيها الربا؟

  • فمِنْ قائلٍ إن العلَّة في ذلك- في كونها ربويّة- هي النقدية والطعمية كما هو مذهب الشافعية، فقالوا: يكون الربا في النقدين وفي كلِّ مطعوم. 
  • وقال آخرون إن العلَّة في ذلك هي الكيل والوزن كما قال الحنفية؛ إذ قالوا: كل ما يُكال ويُوزن فيه الربا، يعني إذا كان من جنسٍ واحد، فلابد من التماثل، وإن كان من جنسين، جاز التفاضل، ولكن يجب التقابض في الحال ولا يصح بالنسيئة.
  • وقال أيضًا المالكية: أن العلَّة هي في الاقتيات، في الأنواع التي ذكرها النبي ﷺ من المطعومات، لأنها قوُت الناس، فكل ما أُعدَّ قوتًا أو مهيَّأ للقوت، مثل الملح عندهم، يكون فيه الربا؛ فيكون الربا في كل ما هو قوت أو ما يُهيأ للقوت. 

ومنهم من جعل العلَّة الكيل والوزن؛ فقال كل ما يُكال ويُوزن كأصحاب مذهب الحنفية، وقالوا العبرة بما كان يُكال في وقته ﷺ، ولا عبرة بتغيير الحال، وما يُوزن في وقته ﷺ. 

وأما ما لم يكن في وقته معلوم كيله ولا وزنه في وقته، فبحسب عُرف أهل كل بلد؛ إن كان يُكال أو يُوزن، فما يُكال لا يجوز أن يُباع وزنًا، وما يُوزن لا يجوز أن يُباع كيلًا، بل يُتَّبع فيه السنة؛ وهذا هو مذهب الحنفية.

وقال الشافعية -وهي الرواية المعتمدة عند الإمام أحمد بن حنبل، وله روايات ثلاث- إن العلَّة هي الطعْمية، فكل مطعومٍ يقع فيه الربا؛ فلا يجوز أن يُباع بأقل ولا أن يُتفرق قبل التقابض، فإن كان من جنس واحد وجب التماثل؛ وزنًا بوزن، وكيلًا بكيل، فلا يزيد هذا على ذاك. بمعنى أنه إذا باع تمرًا بتمر، لابد أن يكون متماثلًا في كيله، وكذلك إذا باع بُرًا ببُرٍّ أو شعيرًا بشعير، أو ذهبًا بذهب أو فضة بفضة.

فإن اختلفت الأجناس.. اختلف، حتى إذا وقع لبن بقر بلبن غنم؛ هو لبن ولكنهما جنسان مختلفان. يرى المالكية أن هذا جنس، وهذا جنس آخر، فأباحوا التفاضل، ولكن لابد من التقابض في الحال، ولا يكون نسيئة ولا يكون بتفرُّق قبل التقابض.

فالخلاصة، كما هو عند الشافعية: أن الربا يرجع إلى أربعة أنواع: 

  • ربا الفضل 
  • وربا النسيئة 
  • وربا اليد 
  • وربا القرض

ربا الفضل والنسيئة واليد يأتي في المطعومات والنقدين، فما كان من نقد فبنقد، وتفصيل ذلك كالتالي:

  • إن اختلف الجنس جاز التفاضل ووجب أن يتم البيع حالًا وأن يتقابضا في المجلس قبل التفرُّق، فإن باعا بأقلِّ فهو ربا النسيئة
  • وإن تم البيع حاضرًا ولكن تفرَّقا قبل قبض أحدهما بالثمن أو المثمَن، فهو رِبا يد.
  • وإن كان من جنس واحد فلابد من التساوي، فإن زاد أحدهما فهو ربا الفضل.
  • أما ربا القرض فضابطه ما ورد: "كل قرضٍ جرَّ منفعة فهو ربا".

ويقول: بيع أحد النقدين بالآخر نَسِيئةً، أو بغير تقابض، في المجلس يبيعه حال ولكن لا يتقابضون، أو بجنسه كذلك نسيئةً أو بغير تفاضل، ويزيد إذا كان من نفس الجنس، والمطعومات بعضها ببعضٍ كذلك.

"ويحرم بيع ما لم يُقبضه"، وما لن يقبضه، فإذا اشترى من إنسان أي بضاعة كانتً بثمنها، ولكن قبل أن يقبضها قال سأبيعها على آخر، فلا يجوز له أن يبيعها على آخر قبل أن يقبضها  لما جاء من نهي النبي ﷺ عن بيع المبيع قبل قبضه.

وكذلك بيع "اللحم بالحيوان"، فهو عند عامة الفقهاء حرام.

ولا يجوز "بيع الدَّيْن بالدَّيْن، وبيع الفضولي"، وهو من يبيع حق الغير دون توكيل أو إذن، ففي بيعُ الفضولي:

  • إن أجاز المالك البيع صح. 
  • وإن لم يجُز البيع فهو باطل.

"ومالم يرياهُ" أن يتبايعا في بضاعة معينة، لم يسبق لهما فيها الرؤية؛ ما لم يرَياه.

"وبيع غير المكلَّف وعليه" فهذا المعتمد عند الشافعية أنَّ بيع الصبيان لا يصح، ولا بدَّ أن يكون البائع بالغًا عاقلًا، فلا يبيع للصبي، ولا يشتري من الصبي، وفيه خلاف.

"وما لا منفعة فيه"؛ يبيع ما لا منفعة فيه، يبيع حشرات، يبيع قليلًا من تراب أو قليلا من رمل لا يُنتَفَع به."وما لا منفعة فيه". 

"أو لا قدرةَ على تسليمه"؛ مغصوب عليه بيد ظالم ويريد بيعه؛ تريد بيع شيء لا تستطيع تسليمه!

"أو بلا صيغةٍ" يقول: خذ الفلوس هذه، وخذ البضاعة من دون لفظ "بِعتُكَ" أو اشتريت أو شيء من هذا، إلا ما يسمى بيع المعاطاة، إذا حصل التراضي، الأصل فيه قوله ﷺ: "إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ" وقول الله تعالى: (إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) [النساء:29].

"وبيع ما لا يدخل تحت المِلْكِ"؛ شيء ليس في ملكه، غير بيع الفضول، مثاله: يأخذ حرًّا يبيعه وهو غير مملوك. 

"والأرض الموات"؛ لا بنى فيها ولا تَمَلَّكها بشيء من حيازتها، ثم ذهب يبيعها، يقول: أتشتري هذا المكان؟ هو ملكك؟ أنت ملكته؟! مَوات هذا مباح لمن أحياه، ولمن قام به فله الحق، فلا يجوز واحد يتسلّط ويبيعه، لأنه ليس في ملكه.

قال: "وبيع المجهول، والنجس كالكلب" فإذا كان الكلب معلَّمّ ويحتاجونه لحراسة، أو لصيد كيف يعملون به؟ يقول: 

  • النجس ما يصح بيعه عند الشافعية؛ هو نجس ما يصح بيعه. 
  • لكن عند المالكية طاهر، فإذا قالوا بنجاسته، فلا يصح البيع.

يقول: أنا لن أعطيك كلْبي -كلْبي للحراسة- إلا أن يصادفه ويقول: سأعطيك إياه مجّانًا، والذي له اليد هو المُقدَّم عليه، لا يجوز واحد ثاني يأخذه، فكيف يعطيه واحد ثاني لكن يريد مقابل؟

قال الشافعية: إنه يرفع؛ وهذا اختصاص وليس بِمِلْك، يقولون له اختصاص، ولكن الذي تحت قبضته له اليد، فيجوز أن يرفع يده عنه بمقابل هو فقط أخرجه من لفظ البيع فقال: فقط يرفع يده عنه بمقابل هذا، يقول: رفعتُ يدي عن هذا الاختصاص، يصفه بمقابل كذا وكذا، ويعطيه مقابل ويرفع يده عنه، يعني يُخلّي بينه وبينه، ليس ببيع، ليس بطريقة البيع.

 وكذلك إذا كان شيء من النجاسات مثل: السماد -يستعمل من أجل الزراعة- إذا كان من أجل الزراعة، فكذلك بطريقة رفع اليد، هذا الشخص سماده معه وذاك سيأخذه، لا يجوز له أن يأخذه، كيف يأخذه وهو تحت يد هذا؟ لا يجوز، قال: سنشتريه، يقول: لا يصح البيع، يقول ماذا نفعل؟ فيرفع يده بمقابل.

" وكل مسكر، ومُحَرَّمٍ كالطنبور" الطنبور والمزمار ورَدَ فيهما النص من آلات اللهو، فَلَا يجوز بيع مزمار ولا طنبور.

غير الطنبور والمزمار؛ الآلات الأخرى يأتي فيه نظر المجتهدين. 

  • فما صحّ فيه النَص فلا اجتهاد مع النَص. 
  • وما لم يأتِ فيه النَص فهو محل نظر المجتهدين، ما بين من يُحِلُّ أو يُحَرِّم.

"ويحرم بيع الشيء الحلال الطاهر"؛ يعني: جمعَ الشروط لكن "على مَنْ تعْلم أنه یرید أن يعصي" ربه "به" فإذا ظهرت لك العلامة فلا تتعلل بأنه (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) [البقرة:275] أحلَّ الله البيع في طاعته وليس في معصيته، مثل: من يبيع السيف لقاطع الطريق، يبيع سلاحًا على من يقطع الطريق، أو على من يقاتل المسلمين، وعلى من يتقاتل مع بني عمه، أو مع جيرانه ويبيع السلاح عليه، لماذا تفعل كذا؟  (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) ألا تدري أنَّ هذا يستعمله في مقاتلة أقاربه، ومقاتلة جيرانه، ومقاتلة المسلمين؟! لا يجوز تكون عون له، لا أحلَّ الله البيع في هذا، أحلَّ الله البيع بشروطه وبضوابطه، وهكذا.

 حتى لو يبيع العنب على من يعلم أنَّه سيعصره خمرًا، فإذا ظهرت لك العلامة، حرام تبيع عليه، اذهب إلى أحد ثاني، لا تبعِه على هذا لأنك تكون شريكًا له، مُعينًا له على المعصية، فمن علمتَ أنه يستعمل ما يشتري منك في معصية الله فلا تبع عليه، ومن لم تعلم فكلٌّ عليه إثمه، ولكن إذا ظهرت العلامة حرُم عليك على من تعلم أنَّه يريد أن يعصي به.

"ولا يصح بيع المُكْرَهِ" فَإِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ.

"ويحرم بيع المَعِيبِ بلا إظهارٍ لعيبه"؛ من أي بضاعة كانت، ولكن فيها عيب، يجب أن يبيّن العيب قبل البيع.

 ولمَّا أرسل الإمام أبو حنيفة إلى وكيله؛ ثلاثمائة حُلّة، قال: أن في واحدة منها عيب، فأرسل إليه: احذر أن تبيعها، حتى تبيّن للمشتري عيبها -فيها العيب الفلاني-، فصادف أنَّ الوكيل وجد من يشتريها كلها دفعة واحدة فباعها، جاءت بربح جيد، فكتب إلى الإمام: أننا بعناها بكذا وكذا، وربحنا فيها كذا، فأرسل إليه: هل بيَّنتَ العيب الذي في الحلة الفلانية؟ وكتب إليه قال: أنني بعتها دفعة واحدة ونسيت لم أبيّن له -واحدة فقط من بين ثلاثمائة فيها العيب- فكتب إليه: جميع ثمنها وربح الثلاثمائة كلها افصلها عن مالي وعن تجارتي وتصدق بها، ليس ثمن حلة واحدة، ولكن ثمن الثلاثمائة كلها!، قال: أبعدها، لأنك بعتها دفعة واحدة ودخل هذا فيها، فأبْعدها من مالي وأخرجها، ولا تضعها فوق رأس مالي، وتصدق بها من أولها إلى آخرها؛ فهذا ورع أبي حنيفة -عليه رحمة الله تعالى- لا إله إلا الله!..

 فلابدَّ من بيان العيب، ولذا يثبت الخيار لمن باع شيء معيب ولم يبيّنه، ولمَّا ذهب صاحبه ليستعمله وجد فيه العيب، يردّه إليه مباشرة ويلزمه قبوله؛ لأنَّه قَصَّر في عدم بيان العيب.

"ولا تصح قسمة تَرِكَةِ ميِّتٍ، ولا بيع شيء منها" ولا التصرف فيها للوَرَثَة "ما لم تُوَفَّ ديونه ووصاياه"؛ لأن الله كلما ذكر الإرث في القرآن، قال: (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) أولًا تُخرِج الدين والوصية ثم قسِّم التركة، وما دام عليه دين، أو له وصايا بثلث ماله فما دون ذلك لأي أحد من غير الورثة، فلا يجوز للورثة أن يتصرفوا في المال حتى يُخْرِجوا الوصية، ويُخرج الدين.

ولكن إذا كانت التركة واسعة، فاختلفوا في وجوب الترتيب هذا:

  • لأنَّ أول شيء يُخرَج من تركة الميت ما تعلَّق بعين التركة، مثل: 
    • مال قد وجبت فيه زكاة، ولم يخرج زكاته بعد، فمات؛ لا يجوز التصرف في شيء من هذا المال الذي يجب فيه الزكاة ولا ذرة منه، إلا أن تخرج الزكاة أولًا، لأنها تعلّقت بعين هذا المال زكاة.
    •  أو كان شيء مرهون؛ عنده رهن، فهذا حق للراهن متعلق بعين التركة، فلا يجوز التصرف في هذا حتى يُفَكَّ الرهن، لأنَّه حق متعلق بعين التركة؛ هذا الأول.
  • الثاني: مُؤن التجهيز بالمعروف؛ مؤن تجهيز الميت من تغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه، ما يتعلق من المؤن بالتغسيل، والتكفين، وحفر القبر وما إلى ذلك؛ هذا الحق الثاني.
  • الحق الثالث: الدين؛ الديون المرسلة في الذمة.
  • ثم بعد ذلك: الوصية بالثلث فما دونه لأجنبي، الثلث لأجنبي أي: لغير وارث -بالثلث فما دونه- ما زاد على الثلث ما يصح إلا برضى الورثة، الوصية لأجنبي ما تصح.

وقيل: تحرم كما هو عند الإمام أحمد بن حنبل، وإن كانت تتوقف على إجازة بقية الورثة، ثم بعد الديون المرسلة؛ الوصية.

ثم بعد الوصية الإرث، الآن يأتي الإرث، والدَّيْن يُقَدَّم قبل الوصية، وقال: وإنَّما قُدِّمَ في الآية اعتناءً به لأن النفوس تشحّ به، تشحّ بالوصية دون الدين، لأن الدين فيه مقابل والوصية من دون مقابل فتشح بها النفوس، فقدمها في الذكر، وإلا في التقسيم بدأ ﷺ بالدَّيْن قبل الوصية؛ إخراج الدَّيْن أولًا ثم الوصية.

والحق الخامس: الإرث، ما يمكن تهدم الأربعة كلها وتقوم تأخذ الإرث.

  •  أولًا: الحق المتعلق بعين التركة
  • ثم حق مؤن التجهيز بالمعروف
  • ثم الديون المرسلة في الذمة
  • ثم الوصية
  • ثم الإرث

هذه الديون المرسلة، ثم الوصية، ثم الإرث، على هذا الترتيب.

يقول: "ولا تصح قسمة تَرِكَةِ ميِّتٍ، ولا بيع شيء منها، ما لم تُوَفَّ ديونه ووصاياه، وتُخرج أجرة حجّة وعمرة إن كانا عليه"؛ لأنَّه من الديون المرسلة في الذمة، "إلا أن يُبَاع شيءٌ لقضاء هذه الأشياء" نعم يجوز، يصح، "فالتركة كمرهون" مثل رهن.

قال: "كــرقيقِ جَنَى ولو بِأخذِ دانِقٍ، لا يصح بيعه"؛ لأنَّه تعلَّقت بحقه جناية، فيُخرِج أولًا الحق المتعلق بالجناية، لا يصح بيعه، "حتى يُؤَدَّى ما برقبته، أو يَأذَنَ الغَرِيمُ" المجني عليه "في بيعه".

"ويحرم أن يُفَتِّرَ رغبة المشتري أو البائع" بعد أن يستقر الثمن ويتفقون يقول للمشتري: أنا سأعطيك مثل هذه البضاعة، سأعطيك بأرخص من هذا، أو سأعطيك أحسن منها بنفس السعر، ويجعله يتراجع عن البيعة مع هذا ويأتي لعنده؛ هذا البيع على بيع أخيه.

أو بالعكس؛ شراء على شراء أخيه؛ اتفق هو وإياه ليبيعه، جاء إلى البائع يقول له: أنا سأشتريها منك بأكثر من هذا الثمن، سأعطيك ثمنًا أكثر، كذا كذا، فيفسخ البيع مع ذاك من أجل أن يبيع على هذا، فهذا شراء على شراء أخيه.

فلا يجوز البيع على بيع أخيه، ولا الشراء على شراء أخيه؛ إذا استقر الثمن بينهم واتفقوا حرام تتدخل، دعهم يتبايعون، اذهب أنت واشتريها من الثاني، الذي اشتراها اذهب وتبايع أنت وإياه، وأمَّا تجيء إلى عند البائع نفسه الأول من أجل أن يفسخ.

فإذا طلب من البائع فسخ البيع ليشتريه منه بأكثر من الثمن، أو طلب من المشتري أن يفسخ شراءه ليبيعه مثلها بأقل من الثمن، أو أحسن منها بنفس الثمن فهذا حرام، لأنه بيع على بيع أخيه، وشراء على شراء أخيه.

مثل: الخطبة على خطبة أخيه؛ تقدَّم واحد يريد أن يتزوج عند ناس ووافقوا، بعد أن وافقوا، جاء يقول: أنا معي لكم رجل أحسن من هذا، يخطب عندهم، حرام عليك!! قد اتفقوا مع واحد سيزوجونه ابنتهم فلا يجوز لك، بخلاف إذا لم يعلم أنَّها مخطوبة يجوز، وأمَّا بالنسبة لأولياء المخطوبة لهم الحق إذا جاء ثاني أو ثالث لهم الحق أن ينتقلوا إلى هذا، من يرونه أكفأ ولا إثم عليهم، لكن الإثم على من يخطب على خطبة أخيه.

قال: "ويحرم أن يُفَتِّرَ رغبة المشتري أو البائع بعد استقرار الثمن ليبيع عليه أو ليشتريه منه، وبعد العقد في مدة الخِيار أشدُّ" لو أنَّ بينهم خِيار مدة ثلاثة أيام، فيذهب وقت الخيار؛ إمَّا عند المشتري، يقول له: أعدْهُ، سنأتي لك بأحسن من هذا بنفس الثمن، أو أكثر منه بنفس الثمن، أو مثله بأقل من هذا الثمن، ما دمتَ في الخيار أعدْهُ، هذا أعظم، أو يذهب عند البائع، يقول: ما دام لك الخيار أرجع بضاعتك أنا سأشتريها منك بثمن أكثر.

قال: "في مدة الخِيار أشدُّ، وأن يشتري الطعام وقت الغلاء والحاجة" والناس محتاجين إليه ويؤخره من أجل أن يبيعه بأغلى؛ هذا يسمونه احتكار، والمحتكِر ملعون، قال ﷺ: "مَنِ احْتَكَرَ الطَّعَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ، لَمْ تَكُنْ صَدَقَتُهُ بِه كَفَّارَةً لَهُ عَنْ إِثْمِ احْتِكَارِهِ"، ما دام الناس محتاجين إليه وأنت تؤخره عنهم لأنك تريده أغلى هذا احتكار، بخلاف ما لم يحتج الناس إليه أو كان رخيصًا، فأخّرهُ ليجد وقتًا يأتي له بثمن أكثر، مع غير حاجة الناس إليه ومع رُخْصه فلا يجوز، أما أن يبيعه في وقت حاجة الناس إليه ولو من أجل أن يبيعه بثمن أكثر، يؤخره يعني يحبسه، فهذا هو الاحتكار، قيل: إنَّه مختص بالمطعومات، وقيل إنَّه في كل ما يحتاج إليه الناس.

"وأن يزيد في سلعةٍ لِيَغُرَّ غيره"؛ يعني: يزيد الثمن وهو ما قصده يشتري، إلا من أجل يشتريها الثاني بثمن أكثر، سواءً كان باتفاق مع البائع، أو من غير اتفاق؛ اتفق مع البائع قال: أنا سأزيد لك الأثمان من أجل الناس يشترون منك غالي وتعطينا نسبة، ويأتي في بيعه ويقول أنا سأشتريه منك بكذا، كذا، كذا، -كذاب- لن يشتريها، إلا من أجل الثاني يرغب فيها بهذا الثمن؛ هذا يسمى النَّجِش: أن يزيد في السلعة لا ليشتريها، لكن ليغرَّ غيره، هذا النجش، ولو من غير اتفاق مع البائع، هو فقط كذا ، يمزح معهم، يقول: أنا سأشتريها بكذا، كذا، كذاب لن يشتريها، هو يعلم أن ثمنها أقل، من أجل الثاني يرغب، يقول: لا، لا، أنا أريد هذه الأرض، دعه يبيعها عليه، فهذا أيضًا حرام، لأنه فيه تغرير، فيه كذب، يسمى النَّجِش: يزيد في الثمن لا لرغبة في الشراء لكن ليغرَّ الغير، وتحسب رب الخلق تركهم همل؟!! فوقهم رب يحاسب، ما ترك عباده -سبحانه وتعالى- مهملين.

إذا زاد السعر وكان برغبة فيه، أنه صدق سيشتري ما عليه شيء، وأمَّا لا، فقط من أجل أن يرفع الثمن إثم، حرام، ما يجوز.


"وأن يُفَرِّقَ بين الجاريةِ ووَلَدِها قبل التَّمييزِ"؛ يبيعها على واحد ويترك ولدها، أو يبيع ولدها، وهي لا، لا يجوز؛ يبيعهم معًا أو يتركهم معًا، اترك للجارية ولدها.

"وأن يَغُشَّ، أو يخونَ في الكيل والوزن والذَّرعِ والعَدِّ" وأول آية نزلت بعد هجرته ﷺ آية: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) [المطففين:1-5].

"أو يكذبَ، وأن يبيع العُطُب"، "القُطن" هذا نوع من الصوف منفوش "أو غيره من البضائع" ولكن مع البيع يعطيه إياه ويقرضه، "ويُقرِضَ المُشتَرِيَ معه دراهم" فما دام أقرضه يزيد في ثمن البضاعة، لماذا؟ لأنَّي أقرضته، وإن كان أقرضته تزيد عليه في ثمن البضاعة، البضاعة تبيعها عليه مثل ما تبيع على غيره! قال: أنا أعطيته دين، سواءً أعطيته دَيْن أوغير دَين، تعطيه دين وبعد ذلك تزيد عليه ثمنًا، حرام، لأن "كلُّ قرضٍ جَرَّ منفعةً فهو ربا".

"وأن يُقرِضَ الحائك"؛ الحائك الذي يصنع الثياب "أو غيره من الأُجَرَاء"؛ أي مُستأجر كان يستأجر فيعطيه قرضًا من عنده محتاج إليه، يقول: تمام، لكن تشتغل عندي، تعال أخيِّط لك الثياب، أو تشتغل عندي في نظافة البيت أو كذا، لكن بأجرة أقل، يقول: أنا سأعطيك المال الذي تريده قرض، ولكن انظر تشتغل عندي بأجرة كذا كذا، نقَّص على أجرة المثل، المُعتاد عليه، لأنَّه أقرضه، فهذا قرض جرَّ منفعة ما يجوز، بسبب أنه أقرضه يُنقص عليه في الأجرة!!

لهذا كانوا يحترزون، إذا جاء واحد اقترض منهم قرض لا يرضى يحمل له متاعه إلى البيت، يقول: لا يكون هذا منفعة، يحتاطون حتى لو كان يعتاد يحمل له متاعه يقول له: لا، لا، أنت الآن لي قرض عندك، لا تخدمني ولا تصنع شيء حتى تؤدي القرض، لهذا قال: لو جاء يَقترض عنده قال: سأعطيك القرض هذا لكن أسمع، تأخذ الولد مع ولدك المدرسة كل يوم تمرُّ عليه، قال: مرحبًا، مقابل ماذا؟ لأنك أقرضته؟! هذا قرض جرّ منفعة، حرام عليك، أردته يأخذ ولدك المدرسة أعطه أجرته مثل غيره، أما لأنك أقرضته يأخذ ولدك المدرسة!! هذا مقابل القرض الذي أعطيته، فـ "كلُّ قرضٍ جَرَّ منفعةً فهو ربا".

"وأن يُقرِضَ الحرَّاثين إلى وقت الحصاد،" المزارعين "ثم يبيعون عليه طعامهم بِأَوضَعَ من السعر قليلاً، ويسمون ذلك المُقْتضى." بسبب القرض.

"وكذا كل جملة من معاملات أهل هذا الزمان -أو أكثرها- خارجةٌ عن قانون الشرع، فعلى مرید رضا ربه، وسلامة دينه ودنياه، أن يتعلم ما يَحِلُّ وما يَحرُمُ، من عالمٍ، ورعٍ، ناصحٍ، شفيقٍ، على دينه؛ فإنَّ طَلَبَ الحلالِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ." هؤلاء الناصحون لعباد الله.

رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنا بالبر والمنن والمواهب والكرامة، وكان لنا بما هو أهله في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة، وجمعنا في دار المُقَامَة مع المظلل بالغمامة من غير سابقة عذاب ولا عتاب، بلا فتنة ولا حساب.

اللهم بما بينك وبينه لا تُفرّق بيننا وبينه، وبما بينك وبينه ارزقنا رضاك ورضاه الأكبر، وتولَّنا به فيما بطن وفيما ظهر، وعجّل تفريج كروب أمته، واجعلنا في خيار أمته، وأبرك أمّته على أمته، وانفعنا بأمته عامة وبخاصّتهم خاصة.

بسرِ الفاتحة 

وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه

الفاتحة

 

تاريخ النشر الهجري

01 ربيع الأول 1446

تاريخ النشر الميلادي

02 سبتمبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام