(535)
(364)
(339)
تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الأنبياء
{ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) }
مساء الإثنين 16 ربيع الأول 1447هـ
تضمن تفسير الآيات الكريمة مشاهد من سيرة نبي الله داوود وسليمان عليهما السلام، وبيان ما خصّهما الله به من: القضاء بين الناس، العدل في الحكم، تسخير الجبال والطير، صنعة اللبوس (الدروع)، تمكين سليمان من الريح، تسخير الشياطين..
الحمدلله مُكرمنا بأنوار التنزيل، وبيانها على لسان خير هادٍ ودليل، عبده المصطفى محمد صلى الله وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحبه، ومَن والاهم واتَّبعهم في النية والقصد والفعل والقِيل، وعلى آبائه وإخوانهم من الأنبياء والمرسلين أهل التكريم والتبجيل والتفضيل، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المُقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد،،،
فإننا في نِعمة تأمُّلنا لكلام إلهنا الخلَّاق، وما أوحى إلى عظيم الأخلاق، سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، من العلوم والمفاهيم والأذواق، والبيان للمنهج القويم والصراط المستقيم.
وصلنا في سورة الأنبياء إلى ذكر ساداتنا؛ داوود وسليمان عليهما السلام، بعد أن ذكر الله النبي نوح، قال: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ) -فِي الْحَرْثِ- الزرع (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78))، فيه بيان:
ومن هنا كان في الشريعة:
ثم جاءت الشريعة أنه؛ تجد الأمة من الحُكام ما تعرف منهم وتنكر، وأُمِروا أن يؤدوا جهدهم في تقويمهم ما استطاعوا، وألاَّ يُحدثوا فتنة تؤدي إلى فساد كبير وضُرٍّ كثير.
كما تسمع فيما يُذكر من هذه الثورات والانقلابات وما إليها:
ومن غير شكٍّ أن كل حركة في الحياة لا تستند إلى أمر الله وأمر رسوله وتمضي على بيِّنة مِن نور الكتاب والسنة؛ فإنها لا تأتي للناس بخير.
وبعد ذلك:
فقامت مع كلِّ ما يُدَّعى مما يسمونه في اصطلاحهم بالديمقراطية، وما يدَّعون أنه يقوم على انتخابات، وما إلى ذلك، مع أن هذه الانتخابات تقوم على الغوغاء والفوضى، وعلى عموم الناس، يستوي فيها صوت العالِم، وصوت الجاهل، وصوت الصالح، وصوت الطالح، وصوت التقي، وصوت الفاجر.. كله سواء، وما بهذا تصلح البلاد ولا العباد.
وكان أهل العقد والحل من خيار الناس العقلاء، هم الذين يُميِّزون، وهم الذين تُرجِّح أصواتهم وكلماتهم وهم مَن يُختار، ومع كل هذه الدعاوى:
وجاء حُكم الجبرية، وها نحن إلى الآن ما يُظن أنه أواخر مدة ذلك الحكم الذي ذكره ﷺ -الجبرية- ثم تتهيأ الأحوال للناس بعده إلى العَودِ إلى نور الوحي والتنزيل فتقوم خلافة على منهاج النبوة، ويتصل ذلك:
وهناك إشارات في الحديث إلى ما يحصل من جهاد صحيح، ويعود الجهاد في آخر الزمان إلى الوجه الصحيح، وإن كان الجهاد في حد ذاته بأنواعه:
كلٌّ بأنواعه لا يبطل، لا يبطله عدل عادل، ولا جور جائر إلى أن تقوم الساعة، ولكن يبطله الكذب، والخداع، والإرادات الفانية وقصد غير وجه الله هو الذي يبطل الجهاد.
أو أن يقوم "تحت راية عُمِّيَّة" كما يقول ﷺ، لا تدري تبع مَن، ومرجعها إلى مَن، يثير هذا وهذا وبعد ذلك إلى مَن؟! وأين المآل؟! ولكن الجهاد بالنية الصالحة وعلى وجهه الصحيح لا يبطل؛ ولكن أشارت الأحاديث إلى أنَّ أكثر ما يحصل من القتال في تلك الحُقَب من الزمن:
هو الذي ساق أكثر هذه الأعمال التي مضت علينا في السنين الماضية، وما هناك من جهاد يعتبر صحيحًا إلاَّ:
هذا هو الجهاد الصحيح في أي زمان كان، أشارت الأحاديث:
ولكن مع ذلك كله فالحكم يرجع إلى المقاصد، وإلى النيات، وإلى الغايات...
هذا فيما يتعلق بالحُكم؛ لأن الناس يتنازعون ويختلفون، فحصل أيضًا هذه القضية:
قال: أصبتَ، وحكمَ بذلك، قال تعالى: (إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78))، حاضرين بعنايتنا، بأنبيائنا ورسلنا وما يجري على أيديهم.
(فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ)، وهي الطريقة، القصد في الحُكم، فكان أوفَق، أخذ به أبوه داود -عليه السلام-. جاءوا إلى داود فحكم بالحُكم الأول، وابنه سليمان قال هذا الحكم.
قال (وَكُلًّا) -من سليمان وأبيه داوود- (آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا..(79)):
(وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ) -أكلته- (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ).
وكان من جملة ما ورد في السُنة في بديع الأحكام:
ولكن هذا استدراج للوصول إلى علامة، وأصل الحُكم صحيح؛ لأن ذاك بيدها وهذه ليس لديها بيّنة؛ ولكن استدراج استدرجهم النبي سليمان حتى أظهر العلامة أنه ابن هذه، وليس ابن هذه، فعلِم أن الرحيمة التي أبت أن يُشق، أما الثانية سكتت حتى يقع ابن هذه مثل ابنها، ابنها قد أكله الذئب، وهذا يُشق وانتهى، وكلهم ماتوا ابناؤهم، فتوصَّل بهذه الوسيلة ليعرف إبن مَن هو.
قال: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا..(79))، وأُعطي سليمان الحُكم من الصِغر، كما أُعطي سيدنا يحيى، وعلمناه (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريم:12].
(وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ):
والطّيور كذلك، تُسبّح بتسبيحه، وتشاركه في التسبيح..
(يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ)، (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ..(79)) فكان هذا ما ذكره في الآيات، يقول: (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ): رددي الذكر معه. (أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) [سبأ:10]. فكان أوحى الله إلى الجبال أن تذكر بذكر النبي داود، فإذا ذكرَ، ذكرت الجبال معه، وذكرت الطيور معه، فلو كان أحد موجود من أهل الفهم الخاطئ في الدين لقال: بدعة بدعة، ترفع أصواتها، حتى الجبال والطير، وليس بني آدم وحده، كلهم يرفعون أصواتهم.
وما شأن الأصوات بالذكر إلا قُربة إلى الربّ تبارك وتعالى، مضت عليها حياة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في الأحوال المختلفة.
اللَّهمَّ لولا أنتَ ما اهْتَدَيْنا *** ولا تَصَدَّقْنا ولا صَلَّيْنا
ويشاركهم ﷺ، ويقول:
إنَّ الْأُلى قد بَغَوْا عَلَيْنا *** وإنْ أَرادوا فِتْنةً أبَيْنَا
وكان يرفع صوته يقول: أبَينا، أبَينا ﷺ، فهذا تسبيح الجبال والطير مع النبي داود عليه السلام.
(وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ..)
ثم حملوا التسبيح على تسييرها معه، وإلانَتها له، وفيه ضعف، لأن الآية واضحة وأيَّدتها الآية الأخرى: "يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ" ردِّدي الذكر معه.
يقول "وَكُنَّا فَاعِلِينَ" نحن الذين أمَرنا بذلك، وأنْطقنا الطيور وأنطقنا الجبال، غير ما عُلِّم أيضاً سيدنا سليمان منطق الطير من دون الكلام المعهود بين الناس.
(… يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ..)
يقول (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) كان ذلك بأمرنا وترتيبنا فلا يكون إلا ما أراد الله (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ).
يقول: (وَكُنَّا فَاعِلِينَ) (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ)، أنواع الأسلحة التي تلبسونها للحرب، وخصوصًا الدروع، فإنه ألانَ الله له الحديد: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ):
فيصنع من ذلك دروعًا لا ينفُذ منها السيف، ولا شيء من الرماح، ولا السهم؛ ترده عن الجسد، فتكون خفيقة وحصينة، ما يشقها لا سيف ولا شيء من الرماح أو من السهام.
(وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم) - يحميكم - (مِّن بَأْسِكُمْ) من الشدة بينكم؛ السلاح الذي تستعملونه
(فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ (80)) ما نُجري لكم من النِّعم من حيث تعلمون ومن حيث لا تعلمون، وعلى أيدي من نشاء (فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ)؟
قال تعالى: (تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا):
فهي أرض مباركة ؛
قال: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) فكان يأمُرها تَحْمِل هذا فتَحْمِله وحده، وتجري وتمشي بسرعة من دون أن تثير غبارًا، ومن دون أن تؤثر على شيء، ويُبسَط له بساط واسِع، وقد يجتمع عليه جماعة من أصحابه وقومه، ويأمر الريح أن تَحْمِلهم من البلد الفلاني للبلد الفلاني.
يتنقَّلون في الجو؛ يمشون، طائرات بلا مُحركات، ولا بترول، بأمْره تسير من دون جهاز ولا تكنولوجيا.. قِفي؛ تقف، أسرعي تسرُع، أبطئي؛ تُْبطئ، انزلي هنا تنزِل هنا، وهكذا.
(تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) أي ترجع إلى حيث مسكن سليمان عليه السلام كلما أوصلت شيئًا، قال الله:
(وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)) عبادنا، وخلْقُهم وخواطِرهم ونيّاتهم وتصرُّفاتهم وأقوالهم وأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم، والجمادات والنباتات والحيوانات، وما يزيد وما ينقص، وما يكبُر وما يصغُر، وما يبقى.
(وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) فكيف لا يتوكّل عليه المؤمن؟! كيف لا يثق به المؤمن؟! أحاط علمًا بكل شيء.
أرباب الأغراض في الدنيا يُنفِقون على مخابراتهم واستخباراتهم وجواسيسهم أموالًا كبيرة.. طويلة.. عريضة، لن يتوصلوا إلى شيء من الأغراض، ولا يقدِرون أن يُحيطوا علمًا بالأشياء، شيء يعْلمونه وشيء لا يعْلمونه، وشيء يأتيهم مُفاجأة.
لكن العالِم بكلِّ شيء: الله، هو العالم بكل شيء (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)) من أعظم المُهمات لنا في الحياة أن نعلم: (أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق:12]، فنعتمِد عليه ونستنِد إليه...
قدْ كفاني عِلْم ربّي *** مِن سُؤالي واخْتِياري
فَدُعائي وابْتِهَالي *** شَاهِدٌ لي بافْتِقاري
فلِهذا السَّرُّ ادْعو*** في يَساري وعَساري
لمّا عرف الله قال:
أنا عبْد صار فَخْري *** ضِمْنَ فقْري واضْطِراري
شرّفني؛ لا أفتقِر لغيْره ولا أضْطر لغيْره ولا أخْضع لغيْره ولا أعبد غيره، ولكن إليه؛ أعبده وأوحّده وأعتمِد عليه وأتوكّل عليه واستنِد إليه و أتذلل له وأخضع..
أنا عبْد صار فَخْري *** ضِمْنَ فقْري واضْطِراري
(وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ):
قال: (وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)) حاضرين على أعمالهم، لا يستطيعون الخروج عن طاعة سليمان (وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) [سبأ:12].
وهكذا أنت إذا أحببت أي أحد، ثم من يساعده ويقوم معه؛ أنت تتولاه.. أنت تحبه!
وإذا كان خادِم الكلب بسقْيه له من شِدّة العطش، بتوصُّله إلى ذلك، بجهد وحيلة ونزول إلى البئر وإملاء الخُفّ ومَسْكه بفمه ثم طُلوعه حتى يسقي الكلب، غفر الله له بخِدِمة هذا الحيوان، فكيف بخدمة إنسان؟ فكيف بخدمة نبي؟ فكيف بخِدِمة ولي؟ أما يغفر؟
وبذا سابقَ الصالحون إلى خدِمِة الصالحين، سارع الأخيار إلى خدِمِة الأنبياء والصالحين، ورأوا أن ذلك من أقرب القُرُبات إلى الله، هذا وهم شياطين، ولكن قال: (وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)) بالمعاني كلها يُحصي أعمالهم ويُرتّبهم ولا يستطيعون الخروج عن أمر سيدنا سليمان.
ولمّا فُرِض عليهم ذلك مضوا، حتى سأل النبي سليمان مِن ربّه أن يُظهِرعلامة يذهب بها توهُّم كثير من الإنس أن الجن يعلمون الغيب؛ لا جن ولا إنس يعلمون الغيب ولا يحيط بعلم الغيب إلا الله، ويُطلع الله من غيبه من شاء من ملائكته أو من رسله أو من عباده الصالحين، (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَسُولٍ) [الجن:26-27]
فقال له الله -تبارك وتعالى-: إنه دنا أجلك، فاتَّخِذْ لك عصاً وقُم عليها في صلاتِك، فتُقْبض روحك وأنت قائم فيحسِبونك على قيد الحياة الدنيا، فيعملون ويشتغلون ما بقِيتَ قائمًا، ثم يعلمون أنّك متّ من زمان.
(فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ) أي عصاه؛
سنة كاملة وهم خائفون يمشون، وقد ارتفع الأمر عنهم بقبْض الله روح عبده سليمان على نبينا وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
اللهم أحسِن رابِطتنا بالأنبياء وبسيّد الأنبياء واجعلها تقوى أبدًا سرمدًا، وأعِذنا من الانْقِطاع عنهم، ولا تجعل في قلوبنا مودّة لفاجِر ولا كافر ولا طاغٍ ولا باغٍ ولا من حَرّمتَ علينا مودّته كائنًا من كان يا حي يا قيوم. اجعل قلوبنا لك وحدك، تُوالي من والاك وتُعادي من عاداك، تُحِب من تُحِب وتَبْغض من تَبْغض.
واجعل هوانا تبعًا لِمَا جاء به حبيبك المحْبوب في جميع شؤوننا، ووفّر حظّ أمّتِه مِن اتّباعه والاهتِداء بِهديه، ومَن ذكرى ميلاده، أمدّهم بالاستِقامة على منْهجه وجِهاده، واحفظنا وإيّاهم من جميع الشرور، وادفع عنّا وعنهم جميع الآفات وكلّ محْذور في البُطون والظُهور.
بسرِ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي محمد صلى عليه وعلى آله وصحبه،
الفاتحة
30 ربيع الأول 1447