(370)
(339)
(535)
تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الأنبياء
{ وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77) وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) }
مساء الإثنين 2 ربيع الأول 1447هـ
الحمد لله، مُكرِمنا بالوحي والتنزيل وبيانه على لسان خير هادٍ ودليل، عبده خاتم النبوة سيد أهل الفتوة محمد بن عبد الله، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعلى آبائه وإخوانه من رسل الله وأنبياه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكة الله المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
أمَّا بعد،،،
فإننا في نعمة تأمُّلنا لكلام ربنا جل جلاله وتعالى في عُلاه، انتهينا في سورة الأنبياء إلى قول مولانا جلّ وعلا: (وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)):
أمرنا الله بذكر هؤلاء تعظيمًا ومحبةً، وعلى أنهم قدواتنا وأسوتنا في فَهم الحقيقة ومعاملتنا لرب الخليقة، ثم ذكر مسألة ندائهم للرب، وهو يبين لنا:
إن كانوا يقومون امتثالًا لأمر الله وعبودية له بالترتيب والإعداد، لكن حقائق مستنَدهم ليست اتفاقات مع ذا ولا ذاك، ولا استناد لذا ولا إلى ذاك؛ (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) [الصافات:75]؛ فهذا مرجعه وهذا اعتماده:
ربي عليك اعتمادي *** كما إليك استنادي
وهو الذي يجب أن يَترسّخ في القلوب والعقول لمن آمن، ونتحرر من لَوثة هذه الظُلمة في الاعتماد على غير الله، كائنًا ما كان، لا منّا ولا من أنفسنا.
بربي قيامي لا بنفسي ولا سواه *** فشكري له سبحانه وثنائي
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ) [الزمر:36]. ونتأمّل قول سيدنا هود عليه السلام لما قال له قومه: (إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ) -يا قوم- (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا) [هود:54-55]، أنتم وآلهتكم والقوة التي قلتم عنها (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت:15]، (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ) [هود:55] ولا تؤخروني لحظة واحدة.
وهذا التحدي الكبير، ما هو مستندك؟
(إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ* فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا)، لا إله إلا هو جلّ جلاله، (إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) [هود: 56-57].
وجاء نبينا المصطفى محمد ﷺ (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ) [الفتح:23] أن المرجع إلى الله والاعتماد على الله والاستناد الى الله؛ قول لا نكتفي بمجرد التصديق العقلي، -نُصدِّق ونؤمن به- لكن يجب أن نتذوقه، يجب أن نتحقق به.
ربي عليك اعتمادي *** كما إليك استنادي
صــدقًا وأقصى مرادي *** رضاءك الدائم الحال
(حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) يقول سيدنا إبراهيم عليه السلام، أمْر يجب أن نتحقق به وأن نتأكد أن هذه مرجعياتنا:
لأننا رأينا فيهم إعراضًا ونقصًا وغفلة، ورأينا خططًا طويلة عريضة من إبليس وجنده من شياطين الإنس والجن، من هنا ومن هناك، في حِكَم من الله تعالى يُدبِّر هذا الأمر، (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) [النحل:93].
كان أبو جهل يقول: بل نرجع حتى نقف على بدر وننحر ونشرب الخمر وتغنّي قياننا، وتسمع بنا العرب، وتهابنا إلى الأبد، جاء بعدها الهلاك له.
ورسولنا محمد يقول: "اللَّهمَّ إنَّكَ إنْ تُهلِكْ هذهِ العِصابةَ مِن أهلِ الإسلامِ، فلا تُعْبَدُ في الأرضِ أبدًا"، "إنهم ضعاف فقوّهم، إنهم جياع فأطعمهم"، ﷺ يناجي ربه؛ وهذا المنطق، انظر الى المرجعية أين، وانظر كيف الفكر في المُعسكر الثاني.
فمن العيب أن فكر معسكر الكفر يتخلل إلى عقلك، أنت يا مؤمن، عيب عليك:
فمن العيب أن تأتي مقولات وأفكار معسكر الكفر وتتخلل إلى عقلك أنت، وأنت مسلم مؤمن، تتخلل لبيتك وأولادك وأهلك، لا يجوز أن نفكر إلّا بفكر الأنبياء وفكر الصادقين الأصفياء؛ هذا فكرهم وهذا نظرهم.
يقول -سبحانه وتعالى- لحبيبه المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، في بيان هذه الحقيقة التي يُبيِّنها على لسانه -عليه الصلاة والسلام- في شأن هؤلاء، يقول جلّ جلاله وتعالى في عُلاه:
اعملوا ما شئتم، (كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ)، ماذا معك؟ هل أنت متصل باتفاقية مع الروم أو مع فارس؟ ماذا معك تتحدى هؤلاء؟
قال: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَاب وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)، قال هذا لي ولكل من صلح مَن أمتي، هو وليّه (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) يَصلحون ولا عليهم؛ من شرقي ولا غربي، ولا جماعات ولا هيئات، ولا شعوب ولا دول، يصلحون فقط! ووليهم ربي الذي يتولاهم، يا رب صلِّ عليه (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ * وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ) [الأعراف:195-197]
يقول: (وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ..(76))، ولكن هذا النداء أيضًا بعد ثبات من سيدنا نوح، صبْر من سيدنا نوح، وأداء أمانة من سيدنا نوح؛ مائة سنة، مائتين، ثلاثمائة، أربعمائة، خمسمائة، ستمائة، سبعمائة، ثمانمائة، تسعمائة وخمسين سنة وهو مجتهد بكل الوسائل، يدعو بكل الإمكانيات، يدل على الله ليُنقذ.
هل أحد منكم خلق هذا؟ أو آلهتكم هذه التي تعبدونها؛ يسوع أو يغوث أو نسر؟! هل أحد منهم بسط الأرض وسطحها وسطح البحار؟ وهل أحد منهم كون هذه الكواكب وتطلع على يده الشمس وتغرب؟
و إلى أن أوحى الله إليه: (أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا..(37)) أقم السبب أنت وأنا المُتَصَرِف، أنا المدبر، أقم السبب في صنع السفينة، سفينة! هذه جيوش أمامه، وقومه أمامه، وبعد ذلك، هذه السفينة لماذا؟ مياه ستأتي وتُغرِق الكُل، ماذا ستفعل السفينة؟ كم قوتها؟! وكم تَحَمُّلها؟! قال: ما عليك أنت.
وهم كانوا يَسخَرون منه وهو يصنع السفينة، يقولون: نبيكم هذا الذي يَدعوكم صار نجار، يعمل له خشب:
عندنا في السنوات الماضية لما افتخروا بأكبر سفينة وقالوا إنه لا يمكن أن تَغرق، في أول إبحار لها في الأرض أغرقها الله وكسّرها، وهي مزودة بأحدث الأجهزة والقوة، وغرقت في أول مرة خرجت.
وهذه السفينة؛ ليست في البحر فقط، بل: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا) [القمر:11-12]؛ لكن سر القوة: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ) [القمر:14]، آذوه و كفروا به.. أعطيناه الجزاء ونَصرناه في الدنيا قبل الآخرة.
(وَنُوحًا) - واذكر نوح - (إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ):
قال ولده الكافر: (قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) [هود:43]، لا جِبال تنفع ولا بيوت تنفع ولا أي عُدَد أخرى تنفع؛ غرق، غرق، كرب عظيم.
(فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ)، سبحان الله، (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا..(77)) هل اتصل بشيء من الفئات في الأرض لكي يُحقِّق هذا النصر، يحصل له هذا النصر؟! متصل بربه، امتثل أمر ربه وصبر، فنُصِر، الله أكبر.
(وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا):
ما هذا النصر العجيب! ولم يبقَ من بني آدم وذريته في الأرض إلا من في السفينة فقط، وكل الذين عاندوا وأنكروا، ما لهم ذرية الآن، ما أحد موجود على ظهر الأرض.
لهذا نحن نناشد كل الذين على ظهر الأرض، نقول: عيب عليكم! كنا نحن وإياكم في السفينة راكبين مؤمنين بالله، اليوم، كم من ملة وإلحاد وكفر، عيب عليكم! آباؤكم مؤمنون، نحن كنا أول في صلب آدم، وبعد ذلك ظهرَ الكفر، وبعد ذلك اجتمعنا في السفينة كنا مؤمنين:
فكل الأفكار المخالفة للدين طارئة على الناس، خرجوا بها عن مسلك أجدادهم وآبائهم الذي هو هدى ونور وصلاح.
قال: (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ..(77)):
يقول: (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)) رجال، نساء، صغار، كبار، أمراء، مأمورين، أغنياء، فقراء.. (فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)، ولا واحد باقي منهم، الله.
بعد ستة أشهر والسفينة (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) [القمر:14]، بعد ستة أشهر؛ من رجب إلى محرم، رست على الجودي، ونزل سيدنا نوح، وإذا ما عاد أحد في الأرض مشرك، وكلهم على الإيمان واتباع لسيدنا نوح، دولة واحدة فقط، دولة إيمان! فهي كانت من خير أيام الأرض:
أيام محمد خير أيام الأرض:
لهذا أقسم بِعَمره: يعني من حين ولادتك إلى حين موتك:
(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الحجر:72]، (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر:1-3]، فأَحسَن أيام الأرض التي مرت عليها هي:
من خير أيام الأرض دولة واحدة وحاكمها نبي، ووزرائها صالحون وصِديقون، كلهم أقاموا أمر الله -جل جلاله- على ظهر الأرض، صلى الله على سيدنا محمد وآله.
يقول: (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ)، فسق وعناد وتكذيب وإيذاء وجحود بالحق، سَوء (فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77))، لم يبقَ أحد، لا إله إلا الله، سبحان القوي المتين.
واذكر: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ..(78))، مزرعة فيها العنب، وفي الليل كان واحد صاحب أغنام، وواحد كان صاحب حرث و زرع، في الليل انطلقت الأغنام التي لصاحب الغنم وأكلت الزرع، وقد تهيأ للقطاف فأصبح فوجد الأغنام قد أكلت منه، فجاءوا يحتكمون عند سيدنا سليمان عليه السلام.
(وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ) -يحكمون قضية الحرث- (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ) أصحاب الغنم أكلت زرع، أصحاب الزرع مساكين، (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ) حُكم سليمان وداود، والمحكوم عليهم (شَاهِدِينَ (78))، يقول أنا بجلالي وعظمتي أرقُبهُم وألهمهم وأرتِّب لهم، بحُكم أنبياء، أنا -الله-! أنا حاضر بعنايتي برعايتي وتوفيقي.
قال: أصبت، هذا هو الأحكم، وحَكَم به سيدنا داود عليه السلام.
(إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ (78))
(نَفَشَتْ): في الليل، (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ)، (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ) أعطيناه الحكمة، كيف حُكم الأسَد، (وَكُلًّا) -من سليمان وداود- (آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) الله أكبر، فحَكَم بذلك سيدنا النبي داود عليه السلام..
(وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ)، لا أحد يأتي ويقول هذا ليس بمعتاد، ما هو المعتاد؟ من أين جاءكم؟ أنا الذي رتبته: (وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79))؛ أنا الفعال لما أريد: (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) [البروج:13-15].
فيا فعال لما تريد اجعلنا في خيار العبيد، وحقِّقنا بحقائق التوحيد، واسلك بنا في المنهج الرشيد، وأعِد علينا عوائد أنبيائك ورسلك، وتداركنا بها يا رب بمحمد وسليمان وداود ونوح ومَن أجبت دعواتهم من النبيين، دَرَكًا تردّ عنا كيد المؤذين والمعتدين والظالمين والغاصبين والمفترين، والذين مدّوا أيدي ظلمهم وإجرامهم في غزة والضفة الغربية وأكناف بيت المقدس، وانصر المظلومين من أهل لا إله إلا الله في مشارق الأرض ومغاربها، وادفع البلايا عنهم.
وبارك لنا وللأمة في هذا الشهر؛ شهر ذكرى ميلاد حبيبك محمد ﷺ، اجزهِ عنا خيرًا، ولقِّهِ منك يا مولانا جزاءً لائقا بجودك ومكانته لديك، فقد بيَّن وأرشد، وأحسن لنا البيان والإرشاد والتبيين، وبكى لك من أجلنا، ودعاك من أجلنا، وتوسّط من أجلنا حتى بسطت لنا مِن نعمك ما لم تبسطه لأمة من قبلنا، فصلِّ عليه أفضل الصلوات، واجعلنا من أسعد الناس به وبِقُربه وبذكرى ميلاده، واجعلنا من خواص أهل إسعاده، والمستضيئين بنور رشادهِ، خلِّقنا بأخلاقه وأدبنا بآدابه، وتدارك أمته و اغثهم يا خير مغيث، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم على مفتاح أبواب رحماتك، سيدنا محمد وآله وصحبه وأهل محبتك وطاعتك، وتدارك أمته بسريع إغاثاتك. في كل لحظة ابدا عدد خلقك، ورضا نفسك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك.
بسر الفاتحة
وإلى حضرة النبي محمد
صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلم
الفاتحة
05 ربيع الأول 1447