تفسير سورة الكهف(1434) -5- من قوله تعالى:(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ..(16))

تفسير سورة الكهف - الدرس الخامس
للاستماع إلى الدرس

درس يلقيه الحبيب عمر بن حفيظ في تفسير سورة الكهف بعد الفجر ضمن دروس الدورة التعليمية التاسعة عشرة بدار المصطفى 1434هجرية.

نص الدرس مكتوب:

﷽ 

(وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۖ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ۗ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19))

الحمد لله مُكرمنا بالآيات البيّنات، وصلَّى الله وسلَّم على عبده المصطفى خير البَريَّات، سيدِ أهل الأرض والسماوات، مُحمَّد بن عبد الله؛ عبد الله ورسوله وصفوته من خليقته وبريَّته. اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على النور المبين، عبدك المصطفى سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأهل حضرة اقترابه من أحبابه، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وآل كل منهم وأصحابهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 وبعد،،،

فإنّنا في تأمُّل بعض معاني آيات ربّنا -جلَّ جلاله- في سورة الكهف، مَرَرنا على ما قصَّ الله علينا من بداية قصَّتهم، وأنَّه تولَّى ذلك وأضفى عليهم رعايَتُه؛ لصدقِهِم معه. والحقُّ في هذا يُحدِّثُنا عن سُنَنٍ من سُنَنِهِ مع العباد، (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب:62]؛ فبُشرى لمن صَدَق مع الله، وآثر ما عنده وبذل ما لديه مِنْ أجل مولاه -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-.

 وذَكَر لنا عناية -الله تعالى- بهؤلاء القوم وخروجهم من دائرة قومهم؛ الذين أرادوا أنْ يُكرهوهم على أن يشركوا بالله تعالى، ويتَّخذوا معه آلهة أخرى؛ فخرجوا؛ وفي هذا بيان: أنَّ كل بقعة من بقاع الأرض لم يتمكَّن المؤمن فيها من إقامة أمر الله تعالى، ولم يستطع أن يُظهر شعائر الدّين مِنْ مثل الجمعة والعيد وأمثال ذلك..

  •  وجَبَ على المُسلم أنْ يُهاجر من تلك الأرض.
  •  وأن يَخرج منها إلى بقعة يَستعلِنُ فيها بدينه، ويستطيع أن يقيم فيها شعائره. 

فهذه الهجرة باقية إلى يوم القيامة.  وأمَّا "لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ" أي:

  •  لا هِجرة من مكَّة المُكرَّمة بعد أنْ فُتحت وصارت دار إسلام.
  •  فلا معنى للهِجرة بعد أن قام فيها حكم الله وأمر الله.
  •  ولَمْ يبقَ من يَصُدُّ عن سبيل الله -تبارك وتعالى-.
  • ولا من يُكره المؤمنين على أن يستخفوا بدينهم، أو يمنعهم من ظهور الشَّعائر.

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا) [النساء:97-98]، فما دام الإنسان قادراً على الخروج من مثل ذلك الموطن؛ فالخروج عليه واجبٌ.

وفيه وفي الآيات إشارة إلى:

  • أنَّه لا تخلو بقاع الأرض عن أماكن يستطيع المؤمنون فيها أن يَستَعْلِنوا بدينهم، ويقيموا شعائر دينهم في كل الأزمان إلى آخر الزمان، والحمد لله على ذلك.
  • بل صارت تظهر شعائر الدين والإسلام في بلدان كثيرة من البلدان المحكومة بالكفّار والكفر، (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف:9].

الجماعة يقولون في هذا الخطاب -إمَّا بينهم البَيْن أو خاطبوا به الملك دقيانوس-: (فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)) قُلنا قولاً: خارجاً عن الحقّ والهُدى والصواب؛ شَطَط..

 إنْ كُنّا دَعَوْنا من دون الله إلهاً مَعَهُ؛ (هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا) -جماعتهم في تلك البلدة- (اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ..)؛ فلا حُجَّة معهم ولا سلطان ولا دليل؛ (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ.. (16))؛ هذا هو الاعتزال المفروض والواجب، ويبقى معناه في: 

  • اعتزال كل طائفةٍ أو جماعةٍ أو قومٍ يحملونك على فعل سوء مُحرَّمٍ في الشريعة.
  • وعلى ترك واجب يلزمك القيام به؛ اعتزلهم، أذهب عنهم، ابتعد منهم…

(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) -سبحانه وتعالى- فاكتفوا بعزَّتهم بالله -سبحانه وتعالى- واثقين به، مُعتمدين عليه، مُستندين إليه.

(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) ففيه:

  •  إقامة البرهان على الإيمان بالله.
  •  والصِّدق مع الله. 
  • وإيثار الحقّ تعالى على ما سواه. 

(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) وتأتي هنا السُّنة:

  •  أنَّ كل من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
  •  كما نستنبط أنَّه واجبٌ أنَّ كل من كان في بقعة أو مع جماعة أو أصدقاء؛ يوقعونه في مخالفة الشرع، وعنده قدرة واستطاعة على أن يعتزلهم؛ وجب عليه أن يعتزلهم.

(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ)؛ وفيه إقامة السَّبب في تهيئة المكان للاستقرار.

 (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ) يَبْسُط لكم، ويُوسِّع من رحمته -سبحانه وتعالى-؛ وهذه ثقتهم بالله، وآتاهم الله فوق ما أمّلوا، وهي سُنَّتُه مع جميع الصَّادقين معه -جل جلاله وتعالى في علاه-.

 (يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا (16)) يُيَسِّر لكم من أمركم مِرْفقًا..

  •  (مِرْفَقًا) في بعض القراءات.
  •  و(مِرْفَقًا) في القراءات المشهورة.
  •  وقرأ بعضهم (مَرْفَق). 

والمقصود:

  •  ما ترتَفِقون به.
  •  ويُصلِح به حالكم.
  •  ويَستقيم به أمركم.

 (وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا).

فسمعنا ما فعل الله بهم من قوله: (فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا) واصل الحقُّ الحديث عمَّا جرى لهم وسط الكهف، وقد آووا إليه:  (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَّاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ) تَّزَّاوَرُ: تميل..

  •  (تَزَاوَرُ) في قراءة.
  •  و(تَزْوَرُ) في قراءة؛ والمعنى واحد: تميل.

 (تَزَّاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ)، فإذا آلت إلى الغروب: (وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) يعني: تتركهم ذات الشمال، أيّ: تنبسط أشعتها من على اليمين وقت الطلوع، وترجع مائلة على اليسار وقت الغروب، ولا تمس أبدانهم؛ حتى لا تؤذيهم وحتى لا تضرهم.

(وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ) في فجوة من ذلك الكهف، أيّ: 

  • مَحَلٍ مُتَّسَع، فلا ضيق وسط المكان حتى يضطرون إلى تقارب، وإلى تقارب الهواء والأنفاس كذلك؛ فيضيقون…
  •  ولكن هناك فَسْحَة، وهناك ترتيب إلهي لهذا المكان الذي اختاروه،  فتسخرَّت لهم الآيات والكون. 
  • وهذه الشمس بهذا الحال معهم؛ ينتفعون من أثرها وقُربها منهم، ويَسلمون من ضُرِّها وتأثيرها على أجسادهم.

 (تَزَّاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ) ما هذا الترتيب؟! ما هذا التدبير؟!

 (ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ)! -جلَّ جلاله وتعالى-؛ فعلاً (ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ۗ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) -اللهم اهدنا فيمن هديت-.

  •  (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) ربِّ إنَّ الهدى هداك، وآياتك نورٌ؛ تهدي بها من تشاء.
  •  (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) فلا هُادِيَ إلَّا من هدى الله.

 في الحديث القدسي يقول الله: "يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ".

 (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) وهؤلاء هَداهُم الله -تبارك وتعالى-:

  • حتى سُهِّل عليهم تَحَمُّل هذه المشاق والعناء.
  • وتركوا ديارهم وتركوا أموالهم وتركوا أهاليهم.
  • وتركوا قومهم وخرجوا من وطنهم؛ يريدون وجه الله (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ).
  • هداهم الله؛ لذلك فأيَّدهم وأعانهم.
  • وأبقى ذكرهم؛ فنحن نذكرهم في مجالسنا، ونذكرهم في قرآن ربّنا، ونذكرهم في صلواتنا.

 (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا (17)) من أضَّله الله -تبارك وتعالى-؛ لن تجد له معيناً ولا ناصراً يُرشده إلى الحقّ والهدى (فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا)!

فتسخير المُرشد إلى الحقّ لكل إنسان هداية من الله، إذا أراد أن يهديك:

  •  سَخَّر لك مرشداً.
  • وسَخَّر لك دالّاً على الخير.
  • ورقّق قلبك؛ ليَستَلِم منه ويأخُذ عنه؛ فتهتدي..

لكن إذا أضَلَّك الله:

  • لن تجد لك ولياً مُرشداً.
  • بل تجد من يُضِلّك فوق ضلالك.
  • ومن يُزَيّن لك الضَّلال؛ وأنت تُصغي إليه وأنت تستمع لأقاويله!

 كذلك من احتمالات المعاني: 

  • أنَّ من أراد الله أنْ يتولَّاه بالهداية؛ سخَّر له ولياً من أوليائه -سبحانه وتعالى-؛ فأرشده بِحاله ومَقاله وفِعله، وأدَلَّه على الطَّريق، وأخرجَه من تعويقات السَّير بمختلف أصنافها.
  • ولكن مَنْ لم يُرِد الله هدايته ومن أراد له الضَّلال؛ فلا يوجد له المُرشد من أصله! أو مَنْ يَدَّعي الإرشاد؛ وهو غير وليّ، غير راشد أصلاً، غير صالح..! ويقول تعال أنا أَرشِدَك..

 كما يقولون: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) [غافر:29] -فرعون يقول لقومه-! أيّ سبيل الرَّشاد؟ اكفروا بربّكم وخالقكم، وألّهوني وأنا ربكم الأعلى! ما هذا؟ هذا الإرشاد هذا؟ 

(فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا (17)): إمَّا يتخبَّط في مهاوي الإرشاد، أو مُرشِد يَدَّعي الرُّشد بلا رُشدٍ؛ فهو غير وليّ، ويُخَطَّطُ له، فإلى أين يصل؟

وقد كان العَوام عندنا يضربون المَثَل بمن يتخبَّط في مسارٍ وليس له صاحب نور يهديه، ويقولون:  "عَمْيَة تُخَطِّط لمَجنونة"! عَمْيَة تَرسُم الخُطَّة للمَجنونة وحدها، فإلى أين تصل العَمْية والمجنونة؟ عَمْيَة مُمكن تَضَع الخُطَّة للسَّير والطَّريق؛ ولكن هذه مَجْنونة معها تُخَطِّط لها وهذه تمشي وراءها، فإلى أين تصل خارطة الطَّريق حقهم هؤلاء؟ إلى أين يَصِلون؟ يَصِلون إلى الخربطة وإلى الضَّلال وإلى المشاكل..! فهكذا (فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا).

ولذا اختار الله لعباده الأنبياء والمُرسلين، ثُمَّ جعل للأنبياء والمُرسلين؛ خُلفاء يُبَلِّغون.. حتى أنَّ من ذكرهُم الله في -سورة يس- اثنين وعزَّزهم بثالث؛ لم يكونوا أنبياء! ولكن أرسلهم النَّبي عيسى؛ فكانوا مُبَلِّغين ونُواباً عن النَّبي، فذهبوا إلى أهل تلك القرية يُبَلِّغونهم:

  • (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ). 
  • ذهبوا إلى دولة أنطاكية يهدون القوم: (قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [يس:13-17]. 
  • وهَدى الله الرَّجل، (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ) [يس:20-21] إلى آخر ما ذكر الله عنهم.. 

فما أصْغَوا إلى قول المُرشدين من الأولياء ومن الأصفياء! وهكذا نرى سُنَّته تعالى لما أراد الهداية؛ أرسل الرُّسل والمُرسلين -صلوات الله وسلامه عليهم-، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) [النساء:64].

 (وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا (17))، فنسأل الله أنْ يَهديَنا ويُثَبّتنا، ويجعل نور الهداية يُحيط بنا مِنْ كُلِّ جانب في أقوالنا وأفعالنا ونيَّاتنا ومقاصدنا، وكُل ما نأتي وكُل ما نَدَّعي، اللهم اجعلنا هادين مُهتدين غير ضالّين ولا مُضِلّين، حَرباً لأعدائك وسِلماً لأوليائك، نُحب بِحُبّك النَّاس ونُعادي بِعداوتك مَن خَالفَك مِن خَلقِك، اللهم هذا الدُّعاء ومِنك الإجابة، وهذا الجُهد وعليك التُّكلان.

عادَ الحقُّ إلى ذكر خبر القوم: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ..(18)) رقودٌ: نيامٌ..

  • (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا) ما تَمُرُّ عليهم؛ إلَّا وتَستشعر أنَّ القوم في يقظة. 
  • (وَهُمْ رُقُودٌ)! عيونهم نائمة؛ ولكن ليقظة قلوبهم أضفى الله هذا المعنى حتى صاروا في الحسّ يَحسِبُهُم النَّاس أيقاظاً..

 (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ) ربّي! والرُّقود هذا سنة، سنتين، ثلاث سنين؛ على شقّ يتأثر الإنسان وتبدأ الأرض تتآكل مع جسده وتأكل من جسده! قال لك: هؤلاء في عنايتنا: 

  • (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ)! انظروا إلى التَّعبير العجيب، حتى ما قال يَتقلَّبون هم، يَتقلَّبون ذات اليمين. (وَنُقَلِّبُهُمْ)! الله قال: أنا مُتَولّي أمرهم.
  •  (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) أحياناً كذا وأحياناً كذا.. سبحان الله! صلة الرِّعاية.

 حتى يذكر بعض المُفسّرين الكلب معهم كان يَتَقلَّب!

  • إذا انقلبوا ذات اليمين؛ وضَعَ أُذنه اليُمنى ينام عليها،
  • وإذا انقلبوا ذات الشمال؛ انقلب إلى أُذنه اليُسرى ينام عليها.

(وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ)، وهذا الكلب تَبِعهم وخَرَج معهم من القرية وأحبَّ مُرافقتهم وحَرَص أن يكون معهم؛ فشُكِرَ له السَّعي في مُرافقة الأخيار.

فإذا كانت مُرافقة الأخيار أثَّرت حتّى في الكلاب، فكيف ما تُؤثّر في الآدميين إذا رافقوا الأخيار، وحَرَصوا على صُحبتهم وحَرَصوا على مُجالستهم؟!  ولذا نجد تاريخ الأُمَّة عندما يُترجَم للعالم، عندما يُترجَم للوليّ العارف والصَّالح، يقول: صاحَبَ فلان، صاحب فلان، صاحب فلان، جالَسَ فلان، تأدَّب بفلان؛ سند مُتسلسل إلى أنْ يَصِل إلى عند الرّأس محمد ﷺ، وصَحابتُهُ الذين تَلَّقوا عنه؛ فسِرُّ الصُّحبة هو الذي يسري. وهذا سرُّ الصُّحبة حتّى إلى  الحَيَوان، حتّى إلى هذا الكلب..!

 ولذا رُوِيَ عن بعض أئمة الحديث الكبار -كابن الحافظ أبي زرعة-: أنَّه أوصى إذا مات أن يجعلوا قبره عند المدخل إلى قبر موسى الكاظم، وأن يكتبوا عليه: (وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)، (وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيد)؛ يَسترحم الحقّ -تبارك وتعالى- ويقول: ارتَبط كلبٌ من الكلاب -من الحيوانات- بفتية صالحين، وهذا فردٌ من ذُرّيَّة مُحمَّد الصَّالحين الأصفياء.. أنا أحطُّ نفسي جنبه في هذا المكان؛ فكيف لا تَرحم عبداً من عِبادك المؤمنين أحبَّ الفِتْية الصَّالحين، وقد رَحِمت بهم كلباً من الكلاب؟ وتلك الفتية من بني إسرائيل. 

رَحِمَ الله بهم ذلك الكلب، حتَّى يَذكر المُفسرون أنَّه ليس مِنَ الكلاب ما يدخُل الجنَّة إلا هذا! يُحشر مَعَ أصحابه ثُمَّ يدخل معهم الجنَّة، تنتهي نجاسته وأذاه ويدخل بحال؛ سبحان الله!

قال سبحانه وتعالى: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم) -انظر أضافُه إليه- (بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ..(18)) وهو من هذا، من جنس الكلاب المعروفة.. 

  • كان بعض المُفسرين يذكر قولاً شاذاً أنَّ المُراد به: أَسَدْ كان يتَّبعهم! أسد أو كلب، كله حيوان.
  • لكن لا، الذي عليه الجمهور من المُفسرين قال: كلب، الكلب هو الكلب المعروف بهذا الجنس.

 (وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ): 

  • بالفِناء على المَدْخل -مدخل الغار-.
  • الوَصِيد: الفِناء، المَدخل إلى المكان.

 الوَصِيد، فهذا جالس باسِط بذراعيه على مدخل الغار؛ يَرقُب القوم، وعنده جانب القوم ومَعَ القوم. فلمَّا ناموا أُنيم معهم، وإذا قُلِّبوا قُلِّب معهم.

(وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيد)، ثُمَّ لمَّا سيأتي معنا ذُكِرُ الكلب مضافاً إليهم، إذا ذَكَرَ الحقّ عددهم؛ لم يَحجُز هذا عنهم، ولم يُفصل منهم، وليس من جنسهم وليس آدمياً مثلهم، لكن بحكم التَّبعِيَّة: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ..(22)) فعَدُّو ثامنهُم، ونَسَبَ إليهم؛ كلبهُم.

يقول: هم بهذا الحال في نومهم، والكلب على الوصيد؛ (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) يعني: كُل من أقبَلَ إلى ذلك المكان في هذه المُدَّة، وقَرُبَ منهم يَراهم أو يُشاهدهم.  (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18))! يُنازِلك الخوف عند رؤية مكانِهِم، أو وقَعَ بَصَرُك على كهفهم وما هم فيه؛ وإذا بك مُلِئت رُعباً وخوفاً وتَفِرُّ؛ فراراً؛ وهذا أمر من آيات الله. 

هل الذي يخاف النائم أم المُستيقظ؟ العادة الخوف على النائم، المستيقظ معه حِيَل، على النَّائم يَحتال، يفعل فيه يعمل أي شيء! لكن الواقع في هؤلاء؛ أنَّ المُستيقظين يخافون من النائمين، يفرون! هؤلاء نيام، وأيّ واحد مُستيقظ جاء بجانبهم يَفِرُّ فراراً ويَشرُد شَرْدَة من المكان! من الذي يُطرُدُه؟

 (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) خوفاً وفزعاً؛ سبحان الله!

  • عناية الله -سبحانه وتعالى- تَرعاهم؛ فأُيِّدوا.
  •  فصار المُطَّلِع عليهم؛ هو الذي يخاف وهو الذي يهرب!
  • وهم في أمان الله -سبحانه وتعالى- وفي عنايته، وفي تسديده، وتأييده.

 (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)) يقول -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.

 ثُم ابتدأ يَذكُر لنا قِصَّة بعثهم بعد مُضِي -ثلاثمائة وتسع سنين- في نومتهم: (وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ) وبعد مُضِي المُدَّة كاملة؛ في وقت واحد كُلُّهم استيقظوا! والكلب معهم مُستيقظ كما استيقظوا..! صار يَسري إليه ما يجري عليهم -يسري إليهم-.

 قال: وقد فتحوا أعينهم:

  •  البلد قد تَغيَّرت. 
  • والحكومة قد تَبدَّلت. 
  • والنَّاس في شيء آخر.

وهؤلاء في نومتهم.. كانوا بدأوا في نومتهم في الصَّباح، فبعد -ثلاثمائة وتسع سنين- في المساء، في العَصريَّة في العَشِيَّة استيقظوا.. لمَّا استيقظوا يُفكّرون في أنفسهم، كم لهم الآن نيام؟ كم ساعات قَضُّوا في هذا المكان؟

 يتأمَّلون.. أقد غربت الشَّمس؟ يقول: (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ)؟ كم لنا في نومتنا هذه وفي وسط الكهف؟

  • (قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا)؛ لأنَّنا نحن في الصَّباح نِمنا، والآن مساء. قال قائل منهم: هذه الشمس ما غربت، باقي شوية..
  •  (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) قال، بعض يوم! ما تدرون أنَّ هذه الشمس بعد -ثلاثمائة وتسع سنين-! ما هي شمس اليوم الذي ناموا فيه! -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-.

 (قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ..(19)) ولمَّا كان في توجُّس من أنفسهم، أنَّ هذه المُدَّة صحيحة أو شيء غير صحيح، أو شيء ناقص؛ فَوَّضوا الأمر: (قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ) خلاص، فَوَّضُوا الأمر إليه. ما عَرِفنا بأنفسنا كم جلسنا في هذا المكان؛ ربكم أعلم.. توقعوا يوم أو بعض يوم، لكن قد يكون في المسألة غير ذلك..! حسوا بشيء، شعروا بشيء..

بعضُهم يَذكُر أنَّهم أنكروا شيء من طول شعرهم، أو طول أظافرهم في خلال المُدَّة؛ ولكن السِّياق يدلّ على أنَّ الحقّ -سبحانه وتعالى- أوقف هذه الأشياء، فما أبقى شيء.. ثلاثمائة وتسع سنين؛ يكون في طول زائد، ويكون فيه أمر مُستنكَر! ولكنَّ الأمر أمره.. 

  • كما أنظُر سُنَّتَه العادية مع النَّاس؛ أنَّ الخوف على النائم مِنَ المُستيقظ.
  • وهؤلاء المُستيقظ يخاف منهم ويروح! 

فواضع القانون إذا أراد يُغيّره ويُبدّله كما شاء -جلّ جلاله وتعالى-، فالأمرُ أمره -سبحانه وتعالى-.

الذي يتعجَّب بعضُهم -مِنَ المسلمين- لمَّا يقرؤون بعض أخبار الأنبياء والمُرسلين، يستغربون القِصص التي تخرج عن السُّنة السَّائدة من المُعتادة للنَّاس! وبعض الكفار؛ وهو كافر يتأمَّل شؤون الكون وما فيه، ثُمَّ يقول: إنَّ القُوَّة التي خلقت هذا الكون؛ ليست عاجزة أن تضيف له شيئاً أو تحذف شيئاً منه أيّ وقت! ممكن أي وقت تضيف شيئاً أو تحذف شيئاً.. بلا شكّ، أنه هو الذي خلق -جل جلاله-.. فإذا أراد أن يضيف شيئاً إليه، وإذا أراد أن يحذف شيئاً من هذا الخلق، وهذه قدرته والأمر أمره

  • فواجب أن يكون المؤمن أوثق بقدرة الله -سبحانه وتعالى-.
  • وأكثر معرفة بعظمة الله -سبحانه وتعالى-.

(فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ..(19)). معهم بعض الورق من الفضة -نقود من أجل يشتروا-؛ لأنَّهم أحسُّوا بجوع.. وكيف ما فيه جوع ثلاثمائة وتسع سنين؟ من أين التَّموين؟ وهذا خلاف العادة، الإنسان ما يستطيع؛ وهذه كرامة ولطف من الله -سبحانه وتعالى-.

 أعظم من واحد قال لك: ما نام عشر سنوات، عشرين سنة! طيب ما نام، دافع النّوم بأي شيء. لكن إذا استمر في النوم؛ هيا قم، استمر أنت في النّوم مكانك سنة واحدة بس، لا تتحرك، لا تقوم، لا تستيقظ، لا تفتح عينك سنة! هيا تقدر؟ ولو كنت أكبر نوّام في العالم، ولو كنت أكبر نوّام -تحب النوم كثير-؛ لكن ساعات عليك وخلاص وبعد ذلك تفتح عيونك.

 من الذي يقومك؟ لا تقوم، اجلس مكانك. ما يستطيع. فكيف استمر النوم ثلاثمائة وتسع سنين؟ طيب والطعام من أين؟ والشراب من أين؟ بلا طعام بلا شراب! وهذا أمر غريب! 

يأتي واحد يذكر أنَّه أحد من التَّابعين، أو تابعي التَّابعين؛ صَبَر عن الطَّعام أو اكتفى عنه مُدَّة شهر، شهرين، سنة أو سنتين، يقول: أوووه كيف هذا؟! وأنا أقول لك: أصحاب الكهف ثلاثمائة وتسع سنين! مِن مخزن مَن يأكلون؟ من أيّ مخزن يأكلون؟ من أين يُجلب لهم الطعام؟ ولا تستغرب، هذا هو المُسَيِّر لهذا ولهذا؛ مُسَيِّر واحد! -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.

يقول: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) -وَرِقِكُم: و وَرْقِكُمْ هي المدينة يخرج- (فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا)

  • يعني: أطيب طعاماً.
  • يعني: تجنَّبوا الشُّبُهات أو الخنزير الذي يأكلونه، بعدوها وهاتوا لنا طعام طيّب.

 (فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19))، ابقوا في محلّ مخفيين.. أصلاً البلاد قد تبدَّلت، والنَّاس قد تبدلوا..!

 يخرج هذا بالورق، يقولون: هذه عُملة من زمان قديم. يقول: من أين جئت بهذا؟ ما عادت رائجة في البلد ولا عادت قائمة. يتجمعون عليه، يقولون: تعال تعال، من أين جئت أنت؟ وما اسمك؟ ومن أين أنت؟ ومن أين هذه العُملة جئت بها؟ من أجل أن يُكتَشَف أمرهم! فيجيئون فوجدوا النَّاس مؤمنين والحمد لله، وقد ظهر الإسلام، وظهر توحيد الله -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.. 

إلى آخر ما يأتي معنا في القصة (كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)) من جملة الآيات العظيمة التي بثَّ الله فيها العجب.. رضي الله عنهم وجمعنا بهم في دار الكرامة مع أنبيائه وأصفيائه والذين أنعم عليهم، إنَّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين..

بسرّ الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد

تاريخ النشر الهجري

09 رَمضان 1434

تاريخ النشر الميلادي

17 يوليو 2013

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام