تفسير سورة الكهف(1434) -22- من قوله تعالى:(فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ..(97))

تفسير سورة الكهف - الدرس الثاني والعشرون
للاستماع إلى الدرس

درس يلقيه الحبيب عمر بن حفيظ في تفسير سورة الكهف بعد الفجر ضمن دروس الدورة التعليمية التاسعة عشرة بدار المصطفى 1434هجرية.

نص الدرس مكتوب:

﷽ 

(فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) ۞ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ۖ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99))

الحمدلله على تلقِّي العلم من الحق بواسطة القرآن، والقرآن مُلْقّى، تلقّاه سيد الأكوان، قال عنه الرؤوف الرحيم: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) [النمل:6]، فسبحانك لا علم لنا إلاَّ ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، لك الحمد على ما أبقيت بيننا في هذا العالم عِلمًا من عندك لا ريب فيه، ولا مِرية ولا شك، ولا يُداخله ظن، ولا شيءٌ مما يخالط جميع معلومات الناس التي يُحتمل فيها كل ما يُحتمل من الظن والقياس والوهم والكذب؛ لكن هذا العلم الصافي، علم من الله أوحاه الله إلى مصطفاه نتلقاه بواسطة المصطفى عن الله، فتُخزَّن في أذهاننا وقلوبنا وبصائرنا وسرائرنا أنوار علم من عند الله جاء وفيه النجا.

اللهم لك الحمد شكرا، ولك المن فضلا، فزدنا علمًا ينفعنا عندك، قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11]، فللذين آمنوا درجة؛ ولكن للذين أوتوا العلم فوق الإيمان درجات، ولذا: 

  • قال الجنيد ابن محمد وهو من القوم في الأمة الذين غاصوا على علوم الوحي المُنَزَّل: التصديق بعلمنا هذا ولاية، فاللإيمان درجة؛ ولكن العلم بِفَوقهِ (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ). 
  • قال ابن عباس: يرفع الله العلماء فوق المؤمنين بخمسمائة درجة، كل درجة كما بين السماء والأرض، أو قال: مسيرةُ خمسمائة عام، فنسأل الله أن يزيدنا علمًا ينفعنا.

هذه معلومات نتلقاها عن الحي القيوم في هذه الكلمات، والقول الذي (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:42].

حدثنا الله تعالى عن ذي القرنين وعن سدِّ يأجوج ومأجوج، وأن ذا القرنين كان صالحًا ملِكًا عادلًا داعيًا إلى الله -عزَّ وجل-؛ في هذا بيان: 

  •  أن صلاح هذا الإنسان لا يقتضي انفصالًا ضروريًا عن كثير من شؤون الحياة، ولا يعني أيضًا فوتُها وجود ذاك الصلاح. 
  • وأنه يمكن أن يكون صالحًا ملِكًا ممكّنًا ثريًّا، فهو ملِك، وهو عالم، وهو غني، وهو داعٍ إلى الله، وهو زاهد، وهو صالح، وهو قانت، وهو منيب، وهو أوَّاب، وهو مُعلم، وهو ناصح.
  • خروج الإنسان من ظلمات الاغترار بالكائنات والانقطاع عن إلهِهِ رب البريات -جلَّ جلاله- هو صلاحه وفوزه ونجاحه، الذي تمتد به شؤون قدراته وتمكينه. 

وحسبنا ما قرأنا في الآيات: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) [النور:55]: 

  • ومن أصدق وعد من الله؟
  • ومن أصدق عهد من الله؟
  • ومن أصدق قيلًا من الله؟

(وَعَدَ) حقِّق الإيمان والعمل الصالح واترك الكلام الطويل العريض كله، ماذا تريد؟! أنت ومطالبك ومُرادك؟ قم لي بتحقيق الإيمان على وجهه والعمل الصالح على وجهه، وأبشر، انتهى كل شيء.

(وَعَدَ اللَّهُ)، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) [النور:55]:

  • وما تسمع في حديث نبينا: أن طالب العلم يخرج من أجل طلب هذا العلم ليتصل بعلمٍ مصدره الله، مُنْزِل من عند الله، ومُلقُوهُ ومُبلِّغوه أنبياء الله. 
  • "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يصنع"، وفي لفظٍ: "رضًا بما يطلب" انظر إلى النعمة الكبيرة! 

(لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ)، من حين يطلب العلم؛ وعن الملائكة تبسط لهُ أجنحتها! ما هذه الخلافة الرفيعة؟! الرفيعة القدر، رفيعة الشأن، ثم؛ 

  • فكيف إذا علِم فعمِل؟!
  • فكيف إذا علِم فعمل، فأخلص العمل وأحسن وصدق فيه؟!
  • فكيف إذا كان ذلك وعلَّم ونشر وأدَّاه؟

 ليست فقط الملائكة تضع أجنحتها، هذا مذكور في العالم الأعلى: "إن الله وملائكته وأهل السماوات وأهل الأرض، حتى النملة في جُحرها وحتى الحوت في بحره، ليُصلَُون على معلِّم الناس الخير". 

تعلَّم وأحسن، وعمل وأحسن، وأخلص وصدق؛ فعلَّم مخلصٌ لله فقط، فالكائنات كلها تذكره وتصلي عليه، والملائكة، والحيوانات، وأهل السماوات والأرض، الله أكبر!

  • والمنقطع عن الله.
  • والمفصول عن الأدب مع الله.
  •  
  • و المتجرئ على إلهه يصل إلى حال: 
    • (فأُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) [البقرة:159]. 
    • (فعَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [البقرة:161]. 

لِم؟ لأن الكون في طوع ربَّ الكون الواحد، لا يستطيع الكون وما فيه أن يوالي من عادى إلهَهَ، لا يقدر، ولا أن يُعادي مَن والى إلهه. فإذا والى الله عبدًا فالكائنات كلها تتولاه، وكلها تستغفر له، وكلها تمجدهُ، حتى يصل الأمر إلى حدود إن هذه الأجساد التي تعيش على ظهر الأرض، من لحم ودم: 

  • لا يمكن بأي وسيلة من الوسائل أن نقيها من الموت. 
  • ولا يمكن أن نقيها بعد الموت أن يأكلها التراب. 
  • إلاَّ أجساد أهل وصلة خاصة بإله الأرض، تحترمهم الأرض.

 ما أصل تكوين هذا الجسد؟ أليس مثل كل جسد؟

أليس كلهم بنو آدم؟! حتى لو كلهم من أب واحد وأم واحدة، هذا وُلِدْ وهذا وُلِد، حتى لو توأم خرجوا؛ هذا شهيد، وهذا ليس بشهيد، هذا تأكله الأرض وهذا لا تأكله! الجسد واحد، وهل تقوى الأرض أن تأكل جسدًا من غير أمر الواحد؟

الأرض لها رب، الأرض لها رب، إن نسيت أنت ربك، الأرض ما تنسى ربها: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ)، فلما جاء عندنا قال: (وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ) [الحج:18]، وفي صنف معاند، معادي وجاحد غرته شهواته، وأهواءه تراهم مساكين، حالهم صعب، والعجب مع صعوبة حالهم بعضهم مغتر، وبعضهم مفتخر، وبعضهم يضحك، تتعجب عليه!

وكيف ترى لو أن صبيًا سلَّم الجوهرة التي تساوي ملايين، مقابل لُعبة لا تساوي شيء، وجاء يضحك فرحان بنفسه! قال: حصّلت لُعبة!

حال الكفار عند عقلاء أهل البصائر كحال هذا، يتعجبون  في تبخترهم هذا بالباطل: (ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [غافر:75]، يستكبرون بلا حق، يفرحون بغير حق، يفرحون بغير حق!

  • فهم أضحوكة عند العقلاء: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ)، فهو والله قليل، كما قال الجليل: قليل.. قليل.. قليل..قليل. 
  • (ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) [ال عمران:196-198]. 

هذه أخبار الصدق والحق، أخبار العلم النافع الحقيقي الأصيل، المأخوذ عن عالِم الغيوب عن الذي (أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق:12]، (وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) [الجن:28]. نسأل الله أن يثبِّت هذا العلم في قلوبنا، ونخرج من رمضان بنور هذا العلم، إن شاء الله.

ذو القرنين طاف الشرق، طاف الغرب، حتى جاء في بعض الروايات: أن من غريب ما وجد  أنه وصل الى بقعة فيها أقوام لا خِلاف بينهم، ولا نزاع بينهم، وقبورهم على أبواب بيوتهم، وبيوتهم مفتوحة أبوابها، وأخذ يسألهم: 

  • لماذا القبور هنا؟ قالوا: من أجل أن نتذكر الموت.
  • لا يوجد عندكم فقير؟! قالوا: لا، لمواساتنا.
  • لا يوجد عندكم مشهور بالغنى؟! قالوا: لا، لعدم فخرنا، ما عندنا تفاخر!.
  • لا يوجد نزاع بينكم ولا خصام؟! قالوا: نُقيم الود والإلفة، ولا يغتاب أحدُنا آخر، ولا يكذب عليه ولا يغشه.

سألوه؛ من أين جئت؟! 

قال "لو كنت مقيمًا بين أحد لأقمت بينكم؛ لكن الله أمرني أن أمضِ في الأرض" فهذه مهمته،  قام وتحرك من هنا إلى هنا، إلى هنا، إلى هنا، و بلغ مطلع الشمس، مغرب الشمس، وبين السدين.

من أواخر ما حصل في البحث عن موضع السد، أن يقال:

  •  إنه بين جبال القوقاز، وهناك فجوة كبيرة موجودة بين جبلين. 
  • والسد أيضًا فيها قائم، ولا تصل إليه الطائرات ولا غيرها. 
  • ويأتي ما بين بحر قزوين والبحر الأسود. 

وعلى كل حال وفي أي مكان الأمر كما قال الرحمن، وسيأتي وقتٌ يخرجون فيه كما قال الله: 

وهو وقت وجود سيدنا عيسى بن مريم على ظهر الأرض بعد نزوله من السماء: "كيف بكم إذا نزل فيكم عيسى ابن مريم حكمًا مقسطًا، وإمامكم منكم"؛ يشير إلى المهدي ﷺ. 

الحديث في البخاري: "كيف بكم إذا نزل فيكم عيسى ابن مريم حكمًا مقسطًا وإمامكم منكم"، في قوله: "وإمامكم منكم"؛ إشارة أيضًا إلى فخر من فخر الأمة: 

  • أن سيدنا عيسى لما ينزل كما وصف في الأحاديث شرقيَ دمشق عند المنارة البيضاء، واضعًا كفيه على جناحي ملَكين، عند إقامة صلاة الصبح. 
  • فيَصِل وقد أقيمت الصلاة، فيحس به الناس، والمهدي يتأخر؛ ليتقدم عيسى، فيدخل فيقول: لا، هذه الفريضة قد أقيمت باسمك، صلِّ أنت.
  • فيقول: أنت نبي الله وروحه أولى أن تتقدم. يقول: لا، هذه الصلاة باسمك قد أقيمت، أنت خليفة محمد، فمن أجل مَن أنت خليفته، تقدم، فيتقدم سيدنا المهدي فيصلي بهم ذاك الفرض.
  • قال: فحسْبُ الأمة أن يصلي خلف فردٍ منهم نبي من أولي العزم من الرسل إكرامًا؛ لأجل أنه مستخلفٌ من قِبَلِ محمد -اللهم صلِّ عليه- فيصلي خلفه صلاة الصبح، ثم بقية الصلوات يؤمُهُم سيدنا عيسى عليه السلام.

وسيدنا عيسى بن مريم يقتُل الدجال، وقد صح في الأحاديث خبره، وأنه يمكث في الأرض أربعين يوما، هذا مقدار مكثه:

  • لكن النبي وصف هذه الأيام قال: "يومٌ كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وبقية أيامه كهذه الأيام".
  • سرعته في الأرض قال: "كالغيث استدبرته الريح " أشبه بالطيران هذا! فتنة كبيرة على عباد الله تعالى، ويبقى الصادقون المخلصون الذين ثبتوا على الإيمان. 
  • وبعد نزول سيدنا عيسى بن مريم يمسح على وجوههم ويخبرهم بدرجاتهم في الجنة ومنازلهم في الجنة.

سيدنا عيسى يقوم على  ظهر الأرض:

  • متحريًا سُنن النبي محمد. 
  • مدققًا في التبعية في كيفية صلاته ووضوئه وقيامه وقعوده وحجه وعمرته وركوعه وسجوده وقضائه وفصله وأخذه وعطائه. 

الإمام محمد، ولو كان موسى حيًا ما وسعه إلاَّ اتباعي، فينزل سيدنا عيسى ولا له إلاَّ اتباع محمد، فيا فخرنا بمحمد، سيدنا عيسى كبير: 

  • لو جاءوا كلهم الأنبياء الآن ما يقدرون! هذا القرآن عليه يمشون، وفيه سنة محمد.
  • نوح وإدريس وإبراهيم وموسى، جاءوا كلهم؛ ما لهم إلاَّ محمد ومنهجه فهم أتْباعه. 

فلنا الفخر بتبعية محمد، يا رب ارزقنا حسن اتباعه، هذا الشرف الأفخر، أو تريدهم يشهرون اسمك في بعض القنوات بأصواتهم الفارغة وتذهب بعد ذلك أنت وإياهم؛ سقوط إلى عذاب! 

خذ لك فخرا بتبعية محمد، فإنه فخر مؤبد: 

  • إذا صحَّت لك التبعية كنت في الحشر مع المتبوع، والتابع يتبع المتبوع؛ رفعًا أو خفضًا. 
  • ولا أرفع من هذا، فإذا اتبعته ارتفعت: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح:4]. 
  • صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ويا رب ارزقنا حسن متابعته.

ولذا قالوا: لا يوجد في مناقب الأولياء وصف كقولهم: كان شديد المتابعة لرسول الله، هذا لا يوجد وصف فوقه، لو تأتي له عشرين كرامة، عشرين منقبة؛ هذا فوقه، هذا أعظم منه؛ شديد المتابعة للنبي، انتهت المسألة؛ هذا أعظم وصف، يارب ارزقنا حسن متابعته.

سيدنا ذوالقرنين كمَّل المهمة، ما بين الفصل بين القبائل هذه الصعبة؛ يأجوج ومأجوج: 

  • منهم مئات الألوف، ولا يموت الواحد منهم حتى يكون من ذريته ألف موجودين. 
  • فكم يزدادون هؤلاء! يتنامون نمو شديد -سبحان الله-! 
  • وينتشرون، ويهجَّون على خلق الله يأكلون الأخضر واليابس. 
  • يشربون البحار، يأكلون الأشجار، ومن حصلوه من بني آدم أكلوه.

يوحي الله إلى سيدنا عيسى: 

  • ارتفع بمن معك من المؤمنين إلى الطور. 
  • آمَرهم أن يتحصنوا بحصوني، فإني أُخرج قومًا لا قِبَل لأحد بهم. 
  • لن أدع أحد يتسلط عليهم، سيكتسحون الأرض.

وينحاز سيدنا عيسى بمن معه إلى الطور، ويبث في المؤمنين أن تحصنوا وإلاَّ أُكلتم في هذه الأيام، حتى تمُر أيام يأجوج ومأجوج.

وهذه الأربعين اليوم مشكلتها مشكلة، أيام الدجال، يدخل ملايين إلى النار في خلال الأربعين يوم هذا، يخلدون في النار-والعياذ بالله-:

  • يغترون بقليل خبز، بطون وأكل، بعض الناس ينسى المبدأ إذا جاءت بطنه، عند الأكل ينسى مبدأه! وينسى دينه، وينسى شرفه -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، كما ترى أنواع المفسدين في الأرض يغرون الناس بها. 

والدجال كذلك: 

  • يمُرعلى قوم يؤمنون به ويكفرون بالله -والعياذ بالله تبارك وتعالى-. 
  • والمطر ينزل عليهم والأرض تخضر عندهم.
  • يمُر على قرية لا يؤمنون به في جدب، في قحط، في جوع، اختبار من الله -سبحانه وتعالى-. 

ويفتتن مَن يفتتن، ويسخِّر الله له نوع من الجن يتصورون بصور الأموات:

  • فيجيء عند بعض المقابر، يقول: أُحيي لكم الأموات الذين في المقبرة؟ يقولون: نعم.
  • فيقومون! في الحقيقة، ما أحد يقوم، الأموات لا أحد منهم يقوم. 
  • ينشر جن يظهرون في صور الموتى الذين ماتوا. 
  • حتى الواحد يقول: هذا خالي، هذا عمي، هذا جدي؛ لا عمه، ولا خاله، ولا جده.
  • يقول الجني: نعم، أنا عمك، أنا خالك، قد مُتت قبلك، انظر هذا ربك، أحسن لك أتَّبعه. 

ما المصيبة هذه؟! فتنة كبيرة.. ويبقى هكذا إلى: 

  • أن ينزل سيدنا عيسى، ويسيح في الأرض؛ ولهذا يسمى المسيح. 
  • الدجال ممسوخ العين؛ وهذا يسمى المسيخ.

قال النبي ﷺ لما سألوه مرة عن الدجال قال: "أنا من غير الدجال أخوَف عليكم، إنه إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج وأنا لست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم، إنه أعور، وصْفه كذا، أُوشبَِهُهُ بعبد العزى بن قَطَن"، أو قطن بن عبد العزى. 

  • حتى جاء هذا الرجل إلى عند النبي قال: هل يضرُّني شبَهُهُ يا رسول الله؟
  • قال: "لا، هو كافر وأنت مؤمن، ما يضرك شبَهَه"، شبهُهُ بالصورة مايضرك.

هذا كافر أنت مؤمن بالله وبرسوله، ما عليك منه كَون الصورة تشابهت ما يضر.

يذكر رسول الله ﷺ أنه يدور على الأرض، إلاَّ مكة والمدينة لا يدخلها، يجعل الله على أنقابها: 

  • حتى ذكر المدينة ﷺ في عدة أحاديث، وذكر أنها عدد الأبواب، ذكر أنها لها ثمانية أبواب.
  • التخطيط الأخير الآن للمدينة المنورة أن المداخل ثمانية، وهذا زمان، قد النبي تكلم عنها قبل ألف وأربعة مئة سنة. 

وتحدَّث حتى عن البقعة التي يجيء عندها الدجال في الأرض السبخة، وأخبر :

  • أنه ينظر إلى مسجدي ويقول -لمن عنده- أترون ذاكم القصر الأبيض؟ إنه قصر أحمد؛ يقول هكذا.
  • البقعة هذه المذكورة في الحديث إذا ذهبت إليها الآن، وتنظر جهة الحرم، تُشاهد الحرم بلون أبيض. 

الآن بعد التوسيعات الأخيرة، عندما تطلع في ذلك المكان، وتنظر، ما ترى أمامه بناء أبدًا، ترى الحرم من هذا المحل ويظهر لك بلون أبيض، والحبيب يقول أن الدجال هذا يقول: أترون ذاكم القصر الأبيض؟ إنه قصر أحمد،  اللهم صلِّ عليه. 

  • وترجف المدينة بأهلها رجفات؛ فيخرج كل منافق، ويخرج عصابة من المؤمنين الصادقين. 
  • فيهم واحد من أفضل الشهداء، ذُكر في صحيح مسلم، يقتله الدجال، ثم يحييه الله اختبارا، ثم لا يقدر على قتله مرة أخرى، وهو آخر من يُسلَّط عليه، لا يقدر أن يقتل أحد بعد هذا.

فآل الغرور مهما اغتروا، ومهما تواتت لهم أسباب، نقاط الضعف مطاردة لهم، إن أرادوا،ك أو أبوا، القوة لواحد، القوة لواحد. يا أحبابنا، يا إخواننا، تحققوا بضعفكم و الجأوا إلى هذا القوي.

يظنُّ -الدجّال- أنه القوي، يحيي ومعه جنة ونار، ويُنَزِّل مطر، يقتل هذا ويرده ليقتله ثاني مرة، ما يقدر عليه؛ عاجز ضعيف!

عندما يخرجون من المدينة، وهو خارج المدينة، يقول لهذا الرجل الصالح الشهيد يقول له: أتعلم أني ربك؟ فيرد: بل أنت الأعور الدجال الخبيث الذي حدثنا عنك رسول الله، وفي هذا الخبر -الذي حدثنا عنك رسول الله- إشارة إلى: 

  • أن عصمتنا من الفتن وإن تأخرت برابطتنا بمحمد. 
  • والرجل كان على بصيرة من حيث ارتباطه بمحمد. .

لذا قال: حدثنا عنك رسول الله؛ أنا في حصن الارتباط بمحمد فلن تضلني -الله-. 

وكل الفتن هكذا إذا قوي ارتباطك بهذا الحصن لن تضرك، أما سمعته يقول: "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم"؟: 

  • فأما كونه فينا من خلال جسده الكريم فهذا قد انتهى. 
  • لكن كونه فينا، ممكن؛ بروحه، بنوره، بتعلمه، بصدق علاقتنا معه.
  • فإن كان فيك فهو حجيجهُ دونك؛ دجال وغير دجال.

وإذا ليس هو فيك: ابحث، فانتبه لنفسك؛ وإلاَّ فكل امرئٍ حجيج نفسه.

أما إن كانت المحبة مغروسة هنا، والرابطة قوية فهو حجيجك: "أنا حجيجه دونكم" يقول صلى الله عليه وصحبه وسلم:

  • يقول الشهيد: أنت الأعور الخبيث الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله! 
  • قال: ها! اقتلوه! يشقه نصفين ويمشي بين نصفيه.
  • والشهيد عند قتله يقول: اثبتوا فإنه لن يُسلَّط على أحد بعدي.
  • بعدما يمشي بين نصفيه يقول: أتريدون أن أرده لكم وأُحييه بحيث تعلمون أني ربكم؟
  • فيجمع شقيه فيحييه الله، فيقوم ويعي، أمتّك وأحييتك الآن، عرفت أني ربك؟
  • يقول: أنت الأعور الدجال الخبيث! إذهب، رُد عينك! حدثنا عنك رسول الله.

يريد أن يقتله، فلا يُسلَّط عليه؛ لا يقدر،عاجز مسكين. انظر، وتلك الزمجرة في الأرض كلها من بلاد لبلاد، والقبائل وراءه، والمملكة معه، ويضعف أمام هذا!

ليس هذا الدجال وحده فقط، كل الذين قبله وبعده! يضحكون علينا بالدعايات يضحكون علينا بالإعلام، يضحكون علينا بالكلام الفارغ؛ القوة مع واحد يا أحباب! القوي واحد:

  • أحسنوا إيمانكم بهذا القوي، أخرجوا وَهَم وخيال اعتقاد القوة مع غيره، أصدقوا مع الله في إيمانكم به؛ القوة لله -جلَّ جلاله-.
  • عندما يُسلَّط عليه ويعرف أن وقته انتهى، يهرب يمشي من حوالي المدينة ومن معه إلى حوالي فلسطين. 
  • ويذهب يمشي إلى فلسطين ويصل هناك وينزل سيدنا عيسى. سيدنا عيسى ينتشر نَفَسُه؛ فلا تقوى لها أرواح الكفار، فلا يكاد يشم نَفَسُه كافر إلاَّ مات!
  • يمضي نحو الدجال، يمشي من دمشق إلى جهة بيت المقدس، خارج بيت المقدس في باب "لُدّ"، يكون الدجال هناك. 
  • إذا رأى سيدنا عيسى مُقبل يتذاوب كما يتذاوب الملح في الماء يتصاغر، يتصاغر، يأتي إليه فيقتله؛ وتنتهي فتنته.
  • يقوم سيدنا عيسى؛ بأمر الله، بشريعة الله، متَّبع محمد بن عبد الله، مشتاق لشريعته، ولمنهجه، ولهديه، وأنا أغبط جلساؤه!

عندنا حديث الإسراء والمعراج نروي قصصه بسند بيننا وبين النبي ﷺ خمسة عشر، عشرين، ثلاثين؛ رجال السند، الذين يجلسون مع سيدنا عيسى يحدثهم عن المعراج يقول: كنت معه في بيت المقدس، صليت خلفه، وقال كذا وقال كذا، اجتمعنا وإياه وفلان وفلان وقال كذا، مرَّ عليَّ في السماء الثالثة وقال لي كذا، وقال لي كذا، وقلت له كذا، فيكون الحديث مروي بسند مختصر مباشرة.

  • هؤلاء هم من خيار الناس، وزراء سيدنا عيسى؛ لكن تلك دولة عجيبة!
  • الرئيس نبي من أولي العزم، والوزراء صديقون، مقربون، عارفون بالله -ما شاء الله-. 

ماذا بَقي في الأرض؟! 

  • تخرج الأرض بركاتها.
  • تأتي فتنة يأجوج ومأجوج. 
  • يأمر الله سيدنا عيسى بالارتفاع إلى الطور، فيرتفع بمن معه. 
  • وهم -يأجوج ومأجوج- يدورون في الأرض؛ أولهم يصل إلى دمشق في الشام، و آخرهم عند خراسان. 

في الحديث؛ أن الأواخر منهم هناك في خراسان جهة القوقاز! من روسيا وأوائلهم قد وصلوا إلى دمشق! كم هؤلاء؟  ما هذه الطائفة؟ 

ولهذا قال: (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ..(99))، ملايين الملايين هؤلاء، إذا تعرضت لهم يأكلونك، اهرب بنفسك بعيد حتى إذا أكلوا الشجر، وشربوا ماء البحر وأكلوا أسماكها، وما فيها من حيوان، ولا يحصلون حيوان ولا كلب ولا خنزير ولا حمار، إلاَّ أكلوه! يأكلون كل ما يقع في أيديهم: (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ..(94)).

هكذا أيامهم فيها اختبار للمؤمنين وابتلاء لهم، حتى جاء في بعض الروايات: 

  • أنهُ عند هلاكهم بعض المتحصنين في حصن من المؤمنين، تهدأ الأصوات يقول؛ ما في خبر للعدو هذا! من سيأتي لنا بخبرهم؟
  • يقول واحد: أنا أحتسب عند الله، سأخرج، إن أكلونا أكلونا، وإن سلِمت أرِد لكم بالخبر، فيظن أنه مقتول، فيخرج؛ يجدهم جثث بعضها فوق بعض، قد ماتوا من أولهم إلى آخرهم.
  • يرسل الله عليهم أمثال النَّغَف، ودود يصل إلى رقابهم، يدخل من آذانهم، تنغدف رقابهم يموتون في لحظات من أولهم إلى آخرهم. 
  • بعد ما يضيق الخناق ويصعب العيش مع سيدنا عيسى، والمؤمنين في الجبال وفي الحصون، يدعو الله سيدنا عيسى؛ فيرسل الله عليهم الهَلَكَة فيهلكهم. 
  • يخرج بمن معه، فيجدوا زُهومتهم وأشلاءهم، فيرسل الله -سبحانه وتعالى- نسور وطيور كبيرة تحمل جثثهم، ويرسل أمطار تملأ الأرض تغسلها غسل، فيذهب نتنهم وأثرهم.
  • وفي الحديث أنه يحتطب المسلمون من قِسِيِّهم وأوتارهم وأعوادهم سبع سنين، سبع سنين، حطبهم منها، من كثرتها، كثرة هائلة هؤلاء.

يقول الله تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ..(97))، يعلو عليه؛ لأنه مرتفع مئتين ذراع، وأملس؛ لأنه صُبَّ عليه النحاس بعدما أوقد النار، ولما أوقدت النار في الحديد، والحديد الحار، فالصفائح الكبيرة هذه، لن تقدر أن تقرب منها، حتى الحيوان لا يقدر أن يقرب منها إذا حَمِيَت، حرارتها تمتد إلى بعيد، فكيف جاءوا يصبون فوقها النحاس؟! هذا من آيات الله أعطى ذا القرنين ومكَّنه، حديد محمّى بالنار. 

(قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) [الكهف:96]، يدخل، أين هذا الحديد المحمّى بالنار؟! من بعيد حرارته تصل إليك، يصعب عليك الاقتراب منه؟!. ولكن قال سوف اصب فوقه النحاس، وجاءوا وصبوا النحاس فوقه، هو والعمال الذين معه، لم يتضرروا! صبوا النحاس؛ فصار أملس، وصار جبل؛ ولكن كله قطعة واحدة صار أملس. (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97))، يحفروا من تحت، ما قدروا.

  • (قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ..(98))، يقول للمؤمنين وللناس الذين معه؛ هذا فضل ونعمة من الله جاءتكم. 
  • (رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي)؛ ولكن مهما استعملنا من قوتنا ومن إمكانياتنا، اسمعوا؛ لا تنسوا نسبتها إلى صاحبها الحقيقي، ما قال: هذا تمكيني، وتفكيري، وتدبيري وخطتي، (قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي)، هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي. 
  • قال: (قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ)؛ هذا الفوارق بين المؤمنين وبين المنافقين والكافرين، وما أشبه أكثر المسلمين بالمنافقين والكافرين! خططنا ورتبنا، جبناها مضبوطة! 

فتأتي على رأسك، وسنرى ضبْطك يصل إلى أين؟!

  • تأدب، تأدب مع المولى أنت مخلوق لله، وفكرك مخلوق لله، ويدك مخلوقة لله، والمادة مخلوقة لله.
  •  كن أديب أحسن لك في المملكة، إبعد من "أنا"؛ مدرسة إبليس وطريقة إبليس!

ولهذا دائما عندما يقَُص الله قصص الأنبياء، يقول (ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) [يوسف:37]، (هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي) [النمل:40]، كلهم يقولون كذا، ما ينسبون شيء لأنفسهم:

  • عرش بلقيس واحد، من أتباع سيدنا سليمان جاء به من اليمن إلى فلسطين قبل أن يرتد إليه طرفه بسرعة، قال: (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي) [النمل:40]. 
  • سيدنا يوسف يقول: (قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) [يوسف:37]، هذا منه، ليس مني أنا. 

(قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي)، واسمعوا! وهذه الرحمة، وما أوتينا من تمكين لها حد محدود، لا تغتروا؛ سيجيء وقت سيُدَقّ هذا السد، عنده خبر، وسيذهب كله والقوة التي فيه والاحتياطات التي عملناها، والنحاس الذي صببناه، قال: ماذا؟ 

  • (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكًّا..(98))، مدكوك مسوّى بالأرض. 
  • وفي القراءة الأخرى: (جَعَلَهُۥ دَكَّاءَ) أي أرضًا مستوية. 

ولا عاد زُبَر الحديد، ولا انفخوا، ولا نحاس، ولا شيء، كله يذهب في لحظة. الله الله الله الله -سبحان الباقي-. 

قال ﷺ: "أبى الله أن يرفع شيئًا من هذه الدنيا إلاَّ وضعه"، وتأمل أنت؛ ففي عمرك القصير في الحياة، تأمل كم من واحد ارتفع وسقط! 

  • حتى مرة كانت ناقة العضباء مع النبي ما تُسبَق، كلما سابقَ عليها أحد على ناقة أخرى سبقت، جاء أعرابي وسبق، فكان بعض الصحابة حزن أن يُسبَق الناقة العضباء -ناقة رسول الله ﷺ-. فلما أحس بهم النبي قال: "أبى الله أن يرفع شيئًا من هذه الدنيا إلاَّ وضعه". اتركها تُسبَق، في مظهر دنياها مسبوقة. 
  • لكن إذا انتسبت الإبل إلى صاحبها هي سابقة -إذا انتسبت الإبل إلى أصحابها فهي سابقة-، فلا أحد يسبقها في هذا صحيح، وأما في الجري والمفاخرة بالمسابقة  اتركها، لابد يوم تُسبَق، نعم.

قال: (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي) الله! 

  • اليوم الذي يأذن لهم فيه بالخروج إلى ظهر الأرض ويفكهم على باقي العالم. 
  • (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي)، يعني اقتربت القيامة وجاء اليوم الذي يخرجون فيه، الله الله الله. 

(جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98))، ولما كان من أعظم آيات اقتراب الساعة بعثة النبي محمد، أخبر ﷺ: 

  • أنه في أيامه قال: "فُتِحَ  من ردم يأجوج مثلُ هذا" ثقب صغير. 
  • وهو أصبح يقول: "لا إله إلاَّ الله ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، فُتِحَ من ردم يأجوج مثلُ هذا" 

يعني: كوة صغيرة -سبحان الله- حتى يأتي الوقت، وهذا الوقت عندما يأتي يأجوج ومأجوج ويسيحون في الأرض ويهلكون يرجع سيدنا عيسى: 

  • وفي الحديث: "لاتُحَجنَّ الكعبة بعد يأجوج ومأجوج". 
  • ويبقى سيدنا عيسى ومن معه مدتهم. 

فتعرف بهذا الميزان أن عندنا الوقت الطويل مدة نقيسها بأعمارنا القصيرة؛ ولكن مئات السنين هذه ما تعتبر شيئ. 

الآن الأمة المحمدية من أيام النبي إلى الآن ألف وأربعمئة، كانت أمم تعيش قبلنا، هذا عُمر واحد منهم! بهذا: 

  • تعرف المقاييس عندنا، تطول الأيام وما هي عند الله طويلة (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا) [المعارج:6-7]. 
  • و نحن أعمارنا قصيرة ونرى الأيام طويلة وهي ليست بشيء. "بُعِثتُ أنا والساعة كهاتين" قال. 
  • فما أقرب القيامة! (أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل:1].

قال تعالى: (وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ..(99))، كما أقام السد عليهم، ماجوا! سيخرجون، الطريق مسدودة، سيطلعون الطريق أيضا مسدودة،  سيحفرون ما قدروا! وبعد ذلك وقت يُفتح السد وقد تكاثرت أعدادهم الآن، ويصبح دك دكًا؛ لا أثر له، ويفتكون على الأرض كالموج!

(وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ)؛ صار فيهم شوق للخروج، لهم سنوات طويلة محبوسين هنا، من أيام ذي القرنين إلى الآن! وبعد ذلك سيخرجون، فهُم مشتاقين! ليأكلوا البشر والشجر والحيوانات.

وإلى أن يغرُّوا أنفسهم يقولون؛ قد غلبنا أهل الأرض، باقي أهل السماء! ويرمون أسهم نحو السماء، وتردها الله عليهم ملطخة بالدم، فيقولون؛ أهلكنا أهل السماء! فيهلكهم الله -جلَّ جلاله-. 

(وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ۖ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ)، أي اقترب الوعد الحق، كما قال في الآية الأخرى: (حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ)، قُربت القيامة (فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنبياء:96-97].

قال: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا)، جَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا،  لا يبقى صغير، ولا كبير، ولا عربي ولا عجمي، ولا ذكر ولا أنثى، ولا طفل، إلاَّ جاؤا كلهم! (فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا)

  • (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ) [الواقعة:49-50]. 
  • (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) [الكهف:47]. 

لا أحد يختفي، لا أحد يهرب، الكل حاضر. الله..الله..الله، قال: (فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)).

اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار يا كريم، يا غفار، يا أرحم الراحمين. ما شاء الله والأيام تقترب والسورة كذلك تقترب، والشهر يقترب، وعسى البركة لنا ولكم بالخواتيم، الأعمال بخواتيمها.

ألا يا الله بنظرة نُكرَم بها أجمعين، وندخل في دوائر الحبيب الأمين يبارك الله في هذا الدرس في رمضان الكريم ويجعله قرة عين للحبيب العظيم، ويجعل الله به كل حاضر فيه وسامع له ذا قلب سليم، يُحشر كذلك في يوم الهول العظيم، لا يُخزى في ذلك اليوم ويلحق بخيار القوم.

أكرمنا وإياهم بذلك يا ملِك الممالك سر بنا في أشرف المسالك، وقنا جميع الزيغ والمهالك كن لنا بما أنت أهله هنا وهناك، وبلغنا فوق آمالنا وفوق ما رجونا، وما لا يبلغه أمل آمل مما عندك من جزيل عطائك، برحمتك يا أرحم الراحمين، في لطف وعافية، وأصلح شؤون الأمة واكشف عنهم الغمة.

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد

فإذا جمعتهم جمعا، فاجعلنا ممن ترفعهم رفعا، وتتولاهم فضلًا ووسعا، وتكون لهم بما أنت أهله جودًا ومنةً منك يا حي يا قيوم، مرتبطين بحبيبك المصطفى المجتبى السيد المعصوم يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.

تاريخ النشر الهجري

19 شوّال 1434

تاريخ النشر الميلادي

26 أغسطس 2013

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام