(363)
(339)
(535)
درس يلقيه الحبيب عمر بن حفيظ في تفسير سورة الكهف بعد الفجر ضمن دروس الدورة التعليمية التاسعة عشرة بدار المصطفى 1434هجرية.
﷽
(فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) ۞ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ۖ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99))
الحمدلله على تلقِّي العلم من الحق بواسطة القرآن، والقرآن مُلْقّى، تلقّاه سيد الأكوان، قال عنه الرؤوف الرحيم: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) [النمل:6]، فسبحانك لا علم لنا إلاَّ ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، لك الحمد على ما أبقيت بيننا في هذا العالم عِلمًا من عندك لا ريب فيه، ولا مِرية ولا شك، ولا يُداخله ظن، ولا شيءٌ مما يخالط جميع معلومات الناس التي يُحتمل فيها كل ما يُحتمل من الظن والقياس والوهم والكذب؛ لكن هذا العلم الصافي، علم من الله أوحاه الله إلى مصطفاه نتلقاه بواسطة المصطفى عن الله، فتُخزَّن في أذهاننا وقلوبنا وبصائرنا وسرائرنا أنوار علم من عند الله جاء وفيه النجا.
اللهم لك الحمد شكرا، ولك المن فضلا، فزدنا علمًا ينفعنا عندك، قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11]، فللذين آمنوا درجة؛ ولكن للذين أوتوا العلم فوق الإيمان درجات، ولذا:
هذه معلومات نتلقاها عن الحي القيوم في هذه الكلمات، والقول الذي (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:42].
حدثنا الله تعالى عن ذي القرنين وعن سدِّ يأجوج ومأجوج، وأن ذا القرنين كان صالحًا ملِكًا عادلًا داعيًا إلى الله -عزَّ وجل-؛ في هذا بيان:
وحسبنا ما قرأنا في الآيات: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) [النور:55]:
(وَعَدَ) حقِّق الإيمان والعمل الصالح واترك الكلام الطويل العريض كله، ماذا تريد؟! أنت ومطالبك ومُرادك؟ قم لي بتحقيق الإيمان على وجهه والعمل الصالح على وجهه، وأبشر، انتهى كل شيء.
(وَعَدَ اللَّهُ)، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) [النور:55]:
(لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ)، من حين يطلب العلم؛ وعن الملائكة تبسط لهُ أجنحتها! ما هذه الخلافة الرفيعة؟! الرفيعة القدر، رفيعة الشأن، ثم؛
ليست فقط الملائكة تضع أجنحتها، هذا مذكور في العالم الأعلى: "إن الله وملائكته وأهل السماوات وأهل الأرض، حتى النملة في جُحرها وحتى الحوت في بحره، ليُصلَُون على معلِّم الناس الخير".
تعلَّم وأحسن، وعمل وأحسن، وأخلص وصدق؛ فعلَّم مخلصٌ لله فقط، فالكائنات كلها تذكره وتصلي عليه، والملائكة، والحيوانات، وأهل السماوات والأرض، الله أكبر!
لِم؟ لأن الكون في طوع ربَّ الكون الواحد، لا يستطيع الكون وما فيه أن يوالي من عادى إلهَهَ، لا يقدر، ولا أن يُعادي مَن والى إلهه. فإذا والى الله عبدًا فالكائنات كلها تتولاه، وكلها تستغفر له، وكلها تمجدهُ، حتى يصل الأمر إلى حدود إن هذه الأجساد التي تعيش على ظهر الأرض، من لحم ودم:
ما أصل تكوين هذا الجسد؟ أليس مثل كل جسد؟
أليس كلهم بنو آدم؟! حتى لو كلهم من أب واحد وأم واحدة، هذا وُلِدْ وهذا وُلِد، حتى لو توأم خرجوا؛ هذا شهيد، وهذا ليس بشهيد، هذا تأكله الأرض وهذا لا تأكله! الجسد واحد، وهل تقوى الأرض أن تأكل جسدًا من غير أمر الواحد؟
الأرض لها رب، الأرض لها رب، إن نسيت أنت ربك، الأرض ما تنسى ربها: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ)، فلما جاء عندنا قال: (وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ) [الحج:18]، وفي صنف معاند، معادي وجاحد غرته شهواته، وأهواءه تراهم مساكين، حالهم صعب، والعجب مع صعوبة حالهم بعضهم مغتر، وبعضهم مفتخر، وبعضهم يضحك، تتعجب عليه!
وكيف ترى لو أن صبيًا سلَّم الجوهرة التي تساوي ملايين، مقابل لُعبة لا تساوي شيء، وجاء يضحك فرحان بنفسه! قال: حصّلت لُعبة!
حال الكفار عند عقلاء أهل البصائر كحال هذا، يتعجبون في تبخترهم هذا بالباطل: (ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [غافر:75]، يستكبرون بلا حق، يفرحون بغير حق، يفرحون بغير حق!
هذه أخبار الصدق والحق، أخبار العلم النافع الحقيقي الأصيل، المأخوذ عن عالِم الغيوب عن الذي (أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق:12]، (وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) [الجن:28]. نسأل الله أن يثبِّت هذا العلم في قلوبنا، ونخرج من رمضان بنور هذا العلم، إن شاء الله.
ذو القرنين طاف الشرق، طاف الغرب، حتى جاء في بعض الروايات: أن من غريب ما وجد أنه وصل الى بقعة فيها أقوام لا خِلاف بينهم، ولا نزاع بينهم، وقبورهم على أبواب بيوتهم، وبيوتهم مفتوحة أبوابها، وأخذ يسألهم:
سألوه؛ من أين جئت؟!
قال "لو كنت مقيمًا بين أحد لأقمت بينكم؛ لكن الله أمرني أن أمضِ في الأرض" فهذه مهمته، قام وتحرك من هنا إلى هنا، إلى هنا، إلى هنا، و بلغ مطلع الشمس، مغرب الشمس، وبين السدين.
من أواخر ما حصل في البحث عن موضع السد، أن يقال:
وعلى كل حال وفي أي مكان الأمر كما قال الرحمن، وسيأتي وقتٌ يخرجون فيه كما قال الله:
وهو وقت وجود سيدنا عيسى بن مريم على ظهر الأرض بعد نزوله من السماء: "كيف بكم إذا نزل فيكم عيسى ابن مريم حكمًا مقسطًا، وإمامكم منكم"؛ يشير إلى المهدي ﷺ.
الحديث في البخاري: "كيف بكم إذا نزل فيكم عيسى ابن مريم حكمًا مقسطًا وإمامكم منكم"، في قوله: "وإمامكم منكم"؛ إشارة أيضًا إلى فخر من فخر الأمة:
وسيدنا عيسى بن مريم يقتُل الدجال، وقد صح في الأحاديث خبره، وأنه يمكث في الأرض أربعين يوما، هذا مقدار مكثه:
سيدنا عيسى يقوم على ظهر الأرض:
الإمام محمد، ولو كان موسى حيًا ما وسعه إلاَّ اتباعي، فينزل سيدنا عيسى ولا له إلاَّ اتباع محمد، فيا فخرنا بمحمد، سيدنا عيسى كبير:
فلنا الفخر بتبعية محمد، يا رب ارزقنا حسن اتباعه، هذا الشرف الأفخر، أو تريدهم يشهرون اسمك في بعض القنوات بأصواتهم الفارغة وتذهب بعد ذلك أنت وإياهم؛ سقوط إلى عذاب!
خذ لك فخرا بتبعية محمد، فإنه فخر مؤبد:
ولذا قالوا: لا يوجد في مناقب الأولياء وصف كقولهم: كان شديد المتابعة لرسول الله، هذا لا يوجد وصف فوقه، لو تأتي له عشرين كرامة، عشرين منقبة؛ هذا فوقه، هذا أعظم منه؛ شديد المتابعة للنبي، انتهت المسألة؛ هذا أعظم وصف، يارب ارزقنا حسن متابعته.
سيدنا ذوالقرنين كمَّل المهمة، ما بين الفصل بين القبائل هذه الصعبة؛ يأجوج ومأجوج:
يوحي الله إلى سيدنا عيسى:
وينحاز سيدنا عيسى بمن معه إلى الطور، ويبث في المؤمنين أن تحصنوا وإلاَّ أُكلتم في هذه الأيام، حتى تمُر أيام يأجوج ومأجوج.
وهذه الأربعين اليوم مشكلتها مشكلة، أيام الدجال، يدخل ملايين إلى النار في خلال الأربعين يوم هذا، يخلدون في النار-والعياذ بالله-:
والدجال كذلك:
ويفتتن مَن يفتتن، ويسخِّر الله له نوع من الجن يتصورون بصور الأموات:
ما المصيبة هذه؟! فتنة كبيرة.. ويبقى هكذا إلى:
قال النبي ﷺ لما سألوه مرة عن الدجال قال: "أنا من غير الدجال أخوَف عليكم، إنه إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج وأنا لست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم، إنه أعور، وصْفه كذا، أُوشبَِهُهُ بعبد العزى بن قَطَن"، أو قطن بن عبد العزى.
هذا كافر أنت مؤمن بالله وبرسوله، ما عليك منه كَون الصورة تشابهت ما يضر.
يذكر رسول الله ﷺ أنه يدور على الأرض، إلاَّ مكة والمدينة لا يدخلها، يجعل الله على أنقابها:
وتحدَّث حتى عن البقعة التي يجيء عندها الدجال في الأرض السبخة، وأخبر ﷺ:
الآن بعد التوسيعات الأخيرة، عندما تطلع في ذلك المكان، وتنظر، ما ترى أمامه بناء أبدًا، ترى الحرم من هذا المحل ويظهر لك بلون أبيض، والحبيب يقول أن الدجال هذا يقول: أترون ذاكم القصر الأبيض؟ إنه قصر أحمد، اللهم صلِّ عليه.
فآل الغرور مهما اغتروا، ومهما تواتت لهم أسباب، نقاط الضعف مطاردة لهم، إن أرادوا،ك أو أبوا، القوة لواحد، القوة لواحد. يا أحبابنا، يا إخواننا، تحققوا بضعفكم و الجأوا إلى هذا القوي.
يظنُّ -الدجّال- أنه القوي، يحيي ومعه جنة ونار، ويُنَزِّل مطر، يقتل هذا ويرده ليقتله ثاني مرة، ما يقدر عليه؛ عاجز ضعيف!
عندما يخرجون من المدينة، وهو خارج المدينة، يقول لهذا الرجل الصالح الشهيد يقول له: أتعلم أني ربك؟ فيرد: بل أنت الأعور الدجال الخبيث الذي حدثنا عنك رسول الله، وفي هذا الخبر -الذي حدثنا عنك رسول الله- إشارة إلى:
لذا قال: حدثنا عنك رسول الله؛ أنا في حصن الارتباط بمحمد فلن تضلني -الله-.
وكل الفتن هكذا إذا قوي ارتباطك بهذا الحصن لن تضرك، أما سمعته يقول: "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم"؟:
وإذا ليس هو فيك: ابحث، فانتبه لنفسك؛ وإلاَّ فكل امرئٍ حجيج نفسه.
أما إن كانت المحبة مغروسة هنا، والرابطة قوية فهو حجيجك: "أنا حجيجه دونكم" يقول صلى الله عليه وصحبه وسلم:
يريد أن يقتله، فلا يُسلَّط عليه؛ لا يقدر،عاجز مسكين. انظر، وتلك الزمجرة في الأرض كلها من بلاد لبلاد، والقبائل وراءه، والمملكة معه، ويضعف أمام هذا!
ليس هذا الدجال وحده فقط، كل الذين قبله وبعده! يضحكون علينا بالدعايات يضحكون علينا بالإعلام، يضحكون علينا بالكلام الفارغ؛ القوة مع واحد يا أحباب! القوي واحد:
عندنا حديث الإسراء والمعراج نروي قصصه بسند بيننا وبين النبي ﷺ خمسة عشر، عشرين، ثلاثين؛ رجال السند، الذين يجلسون مع سيدنا عيسى يحدثهم عن المعراج يقول: كنت معه في بيت المقدس، صليت خلفه، وقال كذا وقال كذا، اجتمعنا وإياه وفلان وفلان وقال كذا، مرَّ عليَّ في السماء الثالثة وقال لي كذا، وقال لي كذا، وقلت له كذا، فيكون الحديث مروي بسند مختصر مباشرة.
ماذا بَقي في الأرض؟!
في الحديث؛ أن الأواخر منهم هناك في خراسان جهة القوقاز! من روسيا وأوائلهم قد وصلوا إلى دمشق! كم هؤلاء؟ ما هذه الطائفة؟
ولهذا قال: (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ..(99))، ملايين الملايين هؤلاء، إذا تعرضت لهم يأكلونك، اهرب بنفسك بعيد حتى إذا أكلوا الشجر، وشربوا ماء البحر وأكلوا أسماكها، وما فيها من حيوان، ولا يحصلون حيوان ولا كلب ولا خنزير ولا حمار، إلاَّ أكلوه! يأكلون كل ما يقع في أيديهم: (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ..(94)).
هكذا أيامهم فيها اختبار للمؤمنين وابتلاء لهم، حتى جاء في بعض الروايات:
يقول الله تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ..(97))، يعلو عليه؛ لأنه مرتفع مئتين ذراع، وأملس؛ لأنه صُبَّ عليه النحاس بعدما أوقد النار، ولما أوقدت النار في الحديد، والحديد الحار، فالصفائح الكبيرة هذه، لن تقدر أن تقرب منها، حتى الحيوان لا يقدر أن يقرب منها إذا حَمِيَت، حرارتها تمتد إلى بعيد، فكيف جاءوا يصبون فوقها النحاس؟! هذا من آيات الله أعطى ذا القرنين ومكَّنه، حديد محمّى بالنار.
(قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) [الكهف:96]، يدخل، أين هذا الحديد المحمّى بالنار؟! من بعيد حرارته تصل إليك، يصعب عليك الاقتراب منه؟!. ولكن قال سوف اصب فوقه النحاس، وجاءوا وصبوا النحاس فوقه، هو والعمال الذين معه، لم يتضرروا! صبوا النحاس؛ فصار أملس، وصار جبل؛ ولكن كله قطعة واحدة صار أملس. (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97))، يحفروا من تحت، ما قدروا.
فتأتي على رأسك، وسنرى ضبْطك يصل إلى أين؟!
ولهذا دائما عندما يقَُص الله قصص الأنبياء، يقول (ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) [يوسف:37]، (هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي) [النمل:40]، كلهم يقولون كذا، ما ينسبون شيء لأنفسهم:
(قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي)، واسمعوا! وهذه الرحمة، وما أوتينا من تمكين لها حد محدود، لا تغتروا؛ سيجيء وقت سيُدَقّ هذا السد، عنده خبر، وسيذهب كله والقوة التي فيه والاحتياطات التي عملناها، والنحاس الذي صببناه، قال: ماذا؟
ولا عاد زُبَر الحديد، ولا انفخوا، ولا نحاس، ولا شيء، كله يذهب في لحظة. الله الله الله الله -سبحان الباقي-.
قال ﷺ: "أبى الله أن يرفع شيئًا من هذه الدنيا إلاَّ وضعه"، وتأمل أنت؛ ففي عمرك القصير في الحياة، تأمل كم من واحد ارتفع وسقط!
قال: (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي) الله!
(جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98))، ولما كان من أعظم آيات اقتراب الساعة بعثة النبي محمد، أخبر ﷺ:
يعني: كوة صغيرة -سبحان الله- حتى يأتي الوقت، وهذا الوقت عندما يأتي يأجوج ومأجوج ويسيحون في الأرض ويهلكون يرجع سيدنا عيسى:
فتعرف بهذا الميزان أن عندنا الوقت الطويل مدة نقيسها بأعمارنا القصيرة؛ ولكن مئات السنين هذه ما تعتبر شيئ.
الآن الأمة المحمدية من أيام النبي إلى الآن ألف وأربعمئة، كانت أمم تعيش قبلنا، هذا عُمر واحد منهم! بهذا:
قال تعالى: (وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ..(99))، كما أقام السد عليهم، ماجوا! سيخرجون، الطريق مسدودة، سيطلعون الطريق أيضا مسدودة، سيحفرون ما قدروا! وبعد ذلك وقت يُفتح السد وقد تكاثرت أعدادهم الآن، ويصبح دك دكًا؛ لا أثر له، ويفتكون على الأرض كالموج!
(وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ)؛ صار فيهم شوق للخروج، لهم سنوات طويلة محبوسين هنا، من أيام ذي القرنين إلى الآن! وبعد ذلك سيخرجون، فهُم مشتاقين! ليأكلوا البشر والشجر والحيوانات.
وإلى أن يغرُّوا أنفسهم يقولون؛ قد غلبنا أهل الأرض، باقي أهل السماء! ويرمون أسهم نحو السماء، وتردها الله عليهم ملطخة بالدم، فيقولون؛ أهلكنا أهل السماء! فيهلكهم الله -جلَّ جلاله-.
(وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ۖ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ)، أي اقترب الوعد الحق، كما قال في الآية الأخرى: (حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ)، قُربت القيامة (فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنبياء:96-97].
قال: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا)، جَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا، لا يبقى صغير، ولا كبير، ولا عربي ولا عجمي، ولا ذكر ولا أنثى، ولا طفل، إلاَّ جاؤا كلهم! (فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا):
لا أحد يختفي، لا أحد يهرب، الكل حاضر. الله..الله..الله، قال: (فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)).
اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار يا كريم، يا غفار، يا أرحم الراحمين. ما شاء الله والأيام تقترب والسورة كذلك تقترب، والشهر يقترب، وعسى البركة لنا ولكم بالخواتيم، الأعمال بخواتيمها.
ألا يا الله بنظرة نُكرَم بها أجمعين، وندخل في دوائر الحبيب الأمين يبارك الله في هذا الدرس في رمضان الكريم ويجعله قرة عين للحبيب العظيم، ويجعل الله به كل حاضر فيه وسامع له ذا قلب سليم، يُحشر كذلك في يوم الهول العظيم، لا يُخزى في ذلك اليوم ويلحق بخيار القوم.
أكرمنا وإياهم بذلك يا ملِك الممالك سر بنا في أشرف المسالك، وقنا جميع الزيغ والمهالك كن لنا بما أنت أهله هنا وهناك، وبلغنا فوق آمالنا وفوق ما رجونا، وما لا يبلغه أمل آمل مما عندك من جزيل عطائك، برحمتك يا أرحم الراحمين، في لطف وعافية، وأصلح شؤون الأمة واكشف عنهم الغمة.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد
فإذا جمعتهم جمعا، فاجعلنا ممن ترفعهم رفعا، وتتولاهم فضلًا ووسعا، وتكون لهم بما أنت أهله جودًا ومنةً منك يا حي يا قيوم، مرتبطين بحبيبك المصطفى المجتبى السيد المعصوم يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.
19 شوّال 1434