(535)
(364)
(604)
درس يلقيه الحبيب عمر بن حفيظ في تفسير سورة الكهف بعد الفجر ضمن دروس الدورة التعليمية التاسعة عشرة بدار المصطفى 1434هجرية.
﷽
(فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74) ۞ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا (76) فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ف أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)))
الحمدلله على جمعٍ على الله مُجتمع، وإليه مُتوجّهٌ في تبعيّة لأكرم مَن له يَتَّبِع، ذاكم الشافع المشفع، صاحب القدر الأرفع، محمد الأبصر في الخلق والأسمع، والأجلُّ والأرفع، والأرحبُ والأوسع، إنّه صفوة الباري فأنَّى يحيط بتفاصيل ما أُوتي غيرُ بارِيه؟ وإنّه إمام الهادين إليه، فيا فوز مَن يكون المُجتبى هاديه.
خُوطِب من العليّ العظيم في القرآن الكريم بقوله: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ)، فيا الله اهدنا لصراطك، وثبتنا على صراطك بمحمدٍ، وبأسرار ما مَنحْته من الهداية وأكّدت ذلك في خطابك له، (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) [الشورى:52-53].
ومَن اهتدى إلى صراط الذي له ما في السماوات والأرض، تحرّر من الرِّقِّ والتبعيّة لأيّ شيء في السماء وفي الأرض، ولم يعد واقفا عند شيء منها وُقوف المُنقطع، ولا وُقوفَ الواهم، ولا وُقوفَ المحجوب، ولا وُقوفَ المحجوز، ولا وُقوفَ المأسور، وهو الوُقوف الذي يَقف عنده أكثر الناس. وصار لا يقف على شيء من الكائنات إلا وُقوفَ المُتأمّلِ المُتكمِّلِ المُتجمِّلِ المُزدادِ بالنّظر قُربا من الأكبر، ووعيا وفهما وسمعا وبصرا، وإدراكا لأسرار القدرة في المقدور، وأسرار التّكوين في المكوَّن، وأسرار الخالقيّة في الخَلق، وعندئذ يصحّ أنّه سُخِّر له ما في السماوات وما في الأرض، قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ..) [الجاثية:13].
وفي تَطْواف القرآنِ بيانٌ حول شيء من هذه الأسرار، بل أقول، إنّه بالنّسبة لِمَا تتهيّأ له العقول إذا صَفَت وأنْصَفَت تَطْوافُ حول مبادئ تلك الأسرار. وأمّا في الحقيقة، فما في كلام ربي أعمق الحقائق وأدقُّها وأعظُمها على الإطلاق.
ولم يتكلّم مَن يتكلّم من العارفين بالكلام الذي استعجم فهمه على كثير من غيرهم إلا بذرّات مما وَسَطَ هذا الكتاب، وما في هذا الكتاب؛ فالحقّ والحقيقة كلّها في هذا الكتاب. فالحمد لله الذي أكرمنا به، ولكن اتّصالنا بأسرار الكتاب على حسب صفاء سرائرنا، ويتمّ ويكمُل ويقوى صفاء السّرائر بقوّة نور البصائر. وتُدرِك بذلك سِرّ طلب النور والاستزادة من النّور، وقول أنور الخلق وإمام أهل النّور ذي العزيز الغفور: "اللهم اجعل في سمعي نورا، في بصري نورا، في شعري نورا، في لحمي نورا، في دمي نورا، في عظامي نورا، في عَصَبي نورا، في بَشَري نورا، من بين يديّ نورا، من خلفي نوراً، وعن يميني نورا، وعن شمالي نورا، من فوقي نورا، قال: وزدني نورا، وأعطني نورا، واجعل لي نورا واجعلني نورا"؛ فكان من أعظم ألقاب المصطفى وأسمائه وأوصافه: النور.
هـو النُّـور المُبِين به اهتدينا *** هــو الدّاعي إلى أقـوى سَـِبـيـلِ
قالوا لسيّدتنا الرُّبَيِّع بنت مُعَاوية، وقد كان يقول لها بعض التّابعين: صِفِي لنا رسول الله ﷺ كيف هو؟، قالت: "إذا رأيته قُلتَ: الشمسُ طالعة". يا ربّ صلِّ عليه، ولكنّها شمس لا تَغيب، وشمس لا تَحرق ولا تُؤذي العين، بل تُنَوِّر البَصَر والبصيرة، صلوات ربي وسلامه عليك.
وقد صحّ في الحديث مَجيء الأعمى إليه، ورواية سيدنا عثمان بن حنيف قال: كنا عنده ﷺ فدخل رجل أعمى يَقُودُونه -لا يرى- فجاء بين يدي رسول الله، فقال: يا رسول الله، ادعُ الله لي أن يرُدّ عليَّ بصري. قال: "إن شئت صبرت ولك الجنّة، وإن شئت دعوت الله لك". قال: الجنة جزاء جميل، ولكن ادعُ الله لِي، وَلِيَ الجنة -رضيت بالجنّة وادعُ لي- قال فقال له ﷺ: "قُمْ فتوضّأ وصلِّ ركعتينِ، وقل: اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرّحمة، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى الله في حاجتي هذه لِتُقْضَى، اللّهمّ فشفِّعْهُ فيَّ". قال: فوالله ما طال بنا المجلس ولا تفرّقنا حتى دخل الرجل وهو يُبْصِر؛ ذهب وقد نجحت العمليّة بسرعة، خير من "الليزر"، ذهب توضأ، صلّى ركعتين، عَمَل العمليّة، والعجيب أنّ الطبيب هذا يقول لك: اذهب أنت افعل كذا، وهذا من العظمة والقوّة
أيّ صاحب إمكانيّة من الخلق إذا أراد أن يُساعدك، لا ينقل الإمكانيّة إليك، إلا بإمكانيّته، يُرَتِّب لك الأمر؛ أو حتّى طبيب مثلاً لمّا يُساعدك، هل ينقل الإمكانيّة إليك؟ لا ينقل معلومات الطّبّ ومعرفته ومهاراته إليك، لا يقدر أن ينقل إليك إلّا بأن يفعل لك بنفسه، أمّا هذا قال: أنت اذهب وقُل كذا كذا، احمل الحاجة واذهب اسأل.
كما قال سيدنا إبراهيم للرّبّ: (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى) فلم يقل له احْيِيها، بل قال: (قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ)، أنتَ اذهب ادْعُهُنَّ. ما هذا؟! سرّ الإحياء منّي أجعله فيك؟ لا! اذهب قل لها: تعالي، فتسمع كلامك فتَحْيَا، (ثُمَّ ادْعُهُنَّ) هذه عظمة! (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا) [البقرة:260]
والحبيب هكذا فعل للرجل، قال: أنت اذهب، قُل، افعل كذا... ذهب وفعل وقد أبصر.. يقول سيدنا عثمان: فلماّ دخل عنده وهو يُبصر. قال له ﷺ: "فإن كانت لك حاجة فافعل مثل ذلك"، هذه صلاحية مستمرة، إذا عندك أيّ حاجة، اعمل هذا الدعاء.
فتعلّم الجُلَساء هذا الدعاء من رسول الله ﷺ حتى يقول راوي الحديث عثمان بن حنيف: قَدِمَ عليه واحد ممن يعرفهم في المدينة أيام خلافة سيدنا عثمان، كلّ يوم يأتي إلى باب سيدنا عثمان وما يُلتَفَتُ إليه، وما يُحصّل فرصة للدخول عنده، وما يُقَدِّمُونه، وما يُكلمه سيدنا عثمان؛ أوّل يوم، ثاني يوم، ثالث يوم.
جاء إلى عند عثمان بن حنيف، وقال له، كلِّم أمير المؤمنين في أمري، أريد أن أكلمه في حاجة. قال: إن شاء الله، لكن أنت اذهب فتوضأ وصلِّ ركعتينِ وقل: "اللّهمّ إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله" الحديث، انظر!
هذا تعليم النبيّ. وهو يقول له قل: "اللهم... يا محمد... اللّهمّ إني أسألك وأتوجه إليك …، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله"، لم يقل له؛ هذا الذي تقوله شِرْك، ولا قال له هذه "يا" لا تقولها عند أحد، أو لا تقول: يا فلان ويا …، والصحابة فهموا ذلك، ولا فرق عندهم بين أن يكون ﷺ مُقَيَّدا في الحياة الدنيا أو مُطْلَقاً في عالم أوسع وأكبر، فإنهم يُنادون الواحد الأحد بمحمد الأحمد، الذي لم ينقص مقداره عند ربّه بخروجه من الدنيا، ولا يزال يزداد، وما عند الله خير للأبرار.
علَّمه الدعاء، والرجل دعا وذهب، ولمّا صل عند الباب، قال له سيدنا عثمان؛ تفضل إلى هنا، أجلسَهُ جنبه على الطِّنْفِسَة، قال: مرحباً مرحباً، ما حاجتك؟ قال: كذا وكذا، قال: تفضل، تفضل، إن لك حاجة ارجع إلينا.
لقي عثمان بن حنيف في الطريق، فقال له: جزاك الله خيراً، ما كان يلتفت إليَّ، وما كنتُ أَحصُلُ على فرصة معه حتى كلَّمْتَه في أمري.-كان يعتقد أنه تكلم معه-، فقال عثمان بن حنيف: واللهِ ما رأيت أمير المؤمنين منذ فارقتُكَ من أمس، منذ فارقتك ما رأيته ولا كلمته، لكن أنتَ صلَّيْتَ ودعوتَ بما علَّمْتُكَ؟ قال الرجل: نعم. قال عثمان: فهو ذاك السبب. هذا السبب هو الذي بلَّغكَ ما بلغت، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
كم شفى الله به من سقيم، وكم عافى الله به من كليل، وكم قرَّب به من بعيد، وكم حوَّل به شقياً إلى سعيد.
ولمّا وفد وفدٌ مرة من المدينة إلى سيدنا عمر بن عبد العزيز، سأل عن شاب فيهم، فقال: هذا مَن؟ وكان ابن قتادة بن النعمان. قال له :
أنا ابن الذي سالت على الخَدِّ عينه *** فرُدّت بكفّ المصطفى أحسن الردّ
فقال له سيدنا عمر:
تلك المكارمُ لا قُعْبانِ من لبنٍ *** شِيبَا بماءٍ فعادَ بعدُ أبوالا
رضي الله عنهم.
قصَّ الله علينا من تلك الأسرار، قصة موسى والخَضر، وأخبرنا أنه وقعت ثلاث وقائع:
لا شك أن سيدنا موسى استفاد، لأنه في هذه الرحلة أراد الله أن يرقّيه، والكامل من الخلق يقبل الكمال، كل كامل من المخلوقين يقبل الكمال. ومن عظيم نعمة الله على الإنسان خاصة أن هيّأ له سبيل الارتقاء أبداً دائماً، ممكن أن يزداد، وأن يزداد...
حتى يقول كثير من العارفين إن هذه الخصوصية تميَّز بها بنو آدم حتى عن الملائكة، فإنّ الملائكة مهما عظم قدْرهم عند الله، كلٌ يخلقه الله في مقام فيظلّ فيه إلى الأبد، بل هي مقامات عُليا عظيمة، ولكن؛
هذه الخصوصية عندنا: يمكن أن تزداد، ماذا عندك من فضيلة؟ أي شيء ليس عندك، ممكن أن تحصله، وكل فضيلة عندك يمكن أن تقوّيها، يمكن أن توسعها، يمكن أن تنميها، يمكن أن توفرها، يمكن أن تثبتها، يمكن أن ترتقي في مراقيها وترقى.
وإلى متى؟ لا يوجد إلى متى، همّتك و جود الله عليك، ليس له حد، الى ما قُسِمَ لك في الأزل. نعمة من نعم الله تبارك وتعالى، فالإنسان يترقّى.
سيدنا موسى الكليم في المقام العظيم، لمّا حصلت منه الكلمة، فقال: ما أعلم أحدا على وجه الأرض أعلم مني، فعاتبه الله ورتّب له الرحلة، وراح يرحل ومهتمّ بالرحلة. فهو في مجال التكميل وهو كامل، لكن الكامل يقبل الكمال الأعلى، فهو استفاد فوائد عظيمة من هذه المصاحبة لسيدنا الخَضِر وقيامه معه، كما استفاد سيدنا الخَضِر من الكليم موسى.
وهكذا في مصاحبة الأخيار، وأرواح المؤمنين إذا تلاقت تساقت، تسقي كل روح الأخرى مما عندها، فالخصائص المبثوثة في المؤمنين تقوى بتقابُلهم، ولهذا عُدَّ من نعيم الجنة: (إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) [الحجر:47].
وأنت في عامّة الفرائض الخمس في رمضان تجد جماعة كبيرة؛ مئتين، ثلاثمائة، أربعمائة، خمسمائة... الحمد لله، كم صلّينا الصبح نحو ألف نفر زيادة كثيرة... الصلاة مع الاثنين أفضل مِنْ صلاته مع واحد، مع الثلاثة أكثر، وإذا مع ألف، نعمة كبيرة! وإذًا يكثر الذين يحضرون من أهل الغيب؛ من الملائكة. إذا كثرت الصفوف بالبشر، كثرت صفوف الملائكة أيضاً. فالملائكة يكثرون، ويكثر أهل الغيب ويصلّون معهم. إذا تصافحوا، يتصافحون معهم.
وفي الحديث: "مَن فطَّر صائما من مال حلال، صلّت عليه الملائكة ليالي رمضان، وصلى عليه جبريل ليلة القدر". وفي لفظ وقد صحّ: "وصافحه جبريل ليلة القدر، ومَن صافحه جبريل يرقّ قلبه وتكثر دموعه.".
فتلاقى سيدنا الخضر وسيدنا موسى، فلا شك أن كلا منهم استفاد فوائد عظيمة. كما قصّ الله علينا مثل الألواح التي وُضِعت، لكن ما استفاده هذا وهذا أمرٌ كبير.
سيدنا موسى ترقّى في هذه الرحلة، حتى في آخر شيء قرأناه، يقول للخضر -حتى ما جاء، لا بوصف اعتراض ولا إنكار مثل الأوليين-:
ولكن في مقام الكمال؛ قال الأستاذ: هذا العرض في غير محله، لِمَ تبدأني بالعرض وأنا قلت لك:لا تُحْدِثْ لَي مِنْهُ ذِكْرًا؟! ولو بغير صيغة إنكار، من دون إنكار ولا اعتراض، لا تتكلم! أنت في مقام كمال الآن، أنت في تربية عُلوية فوق.
قال: (هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ (78)). يعني هذا السؤال سبب الفراق بيني وبينك، هذا الزمن هو الآن، موعد الفراق، هذا وقت الفراق بيني وبينك؛ هذا الفراق حصل الآن.
(هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ (78)). والنبي يقول عن سيدنا موسى أنه استحيا، فقال قاطعاً على نفسه: (قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا (76) . فاستحيا وقال هكذا، لكنه استحيا ويوَدّ أنّه يزيد، وكملت الفائدة. الآن يقول: (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)،
قبل مدة هو بنفسه -سيدنا موسى- وردَ إلى ماء مدين، ووجد (مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ) [القصص:23] وقام يسقى لهما، ولم يأخذ أجرًا، ولم يقل شيئًا عن الأجر. وهو في تعب، جاء من طريق متعب مجهد أشد من هذا، ولم يطلب أجراً. (فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص:24]. ولم يطلب أجرًا، ولم يقل شيئًا. هل هو نسي هذا؟ والآن يقول للخضر: (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77))؟!
قالوا:
وهو بذلك يرقى، ولكنها رُقِيٌّ فوق ما تتخيّل، لأنها شؤون نبوة ورسالة، وأحوال الأنبياء مع رب العالمين فوق ما نتخيّل. وأعرَفُ ما يكون بها نبيّ نبيٌّ آخر، وإن كان نبيّ آخر دونه منزلة أيضًا لا يحيط به، لا يُحيط بشأن نبوّة الآخر. فكيف بخير الأنبياء؟
فشأن رُقيّهم مهما تصوّرتم عنه هو فوق ما تتصوّرون. لأنها علاقة نبوّة ورسالة بحضرة الربوبية، هذا ما نجدها نحن، لا توجد عندنا، فما نقدر أن نقيس. فمهما كان عندنا، نقيس شيئا من شؤون القرب الذي نُدركه نحن، والمعرفة التي نُدركها نحن، والسّمو والرّقيّ الذي نُدركه نحن، وأين هو من مراقي الأنبياء وسموُّهم وأذواقهم؟ صلوات الله وسلامه عليهم.
كمَّل الثالثة، (قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78))، ففي وُجود الحوادث، ثمّ في الختام بالنّبأ عن التّأويل، حصل لموسى مجموعات من الفوائد والمنافع والمعارف والتّرقيّات واكتفى بذلك، ومع اكتفائه بذلك كان يظهر من أن الخَضِر ميّالٌ إلى الانفراد والخلوة بالله سبحانه وتعالى، وموسى يستزيد من العلم.
قال سبحانه وتعالى: (سَأُنَبِّئُكَ)؛ أُعلّمك وأُخبرك، (بِتَأْوِيلِ)، لم يقل: بتأويلِ ما رأيتَ، بل قال: (بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78))، الذي لم تقدر أن تصبر عليه. لأنّه في مقام تربية الآن، في مقام تأديب؛ فاتبعَهُ بمعنى من التأديب.
لهذا يقول الإمام الحداد أنّه عند حصول التقصير والهفوة من أحد، يقول؛ إن كنّا نحبّه نعاتبه ولو بكلمة، نقول له كلمة، وهذا في مقام التأديب، قال: (بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78))، الذي لم تقدر أن تصبر عليه؛ معنى اللّوم ومعنى العتاب حَمَلَه، لأنّه تعلم مقاماً في الانكسار لله.
مهما عرفنا نحن من معنى الانكسار لله، فعلى قدرنا، لكن هذا مقام نبوة، هو يعرف معنى الانكسار لله ما لا نعرف نحن، لكن الله رقّاه في هذا المقام؛ لِمَ لم ترجع العلم إليّ؟ عبدُنا الخضر أعلم منك؛ فتعلَّمَ منه.
وترقّى في مراتب الانكسار، كمَّلها الخضر بقوله: (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78)). وبعدما نبَّأَهُ، قال: (ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82))، وَرَدّ الكلام مرة أخرى.
من أجل تكميل في شأن الانكسار. لكن هذا انكسار نبوة، هذا ليس انكسار إنسان مؤمن عادي ولا إيمان مؤمن ولي مقرب؛ إنكسار نبي، انكساره أكبر لله سبحانه وتعالى. والخضر ما قصَّر، أدّى مُهمّته كما أقامه الله جلّ جلاله، والكليم فاز بالكمالات وعاد إلى أداء المهمات، صلوات الله عليهم؛ (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78)
(أَمَّا السَّفِينَةُ..)، التي ركبنا فيها وأخرجنا لوحها، (فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ (79)) لمساكين؛ تحتمل معنيين:
وحيث وُجِدت المَسكنة، فذاك مهوى ومأوى العارفين والمقربين والصالحين؛ من تمسكن مالوا إليه، لأن الله يتكرم على المتمسكن أكثر؛ فقلوب أهل حضرة الله مَيلها إلى مَن هو مُتمسكن أكثر.
ولهذا نجد في صفة نبينا أنّه كان يحب المساكين ويجلس إليهم، وكذلك مضى الأنبياء من قبله؛
(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ)، لهم شغل في البحر، يركِبون الناس وينقلون الحوائج أو يتصيدون، يعملون في البحر، (فأردتُ أَنْ أَعِيبَهَا.. (79))، وكان في هذا البيان للوقائع تكميلُ للتربية.
فلمّا جاء إلى الخير المحض والإحسان المحض:
وهذا سرّ التأديب في القرآن لنا:
فمن كبير مخاطر وأمراض المؤمنين أن يكونوا إذا أُسْدِيَتَ لهم مِنْ قِبَلِ المحسنِ حَسَنةٌ، وجرت على أيديهم، أن يقولوا: نحن! وهذا من المخاطر، هذا من الأضرار. ولهذا تجد نوعاً من التعب والفشل في حال الناس اليوم، كل واحد يقول: قَومي وجماعتي وحزبي، ونحن فعلنا ونظَّمنا وعدَّلنا...
لما قالوا لهم على الدعايات. قالوا: دعايات! كل شيء دعايات، وكل موقف دعاية لحزبه وجماعته وقومه، ونحن ونحن... فشل! لكن، (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا.. (82)) هل يوجد عاملون هكذا؟! يوجد مستورون، موجودون في الشرق في الغرب، في العرب في العجم، موجودون عندنا، لكن لا هم حول الإعلام ولا مظاهر الإعلام، ولا لقلقةٌ باللسان ولا كلام الناس. اترك أهل الفراغ في فراغهم هذا. هؤلاء فَارِغون من نور الحقيقة، من سر الصدق مع الله، فلهم الفراغ. خذوا اشبعوا بالإعلام، واشبعوا بالقنوات، واشبعوا بالرسائل... فشل فيه فشل، وتعب فيه تعب.
لا أحد يتحدث عن الصادقين، نحن في بركتهم والمؤمنون كلهم في بركتهم، لولا هذه القلوب،(وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [الفتح:25] . ولو تزيّل هؤلاء من بيننا، لَرأينا فتنًا أكبر من هذا الواقع وأعظم وأشد. ولكن ببركة هؤلاء، أحدهم يفرح إذا اطّلع الله عليه مطيعا صادقا مخلصا، ولا عليه أن يقول الناس في الشرق والغرب: هذا مُقَصِّر أو سلبي أو ما يعرف يتصرف، وما يعرف الواقع أو عقله متحجر. ليقولوا ما يقولون.
شغلهُ الوحيد، ماذا يقول ربّي، ما يقول ربّ العرش عنّي. والشّأن كما كانت تقول رابعة:
فليتك تحلو والحياة مريرةٌ *** وليتك ترضى والأنامُ غِضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامرٌ *** وبيني و بين العالمين خرابُ
إذا صح منك الود فالكل هينٌ *** وكل الذي فوق التراب ترابُ
وفي عصرنا بما فيه، كم من محاولات تحصل كثير، للحط من هذا، والنيل من هذا، ودعايات؛ منها في الانترنت ومنها كذب، تُنشر من هنا.
وكثيرٌ ممن يحاولون حطّه يريد الله رفعه، فما يكون إلا مرفوعا؛ بعد مدة سنة، سنتين، ثلاثين سنوات، وانظر أين يُرفَع بعد ذلك!
وكثيرٌ ممن أرادوا التطبيل له، ولكن يريد الله وضعه، بعد فترة قصيرة انظر إليه، احفظ في ذهنك، ستجده موضوعاً. فتعلم أنَّ في الأمر قديرا، في الأمر خبيرا، في الأمر سميعا بصيرا، في الأمر عليّا كبيرا، في الأمر قيوما، لا يوجد ذرة من ذرات كونه سلَّمها لواحدٍ ثانٍ. كلا! كل ذرات كونه تحت نظره وتحت قوته وتحت هيمنته وتحت قدرته وتحت تدبيره وتحت تصريفه وتحت أمره جلّ جلاله..
وهكذا الحال،، سيدنا نوح كان يصنع السفينة،(كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ)، فكيف لو كان الآن أحدٌ يُقيم بيننا سفينة النجاة من هذا الطوفان الذي هو مقبل على الناس؟
هل يضره لو أن كلما مرَّ أحدٌ استهزأ به؟ هل يضره شيء؟!
ما هذه العظمة! لكن الله نسبها إلى نفسه: (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ * وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا) [هود:38-41].
كيف نركب فيها يا نوح؟
قال: (بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) -لا يوجد أنا ولا نحن- (بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ) [هود:41-42]. الآن يصنعون سفنًا قوية، وترتطم ببعض الأمواج تتكسر. وهذا سيدنا نوح، من أين جاء بالمسامير وجاء بالألواح القوية؟ سبحان الله!
ما هو السر الذي فيها؟
نحن كنا كلنا في السفينة، (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) [الحاقة:11]:
ولهذا حتى الحيّات كانت معه، نوع من الحيات والعقارب، حتى يقال إنه أخِذ عليها العهد إنّ مَن ذكر اسمه لا تَمَسَّه. ولهذا قالوا: مَن دخل مكانا يخاف فيه حيّات وعقارب ويقرأ:
والواحد منّا حتى تسع أيام يضيق، يقول: كلّمتهم، لا توجد فائدة، ما فيهم خير! لا حول ولا قوة إلا بالله، ماهذا الكلام! اصبر! انظر قدامك تسعمائة وخمسين سنة، هذا واحد نبي عظيم وما آمن معه إلا قليل، ولا تبرّم، حتى أوحي إليه: (أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ) [هود:36]، ما دام الأمر هكذا:
(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) [الحاقة:11-12]، في هذه الآية إشارة إلى حقائق:
يقول: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فأردتُ أَنْ أَعِيبَهَا) -أنا- (وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ) يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79))، ما (وَرَاءَهُم) هذه؟!
هل قد عدّوا عليها، وقد خرجوا منها، او ماذا؟ بل هي مقبلة عليهم، لهذا ينسبون إلى شخصيّة جُحا بعض أخبار غريبة، ولكن يقولون إن أصله كان شخصا عالما، ليس هذا الذي ينسبون إليه أنواع الحماقات والهبالات، فقد مرّ على رجل وقال: أين دار فلان؟ قال: وراءك. رجع للوراء، قال له: لا! هنا، فقال: أنت قلت ورائي! فقال جحا: ألم تقرأ قوله تعالى: (وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79))؟!
وهذا الملك كان كافراً، وقد صدّر قرارا، مثل قرارات التّأميمات هذه التي يصنعونها، انظر الآن، فالكفار والفجّار لا يعملون خصلة إلّا وقد سبقهم سادتهم من قبل! صنعوا قرار التأميم، فأي سفينة كاملة صالحة تمرّ على هذا المكان تُؤمَّم، وتدخل في حساب الملك. فصدّر الملك هذا القرار، وكان كل سفينة كاملة ليس فيها عيبا تتحوّل إلى عنده! سيدنا الخضر قلع اللوح من السفينة، وكلّم المساكين: أنا فعلت هكذا لأنكم ستمرون على مكان الملك، نقطة التفتيش، وهذا الملك أمر جنوده أن أي سفينة صالحة يأخذونها، فاتركوها بهذا العيب حتى تمرّوا، فإذا مررتم عليها، صلِّحوها، وردوها لكم. إنما عملت هذا لتنجو السفينة، فقالوا له: جزاك الله خيراً.
سيدنا موسى لا يعلم، قال: (أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)، أنت ليس لديك صبر أصلاً! وإذا نظرت للكلام وجدت كله كلام تربية، لأن الكامل يقبل الكمال. فهكذا ينبغي للإنسان أن يطلب الرّقيّ.
(وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ)، كافر، (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ)، صالحة، (غَصْبًا (79)) فإذا رأوا أن فيها عيبا، قالوا: دعوها تمضي، ما لنا حاجة بها؛ فوصلت السفينة، فقالوا: دعوها تمر، بعد ذلك أعادوا اللّوح الى مكانه، ومشوا في حالهم. وقال لهم: اشتغلوا عليها، هذا أحسن لكم.
وفيها أيضاً أنه إذا وقفنا بين أمرين، نختار الأهون والأخف ضرراً. إذا وقفنا بين ضررين:
وفي كلها تعليم:
قال: (وَأَمَّا الْغُلَامُ..(80))، طال الوقت، لكن هم عجيبون هؤلاء القوم، والقرآن أعجبٌ، وربّي هو العجيب جلّ جلاله، فتجلّى عجبُ الله في كلامه، وتجلّى عجبُ الكلام فيمن أثنى عليهم كلام الله وهم الأنبياء والمرسلون؛ فأخذنا عَجَبُ كلام الله حتى طولنا الوقت عليكم، والحمد لله على كل حال، نفعنا الله بهم وبالوحي الذي أنزله وبالمُوحَى الذي أوحي إليه.
اللّهمّ افتح لنا بمَن أوحيت إليه أبواب الفهم فيما أوحيت، حتّى ننظر إلى أسرار وحيِك بمرآته، ونحظى بكريم مُصافاتك ومُصافاته، ونُكرم بالحضور في حضرته أبداً، ونكون بذلك من أسعد خلقك سرمدا، كما أنت أهله، بما أنت أهله، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد
صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
05 شوّال 1434