(535)
(364)
(604)
درس يلقيه الحبيب عمر بن حفيظ في تفسير سورة الكهف بعد الفجر ضمن دروس الدورة التعليمية التاسعة عشرة بدار المصطفى 1434هجرية.
﷽
(فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74)۞ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا (76) فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78))
الحمدلله مكرمنا بأنوار القرآن والاستضاءة بها وتلألُؤِها لنا في شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن، والذي مضى علينا أكثره وما بقي لنا إلاَّ الأقل من أيامه الزاهية ولياليه الباهية، ونسأله أن يجعل حظنا وافرًا من خاتمته فإنما الأعمال بخواتيمها.
تُقْبِل علينا الليلة فنودِّع أوتار العشر الأواسط، ثم يأتينا ليلة العشرين فنودِّع جميع ليالي العشر الأواسط، فنستقبل العشر الأواخر.
فذي العشر كان النبي الكريمُ *** إذا دخلت أبـــدًا لا ينــــامُ
نوى الاعتكاف إلى يوم عيدٍ *** وأيقظ نساؤه عليه السلامُ
وزاد اجتهـادًا وهو في مزيــدٍ *** وشمّر وأحيا الليالي العظامَ
صلوات ربي عليه وسلامه، وكان يبكي كل ليلة، وكان للمناجاة في الليالي العشر؛ يغتسل ويتطيب ويُقدَّم له البخور في كل ليلة؛ لأجل المناجاة في الليالي، ففي كل ليلة كان يجدد غُسْلَه وطيبه؛ لأجل تعظيم المناجاة.
الحمدلله،، وفي سورة الكهف وصلنا إلى قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضِر، على نبينا وعليهما وعلى جميع الأنبياء والمرسلين أزكى الصلاة والسلام، وعلى آلهم وأصحابهم ومَن تبعهم على مدى الأيام، وقد مررنا على قوله -جلَّ جلاله-: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا(65)).
وعلِمنا أن من العلم ما ينقدح في القلب مباشرة من الحق من دون سبب ولا واسطة، وهذا ما يتحدث عنه خيار الأمة وصلحاؤها؛
أنه يُفتَحُ له باب هذا العلم الواسع الكبير (رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه:114]، ومثاله من يريد إحضار الماء فيطلبه من نفس الأرض، فيبحث حتى ينتهي إلى الماء.
وكذلك ما أُودِعَ في روح الإنسان، وبَطَنَ في سرِّهِ من معارف أودعها الله إذا تنقَّى واتَّقى، وتصفَّى عن الشوائب وأقبل بالكلية وحضر مع ربِّ البرية:
ونعلم أن مختلف أرباب المِلل أدركوا أن في باطن الإنسان خصائص ومزايا، ويمكن التوصل إليها بإضعافِ هيمنة وسلطان الحس والجسد على الإنسان، فاستعملوا طرائق في الرياضات للتقليل من الشهوات وقلة المشروبات والمطعومات والمنام إلى غير ذلك..
ولكن شأن أرباب المعرفة واليقين أَقْوَمُ وأَرْفَعُ وأَسْمَى وأَعْظَمُ في تحصيل المعارف والعلوم بالعُكوف على باب الله مع:
(وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا(65)):
فما حصل مع الخلل في القيام بأمر الشريعة فليس من العلم اللدني بحال..
فعلم الشريعة أخذه وتطبيقه، بل حُسن تطبيقه وحُسن العمل به هو الطريقة، وهي التي تفضي إلى الحقيقة:
وإذا تمَّ الدين وكمُل لك بالتحقق بحقائق الإسلام والإيمان محاطًا ومكسوًا بنور العلم والبيان، أفضى بك ذلك إلى الإحسان، فإذا رسخ قدمك في الإحسان كمُل الدين؛ فبدأ ينفتح باب المعرفة الخاصة والمحبة الخالصة، (وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا).
(قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا(66))، وفي قراءة: (رُشَدًا)، وفي قراءة: (رُشُدَا) يعني:
قال: إذن (لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا(67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا(68))، وفيه أن كل فن من فنون العلم، يُنكِرُ مسائلهُ من لم يتصل بذلك العلم ولم يتحقق به.
(قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا(69)، فذكرنا أنه شرط عليه الشرط، وقال: (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا(70))، وقبل أن أذكرهُ أنا لك، فاسكت ساكت، انظر وتأمل، وشاهد واسكت، وكان شرْطه على الكليم، فقَبِلَهُ ومشى.
قال تعالى:
وقد سبق معنا أنه وقع طائر على البحر فنقر بمنقاره، فقال: ياموسى، ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلاَّ كما نقص هذا العصفور بمنقاره من هذا البحر، وفي رواية؛ كم نقص العصفور من البحر؟ رُبع البحر أو خُمسه أو سُدسه؟ أو كم نقص من البحر؟ لم ينقص شيء، فكذلك علوم الخلائق -مهما اتسعت وعظمت- إذا نُسِبَت إلى الحق تعالى وعِلم الحق، تلاشت وصارت كلا شيء الله.. الله.
بل يذكر المحققون والعارفون أن ما يتعلق بعلوم صفات الحق وأسمائه وعظمته وآياته في الكون:
ومع ذلك فإمامهم هذا وأوسعهم علمًا يطلب الزيادة بأمر من الله في كل وقت: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه:114].
وقد ألمحْنا أن ذلك يقضي بخطأٍ وخطلِ وخطر الغرور لأي طائفة من الناس، أنهم بلغوا الغاية في أي علم كان، ونقول: علمتَ شيئًا وغابت عنك أشياءُ، وهذا ثابت لكل مخلوق، وقد قال الملائكة: (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [البقرة:32]، إلاَّ أنه تختلف مراتب العلوم في الدرجات، فأعلاها العلم بالله -جلَّ جلاله-، ونسأل الله أن يخصنا منه بنصيب وافر.
(فَانطَلَقَا)، ومشيا على الساحل، ثم احتاجا إلى ركوب البحر للمُضي إلى مكان وراءه فمرت سفينة، فطلبوا من أهل السفينة أن يُرْكِبوهم، فعرفوا الخضِر، فقالوا: من غير نول -أجرة- تفضل أنت وصاحبك هذا، وصاحبه الذي معك، تفضلوا من دون نول، إكرامًا للخضر؛ لأنهم يعرفونه، فأكرموهم ودخلوا معهم في السفينة، يمشون في السفينة. والرجل على الشرط مع صاحبه.
إلاَّ وسيدنا الخضر يجيء إلى واحد من ألواح السفينة في جدارها، يقلعه ويرمِّيه في البحر! فنسي سيدنا موسى الشرط والعهد، قال له: ماذا تفعل؟ القوم حملونا من غير نول، وأركبونا معهم إكرامًا لنا، تقوم أنت تُغرق سفينتهم ، تعطِّل فيها وتهيأهم للغرق والهلاك، يدخل الماء عليهم من هذا الجدار ويغرقون؟!
قال: (فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا) في قراءة: (لِيغْرَقَ أَهْلُهَا). تُعرِّض الناس للغرق والهلاك؟! والقوم حملونا من غير نول؟! ولو كان ما كان لا يجوز لك، فكيف تعمل هذا؟! (قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا(71)) يعني هائل، شنيع، (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا)، قال: ها! هذا الشرط الذي بيني وبينك!
(أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا(72)). قال: ها.. نسيت! ذكرت هذا ولكني الآن نسيت. (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي) -يعني تُغشِّيني-أرهقه بشيء: أي غشيهُ به، (لَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي)، في مرافقتك واتباعك ومتابعتك للأخذ عنك، لا تكلفني أمر عسِر؛ صعب (وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا(73))، إذا نسيت لا بأس، نتحملك نمشي بسم الله.
مشوا بعد أن خرجوا من السفينة، مرّوا على صبيان يلعبون، سيدنا الخضر يرى واحد صبي صغير -أوضأهُم- يمسكه، ويقلع رقبته يقتله! قد وصلنا الآن إلى قتل النفوس! أنكرنا أولا على لوح السفينة، فزعنا أن الناس يغرقون، والآن قتل مباشر!
قال: (فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ)، (زَٰكِيَةَ) وفي قراءة: (زَكِيَّةً):
(أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً)، في قراءة: (زَٰكِيَةَ بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا(74))؛ مُنكَر؛ (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ)، أضاف (لك) الآن! وكان يقول: (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ)؛ لكن قال: (أَلَمْ أَقُل لَّكَ)، زيادة في العتاب وتحميلُه المسؤولية واللوم على ما صدر.
(أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا(75) قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي) أعطنا مهلة، وسامحنا في هذا، وبعدها أنا ملتزِم إن أخليتُ بالشرط، أمنع عني صحبتك.
(قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا(76)):
وفي هذا جاء الحديث يقول: "عَجِل موسى"؛ ولكنه معنى الحديث: استحيا من الخضر، لمّا أول مرة، وثاني مرة، وهذه باقي واحدة فقط، وفي اللفظ الآخر يقول: "وددت أنه صبر حتى يقُص الله علينا من أخبارهما عجبا"، يقول: "لو صبر موسى لرأى العجائب"؛ ولكن شاءت الحكمة أن نكتفي بهذه الثلاث الوقائع التي وقعت، الله.
وفيه أنه إذا أُوحي بقتل نفسٍ صار تلك النفس مُهدرة بحكم الوحي، فكذلك كما سنسمع في قصة هذا الغلام (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ):
هذا الذي يحصل من الأصفياء والأولياء؛ لِحِكَمٍ، أما أن يخالف عين الشريعة، فما يمكن ولي أن يخالف الشريعة؛ هذا ليس ولي، هذا صار غبي، وصار بلي وليس ولي. ما يتأتى ولي يتعمد مخالفة شريعة الله!
(أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا(74)) وفيه أن الغلام في اللغة يطلق على البالغ ويطلق على الصبي، واختلفوا فيه، والأصح أنه كان لم يزل صبيًا صغير؛ ولكنه عليه من الشقاء ما لو بقي حيًا لكان سببًا في كفر أبويه -والعياذ بالله تبارك وتعالى- كما سنسمع في كلام سيدنا الخضر عندما بّينه لموسى بعد أن جاءوا في المرة الثالثة وانتهت الصحبة والمرافقة، ورجع سيدنا موسى إلى مهمته، ويمضي الخضِر في مهمته، كلٌّ بما وضعه الله فيه وما رتبه عليه يقوم بواجبه.
يقول: (فَانطَلَقَا)، باقي لك واحدة، إذا خالفت فيها انتهت الصحبة، قال: بسم الله مشوا.. (فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ)، وصادفوا أن أهل هذه القرية خرجوا عن نطاق الفطرة والإنسانية والمكارم، فصاروا لِئام، لا يعرفون حقًا لأحد ولا يُحبون الضيف.
(فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ)، ووصلوا الى القرية وهما جائعان..
والجدار مائل يكاد أن يسقط ويقع، قال تعالى: (فَوَجَدَا فِيهَا) -في القرية- (جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ)، يقولون: إنها من باب المجاز؛ نسبة الإرادة؛ ولكن مع هذا المجاز معاني، (يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ) الجدار، أي أن يسقط.
(فَأَقَامَهُ)، أشار سيدنا الخضر ورتَّبه وقوّمه تماما؛
سيدنا موسى الآن، عرف المقصود من علِم الخضر، وأنه لا يهمه في مسألة مهمته وأدائه الدور ويرجع لإكمال واجبه في الرسالة؛ فتعمد قال: والآن جالس ترمّم لهم الجدران هكذا، مجانا؟! وهم مارضوا أن يعطونا حتى لقمة ونحن جائعين! لماذا لا تتخذ على البناء أجر؟ ما دمت ستخدمهم وستبني، قل لهم يعطونا أجرة نأكل بها، وصلّح لهم الجدار؟!
(فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا)، في القراءة الثانية: (لَوْ شِئْتَ لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا(77))، قال: انتهت المُهلة، انتهت الفرصة، هذا فراق بيني وبينك.
(قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا(78)):
السؤال الأول:
قال: أمر الله سيدنا موسى أن يتخذ الحوت معه ويحمله كما جاءنا في الحديث الشريف الصحيح، نعم. وحدد له المكان؛ مجمع البحرين قد قال: (لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) [الكهف:60]:
ثم ما ترتب عليه من تتابع الآيات في اتخاذ السَّرَب في البحر إلى غير ذلك، ولله وراء ذلك حِكَمٌ يحيط بها علمه -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-.
السؤال الثاني:
وقد تقدم السؤال عن اختلافهم في سيدنا الخضِر:
وأيضًا في مسألة بقائه وما إلى ذلك، ومرجع ذلك كلام كثير من صالحي الأمة وخيارهم، فماذا تريد منه؟ اتق الله -تبارك وتعالى- واستقم على منهج محمد، فإذا كان لك ذلك فالخضِر وغير الخضر من الصالحين سيحبونك ويدعون لك، احياءهم وموتاهم.
وأرسل مرة واحد لسيدنا الإمام الحداد يقول له: أرسلوا إلينا الخضر! فأجابه وقال:
واعلم أننا نحب لو لقيناه لأردنا منه:
ونبّهه من غيِّه وقال له:
السؤال الثالث:
يقول: هل الجن هم المسلمون؟ والشياطين هم الكفار؟
أبدًا، في الجن شياطين ومسلمين، وفي الإنس كذلك.
هل لا يوجد شياطين في الإنس وإلاَّ ماذا؟! في الإنس شياطين. وبعض شياطين الإنس يزيدون على بعض شياطين الجن:(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) [الأنعام:112]،
قال قائل منهم:
وكنتُ امرأً من جند إبليسَ فارتقى بي *** الحالُ حتى صارَ إبليسُ من جُندي!
فلو جاء بعدي كنتُ أدركتُ قبلهُ *** أمورَ شُرورٍ ليسَ يُدركُها بعدي!
-والعياذ بالله تبارك وتعالى-
فالشياطين يكونون من الإنس ومن الجن، و المسلمين من الإنس والجن، والمؤمنين من الإنس والجن، والصالحين من الإنس والجن.
وَهَذَا ٱلصِّـنْفَ ٱلْمُـكَلَّـفْ *** أُرْسِلَ إِلَيْهِمُ ٱلْـحَبِيبُ ٱلْمُشَرَّفْ
وهم معروضون على الله تعالى يوم القيامة للسؤال والإثابة والعقاب؛ مثوبة أهل الهدى وعقاب أهل الكفر والمعاصي.
السؤال الرابع:
اسم القرية؟ ذكروا عدد من أسماء القرى اختلفوا فيها، ولم ينص عليها ﷺ، والآية ما نصت عليها، فمرجعها إلى شيء من أقوال أهل التاريخ، واختلفوا فيها، فذكروا عددًا من الأسماء ومنهم من قال: أنطاكية، وهي القرية المذكورة في سورة يس: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ)، -أنطاكية- (إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا) [يس:13-15]، هم هكذا من البداية.
ويقال: إن هؤلاء الرسل من بعْد، أرسلهم إليهم سيدنا عيسى بن مريم، فقَالُوا: (مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) (رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ)؛ (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ) انتم شؤم علينا قالوا لهم، (لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ۚ أَئِن ذُكِّرْتُم) -ذكّرناكم بالله قمتم تتشاءمون- (بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ)، وأنت تتبعهم تؤمن بهم قال: (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [يس: 15-24]، قالوا: اقتلوه. قتلوه! قتلوا صاحبهم الذي يظهر الإيمان، فقتلوه، (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ)؛ فلما رأى الجنة والنعيم (قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) [يس:25-26].
قالوا: نصحهم حي، ونصحهم وهو ميت مسكين، تمنى لهم الهداية. قال: يا ليتهم يدرون أن من آمن بالله ورسله له هذه الجنة، بيُنقذون نفسهم من النار، (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) [يس:25-26]، ثم هلكوا كما ذكر الله تعالى؛ ولكن هذا متأخر، هذا زمن سيدنا موسى، وهذا زمن سيدنا عيسى بعده بمئات السنين صلوات الله على أنبيائه ورسله، مع سيدهم وإمامهم نبينا محمد.
واجعلنا وإياكم في أهل اتباعه والاستضاءة بنوره -إن شاء الله- اللهم ثبتنا على دربه، واسقنا من شربه، وأدخلنا في حزبه، واجعلنا في أهل قربه، وتولّنا به في الدنيا والآخرة.
بسر الفاتحة إلى حضرة النبي
30 رَمضان 1434