(535)
(364)
(604)
درس يلقيه الحبيب عمر بن حفيظ في تفسير سورة الكهف بعد الفجر ضمن دروس الدورة التعليمية التاسعة عشرة بدار المصطفى 1434هجرية.
﷽
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا (59))
الحمد لله، وانتصف الشهر، وها هي تطلع شمس يوم النصف منه بعد دقائق، ولله عند طلوع الشمس في رمضان وعند غروبها عُتقاء من النار. اللهم اجعلنا منهم، ولا يبقى معنا إلا النصف الأخير من الشهر المبارك، فيا رب بارك لنا فيه وانظر إلينا فيه وأَكرِمنا فيه، وزدنا فيما بقي من أيامنا وليالينا، واجعلها خيراً لنا من التي مضت علينا.
والحمد لله على تَأَمُلِ خِطابه، وتَدَبُر معاني كتابه، المُنزَل على سيد أحبابه، رَجاءَ الحَظوَةِ باقترابه، وأن نَدخُلَ دوائر أهل الاقتراب، من أولئك الأطياب أربابُ، السعادة في الدنيا والمَآب، وهم مُرادُ الله ولا يَسعَدُ غَيرُهم، فنسأل الله أن يفتح علينا وعليكم في تدبر القرآن العظيم ويؤلف بيننا وبين الحَرف منه والكلمة والآية والسورة ائتلافاً لا يُفارِقُنا طرفة عين.
وقد مررنا على قوله جَلَّ جَلاله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ..(57)):
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا) فنسأل الله يَجعَلنا من المُتَذَكِرين والمُتَدَبِرين والمُدَّكِرين والمُنتَفِعين والمُعتَبِرين، ويحفظنا من شر الإِعراض؛ فإنه من أخطر الأمراض:
إلا أنه تختلف مراتب ومستويات ومِقدار الإعتبار والإدِّكار والإستفادة من الآيات المقروءة والمَرئِية الواصلة بمختلف الكيفيات:
وإذا انفتح هذا الباب؛ صارت الإستفادة مُحَقَقَة ولو بِحَرَكِة إصبع الإنسان، وبِحَرَكة عينيه، وبمشيه في الطريق، ومشاهدته للأشياء، وبسماع صوت الصغير والكبير والصبي والإنسان والحيوان، بكلها..
فالله يرزقنا صدق الإقبال، إذا أَقبَلنا عليه حُظينا بِمِنَةِ ونِعمة وكَرامة وخَيرِ إقباله بوجهه الكريم علينا -جلَّ جلاله-، وما تقول فيمن أقبل الله عليه؟ وبما تَصِفُهُ؟ وكيف تُقَدِر مَرتَبَتَهُ ومَكانته وفائِدَته وحظه، إذا ربُّ العرش خالق كل شيء، رب السماوات والأرض أقبل عليه؟ اللهم أقبل بوجهك الكريم علينا، اللهم أقبل بوجهك الكريم علينا، اللهم أقبل بوجهك الكريم علينا، وارزقنا صِدق الإقبال عليك في كل حال.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ..(57))؛ لذا نجد الأكابر يخافون أعمالاً هي بالنسبة لغيرهم صالحة وطَيبة، لم يَكن حالهم في الأدب فيها مع ربهم لائق بمعرفتهم به، فيخافون منها ويَعِدونَها مِن ذنوبهم.
مرة قال سيدنا الجنيد بن محمد: الحمد لله، ثم استغفر الله من هذه الكلمة عشرين سنة! لماذا؟ قيل له: إن النار اشتعلت في السوق وحرقت الدكاكين إلا دُكانك، فلما وصلت عنده النار انطفأت، فقال: الحمد لله، ثم قال: كيف أُظهرُ الفرح بإشهار الحمد وقد احترقت دكاكين المسلمين؟ فكأني ما أحببتُ لهم ما أحببت لنفسي، وحَمِدتُ الله أن دُكاني سَلِم ودكاكين إخواني من حولي احترقت! فَوَضَعتُ الكلمة في غير موضعها، فأنا قليل أدب مع الله، فأخذ يستغفر ويتوب من وضع الكلمة في غير موضعها عشرين سنة، وهو تائب إلى الله تعالى.
انظر الكلمة حسنة غَيرُهُ ما يعدها شيء كبيراً كيف يستغفر منها؟ بل بيستحضر حديث النبي: "والحمد لله تملأ الميزان"، ولا عنده من الميزان الذوقي ما يقيس به أن الكلمة هل جرت على المجرى الصحيح، أو حصل خلل في إيقاعها على وجهها، وفي شعور الناطق بها، هذا من محاسبته لنفسه؛ فلهذا ليس فيهم من ينسى ما قدمت يداه، وعلى العموم، في الأثر: "وإنَّ المُنافِقَ يَرى ذُنوبَهُ كذُبابٍ مَرَّ على أنفِهِ، فقالَ بهِ هَكذا، فطارَ"، "والمؤمن يرى ذنبه كجبل فوق رأسه يخشى سقوطه عليه"، يعني يُحسِن حِسابَهُ ولا يَنسى ما قدمت يداه ويَعلَم تَقصيره.
ولهذا جاء الصِّديق، تعرف الصديق ما تردد في قَبول الإسلام أول ما كلمه النبي، قال: ما كلمت أحد إلا كانت له وقفة وتردد، إلا أبو بكر! لما كلمته بخبر الوحي آمن مباشرة فدخل الإسلام وقال: امدد يدك، وصاحبنا يقول للنبي ﷺ: عَلِمني دعاء أدعو به في صلاتي، فَعَلَمَ الصديق، قال رسول الله ﷺ: "قُل: "قُلْ: اللّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا" -يُعَلِّم مَن هذا؟! يُعَلِّم الصديق!- "إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا" -عجيب! وفي رواية: كبيراً- "وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"، راح الصِّديق في كل تشهد يقول: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً".
سمعتُ قصة الجاهل الذي ينكر على بعض مساجد المسلمين يقرؤون بعد الوتر: (لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87] قال: ما هذا؟! نحن ظالمين! مَا نحن ظالمون -إنا لله وإنا إليه راجعون- وهذا يقول للصِديق: "قل: اللهم إني..."، وهي الكلمة أصلاً كلمة نبي من الأنبياء، سيدنا يونس بن متَّى، يقول: (لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، وهذا ما ندري بغى نفسه فوق الأنبياء! أم أكبر منهم! ولا أطهر منهم؟ ولا .. من يكون هو؟ هل هو أصفى منهم؟ أو كيف هو؟ مِن جَهله! فهكذا عَلَّم الصديق الدعاء، وكان يقول نبينا في دعائه: "أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ"؛ وهذا من سيد الاستغفار، عن سيد المستغفرين ﷺ.
(وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ..(57)) والآخَر له ثلاثون سنة وهو يستغفر، مِن ماذا؟ مِن زَلَة صدرت منه، ما هي؟ قال: نَزل عندي ضيف أطعمته، فقمت أغسل على يديه، فما وجدتُ صابوناً ولا شئ، فأخذتُ تراباً من جدار جاري، حَكَ بعض التراب من جدار الجار وأعطاه إياه ليغسل به، بعدين قال: كيف آخذ من جدار الجار بغير حق؟ وذهب إلى عِنده يطلب العفو والمسامحة، وبقي يستغفر سنوات على الجَرأة هذه، أنه تجرّأ على الله وما بالا، وأخذ من طين وتراب جدار جاره!، سَمِعنا؟.
يقول: لكن هذا الظالم، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) -الله ..الله- (إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ)، (عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) -أغطية- (أَن يَفْقَهُوهُ): الخبر والأمر والإنذار والحقيقة و الذِّكر، (وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)) ومع ذلك،
فرسول الله بعد نزول الآية ما ترك دعوتهم وبعد مجيء الجماعة من الذين قالوا له: نُصَلِح صُلح بيننا وبينك، تَعبُد آلهتنا شهر ونعبد آلهٰك شهر، فأنزل الله: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) [الكافرون:1-3]، ومع ذلك ما انقطع عن دعوتهم، مع أنهم لن يؤمنوا: (وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ)، لا أحد منهم فَكَّر يقول: أنا سَأُظهِر الإيمان وإني سأعبد إلٰه محمد، من أجل الناس يُتشَكِكون في كلامه، يقولون: انظروا، إنه قال: (وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) والآن عَبَدنا! كيف الكلام متناقض؟ أبداً
وهم يريدون إظهار أي شيء عليه من أجل أن يُبعِدوا الناس منه، ولم يتمكنّوا من عمل مثل هذا؛ لأن الكلام نازل من عند مُقَلِب القُلوب، والنبي يتكلم بثقة، ما فيه إشكال، ما فيه شك أبدا، وإلا كيف يتحدى بهذا الكلام لو كان من عند غير الله وتحدى؟! وبعد ذلك واحد يُظهر -كَذِبا- أنه آمن وأنه يعبد هذا الإله؟ وكيف يقول محمد: (وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) والآن عَبَدنا، فصار كلام غير مضبوط؛ أبداً كلامه الحق، وما يقول إلا الحق ﷺ؛ وهذا تحدي غريب، كيف لم يطرأ على فِكرهم حتى يظهروا الإسلام صورة؟! أبداً، كما قال الله: (وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) [الكافرون:3-5] ظاهر الأمر أمر اختياري في يَدهم هم، ولكنه لن يصدر منكم .
إلا أن النبي استمر في دعوته ولم ينقطع، كم عانى وقاسى من أبي جهل، وكان يدعوه وحده، ويدعوه مع الناس، ويدعوه في الطريق، ويدعوه جالس، ويدعوه … لما يقابله، حتى في بعض الجلسات كان النبي ﷺ مَرَ عليه وكان يُذَكِرهُ، وقال: أنت الآن يا محمد كثرت علينا، أنت قصدك فيما تقول وتزعم أن نشهد لك عند ربك أنك بَلَّغتَنا؟ اسكت! قال: نحن نشهد أنك بلغت! اسكت واذهب، هكذا يقول أبو جهل للنبي ﷺ، النبي يَتَحَمَل وهكذا ويُكَرِر الدعوة.
وقد وَرَدَ يوم من الأيام أن أعرابي جاء يشتكي أن له دَين على أبي جهل -كانوا يسمونه أبا الحَكَم ابن هشام- فقال للجماعة من قريش مجتمعين: من ينصف لي؟ من يأخذ لي حقي من هذا؟ أبا الحَكَم لي عن ه دَين وما رضي يسلم لي دَيني، فأرادوا أن يستهزؤون به ويضحكون، وكان النبي ﷺ عند الكعبة، فقالوا له: اسمع، ذاك الرجل، هو الوحيدٌ الذي يقدر يخرج حقك من عند أبا الحَكَم! -يعلمون عداوة أبي جهل للنبي وبغضه له- فيقولون: هو وحده الذي سيخرجه! اذهب كلمه وهو سيكلمه، جاء فوقف عند النبي، حتى أكَمَل النبي صلاته، قال -: يا هذا، وجهك صبيح، أنت إنسان عليك نور، خُذ لي حقي، فإني سألت القوم فقالوا: لا يُخرِج حَقك من أبي الحَكَم إلا هذا، قال النبي: "هم قالوا لك ذلك؟ قال: امضِ ورائي".
وذهب إلى داره، ذهب إلى دار أبي جهل، طرق الباب عليه ﷺ فخرج أبو جهل قال: نَعَم، مَن؟ قال النبي: "أعطِ هذا حقه"، قال: نعم، نعم، الآن، دَخَل وجاء به.
لما ذهب النبي مع الرجل، أرسل واحداً من الجماعة، يقولون له: قم امشِ وراءه، انظر ماذا يقول، -يريدون أن يضحكوا-، دَخَل أبو جهل وجاء بالمال كامل، قال للرجل: هذا حقك كامل هيا انصرِف. ورجع النبي، ورجع الرجل، قالوا: واللهِ، ماذا حصل؟ قال: أمر غريب! ما هو إلا طرق عليه الباب، خرج مذعور، قال النبي: أعطِ هذا حقه، قال: نعم، الآن، دخل وجاء به، قالوا: ها! هكذا فَعَل؟! فبقوا متعجبين.
وخرج بعد ذلك أبو جهل، جاء وجلس مع القوم، قالوا له: ماذا فعلت اليوم؟ سَحَرَك محمد؟ الرجل يطالب بحقه، ونحن ما كَلَّمناه، أرسلناه نتفرج عليك ماذا ستفعل، فظهرت أمامه ضعيف !، قال: لا والله، ما هو إلا أن طرق عليَّ الباب، فَمُلئتُ رعباً، فلما خرجتُ رأيتُ بيني وبينه فحلاً فاتحاً فاهُ، لو لم أطع أمره لالتقمني! أتُريدونني أن أموت؟ دعوني أُسلم له المال أحسن، كان تأييد الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ويَذكُر آل السيرة في معاناته مع الرجل هذا كان يَحفِر حُفَر ويضع عليها غطاء خفيف يسترها من أجل أن يسقط فيها النبي، حتى قَدَّرَ الله يوماً أن عَمَّقَ حُفرة بحيث الذي يسقط فيها لايستطيع أن يَطلَع، عَمَّقها تماما، ووضع عليه الغطاء، ورب العالمين جعله يمشي هو بنفسه و ينسى ويسقط، وسقط أبو جهل وبقي يصيح تحت.
الآن لا يقدر أن يطلع لأنه مَكَنها، من أَوَل طَلَع بالسُلَم، والآن لايوجد سُلم عنده مسكين، ويصيح و يريد أحد يُنقِذه، فمر النبي، جاء يسمع صوت إنسان في الحفرة، جاء، مَن هذا؟ وجد أنه هذا عدوه أبو جهل! قال: ما لك ياأبا الحَكَم؟ ما لك يا أبا جهل؟ قال: مايخافون هؤلاء، ما فيهم أدب، مافيهم حشمة يحفرون حُفَر- وهو الذي حفرها بنفسه-، قال: "امدد يدك" -ناولني يَدك- اخرجه ﷺ، هو نَجاه خَرَّجه مِن الحُفرة صلوات ربي وسلامه عليه، (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4].
الحادِثَة الذي قال له فيها سنشهد لك أنك بلغت، اذهب من عندنا واسكت ساكت لاتُكَلمنا، الجليس الذي عنده يقول له: ما ترى في محمد؟ قال: محمد ما كذب، عاش بيننا أربعين سنة ما كذب على الناس، كيف يكذب على الله؟ قال: ها! ما يمنعك أن تطيعه؟ قال: لا، كنا نحن وبنو هاشم كَفَرَسي رِهان، أطعموا وأطعمنا، وكانت فيهم السقاية وفينا الوفادة. والآن قالوا: فيهم نبي! من أين نجيء لنا بنبي؟ وبعد ذلك يا هذا، أهذا عذر؟! أماتَقبَل وحي ربك! (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ (57))، وكان هو الذي يَحُث الناس بقوة على الخروج إلى بدر، وكان مِن قَتلى بدر من أهل النار، والعياذ بالله تبارك وتعالى.
قال: (وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ) -كثير المغفرة- (ذُو الرَّحْمَةِ) صاحب الرحمة يَرحَمُ مَن يَشاء ويُعَذِبُ مَن يَشاء، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر. (لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا) هم يُعانِدون ويُجادِلون بالباطل ويُكَذِبون وَيُؤذون.
(لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ)، (لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ) وبعد ذلك ماذا يَحصُل؟ ما الذي يمنع أن يَنزِل عليهم أي عذاب؟ يُصيبُهم أي بَلية؟ تتزلزل الأرض من تحتهم؟ ولكن حِلمُ الله تعالى، "يُمهِل ولا يُهمِل"، "وإن الله لَيُملي الِظالِم حتى يأخُذَه و إذا أَخَذَهُ لَم يُفلِتُهُ"، (وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [القلم:45].
(لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا (58)) كأن المَوعِد مَوعِدان: مَوعِد أكبَر، ومَوعِد دونه؛
(لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا) الناس يُراجِعون أبا جهل: نرجَع أحسَن، العير قد نَفَدَت ومَشَت وسَلِمَت، ولا لنا حاجة بقتال محمد، دعونا نرجع. قال أبو جهل: أبداً، سنأتي حتى نَنزِل ببدر ونشرب الخمر ونعقر الجمال ونُطعِم ونُغَني، وتَضرِب علينا القِيان، حتى تَهابنا العرب أبداً! يا مجنون تمشي إلى حتفك! تمشي إلى موتك!
(لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا) موعد لا بد لهم، مُقبِل عليهم، أمهَله سنة بعد سنة، إلى السنة الثانية من الهجرة جاء موعد بدر، فما تَخَلَّف، معه أُمية بن خلف، كان أراد أن يَتَخَلَّف، لكن الله قال: (لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا (58)) وأرسل بعض أرِقائه وعبيده ليذهبوا معه بدلاً منه لِيَبقى، فغضب أبو جهل وأخذ مَجمَرة ووضع فيها بخور، والرجال جالسين بين القوم، قَدَّم لأُمَية. قال: خذ يا أُمية، إنما أنت من النساء، تَبَخّر! اجلس مكانك، هنا تطيب! ها! تقول هكذا وتفعل؟ قال: أي شيءٍ يُخلِّفكَ عنا؟ قال لابد أن تخرج، قال: سوف أخرج، خرج!
(لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا (58)) لهم موعد، سبحان الله، مع أنه بنفسه عنده خبر من سيدنا سعد، سعد بن معاذ الشاب، كان في تلك الأيام -أيام بدر- في أوائل الثلاثين، ثلاثة وثلاثين، قبلها جاء سيدنا سعد إلى مكة ودخل في بعض تجارة، وكان بينه صداقة هو وأُمَية، نزل عنده، فقال: انظر لي ساعة يخلو المطاف، مشتاقٌ أن أطوف بالبيت، قال: مرحبا، وقت الظهر، وقت الناس في ديارهم، تخرج وتطوف، خرج يطوف سيدنا سعد، صادفه أبو جهل جاء، قال أبو جهل: من هذا؟ ما لي أراك يا أُمية آويت الصُّبَاه؟ هؤلاء الذين آووا محمد وقومه! وأراه يطوف بالبيت آمِن؟!
سمع سيدنا سعد؛ جاءته الغيرة الإيمانية، قال: اسكت يا أبا جهل! إنما نَصَرنا الله ورَسوله وآمنا بالحق. قال: لا ترفع صوتك! ففزع هذا أُمية. قال: لا ترفع صوتك على سيد الوادي هذا أبوجهل، قال سعد: وأنت اسكت يا أُمَية! فقد سمعتُ النبي يقول: إنهم قاتِلوك، قال: ها! قاتِلوني أنا؟! في مكة ولا خارجها؟ قال: لا أدري، لكن سمعتُ النبي يقول: أنت واحد من الذين سَيُقتَلون، فأحدث ذلك في نفسه من الفَزَع، فَزِع، رجع إلى بيته يقول لزوجته: أما تسمعين ما قال أخي اليثربي هذا؟ قالت: ماذا قال؟ قال: إن محمداً قال إنهم قاتِلِيَّ! قالت: والله ما كذب محمد قط، محمد صادق، هم يعرفون ذلك، ولكن الشقاوة.
فلما جاء التنادي لبدر "امسك به بريك" -ما أراد أن يخرج- لكن الله قال: (لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا (58))، فجاء أبو جهل يُنكِتُهُ ويُقَدِم له البخور، يقول: أنت واحدة من النساء! اقعد قاعد واجلس هنا، تبخر مع النساء، ودع الرجال يقاتلون! وغَضِب أمية وقال لأهله: جهزوا لي، سأخرج، قالت زوجته: أما سمعتَ ما قال اليثربي صاحبك صديقك سعد لما جاء؟ قال: لن أمشِ معهم إلى بدر! سأمشي معهم يومين ثم أرجع من الطريق، قال خَطِّط ما تخطِّط! (لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا) مصرعك هناك!
وبلال الذي كُنتَ تُعذِّبُه في مكة هو الذي سيذبحك تعال إلى هناك، بلال الذي كنتَ تُعذِّبُه على الإيمان بالله ورسله في مكة وبطحاء مكة وشدتها، هو الذي سيذبحك هناك! سبحان الله! وأول يوم، ثاني يوم يقول سأرجع، وبقي يوم ولم يرجع، الى أن وصل إلى بدر، وفي أثناء المعركة، يتراءى سيدنا بلال؛ أمية بن خلف، رأس الكفر!، لا نجوتُ إن نجا، وأَقبَل عليه حتى قُتِل، فكان أحد الذين قُتلوا يوم بدر: (بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا (58)).
وقديماً في مكة نزلت الآية: (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر:44-45] سيدنا عمر يقول: كنت أقرأ الآية وما أدري تفسيرها، حتى كان يوم بدر: سَمِعت النبي خارجاً من العريش إلى المعركة ويقول: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)؛ الآن فهمنا! هذا الجمع، وهذا القوم، هذا منهم: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) الله الله الله! وهُزِم الجمع، تسعمائة وخمسين نَفَر أمام ثلاثمائة وبضعة عشر، وفَرّ التسعمائة والخمسين، ونصر الله هؤلاء..
فهي يوم نزول القرآن، وهي يَوْمَ التقى الجمعان يوم الفرقان، يوم ظهور أثر القرآن، كم تغيرت نظرة العرب والناس في الجزيرة نحو الإسلام، والنبي من بعد يوم بدر؟
يقول: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ..(58)):
وتأتي في القيامة وترى النصر مع محمد كيف هو، والعزة والشرف والكرامة، وتجد الذين خالفوه وخرجوا عن أمره، كيف ذِلتهم ومهانتهم وخزيهم في ذاك اليوم! أمر يُحَيِّر العقول!
وفي ذاك الموعد الأكبر، اجعلنا مع حبيبك يا رب، اجعلنا في دائرته يا رب، نَرِد حَوضه ونستظل بظل لوائه ونُصافحه ونراه وهو راضٍ عنا يبتسم في وجوهنا، فيتعجِّل لنا نعيمه قبل دخول الجنة، آمين يا الله.
وهذا الموعد قادم على الخَلق كلهم، لكن منهم في هذا الفريق ومنهم في ذاك الفريق: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى:7] فمع محمد يا رب، مع حبيبك محمد يا رب، باستجابتك للدعاء، بسر استجابتك لكل دعوة مستجابة، ندعوك ونُلِح عليك أن تجعلنا جميعاً وأحبابنا ومن يسمعنا ومن يوالينا في ذلك اليوم مع حبيبك محمد يارب، في زمرة حبيبك محمد يا رب، بما بينك وبينه، بمحبتك له ومحبته لك، بسر الرحمة التي أودعتها قلبه، استجب دعوتنا هذه واجعلنا غداً في زمرته أجمعين، ياأرحم الراحمين.
ولو ما جئتَ إلى الدورة وما جئت للدروس إلا لتحضر هذه الدعوة التي ندعو بها رب العرش لكان كفى ذلك، ولو جئت من أبعد بلاد في العالم، فالله يستجيب، الله يتقبل، الله يرينا أثرها، ويرينا جوابها في ذاك اليوم، آمين يا الله.
ومن يُسَيِّب رفقة محمد، ومن يُضَيِّع رفقة محمد، ومن حُرم مُصاحبة محمد في ذاك اليوم، فمع من يكون؟ إلى أين يُذهب به؟ مع أي فريق؟ مع أي طائفة؟ مع أي جماعة؟ مع أي حزب؟ مع أي قوم؟ الله لا يُفَرِق بيننا وبينه، الله لا يخرجنا عن دائرته ولا عن سبيله ولا عن جماعته ولا عن رِفقَتِهِ ومُصاحَبَتِه، آمين يا الله.
(وَتِلْكَ الْقُرَىٰ..(59)) مثل قرية قوم عاد، وأنتم الآن في حضرموت، وفي الوادي الذي أنذر قومه فيه سيدنا هود، هل ترون شيء مِن حضارتهم قائم؟ (فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ)؟ (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ) [الحاقة:5-8].
(وَتِلْكَ الْقُرَىٰ) قرية سيدنا صالح قومه الذين كَذَّبوا -ما بين تبوك والمدينة- مَرَّ عليها النبي ﷺ في غزوة تبوك، ولَما دَخل مساكِنهم تَقَنَّع، وغَطى رأسه وأسرع بدابته، وقال: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا وأنتم باكون، أن يصيبكم مثل ما أصابهم"
وصل فوجد الصحابة الذين قد وصلوا قَبل قد استَقوا، قال: "من أين استقيتم؟ قالوا: من تلك البئر، قال: لا.. لا، هذه بئر الكفار، بئر المكذبين بعاد، هناك بئر النبي صالح استقوا من هذه"، قالوا: يا رسول الله، قد عَجَنا منه، قال: العجين أعطوه الدواب"، اعلفوه دوابكم العجين الذي عجنتوه من الماء حق الكفار أعطوه دوابكم، وهاتوا لنا ماءً من بئر النبي صالح، واصنعوا عجيناً ثاني جديد ﷺ فانظر دقته وتحريه عليه الصلاة والسلام.
لهذا يقول الفقهاء عندنا: يكره الوضوء من آبار الذين غضب الله عليهم قوم غضب الله عليهم وأهلكهم، تأتي إلى بئرهم تتوضأ منها مكروه. اذهب ابحث لك عن ماء ثاني، لتبقى على سر الولاء في الله والبغض في الله، سبحانه وتعالى، الله أكبر.
قال: (تِلْكَ الْقُرَىٰ)، قرية قوم لوط -مكانهم عند البحر الميت على قولهم- ماذا بقي عندهم؟ (تِلْكَ الْقُرَىٰ) قرى كانوا فيها تِسع مدائن يَسكُن المدينة مئة ألف، (تِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) ماذا بقي؟ (وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم)، وفي قراءة (لِمُهْلَكِهِم)، وفي قراءة (لِمَهْلَكِهِم)، والمعنى واحد لإهلاكهم (مَّوْعِدًا)، (وَجَعَلْنَا لِمُهْلَكِهِم مَّوْعِدًا (59)) تَبيينٌ لنا من الله أن الأمور لا تمشي على عقولنا ولا على استعجالنا:
(وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم)، (وَجَعَلْنَا لِمُهْلَكِهِم مَّوْعِدًا (59))، ويُقال أن هناك أربعين سنة ما بين دعوة سيدنا موسى عندما قال: (رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا) [يونس:88-89]؛ الدعوة مجابة، لكن تنفيذها بعد سنين! ابن آدم هذا مستعجل! يريد اليوم، أو غد أوبعد غد، سنة وسنتين، رب العالمين ليس بمستعجل؛ لأنه لا يفلت من يده شيء أصلاً، لماذا يستعجل؟ لا شيء يَخرُج من يده، يوم بعد يوم، بعد سنتين، بعد عشرين سنة، بعد خمسين سنة، كله سواء عنده -جلَّ جلاله- إلا أنه قد حدد الأوقات وعَينها، فما يستطيع أحد أن يُقَدِمها ولا يستطيع أحد يؤخرها؛ وفي هذا إعطاء تثبيت للمؤمنين:
سبحان الله! وسبحان مُقَلب القلوب، ومحدد مواعيد الهلاك، ومن عنده تأتي سبحانه وتعالى، الله االله لله!
كان تَوَقّع بعض الصحابة أن ابن صياد اليهودي، الغلام الصغير الذي يُنبئ ببعض الأخبار كأنها اطلاع على الغيب، ويُحدث بعض الناس بشيء فيجعل في نفوسهم ونحوه الى غير ذلك؛ صار اسمه "فتنة"، توقعوا أنه هو الدجال الذي أنذر به ﷺ، فَعَزَم سيدنا عمر أن يقتله، استأذن النبي ﷺ يُريد أن يقتله، قال ﷺ:
حتى النبي ﷺ بنفسه أراد أن يكشف بعض خبره، فيأتيه فجأة وغفلة، فمشى وراء بعض النخيل ليفاجئه، فَبَصَرت به أُمه ونادت على ابنها وقالت: ذاك محمد، فاستَعَد، قال النبي: "لو تَرَكَتهُ لَبَيَّن"، انكشف امره وافتضح. فجاء النبي يكلمه، فتكلم مع النبي، فقال له النبي: "اخسأ، فلن تعدوَ قدرك"، ثم إنه رُفِع من بينهم وغاب، ولم يُدرون أين ذهب.
وفي الخبر تميم الداري أنه:
(وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا (59)) حضر الوقت وهنا قصة موسى العجيبة الغريبة مع الخَضِر.
ينفعنا الله بكتابه، ينفعنا الله بقرآنه، ينفعنا الله بمن أَنزل عليه القرآن، والقلوب التي سكن فيها نور القرآن، وسر القرآن، أعد عوائدها علينا يا رب، ونوّر قلوبنا بهذا النور، واربطنا ببدر البدور، واجعلنا معه هنا وفي البرزخ ويوم النشور، وفي جنات تجري من تحتها الأنهار مع خواص الأخيار، وأنت راضٍ عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
هذا يَذكُر أنه يُخرِجون دِهن من طين من البحر الميت يقولون أن فيه علاجاً للأجسام هل يجوز؟ من جهة الجواز، يجوز الاستعمال، ولكن لو عُرف أنه من عين مكان هَلَكة القوم، فيكون الاستعمال مكروهاً، والاستعمال ليس فيه تحريم، حتى الوضوء من آبار الكفار الذين غضب الله عليهم وأهلكهم ليس فيه تحريم، إنما يكره.
أمانة الإنذار والتبشير في درس أمس، قال فهل يكون قيام بالدعوة؟ هو كذلك، ما الإنذار والتبشير إلا دعوة ما الدعوة إلا إنذار وتبشير: (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ) [الأنعام:48]؛ فلنكن على ذاك القدم، على فُراداً وجماعاتٍ في بلداننا، ولأهلنا وأولادنا، ولأصدقائنا ولأصحابنا، وحيثما وجدنا الفرصة: في السيارة وفي الطائرة وفي الانتظار في مطار أوفي محطة قطار ووسط القطار، أو حيثما كنا، أو هيئَنا خروج معين إلى شيء من القرى والأماكن، نحمل مهمة النذارة والبشارة في أتباع الأنبياء والمرسلين، ونيابة عن سيدهم محمد الأمين ﷺ.
رزقنا الله وإياكم حسن اتباعه والاستضاءة بنوره وشعاعه، اجعلنا وإياكم في أهل قربه ومحبته ووده، في لطف وعافية.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي صلى الله عليه وسلم
الفاتحة
21 رَمضان 1434