تفسير سورة الكهف(1434) -13- من قوله تعالى:(وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ..(52))

تفسير سورة الكهف - الدرس الثالث عشر
للاستماع إلى الدرس

درس يلقيه الحبيب عمر بن حفيظ في تفسير سورة الكهف بعد الفجر ضمن دروس الدورة التعليمية التاسعة عشرة بدار المصطفى 1434هجرية.

نص الدرس مكتوب:

﷽ 

(وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55))

الحمد لله مولانا الملك الحق المبين، الذي تكرّم وتفضَّل وتعرّفَ إلى العباد، وتنزَّل بالوَحي الذي أُنزَل بواسطة حبيبه الذي أَرسَل، فجعله أفضل وأجلّ وأكملَ مُرسل، ذاكم الصفوة النقوة محمد ﷺ حبيب الله الذي تبوأ أعلى ذُرى المجد فما يَلحقُه فيها أحد، أسأل مولانا أن يصلّي عليه أفضل الصلوات منه تعالى عنا، ويهدي له من حضرته العليا أزكى التسليمات في كل لمحة ونفس عنّا، ويجعلنا به من أهل اتباعه في الحس والمعنى، ويجعل في صلواته وتسليماته عليه وعلى آله وأهله وصحبه ومن والاه وبه تعلَّق قلبُه وتوَلَّه، وعلى آبائه وإخوانه من النبيين والمُرسلين وعلى آلهم وأتباعهم وعلى الملائكة المُقرّبين وعباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين.

أيها الجَمعُ في حضرة تنزُّل الرحمن وتفضُّل المنّان بما يقصُرعن التعبير عنه اللِّسان، من فائضات الامتنان وبدائع الجود والإحسان، تطلُبون التطهُّر عن الأدْران، وكشفَ الحجاب والرَّان، وتحصيل العفو والغفران، ونيل العِتق من النّيران، في شهر رمضان؛ فاجتمعتم في مُصلَّى أهل الكِساء، وماذا يُعبَّر به عن معناه أو عن فضائله وماذا عسى، في سوابِق سبقت في الأزَل، برزَت أمام الأعين لنا في هذه الأعمار وهذه الأزمنة كما قدَّر عزّ وجلّ، وقد كان:

  •  يقلُّ عدد العامرين ما بين صلاة الصُّبح إلى طُلُوع الشمس، خصوصًا في أيام رمضان. 
  • ويكون العامِرُون لهذا الوقت أكثرُهم أفرادًا أفرادًا. 
  • ويندُر أن يكون فيه الاجتماع على عمارة الوقت بالذِّكر والعلم حتى تطلُع الشمس. 
  • فإذا تمَّ القبول من البَرِّ الوَصول، كُتبت له حجة وعمرة يكبر بها ويطول أجره ويطول عمره ويُعمَر. 
  • وحجة وعمرة إذا كتبت في رمضان كان لها شأن من الشأن.

وكما سمعتم اجتماع الفضائل: 

  • مجيءٌ لفريضة ولأداء صلاة الصبح في جماعة. 
  • ذِكر ودعاء وقرآن وآيات. 
  • ومُصافَحات بين الإخوان؛ مؤمن مع مؤمن. 

ومعنا الملائكة الذين يلتقون، وفي رمضان يكثُرون ويتصافحون حيث يتصافَحُ المؤمنون، وكل يد صافحتها: 

  • فلا تخلو أن قد صافحت من الأخيار أو الأصفياء أو أهل النور، أو من تمتدُّ مصافَحَتُه بحُكم من صافَحَهم هو إلى مثل هذا الصنف. 
  • لا يخلو ذلك عن أعداد، فتتواصل إلى الروح منهم معاني من الإمداد، إلى أن تتداخل مصافحات الأياد، لخِيار العِباد، إلى أن تصل عند الذروة. 
  • وذاكم محمدٌ، وله يدٌ إذا انتهت مُصافحاتنا إليها بمن صافَحنا ونتصافَح بيننا، فإن تلك اليد شهدَ الواحدُ الأحد أن من بايَعَها فقد بايَعه: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح:10].

ومع هذه العطايا الربَّانية، أو قُل التنزُّل الربَّاني، أوقُل التعرُّف الرَّحماني والتَفضُّل الصَّمداني، فإننا نرقُب:

  • اتصالًا بأسرار الوحي يكون لنا؛ لعُقولِنا وقلوبِنا بها نصيبٌ من الوَعي يذهب به الغَيّ. 
  • ونحيدُ به ونخرج عن سبيل الانحراف والآي، إلى استقامة على خير المَسالِك، إذا صحَّت لنا في كل شيء. 
  • نريد اتّصالنا بأسرار الوَفاء بالعَهد والقِيام بالخِلافة عن الواحد الأحد التي تَتَرجم في الخِلافة عن نبيِّه محمدﷺ. 
  • نريد بذلك إصلاحًا للأنفُس والقلوب منا ومن الأهالي ومن الأصحاب والأقارب والجيران إلى ما يتمُّ به الامتداد من ذلك المعنى في أهل الزمان.

نستكشف بذلك الغُمَم، ونستدفِع بذلك الظُّلَم، ونُحيِي بذلك المَنهَج الأقوَم، سبحان الرحمن الكريم الأكرم الذي أعطانا هذا العطاء الجَمّ، وجمَع لنا هذا الخير وهذه المِنَح الوَفيرة. 

وكلٌ منا له قِسمة من القِسَم، والبعض له حظٌّ عظيم، وآخر دون ذلك، وآخر أعظم، والكلُّ في دائرة الفَضل والكرم؛ فنسأل الرحمن:

  • أن يوسِّع لنا المَشاهِد. 
  • وأن يجمع لنا المَحامِد. 
  • وأن يربطنا بخير راكِعٍ وساجِد وشاكر وحامِد، عبدُه المُصطفى محمد صلوات ربي وسلامُه عليه؛
    • ربطًا يَقوى في كل نَفَس ولا ينحلُّ أبدا ولا يضعُف سرمَدا. 
    • حتى تَطيب لنا به المُقابلة والمُواصلة في المقام الأرفَع الأقدَس في جنّات عَدْن وفي جنات الخُلد والمَأوى. 

في جنة الفردوس الأعلى وعليين والمزيد بما لا يمكن أن يتناوله الحَصر ولا التَّحديد. اللهم أكرمنا بذلك، يا حميد يا مجيد يا مُبدِئ يا مُعيد يا فعالا لما يُريد.

ونواصل اتصالنا بالوَحي الكريم، وتعليم الإله العظيم، وبلاغ النبي الكريم، وقد انتهينا إلى قوله -جلَّ جلاله- مُذكِّرًا لنا بالحقائق: 

  • ولا يمكن لأحد من الخلق بالِغًا ما بلَغ من أيِّ علم أو معرفة أو فَهمٍ أن يَرقَى إلى مستوى هذه الحقائق أو يأتيَ بشيء يُشابِهُها؛ بل الكل دون ذلك. 
  • وهذا كلام العزيز المالك، ملك المَمالك الذي أحصى كل شيءٍ عددا، وأحاطَ بكل شيء عِلما وهو على كل شيء قدير. 

يُذكِّرُنا بحقائق في المآب، يُقَوَّم بها الاعوجاج من الذين انساقُوا وراء الاغتِرار بالأسباب، واحتِقَار أحدٍ من الخَلق بالوَهم والخيال الذي ليس له مثلٌ إلا السَّراب، يقول: (وَيَوْمَ يَقُولُ)، يعني واذكر يا نبينا محمد، اذكر يا عبدنا أحمد، وذكِّرهُم بيوم سيأتي ويُقبِل لا ريب فيه ولا شك، (يَقُولُ) وفي قراءة: (نَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ): يا من اتّخذتُم شُركاء لله تعالى وعبدتُموهم من دون الله، (نَادُوا شُرَكَائِيَ) وأدعوهم الآن في القيامة. 

  • (نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ)، زعمتم أنهم شُرَكاء ولا شريك: (وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [يونس:66]؛ لا يوجد شريك أصلا! أصلا ما في شريك، فإذا دعَوا الشريك، فهو وهم توَهّموا تخيّلوا. 
  • (نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) زعمتم أنهم شُركاء، (وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ) [الأنعام:94]. 

(نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ..(52))؛ لا صنم، لا شمس، لا قمر، لا صغير، لا كبير عُبِدَ من دون الله.

فأما الأصفياء كسيّدتنا مريم وسيدنا عيسى وسيدنا عُزير، فهم من أبغض الخلق لهؤلاء المُشركين الذين أشركوهم، فكيف يلتفتون إليهم أو إلى ندائهم، وهم أبغضُ الخلق إليهم؟! لأنهم الذين خانوا عُهُودهم وخانوا عهود ربهم جلَّ جلاله: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [المائدة:72].

(وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ)، والذين أنكرتُم وجودي، والآن قد بدَت واتّضحت لكم الآية وأيقنتُم بأني أنا الذي خلقتُ وأوجَدتُ؟ كنتم من دوني تُعظِّمون مادة من المواد، وشيئا سمَّيتُموه عِلما، سمَّيتُموه اكتشافا. نادوهم، هاتوهم، دعوهم يُنقِذونكم من الورطة التي تورّطتُم فيها، هذه النار أمامكم وهذا العذاب أمامكم. هاتوا أصحابكم الذين قلتم إنهم هم، نادوهم! ينادون من، و يعملون ماذا؟ فالأغبياء فيهم السُّفهاء ُينادون على آلهتهم وأصنامهم، يدعونهم فلم يستجيبوا لهم؛ بل الحال: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا (52))

(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا (52)) لها معاني:

  • (جَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا) وادٍ في جهنم عميق يسكُن فيه هؤلاء، يُحَال بينهم وبين ما دعَوا.
  • (جَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا) أي مهلكًا، فالمَوبِق المَهلَك، هلكة. 
    • (بَيْنَهُم) من معاني وصلَهم: الوَصل الذي كان بينهم صار موبقًا، هلَكة. 
    • (جَعَلْنَا بَيْنَهُم) أي وصلتهم التي كانت موبقة، هلكة، سبحان الله.
  • (جَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا) بمعنى مسافة بعيدة: 
  • فمثل من عُبد من دون الله من الأنبياء كسيّدنا عيسى وسيدنا عُزَير في أعلى عليين. 
  • وهؤلاء في جهنم في أسفل سافلين، كم الفرق بين هذا وهذا! بُعد طويل عريض. 

(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا (52))، وفي هذه المواقف: (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ..(53))

  • كان ممكن يقول: ورأوا النار، لكن جاء باللفظ (الْمُجْرِمُونَ)؛ ليُبيّن ويكشِف حقيقتهم وما كانوا. 
  • وكما قال سابقا، ما قال: ما كنتم مُتَّخِذهم عَضُدا، لكن قال: (وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51))؛ ليكشف أوصافهم وحقائقهم. 

وهكذا: (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) عَياناً، (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ) [النازعات:36]، كل من تتأتَّى منه الرؤية يراها، الله الله! تُقبِلُ كما وصف النبي في الحديث: "يُؤْتَى بجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لها سَبْعُونَ ألْفَ زِمامٍ، مع كُلِّ زِمامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ" من الزبانية، لها زفير يُسمَع من بعيد. في الحديث: أنه يرى المُجرم النار فيعلم أنها واقعته، أو مُواقعته، ويسمع زفيرها من أربعين عامًا، مسافة أربعين سنة، بينه وبين الزفير يسمع الزفير، زَمجرة النار لمَّا تُغلَى: (إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا) [الفرقان:12]، اللهم أجِرنا من النار، اللهم أجِرنا من النار.

وجماعة من أهل العناية تكتنِفهم رعاية الله وعنايته حتى لا يسمعون لها صوتا ولا يَحُسّون لها حِسّا. (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا) -اللهم اجعلنا منهم وألحِقنا بهم- (وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) [الأنبياء:101-103].

ثم إنها تُحيط بأهل الموقف من كل جانب، ثم يُنصَب الصراطُ عليها، وتستأذنُ ربها بقومٍ لا يُقام لهم وزن كما يأتي معنا آخر السورة. تستأذِنه في أن تأخذهم مباشرة من بين الناس؛ فيأذن الله لها لصِنفٍ مَخصوص، فتمد لها خيوطا كأعناق الإبل وتخطُفُهم من بين الناس، في موقف هائل، والرسل فيه جُثِيٌّ على الرُّكَب يقول: رب سلِّم سلِّم، رب سلِّم سلِّم، رب سلِّم سلِّم. وواحد يقول: أمتي أمتي، وهو محمد ﷺ الذي خُصِّصنا به وكُرِّمنا، الحمد لله الذي جعلنا من أمته. في تلك الساعة لا يتكلم أحدٌ إلا الرسل، وكلامهم: رب سلِّم سلِّم، رب سلِّم سلِّم.

قال: (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ)(فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا)   -أيقنوا وعلِموا وتأكَّدوا- يرجع إلى هنا؛ قضوا في البرزخ كذا وكذا سنة، في العَشي يُعرض عليه منزله من النار وفي الصباح في الغدُوّ كذلك: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر:46]. فإذا رأوها أيقنوا أن مَدخلهم إلى هناك. كيف الحال؟ كيف الحال؟ لما تتيقّن أن هذه الشدة أمامك لابد لك منها. أين تذهب؟ الفزع الأكبر هناك. 

يقول الله لآدم: قم فأخرج بعث النار من ذريتك. يا ربي كم أخرج؟ من كلِّ ألْفٍ تِسعُمائةٍ وتِسعةٌ وتِسعينَ إلى النار وواحدٌ إلى الجنة. لما يُنادي هذا النداء تشيب رؤوس الوِلدان، الأطفال تتحول رؤوسهم شعر أبيض من الهَول، اللهم أجرنا من النار.

قد كان بعض الأخيار له بنت صغيرة كان يحبها تُوفِّيت، وكان يراها دائما في منامه، دائما يراها. فرآها ذات ليلة شعرها أبيض. يا ابنتي ما هذا؟ ما بيّض شعرك؟ أعندكم عذاب؟ قالت: لا ما علينا عذاب، لكن أمس فلان بن فلان مات، قبروه عندنا، فحين قبروه زفرت جهنم لقدومه زفرة شابَ منها كل رضيع. هذا رجل من أهل النار من المجرمين البعيدين عن الله. قالت: لما وضعوه في المقبرة عندنا زفرت جهنم لقدومه زفرة شابَ منه كل رضيع. فهذا من أثر ما حصل لي أمس لما شاهدت زفرة جهنم تُرحِّب بالخبيث الذي دفن عندنا. تفكر؛ 

  • لهذا قالوا: الجار الصالح ينفع في الدنيا والآخرة، والجار السوء يضر، يؤذيك في الدنيا وفي الآخرة.، الله. 
  • ولهذا قال سيدنا موسى لما نزل به الموت: ربي أدنِني من الأرض المقدسة رمية حجر. قربني من أرض الأنبياء، محلّ الصالحين. الله.. الله.

وكان في بعض مدن اليمن واحد حفّار قبور خيِّر، رأى في النوم امرأتين قد ماتتا، تقولان له: اسمع يا فلان، فلان ابن فلان سيموت، لا تقبُره عندنا. تعجب! وانتبه من النوم. رجع مرة ثانية ونام، ورآهما تقولان له: اسمع، فلان بن فلان سيموت، انتبه لا تقبُره عندنا، لا تُقرِّبه منا. وثالث مرة 

تعجّب وقام في آخر الليل خرج يُصلي الفجر، فإذا قومٌ يقولون له: فلان ابن فلان مات، بنفس الاسم الذي سمعه. قال: خرجت إلى المقبرة، وجدتُ المكان الفاضي مُناسب عند قبور هاتين المرأتين اللتين جاءتا. قلتُ: لا والله، هاتان جاءتا تنبِّهُنا من النوم الّا أقرّبه منهن،. فذهبت وبحثت له محل بعيد في جانب المقبرة الأخرى وقبرتُه. فحفرت له القبر هناك، حذِرات من قُربه منهن لما يَرَين من الظلم والسوء عليه. الله يجعل مآلنا خير.

لما رُئِيَ معروف الكرخي: ما فعل الله بك؟ قال: لما قبروني، أُعتِق عن يميني عشرون ألفًا وعن يساري عشرون ألفًا وأمامي عشرون ألفًا وخلفي عشرون ألفًا، أعتقهم من النار كرامة له سبحانه وتعالى. ترى كيف الناس يختلفون في الدنيا وفي الآخرة. هذا سبب خير وهذا سبب شر، هذا سبب رحمة وهذا سبب عذاب. "فطوبى لعبدٍ جعله اللهُ عزَّ وجلَّ مِفتاحًا للخيرِ، مِغلاقًا للشرِّ. وويلٌ لعبدٍ جعله اللهُ مِفتاحًا للشرِّ، مِغلاقًا للخير"، والعياذ بالله.

يقول: (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ)؛ لأنها قد بُرِّزت لكل من يَرى: (فَظَنُّوا) -أيقنوا- (أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53))، لا يوجد طريق، لا يقدر يتأخَّر، لا يقدر يهرب، لا يقدر يطير، لا يقدر ينزل في الأرض، لا يقدر يستغيث بأحد، لا يقدر ينادي أحد، لا يتصل بجماعة، لايوجد إسعاف، ولا إنقاذ، ولا شيء آخر؛ (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا)، (هَٰذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَٰذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الطور:14-16].

هذه حقائق مُقبلة على هؤلاء الخلائق وأكثرهم عنها غافلون، وأحسنهم لها ذكراً أرفعهم في يومها قدراً، وأوفَرهم نصيبًا من رحمة الرحمن سبحانه وتعالى، وأجزَلهم قِسمة..

  • وفي الأثر: مَن أكثر ذِكر الموت -يعني بؤقبر التفكُّر في ذاك المآل للاستعداد له- وجد قبره روضَةٌ من رياضِ الجنَّةِ، ومن نسي ذكر الموت وجد قبره حفرةٌ من حُفَرِ النَّارِ. 
  • قال: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) [الأنبياء:1-3]. لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ! 

يا رب انظر إلى قلوب هذا الجمع واجعلها حاضرة معك، واعية لوَحيك، مؤمنة بك، صادقة في الإقبال عليك، نلقاك وأنت راضٍ عنا يا أرحم الراحمين.

(وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا(53))، ما في، ما في مَفرّ، ما في مَخرَج، ما في طريق ثاني يروح فيه. (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا). كان ممكن يتصل بسيارة؟! ممكن يتصل بشركة طيران؟! (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا).

يقول الله: نحن قد بيّنّا لهم ويسّرنا الأمر لهم.. 

  • (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ)
    • نوّعنا لهم الدّلالة والتنبيه والتوجيه والتذكير والتعليم. 
    • وبّينّا ووضّحنا، وتنزّلنا في عُلوّنا وعظَمتنا. 
    • وخاطبناهم بكلامهم كلام البشر. 
    • وحمّلناه سيدهم يُوصِله إليهم. 
  • (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ) -كل الناس- (مِن كُلِّ مَثَلٍ)، فتعالوا يا مُثقّف، يا نصف مُثقّف، يا العامّي، فتُحصِّل وسط القرآن ما يدُلّك، ما يرشدك، ما تنتفع به، ما تستفيد منه.

(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ)، وكنا أعطيناهم الاستعداد أن يفقهوا وأن يعَوا؛ (وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54))؛ لأنا زوّدناه بزادٍ من الفهم والوَعي والإدراك ما لم نؤتِ الحيوانات، ما لم نؤتِ الجمادات، ما لم نؤتِ غيرهم من المخلوقات أعطيناهم. 

(وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) ومع هذا التصريف والتنويع في البيان والدلالة؛ أعرَضوا وتولَّوا، واستكبروا واتّبِعوا شهواتهم الحقيرة، نسوا الهَول الأعظم، ونسُوا المستقبل الأكبر، ونسوا كلام واضح: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ)، رجعوا على أنفسهم، قالوا: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ)، لكن بعد ما فاتت الفرصة: (فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك:8-11] ما عاد ينفع الاعتراف اليوم. لو كان أول اعترفت ورجعت، غفَر لك، تجاوَز عنك. تابعَت هواك وشهواتك يوم بعد يوم، شهرا بعد شهر، إلى أن جاء الموت. 

قال: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ..(55)) واضحًا بيّنا؛ إلا إصرارهم وعنادهم وأهواؤهم وشهواتهم حتى يحصل لهم ما حصل لمن قبلهم: (إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ)، ينزل بهم الموت أو العذاب ويقولون: آمنا، آمنا، مثل فرعون، يُعانِد يُعانِد، يكابِر وعلا: 

  • (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ) [النازعات:24]. 
  • (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) [الزخرف:51]. 
  • (قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) [الأعراف:127].

لمّا في الأخير لمّا (أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ)، ها! وذلك كل كلامك كذب، زمجرة كبيرة وتحدِّي عظيم، ولا عاد شيء. (آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ) لا أنا ولا غيري، لا أحد، إلّا؛ لا إله إلا الله. (وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ)؟! 

كم صبر عليك موسى، قلنا له: قل قولا ليناً، تلطَّفَ لك في القول، وتنزّل لك في التفهيم، وبيَّنَ وترجَّاك وحذّرك؛ وأبيت! (آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ ؟! وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) [يونس:90-92]، انظر البدن موجود إلى الآن، لكن قد خسِر المسكين الرجل هذا، خسر كل شيء وبدنه تتفرج عليه. تذهب إلى القاهرة وتتفضل وتراه، ولا عاد: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ)، ولا عاد: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) [الزخرف:51]. والآن مُحنَّط! عِبرة.. وكم من خلق الله يعمل زمجرة ويتلاشى كل شيء؛ (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً)، ولكن حتى مع وجود الآيات هذه: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) [يونس:92]، (وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف:105].

يقول: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ..(55))، تكامَلت الآيات وجاء خاتم الرسالات، كله صدق، كله نور، كله دليل، كله حجة، كله برهان، كله رحمة، كله صفاء، ولا زالوا يُكذِّبون: "من نظر في وجهه علم أنه ليس بوَجْهِ كَذَّابٍ"، صلوات ربي وسلامه عليه. ولكن من سبقت له السعادة هو المسعود، الله!.

وقد حدَّثوا بعض الوافدين إلى مكة، قالوا: هذا ساحر ويجمع ويُفرِّق بين القريب وقريبه، واحذر أن تسمعه. وقال: ما زالوا يُكلِّموني حتى أجمعت أن أسُدَّ أذني، فأخذت القطن وحشوت أُذُنيّ؛ من أجل ألا أسمع كلام النبي. 

ذهب يطوف والنبي قائم يصلي عند الكعبة، فبمجرد ما نظر إليه، ذهب مفعول القطن هذا والتعبئة التي عبّؤوه بها الكفار. يمرّ من جنبه وهو يقرأ القرآن، قال: والله هذا كلام طيب، ما الذي منعني أن أسمع؟! وأنا رجل حصيف وعاقل وفاهم وواعي وأعرف وأُميِّز بين الشعر والكهانة والسحر؟ قال: أبى الله إلا أن يُسمعني. 

كلما مرّ في الطواف يقرب منه، يسمعه قال: سأخرج القطن، وتبع النبي إلى عند بيته وقال له: يا رسول الله، القوم كذا وكذا حدّثوني عنك حتى أبى الله إلا أن يسمعني، فسمعت قولا حسنًا، فاتلُ عليّ. فتلا عليه آيات من القرآن، عرض عليه الإسلام وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله؛ "من نظر في وجهه علم أنه ليس بوَجْهِ كَذَّابٍ".

قال: أين أذهب؟ قال: "ارجع إلى قومك دَوس -الطُّفيل بن عمرو الدوسي- ارجع إليهم وادعُهُم للإسلام. قال: ادع الله يجعل لي آية. قال: اللهم اجعل له عليهم آية". مشى، كان نازلا من العقبة إلى مكان مجتمعين فيه جماعة من أصحابه على ماء هناك؛ وإذا بنور يسطَع بين عينيه، سراج يُزهر. قال: يا رب، لا يقولون هذه مُثلة لما تركت دينهم، في غير وجهي يا رب. فانتقل إلى سَوْطه، وإذا بسَوْطه يزهر، فهو مثل السراج، والقوم من تحت بعيد يرونه ويقولون: ماهذا السراج؟! هذا في الجبل؟ ماهذا النور القوي؟ حتى نزل إليهم، وإذا ذاك طفيل بن عمرو. 

وتأخَّر إسلام قومه وأبَوا عليه، لكن أبوه أطاعه مباشرة؛ أبوه وأمه وزوجته، أسلموا معه أهل بيته. وأبطأوا عليه في الإسلام، ورجع إلى عند النبي بعد مدة يقول: ادع على دوسٍ فقد عصَت وأبت، أغوتهم الخمر والتعلُّق بالشهوات وما رضوا يُسلمون، فادع الله عليهم. حتى بعض الذين يسمعون يقولوا: هلَكَت دوس. والنبي رفع يده، قالوا: ياويل دوس، الدوس سيقع لهم دوس، ودعا النبي عليهم؟! لا، فإذا بالنبي يقول: "اللهم اهدِ دوسا وائتِ بهم مسلمين". قال: "ارجع الآن إلى قومك فأحسن فيهم القَول والمُعاملة وارفِق بهم"؛ فرجع فأسلموا. والنبي هاجر إلى المدينة وتبعه الطُفيل وطائفة من قومه وفَدوا إلى المدينة المنورة. الله الله الله. قال: وما طُلِب منه الدعاء على قوم إلا عدَل من الدعاء عليهم إلى الدعاء لهم؛ هذا نبينا ﷺ.

(وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) -فيغفر لهم- (إِلَّا) -والحق واضح وبيّن- (أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ)، لَهَثوا وراء التكاسُل والتخاذُل والشهوات والهوىٰ؛ حتى (تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) -فيموتون كما ماتوا- (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قِبَلًا) أو (قُبُلًا..(55)) يعني مباشرة أمام أعينهم ينزل بهم فيرجعون: (آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ). ما عاد ينفع هنا: "يُستجاب لأحدكم ما لم يُغَرْغِرْ". فإذا بلغت الروح الحُلقوم وقال: آمنتُ؛ ما عاد في استجابة، ولا ينفع حينئذٍ التوبة ولا غيرها.

الله ينفعنا بكتابه وسيّد أحبابه، ويرزُقنا فَهم خطابه، ويخلِّقُنا بأخلاق حبيبه ويؤدِّبُنا بآدابه، ويجعلنا من أهل حضرة اقترابه، ويسقينا من شرابه، ويسقينا من شرابه.  في من أمته من يُسقى من شرابه في هذه الليالي، في هذه الأيام، لا تبعِد بعيد، تقرّب.. 

ونفحةُ باسطِ النعمةِ قريبةٌ *** تعرَّض  يا فتى  منها  تَقَرَّبْ

عسى المكلومُ أن يلقى طبيبَهُ *** فيضحى العيشُ له أطيبُ وأطيبْ

ألا يالله بنظرة من العين الرحيمة *** تُداوي كل  ما بنا من  أمراض سقيمة

هذا موسم مُبارك نصبَه الله ليربَح من يَربح ويُصلِح من يُصلِح، ويجود الله على من يجود. ومن عَظُم له الحق عظُمَت منه الإنابة وعظُمَت فيه وله ومنه المحبة، وكبُرَ عنده تعظيم الحق وتعظيم شعائر الحق وتعظيم حبيب الحق وتعظيم ما جاء به عن الحق. فمن عظُمَ حظُّه سرت العظمة فيه، ورأسها تعظيم باريه جلَّ جلاله: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32]، أكرَمنا الله بذلك، وسلك بنا أشرف المسالك. 

بسرِ الفاتحة 

وإلى حضرةِ النبي محمد ﷺ

اليوم اثنين يوم عرضٍ على الله، نُعرَض كلنا، فالله يُكرمنا بحُسن عرض مَجمَعنا هذا عليه وعلى رسوله، ونسعد إن شاء الله في هذا اليوم بقبول عند الله وإقبال صادق.

ها قد صرنا في الثالث عشر من رمضان، أقبلنا على انتصاف الشهر، سيذهب وسيرحل من بيننا، وما هي إلا أيام معدودة، فاغتنموها ليالي. وجاءت ليلة بدر وليلة السابع عشر وليلة ختم القرآن والليالي، ودخلت علينا العشر الأواخر. ما أسرع ما تنطوي! وخرجنا، ولكن فوز الرابحين، فوز المُغتنمين، وفوز أهل الحظوظ. فالله لا يجعل فينا محرومًا ولا مقطوعًا ولا ممنوعًا عن الخير، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. الحمد لله رب العالمين. 

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا اله الا انت نستغفرك ونتوب اليك.

تاريخ النشر الهجري

19 رَمضان 1434

تاريخ النشر الميلادي

27 يوليو 2013

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام