تفسير سورة الكهف(1434) -12- من قوله تعالى:(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ..(50))

تفسير سورة الكهف - الدرس الثاني عشر
للاستماع إلى الدرس

درس يلقيه الحبيب عمر بن حفيظ في تفسير سورة الكهف بعد الفجر ضمن دروس الدورة التعليمية التاسعة عشرة بدار المصطفى 1434هجرية.

نص الدرس مكتوب:

﷽ 

(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا (52))

الحمد لله على اتصال بعهود لربنا الإله المعبود، لنحُوز في حياتنا القصيرة على وفاءٍ بما عاهدنا عليه حتى نلقاه وهو راضٍ عنا، فيُكرمنا بما هو أهله، ويقربنا زلفى إليه. اللهم لك الحمد على إنزال الكتاب، وعلى إرسال سيد الأحباب، عالي الجناب، خيرِ من وعى الخطاب، ووُعِيَ به الخطاب، جامع المحاسن والآداب، عبدك المصطفى محمد

فنسألك الصلاة والسلام عليه منك عنا له في كل لمحة ونفس، كما أنت أهله، وبما أنت أهله، وكما هو أهله، وكما تحب وترضى له، وعلى آله وصحبه وأهل محبته وقربه، وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وأصحابهم ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

كم ذا يحدثنا ربنا -جلَّ جلاله- وخير الحديث حديث ربنا، وأصدق القول قول ربنا، وخير الكلام كلامُ ربنا.. 

  • يحدثنا ويُخاطبنا -سبحانه وتعالى-، ويعلمنا ويكلمنا على لسان رسوله محمد عن أخبار بِداياتنا ونِهاياتنا وخلقنا ووجودنا، والحكمة من وجودنا، في معالجة قضية الإستسلام لمنهجه التي يخص بها مَن سبقت له السعادة، والفسق عنها والتولي والتكبر الذي يكون نصيب أهل الشقاوة، أعاذنا الله من ذلك.
  • وذكرنا أن هذه الآيات المسترسلة والمتتالية، كانت في الرد على القوم الذين تكبروا على جماعة من بني آدم أمثالُهم ونظرائهم من المؤمنين، وقالوا: أبعد هؤلاء يا محمد عنك وعنَّا حتى نكلمك وحدك، ولا يؤذونا، وشيئًا من ذلك.
  • ذكّرنا أن الحق استرسل في حقائق تنزع من العاقل المؤمن كل هذه النزعات الوهمية العصبية النفسية الدَّنية التي تُخرج الإنسان عن طوره، وتجعله يتعدى طوره ويتكبر على بني جنسه، أو شيء مما خلق الله -تبارك وتعالى-.

حتى انتهينا إلى ما يقص الحق علينا من قصة سجود الملائكة لآدم، يقول سبحانه وتعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ)، اذكر يا محمد وذكِّر الجماعة هؤلاء، (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ) [البقرة:34]، (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ..(50))، فأبى تكبرًا، فانظروا ماذا يفعل الكبر بصاحبه؟

  • فلِم تتكبرون من بعده؟!
  • لِم تفعلون مثل فعله؟! تعمَلون مثل عمله! 

يقول: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ):

  • فيه تكريم الله لسيدنا آدم.
  • فيه تكرير هذه القصة كغيرها من القَصَص، يكرّرها الله -سبحانه وتعالى- في القرآن لما فيها:  
    • من الفائدة والعبرة، والعظة، والمعرفة والدلالة والإشارة، والتفهيم والتعليم، والتنبيه والتوجيه، والتأديب والتهذيب والتصفية والتنقية.
    • وكلما ذكرها في موطن، ذَكَرَها بفوائد تختلف عن ذِكْرِها في الموطن الآخر، تكون في الموطن التي ذكرها فيه أنسب للسياق وأعظم عمقًا في المعاني التي قبلها وبعدها. 

فهنا ذكر قصة إبليس: 

  • فذكر أصله الذي افتخر به وتكبر على أبينا آدم. 
  • وذكر فِسْقه بخروجه عن أمر الله تعالى اغترارًا بما عنده. 

(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ)، ولماذا إبليس لم يسجد يارب؟ وكيف خرج عن الأمر؟ قال: (كَانَ مِنَ الْجِنِّ)، أصله من الجن. 

فمن الجن؟ومع الأقاويل: 

  • هل هناك من الملائكة من يسمى جن؟
  • وهل معنى الجن الأمر المستتر من الإسْتجنان والاستتار؟
  • وكما أن الملائكة أيضًا مستُورين، فالجن مستورين؟

نقول في الآية فصلٌ: أن هذا كان مِن غير قبيل الملائكة، كان مِن الجن، ولما ذكر الله خلق آدم في سورة الحجر قال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ) [الحِجر:26-27]، فالخلق مِنْ القَبِل هذا تدل الدلائل من الوارد من عند عالم الغيب -سبحانه وتعالى- تدل على أنه: 

  • كان هناك خلق يسكنون الأرض قبل هذا؛ وهم الجن. 
  • وأنهم أُمروا بأوامر ونُهُوا عن نواهي. 
  • ثم إنهم فسقوا وخرجوا وخالفوا أمر الله، وخصوصًا بأمرين: إفساد، وسفك الدماء.

فأفسدوا في الأرض، وسفكوا الدماء؛ فعمهم الله بعذاب من عنده إلاَّ إبليس نجا، فرُفع مع الملائكة، فصار في السماء الأولى، سماء الدنيا، يُصلِّح عبادة كثيرة.. 

  • إلاَّ أن في القلب نقطة من الكبر ظهرت عند الأمر بالسجود لآدم؛ فكانت سبب طرده. 
  • وإلاَّ ما من مكان في السماء الدنيا، أو ما من مقدار شبر إلاَّ وكان له سجدة. 
  • وقد سجد وعبدَ الله تعالى آلافًا من السنين، من أقل ما ورد في الروايات سبعة آلاف سنة، قبل خلق آدم، وهو قاعد يعبد في السماء.

إذًا تحتاج العبادة إلى أصل أصيل من الخضوع للملك الجليل الإله الحق الخالق. ألا ترى الملائكة في خضوعهم وذلتهم؟ 

  • فمن لم يعبد الله على هذا الأساس لم يقم له وجهٌ في صحة العبادة، فتعرض لبطلانها. 
  • فهذه العبادات الكثيرة التي عند إبليس ظهر فسادها بنقطة الكِبر التي كانت في قلبه.

 كان من الجن الساكنين على ظهر الأرض فنجا وحده من دونهم، ويقال: 

  • أنه وُلِّيَ أمرًا في السماء الدنيا، وأضمر بذلك أنه خيرٌ من غيره، وأكرم من غيره؛ فكانت نقطة كبر لم يعلم بها إلاَّ الله سبحانه وتعالى. 
  • وكان كثير العبادة في تلك السماء الدنيا، فلما جاء أمر الله للملائكة بالسجود لآدم، كان داخلًا في هذا الأمر، وإن لم يكن من الملائكة؛ لكنه بحكم دخوله بينهم، وجلوسه معهم. 

كان الأمر واحدًا للكل؛ اسجدوا لآدم، قال سبحانه وتعالى: (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) -ما رضي أن يسجد- (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)، (فَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) أي خالف أمر الله:

  • يقولون في الشجرة عندما تُزهر وتُثمر وتَفتح ما عندها ويخرج منها ثمرتُها: فسقت، خرجت من محلِّها. 
  • فخروجه عن واجبه من أن يكون ممتثلًا لأمر الله -جلَّ جلاله- فسوق. 

ومن هنا سمي الفاسق فاسقًا؛ لأن الأصل في المخلوق أن يكون ممتثلًا لأمر الخالق، فإذا خالف هذه القاعدة خرج عن أصله، فهو مثل التمرة التي خرجت من مكانها ففسقت، سمَّاه فاسق.

يقول: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)، وخالف الأمر، وتكبر ورجع للأصل، قال: (أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) [الأعراف:12]؛ 

  • ويجب أن نعلم أن من شؤون الألوهية أن يختار مَن يشاء ويفضّل مَن يشاء. 
  • لا تحكمه أصول هو أوجدها للكائنات، ولا للمخلوقات. 
  • فهو يصطفي من يشاء ويختار. 

لأنه صاحب الحق، صاحب الملك، صاحب المملكة، صاحب الخلق والإيجاد، جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه؛ ولهذا.. 

  • لا حقّ لأحد له أصل رفيعٌ، أو حسن أن يتكبر على آخر، أو يحتقره. 
  • ولله أن يصطفي ممن أصله دون ذاك مَن شاء. 

وقال الله عن الآدميين وأصلهم أشرف من بقية أجناس المخلوقات والحيوانات؛ ولكن قال عن طائفة منهم: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) [الفرقان:44]، لا يقول: أنا أصلي إنسان.

 أصلك إنسان: 

  • إن قبلت الكرامة فنعمَ الإنسان أنت. 
  • ولكن إذا رددتها أو رفضتها، الحيوان يفوقك، يكون فيه اعتبارات خير منك وأفضل منك.

بل للإنسان نفسه في القيامة إذا رأى المصير الذي يصير إليه ومصيرَ الحيوانات، تمنى أن يكون حيوان: (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) [النبأ:40]، لما رأى أن هذه البهائم بعد القصاص بينها البين، والقصاص بينها وبين الناس، أُمر فصارت ترابًا، فرجعت إلى التراب، يقول: (يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا)؛ لأنه هو يروح إلى النار ما يرجع إلى التراب، أقام الأصل. 

مع أن الله الذي أمرك بالسجود له كان يعلم من أي شيء خلقه، أو لا يعلم؟ هو الذي خلقه، وهو قال لك: اسجد له، هو الذي يعلم، هل أنت ستعلِّمُه أنه خلقه من طين؟ أنت ستعلِّم هذا الإله أنه خلق آدم من طين؟! هو الذي خلقه أصلًا، وهو الذي قال لك: اسجد له؛ 

  • (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) [الحِجر:28-31]. 
  • (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) [الأعراف:12]، (قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ) [الحِجر:33]. 

أنا قلت لكم سأخلُق بشر من صلصال من حمإ مسنون من قبل. أنا الذي أعرف من أي شيء أخلقه. أنت الآن تعلمني مماذا خلقته، ومماذا خلقتك؟! أنا أعلم من أي شيء خلقتك، ومن أي شيء خلقته، وأنا الذي أمرتك، فكان منه هذا الكبر: (أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) [الأعراف:12]، (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ) -أو عليك لعنتي- (إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ) [الحِجر:34-35].

يقول الله: هذه القصة؛ وكان المشركون والكفار يسمعونها عن أهل الكتاب، ويعلمون قصة آدم، وقصة إبليس أنه أبى أن يسجد لآدم؛ فلهذا وقعت حُجة عليهم، يقول بعد هذا: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ) اليوم هذا الذي أبى أن يسجد وتكبر بأصله، فطُرد، وكانت منه كل هذه المساوئ، (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ) -نسلهُ- (أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي) بدل موالاتكم لإلٰهكم وخالقكم، توالون هذا؟!

الذي أصله كذا، وبدايته كذا، وقصته كذا (أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ)! أصلًا بينكم وبينهم عِداء من البداية، ما رضي أن يسجد لأبيكم آدم أصلًا، وتكبر عليه وعاداه، ثم قال: (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء:62]، إما يفلت مني، وإلاَّ سآخذه و(لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا ۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأعراف:16-18].

وهو يقول: (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص:82-83]، هؤلاء الذين أنت تريدهم لك، تريدهم عندك، مهما كان عندي طاقة من الإغواء وطاقة من..، أعطيتني إياها أنت؛ لكن أين الأصل لما يجيء الإصطفاء من عندك والأمر من عندك؟ أنا أقف أمامهم، لاأقدر أغويهم في شيء: (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص:83]، (قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الحِجر:41-42].

يقول: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ) -توالونهم- (مِن دُونِي): أنا ربكم الرحيم بكم، الرؤوف بكم، الغفور لذنوبكم، المكفر لسيئاتكم، القابل لكم إذا رجعتم إليّ، المبدل سيئاتكم حسنات إذا صدقتم بالتوبة إلي، خالق الجنةَ من أجل أن تأُبوا إليها في خُلدٍ أبدي؟ أنا ربكم، تستبدلون عدوكم بي؟!

يقول: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا(50)):

  • من يستبدل عدوه بدل إلهِه الكريم الرحيم الخالق له؟!
  • من الذي رَعاك وأنت نطفة؟ .. من الذي حولك إلى علقةٍ أولًا، ثم إلى مضغةٍ؟!
  • من الذي حول المضغة إلى هيكل عظمي؟ .. من الذي كسا العظامَ لحمًا؟!
  • من الذي أنشأك خلقًا آخر؟ .. من الذي رتب غِذاءك بواسطة السُر من غذاءِ أمك؟!
  • بترتيب من؟ بتقدير من؟ .. أصلًا هذه الطريقة في تغذية الجنين، وضعها من؟
  • أي هيئة؟ أي جماعة؟ أي حضارة؟ ..أي حزب مَن وضع هذا الترتيب؟ كيف تم؟

 الله..الله..الله، هذا الذي ما نسيك في بطن أمك، ثم أخرجك ويسر لك السبيل -جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه-، وأعطاك سمع وبصر، وما كنت تعلم شيء؛ (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78]، وأرسل إليك الرسل، وأنزل إليك الكتاب؛  الله..الله..الله. 

تترك هذا كله مقابل ماذا؟! لا خلقك، لا رزقك، لا تكفل بك، ولا مرجعك إليه، ولا مصيرك إليه، ولا له الحكم في الآخرة، تذهب إليه وتترك هذا الإله جلَّ جلاله؟! (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)، الله..الله..الله.

  • إذًا فالذي يبني شأنه على عُجْبٍ بنفسه، أو بأصله فمقتدٍ بإبليس. 
  • ولو كان عالمًا يناظر ويحاضر ويبين بمنطلق الفخر والعُجب بالنفس، فهو مقتدٍ بإبليس. 

وفي هذا غرِق كثير من خلق الله، -جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه-؛ لكن انظر سيد أهل العلم بالله وأسرار مملكته؛ عبده محمد، كان يقول في كلامه: "إنما أنا عبد -إنما أنا عبد- أجلس كما يجلس العبد، وآكل كما يأكل العبد"، اللهم صلِّ عليه. وهو أكرم عبدٍ، وهو أفضل عبدٍ، وهو أمجد عبد صلى الله عليه وصحبه وسلم. وما عرف الألوهية لله من عباده كما عرفها محمد، ولا قام بحق العبودية لله من عباده كما قام محمد، يا رب صلِّ عليه؛ ولهذا كان إمام الكل والمقدم على الكل؛ لكن اقرأ سيرته، لو قرأتهُ لن تجد مثل هذا المخلوق، مثل هذا الإنسان..

  • في الرحمة الكبيرة، في الرأفة العظيمة.
  • في التواضع الجم، في الخشوع.
  • في الخضوع، في الرقة.

سمعت قصته وهو يكلّم بعض الوفد الذين وفدوا عليه ويسألونه مسائل ويجيب عليهم، ويقرأ عليهم آيات من القرآن، فدمعت عيناه، فوضع يديه على وجهه يمسح الدموع من عينيه. يقول له بعض الوفد الذين وفدوا: أمن خشية الذي أنزل عليك هذا تبكي؟ أنت تبكي من خشية هذا الذي أنزل عليك هذا؟ قال: "أجل، يعني: نعم، أنا من خشيته أبكي" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وكم في ليالي رمضان بكى، وكثير من بُكائه كان من شأن أحوال الأمة من بعده!، فما قامت مثل هذه الصِلات التي جمعتنا اليوم، أنتم تعلمون أن الله تعالى أجراها على يدي محمد، لولا محمد، مالذي عرَّفنا بيننا البين؟ ما الدوافع حتى نتعارف ونتآلف، ويأتي هذا من هنا، وهذا من هنا، وهذا من الشرق، وهذا من الغرب، وهذا من القطر هذا، وهذا من القطر هذا، ونجتمع مجمع واحد على مائدته، على تعليمه، على الذكر الذي نزل عليه، على الوحي الذي أُوحي إليه، ما هذا؟!

كان يبكي كثيرًا في شأن الأمة وما يكون حالهم من بعده، وكيف يكون حالهم في القيامة، وكثُر بُكاؤه لذلك حتى أرسل الله إليه جبريل في ليلة: "ما يبكيك؟"  -وربنا أعلم- قال جبريل: يا رسول الله، إن الله أرسلني إليك يقول: فيما هذا البكاء؟ ما يبكيك؟ وهو أعلم. قال: "يا جبريل، ذكرتُ قول عيسى في أمته وإبراهيم.. 

  • أن إبراهيم قال: (فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [إبراهيم:36]. 
  • وأن عيسى يقول في القيامة: (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة:117-118]. 

فذكرتُ أمتي، وما يكون حالهم من بعدي، وما يكون حالهم يوم القيامة؛ فهذا الذي أبكاني" رجع جبريل، قال: ربي، علمت ما قال عبدك محمد، يقول كذا كذا. قال: "ارجع إليه فقل له: إنا سنرضيك في أمتك، ولن نسوءك فيهم". 

"إنَّا سنرضيك في أمتك ولن نسوءك فيهم"؛ فمهما حصل في الأمة فساد، وغش و ضلال، وبُعد وغفلة؛ خيط النور ثابت في الأمة وقائم، وكلما أوقدوا من يعاديه ويعادي دينهُ وشريعته، (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) [المائدة:64]. 

كم حصل؟ 1400 سنة الآن كل ساعة يظهر وجه من وجوه أعدائه بخطة جديدة، وترتيب وتركيب؛ ذهبت، يقربون ويدخلون إلى أماكن خطيرة، وماذا بعد ذلك؟! كأنهم ما جاءوا! ويظهرُ لا إله إلاَّ اللهُ محمد رسول الله، وأخباره وأخلاقه وسيرته ومنهجه من جديد في الأمة، وتزداد القلوب محبة له -يا الله- طيب، وكم محاولات؛ وكلها فاشلة! وكم؟ وكم؟ وكم؟ .. إلى هذا الخير الذي نتمتع به الآن.

اللهم لك الحمد، فأتمم علينا النعمة، واحشرنا في زمرته غدًا. يا من وعدته أن لا تسوءهُ فينا، اجعل من رضاه أن تجعلنا في زمرته يوم اللقاء، ولا تخلف منا أحدا. يا عالم ما خَفِيَ وما بدا، يا ولي الأمر والحكم هنا وغدا يا حي يا قيوم يا الله.

يقول الله: (مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ..(51))، هؤلاء أصحاب هذه الإقتراحات من الكافرين، قال: أنا ما أحضرتهم، لمَّا خلقتُ السموات والأرض، ما أحضَّرتهم ليروا كيف خلقت! أصلًا، غير موجودين كانوا أصلًا، أنا خلقت السموات قبلهم والأرض، قبل أن يتكونوا.

(مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ)، حتى كيف أخلُق بعضهم البعض؟ ما أطَّلع بعضهم البعض! كيف أخْلقهم، مادام الأمر مصدر غيب؟ فلماذا هذه الاقتراحات، وهذه التبجحات وهذه الاغترارات؟

أنت أصلًا ما لك سند، ما لك حُجة، أنت ما أنت مستحق لأن تتصدر هذا التصدر وتتكلم بهذا الأسلوب؛ أصلًا لا شهدت خلق السموات والأرض، ولا خلق الناس.

  • (وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا(51))، ما كنت متَّخذهم أعوان لي في الخلق والإيجاد، ولا في تدبير كوني، لا في تدبير الإنس ولا في تدبير الجن، ولا في تدبير الحيوانات، ولا في تدبير الأرض ولا في تدبير السماء.
  • (وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا)، (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ) [فاطر:41]، لا يمسكهم من بعده -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- 

وهل تملك قوى بني آدم على ظهر الأرض مهما تقدموا أن تتحكم في كوكب من الكواكب واحد؛ تقدمه، أو تؤخِره ترفعُه، أو تُنزله واحد كوكب؟ 

  • أنتم تقولون بلايين الكواكب، نريد منكم  أن تتحكمون في واحد، ها ممكن!
  • سيِّروه أنتم فقط، هيا تولّوا بتطوركم الذي تُسمونه الهائل؛ تسيير كوكب واحد من الكواكب. 
  • إذا الأرض كبيرة وما قدرتوا عليها، في مكان أصغر من الأرض انظروا! 
  • انظروا لنا قمر، تولوا أنتم تسييره، وتدبيره وتدويره، ممكن؟!

ماذا يعملوا، ماذا يصلِّحوا؟ 

سبحان الله؛ (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا) [الحج:73]، إذًا دعنا من الكواكب الآن، تقول: تكنولوجيا وتقدم كبير، طويل عريض. 

ما رأيكم نريد نوع من الحيوانات جديد تبنَّوا أنتم خلقهم؟ 

  • حتى صغير! حتى صغير كما هذا؛ لكن لا تأخذوا من خلق الله، أنتم أُخلقوه لنا، هاتوا لنا أصغر حيوان من عندكم، بسم الله، تطور. 
  • الإنسان يتطور! هل تستطيع أن تخلق لي حيوان واحد صغير، مثل أصبعي هذا فقط.

قال: ماذا؟ حيوان يخْلُق؛ ما يمكن! حتى ذباب: (لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ)؛ أغرب من هذا يضرب الحق المثل يقول: (وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا)، لو يأتي الذباب وياخذ عليهم  حبة سكر؛ (لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ)، أي ردوها فقط اتركنا في الكم الكبير، حبة سكر كما ذي خذها عليَّ هذا الذباب رجعها، وأنت يا صاحب الإمكانية ردها

 والله ضرب المثل بهذا؛ لأنه جعل طبيعة في هذه الذبابة بمجرد ما يأخذ أبسط الأشياء تذوب بسرعة، تذوب ويحتفظ بها داخل مُذوبة تمشي بعدين في جسده. هيا قم امسكوا في الذباب، فتتها وخرِّج الحبة ماعاد تخرج الحبة؛ ماتقدر أبدًا، لو حتى أمسكته وفتته ماعاد تخرِّج الحبة أبدًا: (وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج:73]، هم وهو كلهم أمام القدرة ضِعاف، أمام القدرة ضعاف، هو يغتر بشيء من مصنوعاته. 

والعجيب في المصنوعات كل موادها من خلق الله، وصنعوا طائرة بلا طيار، فقط نريد واحد من أجنحتها لا تأخذوا شيئا من مواد الكون لله تعالى، هاتوا مواد من عندكم واصنعوه، من أين يصنعونه؟! هذا الكون كله مُلك ربي، يأتي بهذا عند هذا، وهذا يقربه.

 وأنتم أصلًا مخلوقين له، وعقولكم كذلك وأيديكم التي عملت مخلوقة له، (أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات:95-96]، بدل ما اغتر بهذا أنا سأفكر من الذي خلقكم أنتم الذين صلحتم هذه الأشياء؟ هذه الأشياء فرع عنكم، طيب أنت الأصل تعال عندي هنا، الأصل إنت من أين أتيت؟

إنت الأصل حدد كل الذي جاء، كل شؤون التكنولوجيا فرع لك أيها الإنسان، دعنا من الفرع، نمسك الأصل، تعال يا الأصل أنت، إنسان من أين أتيت؟

  • خلقت نفسك؟ لا، عجيب!
  • كونت بصرك؟ لا .. كونت سمعك؟ لا!
  • خلقت لسانك؟ لا .. كونت معدتك؟ لا!
  • مَن كونك؟

وتُريدنا انسى هذا الذي كونك أنت، أذهب إلى عند شيء من المصنوعات التي خلقتها من مواد كونِه؛ لأنبِهر بها! عرفت قدرها وأتيت للأصل أنت حصلتك إنت بنفسك مخلوق! وفي تاريخك نطفة كنت!!

إذن هذه القصة؟! ما دام القصة كذا، قل لي: أين الأصل فقط أين البداية؟

أنت أخرج من عند الأعداد الكبيرة الهائلة؛ أُخرج..أُخرج..أُخرج.. إنزل من عند المليارات وإنزل  إلى عند الملايين إنزل إلى عند الألوف إنزل، إمشي إمشي ابحث للأصل، بترجع إلى المئات إمشي، عشرات إمشي اه!! أفراد؛ صارت لا شيء، عشرة، تسعة، ثمانية، سبعة، ستة، خمسة، أربعة، ثلاثة، اثنين، ثم صارت واحد، الله، ماذا قبل الواحد؟! ولا شيء!! إذًا الأصل في هذا كله واحد.

جاء واحد ملحد إلى عند سيدنا جعفر الصادق يقول له: تقولون الذي خلق هذا الكون كله هو الله. 

  • قال: نعم. قال: فمن كان قبل الله؟ 
  • قال: عُد لي من الواحد صعودًا واحد اثنين ثلاثة أربعة.
  • ثم قال: عد لي من الواحد هبوطًا انزل. قال: ليس قبل الواحد شيء.
  • قال: فهو كذلك ليس قبل الواحد شيء.

ليس قبل الواحد شيء، أصلًا ما يمكن تكون اثنين إلاَّ لابد من واحد مرتين، واحد واحد، فإذا ظهر الواحد بتجليين مثلًا طلع اثنين، فإذا تجلى الواحد أكثر من اثنين بواحد طلعت ثلاثة، فإذا ظهر الواحد أربع مرات طلعت أربعة. 

لكن هل ممكن نصلح أربعة من دون واحد؟! كيف من دون واحد! مستحيل ما يمكن، والعجيب حتى كتابتها إذا بنكتبها في الأرقام واحد -بسم الله- كذا تكتبها، كيه اكتب اثنين تصلح شيء؟ 

  1. هو الواحد قوس رأسه فقط -محلك خلاص-. 
  2. هو نفسه الواحد قوس هكذا دلَّ على اثنين.
  3. ثلاثة زيِّد قوس بين الاثنين صلح كذا طلع ثلاثة. 
  4. تريد أربعة هات الواحد قوس طرفيه والوسط  بينهن قل كذا طلع أربعة. 
  5. تريد خمسة إجمع طرف الواحد إلى الطرف بداية كذا عجيب. 
  6. تريد ستة تعال يا رأس وقوسه إلى الجانب الثاني خلاص طلع ستة. 
  7. تريد سبعة طرفيه إجمعهن إلى فوق. 
  8. ثمانية إلى تحت. 
  9. إجعل رأسه دائرة صار تسعة. 

وبعد ذلك، لو تطلع في الأعداد ماعاد شيء عدد إلاَّ هذه، هي تسعة عشرة احدى عشر أثنا عشر تكررت نفسها. 

فالوجود بأسره مع كثرته لابد من مرجعية إلى أصل تحصله واحد هو الواحد: 

  • (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الزمر:62]. 
  • "وليس قبل الواحد شيء"
  • "كانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ".
  • كان ولم يكن شيء معه. 

ثم خلقنا، سبحانه وتعالى الله اكبر ولهُ الحمد. 

(مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، فإذا تأتوا بخبر عن بداية الخلق عن التكوين عن المعاد؛ فأتوا به من الأصل. 

أما واحد ما حضر ولا علِم، ويتفلسف لنا ويقول ويخلط بين الأنعام والحيوانات، والناس ويقول: الإنسان أصله قرد!!. 

  • أنا أسألك في سنة كم أنت رأيت القرد يتحول إلى إنسان؟
  • حدد لنا بالتاريخ، سنة كم هذا القرد؟ 

في قرود عندنا كثيرة، ما رأينا واحد منها يتحول، اي قرد هذا ؟! و جاءت هذه النظرية ينشرونها.

واحد مرة في عدن تأثر بها، وقال: "النشوء والإرتقاء" الإنسان أصله كان قرد، قالوا لبعض العلماء هناك: هذا صاحبنا وطيب مسكين لا نعلم من الذي غروه بنظرية داروين هذا، والآن يتكلم بهذا الكلام. قال لهم:  اتركوه، عندنا موعد نحن سنخرج في فسحة في يوم كذا. قال: سنمرّ على بيته، وأنا سأنادي عليه لا تنادون عليه، وصلوا إلى تحت الدار.. 

  • تحت بيته ينادي: يا قرد.. يا ابن القرد. هو يقول له: يا ابن القرد. 
  • خرج وقال: ماهذا؟ من هذا يتكلم علي؟! أنت العالم تتكلم كذا؟!
  • قال: أنا ما قلت، إلاَّ أنت تقول هكذا!! هااا!!
  • أنت الذي تقول أصل الإنسان قرد، ولماذا تزعل؟ سنقول لك: قرد يا ابن القرد وإلاَّ ارجع عن الطريق هذا.
  • قال: لن أقول هكذا. قال: ونحن لن نقول لك هكذا اخرج الى عندنا، تعال.

لم يتقبلها بفطرته، هو لم يتقبلها، مغالطة فقط للوهم؛ ولكن الفطرة ما تتقبلها هذا. 

أصلاً الذي خلق الإنسان هو الله، ألا يدري، أين هو؟! أنت واحدٌ، يعرفونك بالمقاس على نظرائك، كنت نطفةً وعلقةً ومضغةً. ولما تسلسلنا إلى فوق، أنت ما حضرت، خلقك، حتى أمك ما حضرت خلْقها، ولا أبوك، ستأتي لي بأول آدمي؟! أول آدمي اسمه آدم، الله سمّاه، وهو الذي صنعه، وهو الذي تكلم عنه. هو الذي كلّمنا عنه الله جلَّ جلاله.

قالوا: أنت من أين تجيء بأخبارك هذه؟ 

نحن أخبارُنا جئنا بها من أصفيائِنا من بني البشر، أصدقِهم لهجةً، أرسلهم الخالق الذي خلق، وأنزل عليهم هذا الكلام: أنه خلق كذا وكذا وكذا، ومعهم على ذلك معجزات. 

لكن أنت من أين جئت بهذا الكلام؟!

وتبيتُ تلعبُ بفكرك وعقلك وتأتِّي تتألَّهُ علينا! أنت واحدٌ مثلُنا، لا تدري بنفسك ولا تدري بإخوانك! دعنا نعرف أنفسَنا من عند الذي كوَّن أنفسَنا، جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه.

(مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا(51))؛ إذًا فمهما اتخذوا لهم شركاء سيأتي اليوم: (وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ..(52)) هاتوا، حققوا كلامكم، اليوم ستظهر الحقيقة، نسأل الله أن يجعلنا في خيار الخليقة.

أخرجه الله من السماء على آدم، يقول بعد ذلك: كيف وصل إلى آدم؟ يحلف له ويقسم له ويغوي أبانا آدم، وقد قال الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ) [طه:117]؟

  • وكونه، وصل إليهم في الجنة وخاطبهم أمر مقطوع به ذكره الله. 
  • أما الكيفية فغاية ما ورد فيها عن أهل العلم استنادًا إلى بعض الروايات، أنه اختفى وسط بعض الحيوانات الداخلة إلى الجنة، ثم برز لآدم. 
  • وعلى كل حال بأي كيفية كان، قد دخل إلى الجنة التي فيها آدم وحواء؛ فقد أضمر عداوتهما، وعمل على اخراجِهما من الجنةِ، فكان ذلك الوسوسة والإغواء الذي ذكره الله سبحانه وتعالى. 

ولهذا بعد هذه الحادثة قال الله: (اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا)، فآيات (اهْبِطُوا) بالجمع، وهؤلاء اثنين آدم وحواء وأين الثالث؟ هو هذا هو، (اهْبِطُوا)، فهبوطهُ إلى الأرض ومنعه من دخول السماء كان بعد حادثة اغوائه لآدم. 

أما إخراجه من السماء الدنيا التي كان فيها، نعم، أو المرتبة التي كان عليها فنعم، فهذا كان عند إبائه عن السجود لآدم فبقي بعد ذلك غير مستقر في الأرض ووصل إلى الجنة وأغوى أبانا آدم، ثم قال: (اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا) [البقرة:38]، (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) [الأعراف:24]، فأسكنهم الأرض، ومنها كان على ظهر الأرض.

(أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ)؛ وفيه دليل على: 

  • أنه مثل بني آدم وأن الله خلق له زوجه كما خلق لأبينا آدم الزوجة حواء. 
  • وأنهُ تم نسلهُ منها فهو للجنِ كآدم للإنس، هو للجن الموجودين. 
  • الجن الذين قد هلكوا من قبل انتهوا؛ لكن الجن الموجودين على ظهر الأرض هو أبوهم. 

(أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ)، ومع ذلك ففيهم الصالح وفيهم الطالح، وفيهم مَن على منهجه، وفيهم مَن رجع إلى أمر ربه -سبحانه وتعالى- وسمعنا: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) [الجن:1].

وبالله التوفيق. الله يرزقنا الاعتبار ويرزقنا الإدَّكار ويبارك لنا في هذه الليالي الباهية بالأنوار، ويجعل باقي رمضان خير لنا من ماضيه ويجعل باقي الليالي والأيام زاهية لنا بعطاء الباري وفعل ما يرضيه ودخولنا فيمن يرتضيه اللهم آمين.

بارك لنا بركة واسعة في كل لحظة من لحظات شهرنا واغمرنا بفائضات جودك ونوِّر بصائرنا وأبصارنا وزدنا من فضلك ما أنت أهله وتولىَّ جهرنا وإسرارنا، ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحدٍ من خلقك طرفة عين، وكن أنت المتولي لنا في جميع أطوارنا، وبلغنا فوق آمالنا وأوطارنا من خير الدنيا والآخرة حتى تجعل مستقرنا دار الكرامة وأنت راضٍ عنا في زمرة حبيبك محمد وصفيك ومصاحبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك فضل من الله وكفى بالله عليمًا من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب.

بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

‏اللهم إنك سلطت علينا عدوًا بصيرًا بعيوبنا مطلعًا على عوراتنا يرانا هو وقبيلهُ من حيث لا نراهم اللهم فآيسهُ منا كما آيسته من رحمتك وقنطهُ منا كما قنطهُ من عفوك وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين جنتك والحمد لله رب العالمين.

تاريخ النشر الهجري

17 رَمضان 1434

تاريخ النشر الميلادي

25 يوليو 2013

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام