(370)
(606)
(339)
(535)
الدرس الثاني والثلاثون للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في شرح كتاب: الأربعين في أصول الدين، للإمام الغزالي . القسم الرابع: الأخلاق المحمودة: شرح الأصل الأول: التوبة (1)
ضمن دروس الدورة الصيفية الثانية بمعهد الرحمة بالأردن.
فجر الثلاثاء 3 ربيع الأول 1447هـ
ما الذي يوقظ القلب للرجوع بعد الغفلة؟ درس مهم عن معنى التوبة ومكانتها وأسباب يقظة القلب، ثم محاور الأركان الثلاثة، تجديد التوبة لكل أحد، وسلم المراتب من الظاهر إلى الباطن، مع التنبيه إلى أبرز عوائق التوبة التي تؤخّرها.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من كتاب "الأربعين في أصول الدين" للإمام حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي، نفعنا الله به وبعلومه وبكم وبعلوم سائر الصالحين في الدارين آمين. إلى أن قال رضي الله عنكم:
القسم الرابع: في الأخلاق المحمودة، وهي أيضاً عشرة أصول.
"الأصل الأول: التوبة
فإنها مبدأ طريق السالكين ومفتاح سعادة المريدين. قال الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222]. وقال الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا) [النور:31]، وقال ﷺ: "التائب حبيب الله، والتائب من الذنب كمن لاذنب له"، وقال ﷺ: "لَلَّهُ أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دويّة مهلكة، معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، فطلبها حتى إذا اشتد عليه الجوع والعطش أو ما شاء الله .. قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت.
فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ فإذا راحلته عنده، وعليها زاده وشرابه، فالله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن من هذا براحلته".
فصل
في بيان حقيقة التوبة
حقيقة التوبة: الرجوع إلى الله تعالى عن طريق البعد إلى طريق القرب، ولكن لها ركن ومبدأ وكمال.
أما مبدؤها: فهو الإيمان.
ومعناه: سطوع نور المعرفة على القلب حتى يتضح فيه أن الذنوب سموم مهلكة، فتشتعل منه نار الخوف والندم، وينبعث من هذه النار صدق الرغبة في التلافي والحذر؛ أما في الحال.. فبترك الذنوب، وأما في الاستقبال.. فبالعزم على الترك، وأما في الماضي.. فبالتلافي على حسب الإمكان، وبذلك يحصل الكمال.
فصل
في كون التوبة واجبة على كل أحد
إذا عرفتَ حقيقة التوبة.. انكشف لك أنها واجبة على كل أحد، وفي كل حال.
ولذلك قال الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]، فخاطب الجميع مطلقاً.
أما وجوبها: فلأنَّ معناها معرفة كون الذنوب مهلكة، والانبعاث لتركها وهو جزء من الإيمان؛ أعني: هذه المعرفة، فكيف لا تجب؟!
وأما وجوبها على كل واحد: فهو أن الإنسان مركب من صفات بهيمية، وسبُعيَّة، وشيطانية، وربوبية، حيث يصدر من البهيمية الشهوة والشَّرَهُ والفجور، ومن السبُعيَّة الغضب والحسد والعداوة والبغضاء، ومن الشيطانية المكر والحيلة والخداع، ومن الربوبية الكِبر والعز وحب المدح والاستيلاء.
وأصول هذه الأخلاق هذه الأربعة، وقد عُجنَت في طينة الإنسان عجناً مُحكماً يكاد لا يتخلص منها، وإنما ينجو من ظلماتها بنور الإيمان المستفاد من العقل والشرع.
وأول ما يُخلق في الآدمي البهيمية؛ فيغلب عليه الشِّرَّة والشهوة في الصبا، ثم يُخلق فيه السبُعية، فيغلب عليه المعاداة والمنافسة، ثم يُخلق فيه الشيطانية فيغلب عليه المكر والخداع؛ إذ تدعوه السبُعية والبهيمية إلى أن يستعمل كياسته في حيل قضاء الشهوة وتنفيذ الغضب، ثم يظهر فيه بعد ذلك صفات الربوبية؛ وهو الكِبر والإستيلاء وطلب العلو.
ثم بعد ذلك يُخلَق فيه العقل الذي يظهر فيه نور الإيمان، وهو من حزب الله تعالى وجنود الملائكة، وتلك الصفات من جنود الشيطان.
وجنود العقل تكمل عند الأربعين، ويبدو أصله عند البلوغ، وأما سائر جنود الشيطان.. يكون قد سبق إلى القلب قبل البلوغ، واستولى عليه، وألفَتْهُ النفس، واسترسلتْ في الشهوات متابعة لها إلى أن يرِدَ نور العقل، فيقوم القتال والتطارد بينهما في معركة القلب.
فإن ضعف جند العقل ونور الإيمان.. لم يقوَ على إزعاج جنود الشيطان، فتبقى جنود الشيطان مستقرة آخراً كما سبقت إلى النزول أولاً، وقد سَلَّم للشيطان مملكة القلب.
وهذا القتال ضروري في فطرة الآدمي؛ إذ لا تتسع خِلقة الولد لِما لا تتسع له خلقة الأب، وإنما حُكي لك حال آدم صلوات الله عليه؛ لتتنبَّه به على أن ذلك كان مكتوباً عليه، وهو مكتوب على جميع أولاده في القضاء الأزلي الذي لا يقبل التبديل.
فإذاً؛ لا يستغني أحد عن التوبة".
ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، ومن سار في دربه واهتدى بهداه، ورزقنا حسن متابعته والاقتداء به في جميع شؤونه في الظهور والبطون.
وبعدُ،
فيتكلم الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- عن الأخلاق المحمودة والتي لها عشرة -أيضًا- أصول، تجمع شتاتها وتقيم بنيانها على خير الوجوه.
فجعل: "الأصل الأول: التوبة"؛ وهي: حصول ندم في القلب على ما سبق من تقصير، وتدارك ذلك بالتشمير، والعزم الصادق ألَّا يعود إلى ما قصّر فيه، وإن تعلقت بحقوق الآدميين فلا بُدَّ من أداء الحقوق إلى أهلها، هذه التوبة من عموم الذنوب.
ولكن التوبة كما أشار أنها: "مبدأ طريق السالكين ومفتاح سعادة المريدين"، ولا نهاية لها، فكما أشار الكل يحتاج إلى التوبة ولو من خواص أهل الطاعة والإنابة، وذلك لأسرارٍ؛ منها ما ذكره الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- لِما اعتجن في باطن هذا الإنسان من الصفات السبُعية والبهيمية والشيطانية وصفات الربوبية؛ وبعد ذلك لأن حق الربوبية وحق الألوهية لا يستطيع القيام به أحد من الخلق، لا من أهل الأرض ولا من أهل السماء؛ ولكن الله رضي منهم بما أقدرهم عليه ويسّره لهم سبحانه وتعالى.
فإذًا؛ لا يستغني عن التوبة أحد، وكل من ارتقى مقامًا من مقامات القرب من الله، فوراءه أقرب منه، فهو يحتاج إلى التوبة ليرتفع إلى ما هو أقرب، وكلما ارتفع إلى مقام تاب من الذي قبله، وكلما ارتفع إلى حال تاب من الذي قبله، ولا نهاية لمعرفة الله، ولا نهاية للقرب من الله، ولا نهاية لمحبة الله، ولا نهاية لرضوان الله، فلا نهاية للتوبة إلى الله -جل جلاله وتعالى في علاه-
حققنا الله بحقائق التوبة المقرونة بالمحبة، "قال الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)" [البقرة:222].
وذلك لمَّا تعجَّب بعض العارفين، وكان يلحُّ على الله في تحقيق التوبة، ولا شك أن العارف يعرف من معاني التوبة وتحقيقها ما لا يعرفه غيره، ثم قال: يا رب، لي عشرون سنة أدعوك -أو أربعون- أن أتحقق بالتوبة وما أدركت ذلك بعد، قال: فنُودي: أترى أن ذلك أمر يسير؟ إنك تطلب محبته! "(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) "[البقرة: 222]، أنت تطلب محبة، تطلب شيئًا عظيمًا. رزقنا الله الإيمان والتوبة والمحبة، ورقَّانا في مراتب المحبة مع خواص الأحبة.
قال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31]. وللتنبيه على عظمة التوبة وأنه يحتاج إليها كل أحد ولا يستغني عنها أحد، قال الله تبارك وتعالى ذاكرًا سيد أهل حضرته وإمام أهل طاعته، قال: (لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ) هؤلاء خيارنا وأعاظمنا وأفضل هذه الأمة (لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ) يعني: السابقين الأولين- (مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة:117] جل جلاله وتعالى في علاه. "والتائب من الذنب كمن لا ذنب له". كما جاء في رواية ابن ماجه.
ثم عبر عن معاني الجود الرباني في قبول التوبة وتيسيرها للإنسان ورحمة الحق تعالى بعبده المؤمن فقال: "لَلَّهُ أفرح بتوبة عبده المؤمن"؛ الحق سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى عبد مؤمن ولا عبد كافر، ولا إلى إنسي ولا جني ولا ملك، ولا أرض ولا سماء، ولا عرش ولا كرسي، ولا جنة ولا نار، ولا يحتاج إلى شيء. ومعنى فرحه بتوبة عبده المؤمن؛ تنزّله بالجود والكرم والرحمة في إرادة إفاضة الجود على العباد، عبَّر عنه ﷺ بأن الله يفرح بتوبة عبده المؤمن؛ ثم بَيَّن أكثر ما يصادفه الإنسان من الفرح بأشياء في الحياة الدنيا، قال: الله أفرح بهذا. لماذا؟ لأنه ما يمكن تفهيم الإنسان المعاني إلا بإدراك شيء يتعلق به، وإن كان لا مقارنة ولا مناسبة، بينما يُنسب للعبد ولايُنسب للرب، ولكن العبد ما يتصور الشيء إلا بشيء متصل به، فيقول: أنت تفرح بأيش في الحياة الدنيا؟ فيذكر أعظم ما يفرح به، يقول: بس.. الله أفرح! ليس مثله، حاشاه من المثلية ومن المشابهة، لكن أفرح يعني أنه متفضل عليك تفضّل كبير عندما تتهيأ للرجوع عن موجبات الغضب والسخط والعذاب إلى ما يوجب الرضا والعفو والمغفرة، يفرح لك سبحانه وتعالى جودًا منه وكرمًا.
"وقال ﷺ: لَلَّهُ أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دويّة مهلكة"؛ فلاة واسعة كبيرة، "معه راحلته عليها طعامه وشرابه" وزاده كله، "فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته". أين الراحلة والماء فيها والزاد فيها، وذي صحراء واسعة طويلة، كيف يقطعها ويتعرض للعطش وللجوع وللموت، فأخذ يبحث ويتفرج وينظر ويذهب يمنة ويسرة، ولا أثر للناقة، ولا لما فيها من الطعام والشراب. قال: أيش أعمل لها؟ يقين إذا مشيت سأموت، خلاص ليس هناك شيء، شُف شجرة، أنام تحتها حتى أموت؛ خلاص استسلم، إنه انتهى أمله في الحياة والبقاء فيها، وأن أسبابها خرجت من يديه، فتهيأ للموت، راح تحت الشجرة ينام ليموت؛ فلما انتبه فإذا الراحلة قدامه، عليها الزاد وعليها الماء، كيف فرحه؟ كيف فرحه؟ وهكذا مثَّل لنا قال: هذا الذي تفرحون به أنتم، شيء آيستم منه ثم وجدتم الحياة كلها؛ الله أفرح بتوبة عبده من هذا براحلته وزاده، كما جاء في الخبر: "لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من الضال الواجد" من ضل عليه شيء ثمين وعزيز ثم وجده، "والعقيم الوالد" مرت عليه سنين عقيم ما يولد له مولود وإلا قالوا له حمل أهلك، جاء ولد، يفرح؟ "ومن الظمآن الوارد"، اشتدّ عليه العطش ويخاف الموت من الظمأ، إلا والماء قدامه، يفرح بالماء، كيف يفرح به؟ يفرح به فرحًا عظيمًا. قال: "الله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد"، فضلًا من الله سبحانه وتعالى.
فالله يحققنا بحقائق التوبة ويجعلنا من التوابين في كل نفس وحال وحين، ويرقّينا في مراقيها.
قال: "حقيقة التوبة: الرجوع إلى الله تعالى عن طريق البعد إلى طريق القرب"، ومهما كنت في منزلة قرب، فهي بالنسبة للمنزلة التي بعدها بُعد، هي منزلة قرب لكن بالنسبة لما بعدها بعد، قُرب بالنسبة لما قبلها، لكن بالنسبة لما بعدها هذه بُعد تُعتبر، لأن في قُرب وفي أقرب، القريب عند الأقرب مثل البعيد عند القريب، فلا تزال تقرب منه قربًا بعد قرب، والله يقربنا إليه زُلفى.
"الرجوع إلى الله تعالى عن طريق البعد إلى طريق القرب". وبذلك تعرف أنها:
وأرقى الخلق في القرب، في المعرفة، في المحبة، في الرضا، عبده المصطفى محمد، ومع ذلك يترقى في كل لمحة وفي كل نَفَس -صلوات ربي وسلامه عليه- كما كان التجلي عليه في أولية الخلق، ثم مرورًا بتكوين آدم والتنقل في الأصلاب إلى أن وُلد في الدنيا، ولم يزل يترقى إلى أن جاء الوحي، فكان مجال ترقيِّه في ذلك أوسع وأقوى وأرفع، إلى وفاته. وبعد وفاته كذلك في برزخه يترقى بما يهبه الحق تعالى ويتجلى عليه، وبما رتب له من أعمال أمته، فمثل ثوابهم كله يعود مضاعفًا إليه ﷺ، فكم من أعمال صالحة، هذا ما هو إلا للأمة وحده، أما الأمة على وجه الخصوص جعله الله سبب التكوين حتى للملائكة، فجميع أعمالهم وطاعاتهم أيضًا راجعة إليه، لأنه سبب تكوين؛ خُلقوا من نوره، والأنبياء من قبلهم؛ فسبحان الله!.. وكلهم تتضاعف أعمالهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم بما علموا أُممهم وأرشدوهم، ولكن كلها ترجع إليه؛ فكم يترقى في كل لمحة وفي كل نَفَس، صلوات ربي وسلامه عليه، وهذا إلى الأبد، حتى إلى مواقف القيامة ويقول: "ارفع رأسك، وسل تُعطى، وقل يُسمع لقولك، واشفع تُشَفَّع"؛ صلوات ربي وسلامه عليه ولا يزال الأمر إلى زيادة بلا نفاد، بلا وقوف، بلا انقطاع، بلا غاية، ولا انتهاء؛ وهكذا يجب أن تكون الربوبية والألوهية.
يقول: "الرجوع إلى الله تعالى عن طريق البُعد إلى طريق القرب، ولكن لها ركن ومبدأ وكمال.
أما مبدؤها: فهو الإيمان". فمن آمن بالله اضطر إلى الرجوع إليه، واضطر إلى التوبة إليه، واضطر إلى الإقبال الصادق عليه، على حسب إيمانه بالله سبحانه وتعالى.
"سطوع نور المعرفة على القلب حتى يتضح فيه أن الذنوب سموم مهلكة" والغفلات وكل قاطع عن الله تعالى، "فتشتعل منه نار الخوف والندم" بحكم الإيمان "وينبعث من هذه النار صدق الرغبة في التلافي والحذر؛ أما في الحال في الحاضر "فبترك الذنوب، وأما في الاستقبال.. فبالعزم على الترك" ألَّا يعود إليها، "وأما في الماضي.. فبالتلافي"، أن يتلافى ما قصر فيه وما فاته ويعوض ذلك بما يستطيع، وإن كانت تعلقت بحقوق أحد من الخلق أدى للخلق حقوقهم، هذه حقيقة التوبة.
"إذا عرفتَ حقيقة التوبة.. انكشف لك أنها واجبة على كل أحد" من كافر ومسلم ومؤمن وصدّيق ومُقرّب ونبي وإلى غير ذلك-، "وفي كل حال. ولذلك قال الله تعالى:(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31]، فخاطب الجميع مطلقًا". لماذا؟ "معرفة كون الذنوب مهلكة، والانبعاث لتركها وهو جزء من الإيمان" فكيف لا يجب ترك الغفلات فضلًا عن الذنوب والمعاصي والسيئات؟ كيف تجب على كل أحد؟ قال: هذا الإنسان مثلًا ذكر هذا الوجه وذكرنا الوجه الآخر؛ ذَكر: "أن الإنسان مركب من صفات بهيمية، وسبُعيَّة، وشيطانية، وربوبية".
لا إله إلا الله.
قال: "وقد عُجنَت في طينة الإنسان عجناً مُحكماً يكاد لا يتخلص منها، وإنما ينجو من ظلماتها بنور الإيمان المستفاد من العقل والشرع". فيبدأ الإنسان في أول خِلقته، ووجود روحه وسط جسده، ومجيئه إلى هذا العالم الدنياوي، "البهيمية، فيغلب عليه الشِّرَّة والشهوة في الصبا". يتعلم شهوة الطعام أول ما يطرُقه، وينبعث فيه مما خُبئ في تكوينه: شره الطعام، من حين ما نُفخ الروح في بطن أمه ما كان يأكل ولا يعرف يبلع شيء، أول ما يخرج من بطن أمه مستعد يبلع، ويعرف ويُلهَم إلتقام الثدي ومصَّه، وإلّا مَن بيتفاهم معه يقول له: مُصّ؟! عاده خرج من بطن أمه ولا يعرف كلام، ولَّا بتقول له هيَّا مُص مُص كيف مُص، مُص أدخله في فمك، ابلعه إلى داخل! ما بتعرف تتفاهم معه، لكن: (قَدَّرَ فَهَدَىٰ) [الأعلى:3]، يخرج من بطن أمه مستعد يلقم الثدي، مستعد يبلع إلى البطن؛ فهذا أول ما يغلب عليه صفات بهيمية، وتغلب عليه في صباه.
"ثم تُخلق فيه الصفات السبعية" يبدأ يكبر: أنا سأُرِيه، أنا بأضرُبه هذا، أنا بطلِّعه أنا بنزّله، أنا باعمل -لاحول ولاقوة إلا بالله-، فتأتي الصفات السبعية، وتجيء عليه معاداة ومنافسة ومضاربة. ثم تغلب فيه أو تبدو مما كُوّن فيه الصفات الشيطانية، فيستعمل المكر والخداع والحيلة والجربزة. ثم قال: إن الصفات السبعية والبهيمية تدعوه أن يستعمل هذه القوة -قوة العقل- في التحيّل لها والمكر لها "لقضاء الشهوات وتنفيذ الغضب".
"ثم تظهر فيه صفات الربوبية: وهو الكبر والاستيلاء"، يحب يترقّى في الجيش والعسكر، يترقى في الرتبة، يترقى يقع نائب، يقع مدير، بعدين أحسن يقع وزير، ويحب يترقى، يحب يترقى إذا قدر يقع ملك أحسن، إذا قدر يقع رئيس، وربما بذل فيها ما بذل، وتَهَتَّك في تحصيلها بأي شيء. لاإله إلا الله!..
قال: ثم بعد ذلك يُمَدّ بإمداد نور العقل الذي يبتدئ من التمييز، وعند البلوغ أصله، ولكن يقوى يقوى إلى الأربعين من العمر. قال: "وجنود العقل تكمل عند الأربعين، ويبدو أصل العقل عند البلوغ" ومن هنا جاء التكليف، "وأما سائر جنود الشيطان.. يكون قد سبق إلى القلب قبل البلوغ، واستولى عليه، وألِفَتْهُ النفس، واسترسلتْ في الشهوات". فيحتاج الآن -بسم الله- إلى قتال، لأنه ألِف الشهوات وسبق إليه سابق الغضب، والصفات البهيمية، ثم جاءت الصفات السبعية، ثم جاءت الصفات الشيطانية، ذا الحين جاء العقل: قُم اعدل بينهن ورتّبهن واضبطهنّ، وهو قد ألِف الاسترسال.. فلا بُدّ من مجاهدة.
قال: "فيقوم القتال والتطارد بينهما" بين الفريقين "في معركة القلب. فإن ضعف جند العقل ونور الإيمان.. لم يقوَ على إزعاج جنود الشيطان، فتبقى جنود الشيطان مستقرة آخراً كما سبقت إلى النزول أولاً" -والعياذ بالله تبارك وتعالى، خلاص-، "وقد سُلَّم للشيطان مملكة القلب". ويرجع العقل كله خادم للشهوة والهوى. قال: "وهذا القتال ضروري في فطرة الآدمي". لا إله إلا الله...
فصلٌ
في بيان أن التوبة واجبة على كل حال
"وأما وجوبها في كل حال: فلأن الإنسان لا يخلو في جميع أحواله عن ذنب في جوارحه أو في قلبه، ولا يخلو عن خُلق من الأخلاق الذميمة مما تجب تزكية القلب عنه، فإنه مبعِد عن الله، والاشتغال بإماطته توبة؛ لأنه رجوع عن طريق البعد إلى طريق القرب.
فإن خلا عن جميع ذلك، فلا يخلو عن غفلة عن الله تعالى، وذلك أيضاً طريق البعد، ويلزمه الرجوع عنه بالذكر. ولذلك قال الله تعالى: (وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) [الكهف:24].
وإن كان حاضراً على الدوام -وأنَّى يُتصوّر ذلك؟!- فلا يخلو عن ملازمة مقام نازل عن المقامات الرفيعة وراءه، وعليه أن يترقى منه إلى ما فوقه، ومهما ترقى منه، استغفرَ عن مقامه الذي خلَّفه؛ لأنه تقصير بالإضافة إلى ما أدركه، وذلك لا نهاية له. ولذلك قال رسول الله ﷺ: "إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله تعالى في اليوم والليلة سبعين مرة".
كل ذلك كان توبة منه، إلا أن توبة العوام عن الذنوب الظاهرة، وتوبة الصالحين عن الأخلاق الذميمة الباطنة، وتوبة المتقين عن مواقع الريبة، وتوبة المحبين عن الغفلة المُنسية للذكر، وتوبة العارفين عن الوقوف على مقام يُتصوَّر أن يكون وراءه مقام، والمقامات في القرب من الله تعالى لا نهاية لها، فتوبة العارف لا نهاية لها أيضاً.
فصل
في بيان التوبة المقبولة
التوبة إذا استجمعت شرائطها.. فهي مقبولة لا محالة، ولا يخفى عليك ذلك إن فهمت معنى القبول.
فمعنى القبول: أن يحصل في قلبك استعداد القبول لتجلِّي أنوار المعرفة، وإنما قلبك كالمرآة، يحجبه عن التجلي كُدورات الشهوة والرغبة فيها، ويرتفع من كل ذنب ظلمة إليه، ومن كل حسنة نور إليه، فالحسنات تصقيل للقلب؛ ولذلك قال النبي ﷺ: "أَتْبِع السيئةَ الحسنة تمحها".
ونسبة التوبة إلى القلب نسبة الصابون إلى الثوب، ولا بد أن يزول منه الوسخ إذا استُعمل فيه على وجهه، ومن تاب فإنما يشك في قبول التوبة؛ لأنه ليس يستيقن حصول تمام شروطها؛ كما أن من شرب المُسهِّل لا يستيقن حصول الإسهال به؛ لأنه لا يدري وجود تمام الشروط في أدويتها، ولو تُصوِّر أن يُعلم ذلك.. لتُصوّر أن يُعلم القبول في حق الشخص المُعيَّن. ولكن هذا الشك في الأعيان لا يشككنا في أن التوبة في نفسها طريق القبول لا محالة.
فصل
في بيان أن التوبة تحصل بترك الإصرار
علاج التوبة: حل عقدة الإصرار؛ فإنه لا مانع منها سوى الإصرار، ولا حامل عليه سوى الغفلة والشهوة، وذلك مرض في القلب، وعلاجه كعلاج أمراض البدن، لكن هذا المرض أكبر من مرض الأبدان؛ لثلاثة أسباب:
أحدها: أنه مرض لا يعرف صاحبه أنه مريض، وهو كبرص على وجه من لا مرآة له، فإنه لا يعالجه لأنه لا يعرفه، ولو أخبره غيره ربما لم يصدقه.
الثاني: أن عاقبة هذا المرض لم يشاهدها الإنسان ولم يجربها، فلذلك تراه يتكل على عفو الله تعالى ويجتهد في علاج مرض البدن غاية الجهد.
الثالث -وهو الداء العضال-: فقد الأطباء؛ فإن الطبيب هو العالِم العامل، وقد مرض العلماء في هذه الأعصار مرضاً عَسُر عليهم علاج أنفسهم؛ لأن الداء المهلك هو حب الدنيا، وقد غلب ذلك على العلماء، واضطروا إلى الكف عن تحذير الخلق من الدنيا؛ كي لا تنكشف فضيحتهم، فافتضحوا لمَّا اصطلحوا على الإقبال على الدنيا والتجاذب لها والتكالب عليها؛ فبهذا السبب عم الداء وانقطع الدواء، واشتغل الأطباء بفنون الإغواء، فليتهم إذا لم يصلحوا لم يفسدوا، وليتهم سكتوا وما نطقوا، بل صار كل واحد كأنه صخرة في فم الوادي، لا هي تشرب الماء ولا تترك الماء ليشربه غيرها".
لا إله إلا الله.
يقول: تجب التوبة في كل حال. لماذا؟ "لأن الإنسان لا يخلو في جميع أحواله عن ذنب في جوارحه أو في قلبه، ولا يخلو عن خُلق من الأخلاق الذميمة مما تجب تزكية القلب عنه"؛ لأن الأخلاق الذميمة "مبعد عن الله، والاشتغال بإماطته توبة؛ لأنه رجوع عن طريق البعد إلى طريق القرب.
قال: فلو فرضنا أنه "خلا عن جميع ذلك" كله، "فلا يخلو عن غفلة" يغفل بها "عن الله تعالى" و الغفلة أيضًا بُعد، فيحتاج إلى أن يعالجها بالذكر وهو قرب، فهو توبة. "(وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) [الكهف: 24]"، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب:41-42].
قال: وإذا دام له الحضور على الدوام -وهذا يكون للخواص- "فلا يخلو عن ملازمة مقام نازل عن المقامات" التي فوقه "الرفيعة وراءه، وعليه أن يترقى منه إلى ما فوقه". قال الله لأقرب الخلق إليه: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه:114]، (وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا) [الكهف:24]، فما من قُرب إلا وفيه أقرب. لا إله إلا الله…
يقول: إذًا "عليه أن يترقى إلى ما فوقه ومهما ترقى منه، استغفرَ عن مقامه الذي خلَّفه؛ لأنه تقصير بالإضافة إلى ما أدركه، وذلك لا نهاية له. ولذلك قال" سيد أهل الحضرة، الطاهر المعصوم "رسول الله ﷺ: "إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله تعالى في اليوم والليلة سبعين مرة"."، يعني المحطات الكبرى التي يتم ارتقائه فيها خلال اليوم والليلة إلى سبعين، تصل إلى مئة كما في الرواية الأخرى، مع دوامه في الترقي عليه الصلاة والسلام. ولما رآه بعض الصالحين يقول للنبي ﷺ: إنك قلت في حديثك "إنه ليغان على قلبي"؛ قال: "نعم، غين أنوار لا غين أغيار"، "غين أنوار لا غين أغيار"، من ترادف وتكاثف الأنوار، وارتقائه من مقام إلى ما هو أعلى، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله.
……………………. *** بمبداه حارَ الخلق كيف انتهاؤه؟
فاقَ النبيين في خَبقٍ وفي خُلُقٍ *** وَلَمْ يُدَانُوهُ فِي عِلْمٍ وَلَا كَرَمِ
وَوَاقِفُونَ لَدَيْهِ عِنْدَ حَدِّهِمِ *** مِنْ نُقْطَةِ الْعِلْمِ أَوْ مِنْ شَكْلَةِ الْحِكَمِ
فَإِنَّهُ شَمْسُ فَضْلٍ هُمْ كَوَاكِبُهَا *** يُظْهِرْنَ أَنْوَارَهَا لِلنَّاسِ فِي الظُّلَمِ
صلوات ربي وسلامه عليه.
فمراتب الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- في عظيم ما تجلى الله وتكرَّم به عليهم في قاب قوسين، والأدنى من ذلك مقامه هو، (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ) [النجم:8–9] (أو) بمعنى "بل" أو في هذه الآية، كما جاءت في عدد من الآيات بمعنى "بل" "بل أدنى"، فهم في ساحل بحره ﷺ، بحورهم ساحل لبحره الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-.
وَقَدَّمَتْكَ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ بِهَا *** وَالرُّسْلِ تَقْدِيمَ مَخْدُومٍ عَلَى خَدَمِ
وَأَنْتَ تَخْتَرِقُ السَّبْعَ الطِّبَاقَ بِهِمْ *** فِي مَوْكِبٍ كُنْتَ فِيهِ صَاحِبَ الْعَلَمِ
حَتَّى إِذَا لَمْ تَدَعْ شَأْوًا لِمُسْتَبِقٍ *** مِنَ الدُّنُوِّ وَلَا مَرْقًى لِمُسْتَنِمِ
خَفَضْتَ كُلَّ مَقَامٍ بِالْإِضَافَةِ إذ *** …………………………..
حتى قال لجبريل: اطلع؛ قال: ما أقدر أطلع؛ قال: تترك خليلك في هذا المقام؟! قال: يا محمد! إن تقدمتُ احترقت، وأنت إن تقدمتَ اخترقتَ، قد وُزِن لك؛ وهذا مقامي وما منا إلا له مقام معلوم.
خَفَضْتَ كُلَّ مَقَامٍ بِالْإِضَافَةِ إِذْ *** نُودِيتَ بِالرَّفْعِ مِثْلَ الْمُفْرَدِ الْعَلَم
اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله.
قال: "كل ذلك كان توبة منه، إلا أن توبة العوام عن الذنوب الظاهرة، وتوبة الصالحين" يتوبون "عن الأخلاق الذميمة الباطنة". ما يعرفها العوام، فتوبة الصالحين ليست مثل توبة العوام، وراء الصالحين من قد تخلى عن الأخلاق الذميمة، توبة المتقين عن مواقع الريبة، ويتركون ما لا بأس به.. وفوق المتقين من ظفروا من المتقين بحقائق المحبة.
قال: "وتوبة المحبين عن الغفلة المُنسية للذكر" في أي حال من الأحوال. وفي هكذا كان من هذا الصنف، بل ومن صنف العارفين جماعة كانوا يدرسون عند الحبيب علي الحبشي -عليه رحمة الله-، وكانوا زاهدين في الدنيا ويقنعون بما يسّر الله لهم، فجاءت بعض المساعدة من بعض الأثرياء، فأمر الحبيب علي بعض أصحابه يقسّم عليهم ويعطيهم من قرش قرش فرانصة ؛ بعد ما اجتمع بهم في اليوم الثاني قال: عسى أعطاكم فلان؟ قالوا: نعم، قال: فرحتم بذلك؟ قالوا: فرحنا؛ لأن حاجتهم لها قوية في البيت، نفقتهم ونفقة أهلهم. قال: فرحكم بها من الغفلة عن الله، فرحكم بها من الغفلة عن الله! لا ينبغي أن تفرحوا بغير ربكم -جلَّ جلاله-، فرحكم بها من الغفلة عن الله. لاإله إلا الله! فهؤلاء يتوبون من أيش؟! سبحان الله!
كما ذكر بعض العارفين قال سيدنا الجنيد بن محمد إنه حمد الله مرة في غير موضعها، بغير استذكارها، فكيف! فقعد يستغفر الله منها مدة طويلة يتوب؛ يتوب من أيش؟! قال: قلت الحمد لله على غير وجهها، قال: قيل لي إن النار اشتعلت في الدكاكين حتى وصلت على دكانك فانطفأت، قال: الحمد لله، قال ثم قلت: كيف تحترق دكاكين المسلمين وأنا أُظهر الحمد من أدل دكاني وأنسى دكاكين المسلمين؟ فجعلت أستغفر من هذا؛ يستغفر من أيش؟ أنه قال الحمد لله على غير وجهها! هذه التوبة حقهم! توبتهم توبتهم من الغفلة.
قال: "وتوبة العارفين عن الوقوف على مقام يُتصوَّر أن يكون وراءه مقام". وبعدين؟ والمقامات لا نهاية لها، فما من مقام إلا فوقه مقام، وما انتهى الصديقون فإنما هم على سواحل بحور الأنبياء، والأنبياء على ساحل بحر رسول الله ﷺ، ورسول الله سيد أهل العبودية، دائماً يقول: "أعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك سبحانك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك"، فلا نهاية!.. يالله بحسن الأدب نرقى إلى أعلى الرتب، نقرب مع من قرب.
قال: "التوبة إذا استجمعت شرائطها.. فهي مقبولة". قال ربنا: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) [الشورى:25]، لكن الشك فقط في استكمال الشرائط، كما كان يقول سيدنا عمر: "لا أحمل هم الإجابة لكن أحمل هم الدعاء". هم الدعاء، كيف أدعو؟ إذا تم الدعاء على وجهه قال ما أحمل هم الإجابة، قال ربنا: (أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ) [غافر:60]، يقين، لكن كيف صدر مني الدعاء وعلى أي الوجوه استكمل أدبه في العبودية أو لا؟ كذلك التوبة، "التوبة إذا استجمعت شروطها فهي مقبولة" ، وإنما خوفهم أن لم يكن استجمعوا الشروط، فلهذا يفزعون.
قال: "فمعنى القبول: أن يحصل في قلبك استعداد القبول لتجلِّي أنوار المعرفة"؛ لأن الذنوب والمعاصي وكذلك الغفلات ران على القلب يمنع تجلي نور الحقيقة فيه ونور المعرفة الخاص، فمعنى قبول التوبة: أن يزول هذا الحجاب والغشاوة حتى يتأهّل القلب ويصلح لإشراق نور المعرفة فيه، فهذا معنى القبول: يحصل في قلبك استعداد لقبول تجلي أنوار المعرفة.
لأن قلبك مثل المرآة "وإنما قلبك كالمرآة؛ يحجبه عن التجلي كُدورات الشهوة والرغبة فيها، ويرتفع من كل ذنب ظلمة إليه -إلى هذه المرآة-؛ ومن كل حسنة نور إليه؛ فالحسنات تصقيل للقلب. ولذلك قال النبي ﷺ: "أَتْبِع السيئة الحسنة تمحها"." (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ) [هود:114]، نور الحسنة يبعد ظلمة السيئة.
فمعنى قبول التوبة: أن تصبح مرآة قلبك مستعدة لإشراق نور المعرفة؛ فإذا صحّت التوبة منك واجتمعت شروطها، فالحق يقبلها، وتتهيأ مرآة قلبك لأن يُشرق فيها نور المعرفة الخاصة.
قال: "ونسبة التوبة إلى القلب نسبة الصابون إلى الثوب"؛ إذا غسلت الثوب تغسيل صحيح بالصابون لابد يروح الوسخ حقه، لكن إذا أنت ما عرفت تغسل سواء، وما جيت على المحل، رحت الى جانب وجانب، هذا راجع إليك أنت؛ أما إذا أحسنت استعمال الصابون يزيله… وكذلك إذا أحسنت التوبة تزيل كُدُورة القلب، إذا أحسنت القيام بالتوبة تزول ظلمة القلب. لا إله إلا الله.. يا تواب تب علينا وارحمنا وانظر إلينا.
قال: "ولا بد أن يزول منه الوسخ إذا استُعمل فيه على وجهه، ومن تاب فإنما يشك في قبول التوبة؛ لأنه ليس يستيقن حصول تمام شروطها؛ كما أن من شرب المُسهِّل" وعنده إمساك في بطنه "لا يستيقن حصول الإسهال به؛ لأنه لا يدري وجود تمام الشروط في أدويتها، ولو تُصوِّر أن يُعلم ذلك.. لتُصوّر أن يُعلم القبول في حق الشخص المُعيَّن".
ولكن نحن نقول: التوبة إذا استجمعت شروطها مقبولة، وأما توبة فلان وفلان ما نعيِّنه؛ لأنه يمكن نقص في حقه الشروط، هذا أمر مبهم علينا.
قال: "التوبة: حل عقدة الإصرار" عن الذنب؛ "فإنه لا مانع منها سوى الإصرار، ولا حامل عليه سوى الغفلة والشهوة، وذلك مرض في القلب، وعلاجه كعلاج أمراض البدن، لكن هذا المرض" مرض القلب "أكبر" وأخطر "من مرض الأبدان؛ لثلاثة أسباب:
أحدها: أنه مرض لا يعرف صاحبه أنه مريض".
والمريض الذي ما يدري بمرضه مشكلة، كيف يعالج؟ تقول له تعال بنعالجك؛ يقول: ما بي شيء أنا، ايش بتعالج؟ روح عالج نفسك أنا ما بي شي! لا حول ولاقوة الى بالله! ما يشعر بالمرض الذي عنده.
"وهو كبرص على وجه من لا مرآة له". تقول له: في وجهك برص؛ في وجهي أنا؟! رُح يا قليل الحياء، في وجهك أنت! أيش في وجهي؟ ولا شيء! ما عنده مرآة يشوف وجهه، كيف يصلح له، لابد تجيب له مرآة، يكلمه واحد ثاني: تكذب أنت، تستهزئ بي؟! رُح ما شيء في وجهي، ويوم يشوف المرآة… وبعضهم هكذا مشكلة، يتأخر حتى يجيء الموت بعدين ينتبه!.. ما عاد ينفع.. "الناس نيام فَإِذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا"، لو انتبه لنفسه من قبل كان أحسن؛ هذا مرض ما يشعر صاحبه أنه مريض، إلا من صدَّق الصادق، صدَّق الحق ورسوله؛ يعرف، فيطلب العلاج لنفسه.
"الثاني: أن عاقبة هذا المرض لم يشاهدها الإنسان ولم يجربها" لأنه عاده في الدنيا، "فلذلك تراه يتكل على عفو الله تعالى ويجتهد في علاج مرض البدن غاية الجهد". ولا يجتهد في علاج مرض قلبه -لاحول ولا قوة إلا بالله!- عاده ما شاهد النتيجة حقه، حق البدن شاهدها يروح بسرعة يعالج بدنه.
قال: السبب الثالث: أن الأطباء الذين يعالجون أدواء القلوب قلّوا واستتروا، فإن ذلك موكول إلى أهل العلم في الأصل؛ ولكن سيدنا الغزالي يقول قبل تسعمائة سنة يقول: العلماء تغيّرت وجهاتهم ونيّاتهم وآدابهم، ما عاد صاروا يدرون يداوون؛ هم مرضوا! هم مرضوا مرض منعهم أن يعالجوا لا عاد عالجوا أنفسهم ولا عالجوا الناس؛ لاحول ولاقوة الا بالله.
قال: "فإن الطبيب هو العالِم العامل، وقد مرض العلماء في هذه الأعصار مرضاً عَسُر عليهم علاج أنفسهم" فكيف يعالجون غيرهم؟ "لأن الداء المهلك هو حب الدنيا، وقد غلب ذلك على العلماء، واضطروا إلى الكف عن تحذير الخلق من الدنيا؛ كي لا تنكشف فضيحتهم" وحالهم يقول: وأنتم؟! فسكتوا عن هذا؛ لاحظتم كيف؟ "فافتضحوا لمَّا اصطلحوا على الإقبال على الدنيا" لاحول ولاقوة إلا بالله! افتضحوا فاصطلحوا وأجمعوا كلهم على "التجاذب لها والتكالب عليها". والإقبال عليها بكلياتهم، فمن الذي سيعالج؟ لا إله إلا الله...
يا معشرَ القراء يا ملحَ البلدِ *** ما يصلحُ الملح إذا الملحُ فسدْ؟
قال: "فبهذا السبب عمّ الداء وانقطع الدواء، واشتغل الأطباء بفنون الإغواء. فليتهم إذا لم يصلحوا لم يفسدوا، وليتهم سكتوا وما نطقوا، بل صار كل واحد كأنه صخرة في فم الوادي، لا هي تشرب الماء ولا تترك الماء" يصل إلى الذين يشربون ويحتاجون إليه، فتُمسك الماء محلها في فم الوادي وتمنعه من المشي وهي ما تشرب منه ولا تنتفع به؛ فهذا وصف حال عموم العلماء إذا كان في ذاك القرن، آخر القرن الخامس، توفي في أول القرن السادس هو، 505 هـ، هذا آخر القرن الخامس -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-، يقول العلماء هكذا، وكيف السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر، والحادي عشر، الثاني عشر، الثالث عشر، ووصلنا إلى الخامس عشر. الله يتداركنا والأمة ويغيثنا والأمة.
وهذا كله يُقال من أجل التنبيه والتوجيه، ولا يقول الإمام الغزالي ولا غيره بأنهم عُدموا ولا انتهوا، ولكن يقول سُتروا وظهر محلّهم من ليس أهل للعلم، فيشكُون ذلك، وإلا فالخير باق في الأمة لا يمكن أن ينقطع، ولكن لمن صدق وجدّ واجتهد، ويغلب بعد ذلك على الناس أطماع وأوهام وخيالات فيخرجون عن سواء السبيل من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون، و(يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ ) [النور:35].
"وجملة القول: في علاجه أن تنظر في سبب الإصرار، وهو يرجع إلى خمسة أسباب:
أولها: أن العقاب الموعود ليس بنقد، والطبع يستهين بما لا يوجد محققًا في الحال.
وعلاجه: أن تتفكر لتعلم أن كل ماهو آت قريب، وأن البعيد ما ليس بآت، وأن الموت أقرب إلى كل أحد من شراك نعله، فما يدريه لعله في آخر أيامه، أو في آخر سنة من عمره؟
ثم يتفكر أنه كيف يتعب في الأسفار، فيركب الأخطار؛ خوفاً من الفقر في الاستقبال.
الثاني: أن اللذات والشهوات آخذة بمُخنَّقه في الحال، فليس يقدر على قلعها.
وعلاجه: أن يتفكر أنه لو ذكر له طبيب نصراني بأن شرب الماء البارد يضره، ويسوقه إلى الموت، وهو ألذ الأشياء عنده.. كيف يتركه؛ فليعلم: أن الله تعالى ورسوله ﷺ أصدق من الطبيب، والخلود في النار أشد من الموت بالمرض، وليقرر على نفسه: أنه إذا كان يشق عليه ترك اللذات أيامًا قلائل.. فكيف لا يشق عليه ملابسة النار والحرمان عن الفردوس ونعيمه أبد الدهر؟!
الثالث: أنه يُسوِّف بالتوبة يوماً فيوماً.
وعلاجه: أن يتفكر ويعلم أن بناء خطر السعادة والشقاوة على ما ليس إليه.. جهل، فمن أين يعلم أنه يبقى إلى أن يتوب؟ وأن أكثر صياح أهل النار من التسويف؛ لأنهم سوَّفوا حتى فاجأهم مرض ساقهم إلى الموت.
وكيف وإنما يُسوِّف لأنه يعجز عن قمع الشهوات في الحال؟ فإن كان ينتظر يوماً يسهل فيه قمع الشهوات.. فهذا يوم لم يُخلق أصلاً.
بل مثاله: مثال امرئ يريد أن يقلع شجرة عجز عنها لضعفه وقوة رسوخ الشجرة، فيؤخر إلى السنة القابلة، وهو يعلم أن الشجرة تزداد كل يوم رسوخاً، وقوته تزداد كل يوم قصوراً ونقصاناً، وذلك غاية الجهل.
الرابع: أن يَعِدَ نفسه بالكرم والعفو، وذلك غاية الحمق، أبرزه الشيطان في معرض الدِّين.
قال النبي ﷺ: "الكيِّس: من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والأحمق: من أتْبَع نفسه هواها، وتمنى على الله تعالى".
الخامس: أن يكون -والعياذ بالله- شاكاً في أمر الآخرة، وقد ذكرنا علاجه في خاتمة الأخلاق الذميمة".
هكذا يقول التوبة -الله أكبر- يتخلص منها بحل عقدة الإصرار، وبعد ذلك قال: "وجملة القول في علاجه أن تنظر في سبب الإصرار" وسبب إصرار المُصرّ على الذنب واحد من هذه الخمسة "وهو يرجع إلى خمسة أسباب" لا شيء غيرها.
"أولها: أن العقاب الموعود ليس بنقد" ما هو قدام عينه، "والطبع يستهين بما لا يوجد محققًا في الحال"، لكن كلما قويَ العقل واليقين يحسب حسابه لشدة المستقبل ولو كان بعد حين، يقول الآن بنمشي كذا بعدين بعد خمس سنين، عشر سنين، بيطلعون لنا كذا، فيقع علينا كذا لا لا لا، خلنا نحن في حالنا أحسن.. بحسب قوة عقله؛ أما إذا قَصُر عقله يقول السنة الآتية؟ خلك من السنة الآتية، يروح الآن في حاله وما يدري إلا السنة جاءت، وأنه وقع في المشاكل وفي المصائب وهكذا.
قال: "وعلاجه أن تتفكر لتعلم أن كل ماهو آت قريب" لا تستبعد انتبه، "وأن البعيد ما ليس بآت" الذي لن يحصل هذا هو البعيد وأما الذي بيحصل ما هو بعيد؛ بيحصل بيحصل، كم بتجلس؟ وكم بيتأخر وبعدين يجي؟ بعدين مشكلة هذا المقبل ما عاد له غاية ولا نهاية، أبد -لا اله الا الله-.
"وأن الموت أقرب إلى كل أحد من شراك نعله، فما يدريه لعله في آخر أيامه"، لعله آخر أسبوع، لعله آخر شهر، لعله آخر سنة… الله أعلم؛ ويا رب بارك في الأعمال وارزقنا صرفها فيما يرضيك عنا.
قال: "ثم يتفكر أنه كيف يتعب في الأسفار، فيركب الأخطار؛ خوفاً من الفقر في الاستقبال." وذا استقبال أشد بعد ذلك.
"الثاني: أن اللذات والشهوات آخذة بمُخنَّقه في الحال، فليس يقدر على قلعها." ويصعب عليه التخلص منها، "وعلاجه: أن يتفكر أنه لو ذكر له طبيب نصراني بأن شرب الماء البارد يضره، ويسوقه إلى الموت"، وهو يحب شرب الماء البارد، يقول بس خلاص بس خلاص ، أيش بس خلاص؟! ما عاد أريده، قال: ما تحبه؟! قال: أيش الفائدة بيعرضنا للموت، بيخليني أتعب وأموت؛ من قال لك؟ طبيب؛ طبيب نصراني وتركت شهوتك من أجله خوفاً من الموت؟! وذا رب العالمين ونبيه الأمين أخبروك بخطر هذا، ثم ما تصدقهم؟! وما هو مسألة موت فقط، هذا عذاب شديد، ما هو موت، الموت سهل. لا بُدّ بتموت، إن سمعت كلام الطبيب وما مت السنة ذي، السنة التي بعدها بتموت، الموت لابُدّ منه ، لكن ذا عذاب خطير، و قد أنذرك به الرب ورسوله ما تصدقه؟! -لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم-؛ ويشق عليك أنت مرض أو موت، "فكيف لا يشق عليه ملابسة النار والحرمان عن الفردوس ونعيمه أبد الدهر؟!".
قال: "-والسبب الثالث للإصرار-: "أنه يُسوِّف بالتوبة"؛ يقول بكرة بنتوب، الشهر الآتي، السنة الآتية، إن شاء الله لما تحصل الفرصة، بنتقل للمحل الفلاني… تُب من الآن مباشرة! قال: "يتفكر ويعلم أن بناء خطر السعادة والشقاوة على ما ليس إليه جهل، فمن أين يعلم أنه يبقى إلى أن يتوب؟ وأن أكثر صياح أهل النار من التسويف". وأكثر صياح أهل النار وبكاؤهم الذي دموعهم من كثرتها لو كانت سفن لجرت فيها! قال أكثر بكائهم من: سوف، تأجيل؛ سوف، سوف، سوف، سوف يتوب، سوف يصلح، سوف، سوف، بالسوف والتسويف تمضي الليالي والأيام. -لا إله إلا الله-.
"لأنهم سوَّفوا حتى فاجأهم مرض ساقهم إلى الموت." "يُسوِّف لأنه يعجز عن قمع الشهوات في الحال؟ فإن كان ينتظر يوماً يسهل فيه قمع الشهوات.. فهذا يوم لم يُخلق أصلاً!"؛ قال: أنت مثالك تأخر لمّا يسهل عليك ترك الذنوب وترك الشهوات، متى يسهل؟ كلما تماديت يقوى، ما يسهل، يصعب أكثر! ولكن استعجل، وإلا كلما تماديت؛ قال: مثاله مثال رجل يريد قلع شجرة يعجز عنها لضعفه وهي راسخة الشجرة، قال بصبر، خلها السنة الآتية بقلعها؛ السنة الآتية تكون أقوى، ازدادت قوة الشجرة، وبيحاول عاده! قال: لو حاولت في السنة الماضية كان يمكن تصل، أما الآن كلما مر بها وقت هي تقوى؛ فلهذا يقول كلما تماديت مع الشهوات تقوى عليك، ما تنتظر تضعف! لا إله إلا الله... قال: "الشجرة تزداد كل يوم رسوخاً، وقوته تزداد كل يوم قصوراً ونقصاناً، وذلك غاية الجهل".
"الرابع: أن يَعِدَ نفسه بالكرم والعفو، وذلك غاية الحمق، أبرزه الشيطان في معرض الدِّين. قال النبي ﷺ: "الكيِّس: من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والأحمق: من أتْبَع نفسه هواها، وتمنى على الله تعالى" الأماني، كما جاء عند الترمذي وابن ماجه وغيرهم.
يقول: "الخامس: أن يكون -والعياذ بالله- شاكاً في أمر الآخرة"، وهذا يجب عليه أن يراجع ما أوتي من عقل وفهم ليعرف أن الله لم يخلق الخلق عبثاً.
الله ينظر إلينا ويحقّقنا بحقائق التوبة.
يَا تَوَّاب تُبْ عَلَينَا *** يَاتَوَّاب تُب عَلَينَا
وَارْحَمْنا وَانْظُر إِِلَيْنَا *** وَارْحَمْنا وَانْظُر إِِلَيْنَا
خُذْ يَمِينًا خُذْ يَمِينًا *** عَنْ سَبِيل الظَّالِمِينَا
وَاتَّقِ اللّهَ تَعَالَى *** عَنْ مَقَالِ المُلْحِدِينَا
الإِلَهَ الحَقَّ رَبَّ الـ *** عَرْشِ رَبَّ العَالَمِينَا
هُوَ رَبُّ الأَوَّلِينَا *** هُوَ رَبُّ الآخَرِينَا
هُوَ رَبِّي هُوَ حَسْبِي *** هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَا
هُوَ غَفَّارُ الخَطَايَا *** هُوَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَا
رَبِّ وَأَدْخِلْنَا جَمِيعًا *** فِي العِبَادِ الصَّالِحِينَا
وَارْضَ عَنَّا وَاعْفُ عَنَّا *** وَأَجِرْنَا أَجْمَعِينَا
مِن عَذَابٍ فِي جَحِيمٍ *** أُرصِدَتْ لِلْمُجْرِمِينَا
مِنْ عُصَاةٍ فَاسْقِينَا *** وَعُتَاةٍ كَافِرِينَا
رَبِّ وَأَدْخِلْنَا جِنَانًا *** أُزْلِفَتْ لِلمُتَّقِينَا
إِذْ يُنَادَوْنَ ادْخُلُوهَا *** بِسَلَامِ آمِنِينَا
وَصَلَاةُ اللهِ تَغْشَى *** أَحْمَدَ الهَادِي الأَمِينَا
وَعَلَى آلٍ وَصَحْبٍ *** وَجَمِيعِ التَّابِعِينَا
مَا تَلَا تَالٍ قُرَآنًا *** جَاءَ بِالحَقُّ مُبِينَا
يَا تَوَّاب تُبْ عَلَينَا *** يَاتَوَّاب تُب عَلَينَا
وَارْحَمْنا وَانْظُر إِِلَيْنَا *** وَارْحَمْنا وَانْظُر إِِلَيْنَا
لا يدع أحد منّا من الحاضرين والسامعين والمتصلين بنا إلا تاب عليه توبة نصوحًا، ورقَّاه في سلم التوبة إليه أبدًا سرمدًا، واجعله من خواص الفائزين بحقيقة التوبة وبحقيقة المحبة؛ حتى يجعلنا في المحبوبين من عباده أهل محض وداده، ويقينا الأسواء والأدواء وكل بلوى، ويعفو عنا جميع تقصيراتنا وخطيئاتنا وسيئاتنا وزلاتنا وغفلاتنا، ويرزقنا الإقبال بالكلية عليه والقبول التام لديه، والترقّي في كل مقام من مقامات اليقين إلى ذُراه وإلى أعلاه وإلى ما هو أشرَف وأكرَم وأطيب وأقرب، في خير ولطف وجود وعطف، ويزداد عنا رضا في كل لمحة ونفس، ويختم لنا بأكمل حسنى وهو راضٍ عنا إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
سؤال:
يغضب بعض الآباء على أولادهم، كيف يميز هل هذا الغضب لله تعالى من أجل تربية الولد والقيام بحقه، أو بشيء من الشؤون التي تكتنفه النفسية وغيرها؟
الجواب:
ينبغي أن يتهم نفسه وأن لا يستعمل من التأديب إلا ما ندبه إليه الشرع وأباحه له، وأحيانًا يكون دافع هذا الغضب من شأن نفسه، وأن الأمر منسوب إليه؛ وإنما يكون الغضب لله تبارك وتعالى عند ارتكاب معصيته ومخالفة أمره -جل جلاله- ويكون العلاج بما شرع سبحانه وتعالى وبما أحب ورتب.
04 ربيع الأول 1447