كشف الغمة -6- باب إثم مَن عَلِم ولم يعمل وقال ولم يفعل

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب إثم مَن عَلِم ولم يعمل وقال ولم يفعل

الإثنين 18 شوال 1444هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

- همة السفهاء الرواية وهمة العلماء الرعاية

- من صفات العالم الذي لا يعمل

- ما هو العلم الذي لا ينفع؟

- ما هو الخشوع؟ وكيف نتحقق به؟

- كيف تكون استجابة الدعاء، ومن الذي لا يستجاب دعاءهم؟

- كثرة خُطباء السوء

- كيف يكون حالنا مع القرآن والعمل به؟

- أربعة أمور يُسأل عنها قبل الصراط

- شرار الناس شرار العلماء

 

نص الدرس مكتوب:

بسم الله الرحمن الرحيم

رضي الله عنكم وبسندكم المتصل إلى الإمام عبد الوهاب الشعراني رحمه الله تعالى في كتابه كشف الغمّة عن جميع الأمّة إلى أن قال:

باب إثم من علم ولم يعمل وقال ولم يفعل

 قال زيد بن أرقم كان رسول الله ﷺ  يقول  في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يسمع ".

 وكان ﷺ يقول: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار برحاه، فتجتمع أهل النار عليه فيقولون: يا فلان ما شأنك أليس كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؛ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن الشر وآتيه".

 وكان رسول الله ﷺ يقول: "مررت ليلة أسرى بي بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هم خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون". 

 وكان ﷺ  يقول: "ما آمن بالقرآن من استحل محارمه". يعني: استهان بها. 

وكان ﷺ يقول: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسئل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه". 

وكان ﷺ يقول: "شرار الناس شرار العلماء". 

وكان ﷺ يقول: "أشدُ الناس عذاباً يوم القيامة عالم ما لم ينفعه علمها". والله أعلم .

 اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم عدد معلوماتك ومداد كلماتك وكلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون. (٣ مرات)

   الحمد لله مكرمنا بالشريعة والدين وبيانها على لسان الحبيب الأمين خاتم النبيين، سيدنا محمد خير قدوة في السر والجهر لجميع المهتدين صلى الله وسلم وبارك وكرّمَ عليه وعلى آله وأهل بيته الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين وعلى من والاهم في الله واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ويبين الشيخ عليه رحمة الله تبارك وتعالى في هذا الباب وجوب الاستقامة على كل من آمن بالله الذي خلقه، وكل من آمن بالنبي وصدَّقَه؛ فعليه أن يقتدي به وأن يهتدي بهديه، فلا ترجمة لحقيقة الإيمان إلا خضوع القلب والأركان لمقتضى ما أوحى الرحمن وبلغ سيد الأكوان، والعمل على ذلك والتطبيق له، وليس الدين بصورة وليس بمظهر؟ وليس بحس بلا معنى، ولكنه حقائق يدين بها المؤمن مولاه الخالق -جل جلاله- في خضوعه لجلاله وأدبه معه وحسن امتثالِا لأمره واجتنابِه لزجرِه.

فذكر الخطر الكبير لمن يعلم ولا يعمل ولا يفعل؛ فيتحول علمه الذي يمكن أن يرتفع به إلى حجة عليه يهوي به، كما قال تبارك وتعالى في بلعم بن باعوراء لما اتبع هواه ومصلحته ووافق قومه على ما يخالف شرع الله {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} فإنه يرفع بهذا العلم من يشاء كما يرفع بالقرآن من يشاء ويخفض كذلك، {وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} لا ينفعه علم ولا ينفعه مقال والكلب إن أعطيته وإن تركته وإن كلمته وإن سكتت هذا هو يلهث يلهث، دائم وقته يلهث وهذا مثله {ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 175-176] فتحول علمه إلى وبال عليه وإلى حجة عليه لتعمده المخالفة، فهكذا يجب أن يكون حال المؤمن الصدق مع الحق جل جلاله فيما آمن به.

وقد سبحانه وتعالى أنكر على من يقول ولا يعمل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} وهذا عتاب من الجبار الأعلى وهو عظيم شديد عند من آمن بالجبار الأعلى {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ} ُبغضًا ومقتًا عند الله المقت هوالبغض والعياذ بالله {أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الحجرات 2-3] فالسخط والبغض مصبوب على من يسترسل في شؤونه على القول دون العمل يقر نفسه أن يقول ما لا يفعل {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}. 

وجاء أيضا عنه ﷺ وجاء موقوفًا عن سيدنا معاذ يقول: "تعلموا ما شئتم أن تعلموا، فلن يأجركم الله حتى تعملوا" وهكذا، يقول ابن مسعود: ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم الخشية.

وكان الحسن يقول: إن السفهاء همتهم الرواية وإن العلماء همتهم الرعاية، السفهاء همتهم الرواية فقط مجرد نقل العلم ورغبته والتحدث به والتشدق به والتظاهر به هذا همة السفهاء، والعلماء همتهم الرعاية أن يرعوا أوامر الله ونواهيه وإرشاداته وتعليماته وما بلَّغَ رسوله ليعملوا وليطبقوا ولينفذوا وليتصفوا عبوديةً للقرب من المعبود وطلب رضاه واستعدادًا للقائه. لا إله إلا الله 

وكان يقول ابن مسعود: أُنزل القرآن ليعمل به فاتخذتم مجرد دراسته عملًا وسيأتي قوم يثقفونه مثل القناة ليسوا بخياركم. 

قال: العالم الذي لا يعمل كالمريض يصف الدواء، ما يستعمله فينتفع الناس ويتعالجون وهو بمرضه يزداد، وكالجائع يصف لذائذ الأطعمة ولا يجدها ما يزداد إلا تعب وحسرة. لا إله إلا الله

 يقول:" كان رسول الله ﷺ يقول في دعائه "اللهم إني أعوذ بك من من علم لا ينفع" وما العلم الذي لا ينفع؟ ما كان في ذاته هو غير نافع من علوم السحر والشعوذة وأمثال هذا واحد

الثاني هذا بعيد عن النبي ﷺ وأتباعه، علم نافع في أصله لكن ما ينتفع به صاحبه علم لا ينفع، يعلمه ولا يزداد إيمان ولا يزداد خشية ولا يعمل به يخالفه هذا علم لا ينفع 

في الحديث العلم علمان:

  1.  علم على اللسان فذلك حجة الله على خلقه 
  2. علم في القلب فذلك العلم النافع 

علم في اللسان فذلك حجة الله على خلقه وعلم في القلب فذلك العلم النافع، ربنا انفعنا بما علمتنا رب علمنا الذي ينفعنا.

استعاذ بالله ليعلمنا "من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع" فإن فساد القلب وخرابه وشؤمه أن يحرم الخشوع، والخشوع: حضور مع الله تعالى بتعظيم وتفهم للمعاني وبرجاء فيه وحياء منه هذا هو الخشوع، وهو مجال القرب من الله -تبارك وتعالى- والذي يحتاج إليه في كل عبادة، وإذا تمكن من القلب صار صاحبه خاشعًا في مختلف أحواله، حتى أنه يمشي وهو خاشع، ويتكلم مع الناس وهو خاشع، ويأكل ويشرب وهو خاشع؟ وقد كان سيدنا عبد الله بن مسعود يقول: الخشوع أول علم ينزع من هذه الأمة حتى لا تكاد تجد خاشعا. 

كانوا تجد أثر الخشوع في المسلمين حتى في أسواقهم في شوارعهم وفي بيوتهم؛ فصار مفقودة حقيقة الخشوع حتى في كثير من مساجد المسلمين اليوم. لا إله إلا الله

وقد قال ربنا كذا{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } [المؤمنون 1-2]

"… من قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع.."

 وسماه سيدنا ابن مسعود علم لأنه أول ما ينزع من هذه الأمة، فأين يستفاد هذا العلم اليوم في مدارسنا؟ في جامعاتنا؟ أين يستفاد علم الخشوع؟ من أين نأخذه؟ ولا سبيل لتلقيه ومعرفته والتحقق به إلا بمجالسة أهله وقراءة أخبارهم وسيرهم ومناقبهم وأقوالهم، الله يكرمنا وإياكم بخشوع القلوب.

"ومن نفس لا تشبع" وهو الذي يريد من الدنيا فوق ما يكفي أكثر مما يكفيه ولو أعطي الدنيا كلها لم يشبع، "من نفس لا تشبع" يصير على حال الوصف الذي قال فيه : "لو كان لابن آدم وادي من ذهب لابتغى إليه ثاني، ولو كان عنده ثاني لابتغى إليه ثالث" ، "أعوذ بك من نفس لا تشبع ومن دعاء لا يسمع" وإنما لا يسمع الدعاء لمن اختل قلبه وحاله مع الله تبارك وتعالى، من دعى بإثم أو قطيعة أو دعى بغفلة بلا حضور، أو دعى على مسلم بغير حق، أو كان في دعائه متوجه لغير الحق -جل جلاله-. 

"من دعاء لا يسمع" فإنه لا يصدر من مؤمن دعاء للرحمن وهو متوجه وحاضر معه إلا سُمِعَ، فإما أن يعجل ما طلب، وإما أن يدفع عنه من البلاء بقدر ما طلب، وإما أن يدخر له ثواب وحسنات إذا رأها في القيامة يقول ليتك جعلت جميع دعواتي مثل هذا ولم تعجل لي منها دعوة لأجد الآن هذا الجزاء؟ ولهذا كان يقول سيدنا عمر: أني لا أحمل همّ الإجابة؛ لكن أحمل همَّ الدعاء، الإجابة الحمد لله حاصلة إذا كان الدعاء على وجهه؛ بحضور بخشوع بإنابة بافتقار بانكسار بأدب الإجابة حاصلة بيقين لكن المشكلة هو الدعاء، كيف تدعو فقط؟

 ويروى أن رجلاً جاء يهرع إلى سيدنا موسى عليه السلام وقال: إن لي إلى الله حاجة فعلمني اسمه الأعظم أدعو به، فعلمه الدعاء، فجاءه بعد سنة قال: يا نبي الله إني لي سنة أدعو لله بهذا الدعاء وما استجاب لي، ما ظهرت أثر الإجابة؟ قال: اسأل لك الله، فلما كلَّمَ ربه قال: يا رب عبدك فلان يسألك سنةً ولم يرى أثر الإجابة، وأنا عبدك مخلوق مثله لو دعاني لأجبته، يقول: فأوحى الله إليه يا موسى إنَّ هذا يدعوني وقلبه عند غنمه، فلو دعاني مرة واحدة وقلبه معي لأجبته، قال طول السنة يدعو والقلب عند الغنم، معه غنم ومعلق بهن ومشغول بهن وفكره فيهن، ويدعو الله والقلب عند الغنم، قال فلو دعاني مرة واحدة وقلبه معي لأجبته. لا إله إلا الله

وإنما كان فضل الدعاء وسره لأن فيه الجمعية على الله وشهود الإفتقار والإنكسار والإضطرار إلى الرحمن، ولهذا يقول الإمام:

 فَدُعائي وَاِبتِهالي   شاهِدٌ لي بِاِفتِقاري

فَلِهَذا السِرُّ أَدعو    في يَساري وَعِساري

 "وكان ﷺ يقول: "يجاء الرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق" يعني: تخرج عن موضعها، خروج الشيء عن موضعه يقال له الإندلاق "فتندلق أقتابه" يعني: أمعاءه، تفتك بطنه وتخرج أمعاؤه ظاهرة، "فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه يجتمع عليه أهل النار" يعني: من حواليه من أهل النار "يتجمعون يقولون" إيش هذا؟ إيش النوع ده من العذاب المزري؟ "يقولون فلان ما شأنك ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن الشر وآتيه" أعيذنا اللهم من ذلك ومن كل سوء.

 وقد تعددت هذه الروايات في من يدور بأمعائه في النار كما يدور الحمار بالرحى كما جاء أيضًا في وعيد من تقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من نار كلما قرضت عادت كما كانت نعوذ بالله من غضب الله، وهو الذي أورده هنا "مررت ليلة أسريَ بي بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار" كلما قُرضت عادت فهي تقرض ثاني مرة "قلت: من هؤلاء ياجبريل؟ قال: هم خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون" في رواية "خطباء الفتنة" كان يقول:" أورد الله لنا قول سيدنا شعيب عليه السلام لقومه {وَمَاۤ أُرِیدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَاۤ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ..} أنا أعمل بما أدعوكم إليه {إِنۡ أُرِیدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَـٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُ..} ومع ذلك في عبودية مستسلم {وَمَا تَوۡفِیقِیۤ إِلَّا بِٱللَّهِ..} لا بقوتي ولا بحولي ولا بجهدي ولكن بفضل ربي {وَمَا تَوۡفِیقِیۤ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ أُنِیبُ} [هود:88] الله لا إله إلا الله.

خطباء من هذه الأمة والعياذ بالله يفعل بهم هكذا في الآخرة، وقد قال لنا في حديثه الآخر:"إنكم" يقول للصحابة "في زمان كثير فقهاؤه قليل خطباؤه" ما يتبارون في الخطابة ولا يتسابقون إليها، ولا يراؤون بها، "كثير معطوه قليل سائلوه، وسيأتي على الناس زمان كثير خطباؤه قليل فقهاؤه" خطباء منوعين ألوان وأصناف مصنفة، يطولون ويعرضون في الكلام، فقهاء قليل الذي يفقه عن الله خطابه وحكمه ولسان طويل نعم كثير، خطباء كثير وفقهاء قليل "كثير سائلوه قليل معطوه" لا إله إلا الله "والعلم فيه خير من العمل" ليتجنب الزيغ والزلل في وصفه وفي قوله وعمله.

 يقول لا إله إلا الله "مَنْ هؤلاء يا جبريل؟ قَالَ: هُوَ هُمُ خطباء أمتك  يقولون ما لا يفعلون"

"قال ﷺ يقول: "ما آمن بالقرآن من استحل محارمه" يعني: استهان بما حرم الله عليه، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله

{وَإِذَا سَمِعُوا۟ مَاۤ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰۤ أَعۡیُنَهُمۡ تَفِیضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُوا۟ مِنَ ٱلۡحَقِّ…} [المائدة:83] {وَإِذَا تُلِیَتۡ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2] {تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِینَ یَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ} [الزمر:23]

فهكذا يجب أن يكون حالنا مع القرآن "ما آمن به من استحل" ما آمن الإيمان الصحيح "من استحل محارمه"  أي: استهان بالمحرمات التي حرمها عليه القرآن {وَلَا یَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًا} [الحجرات:12] ويقرأ القرآن ويحفظه كله ويترنَّمُه {وَلَا یَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًا} يكررها كل يوم وكل يوم يغتاب {وَقُل لِّعِبَادِی یَقُولُوا۟ ٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ} [الإسراء: 53]  يترنم بها يرددها، يا شيطان ياقليل الأدب يا حمار يا كلب، لا حول ولا قوة إلا بالله؛ هو ذا {ٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ} هذه التي قال لك الله تقول التي هي أحسن، ويسب الناس، ولا حول ولا قوة الا بالله "ما آمن بالقرآن من استحل محارمه".

ويقول "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع" ما معنى لا تزول؟ أن يُنْصَبَ الصراط على متن جهنم ويؤمر الكل بالمرور؛ فما تتحرك رجله سواءً يمر على يمر على الصراط أو يسقط في جهنم إلا بعد السؤال، "ما تزول" يعني ما تتحرك من محلها، ما تنتقل وتخرج من محلها ما هو تَزِلْ.. لا تزول ما تنطلق ما تتحرك ما تمشي؛ سواءً يمر وإلا يسقط إلا بعد السؤال، أول السؤال، "لا تزول قدما عبد يوم القيامة" يعني موقفه في القيامة أمام الصراط "حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه" كيف قضيت العمر؟ جاءوا لك ببرامج خبيثة ومشيت قفاها-وراءها-، وقضيت عمرك فيها، نسيتني ونسيت أمري، نسيت نهيي نسيت بلاغ رسولي، كيف قضيت العمر؟ "عن عمره فيما أفناه" ومن جملة العمرالشباب قال له سؤال خاص عن مدة الشباب العمر كله يسأل عنه) ولكن عن مدة الشباب سؤال خاص، "عن شبابه فيما أبلاه" قوتك التي أعطيتك إياها أيام شبابك أين صرفتها؟ كيف صلحت؟ إيش عاملت بها؟ "وعن ماله" ماله قل أو كثر يسأل عن كل جزء من ماله سؤالين "من أين اكتسبه وفيما أنفقه" "من أين اكتسبه فيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل فيه" وعلى قدر الجواب على هذه الأسئلة  يقع إما سقطة في النار  وإما مرور على الصراط، عاملنا بفضلك ومر بنا على الصراط أسرع من لمح البصر. لا إله إلا الله.

ويقول:" شرار الناس شرار العلماء" تحوّل علمهم حجة عليهم، فهم شر من الجهال الأشرار، العلماء الأشرار شر من الجهال الأشرار، كما أن خيار الناس خيار العلماء، فخيار العلماء خيار الأخيار من الناس، "وشرار الناس شرار العلماء" عالم صاحب شر هو أشر من كل الأشرار غير العلماء، وعالم صاحب خير خير من كل الأخيار غير العلماء، فشرار الناس شرار العلماء وخيار الناس خيار العلماء "أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه" ما لم ينفعه علمه أو عالم ما لم ينفعه علمه، يعلم ما لا ينفعه علمه بمخالفته إياه فهو من أشد الناس عذابا يوم القيامة، اللهم أجرنا وزدنا علمًا واجعله نافعا لنا، وزدنا مع كل زيادة علم إيمانًا ويقينًا وخشيةً ومحبةً ورجاءً وعبوديةً لك وإنابة إليك حتى ترفع درجاتنا رفعة تليق بجودك ونتوج بتاج {یَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَـٰت} [المجادلة:11] وسيأتي فضل الأمة في الإشارة إلى هذه الدرجات في الباب الذي بعد الآتي.

 نسأل الله تعالى أن يكرمنا وإياكم بنور العلم وبركة العلم والعمل بالعلم، والصدق مع الرحمن جل جلاله، والإقبال الكلي عليه والقبول التام لديه، وأن يمنحنا الرضوان الأكبر، ويصلح لنا ما بطن وما ظهر، ويغفر للمنتقل إلى رحمة الله فرج بن نصيب بن سالم بن نصيب ويجعل قبره روضة من رياض الجنة ويثبته بالقول الثابت ويخلفه في أهله وذويه وأهل بلده بالخلف الصالح ويظله بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ويجعل مستقر روحه في الفردوس الأعلى ويورده الحوض المورود خير الورود، ويتحمل عنه وعنا جميع التبعات ويبدل السيئات إلى حسنات تامات موصلات، وأن يبشر روحه بأحسن ما يبشر به  أرواح المحبوبين وأن يغفر لنا ولكم ووالدينا وأهل الحقوق علينا خاصة وأموات المسلمين وأحياهم إلى يوم الدين عامة ويختم لنا أجمعين بأكمل الحسنى وهو راضٍ عنا في لطف وعافية.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الفاتحة.

 

تاريخ النشر الهجري

18 شوّال 1444

تاريخ النشر الميلادي

08 مايو 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام