كشف الغمة 237- كتاب الصلاة (127) النافلة يوم الجمعة وفضيلة المشي إلى الجمعة
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 237- كتاب الصلاة (127) النافلة يوم الجمعة وفضيلة المشي إلى الجمعة
صباح الثلاثاء 2 جمادى الآخرة 1446 هـ
يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:
- ما هي صلاة النافلة؟
- التقرب إلى الله بالنوافل
- كراهة الصلاة وقت استواء الشمس
- صلوات يستثنى جوازها وقت الاستواء
- ثواب المشي إلى صلاة الجمعة
- متى يكون الركوب أفضل من المشي؟
- حكم الصلاة والإمام يخطب
- أكثر السنة قبل الجمعة وبعدها
- لا يسن لخطيب الجمعة التبكير
- قوله ﷺ لرجل: قم فصل ركعتين
نص الدرس مكتوب:
"فرع: وكان ﷺ يرخص في التنفل لمن حضر قبل الصلاة عند الاستواء يوم الجمعة ما لم يخرج الإمام، ويقول: "إن جهنم تسجر في هذا الوقت إلا يوم الجمعة"، وتقدم في باب المواقيت قوله ﷺ: "أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم".
وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يأمر الناس بالمشي إلى الجمعة وينهاهم عن الركوب ويقول: "قد مشى إليها من هو خير منكم أبو بكر وعمر والمهاجرون -رضي الله عنهم-"، وكان ﷺ يرخص في صلاة ركعتين للداخل في حال الخطبة ويأمره بالتجوّز فيهما، وكان ﷺ يقول: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين"، وكان ﷺ كثير التنفل قبل صلاة الجمعة في بيته.
ودخل رجل مرة المسجد ورسول الله ﷺ يخطب فجلس الرجل فقال له النبي ﷺ: "هل صليت ركعتين قبل أن تجيء؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين وتجوز فيهما"، ودخل أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- المسجد ومروان يخطب فقام فصلى ركعتين فجاء إليه الأحراس ليجلسوه فأبى حتى صلى ركعتين فقال له عياض بن عبد الله -رضي الله عنه-: كادوا أن يقعوا بك يا أبا سعيد، فقال: ما كنت لأدع الركعتين لشيء بعد شيء سمعته من رسول الله ﷺ: "رأيت رجلًا دخل المسجد بهيئة بذة والنبي ﷺ يخطب يوم الجمعة، فقال له النبي ﷺ: أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: فصل ركعتين ثم جاء في الجمعة الثانية كذلك فقال له ذلك"، والله أعلم."
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته، وبيانها على لسان خير بريته، عبده وصفوته -سيدنا محمد- صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله الأطهار وصحابته، وعلى أهل ولائه ومتابعته، وعلى أنبياء الله ورسله خيرة الله من خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- بعض ما يتعلق بالنافلة في يوم الجمعة، والمشي إليها، وتفضيله على الركوب لمن قدر على المشي؛ فيقول: "وكان ﷺ يرخص في التنفل" أي: في صلوات النافلة؛ صلوات النافلة هي: بعد الضحى كل نافلة أو نفلًا مطلقًا، فيتأكد صلاة الضحى التي أقلها ركعتان، وأدنى الكمال أربع، وأفضلها ثمان وهو أكثرها، وقيل أكثرها اثنى عشر ركعة؛ صلاة الضحى والتي تسمى صلاة الأوابين، وقال تعالى: "لا يزالُ عبدي يتقَرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ -بعد الفرائض- حتّى أُحبَّهُ" ففي فعل النوافل والصالحات القربة إلى الله -تبارك وتعالى- وتَعَرُّضٌ لمحبته -سبحانه وتعالى-.
فقال: "وكان ﷺ يرخص في التنفل لمن حضر قبل الصلاة -ولو-عند الاستواء يوم الجمعة" وذلك أنه إذا استوت الشمس في كبد السماء؛ ذلك أنها تبدو لنا من جهة المشرق ولا تزال تعتلي حتى تكون في وسط السماء، ثم تميل إلى جهة الغروب،
فهذه اللحظة التي يتم فيها الاستواء:
- يقول الحنفية والشافعية والحنابلة: أنه تكره الصلاة فيها، وهي لمتعمدها كراهة تحريم عند الشافعية، فتكره الصلاة في هذا الوقت إلا في يوم الجمعة قال الشافعية: إلا في يوم الجمعة.
- ولم يرى المالكية منعًا للصلاة في أي يوم عند الاستواء.
قال الحنفية والشافعية والحنابلة: تكره الصلاة في هذا الوقت لِما جاء عنه ﷺ -يقول عقبة بن عامر الصحابي- "ثَلاثُ ساعاتٍ كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ يَنْهانا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتانا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بازِغَةً حتّى تَرْتَفِعَ -أول وقت الطلوع-، وَحِينَ يَقُومُ قائِمُ الظَّهِيرَةِ حتّى تَمِيلَ الشَّمْسُ -وهذا هو عند الاستواء-، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حتّى تَغْرُبَ"؛ فالحديث في صحيح مسلم وفي سنن أبي داوود والترمذي والنسائي؛ فلهذا قالوا تكره الصلاة في وقت الاستواء إلا ما له سبب:
- ما له سبب عند الشافعية والحنابلة يجوز؛ ما له سبب مثل سجود التلاوة وصلاة الجنازة.
- في رواية للحنابلة مثل الحنفية: أن كل ذلك منهي عنه.
- ويزيد الحنفية حتى صلاة الفرض في هذا الوقت ما تجوز حتى تقضى بعد ذلك.
- وكذلك يقول الحنفية: في هذه الأوقات لا سجدة تلاوة ولا صلاة جنازة ولا شيء في هذه الأوقات.
استثنى الشافعية يوم الجمعة وقالوا: أنه يوم لا تُسَجَّر فيه جهنم، وأنه تسجر عند الاستواء؛ وأنه عند الاستواء يجوز في يوم الجمعة الإحرام بالصلاة بخلاف غيرها من الأيام.
قال: "إن جهنم تسجر في هذا الوقت إلا يوم الجمعة".
هذا الحديث استدل به الشافعية أنه يُستثنى من كراهة الصلاة عند الاستواء يوم الجمعة، كما أنهم أيضًا استدلوا بحديث: "لا تمنعوا أحدًا طافَ بِهذا البيتِ وصلّى أيَّةَ ساعةٍ شاءَ منَ اللَّيلِ والنَّهارِ"، استدلوا به على جواز الصلاة في هذه الأوقات في حرم مكة وجعلوا النهي لغير حرم مكة هذا مذهب الشافعية.
قال: "وتقدم في باب المواقيت قوله ﷺ: "أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم". قال: "وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يأمر الناس بالمشي إلى الجمعة".
إذًا يمكن الركوب إلى الجمعة ويمكن المشي، ومن تيسر له المشي فالمشي أفضل، يقول: يستحب لمريد حضور الجمعة المشي في ذهابه لأجل: "مَن غَسَّلَ يَومَ الجُمُعةِ واغتَسَلَ، ثم بَكَّرَ وابتَكَرَ، ومَشى ولم يَركَبْ، ودَنا مِنَ الإمامِ فاستَمَعَ ولم يَلْغُ، كان له بكُلِّ خُطوةٍ عَمَلُ سَنةٍ، أجْرُ صيامِها وقيامِها" رواه أبو داوود والترمذي -لا إله إلا الله- وهذا لفظ أبو داوود، قال الترمذي حديث حسن، وهو أقوى ما ورد سندًا من أحاديث التبكير في يوم الجمعة هذا الحديث: "مَن غَسَّلَ يَومَ الجُمُعةِ واغتَسَلَ، ثم بَكَّرَ وابتَكَرَ، ومَشى ولم يَركَبْ، ودَنا مِنَ الإمامِ فاستَمَعَ ولم يَلْغُ، كان له بكُلِّ خُطوةٍ عَمَلُ سَنةٍ -بكُلِّ خُطوةٍ عَمَلُ سَنةٍ-، أجْرُ صيامِها وقيامِها" "بكُلِّ خُطوةٍ عَمَلُ سَنةٍ، أجْرُ صيامِها وقيامِها"؛ وفيه المشي تواضع لله -عز وجل- وهو عبد ذاهب لتلبية نداء ربه فيليق به أن يمشي ويتواضع مهما قدر وتيسر، فإذا كان هناك عذر فلا بأس بركوبه ذهابًا وإيابًا.
وقال المالكية: الرجوع لا يندب المشي فيه فهو سواء، العبادة قد انقضت فيرجع ماشي أو راكب؛ فيقول الشيخ الرملي: من ركب لعذر أو سيَّر دابته بسكون كالماشي يمشي بالسكينة، يُسَيِّر الدابة بالسكينة ما لم يضِق الوقت؛ قال: فمن كان يجهده المشي لهرمه وضعفه وبعد منزله فيكون الركوب له أفضل؛ لأنه لو اتكلف ومشى فيلحقه من التعب ما يمنعه من الخشوع والخضوع في الصلاة.
يقول: "وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يأمر الناس بالمشي إلى الجمعة وينهاهم عن الركوب ويقول: "قد مشى إليها من هو خير منكم أبو بكر وعمر والمهاجرون -رضي الله عنهم-"، وكان ﷺ يرخص في صلاة ركعتين للداخل في حال الخطبة".
من دخل المسجد والإمام يخطب -جاء متأخرًا-:
- فيقول الحنفية والمالكية: اجلس؛ مَحِلَّه يستمع للخطبة، فاستمعوا وأنصتوا ولا صلاة.
قال الشافعية والحنابلة: يركع ركعتين يوجز فيهما يعني: يخفف لِما جاء في الحديث عن سيدنا جابر بن عبد الله قال: "جاءَ سُلَيْكٌ الغَطَفانِيُّ يَومَ الجُمُعَةِ، وَرَسولُ اللهِ ﷺ يَخْطُبُ، فَجَلَسَ، فَقالَ له: يا سُلَيْكُ قُمْ فارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِما" رواه الإمام وسلم فيه صحيحه؛ "قُمْ فارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِما" وجاء في لفظ آخر: "إذا جاء أحدُكم والإمامُ يَخطُبُ، فليُصَلِّ رَكعتَينِ خَفيفتَينِ، وليَتجَوَّزْ فيهما" يعني: يخففهما.
كذلك يقول الحنفية والشافعية: أنه تسن الصلاة قبل الجمعة راتبة لها وبعدها، سنة الجمعة القبلية أربع والسنة البعدية أربع، فأقلها ركعتين، وأفضلها أربع قبل الجمعة وأربع بعدها، في حديث مسلم: "مَن كانَ مِنكُم مُصَلِّيًا بَعْدَ الجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أرْبَعًا".
ويقول المالكية والحنابلة: يصلي قبل الجمعة دون التقيد بعدد معين إلى أن يخرج الخطيب.
ويقول المالكية: يكره التنفل عند الأذان لا قبله، لجالس في المسجد لا داخل، أما الداخل ليصلي ركعتين يُقتدى به من عالم وسلطان أو نحوه
وكذلك قالوا في التنفل بعدها إلى أن ينصرف الناس: أن من يُقتدى به لا يتنفل أمام الناس حتى لا يتوهموا أنها فرض وأنها واجبة.
إذًا أقل السنة بعد الجمعة ركعتين، وأكثرها وأفضلها عند الحنفية والشافعية أربع؛
قال الحنابلة: أكثرها ست ركعات بعد الجمعة لما جاء في الحديث أنه ﷺ يدخل فيصلي ست ركعات، وكان ﷺ يتنفل في البيت قبل الخروج إلى الخطبة؛ جاء في سنن ابن ماجة -عليه رحمة الله تعالى- " كان النبيُّ ﷺ يركعُ من قبل الجمعةِ أربعًا"؛ وجاء عن ابن مسعود "أنَّه كان يُصلِّي قبلَ الجُمُعةِ أربَعَ رَكَعاتٍ، وبعدَها أربَعَ رَكَعاتٍ".
يقول -عليه رحمة الله-: "وكان ﷺ يقول: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين"، وكان ﷺ كثير التنفل قبل صلاة الجمعة في بيته".
ومنها قالوا يُسنُّ للخطيب أن يخرج إلا وقت الخطبة ويُسن لغيره التبكير.
"ودخل رجل مرة المسجد و رسول الله ﷺ يخطب فجلس الرجل -أي: لم يُصلِّ- فقال له النبي ﷺ: "هل صليت ركعتين قبل أن تجيء؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين وتجوز فيهما".
هكذا وهذا إشارة إلى أنها سنة الجمعة لأنها لو كانت تحية المسجد ما يغني أنه صلى في بيته قبل ما يجي؛ قال: "صليت ركعتين قبل أن تجيء؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين" دلَّ على أنها سنة الجمعة.
"ودخل أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- المسجد ومروان يخطب فقام فصلى ركعتين -لأنه دخل المسجد- فجاء إليه الأحراس ليجلسوه فأبى -يعني: الأمير يخطب اقعد قاعد واسمع بس لاتصلي أبى وصلى عليه رحمة الله تبارك وتعالى- حتى صلى ركعتين -وكملها وبعد الجمعة- قال له عياض بن عبد الله -رضي الله عنه-: كادوا أن يقعوا بك يا أبا سعيد -عرضت نفسك بيسطون عليك وبيأذونك-، فقال: ما كنت لأدع الركعتين لشيء بعد شيء سمعته من رسول الله ﷺ: "رأيت رجلًا دخل المسجد بهيئة بذة والنبي ﷺ يخطب يوم الجمعة، فقال له النبي ﷺ أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: فصل ركعتين ثم جاء في الجمعة الثانية كذلك فقال له ذلك" -فمادام حرص النبي ﷺ عليها فأنا أصليها ولا أبالي بهؤلاء.
رزقنا الله الاقتداء بنبي الهدى فيما خفي وفيما بدى، وأسعدنا به مع خواص السعداء، وشَرح صدورنا، ويَسَّر أمورنا، وكَشف شدائدنا، وأختم لنا بالحسنى وهو راضٍ عنا في خير ولطف وعافية.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
08 جمادى الآخر 1446