(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 216- كتاب الصلاة (106) صفة الأئمة -4-
صباح الأحد 24 ربيع الثاني 1446 هـ
"وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يرخصون في الصلاة خلف غير الإمام المنصوب بغير إذنه، وصلى علي -رضي الله عنه- وعثمان -رضي الله عنه- محصور، فقال عبيد الله بن عدي بن الخيار لعثمان: إني أتحرج من الصلاة خلف هؤلاء وأنت الإمام، فقال له عثمان إن الصلاة أحسن ما عمل الناس فإن أحسن أئمتكم فأحسنوا، وإن أساءوا فاجتنبوا، وكان ﷺ يقول: "لا يؤمنَّ أعرابي مهاجرًا، ولا يؤمنَّ فاجر مؤمنًا إلا أن يقهره سلطان يخاف سطوته أو سيفه"، وكان يقول: "ليقم الأعراب خلف المهاجرين والأنصار ليقتدوا بهم في الصلاة".
وكان ﷺ يرخص في إمامة الصبي المميز لا سيما إن كان أكثر القوم قرآنًا، وكان عمرو بن سلمة -رضي الله عنه- يؤم قومه وهو ابن ست أو سبع أو ثمان في عهد رسول الله ﷺ، وكان عليه بردة إذا سجد تقلصت عنه فقالت امرأة من الحي مرة: ألا تغطون عنا است قارئكم؟ فاشتروا فقطعوا له قميصًا قال عمرو: فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص.
وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: لا يؤم الغلام حتى تجب عليه الحدود"، وكذلك كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: لا الغلام حتى يحتلم، وكان أيضًا يقول: "كانوا يقدمون الغلمان الذين لم يبلغوا الحنث فيصلون بهم ويقولون ليس لهم ذنوب فأنزل الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُونَ أَنفُسهمْ)[النساء:49] أي: أمثالهم، كما قال تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُوا أَنفُسَكُمْ ﴾[ النجم: 32] أي: أمثالكم دونكم"، وكان يقول أيضا: "لا يأتم مسلم بكافر ولا يحكم بإسلام الكافر بصلاته ما لم يتكلم بالإسلام".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته، عبده وصفوته، سيدنا محمّد صلّى الله وسلم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وصحابته وأهل محبته ومتابعته، وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرحمن.
ويواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث والآثار المتعلقة بالإمامة والقدوة، وقال: "وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يرخصون في الصلاة خلف غير الإمام المنصوب بغير إذنه، وصلى علي -رضي الله عنه- وعثمان -رضي الله عنه- محصور، فقال عبيد الله بن عدي بن الخيار لعثمان: إني أتحرج من الصلاة خلف هؤلاء وأنت الإمام، فقال له عثمان إن الصلاة أحسن ما عمل الناس فإن أحسن أئمتكم فأحسنوا، وإن أساءوا فاجتنبوا"، إشارة إلى أنه فليصلي خلف من تيسّر إذا كان الإمام محصور، مثل ما كان في أيام حصر سيدنا عثمان؛ أو غائب، فمن تقدّم بعد ذلك فليؤتم به.
وفي هذا تأتي مسألة الإمام الراتب أيضًا، إذا كان معيّن للإمامة في الصلاة في مكان شخص؛ فهذا الشخص أولى بأن يتقدّم على من سواه، وقد يكون في من سواه من هو أعلم منه أو أفقه منه؛ ولكن هو معين من قبل الوالي أو من قبل الإمام، أو من قبل جماعة من المسلمين رتبوا أن يكون إمامهم.
وقد تقدّم معنا أن ابن عمر -رضي الله عنه- لما أتى أرضًا له عندها مسجد يصلي فيه مولى لابن عمر، فلما جاء وقت الصلاة وجاء الرجل يصلّي بابن عمر طلبوا منه يتقدم، قال: لا، صاحب المسجد أحقّ، فخلّا مولاه يتقدم ويصلي بهم؛ لكن إذا قالوا حضر الإمام الأعظم أو نائبه أو القاضي أو هؤلاء من ذوي السلطان والولاية يتقدمون حتى على الإمام الراتب، قال: "لا يُؤَمُّ الرَّجلُ في سلطانِهِ ولا يُجلَسُ على تَكرِمتِهِ في بيتِهِ إلَّا بإذنِهِ" كما جاء في رواية الإمام مسلم، وهذا أيضًا كان معلومًا في عهده ﷺ، وعهد الخلفاء الراشدين، فتقدم غير صاحب الولاية؛ غير الخليفة؛ غير أمير المؤمنين بحضرته من دون إذنه ما يتناسب مع الطاعة وبذلها لهذا الأمير.
وذكر لنا حديث "ليقم الأعراب خلف المهاجرين والأنصار ليقتدوا بهم في الصلاة"، إشارة إلى تقديم الأفقه.
وكان ﷺ يرخص في إمامة الصبي المميز لا سيما إن كان أكثر القوم قرآنًا، وكان عمرو بن سلمة -رضي الله عنه- يؤم قومه وهو ابن ست أو سبع أو ثمان في عهد رسول الله ﷺ، وكان عليه بردة إذا سجد تقلصت عنه فقالت امرأة من الحي مرة: ألا تغطون عنا است قارئكم؟ فاشتروا فقطعوا له قميصًا قال عمرو: فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص.
ثم ذكر لنا ما يتعلّق بالصّبي في إمامة الصّبي، "وكان ﷺ يرخص في إمامة الصبي المميز لا سيما إن كان أكثر القوم قرآنًا"، وذكر قصة عمرو بن سلمة -رضي الله عنه- كان ابن سبع سنين يؤم قومه، لأنه كان أكثرهم أخذ للقرآن في أيام النبي ﷺ، وكان ما عنده ثياب مسكين، وكان عليه بردة إذا سجد تقلصت عنه فقالت امرأة" -يصلون النساء كانوا خلف الرجال- من الحي مرة: قالت: غطوا إمامكم ذا يصلي بنا، فتباذلوا حتى اشتروا له قميص، فاشترى قميص، "قال: ما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص"، له سنين مسكين ما عنده إلا ثوب واحد، يقول: فجابوا له القميص رآه نعمة كبيرة، "ما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص" -رضي الله تعالى عنهم-.
فانظر شأنهم مع هذا المتاع الفاني وعدم اكتراثهم به؛ ولكن ماذا حصّلوا؟ ماذا حُظوا به؟ ماذا حققوا؟ ماذا تحقق لهم من درجات؟ ماذا حازوا من إسعادات كبيرات، وشرف أفخر في العالم الأعلى، وفي البرزخ والقيامة؟ -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم-.
فمع ذلك فإن:
إذًا لم يشترط الشافعية في الإمام أن يكون بالغًا، فتصح إمامة الصبي للبالغين مطلقًا في فرض أو في نفل، كما جاء في حديث عمرو بن سلمة هذا أنه يؤم قومه ابن سبع سنين، وإن كان البالغ أولى من الصبي خصوصا إذا كان أفقه وأقرأ.
وتقدّم معنا بعض التفصيل في اختلاف الأئمة في صلاة المميِّز، إمامة المميِّز للبالغ.
ثم ذكر لنا عن "ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: لا يؤم الغلام حتى تجب عليه الحدود"، يعني: لا يكون إمام حتى يبلغ، "وكذلك كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: لا الغلام حتى يحتلم، وكان أيضًا يقول: "كانوا يقدمون الغلمان الذين لم يبلغوا الحنث فيصلون بهم ويقولون ليس لهم ذنوب فأنزل الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُونَ أَنفُسهمْ)[النساء:49] أي: أمثالهم، كما قال تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُوا أَنفُسَكُمْ ﴾[ النجم: 32] أي: أمثالكم دونكم"، وكان يقول أيضا: "لا يأتم مسلم بكافر ولا يحكم بإسلام الكافر بصلاته ما لم يتكلم بالإسلام"؛ يعني: إذا رُئي يصلي ولم يعلم نطقه بالشهادتين، ما يُحكم بدخوله الإسلام حتى يصرح بالنطق بالشهادتين، فهذه حكم صلاة الصّبي المميِّز بالبالغين.
علمنا أن الشافعية أجازوا ذلك؛ ولم يفرّقوا بين الفرض والنفل. وعلمنا أن المالكية والحنابلة قالوا: في النفل يجوز أن يؤم البالغين، مثل الكسوف والترويح ونحوها.
واختار الحنفية: أن لا يؤم الصبي بالغين أصلًا.
وبعد ذلك ذكر كلام ابن مسعود وابن عباس أيضا فيما يتعلق بهذا، ثم سينتقل إلى مسألة صلاة الظهر خلف عصر، وعصر خلف ظهر، أو فرض خلف نفل، أو نفل خلف فرض، وهذا لا إشكال فيه عند الشافعية، وفيه خلاف بين الأئمة يأتي معنا -إن شاء الله تعالى-.
نسأل الله أن يرزقنا كمال الإنابة والخشية والاستقامة، ويتحفنا بالكرامة، ويدفع السوء عنا ويرعانا بعين العناية حيثما كنا وأينما كنا، يعاملنا بإفضاله وجزيل نواله، مع صلاح كل حالة في الدنيا والآخرة.
بسِرَ الفاتحة إلى حضرة النبي
اللهم صلِّ وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
26 ربيع الثاني 1446