كشف الغمة 207- كتاب الصلاة (97) فصل: في جواز المفارقة لعذر

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  207- كتاب الصلاة (97) فصل: في جواز المفارقة لعذر

صباح الإثنين 4 ربيع الثاني 1446 هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  • حكم مفارقة الإمام لعذر أو بدون عذر
  •  موقف النبي مع تطويل معاذ للصلاة
  •  ما هي أعذار مفارقة الإمام؟ 
  •  هل يفوت ثواب الجماعة عند المفارقة؟
  •  جواز عقد الجماعة في النوافل
  •  تقدير المأموين بأضعفهم
  •  أحكام تكرار الجماعة في المسجد 
  •  جواز تكرار الجماعة في مساجد الطرق أو الأسواق

نص المحاضرة مكتوب:

فصل في جواز المفارقة لعذر 

"تقدم أنه كان ﷺ يحث الأئمة على التخفيف إذا صلوا بالناس، وكان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يحب التطويل فطول يومًا بالناس فجاء رجل يريد أن يسقي نخله فدخل المسجد مع القوم فلما رأى معاذًا طول تجوز في صلاته ولحق بنخله يسقيه، فلما قضى معاذ الصلاة قيل له ذلك قال: إنه لمنافق من أجل سقي نخله، فبلغ الرجل ما قال معاذ فجاء إلى رسول الله ﷺ ومعاذ عنده فقال: يا نبي الله إني أردت أن أسقي نخلاتي فدخلت المسجد لأصلي مع القوم، فلما طوّل تجوزت في صلاتي ولحقت بنخلي أسقيه فزعم أني منافق، فأقبل النبي ﷺ على معاذ فقال: "أفتان أنت أفتان أنت لا تطوّل بهم، اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ونحوهما".

وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يكرهون إقامة جماعة ثانية في المسجد الجامع عند خوف تفرقة الكلمة على إمامه، وكان ﷺ كثيرًا ما يتنفل وحده يريد التطويل فيراه الناس فيصلون بصلاته فإذا فطن بهم أم بهم في تلك النافلة وخفف، وكان ﷺ يقول: "إذا صلى أحدكم بقوم فليقدرهم بأضعفهم"". 

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته، وبيانها على لسان عبده وحبيبه وصفوته خير بريته سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه، وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الله -تبارك وتعالى- من بين خليقته وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

فيتحدث الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- في هذا الفصل عن مسألة مفارقة المأموم للإمام في صلاة الجماعة.

ومفارقة المأموم للإمام: 

  • قد تكون لعذر؛ فقال الأئمة الثلاثة: يجوز بهذا العذر أن ينوي المأموم المفارقة.
  • وأما من غير عذر
  • فقد قال أيضًا أبو حنيفة والإمام مالك والإمام أحمد: لا يجوز أن يفارق لأنه قد التزم بأن يؤدي الصلاة مأمومًا مع الجماعة فلا يجوز أن يخرج بغير عذر.
  • وبالغ الحنفية؛ وقالوا: إذا قد نوى المأمومية والاقتداء فلا يجوز أن يخرج قطعًا، بل يجب أن يكمل صلاته مع الإمام.
  • وقال الشافعية: يجوز أن يخرج؛ فإن خرج بغير عذرٍ فاته ثواب صلاة الجماعة وإن خرج بعذر لم يفته الثواب.

يقول: "تقدم أنه كان ﷺ يحث الأئمة على التخفيف إذا صلوا بالناس، وكان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يحب التطويل فطول يومًا بالناس فجاء رجل يريد أن يسقي نخله فدخل المسجد مع القوم فلما رأى معاذًا طول تجوز في صلاته -يعني: نوى المفارقة وكمَّل وحده- ولحق بنخله يسقيه، فلما قضى معاذ الصلاة قيل له ذلك قال: إنه لمنافق -أيَعجل عن الصلاة- من أجل سقي نخله، فبلغ الرجل ما قال معاذ فجاء إلى رسول الله ﷺ ومعاذ عنده فقال: يا نبي الله إني أردت أن أسقي نخلاتي فدخلت المسجد لأصلي مع القوم، فلما طوّل تجوزت في صلاتي ولحقت بنخلي أسقيه فزعم أني منافق، فأقبل النبي ﷺ على معاذ فقال: "أفتان أنت أفتان أنت لا تطوّل بهم، اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ونحوهما".

وجاء في رواية يقول له: (وَٱلسَّمَاۤءِ وَٱلطَّارِقِ)، ﴿وَٱلسَّمَاۤءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ﴾، (وَٱلَّیۡلِ إِذَا یَغۡشى)، فقال أمثال هذه السور إقرأ بها في الناس حتى "لا تطول" أي: وراعهم في الأمر.

قالوا: ولم يغضب على معاذ في يوم إلا هذا اليوم فقال: "أفتان أنت -يا معاذ- أفتان أنت" يا معاذ.

وقال في الرواية الأخرى؛ "إذا صلَّى أحَدُكم لِلناسِ فليُخفِّفْ؛ فإنَّ فيهمُ الضَّعيفَ والسَّقيمَ والكَبيرَ، وإذا صلَّى لِنَفْسِه فليُطوِّلْ ما شاءَ" كما تقدم معنا.

إذًا: فأرشد  إلى المراعاة والتوسط في الصلاة بالناس.

  • ويقول المالكية والشافعية والحنابلة: يجوز للمأموم أن يفارق صلاة الجماعة وينوي الانفراد إذا كان ذلك لعذرٍ.
  • ولم يجزِ الحنفية المفارقة مطلقًا.

وهذا الحديث دليل الذين قالوا بجواز المفارقة فبقي نظرهم في ما هي الأعذار فمنها: إذا كان الإمام طوّل؛ طوْلًا لا يصبر معه المأموم إما لضعفٍ أو شغلٍ فهذه الحالة يفارق؛ يجوز له أن يفارق أي: لا يكره له ذلك هذا العذر ذكره المالكية والحنابلة وهو عند الشافعية كذلك. 

وكذلك قال الشافعية: يفارق إمامه في الصلاة إذا ترك سنة مقصودة، فلا بأس أن يفارقه ليأتي بتلك السنة، ولكن الأفضل أن يتابعه وما كان من السنن يجبر بسجود السهو فليكن فليسجد سجود السهو.

وإمام الحرمين يقول: الأعذار التي تسقط بها الجماعة في الأصل يجوز معها ترك الجماعة ابتدائًا يجوز معها المفارقة أثناء الصلاة.

وهكذا يقول الحنابلة: إذا أحرم ثم نوى الانفراد لعذر يبيح ذلك مثل ما ذكرنا من تطويل الإمام؛ أو مرض؛ أو غلبة نعاس؛ أو غلبه شيء يفسد صلاته، كمدافعة الأخبثين؛ أو خاف على أهل أو مال؛ أو خاف فوت رفقة مسافرين إلى غير ذلك.

يقول الحنابلة: إذا خرج من الصف لشدة الزحام ولم يجد من يقف معه في الصف فإنه عندهم ما تصح الصلاة وأنه يكون شيطان إذا يصلي وحده في الصف فيفارق الجماعة، ولا يبقى في الصف وحده عند الحنابلة؛ إذًا هذه الأحكام.

 

  • كذلك إذا فعل الإمام مبطلًا للصلاة مختلف فيه فمن العذر للمأموم أن ينوي المفارقة.
  • وكذلك لو انحرف عن القبلة في أثناء الصلاة واجب على المأمومين يفارقونه.

إذًا: فيقول الشافعي: أنه إن كان بغير عذر فاتته ثواب الجماعة وإن كان بعذرٍ فلا يفوته ثواب الجماعة فيما صلاه جماعة. 

 

يقول: "وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يكرهون إقامة جماعة ثانية في المسجد الجامع عند خوف تفرقة الكلمة على إمامه"، فإذا كان مسجد تقام فيه الجماعة وله إمام راتب فما ينبغي لأحدٍ يجي وأن يصلح جماعة قبلهم، وبعدهم إذا كان يؤدي إلى تشويش وإلى تأخر بعض الناس عمدًا فيترك الجماعة الراتبة في المسجد فكذلك، وإن لم يكن هناك تشويش ولكن فاتته الجماعة فلا إشكال. ومع ذلك فإن بعض الحنفية: يحب أن يخرج إلى جانب من المسجد أو خارج المكان الذي صليت فيه الجماعة الأولى.

فإذًا: إقامة الجماعة الأخرى في مسجد راتب هذا فيه افتيات على المصليين؛ وأهل تلك المنزلة وذاك المكان يعتادون يصلون في ساعة معينة جاء واحد وقدّم صلح صلى الجماعة وحده في مسجدهم وهم يعتادون في وقت؛ في هذا شيء من الافتيات على الناس أو تفرقة الكلمة، وإنما من كان معذور فليطلب له مكان لا يكون فيه شيء من الإثارة ويصلي فيه جماعة كمسافرين وغيرهم. 

 

"وكان ﷺ كثيرًا ما يتنفل وحده يريد التطويل فيراه الناس فيصلون بصلاته فإذا فطن بهم أم بهم في تلك النافلة وخفف"، ففيه أنه يجوز الجماعة في النوافل، وهذا حصل في عدد من قيامه  في الليل سواءً في بيته كما جاء عن ابن عباس لما بات عند خالته ميمونة ورأى النبي قام؛ قام وصلى وراءه، أو كان في المسجد كما جاء عن ابن مسعود وغيرهم أنه كان في المسجد يصلي.. وهكذا ذكر أنه قد يراه من الصحابة وهو يصلي  فيحب أن يقتدي به فيأتون ويقتدون به قال وكان يحب أو يريد أن يطول فإذا اقتدى به جماعة خفف من أجلهم ﷺ.

 

وفي هذا أيضا دليل من يقول: أنه يجوز عقد الجماعة في النوافل؛ أما مثل العيدين والكسوفين أو الاستسقاء هذا واضح لكن في غير ذلك كأن يكون في ضحى أو يكون في وتر أو شيء من قيام الليل فالجمهور على جواز الجماعة فيه.

قال: وكان ﷺ يقول: "إذا صلى أحدكم بقوم فليقدرهم بأضعفهم"؛ حتى لا يتضرر ولا يشق عليه الصلاة مع الإمام ولا ينفر أحد من الناس؛ إذن تكرار الجماعة في مسجد المنطقة الحي الذي له إمام وجماعة معلومون كرهَهُ بعض الأئمة.

 

وروى أبو بكرة نفيع بن الحارث: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقبَل مِن نواحي المدينةِ يُريدُ الصَّلاةَ فوجَد النَّاسَ قد صلَّوْا فمال إلى منزِلِه فجمَع أهلَه فصلَّى بهم"، هكذا جاء في رواية الطبراني في الكبير والأوسط، قالوا برجال ثقات، لما رآهم أنهم قد صلوا وقد أقيمت الصلاة لم يكرر الجماعة في نفس المسجد؛ وانتحى إلى بيته وجمع له فصلى بهم صلى الله وسلم عليه وعلى آله، فيقولون: ما ترك الجماعة في المسجد إلا لأن فيها كراهة.

فبهذا قال من قال: أنه يكره عقد جماعة أخرى في نفس المسجد؛ يقول: لأن الناس إذا علموا أنهم تفوتهم الجماعة يستعجلون فتكثر الجماعة؛ وإذا علموا أنها لا تفوتهم في الجماعة الثانية والثالثة فيتأخروا فتقل الجماعة وتقليل الجماعة مكروه؛ وهذا الذي يقوله الحنفية والمالكية. 

والحنفية يقيدون كراهة التكرار بما إذا صلى في مسجد الحي أهله بأذان وإقامة؛ فإذا صلى فيه أولا غير أهله أو صلى فيه أهله بدون أذان وإقامة لا يكره تكرار الجماعة فيه. ولهذا رأينا أنه إذا قد أقيمت الصلاة في مسجد عندهم فما أحد يقيم من الآخرين يقيم جماعة في نفس المكان، ولكن في الخارج القسم الآخر من المسجد يصلي فيه الذين يأتون متأخرين عندهم؛ لأنه إذا قد قيمت الصلاة بأذان وإقامة من أهل الحي فيكره أن أحد ثاني يقيم جماعة أخرى في نفس المكان في نفس المسجد عند الحنفية. ولهذا يحب أن يخرج إلى مكان آخر يصلي فيه؛ وكله بُعْد عن التفريق وعن تشتيت الشمل.

ويقول: أما إذا جاء ناس آخرين غير أهل الحي وصلوا جماعة في المسجد فلا يكره لأهل الحي أن يقيموا صلاتهم على المعتاد، أو كانت صلاة أهل الحي من دون أذان وإقامة فلا يكره أن تقيم جماعة أخرى بأذان وإقامة هذا مذهب الحنفية.

 ويقول المالكية: أنه يجوز للإمام الراتب الجمع؛ يعني: أن يصلي جماعة وإن جمع غيره قبله بغير إذنه؛ إذا لم يتأخر عن عادته كثيرًا، فإن أذِن لأحد أن يصلي مكانه أو أخَّر عن عادته كثيرا تأخير ضر بالمصلين فإذن لا يجمع -خلاص-؛ يروح يصلي في داره أو في مكان آخر، هذا كلام المالكية عن الإمام.

فيرون كراهة إعادة الصلاة جماعة في المسجد الذي له إمام راتب؛ فإذا جاء الناس وقد أقيمت الجماعة في المسجد؛ فلا كراهة عند الشافعي أن يقيموا صلاةً أخرى ما دام ما فيها مضارة للصلاة الأولى، أما واحد يوقف ويأتي كل يوم من احل يصلح جماعة ثانية فهذا لا؛ مكروه يفرق الشمل ويشتت الجمع.

وأما ما كان من المسافرين وصدفة جاء متأخر فلا إشكال، ولكن قال المالكية أن يخرجوا من المسجد لصلاة الجماعة في مكان آخر، وقال الحنفية: أن يصلوا فرادى كل واحد لوحده وإلا يخرجون.

هذا مسجد الحي الذي له إمام راتب. 

قالوا: أما مسجد في الطريق وممر الناس وفي السوق فيجوز تكرار الجماعة فيه ولا يضر، وكل من جاء صلى وكل من جاء وراح؛ ليس حوله مقيمون وساكنون لهم ترتيب في الصلاة؛ من مر يصلي فيه مثل المساجد التي في الطرق للمسافرين وفي بعض الأسواق مسجد ليس له إمام ولا مؤذن كل من جاء صلى وكل من جاء صلى فما عدت الكراهة في تكرار الجماعة في مثل هذا المسجد.

 

وكذلك الحنابلة مثل الشافعية يرون عدم الكراهة في إعادة الجماعة في المسجد؛ ولو كان مسجد الحي وله إمام راتب؛ فإذا صلى إمام الحي وحضر جماعة أخرى استحب له أن يصلوا جماعة كما يقول الشافعية. 

 

رزقنا الله إقامة الصلاة، وأدائها على الوجه الذي يرضاه، وجعلنا من المسارعين في الخيرات ووقانا الأسواء والأدواء في الظواهر والخطيئات وبلغنا فوق الأمنيات، وثبتنا أكمل الثبات على ما يحبه منا ويرضى به عنا في جميع المقاصد والنيات والأقوال والأفعال والحركات والسكنات؛ والدفع عنا وعن الأمة جميع البلايات والآفات والرزايا في الظواهر والخفايا.

 

بسر الفاتحة  

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه 

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

05 ربيع الثاني 1446

تاريخ النشر الميلادي

08 أكتوبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام