(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (47) باب صفة الصلاة
صباح الثلاثاء 14 شوال 1445هـ
باب صفة الصلاة
قال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقول: "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم"، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: لقد ترك الناس ما كان يفعل رسول الله ﷺ، كان ﷺ إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًا فيقف قبل القراءة هنيهة يسأل الله تعالى من فضله، قال إبراهيم النخعي -رضي الله عنه-: وكانوا يقولون التكبير جزم والتسليم جزم والقراءة جزم والأذان جزم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مُكرمنا بالشريعة الغَرَّاء وبيانها على لسان عبده وحبيبه وصفيه خير الورى سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه طُرًا، وعلى منّ وآلهم واتبعهم بإحسان سِرًّا وجهرا، وعلى أبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، مَن رقَّاهم الله في المجد والفضل والقرب والمعرفة أعلى الذُرى، وعلى آله وصحبهم و تابعيهم، وعلى ملائكة الله المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وابتَدأ الشيخ عبد الوهاب الشعراني -عليه رحمة الله- في ذكر أبواب الأحاديث العامة المتعلّقة بصفة الصلاة يقول: "باب صفة الصلاة" كيف أداؤها وكيفيتها في متابعة أركانها وشروطها؟
"قال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقول: "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم"،. وكان أبو هريرة -رضي الله تعالى- عنه يقول: "لقد ترك الناس ما كان يفعله رسول الله ﷺ، كان إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه مدًّا، فيقف قبل القراءة هُنَيْهَ أو هُنيّة" ليسأل الله تعالى من فضله. قال إبراهيم النخعي -رضي الله عنه-: وكانوا يقولون: التكبير جزم، والتسليم جزم" يعني: ثابت ولازم وواجب، والقراءة جزم، والأذان جزم.
"وكان ﷺ يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"".
فذكر لنا في هذه الأحاديث مفتاح الصلاة وهو الطهارة، وقد تقدم لنا في ذلك أبواب فيما يتعلق بالطهارة، ولا شك أن ذلك أمر مجمع عليه، لا تصح الصلاة إلا بطهور، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) [المائدة: 6].
وهذه اللفظة مجمع عليها وعلى صحتها وعلى إجزائها "الله أكبر" وهي المنقولة من فعله ﷺ وفعل الخلفاء الراشدين من بعده وعامة أئمة الدين والمسلمين.
(الله أكبر) قالوا:
وهذه الأفعال المذكورة ما تلزم إلا في الصلاة، مقتضى الأمر الافتراض، ولم تفرض خارج الصلاة، فوجب أن يكون فرضها في الصلاة.
فإذًا تكبيرة الإحرام مدخل الصلاة؛ وفيه تنبيه على إخراج ما سوى الله من القلب إذا استحضر عظمته، وأنه لا يتأتى أن يُحاط به، وأن كل شيء لا يُشابهه وليس أمامه بشيء، وكل ما سواه فهو ملكه وعبده وخلقه وصنعته، فلا ينبغي أن يلتفت إلى شيء من الكائنات وقد كبّر مُكوِّن الكائنات الذي وقف بين يديه، الله أكبر -لا إله إلا الله- حققنا الله بحقائق هذا التكبير وأذاقنا حقيقته ومعناه، إنه أكرم الأكرمين.
يقول جمهور فقهاء الشرع المطهر: أن تكبيرة الإحرام جزء وركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا بها، "إنَّ هذه الصلاةَ ، لا يَصلُحُ فيها شيءٌ من كلامِ النَّاسِ ، إنما هو التَّسبيحُ ، و التَّكبيرُ ، و قراءةُ القرآنِ".
فالتكبير وقراءة القرآن من الفرائض، وهي من أجزاء الصلاة ومن جملة أركان الصلاة،
وعند بعض الحنفية: أنها شرط مقدّم على الصلاة؛ واستدلوا بالآية التي يستدل بها على وجوب التكبير أيضاً في الصلاة، (فَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)[الأعلى: 15]. ويقولون فصل بين الذكر وبين الصلاة، (فَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ..) بالتكبير (فَصَلَّى).
ولكن جماهير أهل العلم يقولون: إنها جزء من الصلاة؛ وهي أول أجزاء الصلاة وركن من أركان الصلاة، وإن اختلفوا أهي شرط أم هي ركن؟
فالجمهور يقولون: هي جزء وركن من أركان الصلاة.
"تحريمها التكبير" أضاف التحريم إلى الصلاة، فقالوا: إن المضاف غير المضاف إليه في أدلة بعض الحنفية، فقالوا: تحريمها؛ الصلاة شيء وهذا تحريمها؛ ولكن يقتضي هذا أيضًا أن التسليم أيضًا خارجًا عنها، وهم كذلك يقولون بشيء من هذا.
ينبغي أن يُحسَن نُطْقُ التكبير لفظ الله أكبر، فيأتي بها على وجهها، فلا تنعقد إلا بقول: الله أكبر، كما يقول المالكية والحنفية وكذلك الشافعية.
إذًا فلا معنى للعدول عن قول الله أكبر؛ وهي فعله صلى الله عليه وسلم، وهي المشهورة بين جميع المؤمنين على مدى القرون أن يدخل إلى الصلاة بقول الله أكبر؛ ناوياً الدخول في تلك الصلاة التي أرادها من فرض أو نفل أو مقيد أو مطلق، فلا بد من نية ذلك كما يُشير الحديث: "إنما الأعمال بالنيات".لا إله إلا الله، والله أكبر.
ثم علمنا ما قال الحنفية وكذلك إبراهيم النخعي: أن ما كان فيه ثناء على الله وذكر خاص به يكفي للدخول في الصلاة (فَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى).
وبعد ذلك:
وقالت عائشة: "وَكانَ ﷺ يختِمُ الصَّلاةَ بالتَّسليمِ" كما "يفتتِحُ الصَّلاةَ بالتَّكبيرِ" ولهذا قال: "فتحليلها التسليم" السلام عليكم، حتى لا يُغيّر شيئًا من لفْظ: السلام عليكم، فهذا أقله، فهو تحليل الصلاة أي : الخروج منها، فلا يُجزئه يقول: سلام اله عليكم أو سلامي عليكم، السلام عليكم،
ولأجل الخلاف أيضاً في المذهب وخارج المذهب صار عامة الأئمة في الجنازة عندنا يجعلون لفظهم بـ -وبركاته- أخف من نطقهم ورفع صوتهم ب السلام عليكم ورحمة الله ويُخفضون الصوت ويقولون: وبركاته إشارة إلى هذا الخلاف.
هل تسنُّ أم لا؟ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
إذًا لا بد من قول: ورحمة الله عند الحنابلة إلا في صلاة الجنازة ويكفي السلام عليكم.
والمعتمد شافعيًا أنه يُسن في صلاة الجنازة ورحمة الله وبركاته.
فلا بد أن يُراعى حق التكبير وحق التسليم:
وقالوا: ينبغي أن ينوي السلام على من على يمينه، ومنهم الملك الذي يكتب الحسنات، ومنهم الحَفَظَة، ومن على يمينه إلى آخر العالم، ومن الملائكة ومؤمني الإنس والجن.
وإن كان إمامًا:
والمأمومون كذلك يُسلِّمون فينويون الرد على الإمام:
يقول: "أمرنا رسول الله ﷺ -سمرة بن جندب- أن نرد على الإمام وأن نتحاب وأن يُسلِّم بعضنا على بعض"، يعني: نرد السلام على الإمام. علمنا أنه لا بد منه عند جماهير أهل العلم.
إذًا فعند الحنفية واجب دون أن يكون فرض -على الاصطلاح عندهم في التفريق بين الواجب والفرض- السلام، ولكن يمكن الخروج من الصلاة إذًا بغير السلام عندهم. قال الجمهور: لا يُجزئ إلا بالسلام عليكم.
قال: "كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًّا" هذا من المواطن التي يُستحب فيها رفع اليدين لأجل التكبير.
رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام يُسَنُّ للمصلي أن يرفع يديه إذا كبَّرَ للدخول في الصلاة، وجاء أيضاً عنه ﷺ "كان يرفع يديه حذوَ منكبيه إذا افتتح الصلاة" كما جاء في صحيح البخاري وغيره "يرفع يديه حذوَ منكبيه إذا افتتح الصلاة".
فيبدأ بالرفع أولًا الحنفية ثم يُكبرون، والشافعية ينوي ثم يبتدئ الرفع عند ابتداء التكبير وينهيه مع انتهاء التكبير، فيستقر مع انتهاء التكبير، فيبدأ رفع يديه من محلهما يقول الله أكبر… ينتهي عند انتهاء التكبير.
وعلمنا عند الشافعية رفع اليدين حذو المنكبين بحيث تساوي الإبهامين الشحمة ورؤوس الأصابع ورؤوس الأذنين، ويكون بطونهما إلى جهة القبلة، ويبتدئ عند ابتداء التكبير وينتهي عند انتهاء التكبير، وتكون مفرقة الأصابع تفريقًا وسطًا، مُحنيًا رؤوس الأصابع، وجاعلًا بطن الكفين إلى القبلة، الله أكبر.
فهذا الرفع من غير شك هو سنة، ولو كبر من دون أن يرفع لصحَّت الصلاة.
"كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا قام إلى الصَّلاةِ، رفَع يدَيْه حتى تكونَ حَذوَ مَنكِبَيْه، ثمَّ كبَّرَ"، كان النبي ﷺ إذا دخل الصلاة يرفع يديه مدًّا، ومن عجز عن رفع يد فليرفع الأخرى.
**يقول: "فيقف قبل القراءة هنيْهة" وفي ألفاظ جاءت هنيّهة، أي: زمانًا يسيرًا، وذلك ليقرأ دعاء الافتتاح، دعاء الافتتاح،
فالاستفتاح سنة:
وقد وردت أحاديث فيها صيغ الاستفتاح للصلاة ومنها:
فهذه عدد من الصيغ التي ورد بها افتتاح الصلاة قبل القراءة، وورد غيرها، ومنها ما في صحيح مسلم أيضاً: أنه ﷺ كبَّرَ مرة، فكبر خلفه أعرابيا فقال: "اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وبعد الصلاة قال رَسولُ اللهِ ﷺ: مِنَ القَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ قالَ رَجُلٌ مَنِ القَوْمِ: أَنَا، يا رَسولَ اللهِ، قالَ: عَجِبْتُ لَهَا، فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ قالَ ابنُ عُمَرَ: فَما تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ يقولُ ذلكَ".
وذكر "إبراهيم النخعي -رضي الله عنه-: وكانوا يقولون: التكبير جزم، والتسليم جزم" وفي هذه الأشياء التي ذكرها، وأما الجزم في الأذان أيضاً على قول من قال: بوجوبه، والجمهور على الجزم فيه أنه سنة مؤكدة.
رزقنا الله التحقق بحقائق الصلاة وأدائها على الوجه الأتم، واجعلنا ممن يُقيمها وممن يدرك حلاوتها وذوقها، ويجعل قرة عيوننا في الصلاة لتبعية مصطفاه.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
16 شوّال 1445