(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (25) شروط صحة الصلاة - ستر العورة
صباح الثلاثاء 18 رجب 1445هـ
"باب شروط الصلاة قبل الدخول فيها
وفيه فصول:
الفصل الأول في دخول الوقت
وقد تقدم بيان ذلك في باب المواقيت.
الفصل الثاني
في ستر العورة
"كان عليّ -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ يقول: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" فقال له معاوية بن حيدة -رضي الله عنه-: يا رسول الله فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: "إن استطعت أن اا يراها أحد فلا ترينها احد، قال يا رسول الله: فإذا كان أحدنا خاليًا؟ قال ﷺ: فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحيا منه".
وكان معاوية -رضي الله عنه- يقول: ليستتر أحدكم ولو بوضع يده على فرجه. وكان ﷺ يقول: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا المرأة إلى المرأة في ثوب واحد إلا ولدًا ووالدًا"، وفي رواية: "لا تباشرُ المرأة المرأة حتى تصفها لزوجها كأنه ينظر إليها"، وفي رواية: "إذا باشرت المرأة المرأة فهما زانيتان، وإذا باشر الرجل الرجل فهما زانيان"، وكان ﷺ يقول: "إياكم والتعرّي فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم".
"وكان ﷺ إذا رأى رجلًا حاملًا شيئًا ثقيلًا وقد ظهر شيء من عورته لا يستطيع سترها يقول له: "ضع عنك ما أنت حامله واستر عورتك"، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "ما رأيت من رسول الله ﷺ ولا رأى مني"، تعني: الفرج، وكان علي -رضي الله عنه- يقول: قال لي رسول الله ﷺ: "لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذِ حيّ ولا ميت فإن ذلك عورة"، وكشف رسول الله ﷺ فخذاه مرات بحضرة أبي بكر وعمر وكان إذا دخل عليه عثمان وهو على تلك الحالة غطى فخذه، وقال: "ألا أستحي ممن يستحي منه ملائكة السماء والله إن الملائكة لتستحي منه"، وحسر رسول الله ﷺ الإزار عن فخذه يوم خيبر حتى ظهر بياض فخذه.
وكان ﷺ يرخص في كشف الركبة للأعراب ونحوهم وينهى عن ذلك أهل الحسب والمروءة، ويقول لهم: "الركبة من العورة"، وفي رواية: "ما بين السرة إلى الركبة عورة"، وكان ﷺ يُقبّل سرة الحسن بن علي -رضي الله عنهما-، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول للحسن: اكشف لي عن سرتك لأقبل الموضع الذي كان رسول الله ﷺ يقبلك فيه فيحسر له عن قميصه فيقبله -رضي الله عنهم-، وكان ﷺ ينهى عن رؤية عورة الصغير ويأمر أهله بسترها ويقول: "حرمة عورة الصغير كحرمة عورة الكبير ولا ينظر الله تعالى إلى کاشف عورته"".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مُكرِمنا بالشريعة وبيانها على لسان رسوله وحبيبه محمّد، من جمع الله المراتب الحسنى جميعا صلَّ الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وعلى أصحابه أهل المراتب الرفيعة، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان من أهل الصدق مع الرحمن، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من رفع الله لهم القدر والشأن، وعلى آلهم وصحبه وتابيعيهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ابتدأ الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- يذكر الأحاديث المتعلقة بشروط الصلاة التي هي: جمع شرطٍ؛ وهو الشرط: إلزام الشيء والتزامه، أو تعريف أمر بأمر كل منهما مستقبل، يُجمع على شروط.
وكذلك يقال: بمعنى شَرْط الشريطة؛ ويُجمع على شرائط، فالشَّرْطُ والشريطة معناهما واحد، وجمع الشَّرْطِ: شروط، وجمع الشريطة: شرائط، أما الشَرَطُ فهو: العلامة، وجمع الشَرَط: أشراط؛ فقال تعالى: (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا) [محمد:18] أي: علاماتها.
إذًا هذا الشرط للصلاة، قال: "تقدم الكلام على ما يتعلق بالمواقيت"، بدخول الوقت قالوا: يكفي في العلم بدخول الوقت غلبت الظن، ولا يدخل في صلاة مؤقتة حتى يعلم أن وقتها قد دخل؛ إما بعلم أو يقين أو غلبة ظن، كما يكونُ بالإجتهاد.
ثم ذكر الفصلُ الثاني: فيما يتعلق بستر العورة.. يقول: "كان عليّ -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ يقول: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" فقال له معاوية بن حيدة -رضي الله عنه-: يا رسول الله فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: "إن استطعت أن لا يراها أحد فلا ترينها أحد، قال يا رسول الله: فإذا كان أحدنا خاليًا؟ قال ﷺ: فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحيا منه".
وبذلك جاء تقسيم العورة:
فمنها العورة في الصلاة: يجب سترها على كل من الرجل والمرأة؛ فمن ترك الإستتارة وهو قادر عليه، وصلى مكشوف العورة فصلاته باطلة بالإتفاق بالإجماع، فالستر مفروضٌ.
ومنه ما تحدّث عنه في هذا الحديث عمن لا يحلُ له النظر، فستر العورة من الرجل والمرأة واجبٌ عمن لا يحلٌ له النظر إليها.
قال تعالى : (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ..)[ النور: 30-31]
فأقروا: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ) واقرأوا: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ )؛ تعلَّم إرشاد عالم الخفيات ورب الأرض والسماوات إلى ما هو ألْيَقُ من الأعمال والصفات.
ويقول: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك"، قال تعالى: (إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [ سورة المؤمنون: 6-7].
فعورة الرجل بالنسبة للمرأة:
عورة الرجل مطلقًا في الصلاة وعند الرجال وعند النساء الأجانب ما بين السرة والركبة.
فبهذا يقول الحنفية: أن المرأة أن تنظر من الرجل ما عدا ما بين السرة والركبة إن أمنت على نفسها الفتنة.
وكذلك يقول المالكية: أن المرأة لها النظر إلى ما يراه الرجل من محرمِه وهو الوجه والأطراف عند أمن الفتنة، أما النظرة بتأمل المحاسن وما شابه فهي حرام، ولو لإصبع ولو إلى رجل ولو إلى أي شيء كان من البدن بالنسبة لنظر المرأة للرجل أو نظر الرجل إلى المرأة.
وهكذا "جاء في الحديث عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: كنت عند رسول الله ﷺ وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم -وذلك بعد أن أُمرنا بالحجاب- -فإبن أم مكتوم رجل أعمى- فقال ﷺ: احتجبا منه، قلنا يا رسول الله: أليس أعمى! ولا يبصرنا ولا يعرفنا فقال النبي ﷺ: أفعمويان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟".
إذًا فكلامهم عما يُكره وعما يَحرُم من النظر:
يأتي بعد ذلك دور المحارم، فنظر المرأة إلى محارمها من الرجال أو عورة الرجل عند محارمه هو مع أمن الفتنة يقول:
وهكذا جاء في الحديث: "غطِّ فخذَكَ فإن الفخذَ عورةٌ".
قال: "فإذا كان أحدُنا خاليًا ؟ قال: فاللهُ تبارك وتعالى أحقُّ أنْ يُستحْيا منه" فلا يجوز وإن كان في خلوته الإنسان أن يكشف عورته إلا لحاجة، كقضاء حاجة الإنسان أو إذا أراد أن يغتسل ولم يرد أن يتبلل الثوب، والسنة: أن يغتسل وعليه ثوبه ساترًا ما بين السرة والركبة؛ ولأي أدنى حاجة في الخلوة يجوز له كشف عورته، ولغير حاجة يحرم عليه أن يكشف عورته، وأن يكشف سوأتيه لغير الحاجة، وبذلك قال ﷺ: "فاللهُ أحقُّ أنْ يُستحْيا منه" أي: ولو كان في مكان خالٍ من الناس، فبهذا يقول جماهير أهل العلم: أنه يجب على كل من الرجل والمرأة في الخلوة أن يستر عورته إلا لحاجة، وقال المالكية: يندب أن يستر عورته في الخلوة.
وكان ﷺ يقول: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا المرأة إلى المرأة في ثوب واحد إلا ولدًا ووالدًا"، وفي رواية: "لا تباشر المرأة المرأة حتى تصفها لزوجها كأنه ينظر إليها" فهذا أيضًا من المحرمات؛ من المحرمات أن تنعت وتصف المرأة الأجنبية لزوجها ووصفها كذا وشأنها كذا وعلى كذا كأنه يراها، فذلك حرام وإذا كان الوصف بالقول يحرمه فكيف بالصورة! وبهذا يُعلم ما يتصيده عدو الله من الرجال والنساء في هذه الجوانب ليفسد عليهم أمر علاقتهم بإلههم، وأمر حضور قلوبهم معه وأمر دينهم، فوجب على المؤمن أن يسلك مسلك الحذر والاحتياط والحياء.
وجاء في الرواية عند البيهقي وفي شعب الإيمان يقول: "إذا باشرت المرأة المرأة فهما زانيتان، وإذا باشر الرجل الرجل فهما زانيان، وكان ﷺ يقول: إياكم والتعرّي فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم". يعني: الملائكة الكرام الذين يصاحبونكم، وبهذا عُلِمَ من الحديث أنه لا يجوز مضاجعة الرجل الرجل في ثوب واحد لا حاجز بينهما، ولا المرأة المرأة كذلك في الثوب الواحد كما جاء في صحيح مسلم وغيره، فإذا كان بينهما حائل فيكره كراهة تنزيه، ويقول ﷺ في الحديث أيضًا الذي تقدم معنا في شأن الصبيان يقول: "مُروا أَولادَكمْ بالصلاةِ وهُمْ أبناءُ سَبعِ سِنينَ واضربوهُمْ عليهَا وهمْ أبناءُ عشرٍ ، وفَرِّقُوا بَينهمْ في المضاجع"
"وكان ﷺ إذا رأى رجلًا حاملًا شيئًا ثقيلًا وقد ظهر شيء من عورته لا يستطيع سترها يقول له: "ضع عنك ما أنت حامله واستر عورتك" رتب نفسك وضع حتى تحمل من دون أن ينكشف من عورتك شيئ من فخذك ونحوه.
"وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "ما رأيت من رسول الله ﷺ ولا رأى مني"، تعني الفرج" وهذا الذي قال بكراهته الشافعية وغيرهم بكراهة أن ينظر الرجل إلى فرج زوجته أو تنظر الزوجة إلى فرج زوجها، وذكرت السيدة عائشة: "ما رأيت من رسول الله ﷺ ولا رأى مني" ﷺ.
"وكان علي -رضي الله عنه- يقول: قال لي رسول الله ﷺ: "لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حيّ ولا ميت فإن ذلك عورة" وأما هذا الحديث الذي هو مشهور أيضًا وذكره أنه: "وكشف رسول الله ﷺ فخذاه مرات بحضرة أبي بكر وعمر وكان إذا دخل عليه عثمان وهو على تلك الحالة غطى فخذه وقال: "ألا أستحي ممن يستحي منه ملائكة السماء والله إن الملائكة لتستحي منه" وكذلك ما جاء في الحديث الثاني أن "وحسر رسول الله ﷺ الإزار عن فخذه يوم خيبر حتى ظهر بياض فخذه" فحمُلُهُ على أن ذلك من الكشف الثوب الأعلى ثوب الأعلى من مثل الجبة ومثل القميص ومثل الإزار إذا كان تحته السراويل، فهذا هو الأولى والأليَق بمجموع الأحاديث والمعروف من حيائهﷺ، وسمعنا الحديث في أن الفخذ عورة فيجب سترها في الصلاة وخارج الصلاة، وعلى ذلك جماهير العلماء.
"وكان يرخص في كشف الركبة للأعراب ونحوهم وينهى عن ذلك أهل الحسب والمروءة ويقول لهم: "الركبة من العورة" واختلفوا فيها واعتبرها بعض الأئمة من العورة وقال الكثير منهم: إنما هو ما بين السرة والركبة، ليس نفس السرة وليس نفس الركبة من العورة.
"وكان ﷺ يُقبّل سرة الحسن بن علي -رضي الله عنهما-، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول للحسن: اكشف لي عن سرتك لأقبل الموضع الذي كان رسول الله ﷺ يقبلك فيه فيحسر له عن قميصه فيقبله -رضي الله عنهم-، وكان ﷺ ينهى عن رؤية عورة الصغير ويأمر أهله بسترها" تربيةً على المكارم، والشيم، والشمائل، وحسن الخلق، والقيام، وأما "حرمة عورة الصغير كحرمة عورة الكبير ولا ينظر الله تعالى إلى کاشف عورته" فهذا محمول على ما بعد الأربع السنوات في الغالب، فلا يجوز النظر، وفي خلال ذلك فلأجل تنجيته وتغسيله وما إلى ذلك، تقوم الأم أو الخادمة بتغسيله ولا شيء في ذلك، ولكن مع ذلك في عموم أوقاته ينبغي أن يكون مستورًا، وذلك هو الذي أرشد إليه ﷺ.
وصلى الله على معلمنا الخير والهدى وجعلنا من أهل اتباعه، والاقتداء به فيما خفي وما بدى، وأصلح شؤوننا وشؤون أمته ظاهراً وباطنًا، وحوَّل أحوالنا وأحوالهم إلى أحسن الأحوال، ورزقنا القبول والإقبال، وختم لنا بأكمل حسنى، وهو راضٍ عنا في لطف وعافية.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
25 رَجب 1445