كتاب كشف الغمة -57- مواصلة شرح باب حكم الأواني

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: مواصلة شرح باب حكم الأواني 

 صباح السبت: 10 صفر 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  أنواع الأواني التي يجوز استعمالها
  •  ما هو المراد باستعمال الأواني؟
  •  حكم الامتشاط بمشط العاج
  •  لماذا نغطي الأواني؟ وكيف نغطيها؟
  •  النهي عن لعب الصبيان بعد المغرب
  •  إغلاق أبواب البيت
  •  لماذا نطفئ المصابيح؟
  •  أمور تسن عند النوم
  •  هل يجوز استخدام أواني المشركين؟

نص الدرس مكتوب:

"وكان ﷺ يمتشط بمشط العاج، وكان عمر يكره الادّهان في عظم الفيل. وكان ﷺ يقول: "غطّوا الإناء واذكروا اسم الله، وأكفوا الإناء واذكروا اسم الله، وأوكوا السقاء واذكروا اسم الله فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناءٍ ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء"، قال الإمام الليث: وكانوا يتّقون الوباء في كانون الأول.

وكان ﷺ يقول: "إذا كان جُنح الليل فكفّوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل ودخلت العشاء فخلّوهم"، وفي رواية: "إذا غربت الشمس فلا تُرسلوا مواشِيكم وصبيانكم حتى تذهب فحمة العشاء، فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء". 

وكان ﷺ يأمر بغلق الأبواب إذا دخل الليل ويقول: "أغلقوا أبوابكم واذكروا اسم الله، وأطفئوا مصابيحكم واذكروا اسم الله، وأوكئوا سقاءكم وخمّروا أوانيكم ولو بعودٍ يُعرَض عليها، فإن الشياطين لا تفتح بابًا مغلقًا". 

وكان ﷺ إذا خرج من بيته ليلاً يغلق بابه فإذا رجع فتحه، وكان ﷺ يحثّ على إطفاء المصباح ويقول: "إن الفويسقة ربما جرّت الفتيلة فأحرقت البيت".

وكان ﷺ يأمر بغسل أواني المشركين قبل استعمالها في الغزوات والأسفار، وتارةً يُقرّ أصحابه على استعمالها في الأكل والشرب بلا غسل، وتارة يقول: "إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها ولا تشربوا"، وكان ﷺ يتوضأ من مزادة المشركين ويأكل من طعامهم، وقرّبوا له مرةً طعامًا طبخوه بالودك المتغيّر الرائحة فأكل منه، والله تعالى أعلم."

اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون 

 

الحمدلله مُكرمنا بشريعته الغرّاء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم وولاهم بالإحسان سرًّا وجهرا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الرّاقين في الفضل أعلى الذرى، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ويذكر الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في حكم الأواني ما يتعلق بالعاج، وقد يُطلق ويُراد به مجرد عظم الفيل، وقد يُراد به عموم العظام، أي: الإناء من العظم، ومن المعلوم أن الإناء المحرّم استعماله إناء الذهب والفضة، وبقي بعد ذلك ما كان طاهرًا من أنواع الجلود فيجوز أن يُتخذ آنية، وكذلك ما يتعلّق بالعظام ما كان منها طاهرًا فيجوز اتخاذ الآنية منه، وكذلك ما كان من أنواع الجواهر الأخرى غير الذهب والفضة فإن الجمهور أيضًا على جواز استعمالها لورود النص في تحريم الأكل والشرب من آنية الذهب والفضة. ثم إن جمهور العلماء قالوا أيضًا أنواع الاستعمالات الأخرى كالأكل والشرب، ومال الشوكاني إلى أن هذا مخصّص بالأكل والشرب وأن بقية الاستعمالات محتاجة إلى دليلٍ فيها ونصٍّ عليها، وقال الجمهور: المراد استعماله بأي معنى من أنواع الاستعمال، لمّا كان الغالب على الناس يستعملون الأواني للأكل والشرب؛ ذكر الأكل والشرب من باب أنه الغالب لا حصر للنهي في هذا العمل وحده.

ثم ذكر الامتشاط بمشط العاج، "وكان عمر يكره الادهان بعظم الفيل"، وهذا العاج أيضًا يُطلق على أنياب الفيل فقط، أو عموم عظم الفيل، أو عموم العظام، وبعد ذلك وما يُتخذ منها من الآنية. ويُروى في حديث ضعيف أن النّبي ﷺ قال لثوبان: "اشترِ لفاطمة قلادة من عَصَبٍ وسوارين من عاج"، وذكر بعضهم في معنى العاج: أنه الذبل وهو عظم السلحفاة البحرية، ويقول أهل الفقه من المذاهب الثلاثة: أن المراد بالعاج المأخوذ أو المُتّخذ من ناب الفيل، والذبل الذي هو ظهر السلحفاة، أو جلد السلحفاة البرية أو البحرية ويُجعل منه الأمشاط ويجعل منه المسك، فبذلك حملوا الشافعية قول "يمتشط بمشط العاج" على هذا العاج. 

وبعد ذلك اختلفت أقوال الفقهاء في الحكم بالنّجاسة على العاج وعظمُ الفيل وما إلى ذلك:

  •  فالمذهَب الأول عند الحنابلة وعند الشافعية: أنّه نجس عظم الفيل نجس؛ لأن الفيل عندهم أيضًا مما لا يؤكل وإن ذُبح، سواءً أُخذ منه العظم في حياته أو بعد وفاته فهو نجس.
  • وجاء عن ابن عمر أنه كرِه أن يدّهن في عظم فيل لأنه ميتة، والمراد بالكراهة هنا: التحريم. فإذًا الحديثين الذي ذكرها أنه يمتشط بمشط العاج وأنه قال سوارين من عاج يقول أمر ثوبان يشتريه لفاطمة، قالوا: أن المراد بالعاج هنا: هو الذبل الذي هو ظهر السلحفاة البحرية، السلحفاة البحرية طاهرة، فحملوا الحديثين على هذا؛ 
  • والقول الثاني عند الحنفية: أنّه طاهر، عظم الفيل أنه طاهر فهو عند الحنفية غير محمد ابن الحسن، أن العظم ليس بميت؛ وأن الميتة من الحيوان: ما زالت حياته لا بصنع أحد من عباده أو بصنع غير مشروع. قال: أما العظم ما فيه حياة أصلًا؛ لا حياة في العظم فلا يكون ميتة هكذا قال الحنفية، وهكذا أخذوا بعموم قوله: (لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) [الأنعام:145]. 
  • يقول عبدالله بن عباس: "ألا كل شيء من الميتة حلال إلا ما أُكل منها" هذا الحديث عند الدارقطني بسند ضعيف لأحد رُواته، هذا الذي أخذ به الحنفية، وأخذوا عموم الحديث الذي ذكرنا: "يمتشط بمشطٍ من عاج"، وحملوه على أنه عظم الفيل أو ناب الفيل. 
  • والتفصيل عند المالكية يقولون: إن كان الفيل ذُكّي فعظمه طاهر ويجوز استعماله، وإن لم يُذكّى بأن مات هكذا من نفسه أو أُخذ في حياته فهو نجس. 

فهذا كلام الفقهاء فيما يتعلق بالطهارة والنجاسة في العاج.

ثم ذكر لنا حديث غطّوا الآنية، وأنه ينبغي لمن يترك أيّ طعام أو أيّ شراب في أيّ إناء أن لا يدعه مكشوفًا بل يغطّيه، وخصوصًا عند المنام فيغطّي الآنية فهو من السُنّة وفيه محافظة على المطعومات والمشروبات من أن ينازلها أي قذر أو سخ أو يتناولها أيّ حيوان أو يقع فيها أي حشرة أو أن ينزل الوباء؛ الذي ينزل في ليلة من السّنة فلا يجد إناء مكشوفًا إلا دخل فيه، "ينزل وباء في ليلة من السنة لا يجد إناء مكشوفًا إلا دخل فيه" وهذه الليلة مبهمة في السنة؛ ولم يأتِ نصٌّ في تعيينها فيُحذر، فلا يُبقى إناء مكشوفًا، يبيت مكشوفًا أو يظل مكشوفًا كذلك، وقد كانوا قبل أن توجد عندهم المبرّدات هذه من الثلاجات وغيرها التي يحفظون فيها الطعام، يخافون على الطعام إذا غطّوا الإناء أن يتغيّر؛ وهم يريدون الانتفاع به في اليوم الثاني وأكله، فجاء أيضًا في السنة: "ولو أن يضع عليه عودًا" ينصب على فم الإناء عود أو فتحة الإناء عودًا ينصبه عليه ويسمّي الله تعالى، فيكون ذلك مانعًا من البلاء ويكون الهواء واصل إليه؛ لأنه ليس مغطى إلا بعود فيُمكن أن يبقى غير متغيّر فيستعمل في اليوم الثاني.

 يقول: "غطّوا الإناء" فتغطِية الآنية من السنّة "واذكروا اسم الله" عند تغطية الإناء، لأن يكون في حرز وحماية وحراسة من الشياطين، "وأكفوا الإناء" أيضًا إذا لم يُغطّى من الممكن أن يُكفى أي: يُقلب فيُجعل فتحته إلى الأرض، "واذكروا اسم الله" عند التغطية وعند الإكفاء للإناء، "وأوكوا السقاء" يعني: اربطوا فمها، القربة الذي هو السقاء، أوكوا يعني: اربطوا الفم حقها، "أوكوا السقاء واذكروا اسم الله فإن في السنة ليلةً ينزل فيها وباء.." الحديث في صحيح مسلم "..لا يمر بإناء ليس عليه غِطاء أو سِقاء ليس عليه وِكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء" وجاء أيضًا عند الإمام أحمد وعند البيهقي.

قال: "وكانوا يقولون الوباء في كانون الأول" ولا معوّل عليه في تحديد كانون كما لا معوّل على تحديد صفر، وحذرهم من أن يأكلوا شيئًا كان في إناء مكشوف في صفر، في صفر كغير صفر وكانون كغير كانون لا فرق بين الأشهر والأيام والليالي، فينبغي الاحتراز من استعمال شيء في إناء بات مكشوفًا.

وكان ﷺ يقول: "إذا كان جُنح الليل -يعني: ابتدأ الليل عند المغرب- فكُفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل ودخلت العشاء فخلوهم"، وفي رواية "إذا غربت الشمس فلا ترسلوا مواشيكم وصبيانكم حتى تذهب فحمة العشاء، فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء"، ففيه تسلّط الشياطين على الناس في هذا الوقت، فلا ينبغي ترك الصبيان يلعبون عند غروب الشمس ولا إرسال البهائم، بل ينبغي أن تُقاد إلى مواطنها ودروعها ولا تبقى مُرسلة عند الغروب إلى أن يذهب ساعة من الليل. ويأمر بغلق الأبواب إذا دخل الليل، يقول: "أغلقوا أبوابكم واذكروا اسم الله، وأطفئوا مصابيحكم واذكروا اسم الله، وأوكوا سقاءكم وخمّروا أوانيكم ولو بعودٍ يُعرَض عليها، فإنّ الشياطين لا تفتح باباً مغلقاً". ويقول العوام عندنا: مائة جنّي ما يقفّلون باب! يعني: لا يفتحون مغلق ولا يغلقون مفتوح؛ يعني: لا يؤذن لهم بذلك فلا يقدرون عليه. 

"وكان ﷺ إذا خرج من بيته ليلاً يغلق بابه فإذا رجع فتحه، وكان يحث على إطفاء المصباح"؛ لأن فيها الزيت ويمكن سقوطها واشتعالها بالزيت الذي فيها أو بالفرش الذي تسقط عليه، ويقول : "إن الفويسقة ربما جرّت الفتيلة فأحرقت البيت"، والفويسقة: الفأر. فجاء عند الإمام أحمد: "أجيفوا أبوابكم وأكفئوا آنيتكم وأوكوا أسقيتكم وأطفئوا سرجكم فإنه لم يؤذن لهم بالتسوّر عليكم"؛ أي: الجان. وجاء أيضًا عند الطبراني: "خمّروا آنيتكم وأوكوا أسقيتكم وأجيفوا أبوابكم وأطفئوا سرجكم فإنّ الشيطان لا يفتح بابًا مُجافًا ولا يكشف غطاءً ولا يَحلُّ وكاءً، وإنّ الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم في النار.."، وجاء في الصحيحين: "إنّ هذه النار عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم".

وجاء عند أبي داود يقول ابن عباس: جاءت فأرة فأخذت تجرّ الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله ﷺ على الخمرة التي كان قاعدًا عليها فأحرقت منها مثل موضع درهم، فقال: "إذا نمتم فأطفئوا سرجكم فإنّ الشيطان يدلّ مثل هذه على هذا فتُحرقكم"، جاء في رواية: "بينما نحن عند رسول الله ﷺ إذا بفأرة تجرّ فتيلة حتى وضعتها بين يديه على طرف الحصير فأحرقته فقال رسول الله ﷺ: "إن هذه النار عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم فإن الشيطان يدلّ هذه على مثل هذا فتحرق على أهل البيت متاعهم".

وإذًا يُسنّ عند النوم أمور منها: 

  • تخمير الآنية ولو بعرض عودٍ عليها.
  • وكما يُسنّ لمن ينام أن يكون متذكّرا لوصيّته فربما طرأ عليه الموت. 
  • كما يسنّ أن ينام وهو متوضئ. 
  • وأن يجدّد توبته إلى الله تبارك وتعالى. 
  • وكذلك يقرأ الأوراد والأذكار المأثورة عند الاضطجاع وعند النوم. 
  • ويستاك. 
  • ويعزم على الخير.
  • وينوي القيام في الليل. 

إلى غير ذلك من السنن والأداب التي تحوّل نوم المؤمن إلى يقظة قلبية وعبادةٍ يُتقرب بها إلى ربّ البريّة.

"وكان يأمر بغسل أواني المشركين قبل استعمالها في الغزوات والأسفار، وتارةً يُقرّ أصحابها على استعمالها في الأكل والشرب بلا غسلٍ"، وبهذا اختلف الأئمة:

  • قال الإمام أحمد وغيره: لا يجوز استعمال أواني المشركين
  •  وقال الشافعية: يُكره، إلّا إن تيقن طهارتها فلا كراهة 
  • وقال الحنفية والمالكية: لا كراهة في استعمال شيءٍ من أواني المشركين.

إذًا آنية أهل الكتاب: 

  • الحنفية والمالكية يقولون: يجوز استعمال أوانيهِم إلا إذا تيّقّن عدم طهارتها، ولا كراهة في شيء من ذلك.
  •  ويقول الشافعية وهي رواية عند الحنابلة: يُكره استعمال أواني أهل الكتاب، إلا إذا تيّقن طهارتها فلا كراهة.

وأواني المشركين كأواني أهل الكتاب؛ إلا في قول عند الحنابلة أن ما استعمله غير أهل الكتاب من الكفار الآخرين من الأواني لا يجوز استعماله، قالوا: لأن أوانيهم ما تخلوا من أطعمتهم وذبائحهم ميتة فتكون نجسة، هذا في قولٍ عند الحنابلة.

يقول: "إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها ولا تشربوا"، وهذا من استقذار استعمال آنية الكفار، "وكان يتوضأ من مزادة المشركين ويأكل من طعامهم" لبيان الجواز، "وقرّبوا له مرةً طعامًا طبخوه بالودك المتغير.."، يعني: السمن المأخوذ من شحم الغنم يُقال له: ودَك، "..فأكل منه ﷺ" مبيّنا للجواز. 

 

رزقنا الله حُسن متابعته، وحشرنا في زمرته، وملأ قلوبنا بمحبته، وثبّتنا على دربه، وسقانا من شربه، وأدخلنا في حزبه، وجعلنا من خواصّ أهل الاتباع له والاقتداء به ظاهرًا وباطنًا 

بسرّ الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

10 صفَر 1445

تاريخ النشر الميلادي

26 أغسطس 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام