(228)
(536)
(574)
(311)
الدرس الأول للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في شرح كتاب: سُلّم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق، للإمام الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر. ضمن دروس الدورة الصيفية الأولى بمعهد الرحمة بالأردن.
خطبة الكتاب ومعنى الشهادتين
فجر الإثنين 14 صفر 1446هـ
لتحميل كتاب سلم التوفيق pdf: https://omr.to/sullam-pdf
بسم الله الرحمن الرحيم
حياكم الله وجمعنا في كل مقام كريم، نبدأ درسنا في "سُلَّم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق" رسالة للإمام عبد الله بن حسين بن طاهر، أعلى الله درجاته وجمعنا به في أعلى جناته.
نحرر نياتنا، نحرر نياتنا في طلب العلم، نحرر نياتنا في تلقي العلم، نحرر نياتنا في أخذ العلم، نيات في أخذ العلم متفرعة ومتشعبه لكن رأسها لغاية ما تنتهي إليه في عالم الحياة الدنيا؛ نية أن تكون كلمة الله هي العليا؛ في أنفسنا، وفي شؤوننا، وأحوالنا، وفي محيطنا، وفي العالم، وهو الذي أشار إليه رسول الله ﷺ بالنية في طلب العلم بقوله: "مَن جاءَه الموتُ وهو يَطلُبُ العِلمَ لِيُحيِيَ به الإسلامَ، كان بيْنَه وبيْنَ الأنبياءِ في الجَنَّةِ دَرجةٌ واحدةٌ."، وهذه الغاية التي تنتهي إليها النيات في طلب العلم في عالم الدنيا هي -في حد ذاتها تُراد لما وراءها- هي وسيلة، فإخلاصنا القصد والنية لتكون كلمة الله هي العليا وسيلة لنا إلى معرفته، ومحبته، وقربه، ورضوانه، وهذه الغايات هي التي يُنتهى إليها في الباطن وفي الآخرة؛
بسم الله الرحمن الرحيم
من كتاب من "سُلَّمُ التَّوفيق إلى مَحَبَّةِ اللهِ على التَّحْقِيق" للإمام العلامة سيدنا عبد الله بن حسين بن طاهر باعلوي رحمه الله ونفعنا به وبكم في الدارين آمين، ورضي الله تعالى عنه وعنكم، قال:
مقدمة المؤلف
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد، فهذا جُزءٌ لطيفٌ يسَّره الله تعالى فيما يجب تعلمه وتعليمه، والعمل به للخاص والعام -والواجب ما وعد الله فاعله بالثواب وتوعد تاركه العقاب - وسميته: سلم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق، أسأل الله الكريم أن يجعل ذلك منه وله وفيه وإليه، وموجباً القرب والزلفى لديه، وأن يوفِّق من وقف عليه للعمل بمقتضاه، ثم التَّرقي بالتودُّد بالنوافل؛ ليحوز حبه وولاه.
هذا خطبة الكتاب من سيدنا الإمام -عليه رضوان الله تعالى- الذي ذكر لنا في هذه الخطبة البسملة كما هو معلوم ومعروف الابتداء بها في كل مهمة، وأيضًا فيه الإقتداء بالقرآن من حيث ترتيبه، ثم بعد ذلك الحق تعالى جعل مع اسم الجلالة اسم الرحمن الرحيم، وهذا أيضًا مظهر من مظاهر اللطف والرحمة وعناية الحق تبارك وتعالى بعباده.
"بسم الله الرحمن الرحيم" ففيه الإشارة إلى هذين الاسمين الجماليين المتصلين بمعاني الرحمة التي لا غاية لها ولا نهاية، بسم الله الرحمن الرحيم، والتسمية بسم الله تعالى ديدن المؤمن في أحواله وشؤونه كلها:
معنى "بسم الله" يُراد بذلك العمل وجه الله، أن يعمل على مقتضى ما شرع وأحب؛ بسم الله، حتى أقوالنا وأفعالنا بحكم الإيمان تندرج في ماشرع وفي ماأحب، إلى حد وضْعنا جنوبنا لأجل النوم علّمنا هادينا ومرشدنا ﷺ "باسمك ربي وضعتُ جنبي"؛ وضعك جنبك لأجل النوم باسمه؛ ماذا يعنى باسمه؟ يعني على حسب ما شرعه وأحبه، وتطلب به قربه ورضاه "باسمك ربي وضعت جنبي وباسمك ارفعهُ".
كذلك أنَّه لا يقوم شيء إلا به تبارك وتعالى، كل شيء قائم باسمه محوطٌ بعلمه، "بسم الله" فنتذكر هذا الأمر من حيث أنَّ كل شيء قائم باسمه -جلَّ جلاله- ولا يمكن لشيء أن يقوم بغيره أصلًا، لا وجودًا ولا عدمًا، ولا حالًا ولا شأنًا، ولا قولًا ولا فعلًا، ولا جسمًا ولا روحًا ولا ظاهرًا؛ لا شيء يقوم إلا به تعالى بسم الله، ثم نحن بحكم الإيمان نقيم أمورنا -مع كونها قائمة به- على موافقة شرعه؛ بسم الله، وعلى طلب رضاه، فهذا ما نقوله؛ بسم الله، عندما نأكل، عندما نشرب، عندما ندخل، عندما نخرج، عندما ننام، عندما نقوم من النوم بسم الله -الله يحققنا بذلك-.
"بسم الله الرحمن الرحيم"، وقول الفقهاء أنها تكون مباحة عند المباحات التي لا شرف فيها؛ كنقل متاع من مكان، إلى غيره، المراد تخصيص البسملة بذلك الموطن، لا نفس البسملة، نفس البسملة ذكر يثاب عليه صاحبه، عبادة، هي ذكر لله، ذكر لأسمائه فيثاب عليها على طول، متى ما ذكرت اسم الله أثبت، ولكن تقييدها بهذا الفعل هو الذي يقولون له مباح.
تكون واجبة إذا نظرها الإنسان، وبعض العلماء أوجَّبها عند ذبح الحيوان من الأنعام، وبعض العلماء أوجبها في الفاتحة كالشافعية، فتكون في هذه الأحوال واجبة.
وتكون مندوبة عند كل أمر ذي بال، إذا كان الأمر ذا بال، معنى ذا بال يعني:
التسبيح والتحميد والتهليل ونحوه لم يعد يُسن الابتداء به "باسم الله"؛ لأنه ذكر خالص، إذا أحد أراد أن يأتي بالباقيات الصالحات مثلا؛ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا والله أكبر، لا يُسن يقول "بسم الله" سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، بسم الله، لا يسن ربطها به لأنّ هذا ذكر محض خالص، ولا يجعل الشارع له مبدأ آخر، قد يكون أمر ذا بال وليس ذكر خالص مثل قراءة العلم.
خطبة الجمعة؛ جعل الشارع لها مبدأ غير البسملة، فلا يسن واحد خطيب يقوم يخطب لنا الجمعة يقول "بسم الله الرحمن الرحيم" لا يسن، لماذا؟ لأن الشارع جعل مبدأها الحمد في خطبة الجمعة، وخطبة النكاح وغيرها، يسن أن يبدأها بالحمد اتباعًا، فإذا جعل الشارع لها مبدأ آخر، مثل الصلاة تبدأها بماذا؟ ماذا نقول، الله أكبر؟ أم تقول بسم الله؟ لا، تقول الله أكبر؛ لأن الشارع جعل افتتاحها التكبير، تحريمها التكبير، فإذا جعل الشارع لها مبدأ آخر خلاص لم تعد تسن.
فإذا أراد سارق يسرق يقول بسم الله، فوق إثم السرقة أيضًا إثم ثاني، أو سيشرب خمر يقول بسم الله! ماذا؟!، هذ باسم الشيطان ليس بسم الله، فإذا قصد الاستهزاء صار كفرًا، إن لم يقصد الاستهزاء فهي حرام، أن يبدأ بالبسملة عند الحرام.
كذلك، "الحمد لله" تعالى، إلا أنَّ الحمد لم يذكروا له حالة إباحة وقالوا إنَّما أصله الندب، لا تعتريه الإباحة، ويقول ﷺ: "والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ"، وهي الثناء على الله بما يستحقه من جميل، ولا يستطيع أن يثني عليه بما يستحقه ما هو أهله إلا هو، ولكن رضي منَّا أن نحمده ونذكر جميل صفاته وعظيم إنعامه، ورضي منَّا بذلك وإلا كيف نقدر أن نحمده؟
يقول بعض الأنبياء؛ ربي كيف أحمدك؟ وأنا كلما شكرتك كان شكرك نعمة جديدة أنعمت بها علي، فكيف أشكرك؟ هو الشُكر نفسه نعمة مننْت أنت بها علي، وكيف أشكرك؟ قال: إذا علمت ذلك فقد شكرتني، يعني توقن أنك لا تستطيع أن تؤدي حق الشكر، وتلهج بما تقدر عليه من الثناء فيكفي هذا.
قال سيدنا زين العابدين: ورضي بالحمد شكراً له من خلقه، ولهذا حمِدَ في الكتاب نفسه -سبحانه وتعالى-.
و "رب العالمين،" أي مالك العالمين؛ والعالمون: يطلق على العقلاء من جملة الكائنات وهم الإنس والجن والملائكة، مع أنَّ العالَم يطلق على كل ما سوى الله.
"وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،" ثبتنا الله عليها وجعلنا من خواص أهلها "وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه والتابعين." تحتوي الشهادتين على جميع معاني الإسلام والإيمان والإحسان، الموصِل إلى المعرفة الخاصة والمحبة الخالصة، فاختُصِرَ علوم الدين في الشهادتين، فجُعِلت سبب الدخول للإسلام، قالوا:وجعل الله القرآن،
ورجعت كلها إلى "لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله" هذا أصل جميع العلوم النافعة.
"صلى الله عليه" أي رحِمهُ رحمةً مقرونة بالتعظيم، كما يليق بمكانته عنده ومنزلته لديه ﷺ، وهو القائل: "أَولَى النَّاسِ بي يومَ القيامَةِ أكثَرُهم علَيَّ صلاةً"،
"وعلى آله" أقاربه المؤمنون من بني هاشم وبني المطلب،
"وصحبِهِ" كلُّ من صحِبهُ ﷺ مؤمنًا به ومات على الإيمان،
"التابعين" يقول ﷺ: "ما تصاحب اثنان في ساعة من ليلٍ أو نهار" فأثبت الصحبة بالساعة، "ما تصاحب اثنان في ساعة من ليلٍ أو نهار، إلا سألهم الله عن صحبتهما، هل أقاما حق الله فيها" فمن صحبه ﷺ مؤمناً به وثبت حتى مات على الإيمان فهو من أصحابهِ، صلى الله عليه وصحبه وسلم.
ويشير إليه الحديث أيضًا في البخاري وقال: "هل فيكم من رأى رسول الله؟" حتى ما جالسوه،.. الذي رأى رسول الله، هل فيكم من رأى رسول الله؟ فيقدمونهم فينتصرون بهم، من فيكم من رأى رسول الله، سر الرؤية، من رأى رسول الله، من رأى، من رأى من صحب رسول الله، وهكذا.
يقول: "بعد، فهذا جُزءٌ لطيفٌ يسَّره الله تعالى فيما يجب تعلمه وتعليمه،" من مبادئ هذه الشرع المصون، "والعمل به للخاص والعام -والواجب" ما هو الواجب: "ما وعد الله فاعله بالثواب وتوعد تاركه العقاب -"؛ فهذا وجه واحد من الأحكام الشرعية الخمسة التي يقوم عليها نظام الشرائع لله تعالى، وشريعة الله من آدم الى محمدٍ صلى الله عليه وصحبه وسلم، الذي ختم به الشرائع وجعله ناسخًا لما قبله، فالشرائع قائمة على:
يقول: "وسميته: سلَّم التوفيق" على أن نرقى بالسلم إن شاء الله "إلى محبة الله على التحقيق، أسأل الله الكريم أن يجعل ذلك منه" كيف منه؟ لا دخل لنفسي فيه، ولا لهوى، ولا لشيطان، ولا لمؤثر آخر، يقول منه تفضلًا علي، "وله" لا أقصد به غيره ولا ألحظ وألاحظ فيه سواه، "وفيه" -جلّّ جلاله- فيه كمال الفناء، وشهود الحق -جلَّ جلاله-، "وإليه" أي متقربًا به إليه.
ذبح ﷺ الأضحية فقال: "اللهم منك وإليك"، "منك وإليك"؛ منك تفضلتَ بها علي، وإليك نقدمها ونتقرب بها إليك وأمرها لك، (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ) [الحج:37].
قال: "وموجباً القرب والزلفى لديه، وأن يوفِّق من وقف عليه" والآن وقفنا عليه، فهذه دعوة لنا من المؤلف أن نوفق "للعمل بمقتضاه، ثم التَّرقي بالتودُّد بالنوافل؛ ليحوز حبه وولاه." "ولا يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ بعد أداء الفرائض حتَّى أُحِبَّهُ" اللهم أكرمنا بالمحبة.
فَصْلٌ
يجب على كافة المكلفين، غير المسلمين، الدخول في دين الإسلام، والثبوت فيه على الدوام، والتزام ما لزم عليه من الأحكام.
فممَّا يجب علمه واعتقاده مطلقًا، والنطق به في الحال إن كان كافرًا، وإلا ففي الصلاة: الشهادتان؛ وهما: أشهد أن لا إله إلا االله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.
معنى الشهادة الأولى: ومعنى أشهد أن لا إله إلا الله: أن تعلم وتعتقد، وتؤمن وتصدق أن لا معبود بحقٍّ في الوجود إلاَّ الله الواحد، الأحد، الأول، القديم، الحي، القيوم، الباقي، الدائم، الخالق، الرزاق، العالم، القدير، الفعَّال لما يريد، ماشاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، موصوف بكل كمالٍ، منزه عن كل نقصٍ، (لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءࣱۖ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ).
فهو القديم وما سواه حادث، وهو الخالق وما سواه مخلوقٌ، وكلامه قديمٌ كسائر صفاته، لأنه سبحانه مباينٌ لجميع المخلوقات في الذات والأفعال والصفات، سبحانه وتعالى عمَّا يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
-جلَّ جلاله و تعالى في علاه- قال: "يجب على كافة المكلفين"؛ المكلف: البالغ العاقل، ومن بلغته الدعوة؛ من بلغته الدعوة، وقولهم سليم الحواس يندرج في من بلغته الدعوة، مثلوا بالذي يولد أعمى أصم، إذا لم تكن هناك وسيلة لإيصال الدعوة إليه فهو غير مكلف، ولكن من وصلته دعوة بأي وسيلة من الوسائل فهو المكلف، مهما بلغ وكان عاقلًا.
لكن إذا كان هذا هو الواجب، فكيف يعرف الناس أن هذا الواجب؟ هذا يجيء من مهمة من أسلم وآمن، أن يبلِّغ من لم يسلم ولم يؤمن بأنه يجب عليه الإسلام، لذا لمَّا وقف بعض الصحابة على البحر قال: لو أعلم أنَّ وراء هذا البحر من يُدعى إلى الله ويُبلَّغ بها سأركب البحر حتى أبلغه، فكيف يجب عليهم؟ وما أدراهم أنهم يجب عليهم؟ من أُكرم بالإسلام وجب عليه أن يُبَلِّغ من لم يسلم أنَّ عليه واجب أن يدخل في دين الله تعالى، دين الحق.
إذًا؛ فتأخُر كثيرالآن، حتى في واقع الأمة، تأخُر كثير عن دخول الإسلام، عدم إيصال وجه الإسلام إليهم؛ على جماله وكماله، حتى أنَّ منهم من يجالس مسلم أو مسلمين سنوات ولا يذكر لهُ الإسلام ولا الدعوة إليه أصلًا، مع أنَّ الكثير منهم إذا ذُكِر له الإسلام وشُرِح له الإسلام قَبِلَهُ، وأُنقذ من النار إلى الجنة، فهذا التقصير عند المسلمين أخَّر انتشار دين الإسلام، وإلا هذا فرض من الله على كل مكلَّف، إلا أنَّ الحق تبارك وتعالى جعل التكليف منوط:
وصول الدعوة إليه من قِبَل المسلمين يبلغونه الدعوة، من لم تصله الدعوة أصلاً (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) [الاسراء:15].
"يجب على كافة المكلفين غير المسلمين الدخول في دين الإسلام، والثبوت فيه على الدوام، والتزام ما لزم عليه من الأحكام." حتى الممات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، كيف لا نموت إلا ونحن مسلمين؟ الموت لنا وحفظ أنفسنا بالموت على الإسلام؛
فتموت على الإسلام، ياربِّ ثبتنا، ياذا الجلال والإكرام وأمتنا على دين الإسلام.
قال: "فممَّا يجب علمه واعتقاده مطلقًا،" على كل مكلف "والنطق به في الحال إن كان كافرًا،" ليدخل الإسلام "وإلا ففي الصلاة:" في التشهد ينطق بها في التحيَّات "الشهادتان؛" هذا واجب على كل مكلف "النطق به في الحال إن كان كافرًا، وإلا ففي الصلاة:" إن كان مسلما، يجب عليه في كل صلاة ينطق "أشهد أن لا إله إلا االله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.".
وفسَّر المعنى، قال: "ومعنى أشهد أن لا إله إلا الله: أن تعلم وتعتقد، وتؤمن وتصدق" فالشهادة هي الإعتقاد بالقلب؛ أشهد أن لا إله إلا االله أي "لا معبود بحقٍّ في الوجود إلاَّ الله"، فكل ما عُبِد دون الله فمعبود بباطل، فلا معبود بحق إلا الله -جلَّ جلاله-، وهذا أول معاني لا إله إلا الله أي: لا معبود بحقٍ إلا الله، يتصل به إذا تحقق الإنسان ونفى العبادة لأي شيء سوى الله -جلَّ جلاله- كائنًا ما كان علوي أو سفلي، ظاهر أو خفي، إنسان أو حيوان، أو نبات أو جماد، أو شمس أو قمر، أو صنم أو أي شيء كان؛ نفى العبادة لغير الله تعالى وعبد الله وحده، يتعلم إخلاص القصدِ فلا يكون له مقصود إلا الله.
إذا تمكن من ذلك؛ أيقن بأنه هو والكائنات كلها التي تخلى عن قصدها مخلوقةٌ مكونةٌ لا استقلال لها في وجود شيء منها، فأيقن أنَّه وجميع الكائنات وجودهم مستعارٌ بإيجاده، لا وجودا ذاتيًا لأي شي منها، فيستقي من معنى لا إله إلا الله، لا موجود إلا الله،
وإذا رسخ على ذلك وثبت قدمه فإنه يتحرر باطنه من شهود غير الحق، حتى يصل إلى معنى لا مشهود إلا الله، وكلها في "لا إله إلا الله" لكن بدايتها لا معبود بحقٍ إلا الله جلَّ جلاله وتعالى في علاه حققنا الله بحقيقتها، ولو أنَّ السماوات السبع والأرضين السبع وُضِعَت في كفة ولا إله إلا الله في كفة لرجحت بهنَّ لا إله إلا الله.
"الواحد الأحد" الواحد، باعتبار ذاته وصفاته وأسمائه، و"الأحد" بشهود الذات فقط.
"الأول" يعني الذي لا ابتداء لأوليته ولا افتتاح لوجوده، وهو معنى القديم هنا، وإن كان يأتي الأول والقديم بمعاني أخرى، فيبين الكائنات، ولكن المقصود هنا الأولية المطلقة والقِدَمِ المطلق إذ لا افتتاح لوجوده، موجود بذاته -سبحانه وتعالى-.
"الحي القيوم" القائم على كل نفس بما كسبت، والذي لا يقوم شيء في الوجود إلا بإقامته إياه، فهو قيوم في الملك والملكوت لم يسلّم ملكه لغيره -جلَّ جلاله-.
"الباقي الدائم" وهذه صفات إلهنا الخالق الذي لا انتهاء لآخريته، ولا يبقى شيء إلا بإبقائه، كما لم يوجد أي شيء إلا بإيجاده فلا يبقى إلا بإبقائه.
"الخالق لكل شيء" (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد:16].
"الرازق" أو الرزاق -سبحانه وتعالى- (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [فاطر:6]، (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:58].
"العالم" بكل شيء، العلم الذاتي المطلق من جميع الوجوه، بكل المعاني، -الله الله- جملةً وتفصيلاً فهو العالم بكل شيء قال تعالى: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق:12].
"القدير": الذي لا يعجزه شيء.
"الفعَّال لما يريد،": لا مكره له، و"ماشاء الله" أراده "كان، وما لم يشأ لم يكن،"، قال الشافعي -عليه رحمة الله- يخاطبُ الرّبَ:
ما شئتَ كان، وإن لم أشأ *** وما شئتُ إن لم تشأ لم يكنْ
خلقتَ العباد على ما أردت *** ففي العلم يجري الفتى والمسِنْ
على ذا مننتَ، وهذا خذلتَ *** وهذا أعنتَ، وذا لم تعن
ولله الأمر من قبل ومن بعد -جلَّ جلاله-.
قال: "ولا حول" أي قدرة، "ولا قوة" طاقة، "إلا بالله العلي العظيم" -جلَّ جلاله- فلا يمكن أن يحرك أحدنا أصبعه إلا بالله و قدرته، ولا الطائر يحرك جناحه، ولا بعوضة ترفع رجلها وتطرحها إلا بالله، "لا حول" لاشيء من الوجود والكائنات "ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" وهي كنز من كنوز الجنة؛ "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،" موصوف بكل كمالٍ، منزه عن كل نقصٍ، (لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءࣱۖ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ).".
"موصوف بكل كمالٍ،" كل ما يليق بجلاله، "منزه عن كل نقصٍ،" كل ما لا يليق بعظمته، "(لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءࣱۖ)" فحاشاه.
*** هيهات ما المخلوق مثل خالق
"(لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءࣱۖ)" الكائنات كلها فعله وتصويره وخلقه وإيجاده لا يماثله منها شيء، "(وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ)" الذي أحاط سمعه بكل شيء، "(ٱلۡبَصِیرُ)" -جلَّ جلاله-.
"فهو القديم وما سواه حادث،" قال صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري: "كان الله ولم يكن شيء غيره، كان الله ولم يكن شيء معه" كل ما سواه حادث، لم يكن عرش ولا كرسي، ولا جنة ولا نار، ولا إنس ولا جن ولا ملائكة، ولا هواء ولا بحر ولا أرض، ما كان شيء، وكلها حادثات أحدثها علامات على عظمته -جلَّ جلاله-، ودلائل على قدرته وكماله -سبحانه وتعالى-.
"وهو الخالق وما سواه مخلوقٌ، وكلامه قديمٌ كسائر صفاته،" الكلام إذا أردنا به وصفه -سبحانه وتعالى- (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا) [النساء:164] فهو قديم كسائر صفاته -سبحانه وتعالى-،
ومعلوم أنَّ الأوراق وما يُكتب فيها، وأنَّ وجودنا نحن وحركة ألسنتنا وأذهاننا كلها كائنات مخلوقات مُحْدَثَة، لكن إذا أُطلِقَ القرآن ويُراد به أولًا الصفة القائمة بذات الله تعالى، وكذلك إذا أُطلِق الكلام ويُراد به الصفة القائمة بذاته تعالى، فهذا هو القديم، كلامه كوصفه القديم، ولا يشك أحد ببسملتنا وقراءتنا وحفظنا وأوراقنا هذه وما يُكتَب فيها؛ كلها كائنات مخلوقات هذا معلوم ليس هو بمجال للشك.
لكن إطلاق القرآن، القرآن: يُطلَق على الوصف القائم بذات الله تعالى، وكذلك الكلام، فإذا أُرِيد به ذلك فوصف الله كله قديم، وهذا الكلام القديم تكرَّم الحق -تبارك وتعالى- على عباده بترجمته بألسنتهم، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) [إبراهيم:4] فيبين أنَّ الله قال كذا، قال كذا بما يقدرون على فهمه، وإلا كيف يستطيعون، (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) [الشورى:51] -جل جلاله وتعالى في علاه-، ثم أنَّ كلامه الذي أُدِّي معانيه على أيدي الرسل صلوات الله عليهم مُعَظَّم عن الكلام الآخر، وأعظم ما أُدِّي عن الله من كلامه؛ القرآن، الذي أُوحِيَ للنبي محمد ﷺ، وخُصِص من بين بقية المُؤَدَّيَات عن كلام الله من التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وغيرها:
فمُيِّزَ وخُصِّصَ القرآن الكريم، جعلنا الله من أهله والمعظمين له والمتبعين له.
قال "لأنه سبحانه مباينٌ" أي مخالف "لجميع المخلوقات في الذات والأفعال والصفات،" فليس كذاته ذات، ولا كفعله فعل ولا كصفاته صفات، ليس كمثله شيءٌ، سبحانه وتعالى عمَّا يقول الظالمون عُلُوًّا كَبِيرًا.
[معنى الشهادةِ الثانيةِ]
ومعنى أشهد أن محمدًا رسول الله: أن تعلم وتعتقد، وتصدق وتؤمن: أن سيدنا ونبينا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد منافٍ القرشي صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله إلى جميع الخلق؛ وُلِدَ بمكة وبُعِثَ بها، وهاجر إلى المدينة ودُفِنَ فيها، وأنَّه صلى الله عليه وسلم صادقٌ في جميع ما أخبر به.
[فَصْلٌ فيما يجبُ الإيمانُ به منَ السمعياتِ]
فمن ذلك عذاب القبر ونعيمه، وسؤال المَلَكَيِنٍ منكر ونكير، والبعث والحشر، والقيامة والحساب، والثواب والعذاب، والميزان والنار، والصراط والحوض، والشفاعة والجنة، والخلود والرؤية لله سبحانه وتعالى في الجنة، وأن تؤمن بملائكة الله ورسله وكتبه، وبالقدر خيره وشره، وأنَّه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وسيد ولد آدم أجمعين -صلوات ربي وسلامه عليه-
يذكر معنى شهادة أنَّ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، معنى أن العلم والاعتقاد بالقلوب، والتصديق والإذعان "أن سيدنا ونبينا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد منافٍ القرشي صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله إلى جميع الخلق؛" وهذه ميزته في الرسالة، "كانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وبُعِثْتُ إلى الخلقِ عَامَّةً."، فأُرسِلَ إلى جميع العالمين (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [الفرقان:1] (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ) [سبإ:28]، ومن المكلفين من الإنس والجن إلى أن تقوم الساعة، وبالتشريف إرساله ﷺ إلى بقية الكائنات والوجود فهي تشهد أن محمدا رسول الله ﷺ، كذلك الملأ الأعلى من الملائكة يشهدون أنَّ محمد رسول الله ﷺ، ولكن الرسالة لهم رسالة تشريف، والتكليف بالشرع هو للمكلفين من الإنس والجن.
ويقول: "وُلِدَ بمكة" ومما يجب علمه لكل مؤمن أن يعلم أن هذا النبي الذي بعثه الله إلينا جعل ولادته بمكة المكرمة حرسها الله وحماها وأدام عزها وكرامتها
"وبُعِثَ بها،" على تمام الأربعين من عمره صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وأول ما أتاه الوحي في غار حراء،
"وهاجر إلى المدينة" بعد بعثته بثلاثة عشر سنة "ودُفِنَ فيها،" فبُعِثَ وهو ابن أربعين، ومكث ثلاثة عشر سنة فهاجر وهو ابن خمسين، وتوفي بالمدينة المنورة ودفن فيها صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وهذا يقول أن قبره يقيني من بين قبور الأنبياء،
"وأنَّه صلى الله عليه وسلم صادقٌ في جميع ما أخبر به،" عن الله تعالى، ومن ذلك أمور الغيب؛ يقال لها السمعيات التي لا سبيل إلى معرفته والوصول اليه إلا بوحي الله تعالى، وما يُسمَع من بلاغ الله على ألسن رسله،
"عذاب القبر ونعيمه،" فذلك حق مما جاء به القرآن في قول الله تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) [غافر:46] يعني قوم فرعون يعرضون غدوًا وعشيًا، عرض الغدوّ والعشيّ يعني في الصباح والمساء من يوم ماتوا، ويوم تقوم الساعة: (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر:46] لا يوجد عرض يقع، إلا النار في القيامة، في القيامة دخول نار وليس عرض، العرض هذا صباحا ومساءا، غُدُوًّا وَعَشِيًّا أيام كانوا في القبور
وأمرنا صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ من عذاب القبور، وشرع ذلك في الصلاة، حتى قال ابن عباس: أن يجب على المصلي أن يستعيذ من عذاب القبر، وكان يأمر من لم يستعذ من عذاب القبر أن يعيد الصلاة، الله يجعل قبورنا رياضًا من رياض الجنة و يعيذنا من عذاب القبر وفتنته، ومن عذاب الآخرة وعذاب الدنيا.
قال: "وسؤال المَلَكَيِنٍ منكر ونكير،" لِمن يُقبَر "والبعث والحشر،"
والذي عندما يُبدل الله الأرض غير الأرض، وبعد أن تُسَوَّى وتكون قاعًا صفصفًا، فأرض بيت المقدس يكون التجمع، الحشر فيها، فيكون المحشر هناك
"والقيامة والحساب،" (وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) [الصافات:24]، "والثواب والعذاب، والميزان والنار،" الميزان: الذي هو له الكفتان، أوسع مما بين السماء والأرض، يجعل الله لها دقة في وزن الأعمال، والشؤون المعنوية حتى تؤثر فيها مثاقيل الذر (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:7-8]
"والنار" -أعاذنا الله منها وأجارنا- وقد خلقها الله تبارك وتعالى وأراها النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج، وهي معدَّة للكفار والفجار، ومن حق عليه العذاب
"والصراط" الجسر الممدود على متن جهنم
"والحوض،" ولكل نبي حوض يرد عليه من مات على الإيمان من أمته
"والشفاعة" للأنبياء والعلماء والشهداء، والشفاعة العظمى لنبي الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، (عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) [الإسراء:79]
"والجنة" جعلنا الله من أهلها وممن يدخلهم إليها بغير حساب، "والخلود والرؤية لله سبحانه وتعالى في الجنة،" كما ورد به حديثه صلى الله عليه وسلم على ما أراده صلى الله عليه وسلم، وهو يقين أنَّه بلا كيف ولا انحصار ولا جهة ولا جسمانية ولا شيء من هذا معلوم لجميع المؤمنين، حتى حمل الكثير من المسلمين على تخيلهم أنَّه ما يتأتى الرؤية بالعين إلا للجرم وللمحسوس ولجهة حملهم على إنكار الرؤية، والمؤمنون أثبتوا ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، وما قاله وما أثبته عليه الصلاة والسلام على الوجه الذي أراده، وهم على يقين أنَّ الوجه الذي أراده في إثبات رؤية الله؛ أنًّه من غير انحصار ولا تكييف ولا جهة ولا جسمية ولا شيء من ذلك، فتكون الرؤية مقدسة ومنزهة وليست مثل رؤية الأجسام، "إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ، لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ".
"وأن تؤمن بملائكة الله" وأنهم خلق من خلق الله خلقهم من نور، أجسام نورانية لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتناكحون ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون، "ورسله" صلوات الله وسلامه عليهم من آدم إلى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهم كثيرون، والصحيح عدم حصرهم، ويُروى في بعض الأحاديث أن الأنبياء مئة ألف وأربعة عشرين ألف، وأن الرسل منهم ثلاثمائة وبضعة عشر، والصحيح عدم حصرهم لقول الله تعالى: (مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) [غافر:78] وآمنَّا بكل نبي ابتعثه الله، وبكل رسول أرسله الله، يكفينا الإجمال ولا يجب عين التفصيل إلا في الأسماء التي وردت في القرآن، فنعلم ونوقن بأنهم أنبياء على الأسماء التي وردت وهي خمسة وعشرون اسمًا من أسماء الأنبياء وردت في القرآن، فنؤمن بهم تفصيلًا والبقية إجمالًا، جميع الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم
"وكتبه،" والكتب المنزلة كذلك من السماء، ولا يجب علينا معرفة أسماء إلا أربعة وهي: التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن.
"وبالقدر خيره وشره،" أي أنَّ الله قدر الأشياء على حسب علمه في الأزل وإرادته، فهي تحدث على ما قدَّره وعلى ما سبق في علمه وأراده سبحانه وتعالى، (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:29].
"وأنَّه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين،" فلا نبي بعده كما نص القرآن "وسيد ولد آدم أجمعين." بل أكرم الأولين والآخرين على الله، فلم يخلق رب العرش أكرم عليه من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فَصلٌ [فيما يُخرِجُ منَ الإسلامِ]
يجب على كل مسلم حِفْظُ إسلامه وصونه عمَّا يفسده ويبطله ويقطعه، وهو الرّدَّة والعياذ بالله تعالى، وقد كثر في هذا الزمان التساهل في الكلام حتى إنَّه يخرج من بعضهم ألفاظ تُخرِجَهُم عن الإسلام، ولا يرون ذلك ذنباً فضلاً عن كونه كفراً.
والرِّدَّة ثلاثةُ أقسامٍ: اعتقاداتٌ وأفعالٌ وأقوالٌ ، وكل قسم يتشعَّبُ شعباً كثيرة.
[أمثلةُ الرِّدَّةِ بالقلبِ]:
فمن الأوَّلِ:
- الشك في الله ، أو في رسوله ، أو القرآن ، أو اليوم الآخِر، أو الجنة، أو النار ، أو الثواب، أو العقاب، ونحو ذلك مما هو مجمع عليه؛
- أو اعتقد فَقْدَ صفةٍ من صفات الله الواجبة إجماعاً كالعلم،
- أو نَسَبَ له صفة يجب تنزيهه عنها إجماعاً كالجسم،
- أو حلَّل مُحَرَّماً بالإجماع معلوماً من الدين بالضرورة مما لا يخفى عليه، كالزنا واللواط ، والقتل والسرقة والغصب،
- أو حرَّم حلالاً كذلك كالبيع والنكاح،
يقول من أكرمه الله بالإسلام:
فالمحافظة على الإسلام: حفظه وصيانته "عمَّا يفسده ويبطله ويقطعه،" وإنَّما يبطله ويقطعه "الرّدَّة" والردة أخبث أنواع الكفر، أن يرتد بعد أن يكون مسلمًا، يرجع عن الإسلام -والعياذ بالله تعالى- فهذا أخبث أنواع الكفر، أعاذنا الله منها.
قال الإمام: "وقد كثر في هذا الزمان التساهل في الكلام حتى" يتكلم بعض الناس بكلمة تخرجه من الدين وهو لا يستشعر حتى أنَّها ذنب، فضلاً عن أن يكون كفر -والعياذ بالله تعالى- وهذا من الجهالة والتأثر بالمؤثرات بما ينتشر في المجتمعات على غير بصيرة، قال: "ولا يرون ذلك ذنباً فضلاً عن كونه كفراً.".
ثم أشار إلى أن الردة تحصل بأحد الأقسام الثلاثة:
إذًا هي؛ "اعتقاداتٌ وأفعالٌ وأقوالٌ ، وكل قسم يتشعَّبُ شعباً كثيرة." فذكر الأول ما يتعلق بالإعتقاد؛ فيجب اليقين بالإيمان بالله تعالى ورسله والقرآن وما إلى ذلك، فالشك في ذلك كفر، " أو اليوم الآخِر، أو الجنة، أو النار ، أو الثواب، أو العقاب، ونحو ذلك مما هو مجمع عليه؛".
كذلك صفات الله المجمع عليها؛ كعلمه بكل شيء -لا إله إلا هو-.
أو أن يُثبِت له صفة يجب تنزيهه عنها كالجسم مثلًا، فالجسم عبارة عن كائن جرمي يأخذ حيزًا من الفراغ، هذه الأجسام كلها مخلوقة، والحق جلَّ عن أن يكون جسمًا أو روحًا أو شيئًا من الكائنات أو ما يشبه الكائنات.
وكذلك تحليل ما حُرِّم بإجماع أو إقصار "معلوماً من الدين بالضرورة، كالزنا واللواط،" فتحليل ذلك كفر من غير شك؛ لأنَّه أمرٌ معلومٌ من الدين بالضرورة حرمه الله ورسوله، وحرمه على ألسن جميع الأنبياء والمرسلين من عهد آدم إلى أن خُتِمُوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ليس في شيء من الشرائع حَلَّ الزنا ولا حَلَّ اللواط أصلًا، فهذه أمور مُجمَع عليها معلومة من الدين بالضرورة، فمن استحل شيئًا منها فقد كفر، كاستحلال "القتل والسرقة والغصب،" فهذه أمثلة لما أُجمِع عليه وهو معلوم من الدين بالضرورة، واجتمعت عليه جميع الشرائع من عهد آدم إلى أن خُتموا بسيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله.
كذلك "حرَّم حلالاً" مُجمَع عليه، قال الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) [البقرة:275] وهذا قال البيع حرام، البيع حرام؟! هذا مناقض للقرآن؛ فهو كفر إذا اعتقد تحريم ما أحل الله مما هو مجمع على تحليله، معلوم من الدين بالضرورة مثل "النكاح،" نفس الشيء، الاعتقاد تحريم النكاح أو القول به، كاعتقاد حل اللواط أو القول به، كله سواء، كله كفر -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
فالحلال ما أحل الله، والحرام ما حرم الله، قال تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) [النحل:116] لأن الحق في التحريم للخالق، الخالق وحده، وهذا مقتضى ألوهيته وربوبيته، فهو الذي يحرم ويحلل، فمن ادَّعى تحريم ما أحل، أو تحليل ما حرَّم فقد اجترأ على الله، (لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) [النحل:116] -لا إله إلا الله-.
ولهذا وقفوا في مواطن الاجتهاد في غير المجمع عليه موقف الأدب وقالوا: لا استحب ذلك، وقالوا: أراه، لا يجوز، وما إلى ذلك مما احتاطوا به فيما يتحدثون به عن شريعة الحق -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-.
وهو الذي أرشد اليه بعض الصحابة، قالوا: إذا سألوكم أن أن ينزلوا على حكم الله ورسوله لا تقبلوا، لكن على اجتهادكم فإنَّكم لا تدرون ما حكم الله ورسوله فيهم، ولكن انزلوا على اجتهادكم، ورأيكم، فصار الهيبة عند الصحابة يتدافعون الفُتيا، وربما دارت المسألة بين ثلاثة واربعة وخمسة إلى سبعة حتى ترجع إلى الأول، يحتاطون في أن يقولوا في شرع الله ما لم يعلموا.
وكثير كان من الصحابة ومن التابعين إذا سُئلوا عن مسألة يقولون: وقعت؟، يقول: افتراض يُفترض، يقول: دعها متى ما وقعت فيجعل الله في الأمة من يستنبط لها حكمها، ولماذا تُقحمنا في هذا، تعظيم للشرع.
وهذا ممن إذا علم كلمتين في الدين يطلع وينزل ..، ما عرف الدين أصلًا، ما عرفه حقًا، بل لو عرف عظمة الدين ما كان هكذا، لكنه راح من باله حكم من هذا، وكلام من هذا، ومن له الحق في التحريم والتحليل -لا إله إلا الله-.
على هذا، نسأل الله أن يملأنا وإياكم بالإيمان واليقين، ويجمعنا بحبيبه الأمين، ويرفعنا بأعلى مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، ويُفرِّج كروبنا وكروب المسلمين، ويدفع البلاء عنَّا وعن جميع المسلمين، ويجعل أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم.
س) ما حكم البسملة في مدارسة القرآن؟
ج) القرآن هو من الذكر المحض، واختلفوا في الابتداء بالبسملة في غير السور، في غير أوائل السور، وأما كتب السنة وغيرها فكذلك إذا أراد أن يبتدىء القراء فينبغي أن يبسمل، يقول بسم الله الرحمن الرحيم.
رزقنا الله الإستقامة وأتحفنا بالكرامة، وفرَّج كروب المسلمين، ورفع البلاء عنَّا وعنكم وعن الأمة، وعجَّل سبحانه وتعالى في ردِّ كيد المعتدين والغاصبين والظالمين والمفترين والمجترئين، ولطف بالأمة لطفًا تامًا، وحوَّل أحوالنا إلى أحسن الأحوال، وختم لنا بخير، وجعلنا متحابين فيه مجتمعين على ما يرضيه ومقبلين بالكلية عليه ومقبولين لديه.
بسرِ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه
الفاتحة
س) من الذي تبلغه دعوة الإسلام؟
ج) إذا وصلت إلى حد أنّه تنبهوا على أنه هناك رسالة وهناك دين؛ هذا هنا بدأ في التكليف، وأمَّا إذا كان من أساس ما تقتضيه أبدًا إعلام بأن هناك رسالة من الله وكذا من خلال الطرح أو الكيفية التي يطرحها لا يقبل العقل أن تكون، هذا كمن لم تبلغه الدعوة.
فرَّج الله كروب المسلمين، وجمع شملهم.
س) "أو حلَّل مُحَرَّماً بالإجماع معلوماً من الدين بالضرورة مما لا يخفى عليه" هل صار الأمر نسبي؟
ج) قصده على أمثاله في البلد التي هو فيها، أو المحل التي هو فيها، واحد أسلم في محل بعيد، وحرَّم أمر وهو لا يدري أين الحلال وأين الحرام، هذا لا يُحكَم برِدَّته، ولكن ناشئ بين المسلمين وعارف الناس يتبايعون والنبي باع واشترى وأصحابه باعوا واشتروا، ثم قال البيع حرام، هذا الذي يُحكَم بِرِدَّتِهِ.
"مَن جاءَه الموتُ وهو يَطلُبُ العِلمَ لِيُحيِيَ به الإسلامَ، كان بيْنَه وبيْنَ الأنبياءِ في الجَنَّةِ دَرجةٌ واحدةٌ."
ان شاء الله يملأنا الله وإياكم وكل مجالسنا تحوم حول هذا، ويملأنا إيمان ويقين، ويجعل قصدنا إعلاء كلمته وإحياء دينه في أنفسنا وما حوالينا، لأننا عباده وخلقه ومصنوعاته ومكوناته ومرجعنا اليه، الله يرزقنا الإخلاص والصدق، ويجعل لنا مرادًا في إحياء الإسلام في أنفسنا و أهلينا وذوينا ومن حوالينا وفي الأمة إن شاء الله، حياكم الرحمن.
حياكم الله، صلينا الصبح جماعة، الحمدلله، وذكرنا الله، وقد ارتفعت الشمس، نصلي ركعتين أو أربع، ونحصل ثواب حجة وعمرة ونحن في وسط عمان، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
20 صفَر 1446