(228)
(574)
(536)
(311)
تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة النحل من قوله تعالى:
(وَيَجۡعَلُونَ لِمَا لَا يَعۡلَمُونَ نَصِيبٗا مِّمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡۗ تَٱللَّهِ لَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَفۡتَرُونَ (56) وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ ٱلۡبَنَٰتِ سُبۡحَٰنَهُۥ وَلَهُم مَّا يَشۡتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ (58) يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوۡءِۖ وَلِلَّهِ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (60) وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيۡهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ (61) وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكۡرَهُونَۚ وَتَصِفُ أَلۡسِنَتُهُمُ ٱلۡكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفۡرَطُونَ (62))
ضمن جلسات الإثنين الأسبوعية في الساحة الشرقية بدار المصطفى بتريم
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مكرمنا بأنوار الوحي والتنزيل وبيانها على لسان خير هادٍ وداعٍ ودليل سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه أهل القدر الجليل وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان في النية والفعل والقيل وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل التكريم والتبجيل والتفضيل وعلى آلهم وصحبهم وتابعهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
فأما بعد،، فإننا في نعمة تأمُلنا لكلام ربنا وإرشاده وتعليمه وتوجيهه وتنزله لنا سبحانه وتعالى بالتبيان والإيضاح والبيان انتهينا في سورة النحل إلى قول ربنا جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه (وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ (56)) بعد أن هدَّد الذين يصرُّون على الكفر والعناد والبغي والفساد وهم في واقع أحوالهم يجدون عند الشدائد أن لا ملجأ إلا الله ويجأرون إليه وإذا كشف الضر عنهم أشركوا ليكفروا بما آتاهم الحق، قال (فَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)) وهذا أعظم التهديد للفجار والكفار على ظهر الأرض (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) [الزمر:8]، ( فَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)، ( والَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ) [محمد: 12]، ( فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) [التوبة: 55]، ويقول جل جلال: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) [آل عمران: 196-197].
يقول في حال هؤلاء الكفار وتتشابه الأحوال، في مختلف الأزمنة والأمكنة، (وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ)، ما رزقناهم من مثل الأنعام والحرث وأنبتناه لهم بقدرتنا وإرادتنا؛ ( أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) [الواقعة: 63-65]. وضعتم البذور وسقيمتوها بالمياه وحافظتم عليها وأصبح حطام في ليلة من الليال، وصرتم تقلبون أكفَّكم؛ تقولون خسرنا -وراح علينا في الفاضي- (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) [الواقعة: 67] تقولون هكذا! ..مما رزقناكم من الحرث والأنعام تجعلون نصيب لما لا تعلمون، مالا تعلمون أنهم آلهة! وكيف يستحقون العبادة؟! ولا ينفعونكم! ما تعلمون لهم نفع ينفعونكم به، ولا ضر يضرونكم به، (وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ) أي ويجعلون لهؤلاء الآلهة يتقربون به إليهم. لا خلقوهم ولا أوجدوهم ولا ينفعونهم ولا يضرونهم، ولا يدرون بهم عملوا شيئا أو ما عملوا شيئا. لا يعلمون! لا هم يعلمون أن هؤلاء آلهة لا يستحقون العبودية، ولا أنهم وصلوا إلى ألوهية، ولا هذه الأصنام و غيرها تعلم ماذا يعملون لهم!
(وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تالله)؛ يقسم الرحمن بنفسه جل جلاله، (تالله لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ)، زعْمكم هذا وافتراؤكم وتجرؤكم، تسألون عنه بين يدي الرحمن جل جلاله وتعالى في علاه (وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) [الصافات:24]. يقول الله في كشْف وجه اغترارهم بنصرة بعضهم البعض أيام كانوا في الدنيا. شيئ يتحالفون عليه، شيئ يتعاقدون، شيئ يجعلون مواثيق و شيء يصطفون صف. بعدين حتى هم في الدنيا لهم غرائب، بعد ذلك ينقلب ذا على ذا ويتحول ذا كان حليف مع ذا. و تشاهدونهم أفراد وجماعات موجود في الدنيا. مع ذلك كله، يقول لهم في القيامة، وين حقكم الشعارات التي كنتم تقولون؟ هذا حليفي وانا من وراه وانا بعمل (مالَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ) [الصافات:25]. كل واحد ماعاد يدري بالثاني منكم، بل يلعن الثاني؛ (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) [الصافات:26]، كما قال جل جلاله: (لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ). فلا والله ما من خالق إلا الله، وما من إله إلا الله، وافتراءكم بعبادة غيره، وجعلوا نصيب له مما رزقكم الله جل جلاله وتعالى في علاه؛ غاية في الإفتراء وقباحة الاجتراء. (لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ)، وانظر إلى حالهم ووضعهم.
(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۙ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ (57)) كيف؟! ينسبون إلى الله البنات وطوائف وقبائل من المشركين كانوا يقولون الملائكة بنات الله، وهم في نفس الوقت إنساقوا مع الطبيعة فجاوزوا الحد من كُرْه البنات والفرح بالأبناء، فصاروا ما يحبون لأنفسهم البنات، ولهم حال مع البنات غريب وينسبون البنات للإله الذي خلق! حتى ما لا يرضون لأنفسهم يريدون نسبته للإله فأين الألوهية اذًا؟! وكيف تجترئون هذه الجراءة؟ (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۙ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ).
(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ)؛ أصل التبشير إلقاء الخبر الذي تتغير به البشرة؛ استُعْمل فيما يكون فيه سرور وفرح. لكن أصل التبشير أي خبر تُخبر به فتتغير له بشرتك، سواء كان فرحاً وسروراً، أو كان حزناً؛ هذا أيضاً تبشير لهذا يقول (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ) [الانشقاق:24]، لأنه أيضاً بهذا الخبر تسْوَد الوجوه وتجعل للبشرة حُمرة وسواد بالخبر السيء، وبالخبر الحسن الذي يفرح به الإنسان يصفو لون بشرته، سبحان الله!
(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) يعني اغتمَّ وحزن وغضب وزعل -لا إله إلا الله-. يقول الله ما هذه التصرفات الغريبة! من منكم أوجدناه في الدنيا من غير واسطة أنثى؟ ولا واحد!.. فلماذا إذا جاءت الأنثى عاملتموها بهذه المعاملة! ثم بعد ذلك (وَهُوَ كَظِيمٌ) أي يكظم غيضه في نفسه ويود أنه ما ولد له أحد، ولا حملت امرأته بأحد، ولا نسب إليه أحد. ويود يقطِّعها قطعة قطعة، ويقتلها (وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ)؛ يتخفَّى ويتباعد كأنه يرجع للخلف، يتوارى من أجل يسستتر عنهم، يتوارى (مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ)؛ أي من قوة وقوع السوء عليه من هذا الخبر، (مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ). فما الذي يفعل؟ يفكر، (أَيُمْسِكُهُ)؛ أيبقي هذه البنت التي جاءت (عَلَىٰ هُونٍ)؛ هوان ومذلَّة في نظرهم، (أَمْ يَدُسُّهُ)؛ يخفيه في التراب؛ بمعنى يقتلونه. وكانوا على أنحى في قتل البنات، فكثير منهم يقتلون بناتهم. منهم من يجعلها في الحفرة، ومنهم من يرميها من شاهق، ومنهم من يذبحها -والعياذ بالله-، وكثير منهم يتركها في أيام الصبا حتى إذا وصلت ست سنين، يقول لأمها زيِنِيها وحسنيها؛ آخذها إلى عند أخوالها. فتزينها ويأخذها إلى الصحراء وقد أَعَدَّ حفرة فيرميها فيها ويهيل التراب عليها- نعوذ بالله من غضب الله-. هكذا كانوا يفعلون؛ ( أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)). يجعلون لغيرالله نصيب، وهم لا يعلمون له ألوهية ولا ربوبية ولا نفعا ولا ضر.
(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۙ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59))، بئس الاعتقاد اعتقادهم، وبئس العمل عملهم، وبئس المعاملة معاملتهم، (أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ). وجاء بعضهم إلى رسول الله، قال له: يا رسول الله منذ أسلمت وأنا في ألم في صدري. لماذا؟ قال: أخرجتُ بنتي بالجاهلية حملتها فلما جئت بها إلى بئر، قلت لها انظري فرميتها فيها، قتقول قتلتني يا أبي، كلما ذكرت ذلك… قال له: "أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ". وجاء آخر يشكو إليه ﷺ؛ قال له أعتق عن البنات الاتي قتلتهنّ رقابا. قال يا رسول الله أنا ذو أبل قال فافدي عن كل واحدة، عن كل واحدة منهن خَرِّج. و هكذا صار بعد الإسلام يتذكر أحدهم الفعل الشيعة و يتألم لها كثيرا. منهم من كان أخذ ابنته، ثم أخذ يحفر لها حفرة، فكانت تأتي فتنفض التراب عن أبيها، حتى أكمل الحفرة أمسكها ورمى بها في الحفرة؛ ويدفنوهن وهن حيَّات. وهذا هو الوأد والواحدة منهن موؤودة؛ (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) [التكوير:9].
ومن نسائهم من تحفر لها حفرة في البيت ثم تترقب الولادة فإن ولدت ابنًا ذكرًا خرجتْ به، وإن ولدت أنثى تستأذن من أولَدها أيمسكها أم يدفنها أم ماذا تعمل بها؟ والعياذ بالله تبارك وتعالى (أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ). وكانت هذه المعاملة الخبيثة القبيحة تُشابه؛ فيما ردَّ الله على هؤلاء الكفار ومعاملة أيضا بعض أهل الكفر والجهالة في زماننا يريدون أن تُحْترم أنظمتهم وأفكارهم وقوانينهم التي يسنّونها ويعدُّون ذلك فرضا وواجبا يستحق من خالفهُ؛ أن يعاقَبْ بحكم القانون والنظام، فلا يظلمون إلا أنفسهم، يأتون عند الرب وعند الإله وأوامرهُ ونظامهُ ويقولون هذا تخلُّف، هذا رجعية، هذا كبت للحرية هذا تقييد للإنسان هذا خرافات وهذا وهذا، شوف كيف يعاملون الرب؟! ما لا يرضونه لأنفسهم هم يريدون الرب، عظِّموا قوانيننا واستهزِئوا بقوانين ربكم، عظِّموا نظامنا وتنكروا لنظام ربكم الذي خلقنا وخلقكم، هكذا يفعلون هكذا يقولون، انتهَوا إلى هذا وكأنهم يقولون مَن الإله في الكون؟ نحن الآلهه ما لكم إله غيرنا.
يا دول مسلمة أوغير مسلمة خذوا هذا النظام، قننوا للأمر المحرَّم المُجْمع عليه في جميع شرائع الإسلام من عهد آدم إلى أن خُتمت النبوة بمحمد حرام، قننوهُ عندكم لأننا نحن الذين ارتضينا هذا، ولا إِلَٰه ولارب ولاحرية أديان ولا شيء من الكلام الفارغ حقهم الكذابة، فيريدون لهم ألوهية وربوبية ويريدون للإله أن تُلْغى عنه خصائص الإلهية كلها والتعظيم، أعوذ بالله من غضب الله، فهؤلاء أخبث وأجهل من الذين يجعلون لله البنات ولهم ما يشتهون، هؤلاء في كائنات ومخلوقات معينة من دون أن يجعلوا أنفسهم فوق الإله، لكن هؤلاء قالوا نظامنا فوق نظام ربكم، وقانوننا فوق قانون ربكم؛ وكأنهم الذين خلقونا أو يرزقونا أو أن أمرنا بأيديهم والاستعباد مثل ايش هو؟ ومكبت الحريات مثل ايش هو؟ إذا ما هو هذا؟ عدوان وظلم وكبتْ حريات للناس، انظروا إلى أخبث من يكون في المجتمعات وأبعدهم عن إلهكم فما يشتهونه، قننوا له عندكم، لامنطق لاعقل لاإنسانية لافطرة وهم هكذا ما أجهلهم !!
يقول جلّ جلاله (وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ ٱلۡبَنَٰتِ سُبۡحَٰنَهُۥ وَلَهُم مَّا يَشۡتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ (58)) جاءوا في حق هذه المرأة، كان هذا لها وضع في الجاهلية، وكانت أيضا بالخروج عن مناهج الله تعالى، وعدم العمل بمقتضاها وفهمها الصحيح؛ تُضْطهد هذه المرأة وتُظْلم عند عامة من على ظهر الأرض إلا من غلبتْ عليهم دواعي الفطرة السليمة وكذلك من بقيتْ فيهم آثار ديانات أهل النبوة صلوات الله وسلامه عليهم، أما ماعدا ذلك، الشرق والغرب والعرب والعجم أساء ذُكورهم في المعاملة إلى إناثهم أنواع من الإساءات وجاء شرع الله ودينه، خالق الذكر والأنثى جلّ جلاله؛ بمنهجٍ لا أصلح للذكر ولا للأنثى منه، وشرع لكل ما هو أجمل وأصلح وأكمل، وأمر بمعرفة القدْر والحقوق لكل ذي حق من بنت وأخت وذات رحم وزوجة وفوقها أم وجدة. وجاءت الشريعة بجواب سيدنا رسول الله حين يُسأل " مَن أَحَقُّ بحُسْنِ صَحَابَتي؟ " يعني أخلاقي وخدماتي وتسخير إمكانياتي في الأرض، لمن أعطيها أول؟ من أحق مخلوق بهذا؟ قالَ: أُمَّك؛ أحق بحسن خُلُقك بقدراتك بإمكانياتك بخدماتك بكل ما تقدر عليه من المعروف أحق من في الأرض أمك، قبل صديقك قبل مديرك قبل صاحبك قبل جارك قبل رئيسك قبل صغيرك، أمك أحق أن تصحبها بالبشاشة والأدب وحسن الخلُق والخدمة وتسخير الإمكانيات لها، ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: أُمُّكَ. ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: أُمُّكَ. ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: أَبُوكَ. هؤلاء أحسِنْ إليهم أولا، وما تجي أمام الناس بأخلاق طيبة، مرحبا. وتجي أمك بعد ذلك تفزع منك وأبوك تهمل أوامره ولا تقابله بالمقابلة الحسنة، أنت عكستَ الواجب وما ينفع خُلُقك مع الناس وأنت لم تتخلق مع الأم أولاً والأب ثانيا ثم الأرحام ثم تخّلق مع عباد الله تبارك وتعالى.
جاءت الشريعة بهذا والعالم في شرق الأرض وغربها يضجُّ بأنواعٍ من امتهانات النساء إلا قليل من مَنْ رحم الله سبحانه وتعالى. ومرت القرون الأولى على هذه الشريعة المنقِذة المقيمة للحق والهدى والعدل للرجال والنساء والصغار والكبار والأمير والمأمور والغني والفقير والحيوانات والنباتات والجمادات؛ لأنه منهج من عند خالق الكل جلّ جلاله سبحانه. وكان هذا الغرب في تلك القرون، الكبار المثقفين عندهم يقولون: هل المرأة هي إنسان ولا شيطان؟ هي آدمية أو ليسست آدمية؟ ويجعلون هذا من بحوثهم، المثقفون الكبار، ولم يزل ذلك الإمتهان في تلك البقعة التي لم يصل إليها الإسلام إلى أن تحوَّل من قناعٍ إلى قناعٍ آخر، وجاءوا بما يسمونه حرية المرأة وحقوق المرأة ومساواة المرأة بالرجل، وهذه أشياء إذا بُحثت من حيث العقل ومن حيث المعنى في اللغة والمؤدى ومن حيث الواقع ترى فيها أنواع المغالطات والسذاجة وعدم الوعي؛ إنما المقصود بها أن يُتنكَّر لشرائع الحق جلّ جلاله في كل ما يتعلق بالحجاب والحياء والحشمة والاستتار والبعد عن التبرج عدم الرضا بالاختلاط والاحتكاك. وجعلوا جميع معاني الحرية والمساواة ترتكز على هذا؛ أن تتبرج أن تختلط بالرجال أن تظهر زينتها أن تستهين بشرع ربها، إذا فعلت ذلك، هذه محررة متقدمة متطورة، مهما كانت تنتج وتفعل الخير في المجتمع وتفيد الناس ولكنها متسترة محتشمة ولاتقبل الكلام الساقط مع الرجال هذه متزتمة متشددة مظلومة مكبوتة. ما هذا الميزان؟ ما هذا الاعتبار؟ عقلًا عرفًا شرعًا ما هو هذا؟
وجاءوا بصور مختلفة وانتهوا إلى ما انتهوا اليه اليوم. وكل ذات عقل ومُسكة من العقل والفطرة تشكو حال المجتمعات التي سمَّت نفسها متقدمة متطورة فيما يتعلق بالمرأة. إن جرؤوها أن لا تبرَّ أباً ولا تطيع زوجاً ولا تعرف قدراً لكبير في أسرتها فما رحموها بذلك ولا دلوها على مصلحتها؛ ولكن أفقدوها في الحياة معاني المؤازِر والمناصِر وقادوها إلى ساحة أن تُتخذ فريسة لكل عين خائنة وقلب مريض وذلك في أيام شبابها ونظارتها. فأما بعد ذلك، لا الإدارات تكرمها ولا المكاتب ترغب فيها ولا المدير يبغاها سكرتيرة عنده ولتأخذ الآن نتائج الحرية الكاذبة والتبرج العقيم والسوء الذي كان فيها لا زوجية ولا أسره مصونة ولا علائق طاهرة إنسانية شريفة. والآن بدأت تتجرع الغُصص والمرارات، وما هي إلا بضاعة من البضاعات ُيلْعب بها ويُستمتع بها بالله والعياذ بالله تبارك وتعالى. لكن حقيقة الإكرام للإنسان ذكر وأُنثى للحيوان للنبات للجماد في منهج خالقهم، الذي لا يمكن أن يكون أعلم بهم منه ولا أعلم بما يصلحهم منه ولا أرحم بهم منه وهو خالقهم جلّ جلاله وتعالى في علاه .
يقول الله تبارك وتعالى إذن ما الحقيقة؟ هؤلاء يتصرفون هذا التصرف ويمشون هذا المسار في الحياة (لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوۡءِ)، (إنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) [النمل:4]؛ (مَثَلُ ٱلسَّوۡءِ) النقص والعجز والخيانة والضرعندهم، (لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوۡءِۖ وَلِلَّهِ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ (60)) جلَّ جلاله وتعالى في علاه:
(وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ) الذي يحتاج إليه كل شيء ولا يحتاج إلى شيء ويقْصُر عن إدراك حقيقته كل شيء وليس له نظير ولا مثيل في شيء هذا العزيز.
(ٱلۡحَكِيمُ) الذي خلق الخلق بحكمته يقول الحق جلَّ جلاله ولولا حلمي وإمهالي لعبادي ولوعجّلتُ العقوبة لكان الأمر غير مما قلتم عليه.
(وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيۡهَا مِن دَآبَّةٖ)؛ يعني على الأرض وعلى ظهره من دابة، أي يهلكهم جميعا فلا يبقى منهم أحد، (لَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ)؛ لأنه حليم ولأنه لا يفوته شيء ويعطيهم الفرصة الكافية الطويلة ليتذكر المتذكر ويتوب التائب ويرجع الراجع (وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ)، ليس تأخير على طول ولكن (إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى)؛ (وإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ * إلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ) [يس:43-44]؛ ليس للأبد ولكن إلى حين الروحة لابد منها (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) [العنكبوت: 67]، وقال الله جل جلاله (ولكن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى). ويقول الله تبارك وتعالى بتصرفاتكم هذه فيما يخالف شرعنا ومنهاجنا نمهلكم ولوآخذناكم ما أبقينا أحد منكم وقد جعلنا لكم مَثَل: صبر نبينا نوح على المكذبين هؤلاء والمخالفين والمستهزئين؛ وبعد مئات السنين أهلكناهم ولم نبقي منهم واحد حتى الدواب التي على ظهر الأرض بذنوبهم أُخذت وهلكت إلا من دخل وسط السفينة (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [هود:40] وحمل الدواب، والدواب التي طلعت معه في السفينة، هي التي بقيت في الأرض وبقية الدواب؛ انتهت بانتهاء بني آدم، هذا الذي إذا ظلم عمّ ظلمهُ حتى الجمادات والحيوانات والنباتات؛ بظلمهِ بذنبهِ تحترق المدينة بظلمهِ تهلك القبيلة تهلك الأمة بظلم الظالم وبغي البغي والعياذ بالله تبارك وتعالى. (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)).
(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ) الذي يكرهون لأنفسهم يجعلونه للرب مع ذلك (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) نفس كلام الكفار في أيام النبي وقبله وبعده وفي وقتنا هذا. (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) إيش من حسنى لكم؟ بغْيكم ولا ظلمكم ولا فسقكم ولا كذبكم ولا جراءتكم على الله وإلا افتخاركم بالدمار وقوة الدمار وأسلحة الدمار الشامل وإلا ببعثكم الفتن والحروب بين الناس. إيش الحسنى التي لكم؟ (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ) وما لهم الحسنى، هؤلاء وقود جهنم والعياذ بالله تبارك وتعالى، (وَأَنَّهُم مُّفۡرَطُونَ) والحسنى لمن أحسن والحسنى لمن لم يجحد نعمة المحسن جلّ جلاله وشكر نعمة المحسن (فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ * وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ * وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ * وَمَا يُغۡنِي عَنۡهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ) [الليل:5-11].
(وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكۡرَهُونَۚ وَتَصِفُ أَلۡسِنَتُهُمُ ٱلۡكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفۡرَطُونَ (62))، اللهم أجرنا من النار:
(وَأَنَّهُم مُّفۡرَطُونَ)؛ مقدَّمون معجّلون إلى النار، فرطٌ لمن بعدهم.
(مُّفۡرَطُونَ) أيضا مخلدون ثابتون في النار أي مقيمون فيها.
(مُّفۡرَطُونَ) في قراءة نافع (مُفرِطون) أنهم مفرطون يعني مجترئين على الجرم وعلى أنهم نسبوا الى الله ما ليس له وعلى قسمتهم هذي.
(مُّفۡرَطُونَ) تجاوزوا الحد في إجرامهم؛ (لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفۡرَطُونَ) ُمقدَمون إلى هذه النار يسبقون من ورائهم ممن تبعهم.
(مُّفۡرَطُونَ) أي في النار مقيمون ثابتون فيها لازمون وملازمون لها إن عذابها كان غراما ( رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ) [الفرقان : 65]، دائما ملازما لأصحابه والعياذ بالله تبارك وتعالى.
(وَأَنَّهُم مُّفۡرَطُونَ)، اللهم أعذنا من النار ومن كل ما يقرب إلى النار من قول وفعل وعمل ونية واعتقاد، نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وفعل وعمل ونية واعتقاد، يا كريم يا جواد أصلح أحوالنا والمسلمين، وادفع السوء عنا والمؤمنين، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، ثبتنا على الحق فيما نقول وثبتنا على الحق فيما نفعل وثبتنا على الحق فيما نعتقد، واختم لنا بأكمل حسنى وأن تراضٍ عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
بسر الفاتحة إلى حضرة النبي
اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله ..
03 جمادى الآخر 1444