تفسير سورة النحل، من قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا ..}، الآية: 14

تفسير سورة النحل، من قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا ..}، الآية: 14
للاستماع إلى الدرس

تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة النحل من قوله تعالى: 

(وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (14) وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَأَنۡهَٰرٗا وَسُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ (15) وَعَلَٰمَٰتٖۚ وَبِٱلنَّجۡمِ هُمۡ يَهۡتَدُونَ (16) أَفَمَن يَخۡلُقُ كَمَن لَّا يَخۡلُقُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ (18) وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ (19) وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَخۡلُقُونَ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ (20) أَمۡوَٰتٌ غَيۡرُ أَحۡيَآءٖۖ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ (21) إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ فَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٞ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ (22))

ضمن جلسات الإثنين الأسبوعية

نص الدرس مكتوب:

الحمدلله مكرمنا بتنزيلِ آياته وبلاغها على لسان خير بريَّاته سيدنا محمد الذي ختم به رسالاته وجعلهُ خاتَم النبيين وسيّد المرسلين فلا نبي بعده وأُمته خبر أمةٍ وهم لا يوجَدُ فيهم إلا ورثةُ الأنبياء وفاقوا من قبلهم من الأمم بجود الله وفضله والكرم . 

اللهم لك الحمدُ شكرًا فصلِّ وسلم على عبدِك سيد أهل الدنيا والأخرى سيِّدنا محمدٍ، وعلى آلهِ من خصَّصتَهم منك ومنحتهم طُهرًا، وعلى أصحابِهِ من رفعتَ لهم قدرًا، وعلى من تبِعَه بإحسانٍ فأعظمتَ لهم أجرًا، وعلى آبائِه وإخوانِه من الأنبياء والمرسلين الذين جعلتَهم للخلائِق سُفَرًا يُبلِّغونَهم عنكَ ما تحبُّ منهم، وما ترضى به عنهم، وما يتهيَّؤون به للقائِك وعلى آلِهم وصحبِهم وتابعِيهم، وعلى ملائكتِك المُقرَّبين، وعلى جميع عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحم الراحمين

 وبعدُ،، فإننا في نعمة تأمُّلنا لكلام الله، وتنزيلِه على مُصطفَاه، وخِطابَ إيانا، وإرشادُه لنا، وتبيينُه جلَّ جلالُه وتعالى في علاه مضَينا في أوائل سورة النحل، ومرَرنا على الآيات التي فيها تذكيرُ الحقِّ لنا بما كَوَّنَ من حوالينا وقال (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَاكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَعُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلْ لُكُمْ تَشْكُرُونَ)؛ وهذه مع ما قبلها وما يلحقُ بها؛ تُبيِّنُ أن كل حركة الحياة للأحياء على ظهر الأرض، ثم كلِّ ما يجري لهم من مصالح ومنافع يُزاولُها منهم المُؤمن والكافر والصغيرُ والكبيرُ والذكرُ والأنثى والغني والفقير؛ أنّ كل هذه الأشياء التي يُزاولونها ويعاشرونها ويعانونها ويتفاعلون معها مُكونةٌ بتكوين مكونٍ واحد جل جلاله، ليس فيهم من خلقَ من هذه الأشياء شيئًا، ولا من شاركَ الخالق في خلْقها، فحُقَّ لهم لو عقلوا أن يجتمعوا على توحيده والإيمانِ به وتعظيمه وامتثالِ أمرهِ (...وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم:6]، ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يعقلون (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ) جلَّ جلاله وتعالى في علاه، وأقدرنا على أن نستفيدَ منه وعلى أن نرْكبهُ، وعلى أن نصيدَ منه، وعلى أن نستخرجَ منه اللحم الذي هو السمك وما لا يعيش إلا في البحر، وسمَّاه (لَحْمًا طَرِيًّا) يحمل خصائص في فائدة هذا الجسد المكوَّنِ لله، جسد الإنسان لأنها مسخرةٌ له، وكل ما أباحه الله تعالى من مصنوعاته في الأرضِ، في البرِّ والبحرِ تتفق مع مصالح تركيبة هذا الإنسان في جسده لأن المكوِّن واحد وخلق هذه الأشياء من أجله سبحانه وتعالى فضلاً وكرماً. 

(وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ)، (سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيّا )، وكلما قام الناسُ بالتفاعلِ مع هذه النعمة على الوجه المرضي، وصلوا إلى ثمارها وفوائدها الكثيرة المالية والمادية والصحية للجسد والمُعينة على تقويم أيضًا ذهن الإنسان وفكره ووسائلِ نظرهِ إلى الأشياء؛ وإذا تعدوا فيها الحدود كان ما كان، وترون في شأن البحر وما عملت هذه الشركات التي جاءت بالأجهزة التي تقلعُ من البحار موارد الأسماك ومآكِلها المخصوصة ومراعيها المعيّنة، وكم ترتب على ذلك من أنواع من الفساد وكل ما تجاوز الإنسان حده فيه؛ طمعًا أو جشعًا أو استحواذًا أو استغلالًا لآخر أو اعتداءًا على حق الآخر، تحولت كثير من مصالحه إلى مضار وإلى آفات وإلى مشكلات و(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ  لِيُذيقَهُم بَعضَ الَّذي عَمِلوا لَعَلَّهُم يَرجِعونَ) [الروم:41]، وكل الآفات والأضرار التي تصيب الناس في العالم كلها نتائج بعض الذي عملوا، ولو آخذنا الحقُّ بما كسبنا (مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّة..) [فاطر:45]، كما أخبرنا ولكن بذوق بعض الذي عملوا وكلها تحمل حكمة عظمى واحدة تنطوي فيها بقية الحكم وهي (لَعَلَّهُم يَرجِعونَ) [السجدة:21]؛ لَعَلَّهُم يُنيبون ويتقون فهي مذكِّرتٍ لهم من قبل الله وما أقل المتذكرين.

(وَتَستَخرِجوا مِنهُ حِليَةً تَلبَسونَها) من لؤلؤ ومرجان، أنواع من الجواهر (وَتَرَى الفُلكَ مَواخِرَ فيهِ وَلِتَبتَغوا مِن فَضلِهِ)؛ أنواع الرزق، (وَلَعَلَّكُم تَشكُرونَ)؛ هذه المهمة الكبيرة لكم والواجب عليكم أن تشكروا هذا الإله ولا تكفروه ولا تغترُّوا بما عندكم وتنسون إفضاله عليكم ( أَمَّن هذَا الَّذي يَرزُقُكُم إِن أَمسَكَ رِزقَهُ بَل لَجّوا في عُتُوٍّ وَنُفورٍ) [الملك:21]. يقول تعالى: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيًّا أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ)؛ أي لئلّا تَمِيدَ بِكُمْ وَتَتَحَرَّكُ وَتَتَكَفَّأ بِكُمْ، (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا)؛ أجراها على ظهر الأرض ومن أشهرها نهر النيل ونهر الفرات وما جعل سبحانه وتعالى في هذه الأنهار من فوائد ومنافع متعددة. (وَأَنْهَارًا) ألقى لنا الأنهار كما ذكر البحر في الآية الماضية وذكر الأنهار (وَسُبُلًا)؛ طرقاً، (لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)؛ تهتدونَ في الوصول إلى بعضكم البعض والوصول إلى مصالحكم، وفوق هذا تهتدون إلى مكوِّنها والحكمة في خلْقها لكم، وتستعدون للقائه (لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ). فكم بسط الله لعباده من أسباب التذكرة والدلالة والبراهين والحجج الواضحة! (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) [عبس:17]، ثم بعد ذلك نجدهم يتجاوزون حدودهم ثم يحتجون! ولماذا الله فعل كذا؟ لماذا الله فعل كذا؟ أحاطك بالنعم من كل جانب، وأرسل لكم مذكرات ونبات من كل جانب، وفعل ذلك وتوَّجهُ بإرسال الرسل وإنزال الكتب، ثم تقول! ثم تجتري! ثم تفتري! وأنت الذي تستحق بعملك هذا غضبًا من هذا الجبار وأن يقطع عليك نعمهُ، ولكنَّ حكمة الله تبارك وتعالى (يَهدِي اللَّهُ لِنورِهِ مَن يَشاءُ) [النور:35]، (لَعَلَّكُم تَهتَدونَ) اللهم اهدنا فيمن هديت.

(وَعَلاماتٍ): جعل لنا علامات على ظهر الأرض، نصب جبالا، وجعل أنهارًا وجعل بحارًا وجعل سبحانه وتعالى أنواعًا من المكوَّنات تدلُّ دلالات وعلامات على الجهات، وعلى كيفية الوصول وعلى التوصُّل إلى المقصِد في الجانب اليميني أو اليساري أو الأمامي أو الخلفي، يقول: (وَعَلاماتٍ) جعلها سبحانه وتعالى لها نستدل ومن الرياح ومن الجبال من معالم في الأرض وجعلها تدل وتُنْبي، (وَبِالنَّجمِ هُم يَهتَدونَ)، وأيضًا بالنجوم التي في السماء يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر ويُعْرف بها الاتجاه والوصول إلى المكان الفلاني أو البلدة الفلانية أو إلى غير ذلك. (وَبِالنَّجمِ هُم يَهتَدونَ): ويستدلون على الوصول إلى مقاصدهم يقول الحق تبارك وتعالى بعد هذا كله، وكل الذي أنتم تنطلقون فيه من مطعم ومشرب ومركب وملبس خلقٌ من خلْقِ الله وتكوينٌ بديعٌ من إرادة الله تبارك وتعالى، كيف يليق بكم أن تنسوا هذا كله؟ ثم تغترُّوا بما يجريهِ على أيدي بعضكم لبعض وقد فضَّل بعضكم على بعض (…لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضًا سُخرِيًّا…) [الزخرف:32]، (أَفَمَن يَخلُقُ كَمَن لا يَخلُقُ) ، (أَفَمَن يَخلُقُ كَمَن لا يَخلُقُ)! تتخذونهم آلهة من دون الله سواء كانوا أصنامًا أو كانوا بشرًا مثلكم؛ أو كانوا جانَّاً أو كانت كواكب ونجوم أو كانت بحار؛ كلها مخلوقة ليست بخالقة، كلُّها مُكونة، كلها منشأة، كلها محدَثة، كيف تركنون إليها؟ كيف تنقطعون إليها؟ كيف تتخذونها آلهة من دون الذي خلق؟ (أَفَمَن يَخلُقُ كَمَن لا يَخلُقُ)! فأين تذهب العقول؟! ومن يدَّعي الاطلاع والمعرفة والعلم، أين ذهب عقلك ومعرفتك وعلمك؟ تمشي على عمى؟ تمشي بلا بصيرة؟ 

(أَفَمَن يَخلُقُ كَمَن لا يَخلُقُ) وإذا لم تعرف من خلقك وخلق هذا الكون؟ ، فأي علم عندك؟ تصلِّحْ لي طائرة بدون طيار؟ وبعدين لا عرفت بها من خلقني! ولا لماذا خلقني! ولا كسبت بها خِيرة حياتي وسعادتها! ولا لي بعدها سعادة بسببها في الآخرة! ماذا عملتْ؟ ماذا عملت؟ تمشي بلا عقل! تمشي بلا وعي! تمشي بقصر النظر! ما هذا؟ (...ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ…) [النجم:30]، (فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) [النجم:29]، (ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم)  بس حد محصور قصير جدًا، أنا بما أتاني الله من سمع وبصر، أنا أكبر من ذلك، أكبر من أن يكون فكري أن أمتلك أسلحة الدمار لأمدَّ يدي على ما شئْتُ من متاع الأرض وأتسلّط على ذا وذاك، وبعد ذلك؟ وكم ستجلس؟ وكم ستسلط؟ والذين كانوا في المحل الذي أنت فيه الآن، كم عددهم قبلك وإن ذهبوا؟ وماذا حصَّلوا؟ ولماذا لم ينجحوا قبلك؟ ويكفونك المؤونة من بعدهم أنت؟ خلاص ويجعلوا الناس على مسار مستقرٍّ ماعاد يحتاج له أن تبتكر شيء ولا أن تهدد بأسلحة دمار هذا مظاهر فشل، مظاهر فشل. 

ولكن الله بعث لنا محمدًا؛ فنحن إلى يومنا وبعد يومنا لا نحتاج إلى شيء أكثر مما دلّنا عليه وهدانا إليه في تعاملنا مع القريب والبعيد، وفي معرفتنا بحقائق الكون وما وراء هذا الكون من عظمة المكون، واستعدادنا للقاه لتزودنا للعالم الذي سنقبلُ عليه، بإخبار مكوِّن العالم الذي نحن فيه جلَّ جلاله، ومكوِّن جميع العوالِم بما اختار لنا من مرسَلين، ولذا يبتني حقائق السعادة لجميع الناس على لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهَ من عهد آدم، وآدم، ما قامت سعادته ونجاحه في اختباره بعد إخراجه من الجنة للأرض إلا بأسرار لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهَ ومحمد رسول الله، وكان يقرأها آدم على قوائم العرش لاَإِلَهَ إِلاَّ اللَّهَ محمد رسول الله، و بأسرارها قام، وصلح حال من صلُح من أولاده ثم ذريته من بعده ثم الأنبياء والمرسلون حتى جاء إلى الأرض أكرم من نطق بلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهَ  وأصدق من قال لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه، وأعظم من تحقق بحقيقة لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهَ لكم محمد بن عبد الله ﷺ. 

فلنا الشرف وهذا أمر ثابت لأن آدم ناجح في أداء رسالة ربه، فاستمر النجاح مع المستجيبين لنداء الله نبيًّا بعد نبي حتى خُتموا بسيد المرسلين، وآلُ الضجة من الكثرة الكاثرة الكفار الذين عادوا المرسلين، إذا جاء وقت الساعة وقاموا من قبورهم وقالوا (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا…) [يس:52]، نادتهم الملائكة: (…هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس:52]، هذا هو النجاح.  فماذا يعمل هؤلاء؟ (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا…) [يس:52]، (أَفَمَن يَخۡلُقُ كَمَن لَّا يَخۡلُقُۚ) لم تخلقونا! ولم ترزقونا! وليس مرجعنا إليكم! ثم تريدون أن تتحكموا في مسارنا لنخالف منهج ربنا ونتبعكم! استحيوا، إن بقيتْ فيكم مُسْكة من عقل، استحيوا على أنفسكم واخزوا! ومع ذلك فإن الخطاب على يدي صاحب النبوة ويحمله خواص المؤمنين به من بعده وخواص أهل إرثه إليكم جميعًا رحمة، أن تتذكروا أن تشكروا أن تعقلوا أن تنيبوا، ومن أصرَّ منكم على غيِّهِ وضلالهِ فإننا أيضا نخاطبهُ بخطاب صاحب النبوة "إخسأ فلن تعدوَ قدرك"، "إخسأ فلن تعدوَ قدرك" مهما خططتَ ومهما قلتَ فلن تعدُوَ قدرك، ونظراؤكم ممن مضى قال قائلهم (..أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ..) [البقرة:258]  وقال قائلهم: (..أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى) [النازعات:24]، وقال قائلهم: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص:38]، وقال قائلهم: (..مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً..) [فصلت:15]،  فذهبوا وبقيت أسرار الرسل الذين بُعِثوا إليهم فكذبوهم فلم يُمجّد أولائك بقواهم ولا بملكهم ولكن ونحن في الدنيا تمجيد لهؤلاء المرسلين والآخرة أكبر (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا  فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر:51]. 

(أَفَلا تَذَّكَّرُونَ) وبعد ذلك تأملوا ما بكم (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)؛ أنتم عاجزون عن حصر ما أنعمتُ به عليكم؛ ولو أراد الواحد منكم أن يحصرَ الخلايا في جسمه ويعرفها معرفة يعدُّها عد، والمسام التي في جسمه، والعصب الذي في جسمه، والعروق الذي في جسمه، ويحصيها إحصاءاً دقيقاً لعجز! وما حواليه؛ ماخبرُ الشمس؟ وما خبر القمر؟ وما خبر النبات؟ وما خبر الهواء؟ الذي تستنشقه والجهاز المركّب فيك للتنفس هذا! وكيف رُكِّب؟ وكيف تم على هذه التركيبة؟ ووسطهُ مكيّف! لا يضر رئتك شدة برد ولا شدة حر! إن كان في وقت البرد فالمكيف يخفف برودة الهواء الذي تستنشقه فلا يصل من بعد أنفك إلى الرئة إلا وقد دُفئ وخفَّتْ برودته، وإن اشتدّ الحر فإنه تستنشقه أنفك وهو شديد الحرارة، لو وقع على الرئة لتضررتْ فيكيِّفهُ في الطريق المكيَّف ويصله وقد خفَّتْ حرارته وتناسب معنا، فكم أنفاس في اليوم والليلة لك؟ وكيف كلها تتكيف ولولدك ولزوجتك ولبنتك؟ (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) ومع هذا الهواء واستقرار هذه الأرض لو مادت بك، من بيمسكها؟ بتقول يا حكومة من؟ بتقول يا دولة من؟ لحظات من اضطراب الأرض تروح أنت والدولة وانتهيتم، الله الله الله الله،  وكم لك لحظات والأرض مستقرة لك؟ وفي كل لحظة انعم عليك وعلى أهلك وعلى زوجتك وعلى دارك الذي أنت فيه وعلى ممتلكاتك في الأرض باستقرارالأرض. 

(وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ  لَا تُحْصُوهَا)، وإذا لم تقدروا على إحصائها عدَّاً، فكيف تشكروها؟  قال لكم، أنا رضيت منكم بالقليل هذا قال: (إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) لو آخذتكم على كل نعمة بمقابل كلكم ستفشلون وكلكم ستخسرون وأرجعُ أُعذِّبكم، لكن أنا غفور رحيم (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ  لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)، لكن إذا قمتم بمستطاعكم سامحتكم فيما لم تستطيعوا وكافأتهم عليه وسميتكم شاكرين  وشكرتُ لكم وأعطيتكم نعيم لاينفد، ما هذا؟ من يُعامل مثل هذه المعاملة بالله عليكم، والله غير الله ما يقدر يعامل هذه المعاملة! الله عاملنا بهذه المعاملة فوجب أن نحمده وأن نشكره وأن نتحقق بالعبودية له. 

قال: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)  يتجاوز وقبِلَ منكم القليل واليسير وقبِلهُ شكرا منكم حتى قال نبينا "الحمدُ للهِ تَملَأُ الميزانَ" كلمة تخرج من قلبك يستشعر قلبك بها عظمة المنعم ونعمته،  يملأ لك بها الميزان من نورها وثوابها، ومن يقدر يملأ لك الميزان؟ الميزان، الكفة أوسع مما بين السماء والأرض، شي عندك شركة في الدنيا أوحكومة تجيب كلمة تملأ  -معاد بغينا الميزان - تملأ لك زنبيل(كيس) فقط ذهبْ، كلمةٍ واحدة؟!! تملأ لك زنبيل ذَهَب ممكن؟!! والذهب يذهب، لكن هذا بالكلمة الواحدة يملي لك نور ما عاد ينقضي، ونعيم ما ينفذ بكلمة تقول " الحمد لله" من يعاملك مثل معاملة ربك؟ (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَاأَكْفَرَهُ) [عبس:17].

(وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) فاتقوه وراقبوه، وهو الأوْلى بالمراقبة وعلمهُ محيطٌ بكلِّ شيء (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ): فيجازيكم ويكافئكم ويكتفي منكم بالصدق معه والإخلاص لوجهه ويقبل القليل منكم ويعطيكم عليه الكثير له الحمد والمنَّة. 

(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ)، (لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ): لأنهم وماعملوا، فهم خلْقهُ جلّ جلاله، فلم يخلقوا أنفسهم ولم يخلقوا المادة التي بها صَنعوا وكوَّنوا الأجهزة وأنواع المصنوعات، وإذا قلنا لإنسان أنت خلْقُ الله، ويدك من الله، وفكرك من الله، وعقلك من الله، رضينا بهذا كله لكن نريد منك بيدك التي من الله وأعضائك وعقلك التي من الله، خلاص، الآن بعقلك هذا أنت استقلْ بخلْقِ شيء، بإيجاد أي شيء، بس ما تأخذ من خلقه شيء، أنت هات من عندك! هات من عندك! أيش هات من عندك؟ يجي بماذا؟ يجي بحديد؟ يجي بإيش؟ يجي بشجر؟ يجي بإيش من مادة؟ كلها خلقه، كلها فوق، هو خلقها من فوق، يقول خلاص يكفي انت قدك خلْقهُ ما عاد شي من خلقه الثاني، أحدِثْ لنا جهاز من فضلك!  الله الله الله، طيب  ماقدرت على هذا ياآدمي ياإنسان ياعاقل! خلاص انطلق في مَلَكة الله وفي خلْقه واسمع بس نريد غير ما تصنع هذا كله، نريد حاجة واحدة، إيش هي؟ ذُباب! انا ما اريد جهاز تلفون ولا اريد جهاز مواصلات ولا اريد جهاز طائرة ،اريد ذُباب! فهل تقدر تجيب لي ذباب؟ واستعمل كل الالات هذه وكل المخلوقات التي خلقها الله، لكن استعملها بس هات لي ذُباب! بعوضة واحدة!  هات لي من فضلك، انت متقدم متطور صاحب تكنولوجيا، هات لي واحدة ذبابة! هاتها هذه؛ أنت إذن محصور في الذي تفتخر به هذا وتعتز به، محصور، محدد لك شي معيّن،  ما تقدر تتجاوزه  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا  ذُبَابًا  وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ…) [الحج:73]، أغرب من ذلك جمِّعوا قواكم وهاتوا أجهزتكم الدقيقة ونمكِّن واحد ذباب ياخذ حبة سُكّرة ثم ردوها لنا (وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ…) [الحج:73]، هاتوا سرعتكم وقوَّتكم وسلّطوا الأجهزة، ولمَّا يأخذ الذباب حبة سُكَّرة ردوها، سبحان الله الذبابة بمجرّد ما تأخذ الحبة تذوب، لو كبّرتها مليون مرة وتوصّلتَ لها، تحوّلت الى ماء معاد شي سكر خلاص روّحتْ (لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ…) [الحج:73-74]، القدرة للذي خلق الكل جلّ جلاله.

(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ):  منها الموت الحسي، الموت الحسي؛ عند الأصنام كلها اللي يعبدونها من دون الله لا تتحرك ولا تتكلم، ويعبدونها، ومن الذي يصلِّحها لهم؟ كيف هذا! أنت تخلق إلهك! هذا معقول هذا؟! هذا مخلوق لك هذا مصنوع لك ما هو إله! هو يصنعه وبعدين يجي يعْبدهُ، عقل ما في، لكن هكذا قال تعالى (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ)، وبعد ذلك هؤلاء الآخرين من بني آدم مثلًا الذين قدموهم ولأجلهم تركوا أمر الله وأمر الرسول، كانوا أصلًا أموات لم يكونوا شيئا (هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا) [الإنسان:1]، الحياة ذي المُعارة  لهم المؤقتة محصورة  بعدها موت، فقل لواحد منهم لا يموت، بنصدقك؟ وأنت الآن ماشاء الله مفكِّر كبير في العالم وعبقري،  وتقول بنمشي بنخلي الأنبياء والرسل؟ بس لا تموت أما بعد شوية تموت؟ هذا لا لك ولا عليك، كيف لا تموت! هو ميت! (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) وهم هؤلاء الذين يعبدون الأصنام والآلهة المعبودة ماعندهم خبر عن وقت بعْثهم ولا وقت موتهم ولا وقت خروجهم من القبور ولا وقت بعْثهم يوم القيامة (وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) فخذوا الحقيقة إذن(إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ  قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ) لماذا ماتت القلوب وطغت عليها الأنفس! يرون الحق أمامهم، يرون ويظنون أنه بيُعكِّرعليهم صفو المُتع الفانيات فيستَكبرونَ، تقول لهم: (إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ) ما يريدون هذا! (قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ) وياويل المستكبرين (.. أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر:60]  اللهم أجرنا من النار. وتأتي معنا معاني الآيات إن شاء الله تعالى، وصلّى الله على سيد المتواضعين عبده الأمين محمد، رَزَقنا الله اتِّباعه والإنقياد له إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرحمن.

وقد سمعتم من الأحباب واجب الاقتداء بهذا المصطفىﷺ وتذكيرهم لنا بنعمة التعلم والتعليم وما يؤتي الله تبارك وتعالى لأهل الاحتفالات وأهل التوجهات وأهل العلوم النافعات من روحانيات وما جعل الحق تعالى من تراوح بين هذه الأرواح والقلوب نعم من نعم الله لا يتمها الله علينا وواجهتكم خواتيم الشهر الذي في ذكرى ميلاد الحبيب البدر ﷺ، يجعلنا من أسعد الناس بذكراه وبالاتصال بسجاياه وصفاته ﷺ ونعوته التي حلاه بها الله ووفر الله حظنا من إرثه بذلك؛ الذي هو معنًى من التشبه به وفيضان صفاته الكريمة إلى ذات عبد يحبه الحق تبارك وتعالى، أما حقائق صفاته في مُكنته فيها في تمكنه فيها في رسوخه فيها فهو بالغ الذروة التي لا يشاركه فيها غيره من المخلوقين صلوات ربي وسلامه عليه، ثبتنا الله على دربه وسار بنا في سبيله وسقانا من سلسبيله وحشرنا في زمرته إنه أكرم الأكرمين والحمد لله رب العالمين.

تاريخ النشر الهجري

07 ربيع الثاني 1444

تاريخ النشر الميلادي

01 نوفمبر 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام