(228)
(574)
(536)
(311)
تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الحِجْر من قوله تعالى:
(وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَزَيَّنَّٰهَا لِلنَّٰظِرِينَ (16) وَحَفِظۡنَٰهَا مِن كُلِّ شَيۡطَٰنٖ رَّجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ ٱسۡتَرَقَ ٱلسَّمۡعَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ مُّبِينٞ (18) وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡزُونٖ (19) وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَ وَمَن لَّسۡتُمۡ لَهُۥ بِرَٰزِقِينَ (20) وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ (21) وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحۡنُ نُحۡيِۦ وَنُمِيتُ وَنَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثُونَ (23) وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَـٔۡخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحۡشُرُهُمۡۚ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِيمٞ (25))
ضمن جلسات الإثنين الأسبوعية
الحمد لله مُكوِّن الأكوان، ومُنزِّل القرآن بالهدى والبيان على لسان أكرم إنسان؛ من جعله سيدًا لجميع الأكوان عبده المُجتبى محمد المختار من نسل عدنان، وعلى آله وأصحابه أهل الموازين الراجحة، وعلى أتباعه أهل المساعي المشكورة الناجحة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم والتابعين، وعلى ملائكة الله المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وبهم برحمتك يا أرحم الراحمين وجودك يا أجود الأجودين.
أما بعد،،
فإننا في نعمة تأملنا لكلام ربنا وإلهنا وخالقنا وبارئنا وفاطرنا ومُوجدنا؛ مكون الأكوان سبحانه وتعالى، وتأملنا لمعاني ما أرشدنا، وعلمنا وبين لنا ونبهنا ووجهنا سبحانه. مررنا على قوله جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
(وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَزَيَّنَّٰهَا لِلنَّٰظِرِينَ (16))، وكل (هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ) [لقمان:11]. إننا معاشر الإنس والجن على ظهر الأرض افتُتِنَا بما أمامنا وما أوتينا من قدرات محدودة وتصرفات معدودة في أشياء محصورة، ونسينا المُكون الخالق البارئ الفاطر لكل شيء جلّ جلاله (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ) [فاطر:1]،
(وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا) كواكب عاليات.
(وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا) منازل للقمر والشمس.
(وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَزَيَّنَّٰهَا) بالكواكب والنجوم والشمس للناظرين؛ فجعل فيها زينةً للناظرين أهل النظر المُعتبر، والنظر الدقيق من المُتأمل يُوقن أن لهذا الجمال مكوِّن هو رب الجمال، وأن لهذا الاعتدال مُعدل؛ هو الفعال،وأن لهذا الترتيب مُرتب؛ هو القديرالحكيم -جل جلاله وتعالى في علاه-.
(وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَزَيَّنَّٰهَا لِلنَّٰظِرِينَ (16) وَحَفِظۡنَٰهَا مِن كُلِّ شَيۡطَٰنٖ رَّجِيمٍ)؛ أي مرجوم باللعنة والسخط، (إِلَّا مَنِ ٱسۡتَرَقَ ٱلسَّمۡعَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ مُّبِينٞ (18)). وقد علمنا منع الشياطين من استراق السمع ببعثة المصطفى محمد؛ استكمال ذلك ببعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، بشاهد ما قالوا: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ) [الجن:9]، بعد أن قالوا: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ۖ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا) [الجن:8-9]، (إِلَّا مَنِ ٱسۡتَرَقَ ٱلسَّمۡعَ): أي سماع ما تقوله الملائكة من أخبار ما قضى الله سبحانه وتعالى (فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ مُّبِينٞ (18)).
(وَٱلۡأَرۡضَ)، يقول ربنا: (مَدَدۡنَٰهَا) -جل جلاله وتعالى في علاه- دحاها فجعل سُرّتها، ومحل البداية من دحْوِها ما تحت الكعبة في مكة المكرمة في هذه البقعة التي قال عنها: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) [آل عمران:96]، فكانت منها بذرة الأرض ومدها الله إلى المساحة التي قدّرها وأرادها وعيّنها جل جلاله.
(وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا) ثم إنه يمدها أكثر عند النفخ في الصور، وفي يوم القيامة قال تعالى: (إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) [الإنشقاق:3]، حتى من مدّها إنها لتُبدل فقال جلَّ جلاله -سبحانه وتعالى-: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [ابراهيم:48]، -اللهم ارزقنا السعادة في الدنيا والآخرة- وحسن النظر فيما يرضيك عنا واستقامة النظر على ما هو الحق في هذا الخلق فلا تفتنَّا بشيء، ولا تقطعنا ولا تحجبنا عن رؤية الحقيقة يا حي ياقيوم..
(وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡزُونٖ)، (وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡزُونٖ)، جلّ المُنبت؛ قال سبحانه وتعالى (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) [المؤمنون:18]، (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا) [لقمان:10]. يقول جل جلاله -وتعالى في علاه- في بيان هذه الحقيقة العظيمة، يقول سبحانه -الله أكبر- (وَأَنزَلْنَا). يقول: (وَأَنـزلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) [النمل:60]، (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)؟ يا أهل الغيّ، ويا أهل العمى، ويا أهل التيه، ويا أهل الضلال من جميع أصناف الكفار؛ هاتوا خبر صحيح (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)؟ من هو هذا؟ من كوَّن؟ من أوجد؟ (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل:60]، لا إله إلا الله جلَّ جلاله وتعالى في علاه؛ فهم (قَوْمٌ يَعْدِلُونَ)، يخرجون عن سواء السبيل ويضلون. يقول جلّ جلاله (وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡزُونٖ) بمقدارٍ معلوم بما فيه المصلحة والمنفعة والحاجة للخلائق.
قال: (وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَ) كل ما تحتاجونه لعيشتكم ملبسًا ومسكنًا ومنقحًا ومركبًا وغير ذلك تجدونه فيها. ويقول تعالى: (وَمَن لَّسۡتُمۡ لَهُۥ بِرَٰزِقِينَ)؛ لإخراج الوهم فيما يتوهم الإنسان، أنه يرزق الأطفال، أو يرزق الأتباع من المماليك أو العبيد أو الخدام أو الحيوانات الله يرزقها وإياكم؛ (وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ) [العنكبوت:60]، وما أوجد في الأرض من الطير ومن الوحوش. (وَمَن لَّسۡتُمۡ لَهُۥ بِرَٰزِقِينَ) هو الذي يرزق (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) [هود:6] -جلّ جلاله وتعالى في علاه-. ومن لا يستطيع أن يرزق نفسه فكيف يرزق غيره؟ ومن تأمل الحقيقة من أنه مخلوق ومكوَّن وبحسب ما أوتي من قدرة، ليست له ولا ملكٌ له؛ ولكن مودوعةٌ عنده وديعةً، وما يتصرف فيه بهذه القدرة من خلْق غيره ومن صنع غيره، كيف يظن نفسه رازقًا؟! وإنما هو مرزوق، فما سوى الله مرزوق؛ رزقهم من عند الله جلّ جلاله وتعالى في علاه.
قال سبحانه وتعالى: (وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ.. (21))، (وَإِن مِّن شَيۡءٍ): أرواحًا، أجسامًا، صفاتٍ، أخلاقًا، نباتاتٍ، حيواناتٍ، جماداتٍ، ألوان، ذوات صفات، خيراتٍ، شرور، استقرار، أمن، طمأنينة، قلق، زلزلة كل شيء. (وَإِن مِّن شَيۡءٍ)؛ من جميع المُمكنات على الإطلاق (إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ)؛ فعله من قِبلنا، وعندنا له الإرادة في كلمة كن فيكون. (إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ)؛ ولكن المقدورات غير متناهية؛ إلا أنه سبحانه وتعالى يُبرز منها في العالم شيئًا يتناهى؛ ولهذا قال: (وَمَا نُنَزِّلُهُ) -إلى عالم الحسي- (إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ (21))؛ قدر للأرض، قدر للسماء، قدر لكل كوكب، قدر لكل نجم، قدر للشمس، قدر للهواء، قدر للألوان، قدر للأحجام وللأشكال، وقدر للصفات وللفرح وللحزن: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ *وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا) [النجم:43-44] جلّ جلاله.
(وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ.. (21))، فاخرجوا من الوهم، واخرجوا من التخيل الباطل؛ كل شيء خزائنه عند الرب الإله -الحق جلّ جلاله- مال وحال، وظاهر وباطن، وحس وشعر، وبشر ودم وعظم، وحزن وفرح وسرور، وكآبة وضيق وانشراح؛ كله عنده
(وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ) نحن نَسرُّ هذا، ونحزن هذا، نحيي هذا، نميت هذا، نقرب هذ،ا نبعد هذا، نُكبر هذا، نصغر هذا، نطول هذا، نقصر هذا، نعطي هذا، نمنع هذا. (وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ) فيجب أن نؤمن بهذا الإله بعظمته. وكبريائه.
(وَإِن مِّن شَيۡءٍ)، (وَإِن مِّن شَيۡءٍ)، -الله أكبر- كل شيء صغر، كبر، قل، كثر؛ (إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ): العلم، والجهل، والهدى، والضلال، والخير والشر.
(وَإِن مِّن شَيۡءٍ)، إيمان، أو كفر(وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ) الأمر فيه لنا؛ لا يُحدث أحد شيئا منه مُستقلا كائنا من كان.
(وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ (21))، (وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ)؛ نبرزه في عالم الظاهر (إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ)؛ فلا يتعدى أحدٌ قدره "اخْسَأْ، فلن تَعْدُوَ قَدْرَك"؛ قال النبي لابن الصياد اليهودي الذي كانت له غرائب وخوارق عادات وهو صبي، فقال له ﷺ: "اخْسَأْ، فلن تَعْدُوَ قَدْرَك". قال سيدنا عمر: " ائْذَنْ لي أن أقتله يا رسول الله"، قال: "إنْ يَكُنْ هو" -أي الدجال الذي حدثتكم عنه المنتظر- "فلن تُسلَّط عليه" -فإن هذه مجريات أقدار في نظام جبار قهار، ما أحد يقدر يغيرها- "فإن يكن هو" -بيجي في وقته وبيضر، وبيفتن الناس، وبيسيح في الأرض؛ كما قلت: لا أنت ولا غيرك بتقدر تقتله- "إن يكن هو فلن تُسلط عليه، وإن لم يكن هو؛ فلا خير لك في قتله". ناس أهل ذمة عندنا، وتفتح لنا باب نزاع وشرور "لا خير لك في قتله واتركه"، "وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله"؛ ولكن قال له: "اخْسَأْ، فلن تَعْدُوَ قَدْرَك". وكذلك نقول لمن ادعى أي دعوة وأظهر غرائب يريد أن يخدع بها عقول الخلق: اخْسَئُوا فلن تعدوا أقداركم؛ إنا آمنا بالله ربنا وربكم ورب كل شيء. واخْسَئُوا في تهديدكم لعباد الله، واخْسَئُوا في ترجيتكم لخلق الله، فليست الخزائن عندكم؛ عرفنا الإله الذي عنده خزائن كل شيء، وخاطبنا صراحة وقال:
(وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ)؛ ولقد حررنا بذلك عن أن نُستعبد لكم أو لسواكم من جميع الكائنات؛ نحن عبيده وحده ولنا العزة بالعبودية له، مُحَّررون من عبودية من سواه كائنًا من كان.
يقول سبحانه وتعالى: (وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ) مُحدد، مُعين وصفاً وقدرًا وذاتًا وصفةً وزمانًا ومكانا، كل شيء مُرتب مُقدر بوقت؛ لذا العوام عندنا من أثر التوحيد فيهم ومن أثر ما انساق إلى قلوبهم من الإيمان وجالسوا أهل العرفان يقولون: "كل شيء مرهون بحله"، "كل شيء له وقت"؛ لأنه هو يرتب ويدبر وينظم الأوقات، ويرتبها سبحانه وتعالى؛ لا غيره، لا يقدم ولا يؤخر غيره؛ "أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ"، " لا إلَهَ إلَّا أَنْتَ".
(وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ) فلو زاد لتغيرت الحكمة، ولو نقص لتغيرت الحكمة؛ ولكن (بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ). ما تحمله ضرع الشاة من لبن قدر معلوم يناسب، حتى مجراه الذي يجري فيه يناسب حلقوم الصغار من الرُضع، كثدي الأم من بني آدم لو كُبرت الثقبة؛ تغرغر الصبي يتعب باللبن، ولو ضاقت لتعب من المص وما يخرج له شيء إلا بتعب، مُقدَّر بقدر معلوم؛
(وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ). أصابعك هذه وماسواها، كل واحد بقدر معلوم؛ هو أحسن شيء وأنسب شيء لك، ويطول واحد، زائد أوينقص واحد، تتعطل المصالح واشياء ثانية؛ لكن بقدر معلوم، وقدر معلوم، ساعة تستوي كذا، وساعة تكون مغرفة، وساعة تكون ممسحة تمسح بها، وساعة تكون مكنسة تكنس بها، وساعة تكون ملقاط تلقط به، قدر معلوم، ترتيب مضبوط جلّ جلاله تعالى في علاه.
وهكذا يقول سبحانه وتعالى: (وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ)، خلقكم والأرض وما فيها بتقديرنا وما بين السماء والأرض ايضا؛ نحن اللي نحكمه، ونحن نخلقه.
(وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ) من يتصرف في الرياح منكم؟ (وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ) قد يتنبؤون بشيء من العلامات التي نُظهرها إذا أردنا، أنه بيُقْبل الريح من هنا؛ لكن ردوه! هل تقدرون أن تردوه؟! ما يقدرون! لو تنبأوا بريح ستأتي، الدول المتقدمة تقول: ادخلوا لدياركم.! ردوه! بدلوا! حولوا مساره! ما يقدرون! لا والله ما يقدرون!
(أَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ) نحن الذين أرسلنا انظر الى آيات عظمته كيف، وهم يُكابرون، وهم يتكبرون، وهم يعاندون؛ (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ ) [عبس:17-22]، هذا هو الإنسان، ولماذا الطغيان؟! هذا أيامه في حياة الأرض؟ أنا! وأنا! وأخذ يعاند، يكفر ويلحد. وهذه قصتك: (مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ ) [عبس:17]، ما بين ما يسَّر السبيل، إلى أن أماتك فأقبرك؛ عملت فوضى ولعب ومسخره وقلة أدب، وقلة حياء وتطاولتَ، وهذا أصلك و هذه نهايتك، ما لك هكذا! ولكن أكثر الناس لا يعقلون.
قال تعالى: (وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ)، ولما قال سيدنا سليمان: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) [ص:35]، قال الله :(فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ) [ص:36] - الله أكبر- وهذه الدول !! تقدموا، وتقدموا، وتطوروا؛ ما تحكَّموا في الريح!! سيدنا سليمان يقول: احملي فلان، تخطي هذا، وهذا بجانبه وهذا بجانبه؛ تحمل فلان الذي قال، وما تحمل هذا ولا تحمل هذا، احملي المتاع الفلانِي اذهبي به الى المكان الفلاني، (غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ) [سبأ:12] -سبحان الله- (فسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ)) [ص:36]، (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ) [الأنبياء:81] -الله أكبر-. يقول سبحانه وتعالى:
(وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ) لواقح: حاملات للماء تحمل معاني الماء، أو لواقح للسحاب فتنفذ فيها فتنزل الأمطار، كما إنها لواقح للأشجار تساعد على نباتها، وتغمرها بنداها، وتنقل ثمر النخل الذكر لمّا تهب الى فوق ثمر النخل الأنثى؛ فتتلقح فتتأبر، فتُنبت.
(وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ) -الله أكبر- (فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ)، (فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ) لك الحمد، الحمد الذي أطعمنا وسقانا، الحمد الذي كفانا وآوانا، فكم من لا كافٍ له ولا مُؤى؟ الحمد لله. (فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ) لا تقدرون تمنعونه، ولا تقدرون تخزنونه عندكم تحفظونه، نخزن لكم شيء في السحاب، ولما نرسله نخزن لكم شيء في البيوت وشيء في الأنهار، و شيء في الأرض داخل نخزنها لكم في أماكن معينة، نحفظها لكم صافية نقية؛ وبعد ذلك تستخرجونها أنتم، بعد ذلك نخرجها من سنين، عشرات ومئات، ثم تحفرون، وتحصلونها في جوف الأرض؛ رتبناها في أماكن معينة لكم، أنتم تقدرون تخزنونها؟ وكم بتخزنون؟ وكم تعملون خزانات؟ وخزانات امدة كم؟ كل ساعة تملأها من محل ماخزَّنا نحن، من النهر، أو من البئر؛ من اين تملأ حقك الخزان هذا؟ هيا اقعد اسكت، اجلس يوم واحد، أو يومين بس لا تأخذ من الذي خزَّنا نحن، اجعل حقك الخزان يسقيك!! ينتهي خلاص يروح؛ (وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ) سبحان الذي خزنه لنا، وبعد ذلك ما هذه القدرة وهذه الآيات؟ أرض وسماء وما بينها بأمرنا، إيش بقي لك؟
(وَإِنَّا لَنَحۡنُ نُحۡيِۦ وَنُمِيتُ)، (تبارك الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ) [تبارك:2]، والحياة والموت بيدنا (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ)، وكلها دلائل التوحيد للرب المجيد جلّ جلاله وتعالى في علاه. ويقول سبحانه وتعالى:
(وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) فليخلقوا حبة، فليخلقوا ذرة، فليخلقوا شعيرة من عندهم يقدرون!! يعملون صور منحوتة على صور حيوانات، ولا ينفخون الروح فيها!! ينفخ الروح فيها؟ مايقدر! يُكلَّف في القيامة أن ينفخ الروح فيها ويعذب، ما هو بنافخ!! من أين يجيء بالروح؟ من أين ينفخ؟ -لا إله إلا الله-.
(وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي)؛ فلا حياة إلا منه الحي القيوم جلّ جلاله (وَنُمِيتُ) الموت بإرادته وقدرته جلّ جلاله، وبطرق هو رتبها؛ تؤدي إلى الموت بعد ذلك. بعد ذلك لا تقوموا إلا وقت ما يريد ولا يستطيع أحد أن يُقدم موت احد ساعة ولا دقيقة ولا نصف دقيقة ولا يُؤخر، كذلك لا يقدمُ ولايؤخر (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف:34].
(وَإِنَّا لَنَحۡنُ نُحۡيِۦ وَنُمِيتُ وَنَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثُونَ) ما عاد يبقى منكم أحد، ينتهي كل واحد، إلى من يرجع؟ ويفنى من في السماوات والأرض، فإلى من يرجعون؟ وإلى من ترجع السماوات والأرض؟ -الله الله- (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) [مريم:40]؛ آيات بينات، كما أنكم في ملكي، وتحت قهري وفي قبضتي من البداية؛ فأجعل لكم أمام عيونكم ظواهر ومظاهر تدلكم على الحقيقة وعلى النهاية -الله أكبر-. هذا الذي يدّعي أنه يُميت الناس ويُقتلهم، اكسب لك من الإثم ما تُعذَّب به، ولكن فادفع عن نفسك الموت! لا تُميت نفسك!! ممكن؟! لا تميت نفسك أبدا كيف أبدا؟! لاتميت نفسك، اترك نفسك حية؛ لأنك قوي، من هو هذا؟ يجيء له أقرب واحد ويقتله، يجيء له قليل زلزلة ويروح، ذبحة صدرية وانتهى، سكتة قلبية، إذا كان بيدك صدق الموت؛ أريدك أن تبقَ وحيدا لا تموت نفسك لا تموت. اقعد! (الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [آل عمران:168]، المُحي غيركم والمُميت غيركم، وتغترُّون بالأسباب التي أعطاكم تحت قدرته وإرادته؛ لكن ما بيدكم حقيقة إحياء ولا إماتة؛ المُحيي هو والمُميت هو وحده جلّ جلاله، (إِنَّا لَنَحۡنُ نُحۡيِۦ وَنُمِيتُ وَنَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثُونَ ) و كل شيء مرجعه إلينا.
(وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24))، (لَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ)؛ أول من خلقنا ومن لحقهم، ومن لحقهم. (الْمُسْتَأْخِرِينَ)، من هو لا يزال موجود، أو سيوجد فيما بعد. (عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ):
(وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ):
(وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ):
(ولَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ منكم) :المبادرين إلى الصلوات. (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)). وكان النساء يصلين خلف النبي ﷺ في المسجد، في جماعة من الصحابة يبادرون إلى الصفوف الأولى حتى لا تقع أعينهم على النظر إلى النساء، ومن الأفراد من يحب أن يتأخر ولا يُبالي بالنظر إلى النساء. ومن النساء ذوات الحياء يتأخرن ويحببن الصفوف المتأخرة، ومنهن من لا تُبالي وتتقدم . قال ﷺ: " خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجالِ أوَّلُها، وشَرُّها آخِرُها، وخَيْرُ صُفُوفِ النِّساءِ آخِرُها، وشَرُّها أوَّلُها"، وقال الله:
( ولَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَـٔۡخِرِينَ) ثم هو المُقدِّم المُؤخر وحده جلّ جلاله.
(ولَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنْكُمْ) فِي الْفَضْلِ وَالْمَكَانَه وَالْمَنْزِلَة (وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَـٔۡخِرِينَ) أوليس الله بأعلم بالشاكرين؟ (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى) [النجم:30] جلّ جلاله.
(وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ .. (25)) يجمعهم جميعاً ليوم الجمع، أولهم وآخرهم، المستقدمين والمستأخرين.
(وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحۡشُرُهُمۡ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ) لا تصل العقول كُنْه حكمته، وعجائب عظمته فيما برى و خلق وذرأ. يقول جلّ جلاله:
(إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِيم (25)) علمًا إحاطيًا أزليا مُحيطًا بكل شيء (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق: 12] جلَّ جلاله. فما أحسن أن نعبد هذا الإله، ونخضع لجلاله، وأن نتلقى فيوضات نواله.
اللهم أكرمنا بصدق الإقبال، وأقبل بوجهك الكريم علينا. وأنتم في أيام الموسم وأيام الإقبال وأيام التذلل وأيام الخضوع؛ يشارك الطائفين قلوب صادقة مع الله في الشرق والغرب، يشارك الساعين بين الصفا والمروة قلوب صادقة مع الله في الشرق والغرب، يشارك القائمين، يشارك العاكفين، يشارك الركع السجود؛ قلوب، صادقة مع الله في الشرق والغرب، ويشارك الواقفين في عرفة من يشاركهم من أهل التوجه إلى الله، قال نبينا: " إن خير أيام السنة يوم عرفة، يوم يتجلى الله فيه على عباده فيغفر لهم"، قالوا: يارسول الله هذا خاص بأهل عرفة، قال: "لا لأمتي حيث كانوا، بل لأمتي كلهم". الحمد لله رب العالمين، رزقنا الله التعرض لنفحاته، يعدل صيام كل يوم من أيام العشر بصيام سنة، يعدل قيام كل ليلة بقيام ليلة القدر، يعدل صيام يوم عرفة بصيام سنتين ويكفر الله به ذنوب سنتين. قالت السيدة عائشة لِمسروق: "أوما تدري أنّا كنا نعدله على عهد رسول الله ﷺ بعشرة آلاف يوم؟ "، صيام يوم عرفة بعشرة آلاف يوم.
بلّغنا الله إياه، وجعلنا من أهله جعل لنا قلوب تطوف على كعبة الصدق معه، وصدق الإقبال عليه أبدا. واجعل لنا وجهة صادقة إليه وأدبًا معه، وحضورًا وتلبية لندائه -لبيك اللهم لبيك- وحقٌ أن يُلبى رب الأرض والسماء في كل ما دعانا إليه.
ترجمة لبيك اللهم لبيك: يتصفى بيتك من الشبهات، من المكروهات من المحرمات لا يبقى فيها لبيك، ما يحل فيه إلا الواجبات والمندوبات والمسنونات والمحتاج إليه من المباحات. لبيك اللهم هذا معنى لبيك اللهم لبيك.
اللهم لبيك: إحفظ عينك من النظر الحرام، النظر إلى الدنيا بعين التعظيم حرام، النظر للمسلم بعين احتقار حرام، النظر للعورات حرام، والنظر للأجنبيات حرام، النظر إلى بيت الغير بغير إذن حرام؛ احفظ عينيك وقل: لبيك؛ لأنه قال: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) [النور:30]؛ قل له: لبيك.
وهكذا تلبية ربك تترجم في حالك مع الله، هل لبَيتَ؟ وإلا ما لبيَت؟ لهذا حذَّر من إن الواحد يغتر بصورة الحج ولايلبي قلبه؛ يجلب مال حرام ويروح للحج، ولا حقيقة إنابة ولا توبة، فإذا وضع رجله في غرز الركاب وقال: لبيك، قال له الله : لا لبيك ولا سعديك، قال: زادُكَ حرام، ونفقتكَ حرام، ومركبتكَ حرام؛ إرجع مأزورًا غير مأجور. إذا حج مخلصًا لله من المال الحلال، فوضع رجله في الغرز وقال: لبيك اللهم لبيك؛ نودي: لبيك وسعديك، نفقتك حلال، وزادك حلال، و مركبك حلال؛ ارجع مأجورا غير مأزور.
قال بعضهم: حججنا مع سيدنا علي زين العابدين، قال لما أراد أن يلبِّي؛ إصفر لونه -تغير- وأُغمي عليه، وأفاق، قالوا له مالك ؟! قال: خشيتُ أن يقال لي لا لبيك ولا سعديك، قال: ثم لبى فغشي عليه، ثم ركب الراحلة فلبى، فغشي عليه، قال وتكرر منه ذلك. في طريقه الى الحج علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين: هذه خشيته من الله، هذا خوفه من الله عليه الرضوان. هو الذي في خديه خطان أسودان من مجرى الدمع؛ دموعهم تجري من خشية الله ومن محبة الله ومن معرفة الله (تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) [المائدة: 83] -الله أكبر-. وهكذاعسى نشارك أهل الصدق مع الله في حجَّاتهم وعمراتهم وزيارتهم لنبينا ﷺ بوجهة القلوب وصدقها مع علام الغيوب ونقاءها عن العيوب وتصفيتها من الكدروالشوب. واكرمنا اللهم بذلك، واسلك بنا أشرف المسالك برحمتك يا أرحم الراحمين .
20 ذو الحِجّة 1443