تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الأنبياء
{ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (103)}
مساء الإثنين 19 جمادى الأولى 1447هـ
نص الدرس:
الحمدلله، مُكرِمنا بالوَحي والتّنزيل وبيانه على لسان خير هادٍ ومعلِّمٍ ودليل، سيدنا محمد ﷺ وبارك وكرَّم عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار خير جِيل، وعلى من تَبِعهم بإحسان إلى يوم وَضْع الميزان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين ساداتِ أهل الإيقان والإحسان والعِرفان، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المُقرَّبين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرمُ الأكرمين وأرحمُ الراحمين.
أما بعد،،،
فإننا في نعمة تأمُّل كلام ربنا -جلَّ جلاله- وتنزُّلِه بالتَّفهيم والتَّعليم والتَّبيِين على لسان عبده الأمين محمد ﷺ، انتهينا في أواخر سورة الأنبياء إلى قوله جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه: (حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ۖ وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)). اللهم اجعلنا منهم.
يقول جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه: (فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ..(94))، جعلنا الله وإيّاكم من المؤمنين العاملين الصَّالحات، لا يفوت عليهم شيء:
- ممّا بذلوه من أجل الله.
- وما عمِلوه لوجه الله.
- وما قدَّموه في مَرضاةِ الله.
فهم الرّابحون بالأرْباحِ الكُبرى الدائمة.
المؤمنون العاملون الصَّالحات:
- لَا كُفْرَانَ لِسَعْيِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَسَعْيُهُمْ مَشْكُورٌ، يشكُره العزيز الدّائم الباقي الإله الغفور.
- فيَجنُون منه عظيم الثَّمرات في الحياة وعند المَمات وَفِي الْبَرَازِخِ والقيامة وفي دار الكرامة، (فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) [الإسراء:19].
يقول سبحانه وتعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ)، يُخاطِبُنا الرَّب، يقول:
- الأمر المضمون فائدته ورِبحه وكريم ثمرتِه: إيمانٌ وعملٌ صالح.
- فلا يَقطعكُم عنه شيء مما يعتِرضُ لكم في هذه الحياة.
يا مَن عَقَل، يا مَن آمن، يا مَن صدَّق، يا مَن اتَّبَع الرُّسل؛ الإيمان والعمل الصالح:
- هو الرِّبح والفَوز.
- هو الذي يُثمِر الثَّمرات الكبيرة، العظيمة الخطيرة، الدَّائمة المُستمِرَّة.
فلا يَشغَلكُم كلامٌ شرقيّ وغربيّ، وإنسِيّ وجِنِّي، وتنقطعون عن الإيمان وزيادته، والعمل الصالح وإتقانه وأدائِه على وَجهِه؛ الربح هنا والفوز هنا.
- وكل ما أضعف إيمانك فقد أوقعَكَ في الخُسران.
- وكل ما قطعك عن العمل الصالح فَقَدْ سقط بك عن الدَّرجات العُلا.
إذًا فلا تُقدِّم في حياتك شيئًا على الحرص على الإيمان وزيادته، والعمل الصالح وإحسانِه وأدائِه لوجه الله تبارك وتعالى؛ فهذا خيرُ ما تُحصِّل في هذه الحياة.
(فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ)، لا يَنقُص عليه ذرَّة:
- (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا) -وبعد المُضاعفة- (وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:40]؛ ففاز المُعامِلُون لله، وهم الرَّابحون حقًا.
- قال: (وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94))، فوق ذلك يكتُبه الله وقد أحاط علماً به:
- و يأمر بكتابته الملائكة
- ويأمر أن تحفظه الأرض التي عُمِلَ عليها.
- ويأمر الجوارح التي عُمِلَت به هذه الأعمال الصالحة.
- ويأمر -سبحانه وتعالى- الزمان الذي عُمِلَ فيه ذلك العمل الصالح أن يكونوا شهوداً.
- ومكتوب في صحف الملائكة ومُسجَّل ويُقابل به، قال الله: (وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ).
(وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95))، يقول:
- ثَبَتَ ووَجَب على كل قريةٍ، اقتضت إرادةُ الحقِّ إهلاكَها (أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ)، أي أنهم لم يكن فيهم تائبٌ ولا راجعٌ إلى الربِّ جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
- والمعنى الثاني: أنهم كغيرِهم من جميع الموتى لا يَرجِعون إلى الدنيا، قال سبحانه وتعالى:
- (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ).
- ولكن يجتمعون ليصل الأول بالآخر ويقع الاجتماع الواحد، (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ) [يس:31-32].
يقول تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ) وفي قراءة: (فُتِّحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ.. (96))، هاتان الأُمَّتان من بني آدم على أصحِّ الأقوال، حبَسَهُم الله -تبارك وتعالى- في بقعة من الأرض، بنى عليها ذو القرنين ذلك السَّد المذكور في سورة الكهف:
- (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا)، تَكفينا شرَّهم وأذاهُم، مُؤذين ظالمين مُتعِبين، نريد كِفاية شرَّهم.
- (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) -قِطَع الحديد- (حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) بين الجبلين الكبيرين اللَّذين في داخِلِهما يأجوج ومأجوج -بينهما- فصَدَّ بين الجبلين.
- (قَالَ انفُخُوا حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا)، رصاص مُذَوَّب، فصَبَّه عليها فصار صَلْباً لا يستطيعون أن يَرقُوه ولا يستطيعون أن يَنقُبُوه، يحفرونه. قال: (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا)، لا يطلَعون عليه ولا يحفرونه ويَنقُبُونه.
- (قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي) في آخر الزَّمان، سيَنْدَكُّ هذا السَّد الذي عملته وسيخرُجون، (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) [الكهف:94-99].
فهاتان من الأمم من بني آدم، يخرجون يَعِيثون في الأرض فساداً:
- ولا يصادفون أحداً أمامهم إلا قتلوه، ولا يُسلَّط عليهم أحد.
- حتى أنه يوحي الله -تعالى- إلى سيدنا عيسى بن مريم: "احترز بمن معك من المؤمنين إلى الطُّور".
فيَطلعون الى الجبال، ويبقى فقط في الأرض بعض الحُصُون مشدودة على أهلها، والجبال، وبقية الأماكن:
- لا يتعرَّض لهم أحد إلا قتلوه؛ فيَملأون الأرض فساداً.
- ويشربون نهر الفرات ونهر النيل، فلا يتركون قطرة واحدة من كثرتهم! حتى يصل أواخرهم، يقولون: هذا أثر ما كان هنا ماء!
- ويبلغ بهم الغرور مَبلَغه حتى يقولون: قد غلبنا أهل الأرض، باقي أهل السماء، هكذا نفوس بني آدم؛
- فيرمون بنشّاباتهم -بسهامهم- نحو السماء، فيردَّها الله عليهم مُلطَّخة بالدَّم.
- فيقولون: لقد قتلناهم، غلبنا أهل الأرض وغلبنا أهل السماء.
- فلما يبلغون إلى هذا، يضجّ المؤمنون إلى سيدنا عيسى ويقولون: يا نبي الله، أتْعبونا هؤلاء القوم، ملَكُوا الأرض؛ فيدعو الله سيدنا عيسى ويُؤمِّن المؤمنون.
- في تلك الليلة يرسل الله عليهم النَّغَف؛ حشرات تجيء إلى رقابهم، كلما أصابت قَرْصَةٌ الواحدَ منهم سقط، وينتهون كلهم.
ما أغرَب غرور ابن آدم! كبرياء ودعوى! ثم حاجة بسيطة وَنِهَايَاتُهُمْ كَمَنْ قَبْلَهُمْ، نِهَايَاتُهُمْ لَا شَيْءَ، يكونون لا شيء وينتهي كل شيء.. لا إله إلا الله، (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص:83]، (وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ) [طه:132].
يقول سبحانه وتعالى: (حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ..(96))، وقد جاءت بهم الأخبار: في صحيح مسلم، وذكر الإمام البخاري أيضاً:
- أنه "ليُحَجَّن البيتُ وليُعْتَمَرَنَّ بعد خروج يأجوج ومأجوج". أي بعد يأجوج ومأجوج فيُحَجُّ البيت الحرام؛ لأن سيدنا عيسى يخرج ومَن معه من المؤمنين.
- حتى أن أصحاب الحُصُون من المؤمنين يقولون: من يجيء لنا بخبَر القوم وقد هدأت الأرض وسكتت؟ بعد أن أرسل الله النغف عليهم، من يجيء لنا بخبر القوم؟ فيقول واحد منهم: أنا آتيكم بالخبر، لكن قد تجدونني مقتولاً -إذا أبطأت عليكم- فيقولون له أخرج.
- فيأتي وإذا بهم مَرميين في الأرض أمواتاً، ألوف الألوف، ملايين. فيقول: أبشروا يا معشر المؤمنين، إن الله قد قتلهم.
- فيُوحي الله الى عيسى أن اخرج الى الأرض، فيخرجون، حتى أنه يبقى حطب الناس في الأرض سنة؛ من عِصيِّهم.
- وبعد أيام تبدأ روائح أجسادهم، فيدعو الله سيدنا عيسى، فينزل المطر تحملهم، وتأتي بعض الطيور الكبار وتحملهم إلى البحار، وتسير ببقيتهم الأمطار والسيول القويّة حتى تُلقيهم في البحار.
- وتصفو الأرض لسيدنا عيسى والمؤمنين؛ حينئذٍ تُظهِر الأرضُ بركاتها وثمراتها:
- حتى أن الرُّمانة لتُشبِع أهل بيت، ويستظِلّ بقشرها أسرة كاملة، من قشر رمانة!
- فتحصل بركات كثيرة، وتخرج الأرض خيراتها وبركاتها.
ويحجّ سيدنا عيسى ويعتمِر ومن معه فترة وجيزة، ولكنها تكون قد قَرُبَت القيامة:
- يموت سيدنا عيسى بالمدينة المنورة.
- وتهبّ بعده الريح التي تخطف كل مؤمن.
- وتنزل الدَّابة من جبل الصفا تُكلِّم الناس.
- وتطلع الشمس من مغربها.
- ثم تهب الريح فتخطف من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ويبقى الكفار.
حتى أنه جاء في الأخبار أنه بعد خروج يأجوج ومأجوج هؤلاء وانتهاء مدتهم "لو أن فرساً ولدت لم يُركَب فصيلُها"، أي ما يصل إلى سن الركوب إلا وقد قامت الساعة، في آخر الأيام.
كما جاءنا في عدد من الروايات عند الإمام أحمد وعند البيهقي وعند الحاكم في المستدرك وعند ابن أبي شيبة وغيرهم، أن النبي ﷺ قال: "اجتمعتُ ليلة أُسري بإبراهيم وموسى وعيسى، فتذاكروا أمر الساعة، فردُّوا أمرهم إلى إبراهيم فقال: لا علم لي بها. فردُّوا أمرهم إلى موسى فقال: لا علم لي بها، فردُّوا أمرهم إلى عيسى، قال: أما وَجْبَتها فلا يعلمها إلا الله، وفيما عهِد إلي ربي؛
- أني أنزل إلى الأرض ومعي قضيبان
- وأُقبِل على الدَّجال فما يراني حتى يذوب كما يذوب الرصاص أو كما يذوب الملح في الماء، فأقتله
- ثم أحكم بأمر الله وشرعه
- ثم يخرج يأجوج ومأجوج، ويوحي الله إليَّ: لا يداً لكم بقتالهم، فاحترز بمن معك من المؤمنين إلى الجبال.
قال: ثم يلجأون إليَّ - أي المؤمنون - فأدعو الله تعالى فيرسل عليهم النغف فيهلكون. وفيما عهد إلي أنه إذا كان ذلك، فأمر الساعة كالحامل آن أوانُ مخاضها"، يتوقع أن تضع ولدها في أي لحظة:
- (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر:1].
- وهنا يقول: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ..(97)).
(حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ (96))، سبحان الله، (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [ال عمران:140]، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة، ولكن اقتضت حكمته ذلك، ولا مُبدل لكلماته، ولا مُغير لسُنته، ولا رادّ لحُكمه، فحَكمَ بأن يداول الأيام بين الناس على مدى هذه الحياة:
- جعل فيها وعلى ظهر هذه الأرض -من أيام آدم إلى أن تقوم الساعة- أنبياء وأولياء وصلحاء وعارفين، وفجار وفساق وكافرين وعصاة ومؤذين.
- وجعل أمر الحكم الظاهر أكثره بيد الكفار والفجار في أكثر الأوقات.
- وجعل سبحانه وتعالى قيام الأمر على وجهه في أوقات معينة، وأماكن معينة على أيدي بعض الأنبياء وبعض أتباعهم.
- وتداول ذا بعد ذا، وذا بعد ذا، ويظهر مع ذلك كله، فَرَاية الحق قائمة ولا تسقط، ويعاديها من يعاديها في كل زمان.
- ومهما عادوا فالعاقبة أن يهلك الأعداء، وتبقى راية الحق إلى أخر الزمان.
وفي آخر الزمان، وقد حكم الأرض سيدنا عيسى من طرفها إلى طرفها، واستقر أمر الناس، يأتي يأجوج ومأجوج: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [ال عمران:140]، ما يخليها الله، قبلها يستقر الأمر بعد قتال وجهاد بسيدنا المهدي عليه السلام، فيستقر أمر الناس ويُحكم بالحق والهدى والدين والقسط والعدل، وإذا بالدجال جاء.
(وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [ال عمران:140]:
- الدنيا ليست محل صفاء ولا محل استقرار.
- محل اختبار وتداول ومرور.
- والجزاء هناك، والاستقرار إما في الجنة وإما في النار؛ لكل المكلفين.
هذه هي الغاية الكبيرة!
- فلا تغتر بعمرك القصير، اتق الله فيه.
- واجعل لك علاقة مع القوي الدائم.
- واستقِم على ما يحب ولك الفوز.
وإلا لا تغتر، فما أقصر عمرك، وما أقل حياتك، وما أسرع مرورها، والاستقرار هناك.
فيا ربِّ ثبتنا على الحق والهدى *** يارب اقبضنا على خير ملةِ
يقول: (حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ):
- أي فُتِحَ ردمهم وأُبعِد الحصار عنهم، (وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ (96))، الحَدَب: هو المكان المرتفع، من كل تل، من كل أكمة، من كل جبل.
- يخرجون من هنا وهنا، يملأون الأرض ولا أحد يقدر أن يقابلهم، من قابَلهم هُزِم وقُتل؛ اختبار من الله وامتحان للمؤمنين.
- فيصعد سيدنا عيسى بمن معه إلى جبل الطور، وهناك يتفرق المؤمنون في الجبال وفي حصون يبقون فيها، حتى يأتي هلاك هـؤلاء القوم، فينتهون.
- بعد غرور كبير قالوا: غلبنا أهل الأرض، سنغلب أهل السماء.. يا مجانين! لكن هكذا غرور بني آدم.
كما تسمعون الآن وكما ترون، كل من انقادت له بعض الأسباب قال: أنا سأُطلِّع وسأعمل؛ أحد قائد وأحد رئيس، ويصبح الكلام كله فارغ، لا يطَلِّع ولا يُنزّل، وبعد زمن قليل ينحط وينكسر ويذهب.
وكم قالوا من قبلهم:
- (قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) [البقرة:118].
- وهؤلاء قالوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت:15].
- (قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) [الشعراء،:116] سنرجمك
وجاء الطوفان وأخذهم وبقي نوح، وهلكوا هم..
- وهؤلاء قالوا على سيدنا لوط: (قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) [الشعراء:167]، نحن أهل الأرض، قال: (جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا) [هود:82]، وبقي سيدنا لوط وبناته ومن آمن معه، وهكذا.
- وهؤلاء، قال: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، فقال له سيدنا إبراهيم: (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)، دعها تأتي الشمس غداً من هنا يا مُدّعي الالوهية! (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) [البقرة:258].
- (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) [الأنبياء:68]، (وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) [الأنبياء:70]، (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ) [الأنبياء:69]؛ وهلك النمرود ومن معه.
وهذا الكلام يتكرر:
- (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي) [الزحرف:51].
- (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) -لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم- (فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) [إبراهيم:13-14].
وهكذا راحوا كلهم، والذين في وقتنا مثل من قبلهم، لا فرق، الرب واحد، والمَلك واحد، والسُنة واحدة:
- (فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ) [يونس:102].
- ويا فوز المؤمنين الصادقين، جعلنا الله وإياكم منهم: (لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الزخرف:51] .
قال: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ)، قَرُبت القيامة الآن، لا إله إلا الله.. الوعد الحق: يوم القيامة، فإذا جاء الوعد الحق ونُفِخَ في الصور:
- (فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا)، فَتّحَت أعينهم، ورأوا ما كانوا ينكرون، ما كانوا يكذِّبون، وكل شيء من أملهم وعملهم انتهى، وإذا الأمر: (هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس:52].
- (فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا):
- يقولون لأنفسهم، يا ويلنا، (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا) [الفرقان:14].
- (قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا)، كنا لا نُصدّق بالحشر، لا نصدّق بالقيامة، لا نصدّق بما يقوله الأنبياء والرسل، كُنا في غفلة من هذا، لم نعمل له، لم نستعد له.
(بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)):
- نُكذب الأنبياء والرسل، ونُكذب الذين يؤمنون بهذا اليوم، ونقول ما يهلكنا إلا الدهر، ونحن ونحن ونحن..
- وفيهم من يقول -بعض كفار قريش- يقولون: إذا رجعنا في يوم القيامة تعال عندي، سأعطيك الدَين الذي أخذته منك، أنا هناك عندي مال كثير سأعطيك الدَين الذي لك.
- (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدً) [مريم:77-80]. لا إله إلا الله.
(وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97))، نحن المكذبين، نُكذب بالرسل، نُكذِّب الصالحين في زماننا، ومن يؤمن الى هذا اليوم، (بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ).
(إِنَّكُمْ) -يا معشر قريش المكذبين بمحمد- (وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) -من جميع أصنامكم- (حَصَبُ جَهَنَّمَ)، حَصَبُ جهنم: الحصب: الرمي، يرسل عليهم حاصبا؛ أي رماهم.
- وحصب جهنم: يعني المَرميين في جهنم، أي تُرمون في جهنم.
- ومعناه أيضاً حطب جهنم؛ وقودها، (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم:24].
(إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98))، نعوذ بالله من غضب الله، داخلين إلى النار؛ وهذه نهايتكم.
وهكذا، إذ تأتي الأصنام وكل من عُبِدَ من دون الله تبارك وتعالى، فيُلقَون مع عبدتهم في جهنم، أجارنا الله من عذاب الله..
- (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ) -الذين تعبدون من دون الله- (آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا) ما دخلوا النار، وما كانوا سيُدخِلونكم النار، ولا منعوكم من دخول النار.
- لكن كلام فارغ: (لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ)، من المعبودين من دون الله، والعابدين لما دون الله؛ (وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)) وسط النار، (وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [البقرة:167]. اللهم أجرنا من النار.
- (لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100))، يشهقون ويزرفو، في شدائد وأهوال وحر شديد، يمتلئون زفيرًا وشهيقًا، وصوت يُسمع من بعيد من شدة ما هم فيه، وما يعانونه ويقاسونه من ألم العذاب وشدته، اللهم أجرنا من النار.
قال: (لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)):
- لا يسمعون كلاماً طيبًا أصلًا ولا شيئًا يسرهم أبدًا، كثير من أحوالهم في النار، لا يسمع أحد ولا يدري بأحد ولا يرى أحد، ويظن الواحد منهم أنه الوحيد المعذب في النار، ويصيح.
- وعندما يريد الله -تبارك وتعالى-، فإنهم يسمعون كلام الملائكة عندما تكلمهم وعندما تبكِّتهم، ويسمعون كذلك أهل النار وأهل الجنة عندما يكلمونهم، إذا أراد الله أن يفتح لهم سبحانه وتعالى فتحة للجنة:
- (وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) [الأعراف:50].
- (وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [الأعراف:44].
- وبعد ذلك لا يسمعون، في أكثر أوقاتهم وأحوالهم لا يسمعون شيئا، (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [البقرة:171]، وسط النار في شدائد يُقاسونها ويُعانونها.
لا إله إلا الله، أجرنا من عذابك يا خير مُجير، وقِنا حر نار السعير، وأدخلنا جنّاتك مع عبادك الصالحين، ونبيك المصطفى البدر المُنير. اللهم آمين.
قال: (لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ) -الآلهة المزعومة والعابدين لها- (فِيهَا) -في النار- (خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ..(101)):
- سبقت لهم السعادة منا.
- سبقت لهم الرحمة منا.
- سبق لهم الفوز عندنا.
(أُولَٰئِكَ عَنْهَا) -عن النار- (مُبْعَدُونَ). اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا ممن سبقت لهم منك الحسنى، وختمت لهم بالحسنى، وأدخلتهم دار الحسنى.
(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)) -عن النار- (لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا..(102))، مع أن زفيرها يُسمع -زفير النار- من مسافة مئة عام، يسمع ويحس الزفير: (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا * قُلْ أَذَٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) [الفرقان:12-15]. اللهم اجعلنا من أهل جنتك.
(لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ) -في الجنات- (خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ..(103)): نفخة الصور، الأمر بدخول النار، هذا الفزع الأكبر، ثم ذبح الموت، ونداء المنادي: يا أهل الجنة خلود فلا موت، يا أهل النار خلود فلا موت، هذا الفزع الأكبر.
هذه مواطن الفزع الأكبر:
- النفخة الثانية في الصور، (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ).
- الأمر بدخول أهل النار النار، (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ).
- ذبح الموت.
في آخر الأمر عندما يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ..(103))، فأنعِم بهؤلاء: (الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ..(101)): عموم أهل السعادة.
وخصوصًا أيضًا، واحد من المشركين لما تكلم النبي ﷺ مع بعض المشركين، فخصمه وأسكته وأفحمه، وتلا عليه الآية: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98))، ما عاد قدر أن يقول شيئًا وسكت ساكت.
- وكانوا يتذاكرون فجاء واحد من المشركين، فقال: محمد قال كذا كذا، فقال لهم: قال لكم كذا؟ قال: هذا محمد أنا سأخصمه، قالوا: كيف؟ قال: سأقول له: إنك تقول ما نعبد من دون الله، هم حصب جهنم؟ فعيسى ابن مريم عُبِدَ من دون الله، وعزير عُبِدَ من دون الله، والملائكة عبدوهم الناس من دون الله، فهل هم في النار؟ فأُعجب الكفار بهذا.
- فقالوا: اذهبوا به إلى النبي محمد، قال: أنت تقول كذا؟ قال: نعم. قال له: "ما أجهلك بِلغةِ قومك! "ما" لِما لا يعقل: (وَمَا تَعْبُدُونَ)، أي هذه أصناكم يا جهلة، فـ (ما) عُرف أن يرد عليه (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جهنم..(98)).
(إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ..(101))، ليس فقط مريم وعيسى وأكابر..، بل كلُ الذين سبقت رحمتي لهم، لا يقربون من النار.
أنتم وأصنامكم؛ هذا الخطاب نزل لهم، وكفار قريش ما كانوا يعبدون إلا الأصنام، (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جهنم أنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)).
اللهم أجرنا من النار، انظر إلينا يا رب، وتولنا في الدنيا وفي المنقلب، لا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك يا رب العالمين.
اجعلنا في زمرة الحبيب الأمين، في مرافقة المصطفى خاتم النبيين، لا فرقت بيننا وبينه بجاهه عندك، ومنزلته لديك، بالوحي الذي أوحيته إليه، اجعلنا من أقرب الخلق إليه في البرزخ والقيامة ودار الكرامة، يا حي يا قيوم. يا حي ياقيوم، يا حي يا قيوم، حنِّن روحه علينا، وعطِّف قلبه علينا، وثبتنا على دربه، واسقنا من شربه.
وبه عليك انظر إلى أمته وتداركهم، وعجِّل بالغياث الشامل العاجل لأهل السودان، وأهل غزة، وأهل الضفة الغربية، وأهل الشام، وأهل اليمن، رد كيد الطاغين، الباغين، المعتدين، الظالمين، المخادعين المفسدين في الأرض، اهزمهم وزلزلهم يا قوي يا متين بقدرتك يا أقدر القادرين، اجعلهم عبرة للمعتبرين، واجعل العاقبة عليهم واجعل الدائرة عليهم، واشغلهم بأنفسهم، وأرنا عاقبة المتقين في المتقين يا أكرم الأكرمين.
وأرِنا ظهور رايات الحبيب الأمين، وعاملنا بلطفك وما أنت أهله في جميع الأحوال، وادفع عنا الأهوال، واختم لنا بأكمل الحسنى وأنت راضٍ عنا.
بسر الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صل عليه وعلى آله وصحبه.
الفاتحة