(228)
(536)
(574)
(311)
الدرس الأول من تفسير العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة محمد، ضمن الدروس الصباحية لشهر رمضان المبارك من عام 1445هـ ، تفسير قوله تعالى:
{ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) }
الإثنين 1 رمضان 1445هـ
الحمد لله الذي بلغنا رمضان وأهلّّ علينا شهر الإحسان والغفران والرحمة والرضوان والعطايا الواسعة بغير حسبان، اللهم لك الحمد يا من بلَّغتنا الشهر فاجعلنا من خواص أهله، اللهم لك الحمد يا من بلَّغتنا الشهر فاجعلنا من الظّافرين بما فيه من عطائك الواسع ومنِّكَ المتتابع وغَيثك الهامِع يا حي يا قيوم يا جوادا بفضله.
اللهم لك الحمد إذ بلَّغتنا الشهر الكريم فثبتنا على الصراط المستقيم وبارك لنا في أيام الشهر وصيامه، واجعلنا ممن يصومه إيمانا واحتسابا ويقبَلُ لديك، ويبارك لنا في ليالي الشهر وقيامها واجعلنا ممن يَقومه إيمانا واحتسابا ويقبَل لديك.
اللهم وفر حظٌنا من هذا الشهر وما فيه وجودك على أهليه، واجعل هذا الشهر مفتاح فرج للمسلمين، وغياث لأهل الدين، ودفْعًا للبَلايا والرّزايا عنا وعن أهل لا إله إلا الله أجمعين، اللهم اجمع شمل الأمة وألف ذات بينهم واكشف كل غمة وثبتنا وإياهم على ما تحب منا وترضى به عنا ظاهرًا وباطنًا يا عليمًا بنا وبهم.
يا لطيفا بخلقه يا عليما بخلقه يا خبيرا بخلقه ألطف بنا يا لطيف يا عليم يا خبير..
يا لطيفا بخلقه يا عليما بخلقه يا خبيرا بخلقه ألطف بنا يا لطيف يا عليم يا خبير..
يا لطيفا بخلقه يا عليما بخلقه يا خبيرا بخلقه ألطف بنا يا لطيف يا عليم يا خبير..
اللهم سلِّمنا لرمضان، وسَلِّم رمضان لنا، وسَلِّم رمضان مِنَّا وتسلمه مِنَّا متقبلا يا ذا الجلال والإكرام والطول والإنعام برحمتك يا أرحم الرحمين.
الحمد لله الذي أكرمنا بالتدَبر في آياته، والتأمل لوحيه المُنزل على خير بريّاته سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله أفضل صلواته وأزكى تسليمَاته وأجلّ تبريكاته، وعلى أصحابه ومن سار في دربه واقتدى به ووالاه فيك؛ فظفر منك بواسع الخيرات في الظواهر والخفيات، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك والمرسلين سادات أهل المراتب الرّفيعات، وعلى آله وصحبه وتابعيهم وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين..
أما بعد؛
فإننا في نعمة تأمل وحي ربنا -جل جلاله وتعالى في عُلاه- قد وصلنا في سورة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى قول مولانا جل جلاله: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)) الآية السابعة عشر من سورة سيدنا محمد، ولقد ذكر لنا -جل جلاله- من أول السّورة أحوال المؤمنين والكافرين، وأنه لا يُمكن أن يُساوى بينهم، (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص:28]، (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ) [السجدة:18].
وذكر جل جلاله: أن الكفار صدوا عن سبيله فأضل أعمالهم، وأن المؤمنين العاملين للصالحات المؤمنين بما نُزّل على خير البريات وهو الحق من ربهم عاملهم بالإفضال وجزيل النّوال، وذكر لنا الفرقَ بين القومين وبين الفريقين، ومِنهم أهل النفاق الذين يستمعون إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وإذا خرجوا من عنده (قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا..)؛ لعدم وعيهم وإدراكهم أو استهزاءًا بما يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ..) ، وهذا مسالك الخاسرين في كل وقت، وفي كل من قابل الأنبياء والمرسلين أو وصله ما بعُثوا به على يد أتباعهم رضوان الله تعالى عليهم.
لكن المؤمنين قال: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17))، اللهم اجعلنا من الذين اهتدوا..
وهكذا تجد المُصلي يزداد هدًى في كلّ ركعة، وتجد الصائم لرمضان يزداد هدى في كل يوم وفي كل ليلة من ليالي وأيام رمضان، (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)، أعطاهم تقواهم بيّن لهم ما يتقون، وبيّن لهم -جل جلاله- ما الذي يجب منه أن يحذروا وما الذي يجب عليهم منه أن يبتعدوا، وما الذي يحرصون عليه وما الذي يَرغبون فيه.
(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17))
يقول الله -جل جلاله-: فماذا ينتظر أصناف الصّادّين عن سبيل الله والرادّين لدعوة الله والمخالفين لأنبياء الله؟! والأدلة أمامهم، والبيان واضح لكل ذي عقل، وهم يُصرون على المخالفة وعلى العناد؛ (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً..(18)) بموت أحدهم فجأة؛ ووصوله إلى البَرزخ ثم إلى يوم القيامة وقيام الساعة، (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً) ماذا بعد أن قام الدليل ووضح السبيل، وبيّن ﷺ بخير تبين.. ماذا بعد هذا؟! فما يفيدُهم أن يؤمنوا إلا أن يُعاينوا ما كذّبوه، ويصلوا إلى نتيجة ما أخبروا به وحينئذ نَدامتهم لا تنفعهم؛ حسرتهم لا تنفعهم؛ التوبة لا تمكنهم.
(فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) -قد برزت لهم علامات الساعة- (فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18)) كيف لهم بأن يتذكروا أو يُنيبوا بعد غلق الباب؟ بعد انتهاء الفرصة، بعد معاينة ما قال رب الأرباب وسيد الأحباب محمد ﷺ، فكلٌ من هؤلاء المُكلفين وإن كان ألحد الملحدين وأكفر الكافرين عند الغرغرة والموت يُعايِن ما قال الله ورسوله ويؤمن ولا ينفعه ذلك؛ حتى الذي كان يقول: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ) [النازعات:24]. ثم زاد في التجبر والترفع فقال: (ما عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي) [القصص:38]، من قبل الغرغرة عند شدة الغرق قال: (آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس:90]. فكل هؤلاء سيرجعون إلى الحقيقة لكن حيث لا ينفع رجوعهم ولا تقبل توبتهم ولا ينفعهم الندم (إنْ كلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا) [مريم:93].
فالحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان ودين الحق، يا رب ثبتنا عليه وزدنا منه، اللهم كما أنعمت علينا بالإسلام فزدنا منه، وكما أنعمت علينا بالإيمان فزدنا منه، وكما أنعمت علينا بالعافية فزدنا منها، وكما أنعمت علينا بالعمر فبارك لنا فيه، وأنعم علينا بالإحسان والتحقق بحَقائقه وأكرمنا بواسع العرفان وخاصِ ما تتعرف به إلى من رفعت لهم القدر والشأن يا كريم يا منان.
(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا..(18)) وفي كل يوم كم يموت من هؤلاء الكفار والملحدين والمُعاندين والمُضادين لدين الله أوالساعين في فساد العباد والبلاد؟! والواقعين في شبكات التجمع على نشر السّوء ونشر الفساد وضر الخلق؟! وكثير تحت أستار الحضارة والتقدم يتجندون؛ لنشر ضُرّ؛ ولنشر الفساد؛ ولهَتك الحرمات؛ ولسَفك الدماء إلى غير ذلك من أنواع الفساد الذي يُنشر، في كل يوم كم يموت منهم؟! كل من مات منهم عاين الحق والحقيقة وندم على ما كان ولا ينفعه ذلك (حتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون:99-100]، فكلهم عند الموت يوقنون ولا ينفعهم في تلك الساعة اليقين، وكلهم يتوبون ولا تقبل منهم توبة؛ "يُستجاب لأحدكم ما لم يغرغر".
يقول تعالى: (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا..(18)) أمامهم علاماتها:
وقال تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر:1]. (فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا..)؛ العلامات على البعث، خلْقهم وإيجَادهم، وخلق السماوات والأرض.. (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) [يس:81]. وعلامات الاقتراب من حيث الزمن، قد مضى على الدنيا أكثر عمرها وأطول عمرها، وكل الوقت من بعثته إلى وقت النفخ في الصور قليل جدًا بالنسبة لما مضى من عمر الدنيا، الآلاف ومئات الآلاف من السنين قد مضت، ما عاد بقي إلا القليل اليسير، ألف ألفين ما تصل إلى ثلاث الألف فتقوم الساعة، قليلة جدًا كانت هذه عمرُ اثنين من الأمم السابقة، المسافة هذه كلها، هذا يتعمَّر ألف ومتين سنة، وهذا يتعمَّر كذا؛ أخذ الوقت كله حق الأمة من النبي ﷺ لأن تقوم الساعة، فهذا يسير جداً وحقيراً نحن في آخر الدنيا وآخر عمرها وآخر أيامها مضى ما مضى. (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا) [الفرقان:38] قرون كثير.
يقول الله -جل جلاله- مرت انتهت وانتهى أهلها، وما أحد منهم بقي له ذكر حسن في الدنيا إلا الرسل والأنبياء وأتباعهم، ولا أحد منهم نال خيرًا بعد موته إلا الرسل وأتباعهم.
كلهم ما أحد منهم ربح ولا فاز؛ إلا الأنبياء وأتباع الأنبياء، ومِن يوم بعث نبينا إلى ليلتنا هذه كل الذين ماتوا وقد بلغتهم دعوته لم يربح إلا من آمن به، ولم يطب لأحد حال منهم من عند الغرغرة إلا لمن اتبعه ﷺ، وكل الذين يموتون على مخالفته بعد بلوغهم دعوته خسروا وندموا وهم خاسرون وندامتهم أبدية ولا ينفعهم شيء.
(فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ..(18)) ثم توالت من بعد بعثته إلى اليوم الأشراط الصغرى للساعة، علامة بعد علامة بعد علامة بعد علامة وما أكثر ما قد حصل في الأمة من هذه العلامات.. ولم تبق إلا العلامات الكبرى وهي تتابَع تتابُع كالعقد إذا انفرط تخرج حباته واحدة بعد الثانية (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا) [مريم:40] وهو خير الوارثين، (ويَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [مريم :48].
(فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ۚ فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18))، قال الله لحبيبه: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ ..(19)). ومن مثله يعلم أن لا إله إلا الله وكيف خاطبه الله (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ)؟ ذاك أن علم لا إله إلا الله مُتزايد لا نهاية له، وهو الراقي في كل نفس ولمحة فضلا عن كل ساعة إلى مقام أعلى من المقام الذي هو فيه، وكل مقام يرتقي يعلم من علم لا إله إلا الله ما لم يكن يعلم من قبل (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) [النساء 113].
وفتح له باب العلم الأوسع في معاني لا إله إلا الله فقال له: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ) وأن جميع من يُنكرون لا إله إلا الله يُخادعون أنفسهم ويخدعهم عدوّهم إبليس ويضحك عليهم، ثم يؤدون بأنفسهم إلى الخسران وإلى النيران وإلى شقاء الأبد، ولا قيمة لما يصوِّرون ولا لما يقولون ولا لما يدعون، فالحقيقة لا إله إلا الله (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ).
وقد أمَرنا أن نكثر من هذه في أيام رمضان ولياليه ليزداد علمنا بسر لا إله إلا الله، قال: "فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتان لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه.." (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ..(19))، "وأما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتستعوذُون به من النار".
فكان يقول سيدنا بكر الصديق -رضي الله عنه-: إن أعظم ما ينفع الناس ويرد عنهم كيد الشيطان الإكثار من لا إله إلا الله والاستغفار، وكان يقول سيدنا أبو بكر: إن الشيطان يقول أهلكت بني آدم بالذنوب فأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار، توبة.. فلنكثر من لا إله إلا الله ومن الاستغفار.
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ..(19))، وحقائق التوحيد كلها منطوية في لا إله إلا الله، بل وشؤون الدين كلها منطوية في لا إله إلا الله، فشهادة أن لا إله إلا الله وأن مُحمَّد رسول الله بذرة الإيمان منطوٍ فيها جميع علوم الإسلام والإيمان والإحسان وأسرار المعرفة الخاصّة والمحبة الخالصة وما لا نهاية له.
فاليقين بوجود الحق وأنه الواحد الذي لا شريك له -جلّ جلاله- أصل وأساس وبذرة تقتضي أن نتعرف عليه من طريق رسله وأنبيائه؛ فنؤمن بمحمد رسول الله ﷺ ونوقن أن علينا امتثال أمر الله تبارك وتعالى فنعلم الأوامر والنواهي من الكتاب الذي أنزل، وبيان كل ذلك بلسان النبي الذي أرسل في سنته الغراء ﷺ، فكانت آيات الأحكام وآيات القرآن غير آيات التوحيد شرحاً لهذا التوحيد وشرحاً لقوله: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ).
وكانت السنة بياناً للقرآن وشرحاً له، وكل ما انتهى إليه مَن استخراج العلم من العلم المستخرج الصحابة والتابعون والمجتهدون في الأمة شرحًا للسنة، والسنة شرحٌ للقرآن، والقرآن شرح لـ لا إله إلا الله، فاندَرجت العلوم كلها في لا إله إلا الله.. ثبتنا عليها وحققنا بحقائقها يا ربنا واجعلنا من خواص أهلها عندك.
وليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا يوم بعثهم ونُشورهم، ولا تزال لا إله إلا الله تدفع عن أهلها سخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على آخرتهم، فإذا فعلوا ذلك ثم قالوها قال الله: كذبتم لستم بها بصادقين.
قول اللسان لا يفيد ولكن تحقق بحقائق التوحيد لهذا الإله المجيد والتعظيم له والخضوع لجلاله، قال تعالى: (فَاعْلَمَ أنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ..(19)) واستغفر لذنبك: الاستغفار الأول والأكبر بطلب الغَفْرِ وهو الستر. أي: أطلب من ربك دوام الستر بينك وبين الذّنب حتى لا تقع في شيء منه، (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ)، هذا إذا نُسِبَ إلى الذات الشريفة وهو سيد المعصومين ﷺ إلى الذات الشريفة وهو سيد المعصومين ﷺ.
وإذا أريد به من التصق به من أهل بيته وخواص أصحابه فالمراد بذنبك هذا ذنب المحيطين بك والقائمين عليك (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ)، ثم عموم الأمة قال الحق (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) بقيت من آمن بك بحياتك ومن يأتي من بعد إلى أن تقوم الساعة، وكان كثير الاستغفار لهم كلهم ﷺ في ليله ونهاره.
وقد جاء في الحديث عنه أنه قال: "أتاني آتٍ من عند ربي وقال لي إن ربك يقول إن لك ثلاث دعوات مستجابة فسل، قيل لي: ما الأولى؟ فقلت: اللهم اغفر لأمتي، فقيل لي: ما الثانية؟ فقلت: اللهم اغفر لأمتي، فقيل لي: ما الثالثة؟ فاختبأتها شفاعة لأمتي في يوم يلوذ بي فيه الناس حتى إبراهيم وموسى ﷺ".
(وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)، وروى الطبراني عنه ﷺ: "من استغفر الله للمؤمنين والمؤمنات كل يوم من سبع وعشرين مرة كان ممن يُستجاب لهم، وبهم يرزق أهل الأرض ويمطرون"، فنستغفر الله لنا وللمؤمنين والمؤمنات..
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19))، (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)) وكم في الاستغفار من فوائد؟
قال: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)) هو الأعلم بطاعاتكم وبذنوبكم منكم أنفسكم..
قد أحاط علما بكل ذلك -جلّ جَلاله- فنسْتغفره لمَا يعلم منا بجميع أنواع الاستغفارات كما أحاط بها علمه، ونسأله أن يغفر لنا بمغفرته الواسعة ولوالدينا ومشايخنا ومعلمينا وأهلنا وأولادنا وذرياتنا وطلابنا وأحبابنا وأصحابنا وأهل مجمعنا ومن يسمعنا وللمؤمنين وللمؤمنات فاغفر لنا يا خير الغافرين.
(وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)) عز وجل، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، فنسأله الغفران التام الواسع الكامل الشامل لجميع ذنوبنا وسيئاتنا وخطيئاتنا وزلاتنا، ولجميع تقصيراتنا ومعايبنا.
اللهم اغفر لنا يا غفار يا خير الغافرين، اغفر لنا مغفرة واسعة برحمتك يا أرحم الراحمين لا تغادر ذنبا ولا حُوبا ولا خطيئة ولا سيئة صغيرة ولا كبيرة ظاهرة ولا باطنة إلا محوتها وكفّرتها عنا بها وعفوت عنا وبدلتها إلى حسنات يا حي يا قيوم، اغفر لنا يا خير الغافرين واسلك بنا من مسالك الصالحين، وزدنا من نوالك ما أنت أهله وبارك لنا والأمة في رمضان وإقباله ولياليه وأيامه، واجعلنا وأهلينا وأولادنا ممن ينادى كل فرد منه ومنهم في كل ليلة "يا باغي الخير، أقبل يا باغي الخير أقبل" وزدنا من فضلك ما أنت أهله بوجاهة حبيبك خاتم رسلك.
وبسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
01 رَمضان 1445