(228)
(536)
(574)
(311)
تفسير الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ لسورة الفاتحة وقصار السور بدار المصطفى ضمن دروس الدروة الصيفية العشرين في شهر رمضان المبارك من العام 1435هـ.
﷽
(وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3))
الحمد لله مُكرمنا بتواتر الرحمات، وهطول البركات، والتذكرة الموجبة للنجاة من العذاب والشدائد المهيلات، نشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له؛ فاز من عظَّمه ووحّده وتعلّق به وتولّع وتولّه، وخاب من أعرض عنه وهو إلههُ وإليه مرجعه، ومن انصرف إلى غيره وليس سواه؛ من يضُرّه ولا من ينفعه، بعث فينا النعمة الكبرى سيد أهل الدنيا والأخرى، فجعله مفتاحاً لخير الله الذي يُرى والذي لا يُرى والذي ربُّنا به أدرى، فهو مفتاح باب الرحمة وخزينة الاصطفاء الربانيّة الحامية لمن احتمى بها من كل نِقمة.
اللهم صَلِّ وسلم وبارك وكرّم على الذي جعلتنا به خير أمة، وكشفت به عنّا الغمّة وجلوتَ الظلمة، وعلى آله أهل السرِّ والهمّة، وأصحابه الراقين إلى القمّة، وأهل محبته ومودّته ممن استوى على منهاجه بصدق عزيمة، فهم أهل الحظوظ العظيمة، وعلى آبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين المندرجين تحت لوائه، فهم منه وإليه، ينبئون عنه قبل ظهوره في هذا العالم، وظهور هيكله ولوائه، ولهم في الغد استظلالٌ تحت لوائه المعقود، ودخولٌ في دائرة جاهه الواسع الممدود، وعلى آلهم وأصحابهم ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا بر يا ودود.
ولقد أكرمنا الله وإيّاكم باجتماعات في الشهر الكريم وفِي هذه الخواتيم، نتأمل فيها قول إلهانا العظيم، وأخبار مابلّغه الرسول الكريم، فنسأل الله القبول لديه، وأن يقرِّبنا وإياكم زلفى إليه. ولقد مررنا على بعض معاني سورة الفيل، وتلوْنا فيها مظهراً من مظاهر عظمة الجليل، وما يُنازل أهل التطاول من العذاب والتنكيل، فيجعلهم سبحانه عبرة لكل عاقل، تذكرة لكل غافل وجاهل وما أكثر الآيات (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ) [غافر:13]، (سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ* وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ) [الاعلى:10-12].
إن الله يقول لنبيه: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) [الفيل:1]، فلا ينبغي أن تحمل من هؤلاء الأعداء همّاً ولا تبالي بهم بالاً، فإن الذي أرسلك صاحب القدرة والسطوة، ولقد دافع عن بيته الحرام الذي تحبه، وجعله مسكنك وموطنك أيام بروزك إلى هذه الدنيا، أو قبل أن يظهر جسدك إلى هذا العالم، وأنت حملٌ في بطن أمك، أفتراه بعد ذلك يُمكّن أحداً من عدوك عليك؟ أو على هذا البيت؟ وقد أبرزك إلى هذا الوجود، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) [الفيل:1-2]، وإذا تأملنا وجدنا كيد الكائدين المعادين لرسل الله على مر الزمان أيضاً في تضليل (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ) [الفجر:6-7]، (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ) [الفجر:9-13]
وذلك أن الحقيقة -وإن غَفِل الحقيقة- (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر:14]، فأي ظالم طغى على ظهر هذه الأرض ثم مَرَّ بلا عِبرة؟ طغوا وبغوا وأفسدوا وكان ما كان، ثم صاروا عِبر، وجرى لهم ولنسْلهم ولأنصارهم ولمن جاء بعدهم من الآيات الربانيات ما يقف به كل عاقلٍ على ادِّكار وتذكّرٍ واعتبار، ومع كثرة الآيات فقد قلّ المعتبرون، الله يجعلنا من المدَّكرين المعتبرين المتذكرين (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) [القمر:17]، (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد:24].
لا فرق عند القدير بين هذه الأشياء، لا فرق، لا فرق عند الجبار الجليل القدير بين هذه الأشياء، وهي في حقيقتها كل من استند إليها مخالفاً لأمر الله، معانداً لشرع الله (كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا) [العنكبوت:41]. وليسمع من هو حاضر كما عاين من قد مضى، وسيصبح السامع معايناً كما كان من قبله أولاً سامعاً فلم يستمع، ومُذكَّراً فلم يتذكّر، فأصبح معايناً مشاهداً مُعتَبَراً يُتذَكّر به.
يقول سبحانه وتعالى: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) [القمر:43]، ويقول -جلّ جلاله وتعالى في علاه-: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) ، (وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) [محمد:10]، صدق الله، (وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) [محمد:10]، (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) [محمد:11] -اللهم اجعلنا منهم ومن خواصهم الأقوياء فيهم الصادقين-، (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ) [محمد:11]
وهذا التدمير في الدنيا، وبعد الدنيا؟ (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ) [محمد:12]، وكل من ليس له مولى فالنار مثواه، وإنما ينجو من النار من كان مولاه الله (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ) [محمد:11]. لما قال أبو سفيان في أُحُد قبل إسلامه: إن لنا العُزّى ولاعُزّى لكم، قال النبي: "أجيبوه"، قالوا: ماذا نقول؟، قال: "قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم" الله مولانا ولا مولى لكم.
وهذا جواب كل مؤمن صادق، لكل كافر ومنافق على مدى القرون، إن قال: إن لنا العزّى، وإن قال: إن لنا التخطيط، وإن قال: إن لنا القوّة، وإن قال: إن لنا المخابرات، وإن قال: إن لنا الترتيبات، وإن قال: إن لنا القنابل، وإن قال: إن لنا الأسلحة، وإن قال: إن عندنا أسلحة الدمار، وإن قال ما يقول، قل، وإن قال: إن عندنا كذا وليس عندكم. أقول لك: الله مولانا ولا مولى لكم، إلا أن تؤمنوا بهذا الإله وتسمعوا الخبر عنه من أنبيائه، فادخلوا فأنتم إخواننا في دين الله، أما أن تُصرّوا على الكيد والكفر والكذب والطعن والنفاق والخداع والضر والشر والإفساد، فالله مولانا ولا مولى لكم (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء:227]، واعلموا أنا لا نمِلُك في أيدينا شيئاً نُخَوّفكم به، ولا نهددكم به ولكنا نخاف عليكم القوي، نخاف عليكم الذي لا يقاومه شيء.
ولما قال عبد المطلب: "أنا رب إبلي، وللبيت ربٌّ يحميه أو يمنعه"، قال: لا يحميه مني ولا يمنعه مني، قال: أنت وذاك، أنت وذاك، الآن غرورك يقول: أنه لا يحميه منك؟ لا يمنعه منك؟، ادخل، (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ) [الفيل:3]، جماعات جماعات، (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) [الفيل:4-5]، لما تفرقوا وبعضهم يموت بسرعة، وبعضهم بعد قليل وبعضهم يتساقط، وفَرَّ من فَرَّ مع أبرهة نحو اليمن حتى وصل وهو كالعصفور، ثم انصدع صدره عن قلبه ومات، وآخر ذهب نحو مكة من القوم والطير فوقهم، حتى لما استبطأ الخبر وما أحد دخل إلى مكة، ينظرون من رؤوس الجبال من مثل عبد المطلب ومن معه، وكان معه عفّان -والد سيدنا عثمان بن عفان-، لما خرجوا من فوق الجبل لايوجد خبر، وبدأ الناس يخرجون من الجبال ينظرون ، لم يجدوا أحد، لماذا ما دخل أحد إلى مكة؟ وجاء هذا والطائر فوقه يقول: أُرسلت إلينا طيور ورمتنا كلنا حتى أفنتنا وهلك الناس وهم مثل هذا، كمل الخبر، وأنزل فوقه الحجرة ومات في مكانه. إنما ذهب وسيلة إعلامية لدولة البيت الحرام، التي ليس لها في الظاهر قوة، ولكن معها كل القوى.
ثم لم يزل بعض الفارِّين، ومنهم وزير أبرهة بعد ما هلك أبرهة والطير فوقه يمشي، فهرب نحو الحبشة، وجاء إلى النجاشي، وأخبره الخبر، وكمَّل الخبر، فألقى عليه الطائر الحجرة، ومات أمامهم، سبحان الله، خرج عبد المطلب إلى الأرض فوجدهم كالعصف المأكول، ووجد ما تركوا من ذهب ونحاس وأموال، وأخذ حتى كان سبب ثروة سيدنا عثمان بن عفان، أبوه عفان كان مع عبد المطلب، وأخذوا مال كثير، ثم جاء الناس ويأخذون هذه الأموال التي ساقها الله غنائم لهم إلى الحرم، فغنموا أموال من هددوهم وأرادوا تكسير بيت ربهم -جلّ جلاله وتعالى في علاه-، واستأصل أولئك القوم.
ثم حدث في الإسلام أن بعض الناس تجرأوا أيضاً على بيت الله مرة بعد أخرى، فكانت الفوارق في نفس قصد البيت، وكانت الفوارق أن الأمة رفع الله عنها شأن الاستئصال بالعذاب، إنما يحصل شيء فشيء، وقد أُخرج الحجر الأسود من مكانه أيام القرامطة، وبقي عند القرامطة عشرين سنة حتى ردوه، كان الناس إذا طافوا بالكعبة وضعوا أيديهم في محل الحجر، يتبرَّكون به -بالموضع- وكان ما كان -فسبحان الحكيم-.
وهناك أيضاً شؤونٌ فيما كان، فيه عنادٌ ومظهر غرور بتحدّي الدين والرب والإله وما إلى ذلك، يحصل من النقمة ما يتناسب مع ذلك الأمر، وهكذا، ويا فوز من عظّم شعائر الله، والويل لمن استخف بمحارم الله، (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) [الحج:30]، (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].
فدخل النبي ﷺ إلى مكة فكيف كان أدبه؟ وكيف كان تعظيمه للبيت؟ بل وفي يوم صلح الحديبية، قالوا: خلأتْ القصواء يا رسول الله، يعني تحولت إلى غير مطيعة. قال: "ما خلأت وما هو لها بخُلُق، ولكن حبسها حابس الفيل -الله الذي حبس الفيل عن مكة-، والذي نفسي بيده لا تدعوني اليوم قريش -وهم المشركون- إلى خطة يعظّمون فيها بيت الله إلا أجبتهم"، انظروا الفرق بين الخلق -الله يرزقنا تعظيم شعائره-.
ثم يقول الله تبارك وتعالى في السورة التي قبلها، وهي سورة الهمزة: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)) فذكر هذا الذي يهمز الناس ويلمزهم، كما ذكر بعده هذا الذي أراد أن يُكسر الكعبة؛
فلهم استحقاق الويل جميعاً، يقول -سبحانه وتعالى-:
قال قوم سيدنا موسى لما طلبوا منه الحل في مشكلة قتيل وُجِدَ على باب قرية، وابن أخيه يدّعي أنه مقتول بسبب أهل تلك القرية، وأهل القرية أنكروا ذلك وتدارؤوا في القتيل، وبلّغوا القضية إلى سيدنا موسى، وقال لهم: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، ففي ميزان الأنبياء، ما يهزأ بالناس إلا جاهل سخيف، (قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [البقرة:67]. (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)) بعينه، بحاجبه، بلسانه، بيده، بالإشارة، بالقول؛ همزة لمزة، كل من يعيب الناس وينتقصهم ويحتقرهم ويستهزئ بهم؛ فهو الهمزة وهو اللمزة. (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)) وهذا يحصل ممن استند إلى شيء من مثل بيت العنكبوت، وأكثره المال، فيغترّ ويرى نفسه مالك وصاحب أموال، (الَّذِي جَمَعَ مَالًا (2))، فدعاه ذلك إلى أن يسخر بذا، ويستهزئ بذا، ويحط قدر هذا.
هذا مسلك المفسدين على ظهر الأرض، مسلك المنحطّين، مسلك لا ترضاه ملَّة الله التي أنزلها على أنبيائه، ولا يمضي فيه الأخيار والصالحون، وأنَّما جعل بعض الناس طريقته لمبدأه في الحياة أن يمسك الهمز واللمز، ويتعادى هو والحزب الآخر، ويتعادى هو والرأي الآخر، بعد ذلك يمسكه -هُمزة لُمزة- أيُّ دين هذا؟ أيُّ مسلك هذا؟ هذا الذي لم يرتضيه الله لعباده، وربما سُلِكَ باسم الحرية، وباسم التطور، هذا مسلك منحط، يأباه العقل، تأباه الفطرة، يأباه الذوق السليم، تعيش عيشة أتفه من عيشة الوحوش والبهائم، أيليق هذا بالعقلاء؟ بكل بصير سميع؟. (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) هذه مسالك المنحطّين على ظهر الأرض، فحوّلها بعضهم إلى مبادئ، وإلى فلسفة، وإلى تكتكة، وإلى خبرة، وإلى وصف بالذكاء والكياسة والعقل، وهذا من سوء الاستخدام، كمن يُعطى آلة حسنة يستطيع أن يقوم بإيجابيات كثيرة وفوائد، فحوّلها وقام بمفاسد ومصائب وبلايا.
فإذا أتاك الله عقلاً، يمكن أن تسخِّر هذه الحاسة التي أُمددت بها من قِبَل الخلّاق، في معرفة عظمته ومعرفة آياته ومعرفة أحكامه ورحمة عباده وإصلاح ما بينهم؛ قام يحوّل هذه الحاسة كلها، كيف يضر ذا، وكيف يؤذي ذا، وكيف يضحك على ذا، وكيف يكذب على ذا، وكيف يسفك دم ذا، وكيف يعاند ذا، وكيف يخاصم ذا، وكيف يغدر بذا، وكيف يمكر بذا. يا قليل الأدب!، حاسة ليست من مخزنك، ولا مخزن أبيك. الله أعطاك إيّاها، لتنفع بها عباده وترحم بها عباده، قمت تؤذي بها خلق الله؟!، أولئك الذين سخَّروا عقولهم للمكر، للكيد، للخداع، أساؤوا الأدب مع واهبهم العقل، فحقهم أن يشتدّ عليهم العذاب في الآخرة، ويصبحون في الدنيا عبرة للمعتبرين. أيظن من ملك عقلاً، قدر به أن يخطط تخطيط مكر وكيد، أنه أفلح وأنجح؟!، إنه أساء الاستخدام لما أُوتي، لما أُعطي، لما وُهب، أساء الاستخدام لما وُهب، وخالف الواهب، المعطي، المؤتي، الذي أعطاه ذلك (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ) [النحل:78]، قال: مشكلتكم (قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ) [المللك:23] أعطيكم إيّاها لتكون نماذج حسنة على ظهر الأرض؛ في الصُلح، في النجح، في التقوى، في الإيجابية، قمتم وجئتم للأسماع والقلوب والأفئدة والعقول؛ سخرتوها آلات للضرب وللشتّم وللسفك وللكذب -أعوذ بالله-، (قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ) [المللك:23]، وما أعطانا الله إيّاها إلا (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78]، سبحان واهب الأسماع والأبصار والعقول -يا رب بارك لنا في عقولنا، يا رب بارك لنا في أسماعنا، يارب بارك لنا في أبصارنا-.
والقمة في الوعي والفهم، أن تعبد الله بعقلك؛ لذا جاء في الأخبار أنه إذا ذكر له عبادة أحد، قال: كيف عقله؟، فبالوعي والفهم والإدراك، تدرك مقاصد العبادة وأسرارها، فتعبد الله بعقلك؛ تنطلق جوارحك، وعقلك مشدود نحو مقصود العبادة وسرّها، فتُسخّر هذا العقل كله للعبودية لواهبه، فنِعم المؤمن أنت إذًا، نِعم المسلم أنت. ولهذا لما ذكر النبي تعريف المسلم قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه" ما عبِث بالأدوات، ما عبِث بالأدوات التي أوتيها منحة من الرب -جل جلاله-، ضبط الاستخدام، وكيفية الاستعمال للأدوات التي أوتيها.
نحن نحترم صناعة الخلق، ونأخذ الأدوات التي صنعوها، ونستخدمها على حسب كتالوج الصانع، من أجل أن تؤدي مهمتها. ما احترمنا صنعة الخالق! صنعك لكذا، وأعطاك السمع لكذا، والبصر لكذا، واللسان لكذا، قمت تصرفها في غير ذلك!، فسدْتَ وأضررت بنفسك وبغيرك، يحصل فيك ما يحصل في الآلة التي خُولِفَ فيها كتالوج الصانع ومنهجه على غير بصيرة.
وإذا جاء واحد وأخذ آلة من الآلات ولعب بأزرارها، ومشَّاها على غير الكتالوج، ماذا يحصل؟ لا تؤدي مهمتها، تفسد، تتخرب، لأنه ما مشى فيها على موجب ترتيب الصانع، تقول له: هذا الزر تضغطه لكذا، يقول: لا لا، وما تضغط ذا إلا بعد ذا، قال: لا لا، قام ولعب بها، ولا عاد بتصلُح إلا إن رددتها له، للصانع، ورحمها وأصْلحها لك، ورجعها مرة أخرى، وأحياناً يزيد الخراب، يقول: لك ماعاد ينفع (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء:48]، تموت وأنت مشرك؛ إذهب لن ينفعك أحد -لا إله إلا الله-.
فيا أيتها الصنعة، عظّمي الصانع؛ أنت صنعة، وعقلك صنعة، وفهمك وذاكرتك وعينك وأذنك كلها صنعة، لا شيء من مخزنك، ولا مخزن أهلك، ولا مخزن جيرانك، ولا مخزن دولتك، من أين جاءت؟، سبحانه وتعالى يقول: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) [المؤمنون:12]، خَلَقَنا، هذا الصانع الذي صنع، ما في غيره، (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ) [السجدة:8]، (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) [المؤمنون:14]، من تحكّم في هذه الأطوار كلها؟ (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون:14]، ومدة الاغترار القصيرة هذه تنتهي (ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) [المؤمنون:15-16].
انظر هذا الذي بلّغنا هذه الأخبار قبل ألف وأربعمائة سنة؛ من يعرف النطفة، المضغة، العلقة، والمضغة وتحولها إلى هيكل عظمي، ثم كِسْوَتها باللحم؟ من يعرف ذلك؟ لا في القرن الأول ولا في الثاني ولا في الثالث، ما عرفوا، ايش المتكلم هذا؟، من أين جاء؟ من أين جاء بالأخبار هذه؟ إن لم يكن هو الصادق، فلا صادق على ظهر الأرض، ويتلوه الناس من زمانه، ثم تأتي الاكتشافات بعد ألف ومئتين سنة، ألف وثلاثمائة سنة، الأجنّة كذا، فتتحول إلى كذا، و تتحول إلى كذا.
قبل سبعين سنة أو أقل، واحد من الأطباء الكبار، جمّع في بعض دول أوروبا، يقول: اكتشاف في الأجنة، ما هو؟، قال: أن المضغة كلها تتحوّل إلى عظم، ثم اللحم يُكسى، والأدلة والصور وأن هذا اكتشاف!!! ثم واحد كان له صلة بالإسلام قال: ما هذا الاكتشاف! هذا موجود في الكتاب الذي نزل على محمد بهذه الكيفية، كيف؟، قال: (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا) [المؤمنون:14]، معك شيء غير هذا الخبر؟ هذا النبي كان يتلوه قبل ألف وأربعمئة سنة، اهتزت الساحة بمن فيها، وكان ذلك سبب إسلام عدد منهم، ما هذا الذي نعدّه مكتشف حديث، يتكلم به النبي محمد قبل ألف وأربعمئة سنة، (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) [النجم:3-4]، هذا تفصيل الأجنّة في وقت ليس فيه أجهزة للكشف عما في البطون -جل الله-، (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) [النساء:113] -ورضي الله عن القلوب التي امتلأت بالتصدّيق به التام الكامل-.
يقول سيدنا عبد الله بن رواحة:
وفينا رسول الله يتلو كتابـــــــــه إذا *** انشق معروف من الفجر ساطع
يبيت يجافي جنبه عن فراشــه إذا *** استثقلت بالمشركين المضاجــــــــــــع
أرانا الهـــدى بعد العمــــــــــى فقلوبنا *** به موقنات أن ما قـــــــــــال واقـــــــــع
قبله قال سيدنا الصديق: "إن كان قال؛ فقد صدق"، وبينهم قال سيدنا سعد بن معاذ: "آمنا بك وصدّقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق"، هل تعرف معنى هذا الإيمان؟ معنى هذا الإيمان أن "أمرنا تبع لأمرك، خذ من أموالنا ما تشاء واترك ما تشاء، والذي تأخذ أحب إلينا من الذي تترك، واصِلْ حبال من شئت واقطعْ حبال من شئت"، لا تقول قليلة، كثيرة، عرب، عجم، أقوياء، ضعفاء، كانوا حلفاء، ما كانوا حلفاء، كان بيننا وبينهم صلة، ما كان بينهم صلة، انتهى كل شيء؛ حارب من شئت، سالم من شئت، ماعاد شيء يقودنا غيرك وغير ما جئت به، نحن الأحرار حقاً، لا تستطيع أنظمة الفرس، ولا أنظمة الروم، ولا أنظمة العرب، ولا أنظمة العجم، أن تحرفنا عن التبعيّة لك، لما آمنا بك وصدقناك وشهِدنا أن ما جئت به الحق، تحررنا من رِقِّ هؤلاء أجمعين، لم يبقَ شيء في الوجود يؤثر علينا، لأننا تسامينا في التبعية، نحن على الأرض لكننا تبع السماء، بل مقتدين بسيد أهل الأرض والسماء، بل في طاعة رب الأرض والسماء، فمن مثلنا إذًا؟ فكيف نتحوّل إلى تأثر بكلام ذا أو ذا؟
"واصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، نحن حرب لمن حاربت، وسِلم لمن سالمت"؛ قريب، بعيد، من قبيلتي، من غير قبيلتي، عربي، عجمي، أبيض، أحمر، أسود، غني، فقير، ما عاد شيء له اعتبار، أنت تُحارِب من أنا أحاربه، أنت تُسالِم من أنا أسِالمه، انتهى، هذا معنى "آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق" لما نطق بالكلام، سُرَّ وجه رسول الله، فكأنه فِلقَة قمر، وقال: "سيروا وأبشروا وأملوا ما يسركم، إن الله قد وعدني إحدى الطائفتين؛ إما العير وإما النفير، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم".
وفي نصر الله له، كل ما يحصل من الخير في أمته إلى مجلسكم هذا، إلى مجلسكم هذا، أعطاه الله محمداً، بقاء الخير في أمته إلى أن تقوم الساعة، (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عزيزا) [الفتح:1-3]، وكما بدأ في البداية في الذين عندك، قال الله هذا مستمر لِمَن يأتي بعدك، (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ) [الفتح:4]، والكلام جاءك من عند حاكم مقتدر فعّال لما يريد (وَلِله جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [الفتح:4]، وحتى يمر الناس بالحركات هذه كلها والتصرفات والتصورات المختلفة، ويرجعوا إلى حكم الواحد، (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا) [الفتح:5]، هذا الفوز العظيم، -اللهم اجعلنا من أهله-.
(وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [الفتح:6-7]، وأنت صاحب الانتماء إلى هذه العظمة (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِّيُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) [الفتح:8-9]، في قراءة أخرى (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الفتح:9] -الله-. فإلى أين بلغتَ أنت حين تولّتْك هذه القوة الأزلية القديمةُ الباقية؟، إلى أي منزلة؟ لمّا اصطفتْك حضرة الذات، إلى أين وصلت؟ اقرأ: (إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا) [الفتح:10]، ماهذا الكلام؟ أي دولة تقف أمام هذه اليد؟! (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح:10]، ولعظمة الأمر وخطورته، (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح:10].
(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)) إذًا ما وظيفتنا أن نهمز وإلّا نلمز، وإنّما نُبيّن الحقائق بسنَّة الخالق التي مضى عليها خير الخلائق، ونقول لا يضر ولا ينفع إلا الله، ولا يستقل بأمر في ذرة من ذرات الكون ظاهراً ولا باطناً إلا الله، (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت:41]، نقول كل هذه البيانات من دون أن نتحوّل إلى همزة ولا إلى لمزة، ولا سبّابين ولا شتّامين، ونقول للعدو المعاند، المنِكر، المبغض، المقاتل، المتربّص، الذي لا يرعى إلّاً ولا ذِمّة فينا، نقول له: (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة:11]، ونقول: إن أبَيْت وأصررتَ وقاتلتنا فقتلناك، فلن نمثِّل بك، ولن نقتل أطفالك، ولن نتركك ونترك جسدك للسباع وللطيور، وسندفنك إذا غاب عنك أصحابك، هذا منهج ربنا وهذا هدي نبينا، فلن تجد أيها المعاند المحارب أرحم منّا، ولا أحسن منّا في المعاملة ما دمنا في تبعيّة محمد.
فيا أيها المعاند، بكل ما تنشر من فساد في الأمة يخالفون به هدي محمد، هذا عائد عليك، لو تركتهم على هَدْيِهِ لكانوا أحسن من تتعامل معهم على ظهر الأرض، أغويتهم، لعبت بشبابهم، نشرت السوء بينهم، ومهما كان منك مثل ذلك، فالنتيجة واقعة عليك أنت،؛ حسرة وندامة في الدنيا ثم يوم القيامة، وإلا فكل عاقل على ظهر الأرض لا يجد أحسن من منهج الله في أن يتعامل معه، ولا أي نظام في العالم (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50]. (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3))، جمع مالاً وعدّده، وهو حال الكثير، وقد أحضروا آلات حاسبة كثيرة، ويحسبون كذا كذا مرة، حتى يعدّوه ذخر للأمر الفلاني، والمستقبل الفلاني -وسبحان مقلب القلوب، ويا رب ثبت قلوبنا على دينك-.
أكرمنا الله، وإياكم بنور الإيمان بنور الإيقان، أدخلنا في دائرة سيد الأكوان، جعلنا عنده من أهل القرآن، يا رب لا ينصرف عنّا رمضان ونحن خارج دائرة أهل القرآن، أدخلنا مع أهل القرآن، احيينا على ذلك وتوفنا على ذلك واحشرنا يوم القيامة في زمرة أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، آمين آمين آمين يا خير السامعين، يا أكرم المجيبين، يا أسرع المغيثين يا رب السموات والأرضين، يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين، وياذا القوة المتين، ويا راحم المساكين، ويا أرحم الراحمين، لا تحشر أحداً منا في القيامة إلا مع أهل القرآن، مرتبطاً بالذي أنزلت عليه القرآن، سيد أهل القرآن إلى فسيح الجنان، إلى فراديس الجِنان، وأنت عنا راضٍ أتم الرضوان، يا كريم يا منان يا الله، واجعل ذلك من جائزتك لنا في رمضان، وجودك علينا في خواتيم رمضان، وما فاض فيه من لدنك من الجود والإحسان، يا كريم يا منان يا رحيم يا رحمن يا الله.
فما جاء بهم إلى هذا الموطن، في هذه الساعة، ولا استمع المستمع منهم بوسيلة من الوسائل إلا وهم يرجونك، وأنت الذي رجاؤه عظيم، ولا يخيب راجيه.
ياربي،، ومن ضعف منهم رجاؤه فادخله فيمن قويّت له الرجاء، حتى يندرج رجاؤنا في رجاء حبيبك الأعظم، ورسولك الأكرم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ولا تخيّب فينا أحداً، واجعلنا جميعاً في أهل الهدى ربطاً بالقرآن، قبل أن يخرج رمضان، دخولاً في دائرة أهل القرآن، قبل أن يخرج رمضان، مزجاًلالقرآن بلحومنا ودمائنا يا مُنزل القرآن، بوجاهة المصطفى، شفّع فينا القرآن ومن أنزلته عليه، بلّغنا فوق آمالنا يا من الأمر منه وإليه.
بسرِ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه،
الفاتحة
23 رَمضان 1435