تفسير سورة القارعة -2- تكملة سورة القارعة

تفسير الفاتحة وقصار السور - 25 - تكملة تفسير سورة القارعة
للاستماع إلى الدرس

تفسير الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ لسورة الفاتحة وقصار السور بدار المصطفى ضمن دروس الدورة الصيفية العشرين في شهر رمضان المبارك من العام 1435هـ.

نص الدرس مكتوب:

﷽ 

(يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ (5) فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11))

 

يا أكرم عفو يا أكرم مَرجو، يا ربنا الكريم يا من لك الوجوه تعنوا، لا إله إلا أنت، اعفُ عنا واغفر لنا وارحمنا وَوَفِر حظنا من خاتمة شهرنا، وآخر يوم من أيام شهرنا، أمَّا لياليه فقد مضت وأمَّا الأيام فقد بقيت معنا هذه الساعات من آخر يوم في شهر رمضان لهذا العام (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185].

 

وإنَّما الأعْمَالُ بخَوَاتِيمِها

اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ولا يستطيع أحد من أهل الشرق والغرب أن يرد علينا ساعة من ساعات ليالي رمضان، وبقي الساعات من يومه الأخير ولن يستطيع منهم أحد أن يزيدنا ساعة فيها، ولكن رب رمضان إذا صدقنا معه مَدَّ لنا الخير بساعات كثيرة وليالي كثيرة على حسب صدقنا معه، أما الشهر بمزاياه فقد أشرف على الرحيل وأجمع على التحويل، فنفارقه.

 وأهل الصدق واليقين متحسِّرة قلوبهم على فراقه مُسَلِّمِين لأمر الله فيما انقضى من عِدَّتِهِ وأيامه، سائلين الحق أن يعوضهم عنه فيودعونه بعد ذلك، وكان يستمر وداع أهل القرون الأولى إلى خامس شهر إلى سادس شهر، أي إلى نصف العام الذي بعد رمضان يودعونه، ويسألون الله قبوله ويستثمرون أثره فيهم.

 فإذا انتهت الخمس الأشهر والنصف ودخلوا في الشهر السادس، التفتوا إلى استقبال المقبل من رمضان فصاروا بقية الخمس أشهر والنصف الثانية يستقبلونه، فلهذا قالوا كل زمانهم رمضان، صار كل زمانهم رمضان عليهم رضوان الله، فيدعون الله أن يبلغهم إيّاه ويستعدون له بالنيّات من قبل خمس أشهر والنصف ويودِّعونه خمس أشهر والنصف صارت إحدى عشر شهر والثاني عشر رمضان، فصارت سنتهم كلها رمضان، "ولو تعلم أمتي ما في رمضان لتمنَّت أن تكون السنة كلها رمضان"  يارب بارك لنا فيما بقي من الساعات.

من الآن إلى المغرب يعمل أحدنا حسنة فتُضاعف إلى سبعين إلى ألف، خلاص بعد ثلاثة عشر ساعة ترجع بعشر حسنات -الألف هذه- لم تعد هي، فريال الآن يتصدّق به الإنسان قبل المغرب إلى سبعين إلى ألف ريال، بعد ثلاثة عشر ساعة من الآن خلاص الريال هذا هو بعشرة، انتهت المضاعفات الخاصة برمضان كملت، وكذلك تسبيحاتنا وركعاتنا فالله يبارك لنا في الخاتمة "وإنَّما الأعْمَالُ بخَوَاتِيمِها".

كان يُشهَد في أكثر بلدان المسلمين في الليالي الأخيرة من رمضان وخصوصًا عندما يجتمعون للختم في المساجد ويقرأون التوديع تَهمُل عيونهم. قال لي بعض كبار السن في البيضاء قال: كنا نعهدهم في ليلة التاسع والعشرين -في ختم هناك- في مسجد عمر نعرف العدد كثير؛ ليس ثلاثة، أربعة، خمسة،  ستة، سبعة، ثمانية عشرة، عشرين، من كبار السن حاملين أرديتهم على رؤوسهم في حنين طول المجلس نحن نودّع رمضان، وهؤلاء يحنُّون يبكون من الفراق، من الحسرة على فراق رمضان، فهم أهله إذًا، وخيره يبقى عندهم. والحمد لله على كل حال.

 الله يكتب لنا فيه القبول ويعيدنا إلى أمثاله، إنَّ في العام الماضي كان كثير حاضرين الذين يتوقعون فقط ويغلب على ظنهم أنَّهم يحضرون رمضان هذا عدد كثير، لا تقول لي عشرات ولا مئات، ألوف كان يغلب على ظنهم أنَّهم سيحضرون رمضان هذا فما حضروه، راحوا، عليهم رحمة الله تعالى من المؤمنين والمؤمنات، وهكذا تفعل فينا السنوات في هذه الدنيا.

فالحمد لله على ما آتانا، والحمد لله على ما هدانا، والحمد لله ما أولانا، والحمد لله على ما مَدَّ لنا وأنزل إلينا وعلينا من الآيات البيّنات، كان المُستَلِمُ لها ذاتٌ هي أشرف كل ذاتٍ في المخلوقات، ذات محمدٍ وقلبه الأصفى الأطهر وروحه الأسنى الذي هو أول ما خلق الله، استلم الآيات وإنزالها وبه تلقيّناها، وقال الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا) [النساء:174]، (وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ) [آل عمران:199] نقول لأهل الكتاب فأنزل إلينا وإليهم، لا على أحد منا ولا منهم مباشرة ولكن بواسطة أنبيائنا -صلوات والله وسلامه عليهم-، ونبينا سيد الأنبياء ثم عامتهم يتلقوّن سرَّ هذا الإنزال والتنزيل بواسطة خاصتهم، وخاصة الأمة خير الخواص وأشرف الخواص عند الله تبارك وتعالى. 

وقد نَصَّ الله على هذا المعنى والسر في قوله (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) [العنكبوت:49]، أين سنحصِّل القرآن؟ في المطابع؟ في الأوراق؟ في الأشرطة؟ في الشاشة؟ في النت؟ في الجوال؟ قال لك (فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) إن عرفت أن تصل إلى صدور الذين أُوتُوا الْعِلْمَ، الآيات هناك. تعرف الآيات؟ إذا ما وصلْتَ إلى صدورهم، ما عرفت الآيات لأنَّ محلها هناك مستقرها (صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

وقد مرّت بنا الأيام وإن شاء الله يكون لنا من حسن التزود من خاتمة رمضان نيّات صالحات في ما يستقبلنا من ليلة الجائزة ويوم الجائزة يوم غد، فالبارحة كانت ليلة العِتق التي يَعتق الله فيها مثل ما أعتق من أول الشهر إلى آخره، كل ليلة له ست مئة ألف عتيق و في رواية ألف ألف يعني مليون، ألف ألف عتيق، فإذا كان تسعة وعشرين مليون في ماضي رمضان، البارحة وحدها تسعة وعشرين مليون يُعتَقون من نار الله، اللهم اعتقنا، والعتق له درجات فالكبار، كبار المعتوقين يصل لدرجة (لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ *  لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) [الأنبياء:102-103].

 

جوائز لمن أعتقه الله في رمضان 

وهكذا كذلك في عِتق أيضًا من الذنوب؛ 

  • المعتوق من الذنوب يخرج من رمضان؛ عينه لا تعصي، أذنه لا تعصي، لسانه لا يعصي، فرجه لا يعصي، بطنه لا تعصي، رجله لا تعصي، يده لا تعصي، قلبه لا يعصي، يا سلام.. معتوق!، معتوق من العصيان!، 
  • وبعضهم يُعتق من الهوى، يخرج من رمضان هواه عُلوي شريف كريم رفيع سماوي، ما عاد شيء هوى دون أبدًا، يا الله، عتق وعتق؛ 
  • منهم من يعتقه الله من رِقّ السِّوى، 
  • ومنهم من يعتق من الغفلة، فيخرج من رمضان بقلب لا يغفل، لا يغفل عن الله -جلَّ جلاله-، الأرض تذكّره بربها والسماء بربها والهواء والشمس والقمر والطين والحجر والمدر كله يذكِّره بالرب، ما يغفل عن هذا الرب -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-، يسارع إلى مرضاته -سبحانه وتعالى-.

 

ليلة الجائزة

فننوي نيات صالحة، نحيي الليلة هذه إن شاء الله "من أحيا -وفي رواية- من صلى ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب"، "من أحيا اللَّياليَ الخمسَ وجبَتْ له الجنَّةُ": "أول ليلة من رجب وقبلها ليلة النصف من شعبان وليلة الفطر وليلة التروية وليلة عرفة وليلة الأضحى"

فنُحيي الليلة هذه إن شاء الله -ليلة الجائزة- لأنَّ الله سبحانه وتعالى يتجلّى فيها الملائكة ويناديهم ويقول: ما جزاء العبد إذا قضى عمله؟ فيقولون: يا ربنا أن يُعطى أجره، أشهدكم أنَّي قد غفرت لهم.

 وفي الحديث: أنَّ الله يأمر الملائكة -في اليوم المقبل يوم غد- يوم العيد، أن يكونوا على السكك والأبواب؛ أبواب المساجد والأماكن والطرق المؤدية إلى صلاة العيد ويقابلون العباد ويقولون: أخرجوا إلى رب كريم، يقبل القليل ويثيب عليه الكثير، الحمد لله رب العالمين، ثم يباهي بهم الملائكة في مصلاهم، ويقول: ما جزاء الأجير إذا قضى عمله؟ يقول: أن يوفّى أجره، أُشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم، الحمد لله على هذا الفضل والحمد لله على هذا الإحسان.

(وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) [البقرة:185] زيّنوا عيد الفطر والأضحى بالتسبيح والتقديس والتحميد والتهليل، وكان لهم بها زَجَل، ومن السُنن التي كانت حيّة في الأمة أن تسمع التكبير من البيوت ومن الشوارع ومن الأسواق ومن المساجد، وتسمع تكبير الله في تلك الليلة من هنا ومن هنا. 

وقد صح في الحديث عن أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب أيام عيد الأضحى أنَّه لمَّا يخرج في أيام حجه، لمَّا يخرج للرمي وقت الزوال يُكبّر ويُكبّر بتكبيره من في المسجد، فيُكبّر بتكبيره من في السوق فترتج لها تكبيره، فيُسمع لجيج التكبير ولجبهُ أطراف مكة، حتى يقولون الآن خرج الأمير، الآن خرج أمير المؤمنين يرمي، يعرفونه بضجيج ومرادَّة الجبال بأصواتهم بالتكبير، ولما حج ﷺ أمرهم برفع أصواتهم بالتكبير، فلم نزل نرفع أصواتنا حتى بحَّتْ أصواتهم، من حرصهم على رفع الصوت بالتلبية، وكان هذا الشعار ظاهر في أعياد المسلمين يكبِّرون رب العالمين -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-.

وهذه الصيغة الكريمة الواردة فيها التكبير واختار الأئمّة عدد من الصِيغ الأئمة الأربعة وفيما جاء في روايات ذكره ﷺ وذكر نصر الله له، "لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه، صدَقَ وعدَه، ونصَرَ عبدَه" من عبده هذا؟ عبده الذي هو عبده المحض الكامل محمد ﷺ "ونصَرَ عبدَه، أعَزَّ جُنْدَهُ، وهزمَ الأحزابَ وحدَه." كل من يتحزّب ويتجمّع ويتعصّب لمُضادة الشريعة والدين هم الأحزاب، مثل أولئك الذين تجمعوا تلك الأيام مع النبي، وكل من تجمع بأي صورة بأي قوة لمضادة شيء من الحق والهدى والشريعة هم من الأحزاب وهازمهم واحد "هزمَ الأحزابَ وحدَه" جلَّ جلاله وتعالى في علاه.

 

وقد تذاكرنا في سورة القارعة.

والقرع: الضرب بشدة، والقارعة: تقرع القلوب بأهوالها وخصوصًا للمجرمين والفاسقين، جعلنا الله من الآمنين ذاك اليوم في جوار نبيه الأمين.

 ولو صَدَق بيننا التحابُب في الله والتوادُد في الله، وخرج رمضان على ذلك، جُمِعنَا في ظل العرش في ذاك اليوم وعلى منابر من لؤلؤ حيث يجتمع أقوام يغبطهم الأنبياء والشهداء، من هم؟ لمّا ذكر هذا الوصف الكبير ﷺ، بعض الأعراب جثا على ركبتيه؛ بين يديه، يارسول الله: حلَّهم لنا، نعرف من هم؟ قال: "همُ المُتَحابُّونَ في اللهِ مِن بِلادٍ شَتَّى وقَبائِلَ شَتَّى، يَجتَمِعونَ على ذِكرِ اللهِ يَذكُرونَه"، الآن ينطبق الوصف ولكن الشأن في أن يرتضينا الله في الدخول فيهم ويجعلنا منهم، فإذا رضي ذلك وأدخلنا فزنا وسعدنا، يا رب يا كريم يا ولي التكريم برمضان وما فيه اجعلنا في أولئك القوم.

 

نيَّات مابعد رمضان 

من حُسن توديع رمضان؛

  • تنوي أنَّك تحضر مجالس العلم بعد رمضان سواء في أيام الست أو ما بعدها
  • تنوي أن يكون لك نصيب من تلاوة القرآن في أيامك
  • تنوي أن لا تترك صلاة الضحى ولا تترك صلاة الوتر في باقي عمرك خيرٌ لك
  •  تنوي أن تحافظ على الرواتب
  • تنوي أن تواصل الأرحام، وطول السنة ، أردتك تنوي اليوم من شأن أن تندرج في صحيفتك نيات رمضانية مضاعفة، بعد ذلك تعملها في باقي السنة
  • تنوي أنك في طول السنة هذه تتفقد الأرحام، تنتبه من الجيران، أنَّك طول السنة تنوي تحافظ على مجالس العلم
  • أن تنفع غيرك، تقربهم إلى ربك؛ ما نقدر ننفع أحد بأحسن من أن نقربه الى الرحمن، أن ننقله من معصية إلى طاعة، هذا أعظم نفع لعباد الله وهذه وظائف الأنبياء ومن صدق في أتباعهم.

فكم لك من أصدقاء؟ وكم لك من معارف؟ وكم لك من جيران؟ لو مدّيت يدك لأحد منهم تحاول إنقاذه لعل الله ينقذك ويحسبه لك، هو يحسبه لك هو ينقذه ويحسبه لك، أنت قاعد تتسبب وهو ينقذه ويحسبه لك مثل أجره "مَن دعا إلى هُدًى كان له مِن الأجرِ مِثْلُ أجورِ مَن تبِعهُ لا ينقُصُ ذلك مِن أجورِهم شيئًا"

 وهكذا فننوي هذه النيات الصالحة ما دمنا في فرصة اليوم الأخير، آخر محطّة من محطات الشهر، ما باقي إلا أن يغرب قرص الشمس هذا خرج رمضان، والحمد لله على كل حال إن شاء الله نُقبل فيه وتعود عوائده على أعمارنا وبعد أعمارنا إن شاء الله تبارك وتعالى، ونكون من أسعد خلق الله بنظر الله في وجود الله على أهليه، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.

 

أحوال الناس بعد رمضان

حتى يجدنا القُرناء من الشياطين والمحبوسون الذين سُجِنوا طوال هذه الليالي منتظرين مغرب الليلة، بيفتكون المردة، تذهب بهم الملائكة إلى البحار لئلا يُفسدوا على الناس صومهم، منتظرين المغرب الليلة، ولهذا بعضهم تجده من أول ليلة متخاصم مع أهله -بسم الله الرحمن الرحيم- خرجنا من رمضان ماذا معك؟!! وهذا متخاصم هو والثاني -بسم الله الرحمن الرحيم- ما هذا؟ وهذا قاعد في يوم العيد وهناك خاطر يلعب به من السوء والشر، هؤلاء حصَّلوه جاهز قالوا له تعال هنا غيَّبونا عليك ثلاثين ليلة يا صاحبنا ارجع إلى مصاحبتنا.

ولكن يجدون بعضهم ومعه نور الإيمان يملأ قلوبهم، قالوا هذا الرجل صار له لون ثاني وصورة ثانية كنا نلعب به والآن إذا قربنا منه نور، صعب يحرقنا كيف يكون؟ يحاولون وإذا قام بالصدق خُذِلوا عنه؛ لأنَّه لو تجمعوا شياطين الشرق والغرب على أن يوقعوا واحد في معصية وهو صادق مع الله ما قدروا (فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء:76]، والعوام يضربون مَثَل عندنا، كانوا يقولون: "مائة جني ما يصنّعون باب" يعني ما يقفلونه، مئة من الجن -باب مفتوح- لا يقدروا يقفلونه، فإذا قمت بالحق (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) [الحجر:42] سيفتكون الليلة لكن يحصِّلون عندنا حصون إن شاء الله، يا الله، لا تمكنون من إغوائنا، دفع الله شرهم عنا وعن أمة النبي محمد من (قل أعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ  * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس) [الناس:1-6].

 

الأمم السابقة يوم القارعة

وحتى إذا جاءت القارعة نزل علينا الملائكة وخاطبونا بالتأمين والتطمين والتبشير (أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت:30]، (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء:103] فأنت من أمة محمد سمعت النبي يقول في القيامة كذا كذا، هذا يومك وهذا ما وعدكم به من الخير هذا اليوم تحصلوه، الملائكة يطمئنونهم ( ..كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) [فصلت:30-31] الحمد لله على هذه الولاية الكبيرة في هذه الدنيا وفي الآخرة، ومن يقدر أن يتولاك غيره في الحياة الدنيا وفي الآخرة؟ الله..

أمَّا الجهات التي في نظر كثير من الناس قوية وكبيرة، وهو في الدنيا يُظهرون أنَّهم تولوه، في فترة من الفترات، ثمَّ بأنفسهم يُعِدُّون له الحفرة ويسْقطونه، هم أنفسهم، هذه قوى الأرض الخائنة البائرة الفاسدة، أتطمئن الى شيء منها ولا تثق بربك؟ إن أردت أن تركن فاركن إلى ركن شديد.

 قال سيدنا لوط لقومه (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ) [هود:80]؛ يقول سيدنا المصطفى لقد أوى إلى ركن شديد، لوط أوى إلى ركنٍ شديد، أوى إلى ربه، ولهذا أتوا بسرعة وردوا عليه الملائكة (يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ.. ) [هود:81] ما نحن بشر ولا يقدرون علينا (لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ.. ) [هود:81]، لا يقدرون عليك ولا علينا (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) [هود:81] الليلة ليلة المسرى والقوم نازل بهم العذاب، وامرأتك هذه من الغابرين معهم، تدخل معهم لأن قلبها معهم، جسدها في بيت لوط وقلبها مع الشياطين اتركها معهم، "المرء من حيث قلبه"  فما نفعها كون الجسد هناك وهي معادية، موالية لأعداء الله وأعداء نبيه -لوط على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام- (كانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ) [الأعراف:83] وكانت من المخلّفين في القوم والعياذ بالله تبارك وتعالى لخيانتها الأمانة. 

والخيانة الواقعة في زوجة سيدنا لوط وزوجة سيدنا نوح ما تتعلق بالأعراض؛ لأن الأعراض أعراضهم وتَمسّهم هي ليست خيانة في العرض؛ خيانة في إخبار القوم وإفشاء السر ومساعدة الكفار فيما يريدونه ضد الأنبياء هم هكذا يعملون، وأما في أعراضهن ما كان منهن خيانة لأنه يَمَسُ أصحاب الزوجية وهم أنبياء ورسل فأعراضهم طاهرة نقية، فخيانتهن في مخالفتهن لأمر الله ولأمر رسله، ومساعدتهن للكفار وميل قلوبهن إلى الكفر والشر والفساد والعياذ بالله تعالى، خُنَّ هذه الخيانات.

يقول: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا) [التحريم:10] في ترتيبهم، في أسرارهم، في حالهم مع الكفار (فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) [التحريم:10] -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.

 

الفراش المبثوث والعهن المنفوش

يقول تعالى في سورة القارعة(يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5))؛ الفراش المبثوث: تائه حائر والناس في القيامة كذلك، حائر ولا يدري أحدهم أين يتوجه (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ) [طه:108]، وهذه تائهة ترى النار -هذه الفراشة- فتظن أنَّها إلى ضوء وراءها، ليس لها مقياس صحيح ترمي بنفسها تحترق. 

يقول: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ) -الصلبة- (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)) الصوف الذي نُدِفَ فصار متطايرًا، فهناك ثقل الموازين أو خفَّتها ومرجع الجميع إلى هذَيْن الصنفين خيرات الدنيا وشرورها، وخيرات الدنيا وشرورها راجع إلى إثنين فقط، فالناس حِزبان الناس فريقان الناس صنفان وانتهينا، والدار داران جنة أو نار بس هذا انتهت  (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) [هود:105] و (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى:7].

 

مصير من خفَّ ميزانه ومن ثقُل ميزانه 

يقول سبحانه وتعالى: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)) (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8)) فابحث لك من الآن ثِقَل الميزان، من أين تبحث عنه؟ تذهب تبحث عن اعتبار شيء من الفِرق، من الطوائف، من المؤسسات فيعتبرونك إنسان ثقيل، ذا وزن، وبعد.. كم سيمكثون؟ وكم ستمكث؟ يمكن ينقلبون أيضًا عليك، وإذا انقلبوا عليك كم ستجلس؟ وبعد ذلك روّحوا هم وميزانهم، هيا ابحث لك الآن، أين سيثقل ميزانك في القيامة؟ يا الله، لا حزب يرفعك ولا مؤسسة سترفعك وتثقل لك الميزان هناك، دوِّر لك -ما دمت في الدنيا- وزن عنده، عند الحاكم في القيامة، عند الذي يفصل بين الخلائق يوم القيامة، عند صاحب السلطان والقهر يوم الدين  (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ) [غافر:16] فإن شيء لك ميزان فهو عنده، أما الموازين الأخرى كلها انتهت هي وأصحابها وبجميع اعتباراتها.

(فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)) قام يحملها بعض الطوائف وبعض أفراد من أهل السنة على أنها الاعتبار المعنوي والحكم المتقفّي في الدقائق، ولكن جمهور أهل السنة كما جاءت الأحاديث الكريمة تقول الميزان يُشَاهد ويُحَس في القيامة كفّتان، كل كفَّة أوسع مما بين السماء والأرض وتوزن  فيها الأعمال، واختلفوا في الأعمال، هل هي الصحائف توضع؟ أو أي اعتبار آخر لها؟ وهذا أيضًا كله من الاختلاف الغريب، ولكن عندما يصفو ذهن وقلب المؤمن يعلم أن جميع المعنويات يصورها الله كما يشاء بالصورة المطابقة لحقيقتها، فتبرز. وإذا تأملنا ما ورد في الكتاب والسنة، وجدنا أن المعنويات والأمور التي هي عندنا في الدنيا غير محسوسة تصبح في القيامة مشاهدة محسوسة، فلا صعوبة على قدرة الإله أن يبرزها (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) [الزلزلة:6] يريك أعمالك واحد إثنين ثلاثة.

 

أمَّة محمد تشهد على الأمم 

فإذا كان اليوم الناس يوثِّقون كل شيء على قولهم بالأدلة؛ شيء تصوير، وشيء تسجيل وغيرها. وعند القدرة الإلهية تقول كيف؟! كيف؟! ما هو العمل! يوم القيامة ترى كله أمام عينك؛ القراءة تظهر أمامك والصلاة تُرى، والكذبة تُرى، وبر الوالدين يُرى، والسرقة ترى وكل شيء يرى ويظهر. والأرض شاهدة، والجوارح شاهدة، والصحف شاهدة، والملائكة شاهدة (وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا) [الفتح:28] جلَّ جلاله وتعالى في علاه. ولكن حكمته اقتضت هذا.

والعجب في الذين اعتجنتْ طينتهم بخبث وصدى الكذب والتخيل في الدنيا، أنا أتعجب فيهم مع أنهم مروا إلى عالم البرزخ ويرجعون ويرجع معهم الصدى والخبث الذي فيهم فيقولون ما عملنا كذا، ما بلغونا الرسل كذا، أستغفر الله.. كيف أقدر أخالفك وأعطيك، هذا ما بلَّغنا!.. 

حتى نوح الذي قعد فيهم تسعمائة وخمسين سنة يضربونه، يقولون أنّه ما بلَّغ! يقال لنوح: كيف ما نؤمن بك؟ نحن سنبقى مع الأصنام -يغوث ويعوق ونسرا- ونترك هذه التي لا تنفع -البائدة هذه- ونتركك وأنت إلهنا؟ هذا نوح ما بلّغ! ماهذا الكذب؟ !!(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ) [المجادلة:18] هذه مصيبتهم.. ما عرفوا قدر الألوهية أصلًا، وجربوا صدى خبيث في الدنيا، فقد تراكمَ الصدى عليهم أنهم يضحكون على الناس. انتبه تقرّْ! لا تقرّْ، لا تعترف دعنا نتفق مع المحامي كذا ونصلح كذا!!. هناك نار حامية، لا يوجد محامي، فيقومون يحلفون؛ يا الله لم يبلِّغونا.

 فالصنف هذا الذين بقي الصدى معجون فيهم، حتى موقفهم في القيامة، موقفهم غريب، يُنطِق الله أعضاءهم، وينطق الله الأرض، وبعد ذلك يبقون على تكذيبهم، وعموم هذا التكذيب والصدى المتراكم في كبار كفار الأمم، يقومون مع الأنبياء يقولون لو بلغونا هؤلاء الأنبياء لاتبعناهم وآمنا بك، فيقول للأنبياء: تعالوا، ما بلغتوهم؟ قالوا: ياربنا تعلم أننا بلغنا وقلنا، (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ۖ) [المائدة:109] فيقول عز وجلَّ هؤلاء يدَّعون أنكم ما بلغتموهم سبحانه اعلم، فيقول: فمن يشهد لكم أنَّكم بلغتم؟ فيقولون: آخر الأمم تلك، خير الأمم أمة محمد، فيأتي الشهداء منا وهم خيارنا، خيار الأمة وصلحاؤهم (لَتكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة:143] 

هذا نوح وهذا إدريس وذا صالح وذا هود، فيقول قومهم ما بلغونا، فيقولون: بلى يا رب بلغوا ونشهد أنهم بلغونا، هؤلاء يشهدون علينا، هم جاؤوا من بعدنا يا رب، ما كانوا عندنا لما جاؤوا الرسل، يقال أمة محمد جئتم من بعدهم قالوا: نعم جئنا من بعدهم. ولكنك أرسلت إلينا رسولًا صادقًا، وأنزلتَ عليه الكتاب منك وأخبرتنا عن بلاغ هذا وهذا وأنهم أنذروا قومهم فنحن نشهد بما بلغنا نبيك عنك، فيسكتون الأمم فيقول: وأنتم أمة محمد من يشهد لكم؟ فيقولون نبينا، لم يعرفوا من أين الأبواب؟!! وهم خيار الأمة، نبينا.. هاتوا محمد (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا) [النساء:41] 

ما الموقف هذا؟ ما موقف العزة هذا؟ ما موقف الكرامة هذا؟!! ليس عند الذين وضعوا السلا فوق ظهره، ولا عند الذين وضعوا الشوك في طريقه، ولا الذين يتكلمون عليه ويسبونه في حياته أو بعد وفاته اليوم، العزة معه هو العزيز، هو الشريف؛ صاحب العزة الكبرى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا) لما وصل عند هذه الآية ابن مسعود  فاضت عيونه ﷺ قال أهل الذوق: فرح بعزة الله تكريمًا له لأمته، بكى قال: فرفعتُ طرْفي فإذا عيناه تذرفان ﷺ.

 

نِعم المُزكي رسول الله ﷺ 

بعض الوفود الذين وفدوا عنده في المدينة، وهم قيام في الطريق يسألونه، بعضهم قالوا له: عندك شيء من هذا الذي جئت به من عند الله، قال: نعم فقرأ عليهم آيات، فإذا به يبكي ويضع يده على عينيه يمسح الدموع، يقول له بعض الوفد: من أي شيء تبكي؟ أمن خوف الذي أنزل عليك هذا؟! قال: أجل، هيبة الذي أنزل هذا الكلام -سبحانه وتعالى- ﷺ.

وقلوب الصحابة استقت سقيا خصوصًا في أول الوحي، سيدنا أبو بكر حين رأى جماعة جاؤوا من أهل اليمن، وأحدهم قرأ عليهم القرآن، فإذا بهم يبكون يبكون فالتفت إليهم قال: كنا هكذا، كنَّا هكذا على عهد رسول الله ﷺ ثم قست القلوب، أول ما تَلَقّوا الوحي من فم النبي وجد مجال الى بواطنهم وقلوبهم فتحت لهم أبواب، فسقياهم سقيا عظيمة ولهذا ما يفوقهم أحد في الإيمان رضي الله عنهم، لأن المعدن بجنبهم والمصدر منه تَلَقّوا مباشرة صلوات ربي وسلامه عليه، فمن الذي يدَّعي أنَّ هناك مربي أزكى منه ولا أعظم منه ولا أحسن تربية منه ﷺ في جميع الأجيال والطوائف سواء الذين قبله أو الذين من بعده عليه الصلاة والسلام، ما أقوى منه في التزكية ولا حسن التربية ولا طهّر الله قلوبًا على يد أحد كما كان على يده الكريمة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، بل لا يزال هو المزكّي وخيار الأمة الذين جرت على أيديهم التزكية، ما قامت إلا بنوره وهديه وأثره وبلاغه وسرِّه ﷺ به قامت، فهو المزكي.

(يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ) [الجمعة:2] وإن كان هذا خاص بالقرن الأول، وحق القرون الأخرى أين هو؟ ما غُبِنَت الأمة؛ أمة مرحومة، وقد بكى وقال كيف حالهم من بعدي؟ وفي يوم القيامة؟ وفي القرون التي سيقضونها من بعدي في القيامة، فنزل عليه جبريل يقول الله "إنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ، ولن نَسُوءكَ فيهم" يأتي جمع مثل هذا الجمع ويذهبون بخسارة؟!! "لن نَسُوءكَ فيهم" لا أحد يجتمع على هداك وعلى هديك وسنتك إلا ونَسُرّك فيهم (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ) [الضحى:5] صلوات ربي وسلامه عليه، فنِعْمَ الكريم الذي تعاملنا معه، ولو علم الناس سر التعامل مع هذا الإله لن يكفينا المصلى ولا دار المصطفى ولا الروضة ولا باقي عيديد كله لن يكفينا، ولكن كل شيء مسمى بأصحابه، فعسى سابقة الخير لنا أجمعين، وخاتمة الخير لنا أجمعين.

 

خذ لك ميزان عند من لايزول ملكه

(فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)) خذ لك ميزان ثقيل عند الذي لا يزول ملكه؛ يا الله طلبناك يامن ليس ملكه يزول. من يسميه الناس مَلِك ملِك ثم يزول مُلكه، قال سيدنا عمر يقول لولده عبد الله: إذا ذهبت عند أم المؤمنين تستأذنها بعد موتي احتياطًا لأُدْفن في حجرتها عند صاحِبَيّ، قل لها عمر يستأذنك، لا تقل لها أمير المؤمنين، فأنا لم أعد أمير قل لها عمر بن الخطاب يستأذنكِ، وحملوا الجنازة وجاؤوا، قالت: قد طيّبتُ له ذلك حيًا وميتًا، ولله آية كبيرة في قبر الإثنين هؤلاء في الحجرة نفسها سبحان الله، سيدنا موسى يقول: يا رب أدن لي بالأرض المقدسة رمية حجر، والأرض المقدسة كلها وما فيها أين تساوي عند أقدس الخلق؟ وأحبهم إلى القدوس ﷺ جنبه على طول، وسط الحجرة حقه ما عاد باقي مكان سيدنا عيسى، الله يحشرنا في زمرته.

 

لاشيء أثقل من موازين محمد ﷺ

(مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)) لاشيء أثقل من موازين محمد ﷺ هذا أول شافع وأول مشفع، قل يسمع لقولك، هل رأيت الوزن كيف هو؟ قل يسمع لقولك "سَلْ تُعْطَهْ واشفعْ تُشَفَّعْ، إرفعْ رَأْسَكَ"، مرفوع الرأس "إرفعْ رَأْسَكَ"، السجدة نفسها في ذاك الموقف، والناس في خوف وكروب وشدائد وأهوال وذا قال: "ويُلْهِمُنِي مَحَامِدَ لا أعلمها الآنَ" فتح جديد، يوم الفتوحات هذا؟! يوم العطاء هذا!! يوم الهول هذا وإلا؟!! بالنسبة لحبيبه يوم كله عطاء، كله فضل، فتح جديد، محامد ما حمد بها ملَك ولا نبي ولا إنسي ولا جِنّي ولا أول ولا آخر فتح جديد، ما هذا؟!! تجلّي من الذات على الذات في هذا الموقف، أنت تتعجب في حال الذين يكونوا بجانبه لما يسمعونه يحمد المحامد، لو ما في نعيم إلا هذا كفاهم كفاهم كفاهم.

ايش من محامد يسمعونها؟ وتصدر من محمد للإله الواحد الأحد الحق المحمود جلَّ جلاله، الله ما أعذبها ما أطيبها!، تسمع تسبيحه من صاحب قلب خاشع منيب تُحِس بحلاوة فيه، تحس كيانك كله يسري نحوها وتحس بلذة، وكيف لو سمعته يحمد ربه بمحامد ما سبق أن حمده بها إنسي ولا جني ولا ملك ولا أول ولا آخر، يا الله.

 

ساحة النظر إلى وجه الله الكريم

ولهذا جاء في بعض الأخبار أنَّ ساحة النظر إلى وجهه الكريم يأمر الله فيها سيدنا داوود يقرأ، ويأمر الله فيها حبيبه محمد يقرأ، ويكشف الحق الحجاب عن أسماع أهلها، فيسمعون الرحمن يتلو عليهم، وهذا النعيم المتناسب مع أعلى النعيم وهو النظر إلى وجه الله الكريم، السماع من ألسنة وصدور وقلوب أهل الحضرة، وأعظم شيء ممكن يُسمع كلام الله، فيقوم سيدنا داوود، لا يقرأ من الزبور، بل من القرآن سورة مريم، فيسمع الناس وهم في حضرة الرب وصوت النبي داوود وهو يقرأ، يا الله!! هذا نعيم متناسب مع أعلى النعيم، هذا السماع وذاك الرؤيا 

ويأمر الله حبيبه -إن شاء الله نسمعه-، ما أعجبها من ساعة ينتصب فيها على الكرسي ويشرق نوره من أواخر ساعات التهيئة، إكمال التهيئة والاستعداد من أجل القدرة على النظر، وتشوف فيها سراية نفحاته في الجمع وهو يقرأ سورة طه فتسمعها من طه، عجيب تسمع سورة طه من طه، ما أحلاها!، نقول ما أحلاها لأن ما عندي كلمة أستطيع أصف فيها الحال، نقول لك ما أحلاها، عدمتْ لساني وعقلي أن تصف هذا الأمر، بلغتي ولغة العالم، لا تقدر أن تصف حقيقة هذا العطاء وهذا الشعور وهذه اللذّة التي تكون وقت تسمع طه يقرأ سورة طه.

 في حضرة الرب يكشف الحجاب ويسمعون الرحمن يقرأ سورة الرحمن يقرأها من القرآن، الملائكة حاضرين والأنبياء حاضرين وأهل الكتب كلهم حاضرين، ولكن القراءة من القرآن فيكشف الحجاب فيُحَصِّلُون أعلى النعيم ونظرهم إلى وجه الله الكريم، بلا كيف، لا جهة، لا جسمية، لا انحصار لا خيال، أنا ما قدرت أصف لك سرَّ التلاوة من اللسان المحمدية، ممكن نقدر نصف لك سماع من الحق أو رؤية من الحق!! من يقدر يصف لك؟ هذا فوق الوصف، فوق الخيال، بعِّدْ خيالاتك وخيالات الأولين والآخرين كلهم، الأمر أكبر من ذلك وأجل، الله يجمعنا في تلك الساحة.

 

حقيقة الفرح في الدنيا

وفي الدنيا مجامع تُهيأ لتلك المجامع، وتُأهل لها، يقع فيها حجز أماكن ومقاعد، ويا حسرةً على أقوام من أمة محمد وعندهم الخير العظيم ويدخل عليهم مثل هذا الشهر ويخرج ما يعرفون يتحسرون على فقد وفوات هذه المجامع، ما يذكرون هذا المجمع الذي ذكرناه في الدار الآخرة، عمره خمسين سنة ستين سنة، ما يوم ذكرها، هذا وهو من أمة محمد. يقول لو فاتنا المؤتمر الفلاني وجلسة مع ما أدري مِن المسؤولين، يعرف هذه المجالس، ما حام روحه حول ذكر هذه المجالس وهو من هذه الأمة؟! يا حسرة يا حسرة يا حسرة يا حسرة، قلب خالي، بال بالي، روح فقدت غذاءها بالكامل، إنسان هو إنسان من هذه الأمة؟!! هو إنسان؟!! هو حيوان؟!! من خير الأمم وأشرف الأمم ما له ذوق في أسرار مجامع العُلى الأعلى؟.

فيا شوق الفــــؤاد لخير عيش *** مع الأحباب في الغرف العلية

وأحسن عيش ليس فيه وجودكم *** وإن كان ملك الارض فهو الذميم

ولكن وراء هذا الذميم كم من ذميم لئيم؟ وراء هذا الذميم ولا يتحسّر على شيء من هذه المجامع، ولا ملكَ نصف الأرض، ولا ربع الأرض، ولا عُشر الكرة الأرضية، ولا أحد منهم يملك عشرها، ولو كان مُلك الأرض فهو ذميم.

وكل سرور قد خلا عن وصالكم.. -وهذا الفرح بغير الحق-..

وكل سرور قد خلا عن وصالكم *** فما هو إلا ترحة وغموم

هذا حقيقته، وهم يقولون فرح، وهو في الترح والغموم، وفي القيامة يقولون (ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ) [غافر:75] بغير الحق.

 هل فرحتم بليلة من ليالي رمضان حضرت قلوبكم فيها مع منزل القرآن؟ ما يعرف هذا، عجيب! هل فرحتم في يوم من أيام رمضان بصحّة صومكم ظاهرًا وباطنًا حتى استحْليتم الجوع من أجل الحق؟! هل فرحتم؟! في أيام كنتم في الدنيا عندما تذكرون حبيبه وشأنه معه سُرّت قلوبكم بذلك؟ إذًا بماذا كنت تفرح؟ ذكر في الإذاعة وفي القناة وظيفة.... بس هذا تفرح به؟!! اليوم انظر ما عاد لك فرح، الشيء الذي أنا رتبته لك ويدوم ويبقى ما فرحت به، ورُحتَ تفرح بهذه الفانيات التي أمرتك تُعرِض عنها!!! وإذا اشتد عليهم العذاب (ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ) [غافر:75].

طيب، وأولئك الذين نعَّمتهم ودخلتهم الجنة، بم كانوا يفرحون؟ ساعات يحملون حقهم الطيران، وساعة يصلِّحون لهم أعلام، وساعة يدقّون حتى في الشوارع وحتى في المساجد، وأولئك ما كانوا يفرحون؟!

 أولئك كانوا يفرحون، والآن أنت فرَّحتهم أيضًا،  لماذا نحن لنا الحَزَن؟ هؤلاء يفرحون بالحق، وأنتم تفرحون بغير الحق، فرحوا بالحق والحق باقي؛ فلهم الفرح. فرحوا بالحق فرحوا بغير الحق والسرور اليوم لهم باقي (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا) [الانشقاق:7-9]، والثاني (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا) [الانشقاق:10-12] أين ذهب السرور؟!! معاد شي. ذاك يكفي لأنك سُررتَ بغير الحق في عمرك الفاني ذاك (إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا) [الانشقاق:13] أي سرور؟ ذلك السرور صوري، وأنا أتكلف أجي لي بالمُلهيات المحرّمات أريد أن أرتاح، ما ارتحتُ، ماتمكَّن لي سرور حقيقي؛ أنت رضيت به، خلاص، ذاك يكفيك (إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا).

قد عرضنا لك هذا السرور الحقيقي في الدنيا المفضي إلى سرور الآخرة، تركت رسُلنا، تركت أولياءنا ورُحتْ تصدِّق واحد ما آمن بي، واحد ما خضع لجلالي، واحد ما استعد للقائي، واحد كذب رسلي، ورحت وراه وماذا تريد الآن؟ خلاص (فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا) [الانشقاق:11]، (إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا *  وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لَّا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا) [الفرقان:12-14].

 

مصير من خفّت موازينه 

(فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)) أمه هاوية، (..خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8)) لأن مولاك الذي خلقك ما اتّخذتَ عنده منْزلة ولا سبيل، ما ثقل وزنك يقول: (إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا) [الإنسان:29] ،الله أكبر الله أكبر. صلّح لك سبيل إلى الرب، خذ لك ميزان، تجيء بعد ذلك حسناتك ثقيلة لها وزن.

 

ماهي العيشة الراضية؟

(فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)) وأثقل ما يوضع في الميزان الخُلُق الحسن الخلق الحسن.

(فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7)) كيف راضية العيشة؟ هو راضي أم العيشة راضية؟ من راضي؟ العيشة راضية أم هو؟ (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ) لقوّة الرضى وعُمقه فرح فرح سرور سرور، سرور كامل، صار لم يعد هو عايش، حتى العيشة سماها راضية 

(فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ) قوة الرضا فيها لم تعد للعائش فقط، حتى هي العيشة راضية كلها راضية، إنت راضي والعيشة راضية، وبعضهم يحمل معنى أن صاحبها راضي، قالوا: راضية يعني مُرضِية لصاحبها، -يحمل فاعل هذا بمعنى مفعول- يعني مرضيَّة وصاحبها راضي بها -معنى فاعل- يعني مُرضية لك، ترضّيك لأنها طيبة من كل جانب (عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ).

والحقيقة أيضًا في اللغة عندما يفيض المعنى يتعمّق يُنقل من المنتفِع بِه إلى المُنتَفَع نفسه فيُوصَف بوصف المنتفِع لقوة ذلك (عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ) ما أهناها! ما أحلاها!، وما يمنّونكم به من العيشات، لو صدقوا فيها ثم نُسِبَت إلى هذه لكانت حقيرة، لكن هذا عرض من القوي القادر، تعرف القوي القادر؟ (قَوْلُهُ الْحَقُّ  ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ) [الأنعام:73] جلَّ جلاله (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ) اللهم اجعلنا من أهلها.

 

ماهو مصير من خفَّت موازينه؟

(وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8)) لم يعد له مكانة وأعماله.

  • (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9))أمه هاوية، مصيره ونهايته الهاوية النار.
  • (أُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)) ويقول بعضهم في معنى آخر(أمّه) رأسه؛ يعني يهوي في النار منكّس على رأسه يهوي بها في النار أبعد من الثريا (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) تهوي في النار.
  • كذلك العرب -إذا واحد وقع في نكبة شديدة وحال خطير مُؤلم- يقولون: "وَيْل لأمه" أو "هَوَتْ أمه" لأنَّ الأم برحمتها وشفقتها إذا وقعتْ الشدة بِالابْن هي تهوي وتسقط.
  • وبعضهم يقول (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) كما احتضنته أمه في بطنها، كذلك النار تحتضنولكنها ياأخس أمّ هذه.

ويقول في أحاديث كثيرة جاءت في بعض الروايات أنه يموت الميت فيمر على طائفة من أهل البرزخ -صنف منهم في طريقه- إذا كان وصل إلى درجتهم، أو يمر عليهم إلى فوقهم؛ أهلًا  وسهلًا فلان بن فلان، يسألونه عن فلان وعن فلان كيف حالكم؟ كيف حال الدنيا؟ يقول بعضهم لبعض: اتركوه يرتاح خرج من غمِّ الدنيا وكدورتها وغمومها، دعوه يرتاح قليلا، خففوا السؤال عليه، ويسألونه: ما فعل فلان؟ ما فعل فلان؟ حتى يقول فلان بَنى، فلان تزوج، فلان جاء له ولد، فقد يسألونه؛ وفلان ما فعل؟ فلان! هذا قد مات قبلي، يقولون إنا لله وإنا إليه راجعون، ذُهِبَ به إلى أمهِ الهاوية، ذُهِبَ به إلى أمه، وفي بعض الروايات فبئىست الأم وبئست المُربيّة لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

أمُّه في الدنيا ترضعهُ وتنظفهُ وتداويه وتلبسهُ، وتلك أم تحرقه وتلدغه بحياتها وعقاربها، وتصلِّح لكل عضو عذاب معين، ويُسحب على وجهه ومقامع من حديد وزقوم وحميم وصديد، هذه مصيبة ايش من أم هذه؟ (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10)) أي شيء هي؟ (نَارٌ حَامِيَةٌ (11)) شديدة الحرارة لا تطاق، فيها أودية لو سُيِّرَت فيها جبال الدنيا لذابت من شدة حرها، ولهذا تغلظ لها أجساد الفجار والكفار، اللهم أجرنا من النار.

الحمد لله رب العالمين، يومها خاتمة زيّدنا عليكم لأجل تكون خاتمة حسنة إن شاء الله، وتأتينا إن شاء الله أياما مباركة ونلتقي فيها، ييسر الله لنا من اللقاء ونستثمر بركات رمضان بعده إن شاء الله.

 

فضل صيام الست من شوال

 ومن الخير الذي يُودّع به رمضان نيّة صيام الست من شوال، وكانت في بعض مدن المسلمين ينتشر له أمرها ويضع لها خبرها كما كانت في مثل هذه البلدان "مَن صامَ رَمَضانَ وَأتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ." شرّاح الحديث يقولون أنَّ المِيزة في صوم الست هذه مثل صيام السنة ليست نفل، لأنها متعلقة برمضان فكأنه صام الدهر يعني السنة كلها فرضًا ليس نفلًا، يُكتب له صيام السنة فرضًا، مثل ثواب الفرض يفضل على النفل بسبعين درجة، وهو أفضل من سبعين سنة نفلًا؛ أفضل من سبعين سنة نفلًا، هذه نعمة كبيرة.

 

من أكرمه الله منَّا وأدخله جنته يذكر مثل هذا المجلس

إن شاء الله نبلغ عيدنا الليلة ونحصل جوائزنا من أكرم مُجيز، وكلٌّ يجيز على قدره، إن كان أحد على الأرض بيعطيك أرض، أحد بيعطيك سيارة، وأحد بيعطيك لا أعلم ماذا. ومن الذي يفنى!! لكن هذا إذا أعطاك جائزة لا تفنى ولا تفنى ولا تنتهي ولا تنقص، الله!! جائزة وجائزة تحيا بها الى الأبد، تموت بها تحشر بها، جائزة الملك الباقي، تعرف جائزة الملك الباقية؟ باقية؛ جائزة الملك الباقي باقية.

أبو نعيم في الحلْية يروي أنه مرَّ سيدنا عيسى على قرية فيجد جميع من فيها من الناس والحيوانات هلكوا وماتوا، وأخذ يفكّر فيها وقال: بعذاب هؤلاء أُهلِكوا، ولو لم يكن ذلك لماتوا واحدًا بعد واحد. يا أهل القرية؟ نادى، إذا مجيب يجيبه نعم يا روح الله، ما خبركم؟ قال له: إنا كنّا آثرنا غير الله تعالى وأحببنا الدنيا، قال: ما كان إيثاركم بغير الله؟ قال: كنا نطيع أهل المعاصي، قال: وما حبكم للدنيا؟ قال: كحب الصبي لأمه، فما كان حالهم؟ قال: بتنا في عافية وأصبحنا في الهاوية، قال: وما الهاوية؟ قال: سِجِّين، قال: ما سجِّّين؟ قال: جمرة من نار كأطباق الأرض دُفِنا فيها، قال: ما لأصحابك لا يتكلمون؟ قال: لا يستطيعون يتكلمون، على كل منهم لجام من نار لا يقدرون يكلمونكم، قالوا: وأنت كيف تكلمت؟ قال: أنا ما كنت اعمل عملهم، ولكن كنت فيهم، فلمَّا نزل بهم العذاب عمّني معهم، فأنا معلّق بشعرة إلى الهاوية، لا أدري أُزحزح عن النار وأنجو أو أقع فيها، فالتفت سيدنا عيسى ومن معه يقول: شُرب الماء المالح، والقناعة بالقليل؛ يسيرٌ في أخذ عافية الدنيا والآخرة، وسيعافى من مثل هذا فهذا كثير يكفي.

الله يكرمنا وإياكم يا رب، يا رب، يا رب، يا رب، 

رمضان يمضي، وذنوبنا كلها تُغفر، إن شاء الله، وتذهب بذهابه همومنا وكروبنا وحجبنا وظلمتنا وآفاتنا وزلاتنا ومساوينا ومعايبنا وشرورنا، يا الله، ترحل كما يرحل هذا الشهر، يا رب واجعل ثماره فينا تقوى وإنابة واستقامة وعافية وعفو منك، إنك عفو تحب العفو فاعفو عنَّا، برحمتك يا أرحم الراحمين، وإلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

 من أكرمه الله منَّا وأدخله جنته يذكر مثل هذا المجلس.. الحمد لله رب العالمين.

 

بسرِ الفاتحة 

وإلى حضرةِ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم 

اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه 

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

03 شوّال 1435

تاريخ النشر الميلادي

30 يوليو 2014

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام