(228)
(536)
(574)
(311)
تفسير الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ لسورة الفاتحة وقصار السور بدار المصطفى ضمن دروس الدروة الصيفية العشرين في شهر رمضان المبارك من العام 1435هـ.
﷽
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4))
الحمد لله، منه وبه إليه، على إنعامه الذي لا يُوصف، ومَنِّهِ الذي لا يُكَيَّف، فكيف يُحمد عليه إلا إن كان الحمد منه إليه، فنسأله جلّ جلاله أن يَحْمَد عنّا نفسه بما هو أهله، إنّه إذا أَحَب أحداً من عِباده تَوَلّى عنه الأشياء؛ وِلَايةً تَرفعهُ إلى مَراتب مِن سِرِّ عِناية هذا الواحِد الأحد، تغيب عن مُدركات الخلائق وحسابهم (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون) [السجدة:17].
ونسأله امتثالًا لأمره، ومِنَّةً مِنه واعترافًا بفضله، وفضلِ الواسِطةِ والسّبَب في فضله، الذي جعله كذلك، أن يصلّي ويسلِّم على تلك الواسطة العظمى، والوسيلة الكبرى لكل خيرٍ في الدنيا والأخرى، عبدِه المُختار من بين العباد محمد، المُتَبَوِّئ أعلى معاني حَقائِق العبودية في كل مجال، والذي أحاطت به سُرَادُقات ولاية الرُّبوبية بأعلى الأحوال، وأن يُصلّي معه على آله وهم خير آل، وعلى صحبه المُتَبَوّئين به ذَرَى الكمال، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، الذين خُتِمَ به مالهم من الإنباء والإرسال، وعلى مَن تَبعهم بإحسان على كريم المِنوال، إلى يوم المآل، وعَلينا معهم وفيهم في كل شأن وحين وحال، حتَّى يصفو ويَصلح ويَطيب لنا كل شأن وحين وحال، إنه أكرمُ الأكرمين وأرحمُ الراحمين.
ولقدْ مررنا في تأمُّل آيات ربّنا ومعانيها، وما أودع الرحمن لنا فيها، على سورة النَّاس، التي ختم الله بها كتابه الكريم على لسان رسوله العظيم سيدنا محمد ﷺ؛ وفيها اللِيَّاذُ به وربُوبيته وملكيّته وألوهيّته (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس:4-6]؛ ونعوذ بالله (رَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس:1-6]. وهي أحد الحصون التي مُكِّنَ منها المؤمنون إذا أرادوا الدخول إليها، ليسلموا من وَرطات الوقوع في شبكات العدوِّ الذي: (يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6].
كما أنّه في السورة التي قبلها، سورة الفلق.. قام أيضاً فيها الاستعاذة واللِيَاذُ بربّ الفلق - جل جلاله وتعالى في علاه- مِن جَميعِ أنواع الشُّرور - على العموم- ومن شُرور مَخصُوصة مذكورة بعد العموم؛ للحاجة لذكرها، وفي كِلا السورتين:
فحُقَّ للمؤمن بهاتين السورتين أن يَستبعث:
وتمام المَعاد بالحقّ تبارك وتعالى مِن كل ما يصادفه من الشرور، في البطون وفي الظهور في الدنيا والبرزخ ويوم النشور؛
ولنتعلَّم حَقائق اللِيَاذِ إلى الله مِن خلال هذه الليالي والأيام، إن كنا نُدرك أسرار التخصيص للمواسم وما يُخبىء الكَريم فيها من الغَنائم والمَغانم، فَنَقْوَى في الالتجاء إلى الله في كل ليلة من ليالي رمضان، ونَتَمَكَّن في اللِيَاذِ بالله في كل ليلة ويوم من أيام وليالي رمضان، فنكون أقوى وأمكن، يَمُرُّ على ذلك الشهر حتى لا ينطوي إلا وقد انطوى منا جَميعُ الوهن، وانحازت وبَعُدَت ونأتْ عنا جَميعُ الفتن، وحصَنَّا أنفسنا بكريم التَحَصُّنِ بالحِصن المَنيع مع خواصِّ مَن به تحصَّن، فلنفتح باب الاستفادة من هذا الشهر، لياليه وأيامه بمثل هذه الوجهات والتوجّهات وإحضار القلب والعزيمة؛ لإدراك واستدراك هذه الفضائل، وحسن طلبها من المُنيل لها والمُعطي لها والمتفضّل بها صَاحب الغيث الهاطل، ذلكم الله -تعالى في علاه-.
(أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) [الناس:1]، (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)) فالعياذُ معنا، اللِيَّاذُ معنا، والحِصن معنا، نتعجّب من عقل مؤمن يقول إن فئات في اﻷرض واتجاهات وراءها خلفيات وعندها إمْكانيّات و أنا ما عندي. ألستَ مؤمن؟! عارٌ عليك أن تقول هذا! إن كنت تعتقد هذا؛ فظُلمةٌ من النّفاق في قلبك، تخلّص منها!! لا تلقى ربّك بهذا القلب، يَفتحُ لك باب الإيمان به، ثم تعتقد أنَّ مُلْتجأ إلى شيء من كائناته أوثق حِصْناً منه؟ وأمنع تَوَقِّيَاً من اللِيَّاذِ به تعالى؟ لا تلقى ربك بهذا القلب! ولا بهذه العقيدة الباطلة..
وانظر ما قال سيّدنا الكريم النبي هود لما قال له: (إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ) [هود:54]، ماذا؟!! قُوَّتُكُم هذه؟ وإلا آلهتكم التي معكم؟ (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا) [هود:54-55] -أنتم وآلهتكم تعالوا- (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ) [هود:55] ماذا عندك؟ (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ) [هود:56] مَلاذي كبير، ومَن أعوذُ به جليلٌ عظيم، ماذا عندكم أنتم؟ أنتم تقولون: من أشدُّ مِنَّا قوة؟ هي في ميزان نبيّ الله هود حقيرة عند اللِيَاذِ الذي يلوذُ به.
وكذلك يجب أن تكون نظرتنا إلى فئات أهل الأرض بأصنافهم ومختلف شؤونهم وأحوالهم ومستوياتهم وقدراتهم وإمكانياتهم؛ كلها مقهورةٌ بقهرٍ قويّ من القهّار تحتَ أمره يُدَبِّرُهَا (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) [الأنعام:112]؛ هذه حقيقة. خذها من رمضان، هو أنت عندك رمضان كما رمضان الماضي؟ وعُمرك هكذا يمْشِي؟ ولِمَ مَتَّع الله بكَ عام كامِل، من العامِ إلى اليوم؟ من شأن ماذا؟ لا والله ليس من شأن تتفرّج مسلسل وإلا تَسمَع كلامَ البطّالين! مِن شأن تَسْتفيد هذه الفوائد، وتأخُذ هذه المَحامد، وتجلسْ على هذه المقاعد، وتمتدّ يدك إلى هذه المَوائد، وتحصُل لك هذه الفوائد، ويَجود عليك الجَواد سبحانه وتعالى، فيورِدُكَ أحلى الموارِد؛ هذه غَنيمَة العُمر، هذه فائدة العُمر، هذه بَركة العُمر، وهي الخُيور التي تَخرُج منها بالعُمر فتنفَعُك بعدَ انقضَاء العمر.
أمّا الذي ينحصِرُ نفعُه ما دمتَ في العمر، فليس بغنِيمة العمر، هذا حال العمر، لكنْ غنيمة العمر ما نفعَك بعد انقضِاء العُمر، ما أفادك بعد انتِهاء هذا العمر والخُروج منه، هذا غَنيمَة العمر وهيَ هذه الغنَائم الكَبيرة ..
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1))، (َأعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)):
ما الفلق؟ هناك أقوال، مِن أصحِّها أنه الصّباح، قال تعالى: (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ) [الأنعام: 96]، فلق:
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)) أعوذ واتحصّن برب الفلق، لماذا تلوذ بربِّ الفلق؟ لأنّك قويّ ولأنك قادر؟!! لا لا.. لأنّك ضَعيف، لأنك عَاجِز! -الله- فهذه البركات في الآيات تُنَمِّي عِندنا من سِرِّ العبودية ما نَتَبَرّأ به عن الحول والقوة ونشهد ضعفنا وعجزنا وفاقتنا وفقرَنا أمام الرَّبّ، وهناك الكُنوز الكبرى، هناك الكنوز الكبرى لمن يعلم هذه الحقيقة، وأعلمُ النّاس بها الأنبياء والملائكة، فَإذا هم أحظى الخلقِ بالعطايا من هذا الإله، ومَن سِواهم دُونَهم، فعطاياهم دونهم، ولكن هؤلاء أُمروا أن يسجدوا لآدم فسجدوا (أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [البقرة:32].
انظر! هكذا حكى الله لنا أخبار الأنبياء في لجوئهم إليه وتذللهم بين يديه، وشهودِهم عجزهم وضعفهم إلى سيّدهم، وحكى لنا أخبار الفُجار والكُفار (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت:15]، يقولون هكذا (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ) [المؤمنون:47]، (سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُون) [الأعراف:127].
انظر المسالك هذه، مسالك الكفرة والفجرة، ويُعلّمُونَنا إيّاها يُريدون أن نسلُك هذا المَسلك! دفع الله شرّهم عنّا، مسلك محمد خير، يقول: "اللَّهمَّ أنتَ ربِّي، لا إلهَ إلَّا أنتَ خلَقْتَني وأنا عبدُكَ وأنا على عهدِكَ ووَعْدِكَ ما استطَعْتُ، أعوذُ بكَ مِن شرِّ ما صنَعْتُ"، انظر، "وأبوءُ" -أُقِرُّ وأعترف- "أبوءُ لكَ بنعمتِكَ علَيَّ وأبوءُ بذنبي فاغفِرْ لي فإنَّه لا يغفِرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ"، هذا مَن؟ سيّد أهل الحَضرة فما أُعطِي أحدٌ كما أُعطِي.
وسِرْ على قدم أهل النبوّة، وأربابُ الفتوّة، من تابعيهم الصادقين -رضي الله تبارك وتعالى عنهم-، قال الجنيد بن محمد عندما دعاه واحد، وصل عنده واعتذر له وذهب، ثم جاء له ثاني مرة ورجع، وجاء له ثالث مرة ورجع، ثم جلس هو وإيّاه. قال: أعجبني الجنيد، قال: لماذا؟ قال له: أَرُدَّك من عند بابي أول مرة وثاني مرة وأدعوك وأكذب عليك وأرجعك وأنت ترجع.. قال: ولو دعوتني عشرين مرة أو سبعين مرة لجئت، قال: أنا قد رَوَّضْتُ نفسي على الذلة لله عشرين سنة، ما يؤثِّر عليَّ في مجيئك وذهابك هذا، ما أعدُّه شيئًا.
والآخر قال: تمدحني على وصفٍ يَتَصِّفُ به كلب! إنك تَطْرُدَ الكلب فينطرد ثم تَعْرِضُ له أي شيء فيعود وتطرده فينطرد ولو عشرين مرة، لكن من لم يعرف هذه الحقائق يقول: أنا؟ يفعل بي كذا؟ يصلّح في كذا! ما يعرف قدري؟ مايعرف شرفي؟ -الله-، زِيِّدْ من حق أنا، يا عبد أنا! وشيخك صاحب أنا! إبليس الأول (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) [الأعراف:12]؛ هو ذا شيخك يا تلميذه، إمشِ خلفه، هات كلامه، عيب عليك أنت عبد الله.
قالوا للسيدة عائشة في وقت ما اشتدَّ عليها الحال بعد افتراء المفترين، ونزلت الآيات في براءتها قومي، قالت: "لا أحمدُكَ ولا أحمدُك -أنت أبي، ولا رسول الله- ولكن أحمد الله"، قال: عرفتْ الحق لأهله! ما قال: لماذا؟ فأنا السبب وأنا الواسطة والخير الذي عندها كله مني، ما قال شيء من هذا - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -الله-، وهكذا.
وقال آخر أيضاً من الأجلاف الأعراب، مرَّ عنده قال: بحمد الله لا بحَمدِك ولا بحمدِ صاحبك، يقول له، قال النبي: "عرفَ الحقَّ لأهلِهِ"، انظر هذا مسلك، انظر أين تحطُّ رجلك! تَبَع مَن؟ هذا مسلك الأنبياء والملائكة والأصفياء والصالحين، وذاك مسلك ثاني.. لماذا تحب الثاني هذا؟ هذا مسلك الخُبثاء الساقطين من عين الرب. ما تدري ايش مآلهم هؤلاء؟ -فيا رب ثبتنا-.
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)؛ لأنه ليس في ذواتنا ولا في الكائنات من حوالينا ما يكون مستقلاً بقوّةٍ ولا بقدرةٍ ولا حامياً ولا حارساً ولا حافظا لنا إلا رب الفلق، (بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)).
(مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)، هو الذي خلقه وهو الذي سيكفي شرَّهُ، تمام؟ مضبوط الكلام يكون أو لا؟ أما هو يخلق، وواحد ثاني يكفيك شرُّه، كيف هذا؟! تعال إلى عند الذي خلق -نفسه-؛ ولهذا يحرصون من أجل الضمانات يذهبون بالبضاعة عند وكالتها الأصلية، وإذا ذهب الى عند آخر يقول له: الضمان انتهى، أنت تعرَّضت لها وذهبت، دع الثاني الذي وعدك، يصلّح جهازك والآلة والسيارة هذه، الوكالة تتخلّى عنك لأنك اعتمدت على غيرها، ليست وكالة هذه، وايست محل مولى الصناعة.
وفي هذا المعنى ما كررنا من قصة الذي استوصى شيخه وهو مسافر إلى بلده قال: يا ولدي البلد التي ستذهب إليها فيها شيطان؟ قال: يا شيخ أنت تعلم أن الله نشرَ الشياطين في الأرض كلها، وفي كل محل هي موجودة، فقال: فإذا وسوستْ إليك الشياطين كيف تعمل؟ قال له: أُجاهدهم.. سكت الشيخ قال: ياولد، لو دعاك واحد لعزومة عنده ومائدة في بيته، فجئت تريد أن تدخل فوجدتَ على طريقك قبل الباب كلب عقور، قام ينبّح عليك، ما تصنع؟ قال: آخذ حجرة وأرميه، قال: رميته بالحجرة ورجع ينبح عليك، قال: آخذ ثانية وأرميه، قال: رميت بالثانية ورجع ينبح عليك، قال: آخذ ثالثة، قال: ثالثة ورابعة وخامسة، وكمّل الناس غداءهم وخرجوا وأنت والكلب، هذا طريق غير صحيح؛ قال: كيف يا شيخ اعمل؟ قال: نادِ صاحب البيت، قل له كلبك على الطريق، أنت دعوتنا أن أحضر وأريد أن أدخل وهذا الكلب جالس في الطريق وهو كلبك! قال: لو ناديت صاحب البيت، إشارة منه سيذهب الكلب بعيد وتدخل آمن وتذهب، على طول تفضَّل إلى المائدة؛
فكذلك يا ولدي، هذا الشيطان قلت لي أنك ستجاهده!! أنت ستجاهد بنفسك، و بعد ذلك!!، نادِ صاحب البيت! هذا كلب قاعد على طريق الجنة والله دعاك إلى جنته تدخل فيها وهذا جالس على الطريق؛ (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) [الأعراف:16]، فإذا بتتخلص منه إذهب دوِّر على صاحب البيت نادهِ خلّه يسمعك، وينظر إليك وهو الذي بيبعده هناك؛ (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الحجر:42].
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2))؛ أنواع الشّرور التي خلقَ في الأرواح، في الأجسام، في العقول، من الآفات؛ الطّعام والشّراب والمَنام واللّدغَات السّقطَات الاهتِزازَات البَلايا، النّبات الحَيوان الجَماد التَّسلُّطات..
(أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَق (2)) خلاص، احتوتْ جميع الشرور من جميع الكائنات والمخلوقات نعم، وبعدين عاد في مخصوص، هاه.. ايش؟ (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)) نَصَّ على هذا (غَاسِقٍ ..(3)) إما المُمْتَلي أو صاحب الظلام (إذَا وَقَبَ (3)) دخلت ظلمته فيكون الليل (مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ ..(3)) الليل (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْل) [الإسراء:78]، (غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)) وبهذا المعنى أيضاً يَتَصِّل أنه القمر المُنَوِّر في الليل إذا غاب القمر اشتدت ظلمة الليل، وفي هذا ورد أن النبي قال للسيدة عائشة وقد طلع القمر: "استَعيذي باللَّهِ مِن شرِّ هذا الغاسق، فإنَّه الغاسقُ إذا وقب".
(وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3))، وذلك أنه في هذه الأحوال في أوقات الظلمات، تحصل أنواعٌ من الآفات والبليات؛ ولذا يُرَتِّب كثير من أهل الشر شرورهم في ظلم الليالي، وما يترتب على ذلك من أنواع المفاسد والمخالفات ونزول الآفات كذلك.
(وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)) فيكون المستعيذ من ذلك على بصيرة من ربه في أمره كلِّه وعلى نور، (َأفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ) [الزمر:22]، (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) [الأنعام:122]، (قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ) [الأنعام:104].
يقول: (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)) جمع نافثة: هُنَّ السواحر، الساحرات اللاتي يسحرْن ويعقدنَ العُقد من الخيوط والشعر والوتر، بما يستعملنه من استغاثة بأسماء البَطلة من شياطين الجن السحرة، فيَنفُثُن؛ يخرجن الهواء من الفم من دون ريق، فإذا كان مع الريق يسمى تفل، التفل إخراجه بريق، ومن دون ريق فهو نفث، (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)) وهي هيئة عاملات السحر. وكان مِنهُنَّ بنات لبيد بن الأعصم وما يتعلق بذكر هذه الآية فيما يتعلق بشأن السحر وما الذي حَصل من لبيد بن الأعصم اليهودي هذا مع النبي صلى الله عليه واله وصحبه وسلم يأتي إن شاء الله بيانه معنا لأنه يحتاج لبعض الشرح ..
فلنحسن اللِيَّاذَ بالله، واللجوء إلى الله، في أحوالنا وشؤوننا كلها، فإذا عَلَّمنا الاستعاذة من شرور الخلق كلهم وعَلَّمنا الاستعاذة من شر الوَسواس الخناس الذي يوسوس به والرجوع إليه، ففي هذا إعلام منه إن كان يهمُّكم شيء أو يغمُّكم شيء أو تخافون من شيء، فالملاذ أنا ونِعم اللِيَّاذُ بي؛ ولذا النبي ﷺ كان يقول:
حتى كان يُحَدِّث بعض الصحابة عن الفلق والناس، ثم قام يصلي بهم في الصبح في الغداة فقرأ الفلق والناس، ثم جاء يقول له: ما رأيت؟ قال: يا رسول الله رأيت ما رأيت، قال: لن تقرأ بمثلهما، لن تقرأ بمثلهما، فثبّتْ عظَمتهما في قلب الصحابي رضي الله تبارك وتعالى عنه.
ويقول لسيدنا جابر: اقرأ ـ ووضع يده على صدره ـ اقرأ.. ما اقرأ يا رسول الله؟ قال: (قُلْ ..(1))، قال: ما أقول يا رسول الله؟ قال: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)) ثم قال له: قل؟ قال: ما أقول؟ قال: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ) [الناس:1-2]، ثم قال: إنك لن تقرأ بمثلهما.
وآخر أيضاً من الصحابة وضع يده على صدره يقول له: (قُلْ)، قال: ما أقول يا رسول الله؟ فقال لي: (قُلْ)، فألهمني الله فقلت: (قُلْ هُوَ الله أحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص:1-2]، حتى ختمها، ثم قال لي: (قُلْ ..(1))، فقلت: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3))، ثم قال لي:(قُلْ)، فقلت: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ) [الناس:1-2]،حتى ختمتها، فقال: كذلك فتعوّذ فلن تتعوّذ بمثلهن، لن تتعوذ بمثلهن، ولذا جاءنا في الأذكار الواردة في الصباح والمساء قراءتهن صباحاً ومساءً، وجاء أيضاً في الخبر: "اقرؤوهن بعد كل صلاة، بعد كل مفروضة"؛ قراءة المعوذات: (قُلْ هُوَ الله أحَدٌ) [الإخلاص:1]، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1))، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) [الناس:1].
بارك الله لنا فيها الحمد لله، سُوَر نزلت على نبينا، مطروحة بين أيدينا، عطاءً من ربنا أعطانا إيّاها، لن نجد مثلها لا عند أهل الشرق ولا عند أهل الغرب، لا عند أهل أي حضارة ولا عند أهل أي قذارة، أو لا؟ الحمد لله هي ممنوحات من الحق لأهل الطهارة. الله يجعلنا من المطهرين: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222]، اللهم اجعلنا من التوابين و اجعلنا من المتطهرين و اجعلنا من عبادك الصالحين، والحقنا بأحبابك.
رِجَالُ اللهِ مِنْ كُلِّ ذِي قَلْبٍ مُنَوَّرْ *** مُصَفَّى مِنْ جَمِيعِ الدَّنَسْ طَيِّبْ مُطَهَّرْ
يا ربّ الفلق طلع الصبح بما فيه فانظر إلينا واطلع علينا صبح الهداية الذي لا تغيب شمسه، يا حيُ ياقيّوم حتى يكون يوم كل واحد منا خير من أمسه، ولا نزال كذلك نَظْفر منكَ بأنسك الذي آنست به أحبابَك مِن أهل تَقريْبك في مراتِب قُدسِك، يا حي يا قيوم.
بسرِ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم
اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه
الفاتحة
يسمع الكثير ممن في الخارج في بعض الأخبار الظاهرة هذه، يُتَوَقّع القلق أو الخوف من هنا أو من هناك، ولو دروا بالسكينة النازلة والأمن والطمأنينة التي لا يُحَصِّلُها الملوك في العالم، لعلموا أن الله سبحانه وتعالى، في خلقه عجائب.. اللهم أتم علينا النعمة وادفع عنا وعن الأمة كل نقمة برحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
08 رَمضان 1435