تفسير سورة البروج -2- من قوله تعالى: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ)

تفسير جزء عمَّ - 73 - مواصلة تفسير سورة البروج {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ}
للاستماع إلى الدرس

يواصل الحبيب عمر بن حفيظ تفسير قصار السور، موضحا معاني الكلمات ومدلولاتها والدروس المستفادة من الآيات الكريمة، ضمن دروسه الرمضانية في تفسير جزء عم من العام 1437هـ.

نص الدرس مكتوب:

 (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلۡوَقُودِ (5) إِذۡ هُمۡ عَلَيۡهَا قُعُودٞ (6) وَهُمۡ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ شُهُودٞ (7) وَمَا نَقَمُواْ مِنۡهُمۡ إِلَّآ أَن يُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ (8) ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ (9) إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَتُوبُواْ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ ٱلۡحَرِيقِ (10) إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡكَبِيرُ (11))

الحمدُ لله الذي جعل لِطُلوع الشمس علينا في كُلِّ يومٍ علامات، وآياتٍ دالَّاتٍ، ومعانٍ ساميات، وإذ لم يبخل لأنواع المصالح ومنها الفانيات المُتعلِّقة بالمادة وهذه الحياة على الناس؛ فلم يقطع عنهم طُلوع الشمس -جَلَّ جلاله- في كل يوم، فهو الأكرم أن يحجب عن الصادقين والمتوجّهين إليه شُموس معرفته أو عنايته أو الدلالة على أوصافه أو أسمائه أو ذاته، أو شموس القُرب من حضرته -جَلَّ جلاله-، أو شموس الوعي والفهم عنه -سبحانه وتعالى-، فإنها طالِعَاتٌ على المتوجّهين إليه والمُقبلين عليه إذ هو الأكرم -جَلَّ وعَلَا-.

 ونحن في هذه الدروس، وفي يوم الجمعة، خير يومٍ طلعت عليه الشمس، خير يومٍ طلعت عليه الشمس، نواصل استِنارتنا وطلبنا لِطُلوع تلك الشموس العظيمة في سماوات قلوبنا، وهي الشموس التي إذا أَذِنَ الله بسطوعها في قلبٍ، بقيت ساطعة أبداً سرمداً، نور الله الذي لا يُطفأ (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) [النور:40] اللهم نوِّرنا بنورك الأعلى.

نواصل في خلال هذه البُكْرَاتِ المُباركات والغُدوات الطيِّبات، تَعَرُّضُنا لطلوع شمس معرفة بالحقِّ أو وعيٍّ عنه أو فَهَمٍْ أو قُرب منه، أو حقائق صِلاتٍ به كتبها بمحْض وِدَادٍ بينه وبين مَن ودَّ من عباده، أو إطِّلاعٌ واطْلَاعٌ على حقائق في النبوة أو الرسالة أو الصِّدِّيقية أو معاني الملائكة أو الإيمان بالغيب واليوم الآخر، تَتَعَرَّض لطلوع هذه الشموس قلوب الموفقين الصادقين الذين عَلَت بهم المَطامع والأذواق والرغبات، فلم يعودوا كعامة الناس الرُّعَاع الذين يَحْيون على هذه الأرض، وهم في دنيءٍ مِنْ النظر، ودنيءٍ من القصد، ودنيءٍ مِنْ الرَّغَبةِ، ودنيءٍ مِنْ الطَّلَبِ، (وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم:6-7]، 

(فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ) [النجم:29-30]،  فحسْبهم الحجاب والقَصْرُ والحَبْسُ في هذا، إلى أن يموتوا ويخرجوا من الدنيا وماذاقوا ألَذَّ شيء فيها، وأعلى شيء يعطيه الباري مَن أحبَّ، في هذه الدنيا من معرفته الخاصة، ومحبته الخالصة -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-، 

فرَحِم الله ساحات قلوبنا، وأطْلع في سماواتِها شموس المعرفة الخاصة والمحبة الخالصة، وأكرمنا بذلك ما دُمْنا في مهلة الفرصة وما دُمْنا في مدة التَّمَكُّنِ من حصول ذلك حتى إذا بلَغت الروح الحلقوم، طُويت الصُّحُف وانتهى وقت الفرصة، وانتهى وقت التحصيل لهذا الخير العظيم.

هذا الخير العظيم أعلى ما يُعطَى في هذه الحياة، ونحن في هذا التعرُّض لهذا العطاء الإلهي، مررنا على سورٍ من القرآن الكريم نتأمل من معانيها وفي معانيها، وأنَّى يحيط فَهْمٌ بل ووَهْمٌ أو نُطْقٌ أو قَوْلٌ بمعاني كلام الله جلَّ جلاله؟ (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) [الكهف: 109]، (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) [لقمان:27].

قال بعض أهل المعرفة والخير: «لم يزل في قلبي شغف وولع بمعاني القرآن فقرأتُ تفسيراً واثنين وثلاث وأربع وخمسة وستة فما شَفَت لي غليلي، حتى قرأتُ مائة تفسير وما شفَتْ لي غليلي، ثم فتح الله عليَّ في قوله: (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ) [الأعلى:3]،  فشفى غليلي»  اللهم وفِّر حظَّنا من كتابك وخطابك ووحْيك وتنزيلك وقرآنك يا أرحم الراحمين، ونسألك في شهرٍ أنزلتَ فيه القرآن أن تجعلنا عندك من أهل القرآن، وقد جاء في الحديث: "أهلُ القُرآنِ هم أهلُ اللهِ وخاصَّتُه".

مررْنا على معانٍ في سورة البروج يقول الحق فيها: بسم الله الرحمن الرحيم (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)) [البروج:1-3]، ورأينا المعاني في هذه المَقْسمَات بها والمحلوف بها من قِبَلِ الحقِّ -تبارك وتعالى-: 

  • (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4)) إمَّا حَلِفٌ على قتل هؤلاء المؤمنين الصالحين، وإمَّا دعوةٌ؛ فيكون هذا المعنى الأول خبر عن قتل هؤلاء.
  • (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ) وإمَّا  يكون المعنى دعاء على الذين فعلوا القتل من القاتلين لا المقتولين.
  •  (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ)، (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) [عبس:17]، (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ) [المنافقون:4]،  أي بمعنى: لعنهم. قُتِلَ هؤلاء الذين أقاموا الأخدود وألهبوا فيها النيران وحرَّقوا المؤمنين.

(قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4))، وما الأخدود؟ قال: هذه المواضع في الأرض المستطيلة التي شُقَّت في الأرض وصُدِّعَت من الأرض، ملؤوها بالنار 

(النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5))، وهل قوة النار إلا ما تُوقَدُ به، وكلما توفَّر ما تُوقَدُ به كانت أشد، فقال الله: إن هذه لها وقودٌ كثير 

  • (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ)، نارٌ مُوَفَّرٌ وقودها، أي فهي ملتهبة شديدة الالتهاب، جَمَّعوا لها ما تَتَوَقَّدُ به وما تتأجج وما تلْهَب، 
  • (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ )، أي شديدة الَّلهَبِ لكثرة ما تحرقهُ وما يكون وقودا لها -والعياذ بالله من النار في الدنيا والآخرة-، وإنما جُعِلَت نار الدنيا تذكرة بنار الآخرة .

(النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6))، قاعدين يتفرجون وينظرون ما يفعلون بالمؤمنين (إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)) حاضرين، مُسِخَت الرحمة من قلوبهم والرأفة، يُشْوون من بني جنسهم واخوانهم تشْوية، يلقونهم في النار واحدا بعد الآخر، حتى يبْلغون إلى الاثني عشر ألف، إلى السبعين الألف، إلى الثمانين الألف، يَشوونهم في النار! أي قومٍ هؤلاء؟! 

(إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ(7))  يشهدون هذا العمل ويحضرونه ولا يتأثرون ولا تنبعث فيهم الرحمة!! ولا يَعطفون على بني جنسهم وأمثالهم ونظرائهم في الخلق من بني آدم، يحرقون الواحد بعد الآخر! 

(وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)) حضور وقعود؛ فإذا جاء يوم الشهادة شهدوا على أنفسهم أنهم فعلوا ذلك! (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [يس: 65]،  فهكذا.. فهم شهودٌ على هذا الفعل، حضروه في الدنيا بلا رحمة ولا رأفة، ثم يشهدون على أنفسهم أنهم فعلوا هذا الإجرام، وتصرَّفوا هذا التصرّف الخبيث الشديد، يوم القيامة، يوم تفضحهم أعضاؤهم وألسنتهم. 

(وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ..) ما عابوا عليهم، وما أخذوا عليهم شيء (..إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ..(8))، الذي عَزَّ واعتلى -جَلَّ جلاله- فلم يُعاجِل بالعقوبة وأمهَل، والأمر في قبضته فسيأتي الجزاء للكلِّ ولا يُهْمَلُ أحد (إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)) الحميد، المحمود -سبحانه وتعالى- المُستَحِق للمحامد كلها،

  • المحمود على كل حال، 
  • المحمود على كُلِّ فعل، 
  • المحمود على كُلِّ وصفٍ من أوصافه، 
  • المحمود أبداً سرمدا -جَلَّ جلاله- وله الحمد في الأولى والآخرة (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ) [الروم: 18-19]. له الحمد، اللهم لك الحمد شكراً.

ومن هُنا نَطَقَ أهل الحِكْمة بقولهم: الحمدُ لله الذي لا يُحمَد على مكروهٍ سِوَاه. 

أمَّا ما يصدر من ربك ما تُحِب ومالا تُحِب، ما يُفرحك وما يُحزنك؛ يَستحقُ الحمدَ عليه (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:45]، فإنَّ في هلاكِهِم موجبات لحمده، قطَعَ عنهم استمراريتهم في السوء وزيادة الذنوب، وكَفَّ أذاهم عمن كانوا يؤذَون بقتلهم هذا وباستئصالهم؛ فالحمد لله، كُلُّ حالٍ صادرٍ وكلّ فِعلٍ صادر من الله، يَستحق الحمدَ عليه -الحمد لله على كل حال-.

 ومن نور الإيمان وثقافته كُنَّا نسمع العامَّة الذين يجلسون مجالس أهل الخير، ويتربّون على موائدهم إذا سُئل أي سؤال عن حاله، يقول: الحمد لله، له الحمد، يستحق الحمد، ولو كان في أشد مرض وشدة وسألته يقول: له الحمد، يستحق الحمد ربي على كل حال، ونسمعهم يقولون: اللي يفعله ربك كله زين -الذي يفعله ربك كله طيب وجميل-. هذا منطق الإيمان، منطق ذَوقٍ في شهود الرحمن وعظمته -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه- استقَوه من مُجالسة أهل العِرفان، فكانت هكذا المستويات عند العامة، فكيف بالخاصة؟! لا إله إلا الله. 

ولكن اليوم يسْتقون أذواقهم من هذه البرامج المُنتشرة، من هنا وهناك، وأكثرها مُظلمة، فلا تعْجب! تسمع كلمات الظُلمة منهم، وكلمات الغفلة تصدر منهم وكلمات الانقطاع عنِ الله -تبارك وتعالى-، وعكس ما كان سائد بين الناس، ومُتَأصِّل في أذواقهم ومشاعرهم، من معرفة عظمة الإله والاستعداد للقائه، بل معرفة الحقيقة.

 قال: (وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ..)، ما عابوا عليهم … ما هو الأمر المأخوذ عليهم؟ (إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..(9))، (قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُل..) [الأنعام:12]، قل لهم كلّهم (قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) تقول لهؤلاء أو هؤلاء أو هؤلاء.. هؤلاء متى جاءوا؟ إن كان ستذكر لي أحدا من الماضيين فقد ذهبوا حميعا ولم يأخذوا شيء، أما من الموجودين؟ فما كانوا موجودين! فهم  جاءوا في سرعة وعُرضَة للزوال، (لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) لمن؟ وتأتي دولة وتأخد لها قطعة من الأرض، بعد ذلك تذهب وتأتي ثانية -دولة ثانية- (قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّهِ) [الأنعام:12].

هو الذي يملك ما في السماوات وما في الأرض، وما مع الناس عامَّتهم وخاصتهم رعاياهم ومُلوكهم إلا صور، مُلْكٍ، مجازيٍّ، قليلٍ، ضعيفٍ، حقيرٍ، طارىءٍ، زائلٍ، فإذًا مَن الذي يملك؟ قل لي مَن الذي يملك؟ فرعون؟ عاد؟ ثمود؟ نمرود؟ الدول التي كانت قبلنا موجودة؟ الدول الموجودة؟ الدول الموجودة مثلها مثل ما قبل الموجود.. فمن الذي يَملِك؟ أين حقيقة المُلك لما في السماوات والأرض، الله أكبر(..لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..)؟ (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)).

وبهذا عرفت من معاني (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3))، أنَّ الشاهد "الله" (وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)) حاضر مُحيط عَالِم بكُلِّ شيء وهو على كلّ شيء شهيد (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9))، هكذا يذكر الحق -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه- بعد أن أشرنا إلى قصة أصحاب الأخدود، وما جاء في رواية الإمام مُسلم -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- من الخبر عن ذلك الغُلام الذي جعله الله -سبحانه وتعالى- سبب إيمان الكثير، ومُعَلِّمه الراهب الذي شُقَّ بالمِنشار ولم يَعُد عن دينه ولم يخرج عن الإيمان.

وهكذا حتى يُذكَرُ أنه في عهد سيدنا عمر بن الخطاب وُجِدَ لعبد الله ابن تامر -هذا الغلام- الذي ضُرِبَ،  وجُثَّته ويده على موضع جرحه؛ إذا أُميطَت سال الدم وعادت إلى مكانها -اليد- كما كان الحال بعد ذلك في شُهداء أحد، وكتبوا إلى سيدنا عمر وما وجدوا فيه، فقال لهم: اجعلوا كل ما وجدتموه عنده وفيه على هيئته وحاله وادفنوه في مكانٍ حصينٍ، وكان ذلك من ذلك العهد الذي كان قبل النبوة بسبعين سنة أو أكثر.

 يقول سبحانه وتعالى: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..(9))، فبيده وبأمره تَهِبُّ الريح، وتسير الأرض وتدور، وتسير الكواكب (..بِحُسْبَانٍ) يقول تعالى: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا) [الرحمن:5-7]، رفعها هو الذي ملَكَها، قال سبحانه وتعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ..) [الأحقاف:4]، قولوا لي، الذين يسمُّونهم أصحاب العلم، أصحاب التقدّم.. سمّوهم ما سمّيتم.. قولوا لي أي بقعة خلقوها هم؟ أرِنا، أيّ بقعة من الأرض؟ عندك قارات في الأرض سبع، قولوا؛ ماذا خلقوا منها؟ القارات الخمس أو السبع التي حصَّلناها؟ وثلاثة أرباع الكرة الأرضية ماء، كم نسبة ما خلقوا أصحابك هؤلاء؟ أرِنا البقعة في البحر التي هم أوجدوها؟ .. هم أوجدوها؟!

(..أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ..)…. أين المكان الذي خلقوه؟!! (ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الأحقاف:4] ما لهم شيء في السماء ولا في الأرض، لا خلقوا شيء في الأرض ولا خلقوا شيء في السماء، الذي بناها هو مَلِكُها -جلَّ جلاله-.

 يقول سبحانه وتعالى: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9))، فإلى كم يمتدُّ نظرك؛ إلى خلْقه وإلى نفسك وإلى الأوادم وإلى الحيوانات وإلى الجمادات، وتنساه وهو الشهيد عليها كلها! والأحقّ بأن يُرَاقَب! والأحق بأن يُهَاب! والأحق بأن يُرجَى! وأنت مؤمن بالله وبرسوله! أكرمك الله، جعلك من أمة محمد -عليه الصلاة والسلام- والقرآن بين ظهرانيك! وسِنّك عشرين، ثلاثين، أربعين سنة؛ مُنصرِف بشغلك بالنظر إلى الكائنات، مَحجوبٌ عن هذا المُكوِّن! (..وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)) وتصوم رمضان على هذا الحال! وتصلِّي إلى اليوم -الثاني عشر- وشُغلك بغيره!! وشُهودك لسِواه، وهو الشهيد عليك، وعلى ما فوقك وما تحتك ومن كل جانب! ومُحيط بكل شيء! 

متى تراه؟! متى تتوجَّه إليه؟! متى تشهد إحاطته بك؟! متى تستشعر وجوده؟! متى تستشعر إحاطته؟! متى تستشعر عظمته؟! سَوَارِي! مراوح تُلهِيك عنه؟! تراب، أرض، هواء، سمك، نجوم، طائرات، تُلهِيك عنه! وكلها ذرَّاتٌ من خلقه وقدرته! وهو الحاضر الذي لا يَغِيب، وعلى كل شيء شهيد، مالكَ لا تلتفت إليه؟! مالَكَ لا تستشعره؟! مالَك لا تشهده؟! مالك لا تحضر بين يديه؟! حتى وأنت تدخل في الصلاة، وفي صلاة التراويح وفي رمضان وقلبك مع ذا وذا وذاك، وتنساه؟! 

هو أظهر، هو أكبر، هو المُحيط، هو العليّ، هو الأجلّ، هو الأكبر سبحانه، فما لك مع غيره، مع غيره.. مع غيره.. مع غيره!! رضيتَ بغيره دونه؟! ليس في غيره ما يغنيك عنه وهو يغنيك عن كُلِّ شيء، فاحضر معه، يامَن أخذ عُمْرك وقلبك حضور مع أوراق ومع أجهزة ومع أموال ومع ديار ومع جدران ومع هواء ومع سيارات ومع كلام فارغ.. هات نصيب الحضور مع ربك في هذا القلب، ما نصيب هذا القلب من الحضور مع هذا الإله؟

وتلك حقائق الذكر؛ أن يحضر القلب مع المذكور، فليس المراد بالذّكر مجرّد جريان الألفاظ على اللسان؛ سبحان الله، الحمد لله والله أكبر؛ قلبك!! فليسبّح القلب، فليحمد القلب، فليُكَبِّر القلب، فليهلّل القلب؛ فيحضر مع الرَّب المُسَبَّح المَحمود المُهَلَّل المُوَحَّد المُكَبَّر -جَلَّ جلاله- لا إله إلا هو، الله أكبر. فينبغي أن تغنم بقية رمضان لتدخل إلى هذا النور؛ يحضر قلبك كأهل الحُضور مع العزيز الغفور. 

(وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)) إن وقفتَ أمام جماد أو حيوان أو نبات، - فربَّك- هو شهيد، إن تكلّمت هو شهيد، إن قمت هو شهيد، إن نمت هو شهيد، كنت مع أهلك هو شهيد، كنت مع أولادك هو شهيد، مع أصدقائك هو شهيد، مع عدوك هو شهيد، في البر هو شهيد، في البحر هو شهيد، في الشارع تمشي هو شهيد، تقرأ كتاب هو شهيد، تطالع شاشة هو شهيد، تأكل هو شهيد، تشرب هو شهيد.

 يا هذا غفلتك كثُرَت عنه وطالت! أيقظ قلبك، فمقصود الصوم أن يستيقظ هذا القلب، ومقصود القيام أن يستيقظ هذا القلب، ومقصود الصدقة والزكاة أن يستيقظ هذا القلب، ومقصود حضور الجمعة أن يستيقظ هذا القلب؛ ليحضر مع الرَّب (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة:152]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ..) [الجمعة:9]  الى ذكْرِ اللَّهِ، ما قال لك؛ إلى المسجد، ولا إلى الصلاة، ولا إلى الخطبة ولا إلى المكان؛ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ، وَذَرُوا الْبَيْعَ، وكل شيء يقطعكم عن الله، تستمع الى ذكر الله؟! قال النبي، في الملائكة الذين يجلسون على أبواب المساجد يوم الجمعة التي تُصَلَّى فيها الجمعة: فإذا خرج الإمام طووا صحفهم والتفُّوا حول المنبر يستمعون الذكر،  الذكر: ذكر الله، -هؤلاء الملائكة-.

قال: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا) [الجمعة:10] استصحبوا فائدة الجمعة وثمرتها معكم، إذا حضرتم مع الله في الجمعة، فاخرجوا بنور هذا الذكر في مسعاكم في الحياة (فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة:10]، اللهم أَعِنَّا على ِذكرك، اللهم أَعِنَّا على ذِكرك، وأكرِمنا بنور ذكرك، أكرِمنا بسِرِّ ذِكرك، أكرِمنا بحقيقة ذكرك، يا الله أَعِنَّا على ذكرك وشكرك وحُسْنِ عبادتك.

 يقول سيدنا جعفر الصادق: «إنَّ الصواعق تصيب المؤمن وغيره ولا تصيب الذاكر لله». وقت ذكرك لله لا تصيبك الصاعقة -تروح هنا تروح هنا- لكن وقت الغفلة عن الله .. لا تصيبه الصواعق؛ لا الحسية ولا المعنوية وقت الذكر لا تصبيك صاعقة، الصواعق للغافلين، قال تعالى: (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ) [الرعد:13].

 يقول: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) -وعملوا هذه الأعمال الفظيعة- (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا..(10)) ما هذه الرحمة؟! ما هذه الفُرَص التي يفتحها لعباده وخلْقه! يعملون هذا الأمر الشنيع الفظيع كله، ثم يقول:

  •  (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) يعني لو تابوا إليّ، ولو فعلوا مثله ثم تابوا إليّ؛ لتُبْتُ عليهم! 
  •  (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا)  ففيه دليل على قبول التوبة ولو من القاتل؛ تحت مَظَلَّةِ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ) [النساء:48] 
  •  (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) ، قال: حتى أهل هذه الفظائع الخبيثة لو تابوا إليّ وندموا لَمَا جعلتُ مصيرهم هذا ولا كان نهايتهم ذاك العذاب الذي أعددته لهم.

 (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا)، حتى ماتوا، ما هذا الأناة من الله، وإعطاء الفرصة حتى للظَّلَمَة! حتى للطغاة، إذا تابوا! (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10))، ياويلهم أُعطُوا الفُرصة، -أرجعوا ما رضيوا يرجعوا- واستمروا ولا بالوا إلى أن مات أحدهم.. 

  • (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ) النار الموقدة، وهل النيران هم الذين أوقدوها؟! وهناك نار (..وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..) مقابل ما عملوا بالمؤمنين (عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6] 
  • (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10))، مناسب لِمَا عملوا بالمؤمنين؛ حَرَّقوهم قال: سترَوْن أنتم هذا الحريق الذي يؤلم في الدنيا، وراءه حريق أشد (..كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ) [النساء:56]، والحريق هناك مقابل هذا الحريق، 

وهناك قول يذكره بعض المفسرين: أنهم بعد ما حَرَّقوا المؤمنين، طلَعت النار من الأخدود فلهبتهم (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ..)، في الآخرة (وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) في الدنيا، احترقوا في الدنيا، ولهم العذاب في الآخرة؛ جهنم.

ولكن المعتمد كما تأتي به سياق الآيات أنَّ الكل في الآخرة، عذاب جهنم وعذاب الحريق كلّه في الآخرة، وإذا نُظِرَ إلى ما أعَدَّ الله في النار، كل حريق دون ذلك، ما يُسَمَّى حريق بالنسبة لنار الحريق هناك -اللهم أجرنا من النار-، وهي التي لو أُخرِجَ منها شرارة إلى الأرض لَعَمَّ حَرُّها الأرض -الكرة الأرضية كلها تروح أمام شرارة من النار تلهب الأرض- الكرة الأرضية كلها تنالها الحرارة منها، لو وُضِعَت في أقصى المغرب يجد حرارتها مَن في أقصى المشرق؛ شرارة! -اللهم أجرنا من النار-.

 وقد جاء في وصف أودية في جهنم، منها وادي وَيل: لو سُيَّرت في جبال الدنيا لذابت من شدة حرِّها -مَسْكَنُ المتهاونين بالصلاة- (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10))، دائماً ربنا، كلّما ذكر المصير لأهل السوء والشر يذكر مصير أهل الخير والهدى، كلّما ذكر مصير الكفار يذكر مصير المؤمنين، كلما ذكر مصير المؤمنين يذكر مصير الكفار؛ ليعلم الناس أنّ هذه الانقسامات النهائية التي ينتهي إليها أمر الخلق؛ جنة ونار، إيمان وكفر، ما عدا ذلك من كل الاعتبارات تذهب وتِتْبَخَّر، يبقى هذا هو، الإيمان ودرجاته والكفر ودركاته.. فقط غير هذا لايوجد.

(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ(11)) من تحت مزارعهم ومن تحت قصورهم تجري الأنهار، وجريان أنهار الجنة مرتفعة فوق الأرض لا أخاديد في الأرض بل تمشي فوق -في الهواء أنهار-، هذه صفة أنهار الجنة -اللهم اجعلنا من أهل جنتك- (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)) صَدَق ربي، صَدَق ربي.

ويا مَن عشعش في ذهنه وبالهِ؛ فَوز في لعب، فَوز في مدرسة، فَوز في وزارة، فَوز في انتخابات!! انظر الى الفَوز هناك (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِير (١١)) إذا ما حَصَّلت هذا لا يوجد فوز، ولو سمُّوك الفائز الأول.. انتبه (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) [آل عمران: 185]. 

إذًا فَلَنَا ميزان في معنى الفوز في عقيدتِنا، في إيماننا، يطغى على شعورنا ومداركنا، لا يلهينا ويغوينا ما نسمع عنه من الناس -قال: فاز.. فازوا.. فازوا ..فاز- كلّما نظرنا إلى هذا الدنيء، قلنا: هذا الفوز السطحي، هذا الفوز الصُّوري، هذا الفوز الساقط، أين الفوز؟ والله ما فازَ إلا مَن زُحزِح عن النار وأُدخِل الجنة، ودون ذلك لا فوز. مهما سُمِّي فوز فلا فوز، الفوز بالنجاة من النار ودخول جنّة الرحمن الغفَّار. اللهم أدخلنا جنتك وأجرنا من النار يا الله. 

  • وفي الحديث: "مَن قال بعد صلاة الصبح سبعاً -قبل أن يُحرِّك رجله-: اللهم أجرني من النار سبعاً، فماتَ من يومه أجاره الله من النار، ومَن قالها سبعاً بعد المغرب فمات من ليلته إلا أجاره الله من النار" اللهم أجرنا من النار.
  • قال تعالى: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:191]، لأن هذا أصعب شيء، وأشد شيء يواجهه الناس: النار. 

اللهم أجرنا منها (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) [آل عمران:191-192]، وإن كان معه في الدنيا عشر شهادات ووضع بعضها في غرفته، والآن هو وسط النار! هذا مَخزِي -ثم ماذا سيعمل بشهاداته- مخزي (رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) [آل عمران:192]. 

يا لطيف أجرنا من خزي في الدنيا وعذاب في الآخرة (وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [آل عمران :194]. بارك لنا في أيامنا وليالينا وشهرنا المبارك، واجعلنا نستقي فيه ثمار المعرفة بك، وتُشرِق على ساحات قلوبنا شُموس المعرفة، شُموس المحبة، شُموس الصدق معك والوفاء بعهدك ظاهراً وباطناً، برحمتك يا أرحم الراحمين. 

 بسرِ الفاتحة 

وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صل عليه وعلى آله وصحبه، 

الفاتحة

 لك الحمد يا مَن أطلعتَ لنا الشمس من مشرقِها، نسألك ونتوجه إليك ونتضرَّع ونبتهل أن ترحمنا في قلوبنا، وتُشرِق لنا شُموس الإيمان واليقين الخالص التام والمعرفة الخاصَّة والمحبة الخالصة يا حيُّ ياقيُّوم يا أكرم الأكرمين، والحمد لله رب العالمين.

تاريخ النشر الهجري

15 رَمضان 1437

تاريخ النشر الميلادي

20 يونيو 2016

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام