(339)
(535)
(364)
الدرس الثاني والعشرون للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في شرح كتاب: الأربعين في أصول الدين، للإمام الغزالي . القسم الثالث: تزكية القلوب: مواصلة الأصل الثاني: شره الكلام (3)
ضمن دروس الدورة الصيفية الثانية بمعهد الرحمة بالأردن.
مساء الجمعة 28 صفر 1447هـ
ما هو علاج الغِيبة؟ متى يكون النقاشُ نصحًا ومتى يصير مِراءً؟ وما الحدّ بين مزاحٍ يسرّ القلوب ومزاحٍ يثقّلها؟ إشارات إلى الغِيبة والـمِراء والمِزاح، وكيف ينعكس أدبُ الكلام على صفاء القلب ولُطفِ الصحبة، ليتحوّل اللسان من سببِ وَحشةٍ إلى جسرِ مودةٍ ووقار.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبِسَندكم المتّصل للإمام حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي -رضي الله عنه وعنكم وعن سائر عباد الله الصالحين- من كتاب (الأربعين في أصول الدين) إلى أن قال:
فَصلٌ
في بيانِ كيفيةِ العِلاجِ منَ الغِيبةِ
"علاجُ النَّفسِ في كفِّها عن الغِيبةِ: أن يَتفَكَّرَ في الوَعِيدِ الواردِ فيها في قوله ﷺ: "إنَّ الغِيبَةَ أَسْرَعُ في حَسَنَاتِ العَبْدِ من النَّارٌ في اليَبَسِ".
ووردَ: أنَّ حسناتِ المُغتابِ تُنقَلُ إلى دِيوانِ المظلومِ بالغِيبةِ، فينظرُ في قِلَّةِ حسناتِهِ، وكثرةِ غِيبَتِهِ، وأنَّهُ ينتهي إلى إفلاسِهِ على القُرب.
ثم يتفكَّرُ في عيوبِ نفسهِ؛ فإن كانَ فيهِ عيبٌ.. فيَشتغلُ بنفسِهِ عن غيرِهِ، وإن كاَن قد ارتَكَبَ صغيرةً.. فيعلمُ أن ضرَرَهُ من صغيرةِ نفسِهِ أكبرُ من ضرَرِهِ من كبيرةِ غيرِهِ، وإن لم يكن فيه عيبٌ.. فيعلمُ أنَّ جهلَهُ بعيوبِ نفسهِ أعظَمُ عيبٍ، ومتى يخلو الإنسانُ من عيبٍ؟!
ثمَّ إن خلا عنهُ.. فليشكرِ اللهَ تعالى بدلًا من الغِيبةِ؛ فإنَّ ثَلْبَ الناسِ كأكلِ لحمِ الميتةِ، وأكلُ لحمِ الميتةِ مِن أعظمِ العيوبِ، فليحذرْ منهُ.
ثُمَّ مهما سبقَ لسانُهُ إلى الغِيبةِ.. فينبغي أن يستغفرَ اللهَ تعالى، ويذهبَ إلى المُغتابِ ويقولَ: ظلمتُكَ فاعفُ عنِّي، فيستحلَّهُ، فإن لم يُصادِفْهُ.. فليُكثِر من الثَّناء عليهِ، ومن الدُّعاءِ لهُ، ومن الحسناتِ، حتى إذا نُقلَ بعضُهَا إلى دِيوانِ المظلومِ.. بَقِيَ لهُ ما يكفيهِ، فهيَ كفَّارةُ الغِيبةِ".
ما شاءالله لا قوة إلا بالله.
كان حذرنا فيما سبق من الغيبة وشؤمها، وحُرمتها ومكانتها في شريعة الله في ذمِّها، وهَتكِها لأستار حُرمة قلب المؤمن في إيمانه بالله تعالى، حتى شبَّه المغتابَ بمن يأكل لحم الميتة؛ فذكر إذا قد وقع فيها، كيف العلاج منها؟
يقول: أولاً عليه "أن يَتفَكَّرَ في الوَعِيدِ الواردِ" عن الله ورسوله في فعل الغيبة من الجزاء المترتب عليها؛ "إنَّ الغِيبَةَ أَسْرَعُ في حَسَنَاتِ العَبْدِ من النَّارٌ في اليَبَسِ" والنار في الشجر اليَابس تلهب بسرعة، ولذا يسمون الغيبة: صاعقة الأعمال، صاعقة مثل الصاعقة تجي تُخرّب بيت كامل بسرعة أو بُيوت متعددة؛ فكذلك الغيبة تجيء إلى عدد من الحسنات الكبيرة عندك.. صلوات، تُخرِّبه عليك؛ فهي صاعقة الأعمال. فإذا كان الأمر كذلك، فأنت أحرص على حسناتك من أن تُسحق هكذا أو أن تُنقل إلى ديوان المظلوم.
"أنَّ حسناتِ المُغتابِ تُنقَلُ إلى دِيوانِ المظلومِ" الذي اغْتِيبَ، تُنقَلُ "بالغيبة".
ولهذا لما قال لبعضهم: بلغني أنك اغتبتني، قال له العارف: ما بلغت درجتك عندي أن أُحكِّمك في حسناتي حتى أغتابك، متى بلغ ذلك حتى أُحكِّمك في حسناتي؟ أنا لا أريد أن يتحكم أحد في حسناتي؛ ما اغتبتك.
وقال الآخر منبهًا فقط: لو كنت مغتابًا أحدًا لأغتبت أمي، قالوا: ها؟ تغتاب أمك؟! قال: لأنها أحقُّ بحسناتي، بدل ما تروح حسناتي لواحد ثاني، أحسن تروح لأمي!.. هو ما بيغتاب أمه، لكن يريد ينبههم أن الغيبة تأخذ عليك الحسنات إلى الذي اغتبته -والعياذ بالله تعالى-.
قال: "فينظرُ في قِلَّةِ حسناتِهِ، وكثرةِ غِيبَتِهِ، وأنَّهُ ينتهي إلى إفلاسِهِ" يوم القيامة -والعياذ بالله- "أَتَدرُونَ مَن المُفلِس؟" كما جاء في الحديث.
قال: ثُمَّ تَفَكَّر في عيوب نفسك، فإن كان أنت فيك عيب، لماذا تشتغل بعيوب الناس؟ اشتغل بتطهير نفسك عن عيوبها.
وَعَيناكَ إِن أَبدَت إِلَيكَ مَعايِباً لقومٍ *** فَصُنها وَقُل يا عَينُ لِلناسِ أَعيُنُ
إذا شئتَ أن تحيا.. أبيات تُنسَب إلى الشافعي:
إذا شِئتَ أن تَحيا سليمًا منَ الأذى *** وحظُّكَ موفورٌ وعِرْضُكَ صَيِّنُ
لسانَكَ لا تذكُر بهِ عورةَ امرئٍ *** فَكلُّكَ عوراتٌ وللناسِ ألسُنُ
وَعَيناكَ إِن أَبدَت إِلَيكَ مَعايِباً لقومٍ *** فَصُنها وَقُل يا عَينُ لِلناسِ أَعيُنُ
قال: أنا ما فيّ عيب، قال: خلاص.. اعرف.. أكبر عيوبك جهلك بعيبك؛ لأنك ما تخلو من عيوب، أنت نبي؟ أم أنت ملَك؟ هؤلاء الأنبياء ما فيهم عيوب، وأنت لا بد فيك عيوب. ولهذا يقال: أجهلُ الناسِ أجهلُهم بعيبهِ، قالوا له: وما عيبك أنت؟ قال: كثرة الكلام.
فإذًا ارجع إلى نفسك وعيوبك وصلِّحها، "فيعلمُ أنَّ جهلَهُ بعيوبِ نفسهِ أعظَمُ عيبٍ، ومتى يخلو الإنسانُ من عيبٍ؟!" لو خلا عن العيوب؛ فبدل أن تكتسب عيب الغيبة، اشكر الله تعالى، يكون كمال فوق الكمال، وأما تقول: ما عندي عيب وتأتي بأكبر عيب وهو الغيبة، هو العيب واقع فيك الآن! "فإنَّ ثَلْبَ الناسِ كأكلِ لحمِ الميتةِ، وأكلُ لحمِ الميتةِ مِن أعظمِ العيوبِ، فليحذرْ منهُ".
قال: فإذا "سبقَ لسانُهُ إلى الغِيبةِ" وجب عليه أن يندم ويستغفر الله، ويذهب إلى الذي اغتابه ويقول: إنا "ظلمتُكَ فاعفُ عنِّي" وسامحني فيما جرى مني، وما قلت عليك من كيت وكيت، "فيستحلَّهُ، فإن لم يُصادِفْهُ.. يُكثِر من الثَّناء عليهِ، ومن الدُّعاءِ لهُ، -ويكثِّر لنفسه- من الحسناتِ" حتى إذا أخذوا منه؛ يبقى له شيء ما تروح كلها لهؤلاء الذين اغتابهم، يكثر له حسنات من أجل يبقى شيء إذا أخذ هذا وهذا وهذا وهذا من حسناته، يبقى شيء له. وكذلك الثناء على من اغتابه هو بعكس ما اغتابه، والدعاء له؛ حتى يكون مكافأة ومقابلة، ويخف عليه أخذ المقابل يوم القيامة. يقول: "حتى إذا نُقلَ بعضُهَا إلى دِيوانِ المظلومِ.. بَقِيَ لهُ ما يكفيهِ، فهيَ كفَّارةُ الغِيبةِ".
وقال المؤلف رحمه الله -ورضي الله عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم في الدارين آمين:
"الآفةُ الَّثالثةُ: المِراءُ والمجادلةُ.
قال ﷺ: "مَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ.. بُنِيَ لَهُ بَيتٌ فِي أَعلَى الجَنَّةِ، ومن تَرَكَهُ وَهُوَ مُبْطِلٌ.. بُنِيَ لهُ بَيتٌ في رَبَضِ الجَنَّةِ"؛ وهذا لأنَّ التَّركَ على المُحِقِّ أشدُّ.
وقال ﷺ: "لا يَستَكمِلُ العَبدُ حَقِيقَةَ الإيمَانِ.. حتَّى يَدَعَ المِراءَ وَهُوَ مُحِقٌّ".
وحدُّ المِرَاءِ: هو الاعتراضُ على كلامِ الغيرِ بإظهارِ خَلَلٍ فيهِ؛ إمَّا في اللَّفظِ، وإمَّا في المعنى.
والباعِث عليه: زيادةُ التَّرَفُّعِ بإظهارِ الفضلِ.
وسببه: إما خُبثُ الرُّعُونَةِ، وإما خُبثُ السَّبُعِيَّة التي في الطَّبعِ، المُتَشَوِّفَةِ إلى تَنقِيصِ الغيرِ وقهرهِ.
فالمِراءُ والمجادلةُ تقويةٌ لهذينِ الخُبثينِ المُهلكينِ، بل الواجبُ: أن يُصدِّقَ ما سَمِعَهُ من الحقِّ، ويسكتَ عمَّا سَمِعَهُ من الخطأ، إلَّا إذا كانِ في ذكرهِ فائدةٌ دينيةٌ، وكانَ يُسمَعُ منه، فيذكرُهُ برفقٍ لا بعنفٍ".
المِراء والمجادلة مما تُبتلى به الألسن.
والمِراء حدَّهُ: "الاعتراضُ على كلامِ الغيرِ بإظهارِ خَلَلٍ فيهِ؛ إمَّا في اللَّفظِ، وإمَّا في المعنى"، هذا المِراء.
والجدال: الردّ على كلام الغير بإقامة الحُجَّة، والبُرهان، والدَّليل.
قال: "مَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ.. بُنِيَ لَهُ بَيتٌ فِي أَعلَى الجَنَّةِ، ومن تَرَكَهُ وَهُوَ مُبْطِلٌ.. بُنِيَ لهُ بَيتٌ في رَبَضِ الجَنَّةِ" -أي: نواحيها وأسفلها- "لأنَّ التَّركَ على المُحِقِّ أشدُّ" "مَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ" ولكنه ما أحَبَّ أن يُمارِي، فَلَهُ بيت في أعلى الجنة، وهذا ذكره الترمذي وابن ماجه.
جاء في رواية: "أنَا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وهو مبطل، وببيت في وسط الجنة لمن ترك المراء وهو محق، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه"
أنا زعيم: أنا ضامن، ضمان؛ يضمن ببيوت في الجنة ﷺ لمن قام بهذه الأوصاف.
قال يحكي شيخنا الحبيب إبراهيم بن عمر بن عقيل بن يحيى -عليه رحمة الله- سطى بعض الناس على أرضٍ له ومعه الحُجج والبراهين، قال: فجمع الوثائق، وطلع إلى تريم من أجل أن يذهب عند القاضي بيقدم عليهم حتى يسترد أرضه. قال: فتحت باب المسجد، ثم باب ثاني جنب الرُباط كان فيه الحبيب عبد الله الشاطري، قال لنا عند الباب نريد نسلِّم، قال: يا إبراهيم، من نازعك في دينك فنازعه، ومن نازعك في دنياك فألقِها في نَحرِه، قال: مرحبا، جئت صافحته وحملتُ الأوراق حقي والوثائق ورديتها إلى البيت ولا عاد قدَّمت أبدا ولا كلمت. وهكذا إلى أن توفي -عليه رحمة الله- وقال: ومن ذاك اليوم وأنا في خير، ما نقص عليّ شيء، وربي ييسر أموري ورزقي وحالي طيب، وترَك الأرض -لا إله إلا الله- وترَك المِراء وهو مُحِقّ.
"وقال ﷺ: "لا يَستَكمِلُ العَبدُ حَقِيقَةَ الإيمَانِ.. حتَّى يَدَعَ المِراءَ وَهُوَ مُحِقٌّ"، رواه الطبراني في مسند الشاميين. "وحدُّ المِرَاءِ: هو الاعتراضُ على كلامِ الغيرِ بإظهارِ خَلَلٍ فيهِ؛ إمَّا في اللَّفظِ، وإمَّا في المعنى".
"والباعِث عليه: زيادةُ التَّرَفُّعِ بإظهارِ الفضلِ".
"وسببه" -واحد من اثنين-:
فخبث السَّبُعِيَّة هذا الذي لم يضبط الغضب؛ فحوّله إلى سَبُعِ، ولو ضبط الغضب سيصير في ميزان العقل والشرع، فتعتدل، فيصير آلة للغيرة على دين الله والحفاظ على منهج الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، فالغضب سيتحول هنا، سيتحول إلى مكارم وشمائل وفضائل.
لكن لمَّا أطلقه تابع للهوى وللظن تحول إلى شهوة الإيذاء ولإيقاع السوء بالناس، والهنجمة على الخلق، وإذلال لخلق الله، وما في فائدة معه، فقط يلتذ بهذا -نعوذ بالله من غضب الله- يعني: يخرج عن الطبع الكريم كله.
قال: "إما خبث الرعونة وإما خبث السَّبُعِيَّة؛ "المُتَشَوِّفَةِ إلى تَنقِيصِ الغيرِ وقهرهِ" فالمِراءُ والمجادلةُ تقويةٌ لهذينِ الخُبثينِ المُهلكينِ، بل الواجبُ:
وهكذا بعض أرباب الخير والحكمة يسمع الخطأ من واحد يقول: صحيح كلامك، أضف إليه كذا، وكيف إذا لاحظت فيه كذا؟ يقول: نعم، نعم، يخليه يُعدِّل الكلام حقه كله ويرجع عنه كله، في صورة أنه قَبِلَهُ منه: أضف إليه كذا، وكيف لو لاحظت أيضا فيه كذا؟ وكيف لو كان أحيانًا يكون كذا صح؟، يقول: نعم هو كذا كذا، يخليه يرجع من دون ما يشعر أنه ماراه ولا أنه خطَّؤه، هذا من العقل ومن الحكمة.
وأما إذا كان ما يتعلق بأمر الدين ولا يترتب عليه شيء في الدين، خلُّه حتى لو يغلط، ما شأنك أنت به؟، قال لك إن هذا لونه أسود، يا أخي ما هو أسود! أقول لك أسود، أسكت أنت.. ايش يضُرَّك؟ ما يضرك شيء، أمر ما يضر، ما يضر في الدين؛ خليه يقول أسود، ليه تصلِّح مراء؟.. أبدًا أنت ما تشوف؟ ما فيك عين؟ عيني أحسن من عينك! بيقومون بيتضاربون! بعدين على شأن ايش؟! أمر ما يهمهم ولا يترتب عليه شيء في الدين، خليه يقول ما يقول. إذا كان في أمر الدين نعم، تحتاج إلى بيان إذا كان يقبل البيان، قد ما يقبل البيان الآن، فانتظر إلى الوقت المناسب لقبول البيان، وهكذا.
وقال المؤلف رحمه الله -ورضي الله عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم في الدارين آمين:
"الآفةُ الرابعةُ: المِزَاحُ، والإفراطُ فيهِ يُكثِرُ الضَّحِكَ، ويُميتُ القلبَ، ويورِثُ الضَّغِينَةَ، ويُسقِطُ المهابةَ والوَقارَ.
قال ﷺ: "إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ يُضْحِكُ بها جُلَسَاءَه، فَيَهْوِي بها أَبْعَدَ من الثُّرَيَّا".
وقال ﷺ: "لا تُمَارِ أخَاكَ ولا تُمازِحهُ".
واعلم: أن اليسيرَ منهُ في بعضِ الأوقاتِ لا بأسَ بهِ، لا سيَّما مع النِّسَاء والصِّبيانِ؛ تَطييبًا لقلوبِهِم، نُقلَ ذلكَ عن رسولِ اللهِ ﷺ، لكنَّهُ قال: "إنِّي لأمْزَحُ ولا أقُولُ إلا حَقًّا"، ويعسر على غيره ضبط ذلك.
وقد رُويَ أنهُ سَابقَ عائشةَ -رضي الله عنها- بالعَدْوِ.
وقال لعجوزٍ: "لا تَدخُلُ الجَنَّةَ عَجُوزٌ"؛ أي: لا تبقى عجوزًا في الجنةِ.
وقال لصبيٍ: "يا أبَا عُمَيرٍ؛ ما فَعَلَ النُّغَيرُ؟"؛ والنُّغَيرَ: ولد العصفورِ كانَ يلعبُ بهِ الصبيُّ.
وقال ﷺ لصُهيبٍ وهو يأكلُ التمرَ: "أتَأكُلُ التَّمرَ وأنتَ رَمِد؟"، فقال:"إنما آكلُ بالشِّقِّ الآخرِ، فتبَسَّمَ رسولُ اللهِ ﷺ.
فهذا وأمثالُهُ من المُفَاكهةِ لا بأسَ بهِ بشرطِ ألَّا يُتَّخذَ عادةً".
من آفات اللِّسان كثرة المزح حتى يخرُج عن الجِد كلُّه في كثرة الأحوال، فإن كثرة المِزاح؛ يترتب عليه كثرة الضَّحك؛ فيترتب عليه موت القلب، قال: وقد "يورِثُ الضَّغِينَةَ"
لا تَمزَحَن فإِن مَزَحتَ فَلا يَكُن *** مَزحًا تُضافُ بِهِ إِلى سوءِ الأَدَبِ
كم من ممازَحَةً تَعودُ عَداوَةً *** إِنَّ المُزاحَ عَلى مُقَدَّمَةِ الغَضَب
كثير يسترسلون في المُزاح بعدين؟ ما درى إلا أنه وقد جرح صاحبه وهو أنه حولّه بعدين إلى مُعاداة، وأصلها ألا مزح، لكن مزح زاد على الحد واسترسل فيه، بدل تطييب الخاطر وتأنيس النَّفس؛ رجع ألا إثارة للضغائن، وسبب للتقاطُع والتباعُد.
ولهذا يقول له: اجعل مزحك -المزح والمدح- مثل الملح في الطعام؛ الطعام بلا ملح! يحتاج قليلًا، لكن قام زيَّد له ملح؛ ذهبت قيمة الطعام وذوقه، ما عاد يصلح حتى يأكله بعدين؛ لأنه زاد المزح أو زاد المدح، والمدح في الكلام كالملح في الطعام.
يقول: "والإفراطُ فيهِ يُكثِرُ الضَّحِكَ، ويُميتُ القلبَ، ويورِثُ الضَّغِينَةَ، ويُسقِطُ المهابةَ والوَقارَ".
قال ﷺ: "إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ يُضْحِكُ بها جُلَسَاءَه، فَيَهْوِي بها أَبْعَدَ من الثُّرَيَّا" مسافة ما بين الأرض والثُّريا طويلة.
قال: "وقال ﷺ: "لا تُمَارِ أخَاكَ ولا تُمازِحهُ". فإن النَّار أبعادها وأغوارها بعيدة عميقة، أبعد مما بين الثُّريا والأرض، وأن بعض الكلمات يهوي بها الرَّجل في النَّار سبعين سنة؛ معناه عمق قوي في النَّار مدة سبعين سنة وهو يهوي.. يهوي.. يهوي؛ ما يصل إلى عمقها - والعياذ بالله- لا إله إلا الله، فما أكبرها!
ومع ذلك يُلقَون فيها في أماكن ضيقة، مُقرَّنين (إِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا) [الفرقان:13] ولكن الجنَّة واسعة، أوسع وأكبر، اللَّهم اجعلنا من أهل جنَّتك.
يقول: "لا تُمَارِ أخَاكَ ولا تُمازِحهُ".
"واعلم: أن اليسيرَ منهُ في بعضِ الأوقاتِ لا بأسَ بهِ، لا سيَّما مع النِّسَاء والصِّبيانِ؛ تَطييبًا لقلوبِهِم" ومَن يحتاج إلى تطييب القلب "نُقلَ ذلكَ عن رسولِ اللهِ ﷺ، لكنَّهُ قال: "إنِّي لأمْزَحُ ولا أقُولُ إلا حَقًّا" صلوات ربي وسلامه عليه. وكذلك "سَابقَ عائشةَ -رضي الله عنها- بالعَدْوِ" ؛ مُطيّبًا لخاطرها، فتركها في المرة الأولى يُفرِّحُها تسبقه؛ لكي تفرح، ثاني مرة جرى على عادته؛ فسبقها، فكأنها تأثرت، قال: هذه بتلك. قال: هذه بتلك؛ أنتِ مرة سبقتِ ومرة أسبق، ما هو كل مرة أنت تسبقين! صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
"وقال لعجوزٍ: "لا تَدخُلُ الجَنَّةَ عَجُوزٌ"؛ يعني أنها تُبدَّل. فأهل النَّار عند دخول النَّار، تُبدّل أجسامهم وتكبُر وتعظُم؛ حتى يصير غِلَظ الجلد للواحد سبعة أذرع، الجلد وحده وقد يصير إلى سبعين ذراع. بل جاء في حديث: أن غِلَظ جلد الكافر مسيرة ثلاث، الجلد هذا عاد وراءه اللَّحم ووراءه العظم، لكن الجلد مركز الإحساس حسب تكوين الحق تعالى للإنسان، الإحساس يتركز على الجلد لهذا يقول: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ) [النساء:56].
والمؤمنون بعد مجاوزة الصِّراط، تتبدّل أجسامهم وخلقهم لدخول الجنَّة، فيرجعون كلُّهم على طول ستين ذراع في عرض سبعة أذرع لأنه لو دخلت الجنَّة بجسدك ذا الصغير، ماذا ستعمل فيها؟ كم ستمشي؟ وكم سترى؟ وكم ستأكل؟ وكم ستشرب؟ وهذه أنهار من لبن، وأنهار من خمر، وأنهار من عسل، وأنهار من ماء، يُكبّرهم الله ويُقويهم، حتى يُعطى الواحد قوة الأربعين، وقوة المئة؛ مئة رجل، على حسب ما كان في الدُّنيا، فيرجعون على صورة أبيهم آدم، ستين ذراعًا في عرض سبعة أذرع.
لا إله إلا الله.
وكذلك هذه المرأة، قال: "لا تَدخُلُ الجَنَّةَ عَجُوزٌ" عند دخولها تدخل ابنة ثلاث وثلاثين سنة، بس خلاص يبقى السّن محَلُّه ما يزيد؛ ما يؤثر فيه مرور الوقت. وإذا مرّ مقدار مليون سنة، كم سِنهم؟ هيئتهم في التركيب إذا بتقيسه بما كان في الدُّنيا، أبناء ثلاث وثلاثين سنة. طيب عدّى مليار من السنين، كم سِنهم؟ ثلاث وثلاثين سنة. عدّى مليار مليار من السنين، كم سِنهم؟ ثلاث وثلاثين سنة؛ تركيبة هي ذي هي ثابتة للأبد.
فهذا سيِّدنا عيسى سينزل إلى الأرض، الآن له من ولادته بالسنين الشَّمسية ألفين وخمسة وعشرين سنة، الهيئة التي رُفِع عليها نفسها سيخرج بها للأرض، نفس الهيئة ونفس التركيبة التي كان عليها عند صعوده إلى السماء، مرور الفترة هذه كلَّها في السَّماء؛ ما تؤثر على الجسد بشيء، ما تؤثر على الجسد. يعني حتى يقولون في الطبقات لخارج الأكسجين والغلاف الجوي، تتبطل قوانين الأرض كثير حتى في مشي الجسد يمكن يقدر يطير ويمشي وحده، وما يتأثر بمرور الوقت لكن في الأرض يتأثر.
وإلا كيف ينزل سيِّدنا عيسى وسِنُّه ألفين وكم سنة؟ كيف يمشي؟ وكيف ينطلق؟ وكيف يجاهد؟ وكيف يقاتل؟ ويتزوج وُيولَد له في الأرض ثم يُدفَن في المدينة المُنوَّرة في الحُجرة الشَّريفة وفي الحديث يقول: "ولينزلنَّ ابن مريم… وليأتينّ قبري -زائرًا- فليقفنَّ على قبري فيُسلم عليَّ، ولأردنَّ عليه السَّلام"، و"ليقفنَّ على قبري فيُسلم عليَّ، ولأردنَّ عليه السَّلام"، صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
نعم.. فهكذا هم في الجنَّة، ما يؤثر فيهم مرور الوقت؛ التركيبة التي ركب الله أجسادهم مثل ما نقيسها بالدنيا، ابن ثلاث وثلاثين سنة، هي ذي هي ثابتة وراسخة، وخلِّي ألوف السنين ومليارات السنين تعدي وهذا هو السّن واحد. "إنَّ لَكُمْ أنْ تَصِحُّوا فلا تَسْقَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَحْيَوْا فلا تَمُوتُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبَدًا -أبدا ماشي هَرَم- وإنَّ لَكُمْ أنْ تَنْعَمُوا فلا تَبْأَسُوا أبَدًا"، هذه خصائص حياة الجنَّة المعدومة في الدُّنيا.. المعدومة في الدُّنيا، ما تمكن. وتجدهم الأثرياء والرؤساء والملوك، يُصلِّحون لهم فيتامينات وعمليات تحسين وغذاء، وبعد ذلك الشيخوخة جاءت، يبغى ولا ما يبغى، قده حامل عصا، وأحد يمسكه لمَّا يمشي، خلاص ما عاد تنفع الأدوية، بعد ذلك ما تنفع العمليات، لكن في الجنَّة محلَّك -تشب بلا هرم- شبابًا بلا هرم، هذا وصف جنَّة الله، جعلنا الله وإيِّاكم من أهلها.
أشار إلى هذا الوصف سيِّدنا الإمام الحداد -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-، لله أكبر في وصف الجنَّة، جعلنا الله من داخليها بغير حساب، آمين.. يقول:
ربِّ أدخِلنَا جِنَانًا *** أُزلِفَت للمُتّقينَ
إذ يُنادَونَ ادخُلُوهَا *** بِسَلامٍ آمِنِينَ
يقول:
وبعده إمَّا مصيرٌ إلى لظَى *** أو الجنـَّة العَليـا ووَجْـدٌ بلا عُـدمِ
حيــاةٌ بلا مــوتٍ نعيــمٌ بلا شَــقا *** وملــكٌ بلا عَــزلٍ شــبابٌ بلا هَــرَمِ
ورؤيـــةُ ربِّ العـــالمينَ تقدَّسَــت *** أسـاميهِ والأوصـافُ يـا لـك من قِسمِ
وفــوزٌ عظيــمٌ لا يُســامي وحظــوةٌ *** وغنــمٌ كــبيرٌ حَبَّ ذلـك مـن غُنـمِ
لمَـن تـَرَكَ الدُّنيا لِمن خالفَ الهَوى *** لمـَنْ آثـر الأُخـرى لِمَنْ قَامَ بالعِلمِ
لِمَـَنْ لـَزِمَ الطَّاعـاتِ والبِِّر والتُّقى *** وأخْلـَصَ للمـولى مـعِ الصِّدق والحَزمِ
اللَّهم اجعلنا منهم. مطلع القصيدة:
نَعَم عالمُ الأرواحِ خيرٌ منَ الجسمِ *** وأعلى ولا يَخفَى على كلِّ ذِي عِلمِ
فما لكَ قد أفنيتَ عُمركَ جاهدًا *** لخدمةِ هذا الجِسمِ والهَيكَلِ الرَّسمِي
ظَلَمْتَ وما إلا لِنَفسكَ يا فتى *** ظَلمتَ وظُلمُ النَّفسِ من أقبحِ الظُّلمِ
تَنَبَّه هَداكَ اللهُ من نَومِ غَفلةٍ *** ولَهوٍ ولا تَعملْ على الشَّكِ والوَهمِ
وسِر في طَريقِ اللَه بالجَدِّ واستَقِم *** ولازِم وخُذ بالعَزمِ يا صاحبَ العَزمِ
يقول: "أي: لا تبقى عجوزًا في الجنةِ" بل تصير شابة.
وقال لصبيٍ: "يا أبَا عُمَيرٍ؛ ما فَعَلَ النُّغَيرُ؟"، والنُّغَير: عُصفور صغير كان معه، وفرحان به يلعب به، وطار عليه مسكين، فلمَّا وجده النبي يقول له: "يا أبَا عُمَيرٍ؛ ما فَعَلَ النُّغَيرُ؟ " . يقولون: فمات هذا الطفل هو نفسه بعد ذلك، كان بعض أهل الحديث يقولون في تكنية النَّبي له: بـ "يا أبَا عُمَيرٍ" عاده ألا الطفل كنَّاه، قالوا: إشارة إلى قِصَر عُمره، ما قال: يا أبا عُمْر، قال: "يا أبَا عُمَيرٍ" عُمير: تصغير عُمْر، وكان في ملمح أن عمره قصير. فمات صغير، "يا أبَا عُمَيرٍ؛ ما فَعَلَ النُّغَيرُ؟ " .
وباتَ ليلة سيِّدنا الشَّافعي عند سيِّدنا الإمام أحمد، وبعد ذلك تقول ابنته في الصُّبح: هذا الذي تُثني عليه وتدعوا له في كل صلاة؛ كثير من اللَّيل عدَّى عليه وأنا أراقبه وهو مضطجع، ولمَّا قام آخر اللَّيل صلى وخرج معك صلَّى الفجر بلا وضوء، ما توضأ! والنوم حقه ما كان فيه مُستقبل القبلة، قال: اسمعي يا بُنية، أنا الآن سأدخل عنده وسأسأله عن ليلته، واسمعي ما يقول. فسأله كيف نام البارحة؟ قال: ما نمت، وضعت رأسي المخدة بيتكم مبارك، فتذكرت في حديث، "يا أبَا عُمَيرٍ؛ ما فَعَلَ النُّغَيرُ؟"، فاستنتجت منه واستخرجت مئة مسألة في الفقه، وفيما يتعلَّق بأحكام الطيور واللعب بها والقيام بها، واستنبط مئة مسألة، قال: وما احتجت إلى الوضوء لأنني ما نمت. قال: وأردت أن أجعل الفراش هنا، فإذا بمصحفكم وضعتموه في الجانب هذا، فكرهت أن أستقبل بقدمي مُصحف ما أُولِّي رجلي المصحف، قال: فهلَّا رفعته؟ قال: ما أستأذنتُك. فتحرّج أن يحمل المُصحف إلى محل ثاني في بيت تلميذه أحمد بن حنبل.
قال: اسمعي يا بُنية اسمعي، بتِّي أنتِ وأبوك تخدمون نفسكم، وباتَ الشَّافعي في خدمة الأُمة، ويستخرج المسائل من الحديث ولا نام طول ليله -عليهم رحمة الله-.
وهابَ أن يولِّي المصحف أن يستقبله بقدمه، وتحرّج أن يُبعده لأنه ما استأذن صاحب المنزل، أن يحطُّه في هذا المكان قال له: يمكن لك غرض تضعه هنا ولو استأذنت -رضي الله تعالى عنهم-.
وقال له بعض أولاده مرَّة: مَن هذا الشًّافعي الذي تذكره هذا الذكر وتدعو له؟ قال: لي عشرون سنة ما صليت صلاة إلا ودعوت للإمام محمد بن إدريس الشَّافعي، قال: يا بُني، الشَّافعي كالشمس للدُّنيا والعافية للأبدان، هو كالعافية للأبدان والشَّمس للدُّنيا، هل لهذين من عِوض؟! فرآه كيف كان ينظر في نصوص الكتاب والسُّنّة مع قوة الاطلاع على كيفية ما ورد والأسانيد، ثم الجمع بينها واستنباط البديع منها، فيتعجّب منه حتى قال بعضهم للإمام أحمد بن حنبل: تركتَ مجالسة شيوخ لهم سند عالي واشتغلت بهذا الغُلام -يعني: الشَّافعي- قال له: الحديث سآخذه بسند عالي أونازل ولكن عقل هذا الفتى من أين آتي به؟ ينبش لي معاني في الكتاب وفي السُّنّة ودلالات ما أُحصلها في مكان! أين أجمعها؟ رأى ما خصَّه الله به، فلهذا كان على يديه تأسيس علم أصول الفقه -رحمة الله عليه- وإن سبق في الحديث عنه بعض الحنفية وغيرهم، ولكن قعَّد أصوله وظهر واشتهر بما جعله في كتابه الرسالة، ومسلكه في فهم النُّصوص وكيفية الاستنباط منها -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-.
يقول: "وقال ﷺ لصُهيبٍ وهو يأكلُ التمرَ: " وكان به رَمَد، والتمر يؤثر على صاحب الرَّمد، فيتجنبه ويحتمي منه، فتعجب وقال له: "أتَأكُلُ التَّمرَ وأنتَ رَمِد؟ " فقال: يا رسول الله آكله بالشق الآخر، الرمد في العين هذه وأنا آكل بالشق الثاني، وضحك ﷺ وتبسَّم، وكان ضحكه التَّبسم. كانوا يشتهون التمر مع أنه كان عنده خبز ولكنه أكل تمر، فتعجب منه النَّبي "قال: "أتَأكُلُ التَّمرَ وأنتَ رَمِد؟" قال: يا رسول الله، إنما آكله بالشق الثاني، الشق الذي فيه العين رمدة ما آكل به.
قال: "فهذا وأمثالُهُ من المُفَاكهةِ لا بأسَ بهِ بشرطِ ألَّا يُتَّخذَ عادةً" أما عادة كلُّه ضحك، كلُّه ضحك، كلُّه ضحك؛ هذا يُذهب الهيبة والوقار ويُذهب الجِد.
سؤال: أنا زعيم؛ أنا ضامن يستطيع أن يضمن الجنَّة لمَن شاء، كيف؟ ﷺ
الجواب: هو الذي يُقال له يوم الحُكم من قِبل الحاكم: "قلْ يُسمع لقولك، وسَلْ تُعطَ، واشفعْ تُشفَّع"، اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله.
جواب لسؤال: مَن دخل في مسلك السَّير إلى الحق والعمل بتزكية النَّفس، ينبغي أن يسأل سواءً الشيخ أو إخوانه، يستهدي في أمر الطريق، وإنما يكتُم ما لا إشكال عليه فيه مما أمرُه بيّن وواضح، وما يضره في أمر وِجهتُه ونِيَّتُه من شيء يُختَبَر أو يُبتلى به في خاصة نفسه، وما يؤثر على سيره؛ هذا الذي ينبغي أن يكتُمه. وما عدا ذلك، فيتساءل في كل ما يحتاجه سواءً مع إخوانه في الطريق أو مع شيخه حتى يُعرّفه كيفية التجاوز لذلك والمُضي قُدمًا إلى ما هو أجمل وأفضل له.
الله يقبلنا أجمعين، ويُثبتنا في ديوان الصالحين، ويرزقنا ضبط ألسنتنا وأعضائنا، وينظر ألى قلوبنا ويصلحها، ويتولَّى سبحانه وتعالى صلاحها وتنقيتها وتطهيرها، ويكرمها بالاستقامة على ما يحب في كل شأن، ويرفعنا أعلى مكان في لطف وعافية.
وإلى حضرة النبي مُحمّد، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
01 ربيع الأول 1447