الأربعين في أصول الدين - 19 | اتباع السنة (2) وبداية تزكية القلوب: شره الطعام

للاستماع إلى الدرس

الدرس التاسع عشر للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في شرح كتاب: الأربعين في أصول الدين، للإمام الغزالي . القسم الثاني: خاتمة الأصل العاشر: اتباع السنة (2)، ثم القسم الثالث: (تزكية القلوب): شره الطعام (1)

 ضمن دروس الدورة الصيفية الثانية بمعهد الرحمة بالأردن.

مساء الأربعاء 26 صفر 1447هـ

لماذا يُعَدُّ تركُ السنن في العبادات من غير عذر خطرًا على الإيمان؟ 27 درجة فلماذا نُفوِّتها؟ معنى التصديق للخبر النبوي مع نماذج من السُّنن في العادات، ثم خاتمة عملية؛ برنامج يوزّع الأذكار والعبادات بين الفجر والمساء، يلي ذلك مدخل التزكية وتمهيد لأمّ الآفات: شَرَهُ الطعام وأثره في سائر الشهوات، وبيان خطر الامتلاء وفضائل القِلّة "ثلثٌ لطعامه…"

 

نص الدرس المكتوب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وسندكم المتصل للإمام حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي -رضي الله عنه وعنكم وعن سائر عباد الله الصالحين- من كتاب (الأربعين في أصول الدين) إلى أن قال:

فصل

في تَرْكِ السُّنةِ في العبادات مِن غير عُذرٍ

"هذا التَّحريضُ الذي ذكرتُهُ إنِّما هو في العاداتِ، وأمَّا في العِباداتِ.. فلا أعرف لِتَرك السُّنة من غير عُذرٍ وجهاً إلا كُفراً خَفيّاً، أو حُمْقَاً جَلِيّاً.

بيانُه أن النَّبي ﷺ إذا قال: "تفضُل صلاة الجماعةِ على صلاةُ الفَذِّ بسبعٍ وعشرين درَجة"، فكيف تسمحُ نفسُ المُؤمِن بتَركها مِن غَير عُذرٍ؟!

نعم؛ يكونُ السَّبب في ذلك إما حُمْقاً أو غَفلةً بأن لا يَتفكَّر في هذا التفاوُت العظيم.

ومَنْ يَستحمقُ غيرَهُ إذا آثرَ واحداً على اثنينِ، كيف لا يَستحمقُ نفسه إذا آثرَ واحداً على سبع وعشرينَ؟ لا سيَّما فيما هوَ عمادُ الدِّينِ ومفتاح السَّعادةِ الأبديَّةِ؟!

وأما الكفرُ: فهو أن يخطرَ ببالِهِ أنَّ هذا ليسَ كذلكَ، وإنَّما ذكرَهُ للتَّرغيبِ في الجماعة، وإلَّا.. فأيُّ مناسبةٍ بينَ الجماعة وبينَ هذا العددِ المخصوصِ مِنْ بينِ سائرِ الأعدادِ؟ وهذا كفرٌ خفيٌّ قد ينطوي عليهِ الصَّدرُ وصاحبُهُ لا يشعرُ بهِ.

وما أعظمَ حماقةَ من يُصدِّقُ المُنجِّمَ والطَّبيبَ في أمورٍ أبعد من ذلك، ولا يُصدِّق النبيّ المُكاشَفَ بأسرارِ الملكوتِ!! فإنَّ المُنجِّمَ لو قالَ لكَ: إذا انقضى سبعةٌ وعشرونَ يوماً مِن أوَّلِ تحويلِ طالِعكَ أصابَتْكَ نكبةٌ، فاحترزْ في ذلكَ اليومِ واجلسْ في بيتِكَ، فلا تزالُ في تلكَ المُدَّةِ تستشعرُ وتتركُ جميعَ أشغالِكَ، ولو سألتَ المُنجِّمَ عن سبِبِه.. لقالَ لك: إنَّما قدَّرتُ ذلكَ بهذهِ المُدَّةِ لأنَّ بينَ درجةِ الطَّالعِ وموضعِ زُحَلَ سبعاً وعشرينَ درجةً، فتتأخَّرُ النَّكبةُ بكلِّ درجةٍ يوماً أو شهراً!!

وإذا قيلَ لكَ: (هذا هوسٌ مِنْ قائِلِه؛ إذ لا مناسبةَ لهُ؛ فلا تُصَدِّقَنَّ به).. فلا يخلو قلبُكَ عن الاستشعارِ، وتقولُ: في أفعالِ اللهِ تعالى عجائبُ لا تُعرَفُ مناسبتُها، ولعلَّها خواصُّ لا تُدرَكُ، وقد عُرِفَ بالتَّجرِبةِ أنَّ ذلكَ مما يُؤثِّرُ وإن لم تُعرَف مناسبتُهُ، ثمَّ إذا آلَ الأمرُ إلى خبرِ النُّبوَّةِ عنِ الغيبِ.. أنكرتَ مثلَ هذهِ الخَواصّ، وطلبتَ المناسبةَ الصَّريحةَ، فهل لهذا سببٌ إلَّا شركٌ خفيٌّ؟ لا، بل كفرٌ جليٌّ؛ إذ لا مَحمِلَ لهُ سواهُ.

وسببُ هذا التَّكاسلِ كلِّهِ: أنَّكَ لا يُهِمُّكَ أمرُ آخرتِكَ، فإنَّ أمرَ دنياكَ لمَّا كانَ يُهِمُّكَ.. فتحتاطُ فيهِ بقولِ المُنجِّمِ والطَّبيبِ، وبالاختلاجِ والفألِ، والأمورِ البعيدةِ عن المناسبةِ غايةَ البعِد، وتنقادُ للاحتمالاتِ البعيدةِ؛ لأن الشفيقَ بسوءِ الظَّنِّ مُولَعٌ، ولو تفكَّرتَ.. لعلمتَ أنَّ هذا الاحتياطَ بالخطرِ الأبديِّ أليقُ".

 

نعم هكذا يقول –عليه رحمة الله- الحمدلله له مُكرِمنا ببَيَان السَّيرِ إليه، وشرفِ التَّذلِّل بين يديه واتباعِ أكرمِ الخَلق عليه سيدنا محمد صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه، ومَن سارَ في دربِه وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين ساداتِ أهلِ محبَّةِ الله وقُربِه، وعلى آلهم وصحبهم وعلى الملائكة المُقرَّبين وجميعِ عبادِ الله الصَّالحين وعلينا معهم وفيهم، إنَّه أكرمُ الأكرمين وأرحمُ الراحمين.

يقول: ما تقدّم من الأسرار الثَّلاثة التي ذكَرها، هذا في العاداتِ والأمورِ غير العبادات، و"هذا التَّحريضُ الذي ذكرتُه إنِّما هو في العاداتِ، وأمَّا في العِباداتِ.. فلا أعرف لِتَرك السُّنة من غير عُذرٍ -وإهمالَها وعدم المُبالاة بها، ما أعلم له- وجهاً إلا كُفراً خَفيّاً أو حُمْقَاً جَلِيّاً"، حمقٌ ظاهر، بلادةٌ زائدة، أو كُفر خفيّ -والعياذ بالله تبارك وتعالى- في باطنِ هذا الإنسان.

كيف ذلك؟ قال: لأنّ النَّبي ﷺ إذا قال: "تفضُل صلاة الجماعةِ على صلاةُ الفَذِّ بسبعٍ وعشرين درَجة" مَن مؤمن مُصدِّق بنبوة هذا النبي يتَساهل بالجماعة؟ المُتساهل ماذا عنده؟! هو يستحمِق من آثر واحدًا على اثنين، ثمَّ يؤثِر واحدًا على سبعٍ وعِشرين! غايةَ الحماقة، فما سببه؟ لهذا كان يقول سيدنا ابن مسعود: "ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها -يعني: الجماعة- إلا مُنافق معلوم النفاق".

قال: "فكيف تسمحُ نفسُ المُؤمِن بتَركها مِن غَير عُذرٍ؟!

نعم؛ يكونُ السَّبب في ذلك إما حُمْقاً أو غَفلةً بأن لا يَتفكَّر في هذا التفاوُت العظيم.

ومَنْ يستحمقُ غيرَهُ إذا آثرَ واحداً على اثنينِ، كيف لا يستحمقُ نفسه إذا آثرَ واحداً على سبع وعشرينَ؟ لا سيَّما فيما هوَ عمادُ الدِّينِ ومفتاح السَّعادةِ الأبديَّةِ؟!" من أين تأتِ بهذه المُضاعفات؟

قال: "وأمَّا الكفرُ: فهو أن يخطرَ ببالِهِ أنَّ هذا ليسَ كذلكَ،" أنَّ الأمر ليس كما قال، ماذا؟ كيف؟ قال: فقط قصده يُرغِّب الناس ويحثهم على الجماعة، إن تعتقد هذا في رسول الله فقد كفرت (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) [النجم:3-4] وما في الخَلق ميزانٌ قولُهُ في الدِّقَّة ومُناسبة الحقيقة مثل قول محمد ﷺ، أصدَقُ الخلائق على الإطلاق، قال للصحابي -وكان يكتب بعض الحديث ثم ترك- قال: فإني تذكَّرت يا رسول الله أنك بشر ترضا وتغضب وتفرح وتحزن فتركت، قال: "اكتُبْ؛ فوالذي نفْسي بيدِهِ،" -وأشار إلى لسانه الشريف- "ما يخرُجُ منه إلَّا الحقّ"؛ في حالة الرضا وحالة الغضب وحالة الحزن وحالة الفرح ما يخرج منه إلا الحق، ويكفي تزكيةُ الله له: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ).

قال: فإذا ظنَّ أن هذا ليس كذلك، يقول: "وإلَّا.. فأيُّ مناسبةٍ بينَ الجماعة وبينَ هذا العددِ المخصوصِ مِنْ بينِ سائرِ الأعدادِ؟ وهذا كفرٌ خفيٌّ قد ينطوي عليهِ الصَّدرُ وصاحبُهُ لا يشعرُ بهِ." -والعياذ بالله تعالى-.

قال على العموم: "وما أعظمَ حماقةَ من يُصدِّقُ المُنجِّمَ والطَّبيبَ في أمورٍ أبعد من ذلك، ولا يُصدِّق النبيّ المُكاشَف بأسرارِ الملكوتِ!!" فيما ائْتُمِنَ عليه من قبل ربِّ العزّة والجبروت -جلَّ جلالُه-، "فإنَّ المُنجِّمَ لو قالَ لكَ: إذا انقضى سبعةٌ وعشرونَ يوماً مِن أوَّلِ تحويلِ طالِعكَ أصابَتْكَ نكبةٌ، فاحترزْ في ذلكَ اليومِ واجلسْ في بيتِكَ، فلا تزالُ في تلكَ المُدَّةِ تستشعرُ" وتتخيّل أنَّه يمكن أن يحصل شيء، وما الذي سينزِل؟ "وتتركُ جميعَ أشغالِكَ، ولو سألتَ المُنجِّمَ عن سبِبِه.. لقالَ لك: إنَّما قدَّرتُ ذلكَ بهذهِ المُدَّةِ لأنَّ بينَ درجةِ الطَّالعِ وموضعِ زُحَلَ سبعاً وعشرينَ درجةً، فتتأخَّرُ النَّكبةُ بكلِّ درجةٍ يوماً أو شهراً!!" وكلام حتى كيف أنت جعلته كأنه مُسَلَّمٌ به وحقيقة؟

اعتمد على الله ولا تركن *** إلى من يطالع في الليل زُحَل

قال: زُحَل مستدير، قال: طلع، وأين ربها كلَّها جلَّ جلالُه؟

قال: "وإذا قيلَ لكَ: (هذا هوسٌ مِنْ قائِلِه؛ إذ لا مناسبةَ لهُ؛ فلا تُصَدِّقَنَّ به).." تقول: مهما كان، يُمكن أن يكون، كأنه، بعض أشياء خارجة عن حد العقل، لا تعرف مناسبتها، يمكن هذه خواص، ومزايا لا نعرفها نحن "وقد عُرِفَ بالتَّجرِبةِ أنَّ ذلكَ مما يُؤثِّرُ وإن لم تُعرَف مناسبتُهُ" -لا حول ولا قوة إلا بالله-، وهكذا تشكّك، حتى قالوا لا تُصدّقه ما عنده حُجَّة، يقول: ماأدراك! ممكن.

قال: "ثمَّ إذا آلَ الأمرُ إلى خبرِ النُّبوَّةِ عنِ الغيبِ.. أنكرتَ مثلَ هذهِ الخَواصّ، وطلبتَ المناسبةَ الصَّريحةَ، فهل لهذا سببٌ إلَّا شركٌ خفيٌّ؟ لا، بل كفرٌ جليٌّ؛ إذ لا مَحمِلَ لهُ سواهُ." لماذا؟ قال: "وسببُ هذا التَّكاسلِ كلِّهِ: أنَّكَ لا يُهِمُّكَ أمرُ آخرتِكَ، فإنَّ أمرَ دنياكَ لمَّا كانَ يُهِمُّكَ.." فزعت من قول المُنَجِّم وأنت تحتمل أنَّه صادق وأنَّه كاذب حتى لكنك تحتاط؛ وهذا ما يُحتمل في قوله الكذب وأهملت قوله؛ لأن دينك لا يهمك، ما أهمّك دينك ولا آخرتك فلهذا لم تبالي به، ولمَّا كان يهمُّك أمر دنياك بالَيت حتى لو سمعت واحدًا في الشارع يقول: يمكن يحصل لك كذا، تُقدِّر له عشرين تقديرًا وتحمِل له همًّا، لأنَّه يهمك أمر دنياك، فلو أهمك أمر دينك مثلما أهمك أمر دنياك لانزعجت من هذا القول وفزعت على نفسك، ولصدّقت خبر الصادق المصدوق ﷺ.

قال: "فتحتاطُ فيهِ بقولِ المُنجِّمِ والطَّبيبِ، وبالاختلاجِ والفألِ، والأمورِ البعيدةِ عن المناسبةِ غايةَ البعِد، وتنقادُ للاحتمالاتِ البعيدةِ؛ لأن الشفيقَ بسوءِ الظَّنِّ مُولَعٌ،" الخائف الشفيق هذا.. يُقدِّر الاحتمالات ولو بعيدة ويحذر ويحترِز منها -لا إله إلا الله-، "وتنقادُ للاحتمالاتِ البعيدةِ؛ لأن الشفيقَ بسوءِ الظَّنِّ مُولَعٌ، ولو تفكَّرتَ.. لعلمتَ أنَّ هذا الاحتياطَ بالخطرِ الأبديِّ أليقُ." أليق بأن تحتاط بالخطر السرمدي الذي يدوم ويتخلّد -أجارنا الله من الآفات-.

 

وقال المؤلف رحمه الله -ورضي الله عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم في الدارين آمين:

"فإن قلتَ: ففي أيِّ جنسٍ من الأعمالِ ينبغي أن تُتَّبعَ السُّنَّةُ؟ فأقولُ: في كلِّ ما وردَتْ فيهِ السُّنَّة، والأخبارُ فيه كثيرةٌ؛ وذلكَ كقولِهِ ﷺ: "مَنِ احْتَجَمَ يَوْمَ السَّبْتِ والأَرْبعَِاءِ، فأصَابَهُ برصٌ.. فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ".

وقدِ احتجمَ بعضُ المُحدِّثينَ يومَ السَّبتِ، وقالَ: (هذا الحديثُ ضعيفٌ)، فبَرِصَ وعظمَ ذلكَ عليهِ، حتَّى رأى رسولَ الله ﷺ في المنام فشكا إليهِ ذلك، فقال: لِمَ احتجمتَ يوم السَّبتِ؟ فقالَ: لأنَّ الراويَ كانَ ضعيفاً، فقالَ لهُ: أليسَ كانَ قد نُقِلَ عنّي؟! فقالَ: تبتُ يا رسول الله، فدعا له رسولُ الله ﷺ بالشِّفاءِ، فأصبحَ وقد زالَ ما به.

وقالَ أيضاً: "مَنِ احْتجَمَ يَومَ الثُّلاثاَءِ لِسَبْعَةَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ.. كَانَ دَوَاءً لِسَنَةٍ".

وقالَ ﷺ: "مَنْ نَامَ بَعْدَ العَصْرِ، فَاخْتُلِسَ عَقلُهُ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَه". وقالَ عليهِ السَّلام: "إذَا انْقَطَعَ شِسْعَ نَعْلِ أَحَدِكُمْ.. فَلَا يَمْشِ فِي نَعْلٍ واحِدَةٍ حَتَّى يُصْلِحَ شِسْعَهُ".

وقالَ ﷺ: "إذَا وَلَدَتِ امْرَأَةٌ.. فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَأْكُلُ الرُّطَبُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ.. فَتَمْرٌ؛ فَإنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ أَفضَلَ مِنْهُ.. لأطْعَمَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مَرْيَمَ حِينَ وَلَدَتْ عِيسَى عَليْهِ السَّلَامُ".

وقالَ ﷺ:"إِذَا أُتِيَ أَحَدُكُمْ بِالحّلْوَاءِ.. فليُصِبْ مِنْهُ، وإذا أُتِيَ بِالطِّيبِ.. فَلْيَمَسَّ منه".

وأمثالُ ذلك في العاداتِ كثيرةٌ، ولا يخلو شيءٌ منها عن سِرٍّ".

خاتمة

في ترتيب الأوراد تنعطف على الأصول العشرة

"اعلمْ: أنَّ هذهِ العباداتِ التي فصَّلناها: منها ما يمكنُ الجمعُ بينَها؛ كالصَّومِ والصَّلاةِ والقراءةِ، ومنها ما لا يمكنُ الجمعُ بينَها؛ كالقراءةِ والذِّكرِ والقيامِ بحقوقِ النَّاسِ والصَّلاةِ.

فينبغي أن يكونَ مِنْ أهمِّ أمورِكَ: توزيعُ أوقاتِكَ على أصنافِ الخيراتِ، من صباحِكَ إلى مسائِكَ، ومِنْ مسائِكَ إلى صباحِكَ، وتعلمَ أنَّ مقصودَ العباداتِ تأكيدُ الأُنسِ بذكرِ الله -عزَّ وجلَّ-؛ للإنابةِ إلى دارِ الخلودِ، والتَّجافي عن دارِ الغُرورِ.

ولن يَسعدَ في دارِ الخلودِ إلَّا مَنْ قدمَ على اللهِ -سبحانَه- مُحبّاً لهُ، ولا يكونُ مُحبّاً للهِ إلَّا مَنْ كانَ عارفاً بالله، مكثراً لذكرِهِ، ولا تحصلُ المعرفةُ والحبُّ إلَّا بالفكرِ والذِّكرِ الدائمِ.

ولن يدومَ الذِّكرُ في القلبِ إلَّا بالمُذكِّراتِ؛ وهيَ العباداتُ المُستغرِقةُ للأوقاتِ على التَّعاقبِ، وباختلافِ أصنافِها زيادةُ تأثيرٍ في التَّذكيرِ، ومنعُ المَلالِ، وسقوطُ أثرِهِ عنِ القلبِ بالدَّوامِ الذي ينتهي إلى حدِّ الاعتياد.

نعم، إن كنتَ والهاً باللهِ -عزَّ وجلّ- مُستغرِقاً بهِ.. لم تَفتقِرْ إلى ترتيبِ الأورادِ، بل وردُكَ واحدٌ؛ وهو مُلازمةُ الذِّكرِ، وما أُراكَ تكونُ كذلك؛ فإنّ ذلكّ مِنْ أعزِّ الأمور".

أكرمنا الله به.

يقول: "فإن قلتَ: ففي أيِّ جنسٍ من الأعمالِ ينبغي أن تُتَّبعَ السُّنَّةُ؟ فأقولُ: في كلِّ ما وردَتْ فيهِ السُّنَّة، والأخبارُ فيه كثيرةٌ؛ وذلكَ كقولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "مَنِ احْتَجَمَ يَوْمَ السَّبْتِ والأَرْبعَِاءِ، فأصَابَهُ برصٌ.. فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ"، وقد جاء أنَّ بعضهم أنكَر الحديث واحتجَم فبَرِصَ، فلم تحصل له الفائدة، قال: فيه أنَّ ضعف، ولكن عانَد، ولمَّا عانَد وقع عليه العقاب في الدنيا قبل الآخرة -والعياذ بالله تعالى-، ويقول إنَّ هذا الحديث أخرجه الحاكم في المُستَدرك.

ويقول: "وقدِ احتجمَ بعضُ المُحدِّثينَ يومَ السَّبتِ، وقالَ: هذا الحديثُ ضعيفٌ، فبَرِصَ" -لاحول ولا قوة إلا بالله- هذه هي فائدته من معرفة أنَّ السُّنَّة ضعيفة! لو احترم أنَّه ورد في السنة وانتهى! ومعه أيام كثيرة، لماذا يعاند إلا في يوم السبت؟ فكان أولى به، فلمَّا أقلَّ الأدب ابتُلِي، "وعظمَ ذلكَ عليهِ، حتَّى رأى رسولَ الله ﷺ في المنام فشكا إليهِ ذلك، فقال: لِمَ احتجمتَ يوم السَّبتِ؟ فقالَ: لأنَّ الراويَ كانَ ضعيفاً، فقالَ لهُ: أليسَ كانَ قد نُقِلَ عنّي؟!" أما يكفيك أنَّه نُسِبَ إليَّ، وقالوا لك: "قال رسول الله"؟ "فقالَ: تبتُ يا رسول الله، فدعا له رسولُ الله ﷺ بالشِّفاءِ، فأصبحَ وقد زالَ ما به" بعدما تأدّب، وكيف وقد قيل يقول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

"وقالَ أيضاً: "مَنِ احْتجَمَ يَومَ الثُّلاثاَءِ لِسَبْعَةَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ.. كَانَ دَوَاءً لِسَنَةٍ"، يعني: إذا صادف يوم الثلاثاء يوم السابع عشر من الشهر من الأشهر القمرية، هذا الحجِامة فيه مفيدة أكثر من غيرها، "كَانَ دَوَاءً لِسَنَةٍ".

متى تكون الحجامة؟

  • والحِجامة ينبغي أن تكون بعد نصف الشهر.
  • فلا ينبغي أن تكون الحِجامة في أوائل أي شهر من الأشهر القمريّة، وتكون من بعد النِّصف.
  • ويوم السابع عشر خاصَّةً إذا صادف في شيء من الأشهر يوم الثلاثاء، فإنَّه يكون أكبرُ نفعًا وفائدة.
  • ونُهِيَ عن الاحتجام في يوم الجمعة، وقيل: إنّه فيه ساعة لا يرقَأ فيها الدم.

ويقول: وقالَ ﷺ: "مَنْ نَامَ بَعْدَ العَصْرِ، فَاخْتُلِسَ عَقلُهُ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَه"، ذكره عن أبي يعلى في المسند عن سيدتنا عائشة، ولذا سمع بعضهم -فيه حمَق- بعض العلماء يذكرون أنَّه النوم بعد العصر قد يُورِث الجنون، ذهب ونام بعد العصر، وانتبه وجد نفسه لم يحصل له شيء، ذهب في الليل يدقُّ على باب الشيخ، قال: مالك؟ قال له: قلت هذا، أنا اليوم نمت وما فيَّ جنون ولا شيء، قال له: تأتينا في هذه الساعة من أجل هذا؟! هذا بداية الجنون! بسم الله خلاص، فقال له: مجيئك هذا في هذه الساعة هذا أوّل الجنون! كيف تأتينا في هذه الساعة؟ -لا إله إلا الله-.

قال: "وقالَ عليهِ السَّلام: "إذَا انْقَطَعَ شِسْعَ نَعْلِ أَحَدِكُمْ.. فَلَا يَمْشِ فِي نَعْلٍ واحِدَةٍ" هذه جاءت في السنة "حَتَّى يُصْلِحَ شِسْعَهُ" يخلعها ويمشي حافيًا أو بالاثنتين معًا، ولا يمشي بنعل دون الأخرى؛ وهذا اكتشفوا الآن فيه أضرارًا كثيرة على الجسم.

وقالَ ﷺ: "إذَا وَلَدَتِ امْرَأَةٌ.. فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَأْكُلُ الرُّطَبُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ.. فَتَمْرٌ؛ فَإنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ أَفضَلَ مِنْهُ.. -يعني: للنفساء- لأطْعَمَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَرْيَمَ حِينَ وَلَدَتْ عِيسَى عَليْهِ السَّلَامُ"، (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تَسَّاقَطُ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) وفي قراءة: (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) [مريم:25] فهو خير ما تتداوى به النُفَساء، وخير غذاء للنُفساء التمر.

وقالَﷺ: "إِذَا أُتِيَ أَحَدُكُمْ بِالحلْوَاءِ.. فليُصِبْ مِنْهُ، وإذا أُتِيَ بِالطِّيبِ.. فَلْيَمَسَّ منه"، فيُكرَه ردُّ الحلوى والطِّيب، ولكن يأخذ شيئًا منه، ردُّه الطيب على من عرضه عليه أو أهداه إليه مكروه.

قال: "وأمثالُ ذلك في العاداتِ كثيرةٌ، ولا يخلو شيءٌ منها عن سِرٍّ"؛ فكل سُنَّة من سُنَنِه لها آثار في الأنوار والقُرب من الغفَّار، وانكِشاف الحُجُب والظلمات، وزيادة المَثُوبات، وانشراح الصَّدر، وخير كثير في الدنيا والآخرة، والقُرْب منه ﷺ في الدنيا والبَرزخ ويوم القيامة ﷺ.

وقال: "خاتمة: في ترتيب الأوراد تنعطف على الأصول العشرة". "اعلمْ: أنَّ هذهِ العباداتِ التي فصَّلناها: منها ما يمكنُ الجمعُ بينَها؛ كالصَّومِ والصَّلاةِ والقراءةِ، ومنها ما لا يمكنُ الجمعُ بينَها؛ كالقراءةِ والذِّكرِ والقيامِ بحقوقِ النَّاسِ والصَّلاةِ".

"فينبغي أن يكونَ مِنْ أهمِّ أمورِكَ: توزيعُ أوقاتِكَ" فإن أوقاتك عمرك، وعمرك رأس مالك، وهو أغلى ما عندك، "على أصنافِ الخيراتِ، من صباحِكَ إلى مسائِكَ، ومِنْ مسائِكَ إلى صباحِكَ، وتعلمَ أنَّ مقصودَ العباداتِ تأكيدُ الأُنسِ بذكرِ الله -عزَّ وجلَّ-" وتَقويته وترسيخه "للإنابةِ إلى دارِ الخلودِ، والتَّجافي عن دارِ الغُرورِ." دار الخُلود هي الآخرة، ودار الغُرور هي الدنيا (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران:185].

"ولن يَسعدَ في دارِ الخلودِ إلَّا مَنْ قدمَ على اللهِ سبحانَه مُحبّاً لهُ، ولا يكونُ مُحبّاً للهِ إلَّا مَنْ كانَ عارفاً بالله، مكثراً لذكرِهِ، ولا تحصلُ المعرفةُ والحبُّ إلَّا بالفكرِ والذِّكرِ الدائمِ".

  • فبِصفاء الفِكر وقوّته تزدادُ المعرفة.
  • وبكثرة الذِّكر مع الحُضور يزدادُ الأُنس.

فما تنال محبَّة الله إلا بمعرفته، ولا تُحصَّل المعرفة إلا بالفِكر الصَّافي، فالفِكر والتأمُّل:

  • لِمَا قال الله وقال رسولُه.
  • ولأخبار الآخرة.
  • ولأخبار الأنبياء وما عامَلَهم الله به في العاقِبة.
  • وما عامَل مُعانِديهم والمُستَكبرين عن أوامِرهم.

فتأمُّلُك لهذا يُكسِبَك المعرفة وتزداد المعرفة، وكثرة الذِّكر أيضًا يُزيح الحُجُب ويحصُلُ به الأنس، يقوى به الأُنس بالله -تبارك وتعالى-.

"ولن يدومَ الذِّكرُ في القلبِ إلَّا بالمُذكِّراتِ؛ وهيَ العباداتُ المُستغرِقةُ للأوقاتِ على التَّعاقبِ، وباختلافِ أصنافِها زيادةُ تأثيرٍ في التَّذكيرِ"، علِم منك المَلَل فلوّن ونوّعَ لك الطاعات، تنتقل من طاعة إلى طاعة "ومنعُ المَلالِ، وسقوطُ أثرِهِ عنِ القلبِ بالدَّوامِ الذي ينتهي إلى حدِّ الاعتياد." فينتقل إلى عمل آخر صالح فيكون له تأثير قويّ عليك.

"نعم،" إن وصلت إلى حد الاستغراق والولَه "إن كنتَ والهاً باللهِ عزَّ وجلَّ، مُستغرِقاً بهِ.. لم تَفتقِرْ إلى ترتيبِ الأورادِ،" لأنك دائمًا في الحضور معه "بل وردُكَ واحدٌ؛ وهو مُلازمةُ الذِّكرِ" وهو شهوده سبحانه وتعالى ومُطالَعة جمال أسمائه وصفاتِه وعظمة ذاته العليّة، "وما أُراكَ تكونُ كذلك؛ فإنّ ذلكّ" دوام هذا الوارد عزيز جدًا "مِنْ أعزِّ الأمور"، الذّهاب في الله -تبارك وتعالى- بالاستغراق فيه استغراق كُلِّي من أعزِّ الأمور، وإنما يُدرِكه أحدهم وقتًا دون وقت، وحالًا دون حال، قال: "فإذا لم تكن والهًا بالله مستغرِقًا به.. فعليك أن ترتب أورادك".

 

وقال المؤلف رحمه الله -ورضي الله عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم في الدارين آمين:

"فإذا لم تكنْ والهاً باللهِ مُستهتَراً بهِ.. فعليكَ أن تُرتِّبَ أورادَكَ، وأحدُ الأورادِ: هوَ مِنْ وقتِ انتباهِكَ مِنَ النَّومِ إلى طلوعِ الشَّمسِ، وينبغي أن تجمعَ في هٰذا الوقتِ الشَّريفِ بعدَ الفراغِ مِنَ الصَّلاةِ بينَ الذِّكرِ والدُّعاءِ والقراءةِ والتَّفكَّرِ؛ فإنَّ لكلِّ واحدٍ أثراً آخَرَ في تنويرِ القلبِ، وتعرفُ كيفيَّةَ ذلكَ وتفصيلَهُ مِنْ كتابِ (بدايةِ الهدايةِ)، و(كتابِ ترتيبِ الأورادِ) مِنَ (الإحياء).

وكذلكَ تفعلُ بينَ الطُّلوع والزَّوالِ، وبينَ الزَّوالِ والغروبِ، وبينَ الغروبِ والعشاءِ فإنَّهُ مِنْ أشرفِ الأوقاتِ؛ لأنَّ النَّشاطَ إنَّما يَتوفَّرُ بأن تُميِّزَ وردَ كلِّ وقتٍ؛ لتكونَ في كلِّ وقتٍ عبادةٌ أخرى تنتقلُ مِنْ بعضِها إلى بعضٍ، هٰذا إن كنتَ مِنَ العُبَّادِ.

فإن كنتَ مُعلِّماً أو مُتعلِماً أو والياً.. فالاشتغالُ بذلكَ في بياضِ النَّهارِ أفضلُ مِنَ العباداتِ البدنيَّةِ؛ لأنَّ أصلَ الدِّينِ: العلمُ الذي بهِ يحصلُ التَّعظيمُ لأمرِ اللهِ سبحانَهُ، والنَّفعُ الذي يصدرُ عنِ الشَّفقةِ على خلقِ اللهِ تعالىٰ.

وكذلكَ إن كنتَ مُعْيِلاً مُحترِفاً.. فالقيامُ بحقِّ العيالِ بكسبِ الحلالِ أفضلُ مِنَ العبادةِ البدنيَّةِ، ولكنَّكَ في جميعِ ذلكَ لا ينبغي أن تخلوَ وتنفكَ عن ذكرِ اللهِ تعالىٰ، بل تكونَ كالمُستهتَرِ معشوقِهِ، المدفوعٍ إلى شغلٍ مِنَ الأشغالِ لضرورةِ وقتِهِ، فهوَ بعملُ ببدنِهِ، وهوَ غائبٌ عن عملِهِ، حاضرٌ بقلبِهِ معَ معشوقِهِ.

حُكِيَ عن أبي الحسنِ الخَرَقَانيِّ -رحمَهُ اللهُ-: أنَّهُ كانَ يعملُ بالمِسحاةِ دائماً، وكانَ يقولُ: أُعطينا اليدَ واللِسانَ والقلبَ؛ فاليدُ للعملِ، واللِسانُ للخَلْقِ، والقلبُ للحقِّ. ولنقتصِرْ علىٰ هٰذا القدْرِ في قسمِ الطَّاعاتِ الظَّاهرةِ، ففيهِ كفايةٌ إِن شاءَ اللهُ تعالىٰ".

نعم.. 

يقول: إذا لم تكن في حالة الوله بالله والاستغراق الدائم فيه، فأنت محتاج إلى ترتيب أورادك من انتباهك من النوم إلى أثناء النهار إلى ما بين الظهر والعصر، إلى العشية، إلى ما بين المغرب والعشاء، وإلى ما بعد العشاء إلى وقت النوم. 

فلابدَّ أن يكون لك شيء من الترتيب على حسب ما تَوجه عليك من الواجبات، سواءً كنتَ ذا عيال وعندك من تلزمك نفقتهم، فترتِّب وقت العمل وهكذا، حتى لا تكون غافلًا، ولا تَحرم نفسك من أوقات تَغتنمها تخلو فيها مع الله وتُقبل على الله، من أهم الساعات:

  • ساعة ما قبل الفجر.
  • وما بين صلاة الفجر إلى طلوع الشمس.
  • والثالثة ما قبل الغروب.
  • والرابعة ما بين المغرب والعشاء.

فهذه الأوقات التي ينبغي أن لا تهملها ولا تخلّيها في شيء لا تَضطر إليه من شؤون الدنيا، التي يمكن أن تعملها في وقت آخر، فتفرغها للإقبال على الله ولعبادته -جلَّ جلاله-.

يقول: "بينَ الذِّكرِ والدُّعاءِ والقراءةِ والتَّفكَّرِ؛ فإنَّ لكلِّ واحدٍ أثراً آخَرَ في تنويرِ القلبِ، ورتَّبَ ترتيب في "الإحياء" أورادًا من الصباح إلى المساء، وفرّقٌ:

  • بيْن مَن يكون متفرغًا للعبادة والذكر.
  • وبيْن مَن يكون مُشتغِلًا بالعلم أو بالتعليم.
  • وبين مَن يكون صاحب حِرفة ومهنة يحتاج إليها.

ففرْقٌ في ترتيبهم للأوراد والأذكار. والقصد: أنَّه لا يَغفل عن ذكر الله ويَجعل له نصيبًا من هذه الأذكار، لم يقل سبحانه وتعالى اتركوا أموالكم وأولادكم؛ لكن قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ) [المنافقون:9] -جلَّ جلاله-.

"بينَ الطُّلوع والزَّوالِ، وبينَ الزَّوالِ والغروبِ، وبينَ الغروبِ والعشاءِ فإنَّهُ مِنْ أشرفِ الأوقاتِ؛" ما بين العشاءين، كان يقول سيدنا أنس: فيه نزل قوله تعالى (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) [السجدة:16]، قال: "ما بين المغرب والعشاء"، وهو ناشئة الليل حين يبدأ.

ولذا كان كثير من خيار الأمة لا يتكلم مع أحد فيما بين المغرب والعشاء، ولا يمر عليه إلا وهو في ذكر أو تعليم أو علم أو تلاوة للقرآن، وعليه عمل كثير من السلف الصالحين، وأيضًا عندنا بعض المساجد يُقرأ فيها في أول الليل وآخر الليل سُبعٌ من القرآن وتكون معمورة، والختم في صباح كل خميس.

وكانوا يرون أن من أشرف الأوقات ما بين المغرب والعشاء، حتى كان يقول بعض العارفين: لأن يستقبلني أحد بشعلة من نار في وجهي أَحب إليَّ من أن يكلمني بكلام الدنيا فيما بين المغرب والعشاء.

وكان واحد مُتَقدِّم يقال له علوي المشهور، وكان صاحب تجارة وحرفة، وقبل المغرب كل ليلة يذهب إلى المسجد، وبين المغرب والعشاء ما بين قرآن وذكر إلى العشاء، وكان معه كيس يضعون فيه رأس مالهم ضاع عليهم؛ فصاروا يبحثوا عنه، وفي ليلة بعدما خرج إلى المسجد الولد حصَّل الكيس فرح به، وراح يريد يبشر والده بذلك؛ فدخل عنده في المسجد وقال للوالد: الكيس هذا كيسنا، قال: يا ولدي، الآن وقت القرآن ما بين المغرب والعشاء، ما حصَّلت وقتًا تذكر فيه الدنيا إلا هذا؟! أرى قلبك فيه فساد، أنت معلَّق بالدنيا، الآن سنؤدبك! فقال له: لماذا تدخل لي بهذا، دعنا نكمل أورادنا ونصلي العشاء ونرجع البيت بعد ذلك كلِّمنا، أمَّا تجيء لي للمسجد؟ أنت معظِّم للدنيا سنؤدِّبك، سنة سافر من عندنا، ما عاد نشوف وجهك، وسفّره سنة، وكان السفر يشق عليهم في تلك الأوقات من ذاك المكان، ورجع بعد سنة ما يتكلم بين المغرب والعشاء، خلاص بين المغرب والعشاء، وقت قرآن وذكر ما عاد فيه كلام.

ويقول سيدنا العيدروس الأكبر: الكنوز كل الكنوز في إحياء ما بين المغرب والعشاء.

وكثيرًا لاحظوا رسول الله ﷺ إذا صلى المغرب يصلي إلى العشاء، يستمر في صلواته وإلا في ذكره إلى العشاء، كثيرًا ما يكون ذلك منه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

قال: "وكذلكَ تفعلُ بينَ الطُّلوع والزَّوالِ، وبينَ الزَّوالِ والغروبِ، وبينَ الغروبِ والعشاءِ فإنَّهُ مِنْ أشرفِ الأوقاتِ؛ لأنَّ النَّشاطَ إنَّما يَتوفَّرُ بأن تُميِّزَ وردَ كلِّ وقتٍ؛ لتكونَ في كلِّ وقتٍ عبادةٌ أخرى تنتقلُ مِنْ بعضِها إلى بعضٍ، هٰذا إن كنتَ مِنَ العُبَّادِ".

"فإن كنتَ مُعلِّماً أو مُتعلِماً أو والياً.. فالاشتغالُ بذلكَ في بياضِ النَّهارِ أفضلُ مِنَ العباداتِ البدنيَّةِ" بالتعلم والتعليم أو القيام بحق الرعية والنظر في القضاء؛ "لأنَّ أصلَ الدِّينِ: العلمُ الذي بهِ يحصلُ التَّعظيمُ لأمرِ اللهِ سبحانَهُ، والنَّفعُ الذي يصدرُ عنِ الشَّفقةِ على خلقِ اللهِ تعالىٰ".

قال: "وكذلكَ إن كنتَ مُعْيِلاً -لك عائلة تتفق عليهم- مُحترِفاً.. فالقيامُ بحقِّ العيالِ بكسبِ الحلالِ أفضلُ مِنَ العبادةِ البدنيَّةِ، ولكنَّكَ في جميعِ ذلكَ" سواء إذا كنت معلمًا أو متعلمًا أو واليًا أو قاضيًا أو محترفًا، في كل ذلك، "لا ينبغي أن تخلوَ وتنفكَ عن ذكرِ اللهِ تعالىٰ، بل تكونَ كالمُستهتَرِ معشوقِهِ، المدفوعٍ إلى شغلٍ مِنَ الأشغالِ لضرورةِ وقتِهِ، فهوَ بعملُ ببدنِهِ، وهوَ غائبٌ عن عملِهِ، حاضرٌ بقلبِهِ معَ محبوبه ومعشوقِهِ" وهو الله سبحانه وتعالى.

"حُكِيَ عن أبي الحسنِ الخَرَقَانيِّ -رحمَهُ اللهُ-: أنَّهُ كانَ يعملُ بالمِسحاةِ دائماً، وكانَ يقولُ: أُعطينا اليدَ واللِسانَ والقلبَ؛ فاليدُ للعملِ، واللِسانُ للخَلْقِ، والقلبُ للحقِّ" ما نُدخل غيره فيه ولا نَغفل عنه سبحانه وتعالى.

 

وقال المؤلف رحمه الله -ورضي الله عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم في الدارين آمين:

القِسْمُ الثَّالِثُ

في تَزكيةِ القَلب

عَنِ الأَخْلَاقِ الْمَذْمُوْمَة

تمهيدً

"قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى﴾ [الأعلى:14]، وقال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ [الشمس:9] والتَّزكيةُ: هيَ التَّطهيرُ.

وقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: "الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ"، فافهمْ منهُ أنّ كمالَ الإيمانِ بتزكيةِ القلبِ عمَّا لا بُحبُّهُ اللهُ عزَّ وجلَّ، وتحليتِهِ بما يُحبُّهُ الله تعالىٰ، فالتَّركيةُ شطرُ الإيمانِ، وكيفَ يشتغلُ بالطَّهارةِ مَنْ لا يعرفُ النَّجاسةَ ؟!

فلنذكرِ الأخلاقَ المذمومةَ، وهيَ كثيرةٌ، ولٰكنْ ترجعُ شُعَبُها إلىٰ عشرةِ أصولٍ".

الأصل الأوّل

في شره الطعام

"وهوَ مِنَ الأُمَّهاتِ العظيمةِ الضَّررِ في الدِّينِ؛ لأنَّ المعدةَ يَنبوعُ الشَّهَواتِ إذ منها تَتشعَّبُ شهوةُ الفَرْجِ، ثمَّ إذا غلبَتْ شهوةُ المأكولِ والمنكوحِ.. انشعبَ منها شَرَهُ المالِ؛ إذ لا يُتوصَّلُ إلى قضاءِ الشَّهوتينِ إلّا بهِ، وينشعبُ مِنْ شهوةِ المالِ شهوةُ الجاهِ؛ إذ يَعسرُ كسبُ المالِ دونَهُ.

ثمَّ عندَ حصولِ المالِ والجاهِ وطلبِهِما تزدحمُ الآفاتُ كلُّها؛ كالكِبْرِ والرِّياءِ والحسدِ والحقدِ والعداوةِ وغيرِها، ومَنبَعُ جميعِ ذلكَ البطنُ ، فلهذا عظَّمَ رسولُ اللهِ ﷺ أمرَ الجوعِ فقالَ: "مَا مِنْ عَمَلٍ أَحَبَّ إِلَى اللهِ تَعَالَىٰ مِنَ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ".

وقالَ: "لَا يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاءِ مَنْ مَلَأَ بَطْنَهُ".

وقالَ: "سَيِّدُ ٱلْأَعْمَالِ الْجُوعُ". 

وقالَ عليهِ أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ: "الْفِكْرُ نِصْفُ ٱلْعِبَادَةِ، وَقِلَّةُ الطَعَامِ هِيَ الْعِبَادَةُ".

وقالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "أَفْضَلُكُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَىٰ أَطْوَلُكُمْ جُوعاً وَتَفَكُّراً، وَأَبْغَضُكُمْ إِلَى اللهِ تَعَالَى كُلُّ أَكُولٍ نَؤُومٍ شَرُوبٍ".

وقالَ ﷺ: "مَا مَلأَ أَبْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرّأً مِنْ بَطْنِهِ، حَسْبُ أَبْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ.. فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ".

وقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَجْرِي مِنِ أبْنِ آدَمَ مَجْرَى ٱلدَّمِ ، فَضَيِّقُوا مَجَارِيَهُ بِالْجُوعِ وَٱلْعَطَشِ".

وقالَ ﷺ لعائشةَ -رضيَ اللهُ عنها-: "أَدِيمُوا قَرْعَ بَابِ الْجَنَّةِ.. يُفتَحْ لَكُمْ"، قالَتْ: كيفَ نُديمُ؟ قالَ: "بِالْجُوعِ وَالظَّمَأ".

وقالَ ﷺ: "كُلُوا وَاشْرَبُوا فِي أَنْصَافِ ٱلْبُطُونِ ؛ فَإِنَّهُ جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ".

اللهم صلِّ عليه وعلى آله وأصحابه.

نعم، يقول -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في القسم الثالث في تزكية القلب عن الأخلاق المذمومة، وهو النجاة من المهلكات، لينختم الكتاب بالمنجيات والأخلاق المحمودة التي يجب أن نتصف بها.

يقول "قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى﴾ [الأعلى:14]،" تطهر وتنقَّى وتصفَّى (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ) [الأعلى:15]، ويقول عن النفس: "﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ [الشمس:7-9].

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

"والتزكية: هي التطهير.

 وقال رسول الله ﷺ: "الطُّهور شطْر الإيمان" كما في صحيح مسلم، يعني: صنف مهم من الإيمان، أو هو نصف الإيمان.

"الطُّهور شطْر الإيمان"، فافهم منه أن كمال الإيمان بتزكية القلب عما لا يحبه الله عز وجل، وتَحليته -ووصفه- بما يحبه الله تعالى؛" من إخلاص، من صدق، من تواضع، من خشية، من إنابة، وكل ما يحبه الله من هذه الأوصاف تحلِّيه بها.

"فالتزكية شطر الإيمان، وكيف يشتغل بالطهارة من لا يعرف النجاسة؟!" فيذكر لك النجاسات؛ لتتزكى عنها وتتصفى منها وتتطهر.

"فلنذكر الأخلاق المذمومة، وهي كثيرة ولكن تَرجع شُعبها إلى عشرة أصول." ليضبطها.

"الأصل الأول: في شرَه الطعام"

وهو أول ما يلاقي الإنسان في حياته؛ فهو يخرج من بطن أمه لم يكن يطعم شيئًا عبر الفم أصلًا، إنما عبْر حبل السرة الذي يتغذى منه؛ لكن بمجرد ما يخرج من بطن أمه يعرف المضغ، يعرف كيف يبلع الطعام، من علَّمه؟ خرج من بطن أمه ما يعرف شيء، أول ما يخرج مستعد يرضع، مستعد يبتلع أي شيء يصل إلى فمه -لا إله إلا الله-.

فشهوة الطعام أول ما يَتعرَّض لها الإنسان في حياته، وتبدأ عنده، فيبقى؛ فلا يستطيع إلا أن يتناول مثل اللبن والطعام الخفيف حتى يَكبر ويَتسع في أمر الطعام، يقول: هذه تحتاج إلى ضبط:

  • من جهة الحِلّ.
  • ومن جهة وقتها.
  • ومن جهة الكمية.
  • ومن جهة النيَّة فيها.
  • ومن جهة الآداب فيها.

لأن للُقمة الحلال عظيم الأثر في تنوير الباطن وفي قبول العبادة.

يقول: "وهو من الأمهات العظيمة الضرر في الدين؛ لأن المعدة ينبوع الشهوات؛ إذ منها تتشعب شهوة الفرج، ثم إذا غلبت شهوة المأكول والمنكوح.. جاءت شهوة شرَه المال؛ لأنه يتوَصل بالمال إليهما ، وبعدها من شهوة المال شهوة الجاه؛ إذ يَعسر كسب المال دونه.

"ثم عند حصول المال والجاه وطلبهما تزدحم الآفات كلها؛" فيأتيه "الكبر" ويأتيه "الرياء" ويأتيه "الحسد" ويأتيه "الحقد" ويأتيه "العداوة" -لاحول ولا قوة إلا بالله-، فصارت المعدة بيت الداء؛ الظاهر والباطن، أكثر أمراض الجسد ترجع إلى المعدة، وكذلك من خلال الطعام هذا تتشعب الآفات في باطن الإنسان وتأتيه أنواع هذه العيوب.

"ومنبع جميع ذلك البطن، فلهذا عظم رسول الله ﷺ أمر الجوع، فقال: "ما من عمل أحب إلى الله تعالى من الجوع والعطش"؛ أيّ: بالصوم.

وقال: "لا يَدخل ملكوت السماء مَن ملأ بطنه".

كان يقول الحسن البصري: "يجعل أحدهم مخلاة ما بين صدره وبطنه"؛ يعني: كمية كبيرة من الطعام مثل كيس مليان، مَخلاة، قال: "ويريد أن يذوق حلاوة العبادة؟" ماذا ستذوق أنت؟ اذهب أنت وهضمك وما أنت مشغول به.

يقول: "وقال: "لا يَدخل ملكوت السماء مَن ملأ بطنه"؛ أي: ما تنكشف له أسرار الملكوت، (وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام:75].

وقال: "سيد الأعمال الجوع". 

وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: "الفكر نصف العبادة"، ولهذا قالت السيدة عائشة: "كان جوع آل محمد اختيارًا"، وإلا فكثير من أوقاتهم قالوا: "ولو شئنا أن نشبع لشبعنا"؛ ولكنه ﷺ اختار قلّة الطعام وأن يجوع أحيانًا، قال: "أجوعُ يومًا وَأشبَعُ يومًا" -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-.

ويقول: "الفكر نصف العبادة، وقلة الطعام هي العبادة" كلها، لأنَّ نصف الفكر بها، والذي يُكثر الأكل يَتشعب فكره ولا يُركز ذهنه على الأمور، فيكون أقرب إلى البلادة.

وقال عليه الصلاة والسلام: "أفضلكم عند الله تعالى أطولكم جوعًا وتفكرًا، وأبغضكم إلى الله تعالى كل أكولٍ نؤومٍ شروبٍ"؛ جيفة من الجيف، مثل بعض الحيوانات يأكل ويشرب وينام، أكله كثير وشربه كثير ونومه كثير، وهذا أهم شيء عنده في الحياة، مضيع للعمر هذا، مضيع لفرص الارتقاء والاعتلاء وحيازة الدرجات، كلها تروح عليه -لا إله إلا الله-، أكول، شروب، نؤوم.

وقال ﷺ: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، وإن كان لا محالة.. فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" وقالوا مَن فعل ذلك لم يَحتجْ في غالب حياته إلى طبيب؛ يعني: ثلث لطعامه، ثلث لشرابه، وثلث لنفسه.

وقال ﷺ: "إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش".

ويقول: "أديموا قرع باب الجنة.. يُفتح لكم، قالت: كيف نُديم؟ قال: "بالجوع والظمأ" ومن أعلاه ما يكون في الصوم!

وقال ﷺ: "كلوا واشربوا في أنصاف البطون، فإنه جزء من النبوة".

وتجد أنَّه من بعد الثلث في البطن في غالب تركيبة الإنسان، يرسل القلب للدماغ، الحِس بأنَّه الكفاية موجود؛ ولكن يقبل بشهوته بعد هذا، ولا يحصل إرسال ما بين العقل والقلب، ويقول له الكفاية حصلت؛ لكن أكثر الناس لا يقفون عند هذا، ولا يلتفت إلى هذا النداء، وأيضًا يزيد ويزيد من ذا ومن ذا، ويصير كما قال لبعض البدو: ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه، قال: لا، أملأها والماء يخش، والنفَس على الله! فيملأ بطنه قال والماء هو يمشِّي نفسه والنفَس على الله، في تصوره هكذا؛ ولكن هذا حتى يضر الصحة، ويضر الجسد نفسُه.

"كلوا واشربوا في أنصاف البطون، فإنه جزء من النبوة"، بعد ذلك يتكلم الشيخ عليه رحمة الله: ماذا يستفيد الإنسان من قلة الطعام؟ ولماذا الفوائد الكثيرة التي تذكرونها في الجوع؟ وأن الإنسان يتألم بالجوع؟! قال: "ليس المقصود الألم؛ ولكن النتائج التي تَحصُل من تقليل الطعام" سيذكرها لنا عليه رحمة الله تبارك وتعالى.

رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنا بالكرامة، وبارك لنا فيما أعطانا وأنعم به علينا، وأحكَم لنا زمام الاقتداء بحبيبه محمد خير الأنام في النية والقصد والقول والفعل والكلام والطعام والمنام والحركات والسكنات، في الظواهر والخفيات، وأسعدنا بذلك أعظم السعادات، ونقّانا عن جميع الشائبات، وشرح لنا الصدور، ويسر الأمور.

 

بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ

إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ 

الْفَاتِحَة

تاريخ النشر الهجري

27 صفَر 1447

تاريخ النشر الميلادي

20 أغسطس 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام