للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  باب التيمم (2).

 صباح السبت: 25 جمادى الأولى1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  • بيان أن التيمم يخص الوجه واليدين فقط
  •  هل يجب التيمم بضربتين أم واحدة؟
  •  النية ومسح الوجه في التيمم
  •  طريقة مسح اليدين في التيمم
  •  (وتيمموا صعيدا طيبا) بماذا يصح التيمم؟
  •  حكم إذا وجد ماء يكفيه لبعض الوضوء
  •  ما هو حد القرب والبعد لطلب الماء؟
  •  وجوب قبول الماء إذا وُهِب للوضوء
  •  هل على المتيمم لفقد الماء قضاء الصلاة؟
  •  تيمم الجنب

نص الدرس مكتوب:

"وقال عمار بن ياسر -رضي الله عنه-: "بعثني رسول الله ﷺ في حاجة فأجنبت، فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي ﷺ فذكرت ذلك له فقال: "إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا؛ وضرب بكفه ضربة واحدة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بها وجهه، ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على الكفين، ثم مسح يديه".

 وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقول: لو أجنب رجل فلم يجد الماء شهرًا لم يتيمم، فقال له يومًا أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-: فكيف بهذه الآية في سورة المائدة ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء: ٤٣] فما درى عبد الله ما يقول، وقال: يوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد، فقال أبو موسى: هو كذلك.

  وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا أمير المؤمنين إنا نكون بالمكان الشهر أو الشهرين، ويجنب أحدنا فلا يجد الماء؟ فقال عمر -رضي الله عنه-: أمَّا أنا فلم أكن اصلي حتى أجد الماء، فقال له عمار بن ياسر: يا أمير المؤمنين أما تذكر إذ كنت أنا وأنت في الإبل فأصابتنا جنابة فأما أنا فتمعكت فأتينا النبي ﷺ فذكرنا ذلك له فقال: "إنما  يكفيك أن تفعل هكذا وضرب بيديه إلى الأرض ثم نفخهما ثم مسح بهما وجهه ويديه إلى نصف الذراع"، وفي رواية: "ثم مسح وجهه والذراعين إلى نصف الساعد ولم يبلغ المرفقين ضربة واحدة"، وفي رواية: "ثم مسح وجهه وبعض ذراعيه" وفي رواية: "ثم مسح بهما وجهه وكفيه"، فلما قال عمار ذلك قال له عمر -رضي الله عنه- اتق الله يا عمار، فقال: والله يا أمير المؤمنين إن شئت لم أذكره لأحد أبدًا، فقال عمر: كلا والله لنولينك من ذلك ما توليت ورجع إلى قول عمار ذلك. 

وكان سلمة -رضي الله عنه- يقول: لما علّم رسول الله ﷺ عمار بن ياسر التيمم مسح الكفين والوجه والذراعين فقال له: منصور: ما تقول؟ فإنه لا يذكر الذراعين أحد غيرك؟ فشك سلمة، وقال: لا أدري أمسح رسول الله ﷺ الذراعين أم لا. وكان عمار بن ياسر كثيرًا ما يقول: سألت رسول الله ﷺ عن التيمم فأمرني بضربة واحدة للوجه والكفين إلى المرفقين.

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلِّمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.

 

 الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسانِ خير بريته، عبده وحبيبه وصفوته، سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل متابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الله في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.

  ويواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ذكر ما ورد فيما يتعلق: بالتيمم، ونقرأ عن سيدنا عمار بن ياسر -عليه رضوان الله تعالى- يقول: "بعثني رسول الله ﷺ في حاجة فأجنبت …"أي: سافر فيما بعثه فيه  فمما حصل له في الطريق أنه أجنب ذات ليلة، قال: "فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد.." أي: الترابِ "كما تمرغ الدابة"  أي: كما تتمرغ الدابة على ظهر الأرض "…ثم أتيت النبي ﷺ فذكرت ذلك له فقال: "إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا وضرب بكفه ضربة واحدة على الأرض ثم نفضها ثم مسح بها ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه ثم مسح بها وجهه، ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على الكفين ثم مسح يديه" ﷺ. 

وفي هذا بيان أن: التيمم لا يكون إلا في الوجه وفي اليدين لا علاقة له بما عدا ذلك من الأعضاء، سواء كان عن جنابه أو عن حدث أصغر فيختص التيمم بالوجه وباليدين (...فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ…)[النساء:43]، (… فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ…) [المائدة:6]، الآيَتَانِ في سورة النساء وفي سورة المائدة، فيتعلق التيمّم بمسح الوجه واليدين.

وهل لا بد من مسحتين أو ضربتين أو تكفي ضربةٌ واحدة؟ 

  • قال الحنفية والشافعية: لا بد من ضربتين اثنتين، وجاء في الحديث: "التيمم ضربتان: ضربة في الوجه، وضربة في اليدين".
  • ويقول المالكية والحنابلة: الأفضل يكون ضربتين ويجزئ ضربة واحدة قال: قصده أن يمسح الوجه والكفين بأي طريقة كان، ولو تأتّى ذلك بضربة واحدة؛ وإّنما يُتصور بضربة واحدة تمام المسح لو ضرب به مثل خرقة ونحوها على الأرض ثم مسح ببعضها وجهه وبعضها يديه وأمثال ذلك.

وعلى كل فالأكمل أيضًا عند المالكية والحنابلة كما هو واجب عند الحنفية و الشافعية أن يتيمم بضربتين اثنتين. 

فيمسحُ بالضربة الأولى وجهه بحدوده المعروفة، ولا يجب عليه إيصال أثر التراب إلى أصول الشعر ومنابت الشعر، خف أو كثف، ثم الضربة الثانية يضربها، ولاحظ الشافعية: وجوب النية عند النقل وعند المسح، فيضرب الضربة الأولى وينوي، والشافعية كما تقدم معنا لا يرفع التيمم  الحدث عندهم؛ وإنما يباح به الصلاة وغيرها، وما دونها مما يتوقف على الوضوء. ولذلك نية التيمم عندهم أن ينوي استباحة فرض الصلاة أو نفل الصلاة أو نحو الصلاة، فصارت على ثلاث مراتب، ثم إنه ينوي ذلك عند نقل التراب وعند مسح الوجه، مسح أول جزء من الوجه، ثم الضربة الثانية إذا ضربها  فمفرقة الأصابع، ويسن تخفيف التراب في الضربتين معًا، ثم يضع  باطن أصابع اليسرى تحت ظهر أصابع اليمنى، ويمر بها حتى يغسل الأصابع وظاهر الكف، فإذا وصل إلى الساعد  ضمّ أصابعه؛ ليمسح حرف الساعد ومشى بها، فإذا وصل إلى المرفق أداره في الراحة، ثم رد بقية ما في الراحة من الأثر على بقية اليد من الجهة الأخرى، ويبقى ما في الإبهام للإبهام فهذه المسحة الأولى. ثم يفعل باليد الثانية كذلك ثم يقول بكفيه هكذا لمسح باطنهما، والتخليل سنة؛  فهذا كيفية المسح.

ويكون المسح ذلك بالصعيد كما نذكر اقرأوا الآية في كلام الله تعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) [النساء:43]. فما معنى الصعيد؟ هو الذي اختلفوا فيه، فأما ما كان من التراب الذي له غبار فهو من جملة الصعيد باتفاق وإجماع.

  • ولكن خصص الشافعية: معنى الصعيد بذلك وهو: التراب الطاهر اشترطوا أن يكون له غبار، وأن لا يختلط بغيره، فالتراب هذا المُنبت الصالح للزراعة الذي له غبار هذا صحيح التيمم به بالإجماع بالاتفاق ما فيه خلاف، فيما عدا ذلك مما على ظهر الأرض. 
  • يقول المالكية وأبو حنيفة ومحمد أيضًا صاحبه المراد بالصعيد: وجه الأرض فيجوز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض؛ لأن الصعيد مشتق من الصعودِ وهو: العلو؛ وهذا لا يوجب الاختصاص بالتراب؛ فالتراب يعلو الأرض في بعض الأماكن، بل يعمُ كل ما صعد على الأرض من أجزاء الأرض -من أجزائها نفسها-، وأخذوا رواية: "عليكم بالأرض"، "وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُها طهورا" في الرواية: "وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا"..."وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا" أخذ الشافعية برواية: وَتُرَابُها طهور يعني: جُعِل لي ترابها طهور. فالطيّب: هو الطاهر؛ فلا يجوز التيمم بصعيد نجس. 
  • قال المالكية: التراب أفضل من غيره عند وجوده، ويجوز التيمم بالرمل والحصى والجص الذي لم يُحرق بالنار أما إذا حُرق أو طُبخ لم يجز التيمم به، كذلك المعادن يقول المالكية: ما دامت في موضعها؛ المعادن ما دامت في موضعها ولم تنقل من محلها إذا لم تكن من أحد النقدين الذهب والفضة أو من الجواهر، فلا يتيمم على المعادن من شب وملح وحديد ورصاص وقصدير وكحل إذا نقلت من محلها ما دامت على صعيد الأرض في أصلها؛ محل منبتها الأصل فيجوز التيمم منها، غير الذهب والفضة أو ما كان من حلوله وجواهر فلا يجوز التيمم به. وهذا الجليد الذي يظهر، الثلج المجمد على ظهر الأرض قالوا: يجوز التيمم به؛ إذا عجز عن تحليله وتصييره ماء؛ لأنه أشبه بجموده الحجر قال المالكية: أشبه بجموده الحجر، فالتحق بأجزاء الأرض هو جزء من أجزاء الأرض؛ ما دام ثابت في الأرض مجمد ما يُستطاع إذابته. 
  • يقول الإمام أبو حنيفة ومحمد أيضًا من أصحابه: يجوز التيمم بكل ما كان من جنس الأرض، قال أبو حنيفة: بكل ما هو من جنس الأرض التزق بيده شيء أو لا؛ لأن المأمور به التيمم بالصعيد مطلقًا من غير شرط الالتزاق وإن لم يلزق بيده منه شيء، وقال محمد صاحب أبو حنيفة: لا بشرط أي شيء على صعيد الأرض أو شيء من جنس الأرض يلصق بيده منه شيء يتيمم به، وأما الذي لا يلصق بيده منه شيء كيف بتيمم؟! لا يُعد تيممًا، فعلى قول الإمام أبو حنيفة دون صاحبه محمد: يجوز التيمم بالجص والنورة والطين الأحمر والأسود والأبيض والكحل والحجر الأملس والحجر والحائط المُطين والمجصص والملح الجبلي، دون ملح البحر مثل الآجر: والخزف هذا كله، لكن ينبغي أن يتيمم بالطين ما لم يخف ذهاب الوقت هذا كلام الإمام أبو حنيفة -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- أما الغبار فأيضًا هم كغيرهم مُجمعين على صحة التيمم به؛ بأن ضرب يده على ثوب مثلا، أو سرج وغيره وارتفع غبار فتيمم منه يصح عندهم وعند غيرهم.

جاء عن عبدالله بن عمر كانوا بمنطقة يسمونها (الجابية) في دمشق، مُطِرُوا ولم يجدوا ما يتوضأون به ولا صعيد يتممون به، قال عمر: لينفض كل واحد منكم ثوبه أو صفة سَرْجِهِ وليتمّم وليصلي، يعني: بالغبار الموجود فيه. قالوا: وما أنكر عليه أحد. 

أمَّا الذي لا يكون من جنس الأرض فلا يجوز التيمم به اتفاقا:

- ما يحترق بالنار فيصير رمادا، كالحطب والحشيش ونحوه. 

- أو ما ينطبع ويلين كالحديد والصِّفْر والنحاس والزجاج.. فليس من جنس الأرض.

- كذلك الرماد؛ كل هذا من أجزاء الحطب وليس من جنس الأرض.

قال الشافعية والحنابلة، وكذلك أبو يوسف من الحنفية: لا يجوز التيمم إلا بالتراب الطاهر ذي الغبار، يعلق باليد منه الغبار.

  (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ) [المائدة:6]، فقول (مِّنْهُ) يقتضي البعضية، فكيف نمسح وجوهنا (من) هذا الصعيد؟ بشيء يلصق في أيدينا منه ونمسح به. وإلا كيف مسحنا منه؟ (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ) لابد أن يكون له غبار يلصق بالأيدي؛ فهذا من الصعيد، ونمسح به الوجه واليدين (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ)، يعني: بجزء منه، كيف نمسح بجزء منه؟ إذًا نحط يد ولا يلصق شيء ولا يلصق غبار؟! ما مسحنا منه، ذا إلا  مسحنا بما مسَّ الصعيد، ولم نمسح بشيء من الصعيد! فَمَا مَسَحْنَا وَجُوهَنَا وأيدينا بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّعِيدِ! (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ) وفي الحديث أيضاً: (جُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورَا) كما رواه الإمام أحمد.

فإذا كان نديَّاً لا يرتفع له غبار لم يصح ولم يكفي، قال الشافعي أيضاً: الرمل الذي له غبار من جملة الصعيد. وفي روايتان عند الإمام أحمد، أمَّا التيمّم بكبريت ونورة ونحوه من المعادن أو بسُحَاقَة خَزَف: ما يُسمّى هذا تراب ولا يصحّ التيمّم به.

وقال الحنابلة أيضاً: لا يصح التيمّم بالمغصوب. ولو كان تراب له غبار لكنه مغصوب ما يصح التيمم. قال الشافعية: يأثم والتيمم يصح، وهم مأثوم بالغصب. 

يقول الحنابلة أيضاً: يجوز المسح بالثلج على أعضاء الوضوء إذا تعذَّر تذويبه. وأخذوه من قوله: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) قالوا أمرنا نغسل وعندنا ذا أصل ماء ولكنه مُجَمَّد وما نقدر نذوّبه، فالذي نستطيع نمسّح به، فنأخذ من الثلج ونمسّح به الوجه ونمسّح به اليدين، فيجوز عندهم المسح بالثلج على أعضاء الوضوء؛ إذا تعذر تذويبه؛ لقوله: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) فقالوا هذا الذي استطعنا.

فأمَّا إذا جرى الماء على العضو: فهذا أيضاً عندهم لا يحتاج إلى إعادة الصلاة؛ لأنه حصل الغسل بالسيلان، الآن ذاب.. سال الماء على الوجه وعلى اليدين وعلى الرجلين. وأمَّا إذا لم يسِلْ؟ قالوا: يصلي وعليه القضاء، يقول الحنابلة: يمسح بهذا الثلج وعليه أن يقضي، مادام ما يسيل منه شيء. أمَّا إذا قد سال منه شيء فقد حصل الغسل. 

وإنما يكون التيمّم عند العجز عن استعمال الماء:

  •  إمَّا العجز حِسَّاً بفقده.
  • أو شرعاً بوجود مانع يمنعه من استعماله. 

فإذا وجد ماء يكفي بعض الوضوء ولا يكفي الوضوء كله؟ قال الشافعية والحنابلة: يستعمل ما تيسّر منه لبعض الأعضاء ويتيمّم عن الباقي؛ للحديث: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم).

وأمَّا مَن ظَنّ وجود الماء أو شكّ في وجوده: فيجب عليه أن يطلبه فيما قَرُبَ منه. ثم اختلفوا في حَدِّ البعد والقرب: 

يقول الحنفية: ميل وهو مسافة أربعة ألف ذراع، هذا حد القرب ما زاد حد البعد. 

قال المالكية: ميلين. 

قال الشافعية: ثلاثمائة ذراع حد الغوث، وميل ونصف حد القرب، وما زاد فحد البعد. الميل والنصف: مسير ساعة إلا.. -خمسة وأربعين دقيقة على الرجل-.. هذا ميل ونصف، هذا حد القرب. قالوا: 

فأما في حد الغوث: فيجب طلبه، سواء أيقن وجود الماء، أو شك فيه، أو ظنَّ، أو توهَّم. 

وأمَّا في حدِّ القرب: ما زاد على حد الغوث: لا يجب طلبه إلا إن تيقّن وجود الماء. 

وأمَّا حد البعد: فلا يلزم الطلب وإن تيقن وجود الماء؛ لأن هذا سفر ثاني هذا، في غير مقصده يروح يسافر للماء.. فما دام الماء بعدَ مسافة الميل والنصف خلاص يتيَمّم بالتراب الذي يجده.

 يقول الحنابلة: يطلب الماء فيما قرب منه عادة. 

هل يجب عليه الشراء؟.. نعم.. إذا وجد الماء بسعر المثل أو بغير غبن فاحش وَجَبَ عليه أن يشتري الماء ويتوضأ. 

يقول المالكية كذلك القاضي من الحنابلة: أنه إن كان ما شيء بحوزته من المال ولكنه يقدر أن يُسَلِّم هذا المال للذي يبيع الماء في بلده؛ فيجب عليه يشتري في ذمّته، يجب عليه يتديّن ويشتري الماء وبعدين يقضيه هناك.

 فإذا وُهِبَ له ماء أو أُعِير له دلو؟

وُجِبَ عليه القبول، بخلاف إذا وُهِبَ له الثمن، أعطاه نقد ثمن الماء: ما يلزمه القبول؛ لأن في إعطاء النقد مِنَّة في نفوس الناس؛ فلا يلزم قبوله، ويجوز له أن يتيمم، يقول له: خذ فلوس واشتر لك ماء، نقول: جزاك الله خير.. ما يلزمه قبوله، بخلاف إذا أعطاه الماء.. قال خذ هذا الماء توضأ.. تفضل رخصة، فواجب عليه أن يقبله، هو الأصح عند الشافعية وهو الواجب عند الأئمة الثلاثة. إذا وَهَبَ له الماء أو أعاره دلواً ليَنْزَح به الماء: وجب عليه قبول ذلك؛ لأن المِنَّة تضعف فيه، فإذا وهب له الثمن لا يلزمه قبول ذلك. ويمكنه أن يُفَرِّق بين مَن يمتنّ ومن لا يمتنّ.

فإذا فَقَدَ الماء وتيمّم، فهل عليه أن يُعيد؟ 

يقول الأئمة الثلاثة: إذا صَحَّ التيمّم فلا إعادة عليه. إذا تيمّم لفقد الماء فلا إعادة عليه. 

يقول الشافعية: إن كان المحل الذي فَقَد فيه الماء يَغلُب فيه الماء، أي: في غالب أيام السنة يكون الماء متوفر، لكنه جاف في أيام ما شيء فيها: فعليه القضاء. وإن كان المحل الذي تيمّم فيه يغلب عدم الماء: فلا قضاء عليه. 

الأئمة الثلاثة قالوا: إذا فَقَدَ الماء -سواء يغلب وجود الماء أو يغلب عدم الماء- إذا فقد الماء: فعليه أن يصلي بالتيمم ولا قضاء عليه. قال الشافعية: إن كان المحل يغلب فيه وجود الماء: فعليه أن يقضي، وإن كان الغالب عدم الماء فلا قضاء عليه.

وسمّوا المُتَيَمِّم بمكان يغلب فيه وجود الماء: مقيم، والمُتَيَمّم بمكان يغلب فيه عدم الماء: مسافر، وقالوا يقضي المقيم دون المسافر؛ وليس المراد بالإقامة عندهم في الوطن أربعة أيام فأكثر؛ وإنما المراد: أن يكون المكان يتوفّر فيه الماء غالب الأيام.

"وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقول: لو أجنب رجل فلم يجد الماء شهرًا لم يتيمم فقال له يومًا أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-: فكيف بهذه الآية في سورة المائدة ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء: ٤٣] فما درى عبد الله ما يقول، وقال: يوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد فقال أبو موسى هو كذلك." يجوز ، فلا إشكال كما طرى على ابن عمر -رضي الله عنهما-.

 وذكر لنا حديث سيدنا عمر، وما حَفِظَ سيدنا عمّار بن ياسر ونسيه أمير المؤمنين، ثم رجع عمر إلى قول عمَّارٍ -رضي الله عنه- أي في الجنب، الجنب أيضا يتمّم، ونسي سيدنا عمر أنه يكفي التيمم عن الحدث الأصغر والأكبر، وظنّ أن ذلك في الأصغر، ثم لمّا حدّثه سيدنا عمّار، قال:"كلا والله لنولينك من ذلك ما توليت ورجع إلى قول عمار ذلك. " أنه أيضا وإن كان حدث أكبر فيكفي فيه التيمم.

"وكان سلمة -رضي الله عنه- يقول: لما علّم رسول الله ﷺ عمار بن ياسر التيمم مسح الكفين والوجه والذراعين فقال له: منصور: ما تقول؟ فإنه لا يذكر الذراعين أحد غيرك؟ فشك سلمة، وقال: لا أدري أمسح رسول الله ﷺ الذراعين أم لا، وكان عمار بن ياسر كثيرًا ما يقول: سألت رسول الله ﷺ عن التيمم فأمرني بضربة واحدة للوجه والكفين إلى المرفقين." المرفقين وعليه الشافعية: أنه يلزم أن يمسح اليدين إلى المرفقين، وقال جماعة من أهل العلم: يكفي أن يَقتَصِرَ على مسح الكفين.

رزقنا الله الفقه في الدين، والمتابعة لنبيِّه الأمين، وألهمنا الرُّشْدَ في كل حركة وسكون، وفي كل حال وحين، وتولّانا بما تولّى به عباده الصالحين.. 

 

بسِرَ الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.. 

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

27 جمادى الأول 1445

تاريخ النشر الميلادي

09 ديسمبر 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام