(536)
(239)
(576)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: فصل في دخول الحمام والأمر بالاستتار .
صباح الإثنين: 29 ربيع الآخر 1445هـ
فصل في دخول الحمام والأمر بالاستتار
"قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "كان رسول الله ينهى كثيرًا عن دخول الحمام، ثم رخص بعد ذلك للرجال أن يدخلوا في المآزر"، وكان ﷺ يقول: "أف للحمام حجاب لا يستر وماء لا يطهر، لا يحل لرجل أن يدخله إلا بمنديل"، وفي رواية بئس البيت الحمام ترفع فيه الأصوات وتكشف فيه العورات، وكان ﷺ يقول: "ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى من حجاب".
وكان ﷺ يقول: "ستفتح عليكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتًا يقال لها الحمامات، فلا يدخلها الرجال إلا بمآزر وامنعوا منها النساء إلا مريضة أو نفساء"، وكان كثيرًا ما يقول ﷺ: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر لا يدخلن حليلته الحمام إلا من عذر ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر فإن الماء له عينان ينظر بهما".
وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: إذا دخل أحدكم الحمام فلا يذكر اسم الله تعالى حتى يخرج منها ولا يستنقع اثنان في حوض،
وكان إبراهيم التيمي يقول: لا بأس بالقراءة في الحمام والسلام على من في الحمام إذا كان عليه إزار وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يغتسل في بيته بالماء الحميم كان يسخن له في قمقمة.
وبلغه -رضي الله عنه- أن خالد بن الوليد دخل الحمام فتدلك بعصفر معجون بخمر فكتب إليه: بلغني أنك تدلكت بخمر وإن الله تعالى قد حرَّم ظاهر الخمر وباطنها وقد حرَّم مس الخمر كما حرم شربها فلا تمسوها أجسادكم فإنها رجس.
وقالت أم هانئ -رضي الله عنها-: "كان رسول الله ﷺ وأصحابه يستترون حال الاغتسال، ولما دخل رسول الله ﷺ مكة عام الفتح جئته فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب، ثم أتي بمنديل فلم يمسه وجعل يقول: بالماء هكذا وكان ابن عمر -رضي الله عنه- يخفي غسله فكان لا: يدع أحدًا ينظر إليه وهو يغتسل ويقول: "إن ذلك من الدين". وقال حذيفة -رضي الله عنه-: صليت مع رسول الله ﷺ يومًا فقام يغتسل فسترته ففضلت منه بقية، فقلت: أغتسل بها يا رسول الله قال: نعم فسترني فاستحييت، وقلت: لا يا رسول الله، فقال: "أسترك كما سترتني"
ورأى رسول الله ﷺ لاول مرة رجلًا يغتسل في صحن الدار فقال: "إن الله حليم حي يستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر ولو بجرم حائط"، وفي رواية فليتوار بشيء، وكان ﷺ يقول: "إن موسى كان رجلًا حييا ستيرًا لا يرى من جلده شيء استحياء من الله عز وجل فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة، فنزل الماء يومًا يغتسل ووضع ثوبه على حجر ففرّ الحجر بثيابه، فتبعه وهو يقول: ثوبي يا حجر ثوبي يا حجر حتى رآه بنو إسرائيل"، وذكر القصة بطولها.
وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: بلغنا أن أيوب عليه السلام لما أمره الله بالاغتسال وخرّ عليه جراد من ذهب كان عريانًا، وكان أبو السمح -رضي الله عنه- يقول: كنت أخدم النبي ﷺ فكان إذا أراد أن يغتسل قال: "ولني فأوليه قفاي فأستره".
وكان علي -رضي الله عنه- يقول: لا يغتسل أحدكم بأرض فلاة ولا فوق سطح لا يواريه، فإن اغتسلتم بفضاء فاستتروا بقطعة حائط أو بعير أو ثوب فإن لم يجد خط خطًا كالدارة، ثم سمّ الله تعالى واغتسل فيها، وكان ينهى عن الغسل نصف النهار وعند العتمة وأن يلقي الرجل منزره قبل أن يواري الماء عورته، والله أعلم.
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلِّمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته عبده وصفوته سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله أفضل صلواته وتسليماته، وعلى آله وصحبه وأهل متابعته وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن تعالى في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ، فيذكر الشيخ الشعراني عليه رحمة الله في هذا الفصل ما يتعلق بدخول الحمام وهو: المكان المعد للغسل بماء حار، ويقصدون فيه ما كان من الحرارة الكبريتة والحرارة من أصل الماء النابع؛ فيستعملونه ذلك لأجل التنظيف؛ وقد يستعملُ ذلك لأجل التداوي والعلاج للجسد، فهذه الأماكن المخصصة بالغُسل المسماة بالحمام للدخول فيها آداب وشروط، فتكون مباحة للرجال بشروطها وكذلك للنساء وبشروط:
ولم تكن موجودة في المدينة ولا في مكة
ولكن كما جاء في الرواية
وكان ﷺ يقول: "ستفتح عليكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتًا يقال لها الحمامات"، ويقول أبو هريرة -رضي الله عنه-: "كان رسول الله ﷺ ينهى كثيرًا عن دخول الحمام، ثم رخص بعد ذلك للرجال أن يدخلوا في المآزر" أي الأزر: التي يسترون بها أبدانهم ولا يبدو شيء مما بين السرة والركبة. وكان ﷺ يقول: "أفٍ للحمام حجاب لا يستر وماء لا يُطَهِّر ولا يحل لرجل أن يدخله إلا بمنديل" أي: يشير إلى الستر ﷺ ويحرم كشف العورة: وهي ما بين السرة والركبة.
"بئس البيت الحمام ترفع فيه الأصوات وتكشف فيه العورات"، وكان ﷺ يقول: "ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى من حجاب" وفي لفظ "إلا هتكت سترها فيما بينها وبين الله"
ومن هنا كان كثير من النساء الصالحات شديدة الحرص ألا تغير ملابسها قط إلا وسط بيتها؛ وسط بيت زوجها، وما عدا ذلك فتذهب بثيابها وترجع فيها ولا تهتك الستر، ولا تكشف الحجاب بينها وبين الله تعالى بالتكشف أو بإخراج ثيابها في غير بيت زوجها، "ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى من حجاب". يشير إلى جراءتها ومبارزتها للحق سبحانه وتعالى بالجراءة وذلك مدعاة:
وكان ﷺ يقول: "ستفتح عليكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتًا يقال لها الحمامات، فلا يدخلها الرجال إلا بمآزر وامنعوا منها النساء إلا مريضة أو نفساء" لأجل التطهر والإغتسال وذلك بشرط عدم الاختلاط، وعدم ظهور العورة.
وكان كثيرًا ما يقول ﷺ: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر لا يدخلن حليلته.." يعني: زوجته "الحمام إلا من عذر ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر فإن الماء له عينان ينظر بهما" أي: يكون شاهدًا.
كما أن الأرض تشهد على الإنسان وأعضائه؛ فالماء كذلك يكون شاهدًا يوم القيامة عليه بما كان منه.
"وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: إذا دخل أحدكم الحمام فلا يذكر اسم الله تعالى حتى يخرج منها" وهذا إذا كان فيها شيء من الأوساخ أو القاذورات لا يليق بذلك المحل الذكر فإن سلمت عن ذلك.
فقد قال المالكية والشافعية: لا يُكره قراءة القرآن في الحمام، ومن باب أولى بقية الذِّكر إذا سَلِمَ من ظهور الأوساخ ومن كشف العورات، الذكر والتسبيح لا بأس به للمستتر فإن ذكر الله حسنٌ في كل مكان ما لم يرد المنع.
وجاء عن أبي هريرة أنه عندما دخل الحمام قال: "لا إله إلا الله"، "وكان ﷺ يذكر الله على كل أحيانه" كما رواه مسلم عن سيدتنا عائشة -رضي الله عنها-.
فهناك آداب لدخول الحمام أي: الموضع الذي يُغتسل فيه بالحميم أي: بالماء الحارِ، ويقول جمهور الفقهاء: أن دخوله جائز بهذه الشروط. ودخل سيدنا خالد بن الوليد حمام حمص؛ ودخل سيدنا عبدالله بن عباس حمام الجحفة؛ وكان سيدنا الحسن البصري وابن سيرين يدخلان الحمام؛ وكلهم مقيد بعدم كشف العورة وبالآداب المتعلقة به.
فيدخل الرجل مع الأمن من وقوع محرم؛ فيسلم من النظر إلى عورات الناس أو مسها؛ ويسلم من نظر أحد إلى عورته أو مسها ولأن كشف العورة ومشاهدتها حرام ولعن الله الناظر والمنظور إليه.
جاء في حديث أبي داوود والترمذي أنه "يقول سيدنا بهزِ بنِ حكيمٍ عن أبيه عن جدِّه قال قلتُ: يا رسولَ اللهِ عوراتُنا ما نأتي منها وما نذرُ؟ قال: احفظْ عورتَك إلا من زوجتِك أو ما ملكت يمينُكَ، قال قلتُ: يا رسولَ اللهِ إذا كان القوم بعضُهم في بعضٍ، قال: إنِ استطعتَ أن لا يَرينَّها أحدٌ فلا يَرينَّها، قال قلتُ: يا رسولَ اللهِ إذا كان أحدُنا خاليًا، قال: اللهُ أحقُّ أن يُستحيا منهُ منَ الناسِ"، أي: ولو كان خاليا لا يجوز له أن يكشف نفسه من دون حاجة.
يقول الإمام أحمد: إن علمت أن كل من في الحمام عليه إزار فادخله وإلا فلا تدخل. وكان يقول سيدنا سعيد بن جبير: دخول الحمام بغير إزار حرام.
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر لا يدخل الحمام إلا بمئزر"، "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام" في رواية الترمذي وحسنه، وجاء أيضاً في رواية الشيرازي بسند ضعيف "من دخل الحمام بغير مئزر لعنه الملكان".
يقول المالكية:
هكذا يقول المالكية، أن دخوله لوحده أو مع زوجته مباح، ودخوله مع قوم لا يستترون ممنوع حرام، ودخوله مع قوم يستترون رأوا أنه مكروه، إذ لا يؤمن أن ينكشف بعضهم فيقع بصره على ما لا يحل له، فلهذا قالوا بالكراهة.
وهكذا يقول بعض أهل العلم: عن المرأة إذا لم يكن لها عذر كُرِهَ لها دخول الحمام. واعتمد بعض الفقهاء أنه إذا سلمت من المحذورات فلا كراهة.
ويقول بعض المالكية: ممنوع من دخولهن حين لم يكن لهن حمامات منفردات، أما مع انفرادهن عن الرجال فلا بأس.
وهكذا تأتي الآداب للحمام:
وكذلك ما قال الحنفية والحنابلة: من أن قراءة القرآن في الحمام تكره لأنه محل كشف العورة، ويفعل فيه ما لا يحسن فيصان القرآن عنه.
قيَّدَ الحنفية: الكراهة برفع الصوت أما إذا كان من دون ما يظهر منه صوت فلا يكره قراءة القرآن.
وسمعت ما قال المالكية والشافعية: أنه إذا لم يكن هناك محذور فقراءة القرآن جائزة في الحمام وغيره ، ولا كراهة فيها، كذلك ما يتعلق بالذكر والتسبيح.
ويجزئ الغسل والوضوء بماء الحمام ما دام يسمى ماء مطلقًا، ولم تحصل فيه نجاسة.
قال: "وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: إذا دخل أحدكم الحمام فلا يذكر اسم الله تعالى حتى يخرج منها ولا يستنقع اثنان في حوض واحد" أي: لا يكونوا متلامسين متقاربين من بعضهم البعض، "وكان إبراهيم التيمي يقول: لا بأس بالقراءة في الحمام والسلام على من في الحمام إذا كان عليه إزار، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما يغتسل في بيته بالماء الحميم، كان يسخن له في قمقمة"، أي: ليتجنب بذلك دخول الحمامات .
جاءتنا الأحاديث في كتاب سيدنا عمر إلى أبو موسى الأشعري: "أنه بلغني أنَّ أهل الأمصار اتخذوا الحمامات فلا يدخلنَّ أحد إلا بمئزر ولا يذكروا لله تعالى فيه اسمٌ حتى يخرجوا منها، ولا يستنقع اثنان في حوضٍ" هكذا في رواية عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن أبي نعيم، ويقول منصورعن إبراهيم: "لا بأس بالقراءة في الحمام وبكتبِ رسالة على غير وضوء"، وسمعنا ما قال الإمام أحمد وكذلك ما قال حماد عن إبراهيم إن كان عليهم إزار فسلم، وإلا فلا تسلم.
وكذلك ذكر لنا حديث ابن عمر أنه يُسخّّن له الماء، وجاء في رواية الدارقطني والبيهقي عن سيدنا عمر نفسه أنه "يُسخن له في قمقمة". والقمقم: ما يسخن فيه الماء من نحاس ونحوه أو غيره يكون ضيق الرأس يقال له: قُمْقُمَة فيُملأ ماء ويسخن فيه.
وبلغنا "أن خالد بن الوليد دخل الحمام فتدلك .." أي: دلك بدنه "بعصفر معجون بخمر فكتب إليه: بلغني أنك تدلكت بخمر وإن الله تعالى قد حرَّم ظاهر الخمر وباطنها،وقد حُرِّمَ مس الخمر كما حُرِّمَ شربها.." فهي نجاسة "..فلا تمسوها أجسادكم فإنها رجس".
كان كتاب سيدنا عمر لسيدنا خالد ينهاه عن ذلك، يقول: "وقد حُرِّمَ مس الخمر كما حُرِّمَ شربها فلا تمسوها أجسادكم فإنها نجس" في رواية ابن عساكر. وإذاً جمهور الفقهاء يقولون: الخمر نجسة نجاسة كالبول والدم (إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَیۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَـٰمُ رِجۡسࣱ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ) [المائدة:90].
ويقول بعض الفقهاء مثل ربيع الشيخ مالك وابن الأمير الصنعاني والشوكاني: أن الأصل الطهارة وما جاء نص قاطع بأنها نجسة، وأن الرجس معنوي لأنه ذكر فيه الأنصاب (إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَیۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ) [المائدة: 90] وما أحد يقول في الميسر أنه نجس العين ولكن نجاسة معنوية والانصاب والأزلام كذلك. إذاً يحرم الانتفاع بالخمر بأي شيء التدليك وإلا بمداوة أو أي شيء غيرها من أوجه الانتفاع، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم"، وجاء في صحيح مسلم أن طارق بن سويد سأل النبي ﷺ عن الخمر فنهاهم فقال: إنما أصنعه للدواء قال: "إنه ليس بدواء ولكنه داء". "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها"
وقالت أم هانئ -رضي الله عنها-: "كان رسول الله ﷺ وأصحابه يستترون حال الاغتسال،" وهذا واجب، فلا يجوز لأجل غُسل ولا لأجل لعبٍ ولا لأجل مهنة يقوم بها أن يكشف عورته الرجل، ما بين السرة والركبة يجب أن يكون مستوراً، "ولما دخل رسول الله ﷺ مكة عام الفتح جئته -تقول سيدتنا أم هانئ- فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب" -وذلك أنه ﷺ كان يغتسل بإزاره ومع ذلك فتستره ابنته من أجل بقية جسده؛ ويرى أن المروءة أن يستتر بجسده كله ولا يظهر منه شيئًا وهو يغتسل فكان مع كونه بالإزار تحمل الستار سيدتنا فاطمة وتغطي باقي جسده عليه الصلاة والسلام محبةً منه للحياء والحشمة عليه الصلاة والسلام والمروءة، قالت: ثم أتي بمنديل فلم يمسه وجعل يقول: بالماء هكذا.." وفيه ما تقدم معنا أن التنشيف وعدمه كله وارد عنه عليه الصلاة والسلام،
"وكان ابن عمر -رضي الله عنه- يخفي غسله فكان لا: يدع أحدًا ينظر إليه وهو يغتسل ويقول: "إن ذلك من الدين" أي من الحياء في الدين والحياء من الإيمان. "وقال حذيفة -رضي الله عنه-: صليت مع رسول الله ﷺ يومًا فقام يغتسل" أي؛ بإزاره الشريف عليه الصلاة والسلام "فسترته" أي؛ حملت أيضًا ثوباً أستر بقية جسده "ففضلت منه بقية" -بقي ماء- "فقلت: أغتسل بها يا رسول الله قال: نعم" قمت اغتسل وجاء النبي ورفع لي الثوب يسترني "فسترني فاستحييت، وقلت: لا يا رسول الله، فقال: "أسترك كما سترتني" أنت مسكت الخرقة فوقي وأنا أمسكها فوقك، وما رضِيَ؛ فاغتسل وهو مستحي أن رسول الله ﷺ ماسك الثوب يستره.
يقول: "ورأى رسول الله ﷺ مرة رجلًا يغتسل في صحن الدار فقال: "إن الله حليم حيي يستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر ولو بجرم حائط"، وفي رواية "فليتوار بشيء"
وهكذا قالوا: المنفرد يجوز أن يغتسل عريان إذا ما أراد أن يبلل ثوبه والأفضل أن يغتسل بسراويل أو بإزار.
وكان بنو إسرائيل يغتسلون عراة، وكان سيدنا موسى يغتسل وحده ويجتنبهم ويغتسل بإزار ويجتنبهم فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغسل معنا إلا عنده عيب؛ فيه برص؛ يا فيه أدرة يعني:منتفخ الخصية، فقالوا: لماذا ما يتغسل معنا؟ وليش ما يتكشف معنا؟ أهل العيب يعيبون على من تطهَّر وتنقى عن العيب، قوم سيدنا لوط صاحوا على لوط وأهله قالوا: أخرجوهم، لماذا نخرجهم؟ (إِنَّهُمۡ أُنَاسࣱ یَتَطَهَّرُونَ) [الأعراف:82] تمام ما دام يتطهرون هذا حسن؛ المفروض كلكم تتطهرون، أهل العيب أرادوا الناس معاهم بالعيب، إذا ما في عيب عدوه عذر لإخراجهم وإبعادهم؛ هؤلاء يتطهرون! مادام يتطهرون يا قلال الحياء دعوهم يتطهرون؛ فالواجب كلكم تطهرون… قالوا هؤلاء عن سيدنا موسى كان من جملة أذاهم لسيدنا موسى (لَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ ءَاذَوۡا۟ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ) [الأحزاب:69] من جملة أذاهم قالوا: هذا ما يغتسل معنا، ما هو إلا لسبب؛ لا بد هذا يا عنده برص أو ما أراد أن نراه؛ يا عنده أدرة -منتفخ الخصية- فلهذا يتسترعلينا، وبعدين قام مر عليه السلام يغتسل وحده في مكان ووضع ثيابه الفوقية حق باقي جسده وضعها على حجر؛ في الناحية الأخرى كان جماعته من بنو إسرائيل فلما خرج من الماء يبدل إزاره ويلبس ثيابه؛ وإذا بالحجر يفر إلى الناحية التي فيها الجماعة، فمسك العصاة ويقول: "ثوبي حجر، ثوبي حجر" يركض وراء الحجر والحجر يمشي؛ حتى رأوا جسد النبي موسى ما فيه شيء ولا في عيب، فخرج إثره يقول: ثوبي يا حجر؛ حتى نظر بني اسرائيل إلى موسى قالوا: والله مابه من بأس، ووقف الحجر أخذ ثوبه وانطلق، قال: فطفق بالحجر ضربًا حتى أنه من حاله أثر ضربه نقط في الحجر، العصا حقه صلحت في الحجر أماكن من شدة غضبه وحاله على الحجر، وإنما أراد الله ذلك ليراه قومه؛ ويعلمون كذبهم عليه وأنه ليس به عيب صلوات الله على نبينا وعليه وعلى جميع المسلمين
وهكذا جاء في الحديث أن سيدنا أيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيانًا خَرَّ عليه رِجْلُ جَرادٍ مِن ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِي في ثَوْبِهِ، فَنادَى رَبُّهُ: يا أيُّوبُ ألَمْ أكُنْ أغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قالَ: بَلَى، يا رَبِّ، ولَكِنْ لا غِنَى بي عن بَرَكَتِكَ.
يقول: "إن موسى كان رجلًا حييا ستيرًا لا يرى من جلده شيء استحياء من الله -عز وجل- فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة، فنزل الماء يومًا يغتسل ووضع ثوبه على حجر ففرّ الحجر بثيابه، فتبعه وهو يقول: ثوبي يا حجر ثوبي يا حجر حتى رآه بنو إسرائيل"
"وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: بلغنا أن أيوب عليه السلام لما أمره الله بالاغتسال وخرّ عليه جراد من ذهب كان عريانًا، وكان أبو السمح -رضي الله عنه- يقول: كنت أخدم النبي ﷺ فكان إذا أراد أن يغتسل قال: "ولني فأوليه قفاي فأستره" ولكن ورد عنه أن لم يغتسل ﷺ إلا بإزار.
"وكان علي -رضي الله عنه- يقول: لا يغتسل أحدكم بأرض فلاة ولا فوق سطح لا يواريه، فإن اغتسلتم بفضاء فاستتروا بقطعة حائط أو بعير أو ثوب فإن لم يجد خط خطًا كالدارة، ثم سمّ الله تعالى واغتسل فيها، وكان ينهى عن الغسل نصف النهار وعند العتمة وأن يلقي الرجل مئزره قبل أن يواري الماء عورته، والله أعلم".
رزقنا الله الاستقامة والصدق والعمل بالاقتداء بالحبيب صلى الله عليه وسلم، ويدفع عنا الآفات وأصلح الظواهر والخفيات ورقانا مراقي القرب منه والدنو إليه في خير ولطف وعافية اللهم صل عليه وسلم
بسِرِّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد، اللهم صلِّ وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه..
الفاتحة
01 جمادى الأول 1445