كشف الغمة- 292- كتاب الجنائز (29) فصل في نقل الموتى

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  كشف الغمة 292- كتاب الجنائز (29) فصل في نقل الموتى

صباح السبت 28 شوال 1446هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  •  نقل الميت للدفن في موضع آخر
  •  نقل شهداء أحد إلى أماكن استشهادهم
  •  حديث ابن أُبُي وموقفه
  •  خصوصية جسد والد الصحابي جابر بن عبدالله
  •  هيئات الصحابة بعد 40 سنة من وفاتهم
  •  حكم نقل الميت من قبره بعد الدفن
  •  قصة وفاة التائب وقربه من أرض الصالحين
  •  القول بنقل الميت لأرض الصالحين
  •  دفن الشهيد في مكان وفاته
  •  وصية الصحابي أبي أيوب بدفنه في آخر بقعة
  •  هل يجب دفن الشهيد بثيابه؟
  •  أسباب جواز نبش الميت أو نقله من قبره

نص الدرس مكتوب:

فصل في نقل الميت 

 

"كان رسول الله ﷺ يرخص في نقل الميت ونبش قبره لمصلحة. وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أتى النبي ﷺ قبر عبد الله بن أبيّ بعدما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه فكانوا يرون أن رسول الله ﷺ فعل معه ذلك مكافأة له بما صنع مع عمه العباس في كسوته له قميصًا حال حياته -رضي الله عنه- وذلك أن الأنصار طلبوا للعباس قميصًا يكسونه حين قدم المدينة فلم يجدوا قميصًا يصلح له إلا قميص عبد الله بن أبي فكسوه إياه، وقد أمر رسول الله ﷺ بقتلى أحد بأن يردوا إلى مصارعهم وكانوا قد نقلوا إلى المدينة. ومات سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بقصرهما بالعقيق فحُمِّلَا إلى المدينة ودفنا بها. ودفن جماعة من البدو صاحبًا لهم لم يغسلوه ولم يجدوا له كفنًا فأخْبِرَ بذلك معاذ بن جبل فأمرهم أن يخرجوه فأخرجوه من قبره ثم غسل وكفن وحنط ثم صلى عليه ثم دفن.

 

وقال جابر -رضي الله عنه-: جرف السيل عن قبر أبي -رضي الله عنه- وعن قبر ميت آخر كان إلى جانبه فأخرجناهما فوجدناهما على هيآتهما يوم أحد ورأيت أبي واضعًا يده على جرحه فنحيتها عن موضعها وأرسلتها فعادت كما كانت إلى موضعها، وكان بين يوم أحد وبين يوم جرف السيل عن قبر أبي أربعون سنة ولم أنكر من جسد أبي شيئًا إلا شعيرات كن في لحيته مما يلي الأرض، ووقع لجابر مرة أخرى أنه أخرج والده، من القبر بعد ستة أشهر وذلك أنه كان دفن معه رجل يوم أحد في قبر واحد قال جابر: فلم تطب نفسي بذلك حتى أخرجته وجعلته في قبر وحده ولم ينكر على جابر أحد من الصحابة ذلك. 

 

كذلك لما أراد معاوية - رضي الله عنه- أن يجري العين التي بأحد -كتبوا إليه: إنا لا نستطيع أن نجريها إلا على قبور الشهداء فكتب إليهم انبشوهم قال جابر -رضي الله عنه-: فلقد رأيتهم يحملون على أعناق الرجال كأنهم قوم نيام، وأصابت المسحاة طرف رجل حمزة -رضي الله عنه- فانبعث دمًا يجري، ولما توفي عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- بالحبشي اسم مكان فحمل إلى مكة ودفن بها فلما قدمت عائشة -رضي الله عنها- أتت قبره وقالت: والله لو حضرتك ما دفنتك إلا حيث مت، فكانت -رضي الله عنها- لا ترى بجواز نقل الميت، وكتب أبو الدرداء مرة إلى سلمان الفارسي -رضي الله عنهما- أن هلم إلى الأرض المقدسة لعلك تموت بها فكتب إليه سلمان إن الأرض لا تقدس أحدًا وإنما يقدس الإنسان عمله، والله -سبحانه وتعالى- أعلم."

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله، مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان عبده وصفوته، خير بريته، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته، وأهل متابعته ومودته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، صفوة الرحمن في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ويذكر الشيخ ـعليه رحمة الله تبارك وتعالى- ما يتعلق بنقل الميت بعد موته من مكان موته وبلد موته إلى بلد آخر، وإلى مكان آخر، وكذلك بعد الدفن.

فإذا تُوفي المسلم في مكان يُتَأتّى إقامة الصلاة عليه فيه، وأن يُدفن فيه، فالأولى أن يُدفن في ذلك المكان.

وإلا، إن كان نقله لمصلحة أو مرادٍ صحيحٍ، مثَّل الشافعي بأن يكون قريبًا من مكة أو من المدينة أو بيت المقدس مثلًا، ويُؤمن تغيّره إلى أن يُنقل إلى ذاك المكان، فيُنقل وإلا فالخلاف قائم فيما يتعلق بنقل الميت.

"وكان رسول الله ﷺ يُرخص في نقل الميت ونبش قبره لمصلحة"، واختلفوا في النظر في هذه المصلحة، ومتى يُنقل؟ ومتى يُنبش؟.

"وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أتى النبي ﷺ قبر عبد الله بن أبيّ بعدما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه فكانوا يرون أن رسول الله ﷺ فعل معه ذلك مكافأة له بما صنع مع عمه العباس في كسوته له قميصًا حال حياته -رضي الله عنه-"، وذلك أن الأنصار طلبوا للعباس قميصًا يكسونه حين قدم المدينة فلم يجدوا قميصًا يصلح له -أي: مقاس جسده- إلا قميص عبد الله بن أبي فكسوه إياه" ‎فردَّ ﷺ ذلك المعروف الذي قدمه فأعطاه قميصه. 

"وقد أمر رسول ﷺ بقتلى أحد بأن يردوا إلى مصارعهم -وذلك أنّ جماعة أو عدداً قليلا منهم- وكانو قد نقلوا إلى المدينة"، فأمر ﷺ بأن يرجَعوا ودفنوا في أماكنهم، ومن هنا كان الشهداء إذا استشهدوا في مكان فدفنهم في المكان الذي استشهدوا فيه أولى وآكد أن لا ينقلوا منه لغير ضرورة، فيدفنون في المكان الذي استشهدوا فيه، كما جاءت الأخبار في شهداء أحد، -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-.

 

‎يقولُ: "ومات سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بقصرهما بالعقيق -قريبًا من المدينة-  فحُمِّلَا إلى المدينة ودفنا بها. ودفن جماعة من البدو صاحبًا لهم لم يغسلوه ولم يجدوا له كفنًا فأخْبِرَ بذلك معاذ بن جبل فأمرهم أن يخرجوه فأخرجوه من قبره ثم غسل وكفن وحنط ثم صلى عليه ثم دفن".

إذًا فهذهِ مسائل تتعلق بنقل الميت، ومتى أيضاً يُنبش من قبره؟ أما حديث ابن أبي ففي البخاري "أتى النبي ﷺ قبر عبد الله بن أبيّ بعدما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه"، وقد اشتَهَرَ بين الناس أنه رئيس المنافقين، وقال بعض أهل السيرة: أنه نَدِمَ قبل وفاته، وأنه عاد إلى الإيمان، وربنا أعلم بحقيقة الحال، وإليه المآل فيه وفي من قبله، وفي من بعده، جل جلاله وتعالى في علاه.

 

‎وكذلك ما جاء عن سيدنا جابر بن عبد الله، أنه قال في قتلى أحد: حملوا قتلاهم، فنادى بعض الأقارب لهم موتى وقتلى في شهداء أحد، فأرادوا حملهم الى المدينة، وحملوا بعضهم المدينة، فنادى منادي رسول الله ﷺ: "ردوا القتلى إلى مصارعهم"، كما جاء في صحيح ابن حبان وغيره. وكان نقل بعضهم أو من شاء الله منهم إلى المدينة. 

 

يتعلق بشأن النقل أيضًا  ما ذكر أن  "جابر -رضي الله عنه- فال: جرف السيل عن قبر أبي -رضي الله عنه- وعن قبر ميت آخر كان إلى جانبه فأخرجناهما فوجدناهما على هيآتهما يوم -وضعناهما يوم- أحد -وهنا العجيب يقول-:ورأيت أبي واضعًا يده على جرحه -ماسكًا بمكان جرحه، أحياء هؤلاء- يقول: فنحيتها عن موضعها وأرسلتها فعادت كما كانت إلى موضعها، ماسكًا على جرحه -رضي الله تعالى عنه الله أكبر- قال: ولم أنكر من جسد أبي شيئًا إلا شعيرات كن في لحيته مما يلي الأرض"، وهذا والده الذي خُصَّ بالمزية، فيما جاء في الحديث أن الله كلم شهداء أحد من وراء حجاب، وقال لسيدنا جابر: “وكلم أباك كفاحًا”، رضي الله عن سيدنا عبد الله والد جابر.

 

 

يقول: "ووقع لجابر مرة أخرى أنه أخرج والده، من القبر بعد ستة أشهر -من وفاتهم وهذا في حياته ﷺ- وذلك أنه كان دفن معه رجل يوم أحد في قبر واحد -فهم الإثنين الذين ذكرهم أنه نقلوا بعد ذلك، حيث قال: لماذا أبي معه واحد أريد له قبر لوحده- قال جابر: فلم تطب نفسي بذلك حتى أخرجته وجعلته في قبر وحده"  -رضي الله تعالى عنه- وقال: "ولم ينكر على جابر أحد من الصحابة ذلك". 

 

"كذلك لما أراد معاوية - رضي الله عنه- أن يجري العين التي بأحد -كتبوا إليه: إنا لا نستطيع أن نجريها إلا على قبور الشهداء فكتب إليهم انبشوهم قال جابر -رضي الله عنه-: فلقد رأيتهم يحملون على أعناق الرجال كأنهم قوم نيام -كحالتهم يوم وضعوا عليهم الرضوان- وأصابت المسحاة -عند الحفر- طرف رجل حمزة -رضي الله عنه- فانبعث دمًا يجري" -لما أصابت المسحاة رجله خرج الدم.ك لا إله إلا الله، آيات، قالوا: وعند حفرهم وهذا بعد مرور أربعين سنة على قتلهم على غزوة أحد أو أكثر في أربعين سنة، ووجدوا بعضهم متصافحين في القبر، وبعضهم كوالد سيدنا جابر واضع يده على جرعة. وقال: عجب بعَّدتها وأرسلتها ردها ثاني مرة. قال: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: 169].

 

"ولما توفي عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- بالحبشي اسم مكان فحمل إلى مكة ودفن بها فلما قدمت عائشة -رضي الله عنها- أتت قبره وقالت: والله لو حضرتك ما دفنتك إلا حيث مت، فكانت -رضي الله عنها- لا ترى بجواز نقل الميت، وكتب أبو الدرداء مرة إلى سلمان الفارسي -رضي الله عنهما- أن هلم إلى الأرض المقدسة لعلك تموت بها فكتب إليه سلمان إن الأرض لا تقدس أحدًا وإنما يقدس الإنسان عمله، والله -سبحانه وتعالى- أعلم" وقالوا: وهذا من باب الموعظة والتذكرة وإلا فالقرب من الأراضي المقدسة مطلوبًا، وقد طلبه النبي موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، فيما صح في الحديث أن الله لما أرسل إليه ملك الموت وقال: "ربِّ ادْنني من الأرض المقدسة رمية حجر"، "ربِّ ادْنني من الأرض المقدسة رمية حجر".

 

فهكذا يقول: فاستخرجناهم بعد أربعين سنة لينة أجسادهم تنثني أطرافهم رضي الله تعالى عنهم، لا إله إلا الله. وفي رواية أنه كتب سيدنا سلمان الفارسي عليه رضوان الله لسيدنا أبو الدرداء: يا أخي إن تكن بعُدت الدار من الدار فإن الروح من الروح قريب. الله أكبر، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

 

فإذا دُفِنَ الميت في مكان:

  • يقول الأئمة: لا يجوز نقل الميت من مكان الى أخر بعد الدفن. 

  • أفتى بعض الحنفية بالجواز للحاجة؛ وأما قبل الدفن فنعم، وهو أيضًا رواية عن الإمام محمد بن حنبل أنه لا بأس بنقله مطلقا وقيل إلى ما دون مدة السفر. 

  • وجماهير الشافعية والحنابلة يقولون: لا ينقل الميت قبل الدفن من باب أولى ولا بعده من بلد إلى آخر إلا لغرض صحيح، وإن كان هناك غرض صحيح جاز، وأنه قال الشافعي: لا أحبه إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس. فيختار أن ينقل إليها لفضلِ الدفن فيها.

  • ويقول الحنابلة: أنه يجوز نبش القبر لنقل الميت ودفنه في بقعة خير من بقعته التي دُفِنَ فيها؛ كمجاورةِ صالحٍ لتعود عليه بركته، وفي الحديث أنه لما اختصم ملائكة الرحمة وملائكة العذاب في التائب الذي خرج بعدما كان قتل نفوسا كثيرًا، أرسل الله إليه ملكًا يحكم بينهم يقول: قيسوا ما بين الأرضين إن كان أقرب إلى أرض الصالحين فلتأخذهُ ملائكة الرحمة، وإن كان أقرب إلى أرض المفسدين التي خرج منها فلتأخذهُ ملائكة العذاب، فأخذوا يقيسون فأوحى الله إلى هذه أن تقربي ولهذه أن تبتعدي فوجدوه أقرب إلى أرض الصالحين بشبرَ فأخذته ملائكة الرحمة. إذا فيجدي القرب من هؤلاء لهذا يقول الحنابلة: حتى من القبر يجوز ينبش وينقل إلى بقعة خير من بقعة التي دفن فيها، واستدلوا بحديث جابر يقول: " لم تطب نفسي حتى أخرجته فجعلته في قبر وحده"، "فَكانَ أوَّلَ قَتِيلٍ ودُفِنَ معهُ آخَرُ في قَبْرٍ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أنْ أتْرُكَهُ مع الآخَرِ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أشْهُرٍ، فَإِذَا هو كَيَومِ وضَعْتُهُ" كما جاء في البخاري.

  • لكن يقولُ أيضًا الحنابلة: الشهيد إذا دُفِن بمصرعه لا ينبش قبره لنقله إلى غير مصرعه، بل قالوا: حتى لو نقل منه رُدَّ إليها خذوا بظاهر الحديث أن أمرهم برد القتلى إلى مصارعهم وأمرهم أن يدفنوا حيث مصارعهم عليهم رضوان الله تعالى في أحد، قال الحنابلة: 

    • لأن دفن الشهيد في المكان الذي قُتِلَ فيه سنة. قال : "ادفنوا القتلى في مصارعهم"، أخرجه النسائي عبدالرزاق من حيث سيدنا جابر. 

    • وفيه أيضًا قدوةً وتشبيه لهم بالأنبياء فإن الأنبياء يدفنون حيث ماتوا حيث يموت النبي يدفن في نفس المكان، وحفظ ذلك سيدنا أبو بكر عليه الصلاة والسلام يقول: إذا مات النبي بمكان دفن حيث مات. فلما اختلفوا أين يدفنوه قال: سمعته يقول كذا، فحفروا له بالبقعة التي توفي فيها  في حجرته الشريفة صلوات الله وسلامه عليه.

  • يقول ابن قدامة في المغني من الحنابلة: ولم يزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحاري، يعني القتلى في سبيل الله -تبارك وتعالى-.

  • وهكذا يقول المالكية: إنما يجوز نقل الميت قبل الدفن وكذا بعده بشروط:

    • لا ينفجر حال نقله.

    • لا تنتهك حرمته. 

    • يكون ذلك لمصلحة؛ كأن يخاف عليه أن يأكله أو يطلع عليه البحر.

    • أو ترجى بركة الموضع المنقول إليه.

    • أو ليدفن بين أهله أو لأجل قرب زيارة أهله.

    • أو دفن من أسلم بمقبرة الكفار فينقل ويتدارك بإخراجه منها و يدفن في مقبرة المسلمين. فإذا نقص شرط من هذه الشروط ما يجوز النقل.

  • وهكذا قالوا الأئمة كلهم في أن الشهيد يستحب دفنه حيث قتل.

وأوصى سيدنا أبو أيوب الأنصاري وقد خرج وهو شايب في الثمانين وزيادة وأعرج فقالوا له: ما عليك خروج وأنت معذور، قال: الله يقول ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالً﴾ [التوبة: 41]، فقال: أنا أقول انفروا خفافا فقط، قال الله: يقول انفروا خفافا وثقالا قال: خلاص أنا ثقيل وأنتم خفاف وأخرج نفسه -انفروا- فخرج ثم أوصى: إذا أنا استشهدت ومت فلا تدفنوني إلا في آخر بقعة تصلون إليها، ليكون أبعد ما يكون عن بيتي فأقول يا ربي فيك خرجت وقطعت هذه المسافة من أجلك من أجل نصرة دينك ورسولك قطعت المسافة هذه يكون أبعد ما يكون عن بيتي، فدفن في بقعته في إسطنبول عليه الرحمة والله تبارك وتعالى. وهو الذي نزل زين الجد في بيته حين قدم المدينة المنورة، وكان حظه وكان من جملة التقدير الرباني والترتيب الرحماني، أنهم أخوال أبيه هؤلاء، وأن البيت الذي يسكن أبو أيوب كان متوارث عمن بناه قبل مئة عام لأجل يسكن فيه النبي الذي يهاجر إلى هذا المكان، ولهذا قالوا: ما نزل إلا في بيته  لأنه بنيَّ لينزل فيه، ومرت سنين وتوارثوه كان عند أبي أيوب فنزل فيه  نحو شهرين حتى انتقل إلى الحجرة التي بناها بجنب المسجد .

 

وجاء عن ابن عباس أن الرسول  أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم.

  • قالوا: ودفنُ الشهيد بثيابه واجب عند الحنفية والمالكية.

  • وقال الشافعية والحنابلة أولى، فللولِي أن ينزع عنه ثيابه يكفنه بغيره.

 

  • وهكذا يقول الفقهاء: لا يجوز أن ينبش القبر إلا لعذر وغرض صحيح:

    • فمثل كون الأرض مغصوبة.

    • أو الكفن الذي فيه مغصوب ولم يرضى صاحبه بالثمن يخرجون منه 

    • أو سقط مال في القبر وهكذا. 

  • فيقول الحنفية تعلق حق الآدمي بك أن تكون الأرض مغصوبة أو أخذت بشفعة أو سقط في القبر متاع أو كفِّن بثوب مغصوب أو دفن معه مال قالوا: ولو كان درهما، هذا عذر عند الحنفية لينبشه.

  • وهكذا استثنى المالكية من منع النبش هذه المسائل قال: أن يكون الكفن مغصوب نفس الشيء سواء من الميت أو غيره فينبش إن أبا ربه أخذ القيمة، وكذلك إذا دفن في ملك غيره بدون إذنه، ولهما تفصيل في أن مالك الأرض يجوز له نبشه إن كان مباشرة وقيل: ولو كان بعد مدة، وكذلك إن نُسِيَ معه مال لغيره ينبش القبر يخرج المال، وعند الضرورة في دفن غيره فينبش، وكذلك عند إرادة نقله إذا توفرت شروط النقل، كما تقدم في قولهم أن لا ينفجر ولا تنتهك حرمته ويكون نقله إلى أرض أشرف.

  • وهكذا يقول الشافعي: إذا وجه لغير القبلة يُنبِش ويوجه القبلة، وإذا دفن بلا تغسيل يُنبِش ويغسل، ويصلى عليه ، وإذا دفن بلا صلاة وقد غسل وكفن فلا يُنبِش ولكن يصلى على قبره، لأن الصلاة تتأتى على القبر من دون أن يُنبِش، وإن كان فيه خلاف والأولى أن يصلى على القبر ويكتفى بذلك، وكذلك إذا وقع مال في القبر فيجوز أن ينبش من أجل استخراج المال الذي وقع فيه وهكذا.

  • نفس الشيء يقول الحنابلة: إذا دفن قبل الغُسل يلزم نبش ويغسل، وأيضا إذا كان لغير القبلة وجه وكذلك ذكروا قبل الصلاة عليه، ولكن للصلاة عليه وهو في قبره وجه، وكذلك إذا دفن قبل تكفينه.

 

ويروون عن شريح بن عبيد الحضرمي منها رجالا قبروا صاحبا لهم لم يغسلوه ولم يجدوا له كفنً، ثم لقوا معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أخبروا فأمرهم يخرجوه من قبره، ثم غسل وكفن وحنط وصليَّ عليه. وأما ما جاء في حديث ابن أبي فإن ذلك قد وضع في قبره -ولكن قبل الدفن- قبل ما دفن قد وضع في قبره؛ وأمرهم النبي يخرجوه من قبره، وهذا لأجل الكفن وهذا يقولون الحنابلة من الغرض تحسين الكفن، لا إله إلا الله

وهكذا جاء اجتهاد الأئمة -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- فيما يتعلقون بالدفن والنبش. 

ثم أن النبش كذلك لأجل قبر غيره فيه إذا كانت في الأرض الموقوفة ومسبلة لكن بعدها مرور وقت البِلاء المعتاد؛ وقت بلاء الجسد، حتى لا يبقى فيه شيء لا عظم ولا غيره، فإذا يعرف من تلك الأرض أنها تحتاج مدة كذا حتى لا يبقى له أثر؛ فلا بد تمضي المدة كاملة حتى يجوز أن ينبش ويقبر الآخر فيه.

 

رزقنا الله كمال حسن السابقة وكمال حسن الخاتمة عند الموت، واجعل قبورنا وقبور أهالينا ووالدينا وذريتنا أحبابنا وأصحابنا طلابنا رياضًا من رياض الجنة، ولا يجعل فيها حفرة من حفر النار ووقانا جميعا من العذاب وتولانا في الدنيا وفي المآب، فرج كروبنا وكروب المسلمين أجمعين وأصلح شؤوننا بما أصلحت به شؤون  الصالحين.

 

 بسر الفاتحة

إلى حضرة النبي محمد اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

29 شوّال 1446

تاريخ النشر الميلادي

27 أبريل 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام