(236)
(536)
(575)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب الغسل: فصل في فرائض الغسل وسننه (2).
صباح الأربعاء: 24 ربيع الآخر 1445هـ
فصل في فرائض الغُسل وسننه
"وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "كنت أغتسل أنا والنبي ﷺ من إناء واحد نغرف منه جميعًا"، وكانت تقول: ما طهَّرَ الله من بال في مغتسله ثم تطهر منه، وكان ﷺ إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه قبل إدخالهما الإناء ثم غسل فرجه ومسح بيده على الحائط أو الأرض ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة أدخل أصابعه في الماء فخلل بها أصول شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته صب على رأسه ثلاث غرف بيديه ثم أفاض الماء على جلده كله ثم غسل رجليه، وفي رواية "وكان ﷺ يغسل الأذى الذي به قبل الوضوء، فيصب الماء على الأذى بيمينه ويغسل عنه بشماله حتى إذا فرغ من ذلك صب على رأسه"، وفي رواية: "كان رسول الله ﷺ إذا اغتسل من الجنابة أخذ بكفيه الماء فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه ماءً فقال بهما على رأسه على ثلاثًا".
وكان ابن عمر إذا اغتسل نضح الماء في عينيه وأدخل أصبعه في سرته، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: كنا نفيض على رؤوسنا خمسًا من أجل الضفير، وكان علي -رضي الله عنه- يقول: إذا خرج من الإنسان شيء بعد الغُسل فإن كان بال قبل الغُسل توضأ وإلا أعاد الغُسل، وكان ﷺ لا يترك المضمضة والاستنشاق في أكثر إغتسالاته فكان يغسل يديه ثلاثًا، ثم يفيض بيده اليمنى على اليسرى ثلاث مرات أو مرتين فيغسل فرجه وما أصابه، ثم يمضمض ثلاثًا ويستنشق ثلاثًا، ويغسل وجهه ثلاثاً ثم يفيض على رأسه ثلاثًا، ثم يصب عليه الماء، قالت عائشة -رضي الله عنها-: وكنا إذا أصاب إحدانا الجنابة أخذت بيديها ثلاثًا فوق رأسها ودلكت رأسها بيديها، ثم تأخذ بيدها على شقها الأيمن وبيدها الأخرى على شقها الأيسر.
قالت ميمونة -رضي الله عنها-: "وكان رسول الله ﷺ إذا توضأ في غسل الجنابة ثم غسل سائر بدنه لا يعيد غُسل الوضوء، وكان ﷺ إذا توضأ للغسل تارة يغسل قدميه قبل غسل جسده، وتارة يؤخرهما فإذا أفاض الماء على جسده، تنحى فيغسل قدميه، قال إبراهيم النخعي -رضي الله عنه-: وكانوا لا يرون بتفريق الغُسل بأسًا".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلِّمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مكرمنا بشريعته، وبيانها على لسان خير بريته سيدنا محمد خيرته وصفوته صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل أعلى ذروته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم ، أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر ما ورد فيما يتعلق بفرائض الغُسل وسننه، "وقالت عائشة -رضي الله عنها-: كنت أغتسل أنا والنبي ﷺ من إناء واحد نغرف منه جميعًا" ، وفيه أنه لا كراهة في اغتراف الرجل والمرأة من إناء واحد، وإنما جاءت الكراهة في أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة، أو المرأة بفضل الرجل، قال: "وليغترفا جميعا" ، وهذا فيه حديث الاغتراف "جميعا" ، وحتى قالت بعض أمهات المؤمنين ويكون الماء محصور معهم في ذاك الإناء، فيقول: أبقي لي، وتقول:أبقي لي، فيما بقي من آخر الماء في الإناء.
وكانت تقول: "ما طهَّرَ الله من بال في مغتسله" ، أي: المكان الذي يغتسل فيه.
وأنه قالوا لما قدمنا إلى الشام وجدنا هذه الأحواض، فإذا مشى الماء حتى لم يبقي أثرًا للنجاسة؛ فلا بأس أن يستنجي في نفس الموضع. وكنا نعهدهم في بنائهم لأماكن الخلاء في الديار يجعلون مكان لقضاء الحاجة، ويجعلون حجرتين أُخرين لأجل الاستنجاء، ومحل الوضوء غير ذلك. فلهذا تقول: "ما طهر الله من بال في مغتسله" المحل الذي يغتسل فيه "ثم تطهر منه".
"وكان ﷺ إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه قبل إدخالهما الإناء"، وهذه أحد السنن في الغُسل: أن يغسل اليدين خارج الإناء إذا قام من النوم.
"ثم غسل فرجه ومسح بيده على الحائط أو الأرض، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة أدخل أصابعه في الماء فخلل بها أصول شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته صبّ على رأسه ثلاث غرف بيديه ثم أفاض الماء على جلده كله ثم غسل رجليه"، وفي ذلك أيضا استيعاب الماء لجميع البدن ومنه ما تحت الأظافر.
وقد قال الأئمة الثلاثة:
أن اليسير منه يُعفى عنه ولا يمنع الطهارة.
وعند الشافعية أقوال:
إذًا فهنا أقوال:
أشدها المعتمد عند الشافعية.
والأئمة الثلاثة جعلوا أنه مما يشق الاحتراز عنه.
حتى قال الحنابلة: لا يضر وسخ يسير تحت الظفر ولو منع وصول الماء؛ لأنه مما يكثر وقوعه عادة فلو لم يصح الوضوء معه لبيّنهﷺ ولأكد عليه كما قال: "ويل للأعقاب من النار" ولم يأتي عنه شيء فيما تحت الأظافر؛ فبذلك مال الأئمة كما هو الأصح عند الحنفية والمالكية والحنابلة أنه: لا يمنع الطهارة؛ وقالوا: أن فيه ضرورة وأنه لم يُبَين في السنة؛ فلا يمنع الطهارة أيضًا عند الحنفية؛ يقولون: ونيم وحناء ودُرن ووسخ وتراب وطين ولو في ظفر مطلقًا.
وهكذا يقول المالكية: وسخ الأظفار يُعفى عنه إلا إذا تفاحش وكثُر؛ فحينئذٍ: تجب إزالته.
فينبغي أن يكون يحتاط الإنسان وينظف ما تحت أظفاره ويتعاهد الأظافر بالقص أسبوعًا بعد أسبوع ولا يدعها تطول وتُمسك الأوساخ.
"قالت: وفي رواية وكان ﷺ يغسل الأذى الذي به قبل الوضوء، فيصب الماء على الأذى بيمينه ويغسل عنه بشماله حتى إذا فرغ من ذلك صب على رأسه"، وفي رواية: "كان رسول الله ﷺ إذا اغتسل من الجنابة أخذ بكفيه الماء فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه مساءً فقال بهما على رأسه على ثلاثًا".
فيجب إيصال الماء إلى منابت الشعر.
"كان ابن عمر إذا اغتسل نضح الماء في عينيه" وهذا مذهب ابن عمر أنه إذا وجب الغُسل فيجب غسل باطن العين؛ ولم يقل به أحد الأئمة الأربعة، وإنما كما تقدم معنا يقول الحنفية: يجب غسل الأنف والفم للجنابة، أي بالمضمضة والاستنشاق لقوله: {..فاطّهروا..} ولم يوجِب وجعلوه سنة في الوضوء وواجب في الغُسل عند الحنفية وأما باطن العين: فهذا مذهب ابن عمر يقال: أنه لم يزل يفعل ذلك حتى عمِي؛ وإنما يكون العمى من ماذا؟ من اختلاط الماء أحيانًا بشيء من الأوساخ؛ وإلا فالماء الصافي ما يؤثر على النظر؛ ما يُضعف النظر بغُسل العين بالماء الصافي النقي؛ لكن ما يخلو من اختلاطه بأنواع مما يطرأ عليه فهذا الذي أثر على عينيه إذا كان العمى بسببه مواظبته على غسل العينين عند كل غسل كما يشير وصفهم له بأنه كان يرى وجوب غسل العينين أي: باطن العينين عند كل غُسل؛ فلم يزل يفعل ذلك حتى عمِي.
يقول: "كان ابن عمرإذا اغتسل نضح الماء في عينيه وأدخل أصبعه في سرته" أما تعهد السرة فسنة بالاتفاق؛ لأنه: من المعاطف التي يغفل الماء عنها فقد تبقى فيها الجنابة فينبغي أن يتعاهد سرته ومعاطفها بإيصال الماء إليه وسيلانه عليها.
"وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: كنا نفيض على رؤوسنا خمسًا من أجل الضفير"، يعني: نزيد، الضفائر: التي يعقدنها في رؤوسهن؛ وفيه دليل على أنه: لابد أن يصل الماء إلى ما بين الشعر وأن يكون الضفائر غير مشدودات تمنع وصول الماء؛ ولهذا تزيد رابعة وخامسة احتياطًا لتعرف وصول الماء إلى الشعر.
"وكان علي -رضي الله عنه- يقول: إذا خرج من الإنسان شيء بعد الغُسل.." أي: إذا كان على جنابة بسبب خروج المني ثم خرج شيء منه بعد ما اغتسل؛ قال: ينظر "فإن كان بال قبل الغُسل توضأ وإلا أعاد الغُسل.." لأنه إذا بال قبل أن يغتسل فالسنة أن لا يغتسل الجنب حتى يبول أولًا فإنه قد يبقى في المجرى أثر للمني ثم يغتسل؛ ثم يخرج فيجب الغُسل عليه وهو لا يشعر، يخرج مع البول الثاني أو يخرج من حيث لا يشعر ويكون عليه جنابة وما هو داري إن عليه جنابة، وفلهذا ينبغي أن لا يغتسل حتى يبول أولًا فإنه إذا بال تصفى المجرى وإن كان مجرى المني غير مجرى البول ولكنه يمر البول بجانبه فيدفع ما فيه فلا يبقى شيء من الأثر؛ فينبغي أن أن يبول أولًا ثم يغتسل إذا اغتسل من جنابة.
لما جاء بعض أصحاب الحبيب أبي بكربن عبدالله العطاس إلى عنده قال: اقضِ صلاة ثلاث أيام قال له: ليش تأمرنا نقضي صلاة ثلاث أيام؟ قال: قبل ثلاث أيام أجنبت ثم اغتسلت قبل أن تتوضأ ثم خرج منك شيء، قال: وأنت تفتش إلى هنا؟ قال: ما نفتش إلا في مخازننا، وتذكر أنه قبل ثلاث أيام صحيح اغتسل من دون أن يبول فوجب عليه الغُسل - لا إله إلا الله جل جلاله-
فينبغي أن يبول أولًا ثم يغتسل يعني: أن يؤخر الغُسل حتى يبول، وهذا أيضًا حكم سيدنا علي قال: "إذا خرج من الإنسان شيء بعد الغُسل فإن كان بال قبل الغُسل توضأ" فقط لماذا؟ لأن: هذا ليس من المني لو كان من المني كان خرج مع البول "وإلا أعاد الغُسل" لأنه: احتمال أن يكون بقية المني خرج عليه بعد الغُسل.
"وكانﷺ لا يترك المضمضة والاستنشاق في أكثر اغتسالاته" وهكذا علِمنا أنه أوجبها الحنفية واستحبها غيرهم من الأئمة؛ "فكان يغسل يديه ثلاثًا، ثم يفيض بيده اليمنى على اليسرى ثلاث مرات أو مرتين فيغسل فرجه وما أصابه، ثم يمضمض ثلاثًا ويستنشق ثلاثًا، ويغسل وجهه ثلاثاً"َ.
وفيه التثليث وهو: سنة أيضًا سنة التثليث في الغُسل والوضوء بالاتفاق؛ إلا أنه في الوضوء قال أكثر الأئمة: بعدم التثليث في مسح الرأس وقالوا: يمسحه مرة واحدة؛ كما جاء في أكثر الروايات الصحيحة أنه مسح الرأس مرة واحدة، وقد أخرج الإمام البيهقي في السنن الكبرى أنه "مسح رأسه ثلاثًا" وأخذ بذلك الشافعية، وبالرواية أيضًا في الصحيحين في العامة في قوله على العموم "توضأ ثلاثًا ثلاثًا" ولم يستثني الرأس ولا غيره؛ فقالوا: هذا دليل على أنه يستحب التثليث حتى في مسح الرأس.
قال: "ثم يفيض بيده اليمنى على اليسرى ثلاث مرات أو مرتين فيغسل فرجه وما أصابه، ثم يمضمض ثلاثًا ويستنشق ثلاثًا، ويغسل وجهه ثلاثاً ثم يفيض على رأسه ثلاثًا، ثم يصب عليه الماء"، قالت عائشة -رضي الله عنها-: وكنا إذا أصاب إحدانا الجنابة أخذت بيديها ثلاثًا فوق رأسها ودلكت رأسها بيديها.." ففيه أنه لم يكنّ محافظات على خمس، ولكن عندما ترى أنه ربما لم يصل الماء إلى ما بين الشعر في ظفائرها زادت رابعة وخامسةً احتياط، وإن رأت أنه وصل أو لم تكن لها ظفائر بأن كان شعرها منفوشًا اكتفت بالثلاث؛ "ودلكت رأسها بيديها، ثم تأخذ بيدها على شقها الأيمن وبيدها الأخرى على شقها الأيسر." وهذا الأفضل أن يقدم الايمن على الايسر ويقدم ما أقبل من الأيمن على ما أدبر وما أقبل من الأيسر على ما أدبر.
"قالت ميمونة -رضي الله عنها-: "وكان رسول الله ﷺ إذا توضأ في غسل الجنابة ثم غسل سائر بدنه لا يعيد غُسل الوضوء". لأنه لم يتعرض لنقض الوضوء؛ ومن هنا قالوا لمن توضأ قبل أن يغتسل: فليحذر من أن يمس عورته كفيه بباطن الكفين فيبطل الوضوء فيحتاج إلى وضوء آخر.
"وكان ﷺ إذا توضأ للغسل تارة يغسل قدميه قبل غسل جسده، وتارة يؤخرهما.." وفيه اختلاف الأماكن فإذا المكان الذي تحت القدمين يتسخ فيه القدمين وإذا غسلهم أول عاد الوسخ والتراب ونحوه إلى القدمين ويحتاج إلى غسل ثاني مرة عند الخروج يؤخر غسل القدمين حتى يكمل الوضوء والغُسل ثم آخر شيء يغسل القدمين وما عاد يحتاج إلى وضعهما في التراب ونحوه ويمضي، وإن كان المحل مهيأ غسل قدميه معا وهو المعتمد عند الرملي وعند صاحب الزبد في الغُسل أنه إذا توضأ لأجل الغُسل لا يؤخر غسل القدمين والرجل لن تؤخر يقول. وقال الإمام الغزالي يؤخر غسل القدمين فلا يغسلهما مع الوضوء. وذكر هنا أنه ورد الاثنان عنه ﷺ أنه قد يغسل رجليه مع الوضوء وقد يؤخر غسل الرجلين إلى آخر غسله ﷺ.
قال: "… فإذا أفاض الماء على جسده، تنحى فيغسل قدميه، قال إبراهيم النخعي -رضي الله عنه-: وكانوا لا يرون بتفريق الغُسل بأسًا". هذا الأمر يأتي في الموالاة:
رزقنا الله الاستقامة والمتابعة لنبيه محمد سيد أهل الإمامة في جميع الشؤون الخاصة والعامة وتولانا بما تولى به الصالحين أرباب باليقين في رزق وعافية.
بسِرَ الفاتحة إلى حضرة النبي
اللهم صلِّ وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
25 ربيع الثاني 1445