(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب ما جاء في فضل العلم والعلماء والمتعلمين
الأربعاء 20 شوال 1444هـ
- كيف يكون تعلّم العلم خشية؟
- طلب العلم عبادة في سبيل الله
- أحوال مذاكرة السلف للعلم (الحبيب عبدالقادر السقاف والحبيب محمد بن هادي السقاف)
- البحث عن العلم جهاد وتعليمه صدقة
- ما الذي يجب تعلمه كل مسلم؟
- خطورة تعرض العلم للاستخفاف عند غير أهله
- نزع مكانة علم الشريعة وتقديم العلوم الأخرى
- من جاءه الموت وهو يطلب العلم
- 7 أعمال يستمر أجرها بعد الموت
- هل ينتفع الميت من أعمال غيره؟
- لا حسد إلا في اثنتين
- ماذا يحصل إذا أبغض المسلمون علماءهم؟
- عاقبة من يبخل بالعلم ويأخذ به مالا
- العلم المكنون والإنكار عليه
بسم الله الرحمن الرحيم
وبسندكم المتصل إلى الإمام أبي المواهب سيدي عبدالوهاب الشعراني في كتابه: (كشف الغمة عن جميع الأمة)، إلى أن قال -رضي الله تعالى عنه وعنكم ونفعنا بعلومه وعلومكم وعلوم سائر الصالحين في الدارين آمين..
باب ما جاء في فضل العلم والعلماء والمتعلمين
وكان ﷺ يقول: "تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، وبه يعرف الحلالُ من الحرام".
وكان صفوان بن عسال المرادي يقول: "أتيت النبي ﷺ وهو في المسجد متكئ على برد له أحمر، فقلت: يا رسول الله إني جئت أطلب العلم، فقال: مرحباً بطالب العلم، إن طالب العلم لتحفُّهُ الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضاً حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يُطْلَب ".
وكان ﷺ يقول: "طلب العلم فريضة على كل مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب".
وكان ﷺ يقول: "من جاء أجله وهو يطلب العلم لقي الله ولم يكن بينه وبين الأنبياء إلا درجة النبوة".
وكان ﷺ يقول: "سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من علَّمَ علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورّث مصحفًا،أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته".
وكان ﷺ يقول: "ما اكتسب مكتسبٌ مثل فضل علمٍ يهدي صاحبه إلى هدى، ويردُّهُ عن ردى، وما استقام دين عبد حتى يستقيم عمله".
وكان أبو ذر يقول: قال لي رسول الله ﷺ: "لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله عز وجل خير لك من أن تصلي مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلم بابًا من العلم عمل به أو لم يعمل به خير لك من أن تصلي ألف ركعة".
وكان ﷺ يقول: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالمًا ومتعلمًا".
وكان ﷺ يقول: "أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علماً ثم يعلمه أخاه المسلم".
وكان ﷺ يقول: "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الخير، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها".
وكان ﷺ يقول: "مثلُ ما بعثني الله بهِ من الهدى والعلم كمثل غيثٍ أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبةٍ قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصابَ طائفة أخرى منها إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثلُ من فقُهَ في دين الله تعالى ونفعه ما بعثني الله به فعلِمَ وعَلَّمَ، ومَثَلُ من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".
وكان ﷺ يقول: "إنما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علمٌ علمه ونشره، وولدٌ صالح تركه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته".
وكان ﷺ يقول: "إذا أبغض المسلمون علماءهم، وأظهروا عمارة أسواقهم، و تآلبوا على جمع الدراهم رماهم الله بأربع خصال: القحط من الزمان، والجور من السلطان، والخيانة من ولاة الحكام، والصولة من العدو".
وكان ﷺ يقول: "علماء هذه الأمة رجلان: رجل آتاه الله علماً فبذله للناس ولم يأخذ عليه طمعاً، ولم يشتر به ثمناً، فذلك تستغفر له حيتان البحر ودواب البر والطير في جوّ السماء، ورجل آتاه الله علماً فبخلَ به عن عباد الله وأخذ عليه طمعاً، وشرى به ثمناً، فذلك يلجم يوم القيامة بلجام من نار، وينادي مناد هذا الذي آتاه الله علماً فبخل به عن عباد الله، وأخذ عليه طمعاً، واشترى به ثمناً، وكذلك حتى يفرغ من الحساب".
وكان ﷺ يقول: "مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة".
وكان ﷺ يقول: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم".
وكان ﷺ يقول: "يقول الله عز وجل للعلماء يوم القيامة إذا قعد على کرسيه لفصل عباده: إني لم أجعل علمي وحلمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان فيكم ولا أبالي".
وفي رواية: "يبعث الله العباد يوم القيامة ثم يميز العلماء فيقول: يا معشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم لأعذبكم، اذهبوا فقد غفرت لكم".
وكان ﷺ يقول: "يجاء بالعالم والعابد فيقال للعابد: ادخل الجنة، ويقال للعالم: قف حتى تُشَفَّع للناس بما أحسنت أدبهم ".
وكان ﷺ يقول: "فقيه واحد أشد على الشيطان ألف عابد".
وكان ﷺ يقول: "العلم علمان: علم في القلب فذلك العلم النافع، وعلم على اللسان فذلك حجة على ابن آدم ".
وكان ﷺ يقول: "إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله ِتعالى، فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغِرّة بالله عز وجل".
الحمد لله مكرمنا بالشريعة والدين وبيانه على لسان عبده الأمين خاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه في كل وقت وحين، وعلى آله وأهل بيته وصحابته الأكرمين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وواصل سيدنا الإمام الشيخ الشعراني عليه رحمة الله تعالى ذكر الأحاديث المتعلقة بالعلم والعلماء والتعلم والتعليم، وأوردَ لنا هذا الحديث قطعة من الحديث الطويل المشتهر عن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله تبارك وتعالى عنه عنه ﷺ أنه قال: "تعلموا العلم…" أي: النافع الذي بُعث به إليكم الأنبياء على وجه الخصوص "تعلموا العلم فإن تعلمه لله…" أي: من أجل الله لقصد وجه الله لنيل القرب من الله "خشية" أي: يوصل صاحبه إلى الاتصاف بصفة الخشية التي قال عنها في كتابه: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28] وهي نتيجة معرفة بالله سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته وعظمته، والمعنى: أنَّ التعلم للعلم إذا جاء على وجه الإخلاص لوجه الله يُمَدُّ صاحبه بأنوار المعرفة حتى ينال من معرفة الله ما تصحُّ له بهِ خشيته (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) [الرحمن:46] فإن العالم يتحقق بخشية الله سبحانه وتعالى ولا يزال أيضًا في زيادة من المعرفة، فالطريق إلى اكتساب المعرفة بالله المثمرة للخشية منه طلب العلم على الإخلاص لوجه الله.
"فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة…" من أفضل العبادات، وذلك أنَّ من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله كما روى الإمام الترمذي في سننه وغيره "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع"، وبذلك يتعلم المؤمن أنه لا يريد السفر إلى مكان ولا الخروج إلى مخرج يتعرض فيه لسماع آية أو حديث أو شيء من أخبار الفقه في دين الله إلا وهو ينوي بخروجه طلب العلم؛ ليكون في سبيل الله حتى يرجع، وإذا كان في سبيل الله تضاعفت أعماله مضاعفتها للمجاهد في سبيل الله، فتكون الحسنة بسبعمئة حسنة فكذلك تتضاعف حسنات من خرج في طلب العلم "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع" طلبه عبادة من أفضل العبادات.
"ومذاكرته تسبيح" أي: التذاكر في مسائل العلم لأنه لا يثبت ويستقر ولا يقوى وينتشر إلا بالمذاكرة، بالتذاكر فيه وفي مسائله والتباحث فيها، فجُعل ذلك الخوض في مسائل العلم لقصد وجه الله تعالى كالتسبيح بحمد الله سبحانه وتعالى، فأصحابه فيما يتحدثون به مسبحون أي: ينالون ثمرة التسبيح لله تبارك وتعالى وما ينازل الذاكرين لله من ذكره الجميل لهم؛ ومما يصفيهم وينقيهم ويرقيهم ذكر الله سبحانه وتعالى فيخرجهم من الظلمات للنور، يجدون ذلك بتذاكر في العلم التذاكر في العلم، وبذلك رأيت ما درج عليه الأكابر في هذه الأمة والصالحون ما يلاقون أحد ولا يجلسون مع أحد ولا يتجالسون بينهم إلا وتذاكروا العلم ودارت بينهم مسائل في العلم وهكذا.
وكان يحكي الحبيب عبد القادر السقاف عليه رحمة الله تعالى يقول: كلما جئنا عند محمد بن هادي السقاف وسلمنا رد السلام أول ما يسألنا عن قراءتنا في العلم، وفي الكتب التي ندرس فيها، والوقف الذي وقفنا فيه، وإلى أي باب انتهينا، قال: هذا كلامه ما عنده كلام في أهلك وأولادك وأهلك وشيء من الكلمان -الكلام الكثير الفارغ- التي اعتاد الناس الحديث فيها، ما نسمع منه إلا أين وصلتم في الفقه؟ وأين وصلتم في الحديث؟ وأين وصلتم في النحو؟ وأين وصلتم في الأصول؟ في أي كتاب الآن تقرؤون؟ وقفتم عند أي علم؟ عند أي باب؟ ويباحثنا في هذه المسائل، فما نجلس معه إلا على هذا الحال وهكذا.
وقالوا عن وصفهم:
وفاتني من خيار الناس كم رجلٍ *** ما فارق الذكر طول العمر والكتبا
بكَّاء ليلته سجاد خلوته *** من خوف مالكه يستعذب التعبأ
هكذا، يقول: "ومذاكرته تسبيح" وإنما يقل العلم ويضعف بين الناس بقلة التذاكر فيه، وأن يُخصَّ به مجرد أوقات وأشخاص فقط فيضيع العلم، ولكن بكثرة التذاكر فيه ونشره بين الناس.
ولذا لما ذكر سيدنا شهاب الدين تأثير ولده في وضع البلد ونشر العلم يقول: أحيا به الله علم الدين حتى يقول: فأصبح العلم منطوقًا بكل فمي.
صارت أفواه أهل البلد كلهم صغارهم وكبارهم رجال ونساء ينطقون بالعلم، يتكلمون بالعلم من انتشاره بينهم وهكذا.
قال: جاء عند الحبيب محمد بن هادي السقاف أيضًا عليه رحمة الله أنه خرج ليلة لحاجة بعد صلاة العشاء من محل بيته إلى منطقة أخرى في سيئون يقال لها السَّحيل، فصادف سماعه للناس وهم على دكك ديارهم كل جيران كانوا أول العشاء يلتقون ثلث ساعة نصف ساعة يتذاكرون وهذه سمراتهم كانت في أول العشاء، فما عاد يأتي بعد العشاء ساعة أو ساعتين إلا وقد نام الناس كلهم، ولكن تعجْ بهم المساجد آخر الليل، فكان قال: مر فسمعهم يتذاكرون في مسائل أديرت في المَدْرَس - المدرسة- في الصباح، كان المدرس عندهم في مسجد طه، فكانت أديرت مسائل فسمعهم يقولون: في المدرس قالوا كذا وكذا ويتذكرون بينهم، فلما مر على الحلقة الآخرى وجدهم يتكلمون في نفس مسائل الدرس، والثالثة فوجدهم يتذكرون مسائل المدرس حق الصباح، والرابعة وجدهم كذلك، كلما مر بفئة وجدهم يتذاكرون في المسائل التي دارت في مدرسة الصباح في البلد، فحمد الله تعالى أن حديث أهل البلد في العلم.
وهكذا واليوم أخذت أزمة عقول الناس ومشاعرهم منشورات إما العاب كرة وإما أخبار سياسة وإما شيء من أخبار هذه الرياضة، بعدين عُدْ -اِرجِعْ- في الطريق بتحصل كلهم يتكلمون فيها، كلهم يتحدثون فيها كل ما شغلهم بشغل في شغلهم متحدثون بالعلم و متحدثون بالقرآن قلوا بين الأمة لأن الزمام انفلت سُلِّم للسقطة فصاروا يقودونهم لمثل هذا. لا إله إلا الله
يقول: "...ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه…" في تحقيق مسائله "جهاد" في سبيل الله، كان يقول سيدنا الحسن بصري ويروى مرفوع: لو وزن دم الشهداء بمداد العلماء لرجح مداد العلماء على دم الشهداء. يعني: وزن عند الله ومكانته لدى الرحمن لمن صحت نيته منهم، يفوق دم الشهداء الذين استشهدوا في سبيل الله تبارك وتعالى.
"والبحث عنه جهاد" في سبيل الله تبارك وتعالى "وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة" من أفضل الصدقات، لأنك تصدقت عليه بما يدوم خيره ويبقى فائدته وأثره، مهما تصدقت عليه بشيء من الدنيا كيف يدوم؟ بينتهي لكن إذا تصدقت عليه بفقه في دين الله وتعليم مسئلة من شرع الله خيرها يدوم وفائدتها تدوم ونفعها يتأبد وهكذا من أعظم الصدقات.
"وتعليمه لمن لايعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة" أي: طاعة وعبادة يتقرب بها إلى الرحمن.
"وبه يعرف الحلال من الحرام"
فلولا العلم ما سعدت رجال *** ولا عُرف الحلال من الحرام
قال: وكان صفوان بن عسال المرادي يقول: "أتيت النبي ﷺ وهو في المسجد متكئ على برد له أحمر فقلت: وما أراد أحمر؟ قالوا: فيه خطوط حمر،" فإنه ما كان يحب أن يأخذ من الأردية ولا من الثياب شيء أحمر خالص ولكن تكون فيه خطوط حمراء "فقلت: يا رسول الله إني جئت أطلب العلم،" أريد أن أتفقه في الدين وأتعلم الشريعة، فقال:"مرحباً بطالب العلم، إن طالب العلم لتحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضاً حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب " أي: يمشون عليه كالظلة فوقه تشجيعًا له وتشييعًا لأنه خرج في طلب العلم، فيجتمعون عليه فيحفُّونَ به، وطبقة فوق طبقة منهم إلى السماء وهو يمشي في ظلة وموكب من الملائكة. لا إله إلا الله
كما أنهم يكفون عن الطيران وعبَّر عنه فيما تقدم معنا من الأحاديث بقوله: "تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع" ولمحبتهم ما يطلب يحفونه حتى يبلغ السماء "...لتحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضاً حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب " رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.
وكان ﷺ يقول: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" والمسلم يتناول الذكر والأنثى، ومعلوم أن ما تعلق بمعرفة ما يجب من اسماء الله وصفاته، وما يجب اعتقاده من الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر وأخبار الجنة والنار وما إلى ذلك هذا فرض عين على كل مسلم يعلمه، كذلك ما يتعلق من علوم الإسلام بما يزاوله من صلاة وزكاة لمن عليه زكاة وصوم لمن يلزمه الصوم وحج لمن يستطيع، وكذلك ما يجب عليه تركه من أنواع الذنوب والمعاصي التي يتعرض لها، هذا فرض عين على كل مسلم: واجب عليه أن يقوم به حتى إذا لم يجده في بلده يجب عليه أن يسافر ويرحل لتحصيله، وما زاد على ذلك من علوم الشريعة علوم القرآن والسنة علوم الإسلام والإيمان والإحسان يكون فرض كفاية على أهل كل قطر حتى يكون فيهم من يستوعب الفتوى وحل المسائل التي يقعون فيها، وما زاد على ذلك من هذه العلوم فسنة، فعلوم الشريعة مهما صحت فيها النية ما بين فرض عين وفرض كفاية وسنة. الله الله الله
يقول: "طلب العلم في فريضة على كل مسلم وواضع العلم عند غير أهله…" يعني: الذي يحدِّثُ بما لا يلزم تحديثه للعامة من العلوم التي تلقى على من يستخف بها ولا يعظمها ولا يعطيها حقها "...كمقلِّد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب" فهل تزين الخنازير بالجوهر والذهب واللؤلؤ؟ أي: فالعلم عزيز لا ينبغي أن يعطى ولا يخاض فيه مع من يستخف به، ومع من لا يعرف قدره، وحسبك أن تبين ما علمه فرض كفاية وتنبههم على وجوب طلب العلم لهم ثم لا تعرض العلم للاستخفاف به، لا تعرض العلم للتهاون به والسخرية منه، فإذا فعلت ذلك فكأنما قلدت الخنازير جوهر ولؤلؤ وذهب، وذلك غباوة وعبث منك وحمق، فبذلك نعلم درجات العلم وما الذي يخاض فيه، وما الذي لا يخاض فيه وما الذي يتحدث به مع العامة، وما الذي لا يتحدث به إلا مع أهله، في ذلك جاء عن سيدنا عيسى ابن مريم: لا تمنع الحكمة أهلها فتظلموهم، ولا تعطوها غير أهلها فتظلموها. إذا أعطيتها غير أهلها ظلمت الحكمة وإذا منعتها أهلها فقد ظلمتهم، يعني اعرف قدر العلم.
ولما كان بعض أهل العلم في الطريق يمشي فسأله بعضهم عن مسألة فزبره لما جاء قال: أتريدنا أن نذل العلم في الشوارع؟ نحن نمشي في الطريق، أجلس أنا وإياك بأدب واحترام وتعال نستقبل القبلة ونتذاكر في العلم، والقصد: أنه يجب أن يعظم العلم وأن يلقى لأهله وأن يلقى على وجه الإكرام والتعظيم والإحترام، فإنه كما سيأتي معنا في بعض الروايات "إذا استهين بهذا العلم حلت بالأمة نوائب ومصايب وتسلَّط عدوهم عليهم" وقد عمل أعداء الله تعالى على نزع مكانة علم الشريعة من قلوب المسلمين، ووصلوا إلى حد كبير عند كثير من المسلمين في الاستخفاف بهذا العلم وتقديم غيره من العلوم عليه حتى كانت منهم الاستهانة بهذا العلم.
وعند تياراتهم التي تشرت كان قبل سنين يحكي الوالد عليه رحمة الله عن واحد جاء له ولده المتأثر بالتيار الذي وصل في ذلك الوقت والمُجالِس لجماعة من الغافلين والمغتر بما ينشر في وسائل اعلامهم وقد كانت ضعيفة تلك الأيام، فجاء إلى أبي يقول: يا والد ضيعت علي عمري ومستقبلي، قال: لماذا يا ولدي؟ قال: ما علمتنا إلا الرسالة والسفينة والزُّبَد وذكر له كتب في الفقه وعلمتنا كذا وكذا ..الخ، قال: الحمد لله يا ولدي؛ فقط أريدك تشهد لي بهذا وحده يوم القيامة؛ أنه علمتك هذا، هذا الذي أريده عند الله ؛ أن تشهد لي أنه: أنا علمتك هذا، خلاص.. وغيره ما اسأل عنه، هذه مهمتي وأمانتي في الحياة تأدّيتها لك، من الذي يلعب على عقلك وفكرك؟! وقال إنك..هذا الضياع ؟! هذه أسس دينك فما أريدك تشهد لي إلا بهذه وحدها يوم القيامة أني علمتك إياها، ووجهي أبيض عند الله إذا أنا علمتك هذا. لا إله إلا الله وهكذا
يقول قائلهم:
ولم أبتذل في خدمة العلم مُهجتي *** لأخدم من لاقيت لكن لأُخْدما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم *** ولو عظموه في الصدور لعَظما
أي: عظمهم أو لعُظما أي: لصار عظيمًا عند الناس.
ولكن أهانوه فهان ودنسوا *** مُحياهُ بالأطماع حتى تجهما
كان ﷺ يقول: "من جاء أجله" أي: الموت "وهو يطلب العلم لقي الله ولم يكن بينه بين الأنبياء إلا درجة النبوة" وهكذا جاء في الرواية الأخرى: "من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيي به الإسلام…"
علمنا النية العظمى في طلب العلم، قال:"...ليحيي به الإسلام…" فبينه وبين الأنبياء في الجنة درجة واحدة، يعني: تحت الأنبياء مباشرة ليس بينه وبينهم إلا درجة النبوة "من جاءه أجله وهو يطلب العلم…" "من جاءه الموت وهو يطلب العلم لقي الله ولم يكن بينه وبين الأنبياء إلا درجة النبوة" ولذا حصل لعدد من أخيار الأمة أنه يموت في مجلس العلم، ومنهم من أمر أولاده ومن عنده من الناس وقت وهو في سكرات الموت أن يقرأ عليه، ومنهم من أمره أن يضع الكتاب على صدره وهو يفتح عيونه في السكرات يطالع، ثم قال: لأجل أن يأتيني الموت وأنا أطلب العلم.
"من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيي به الإسلام"... " فبينه وبين الأنبياء في الجنة درجة واحدة" لا إله إلا الله
وكان ﷺ يقول: "سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته…" وبهذا تعلم أنه لا مفهوم للعدد عندهم في مثل قوله: "إذا مات ابن ادام انقطع عمله إلا من ثلاث" هذا " سبع يجري للعبد أجرهن…" أي: من جملة ما يستمر للإنسان فلا ينحصر في ثلاث ولا في سبع فكل أثر طيب بقيَ له بعد موته فإن أجره يُجرى عليه، فمثلُّه ﷺ بهذه السبع أن أجره يجرى وهو في قبره "يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من علَّمَ علمًا…" فكلُّ ما عُمل به وانتفع به وعلم لآخرين يُؤجر وإن كان قد مات الرجل، كم له من توفي الشيخ الشعراني ونقرأ الآن كتابه هذا؟ يجري له الأجر إلى قبره وهكذا.
قال: "من علَّمَ علمًا، أو أجرى نهرًا…" فيستفيد الناس منه يسقون فله الأجر وهو في قبره "أو حفر بئرًا…" فصار ناس يشربون منها وينتفعون بها في مختلف مصالحهم، فما دامت البئر موجودة والمنتفع ينتفع بمائها فهو مأجور في قبره يستفيد من كل من شرب، ومن كل من اغتسل، ومن كل من توضأ من هذه البئر لهم مثل أجره، ولما قال سيدنا سعد للنبي ﷺ: "إن أمي افتلتت وأرى أنها لو تكلمت لتصدقت أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: نعم" فحفر بئراً سماه بئر أم سعد وجعلها لروحها؛ ثواب حفر هذه البئر "فحفر بئراً، أو غرس نخلاً…" فما يُستفاد منه بعد ذلك ينال له أجر "أو بنىٰ له مسجداً…" فما دام قائم إذا دخله داخل أو اعتكف فيه معتكف أو صلى فيه مصلي أو سبح فيه مسبح أو تلي فيه قرآن أو عبد الله فيه فله مثل أجر ذلك "أو ورَّثَ مصحفاً…" وكل من قرأ في هذا المصحف الذي ورثه له مثل أجره "أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته" أي: ولد مؤمن صالح مقبل على الله موقن بالدار الآخرة يستغفر لوالده ويزور والده ويدعو لوالده، فهو من جملته، لماذا من جملة أعماله؟ من عمله هذا! كما في صحيح مسلم "انقطع عمله إلا من ثلاث" فهل ولده من عمله؟ نعم ولده، فقد قالوا: إن ولد الرجل من كسبه، فعدوا هذه الأشياء مما باشره بنفسه من الأعمال، أما إهداء غيره له وعمل غيره له هذا ما تعرض له الحديث هذا ولا ذاك، تعرض لعمله هو، عمل الميت نفسه الذي يدوم له بعد موته، أما عمل غيره ما ذكر، ما ذكر! ما قال: انقطع عمل غيره له، أو امتنع أن يؤدي له غيره، ما قال كذا! ما ذكر هذا! أصلاً، ذكر عمله هو الذي يستمر بعد موته هذا الذي يدوم من عمله هو، وأما عمل غيره: أول واحد واجب على غيره أن يعمل له وهو تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وهو ينتفع بذلك بلا شك، وليس هذا من عمله -هذا ما دخله في عمله- هذا عمل غيره له، من يخلط بين عمله وعمل غيره له؟ بانقطاع عمله يريد يقطع عمل غيره، يقول: يا أخي أنا لم أمت بعد مالك!! ذلك قد مات الله يرحمه معه، يقول الذي قدم من عمله: أنا لم أمت بعد! دعنا أعمل وأهدي له ثواب، ما الذي يمنع؟! بتقطع عملي أنا حتى؟! أنا ما زلت حيًّا دعنا أعمل! يا قليل العلم! ياقليل الفهم! دعنا أعمل وهكذا.
وسمعنا قوله: "أفينفعها أن اتصدق عنها؟ قال: نعم" قال تعالى في عموم ذلك (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا) [الحشر:10] وأما انتفاع الأموات بعمل الغير جاءتنا السنة بإنتفاعهم بتسبيح الجريد، جريد النخل، وضعه على القبر وحتى ما هو مكلف النخل لا هو آدمي ولا شيء حيوان جماد يسبح الله فتأثر، وانتفع الميت بذلك، أو كان عمله عبث ﷺ! حاشاه "ولعله يخفف عنهما ما لم ييبسا".
فمن الذي يحصر انتفاع الناس والأموات بخصوص عملهم؟ الجريدتين ما هي عملهم ووضعها فوق القبور ما هي عملهم كذلك. وانتفعوا بها. لا إله إلا الله
يقول: "أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته" أي: هذا من عمله المباشر.
وكان ﷺ يقول: "ما اكتسب مكتسبٌ مثل فضل علمٍ…" أفضل ما يكتسبه المكتسبون "يهدي صاحبه إلى هدى، ويردُّهُ عن ردى…" هلك وزيغ وضلا. "وما استقام دين عبد حتى يستقيم عمله" (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:105] "قل آمنت بالله ثم استقم" (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت:30] لا يستقيم دين عبد حتى يستقيم عمله، ولن يستقيم عمله إلا بالعلم.
وكان أبو ذر يقول: قال لي رسول الله ﷺ: "لأن تغدو…" أي: تذهب في الصباح وتخرج من بيتك في الصباح، فالغدو: الذهاب في الصباح، والرواح: الذهاب في العشيّ والمساء.
"لأن تغدو فتعلم..." أي: تتعلم "آية من كتاب الله عز وجل خير لك من أن تصلي مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلم بابًا من العلم عمل به أو لم يعمل به خير لك من أن تصلي ألف ركعة". رواه ابن ماجة.
يقول: إذا خرجت تتعلم فأفضل من أن تصلي مائة ركعة، وإذا خرجت تُعلم خيرًا من أن تصلي ألف ركعة، تُعلم باب من العلم.
يقول: "لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله عز وجل خير لك من أن تصلي مائة ركعة، ولأن تغدو فتُعلم بابًا من العلم عُمِلَ به أو لم يعمل به خير لك من أن تصلي ألف ركعة"
ومن هنا قال الإمام الشافعي: أن نفل العلم خير من نفل العبادة، من نفل العمل، من نفل الصلاة والصيام.
وكان ﷺ يقول: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالمًا ومتعلمًا" عالمًا ومتعلمًا مما والا ذكر الله، لكن نص عليه من بين الأشياء الطيبة التي هي داخلة في ولاء ذكر الله، العالم والمتعلم. وما خرج عن ذكر الله وما والاه والعلم والتعلم فهو واقع في الإبعاد عن الله تعالى والحجب عن رحمة الله تعالى "الدنيا ملعونة ملعونة ما فيها…" أي: محرومة من رحمة الله مطرودة عنه "إلا ذكر الله" والمراد: أنواع طاعاته وما أريد به وجهه، ومن ذلك السعي على الوالدين أوعلى الأهل أو في أي مصلحة من مصالح المسلمين فيدخل في ذكر الله "وما والاه" ولا الذكر أعان على طاعة الله تعالى، وعالم ومتعلم على وجه الخصوص من بين ما والا ذكر الله تبارك وتعالى، فهم زينة الخلق في الدنيا العالم والمتعلم.
يقول: "أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علماً ثم يعلمه أخاه المسلم" خير هدية" نعمة الهدية كلمةُ حكمة يعلمها المسلم ويعلمها أخاه" هذا خير هدية.
وكان ﷺ يقول: "لا حسد إلا في اثنتين…" يعني: لا ينبغي أن تغبط أحداً وتتمنى أن تكون مثله إلا في اثنتين "رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الخير…" لا باهى به ولا افتخر به ولا ركز به مباني ومظاهر، ولكن يعطي ذا المحتاج وينقذ هذا الملهوف ويبني هذا المسجد ويفرغ هذا للعلم ويصلح بين هؤلاء الاثنين، مسلط على هلكته في الحق، ما غره المال ولا أغواه ولا اطغاه ولا انحرف به عن سواء سبيل وأخذ يهلكه في الحق، قال: هذا يغبط، أي: تتمنى تكون مثله.
"ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" هؤلاء تغبطهم أما غير ذلك تقول ليتنا مثل اللاعب الفلاني، وليتنا مثل الموظف الفلاني وليتنا مثل الوزير الفلاني، قال: الغبطة في ذلك خبالة وبلاهه وبلاده، ولا تغبط إلا هؤلاء من ينفق في سبيل الله ومن يعلم العلم ويعلم لوجه الله.
قال: وكان ﷺ يقول: "مثلُ ما بعثني الله بهِ من الهدى والعلم كمثل غيثٍ أصاب أرضاً…" والأراضي: هي القلوب وقلبك واحد منها، "فكانت منها طائفة طيبةٍ قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير…" العشب الأخضر والكلأ الأخضر واليابس كله ما يقتات منها "وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصابَ طائفة أخرى منها إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ…" وهكذا الناس أراضي قلوبهم أمام ما بُعث به نبي الله، إما قلب طيب يقبل ماء ويُنبت الكلأ والعشب الكثير وينتفع به الناس من علم وعمل وعلّم الناس، هذا بأعلى الدرجات، وإما أجادب تمسك الماء فقط ويأتون ينتفع الناس بها، وإما لا ذا ولا ذا، لا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ قيعان -لا إله إلا الله- أجادب قال: لا تمسك ماء… "فذلك مثلُ من فقُهَ في دين الله تعالى ونفعه ما بعثني الله به فعلِمَ وعَلَّمَ، ومَثَلُ من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" آمنا بالله وبرسوله وما جاء به عن الله، ورزقنا الله المعرفة والفهم والعلم والعمل والتعليم لوجهه.
كان ﷺ يقول: "إنما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علمٌ علِمهُ ونشره…" أو علَمهُ ونشره "وولدٌ صالح تركه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته" من أنعش لسانه حقاً يُعمل به، وجاء في رواية اخرى عنه ﷺ "من علم علماً فنشره بعثهُ الله يوم القيامة أمةً وحده".
وكان ﷺ يقول: "إذا أبغض المسلمون علماءهم…" هذا هو الأمر الذي يترتب عليه المفاسد والبلايا، "وأظهروا عمارة أسواقهم…" وما عرفوا إلا الأسهم والكسب والتنمية باصطلاحات الكفار، وراحوا وراءها، ماشي فرق ربا ولا غير ربا، حلال ولا حرام، صحيح ما هو صحيح كله سواء، ما يبالون بهذا "وتآلبوا على جمع الدراهم…" والأرصدة، وكم عندك؟ وكم لك؟ ولا عاد فكر إلا في هذا "رماهم الله بأربع خصال…" تصيبهم أربعة أشياء: "القحط من الزمان…" أي: الجدب وقلة المطار "والجور من السلطان…" يولي عليهم ناس يظلمونهم ويَحِفُون عليهم "والخيانة من ولاة الحكام…" فيخونون الأمانات معهم ولا يُأدون، "والصولة من العدو…" يتسلط عليهم الكافر والفاجر من بعيد، فيذلون لعدوهم بسبب أنهم أبغضوا العلماء؛ بغض علم الدين، "إذا أبغض المسلمون علماءهم، وأظهروا عمارة أسواقهم، و تآلبوا على جمع الدراهم رماهم الله بأربع خصائص: القحط من الزمان، والجور من السلطان، والخيانة من ولاة الحكام، والصولة من العدو" والعياذ بالله تعالى، يقول: أخرجه الحاكم في المستدرك.
كان ﷺ يقول: "علماء هذه الأمه رجلان: رجل أتاه الله علمًا فبذله للناس، ولم يأخذ عليه طمعًا ولم يشتري به ثمنًا، فذلك تستغفر له حيتان البحر ودواب البر والطير في جو السماء" لأنه يقوم بأمر الله وينشر دين الله ونوره في الأرض.
"ورجل أتاه الله علمًا فبخل به عن عباده، واخذ عليه طمعًا…" وقال لك بغيت المحاضرة بكم؟ كم بتعطينا؟ بسم الله الرحمن الرحيم، .. بكم؟ بخل به -لا إله إلا الله- وأخذ عليه طمعًا وشرى به ثمناً "فذلك يلجم يوم القيامة بلجام من نار، وينادي مناد هذا الذي آتاه الله علماً فبخل به عن عباد الله، وأخذ عليه طمعاً، واشترى به ثمناً، وكذلك حتى يفرغ من الحساب" في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، وهو يُفضح بين الناس ويتكلم عليه الناس.
كان ﷺ يقول:" مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة" وما يعرفون أين موقع ذا البلد؟ وأين موقع ذا البلد؟ وما يهتدون إلى الطريق،. وكذلك إذا عُدم العلماء أو خانوا الأمانة.
كان ﷺ يقول: "فضل العالم على العابد…" فضل العالم الذي اتسع في العلم وأخذ نصيبًا على العابد الذي أكثر العبادة بغير علم، "كفضلي على أدناكم" كم فضل النبي على أقل واحد من الأمة.
وكان ﷺ يقول: "يقول الله عز وجل للعلماء يوم القيامة إذا قعد على کرسيه لفصل عباده…" أي للحكم بين عباده "إني لم أجعل علمي وحلمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان فيكم ولا أبالي" سمعت.. فأرباب العلم معرضون للمغفرة والقبول مهما رعوا حق العلم فما لحقهم بعد ذلك من تقصير وإسائةٍ فهم أقرب لأن يتجاوز الحق تعالى عنهم، لا مَن أقر نفسه على المخالفة، ولا من اتخذ العلم وسيلة إلى المكابرة أو المتاع الفاني.
قال: "يبعث الله العباد يوم القيامة ثم يميز العلماء فيقول: يا معشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم لأعذبكم، اذهبوا فقد غفرت لكم".
ثم ذكر لنا حديث "يجاء بالعالم والعابد…" في القيامة "فيقال للعابد: ادخل الجنة، ويقال للعالم: قف حتى تُشَفَّع للناس بما أحسنت أدبهم ".
وكان ﷺ يقول: "فقيه واحد أشد على الشيطان ألف عابد" لأنه يضحك على العابد قليل العلم بخداعه بأي محبط للعمل أو بارتكابه ما يحرمه ولا يعلم، لكن يصعب عليه العالم الفقيه يصعب عليه أن يضله، فهو أشد عليه من ألف عابد.
وكان يقول: "العلم علمان: علم في القلبِ فذلك العلم النافع…" جعلنا الله من أهله "وعلم على اللسان فذلك حجة على ابن آدم". وفي لفظٍ "فذلك حجة الله على خلقه".
كان ﷺ يقول:" إن من العلم كهيئة المكنون…" أي دقائق ومعاني غامضة في العلوم ليست لكل الناس "لا يعلمه إلا العلماء بالله تعالى، فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغرّة…" أي: المغرورون المغترون، الغرّة بالله تعالى ممن رأوا أنفسهم ما يخفى عليهم شيء، وأنهم أهله، وهم ما يدركون هذه الدقائق في العلوم فينكرون ذلك، ويبقى الصالح من العوام مُسَلم لأهل العلم فينجوا، وهذا يرونه .. ويقولون: من أين هذا؟! غير معقول؛ لأنه عقله صغير ما دخل عنده فيه العلم الكبير، وقال ما هو معقول وأيش نصلح بعقلك الصغير اللي ما يعرف؟!
وإذا كنت بالمدارك غراً *** ثم أبصرت حاذقاً لا تماري
وإذا لم تر الهلال فسلم *** لأناس رأوه بالأبصار
ولذا قال الجنيد بن محمد في بغداد: إن التصديق بعلمنا هذا ولاية صغرى. وقال سيدنا علي زين العابدين:
إِنّي لَأَكتُم مِن عِلمي جَواهِرَهُ *** كي لا يَرى العِلمُ ذو جَهلٍ فَيَفتَتِنا
أو كي لا يرى الحق ذو جهلٍ فيفتتنا
يا رُبَّ جَوهَرِ عِلمٍ لَو أَبوحُ بِهِ *** لِقيلَ لي أَنتَ مِمَّن يَعبدُ الوَثَنا
وَلَاِسَتَحَلَّ رِجالٌ مُسلِمونَ دَمي *** يَرَونَ أَقبَحَ ما يَأتونَهُ حَسَنا
وقد تقدّم في هذا أبو حسنٍ *** إلى الحسين ووصّى قبله الحسنا
ومن هنا أيضا نُهينا أيضاً أن نضع على الناس ما يكون فتنة لهم مما لا تصل عقولهم، وكان ابن مسعود يقول: ما حدَّثَ أحد قومًا بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة عليهم، ويقول: لا تحدث الناس بما لا تبلغه عقولهم أتريدون أن يُكذَب الله ورسوله؟، يكذبون بحق أن الله و رسوله ما تبلغه عقولهم فيكونوا كذبوا الله ورسوله بسببك أنت، لا تحدثهم إلا بما يفقهون، بما يستطيعون أن يستوعبوا، أو ما فرض الله عليك بلاغهم من الأمر الواضح البين. لا إله إلا الله
اللهم ارزقنا العلم النافع وانفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، يا مَن وفق أهل الخير للخير وأعانهم عليه وفقنا للخير وأعنا عليه برحمتك يا أرحم الراحمين.
بسر الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ الفاتحة
20 شوّال 1444