كشف الغمة -50- فصل في كيفية الاستنجاء وبيان ما يستنجي منه

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب الاستنجاء وبيان آداب دخول الخلاء والخروج منه

 صباح الأحد: 19 محرم 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  حديث سلمان الفارسي في كيفية الاستنجاء
  •  متى يحرم استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة؟
  •  حكم الاستنجاء بأقل من ثلاثة
  •  معنى الحجر في الاستنجاء
  •  ما الذي لا يصح الاستنجاء به؟
  •  تكريم اليد اليمنى عن مس العورة
  •  هل الأفضل الاستنجاء بالماء أو الحجر؟
  •  استحباب المحافظة على الوضوء
  •  الجمع بين الحجر والماء

نص الدرس مكتوب:

فصل في "كيفية الاستنجاء وبيان ما يستنجى منه"

"كان سلمان الفارسي -رضي الله عنه- يقول: قال لنا المشركون : "إن صاحبكم يعلمكم كل شيء حتى الخراءة، فقلت : أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وأن نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم"، وكان ﷺ يقول : "إذا استجمر أحدكم فليوتر"، وفي رواية: "فليستجمر ثلاثاً".

وكان ﷺ يقول : "إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يتمسح بيمينه"، وفي رواية : "لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يستنج بحجر قد استجمر به مرة أخرى".

وكانت عائشة تقول : "كانت يدُ رسول اللهﷺ اليمنى لطهورِهِ وطعامه وشرابه وأخذه وعطائه وترجله وتنعله، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى". وكان عثمان رضي الله عنه يقول : ما مسستُ ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله ﷺ والله أعلم . 

وقال سهل بن سعد الساعدي : "سئل ﷺ عن كيفية الاستنجاء؟ فقال: أوَ لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار حجران للصفحتين وحجر للمسربة". وكان ﷺ يغسل مقعدته ثلاثاً . 

وقال أنس: "كان رسول ﷺ إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام منا معنا إداوةٌ من ماء يستنجي بها"، وقال أبو هريرة: "كان رسول الله ﷺ إذا أتى الخلاء  أتيته بماء في تور أو ركوة فاستنجى منه ثم دلَكَ يده بالأرض، ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ ونضح فرجه، وقال : جاءني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إذا توضأت فانتضح، ثم أخذ كفاً من ماء ونضح به فرجه يريني وقال : يا محمد افعل كذا"، وفي رواية: "أتاني جبريل في أول ما أوحي إلي فعلمني الوضوء والصلاة، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفةً من الماء فنضح بها  فرجه".  

وقالت عائشة: "بال رسول الله ﷺ يوماً فقام عمر خلفه بكوز من ماء فقال: ما هذا يا عمر؟  فقال: ماء تتوضأ به ، فقال: ما أُمرت كلما بلُْتُ أن أتوضأ ولو فعلت لكانت سنة"، وكان ﷺ يقول: إذا أتى أحدكم البراز فليستطب بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث حثيات من تراب". 

وكان عمر بن الخطاب -رضي الله- عنه يبول كثيراً ثم يمسح ذكره بالتراب أو الحائط ثم يقول: هكذا عُلِّمنا ولم يبلغنا أنه كان يغسله بالماء بعد . 

وكان حذيفة لا يجمع بين الماء والحجر إذا بال، وكذلك عائشة فكانا يغسلان بالماء فقط، وكان أنس يقول: لما أنزل الله عز وجل قوله تعالى : (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرينَ) [التوبة: 108]، قال رسول الله ﷺ لأهل قباء: "إن الله تعالى قد أحسن الثناء عليكم في الطهور فما ذاك؟ قالوا: يا رسول الله نجمع في الاستنجاء بين الأحجار والماء لأنا قرأنا التوراة فوجدنا فيها الاستنجاء بالماء فما منا أحد يخرج من الغائط إلا غسل مقعدته بالماء"، وكان علي يقول: إن من كان قبلكم كانوا يبعرون بعراً وأنتم تثلطون ثلطاً فأتبعوا الحجارة بالماء. 

وكان ابن مسعود يقول: "أمرني رسول الله ﷺ أن آتيه بثلاثة أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: ائتني بحجر"، وفي رواية: "أنه سكت ولم يطلب حجراً ثالثاً". 

 وكان ﷺ يقول عن الروث : "إنه رجس وإنه طعام إخوانكم الجن"، وقال أبو هريرة قال لي رسول الله: "أبغني أحجاراً أستنفض بها ولا تأتني بعظم ولا بروثة، قلت: ما بال العظم والروث يا رسول الله؟ قال: هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نصيبين ونعم الجن فسألوني الزاد فدعوت الله عز وجل لهم أن لا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعماً". 

وفي رواية قال: "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً وكل بعرة علف لدوابكم"، وفي رواية : "وكل بعرة تجدوها تمراً"، وفي رواية: "إن وفد جن نصيبين أتوني فقالوا: يا رسول الله ﷺ إن الله قد استجاب دعاءك لنا فَانهُ أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو جمة - يعني فحماً - فإنه تعالى جعل لنا فيها رزقاً، قال أبو هريرة: فنهانا رسول الله ﷺ عن ذلك، وقال: من استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمداً منه برئ، فقال له قائل : وما يغني ذلك عنهم يا رسول الله؟ قال: إنهم لا يمرون بعظم إلا وجدوا عليه عرقة، ولا يمرون بروثة إلا وجدوا عليها طُعماً"، في رواية :"فإن العظم طعام إخوانكم والبعر علف دوابهم"، والله سبحانه وتعالى أعلم .

اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون

 

الحمد لله على الشريعة الكاملة، وبيانها على لسان جامع الفضائل والخصال الكاملة، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحبه أهل المواصلة، وعلى من تبعهم ووَالاهم بإحسانٍ، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من رفع الله لهم القدر والشأن وأعلى لهم المكان، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقرّبين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وذكر الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- في هذا الفصل الأحاديث المتعلقة بكيفية الاستنجاء وما يُستنجى منه، وذكر لنا حديث أحمد في مسنده فيما جاء عن سيدنا "سلمان الفارسي -رضي الله عنه- يقول: قال لنا المشركون : "إن صاحبكم يعلمكم كل شيء حتى الخراءة، فقلت : أجل" لقد علمنا كل شيء حتى كيف نقضي حاجة الإنسان؟ وكيف نتطهر ﷺ؟ فهو صاحب الشريعة الكاملة الشاملة لجميع أقوال المكلف وأفعاله ونياته ومقاصده وحركاته وسكناته وأخذه وإعطائه وأقواله وأفعاله، فالحمد لله الذي أكرمنا بالدين الكامل على يد جامع الفضائل حميد الشمائل خاتم الرسائل ﷺ.

"قال لهم: لقد نهانا أن نستقبل القبلة داء بغائط أو بول،" وكذلك جاء في الروايات الاستدبار، فاستقبال القبلة واستدبارها يقول أكثر أهل العلم أنه لا يجوز عند قضاء الحاجة لما قال ﷺ: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولكن شرّقوا أو غرّبوا"قال أبو أيوب: فقدمنا  الشام ووجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر الله تعالى" . الحديث في الصحيحين وفي صحيح مسلم يقول: "إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها".

 ويكون الاستقبال والاستدبار حرام بشرطين

  • أن يكون ليس بينه وبينها حائل 
  • وأن يكون في غير الموضع المعد لذلك، فهذا يُتَّفَقُ على تحريمه. 

وأمّا في البنيان أو إذا كان بينه وبين القبلة شيء:

  •  فمنهم من قال: أيضًا لا يجوز وهو المعتمد عند الحنفية، وما يجوز لا في البنيان ولا في الصحراء وإن كان بينه وبينها حائل .
  • وقال الجمهور: أنه إذا  قد حال بينه وبين القبلة حائل أو كان في البنيان المعدُّ لهُ، فيجوز ذلك، يجوز الاستقبال فيه والاستدبار. وجاء أيضا عن ابن عمر أنه: لما أناخ راحلته وبال مستقبل القبلة جعل بينه وبين القبلة الراحلة ، قال له بعضهم: أليس قد نُهيَ عن هذا؟ قال: بل إنما نهى عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس، كما جاء في رواية أبي داود وحسنه.
  •  وفي قولٍ عند الحنفية: أن الاستدبار في البنيان والفضاء يجوز لأنه غير مقابل للقبلة، وما يخرج منه ينحط إلى الأرض ما يواجه به القبلة، وجاء أيضا في رواية عند الإمام أحمد عليه رضوان الله تبارك  كذلك.  
  • هكذا يقول الشافعية: المكان المعدُّ لذلك جائز، ومن كان بينه وبين القبلة ساتر لا ينقص عن ثلثي ذراع.
  • يقول الحنفية: يحرُم على المربية المرأة أن تمسك الصبي يقضي حاجته مستقبل القبلة أو مستدبرها؛ لأنه بفعل منها وهي مكلفة. 

ويقول: نهانا أن نستنجي باليمين: "إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يتمسح بيمينه"، كما جاء في الصحيحين، نهى عن الاستنجاء باليمين:

  • قال الجمهور: أن هذا النهي للكراهة.
  •  قال الحنفية: للتحريم؛ أي: لمن كان عنده قدرة، أما من كان أشل اليد اليسرى أو مقطوع اليد اليسرى فلا إشكال في ذلك ولا تكون فيه الكراهة. 

وأما إن كان يستطيع الإستنجاء بيساره فاستنجى بيمينه:

  • قال الجمهور: هو مكروه.
  • قال الحنفية: هو حرام يأثم، النهي نهي تحريم.

وكذلك قال:  "أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار" 

وقد تقدم معنا أن الحنفية والمالكية نظروا إلى الإنقاء فقط، ولم يقفوا عند الثلاثة، وقالوا: ما حصل بالإنقاء ولو واحدة أو اثنتين كفى.

وقال الشافعية والحنابلة: لا؛ لا بد من الثلاث، فإن قد حصل الإنقاء فقد كفت، وإلاَّ فالإنقاء واجب بالاتفاق، وإذا زاد على الثلاث فإن حصل الإنقاء بشفعٍ سُنَّ أن يزيد واحدة للوتر، وإن حصل الإنقاء بوتر كفى، فالإنقاء واجب والإيتار مستحب

"قال: أو أن نستنجي برجيعٍ أو بعظم"، يعني: الاستنجاء بالأحجار؛ والمراد بها كما أسلفنا وهو عند الجمهور أنه أي شيء جامد يقلع النجاسة غير محترم ، وبشرط أن لا تكون رجيع وهو: النجاسة التي تخرج من الحيوان من الروث ونحوه؛ فلا يجزيء ذلك، فيأتي عند العلماء القول أولاً في أن المراد بالأحجار كله جامد، وفي رواية عند الحنابلة أحجار.. أحجار،  ما يكفي عود ولا حديد ولا أي شيء وإن كان يزيل، وفي الرواية الثانية مثل الجمهور لأنه قال : لما سئل ﷺ عن الاستطابة أي: الاستنجاء، قال: "بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع" فلو أراد عين الأحجار ما يقول ليس فيها رجيع، فما دخل الرجيع في الأحجار؟ ولكن لما أراد الأحجار كل ما كان جامد من مثل الأحجار استثنى الرجيع، فقال: غير الرجيع فهكذا  .

قال الجمهور: وأما ما لا يستنجى به فهو: 

  • ما كان رطبا غير الماء ما يمكن الاستنجاء به.
  • وما كان نجسا كذلك ما يستنجى به.
  • أو يكون غير منقي بأن يكون أملس أو لزج أو متناثر الأجزاء ما ينقِّي ما يكفي.
  •  وأن يكون غير محترم، والمحترم ما كان من كتب علم أو نحوها، فإن تقصَّد ذلك كان كفرا.
  • وكذلك المطعوم.
  • وزاد الحنفية: أن يكون غير مؤذي، فلا يصح عندهم أيضاً بالمؤذي، أن يستنجي بشيء يؤذي. 

إذًا المحترم إما: لكونه مطعوما، أو حق الغير يكون يحرم، أو لشرفه -شيء شريف-، والمطعوم كما نقرأ في الأحاديث عندنا: أنه حرام ومنه العظم لأنه مطعوم إخواننا الجن كما جاء في الحديث .

وقال : "إذا استجمر أحدكم فليوتر" فواجب يستجمر ثلاثًا -سوى-  يقول الجمهور أيضًا :الاستنجاء بمثل الروث لا يصح ولقوله ﷺ: "أبغني أحجارا " فأتى، وقال: "ولا تأتني بعظم ولا روثة" والحديث معنا أيضًا أنه :لما أتى له بالروث رفضها ﷺ .

وجاء عن سيدنا سلمان أيضا فيما رواه مسلم يقول: نهى رسول الله ﷺ عن الروث والعظام، يعني في الإستنجاء، وقال المالكية: إن كان الروث نجس، لماذا إن كان الروث نجس؟ لأنه عندهم إن كان من مأكول فهو طاهر، قال:إن كان الروث نجس لا يجوز، وإن كان طاهر -وهو الروث المأكول عندهم- يجوز مع الكراهة.

 وهكذا يرى الحنفية :أن النهي عن الاستنجاء بالروث مكروه كراهة تحريم، محرم فلا يجوز، ومع كونه لا يجوز هل يجزئ أم لا؟ ذهبوا أنه يجزيء مع الإثم، يأثم ويجزيء، من هم؟ الحنفية، والمالكية والشافعية وعامة الحنابلة قالوا: ما يصح أصلا ولا يجزيء، هو حرام ولا يجزيء أصلا، نعم.

وكذلك قال الشافعية: أنَّ هذه الشروط لمن أراد الاكتفاء بالآستنجاء بالحجر، أما إذا أراد أن يستنجي بالماء بعدها فيجزيء أي شيء، ولو روث، والأفضل أن يكون جامعًا لشروط الاستنجاء والاكتفاء بالحجر.

كذلك يقول الشافعية والحنابلة في العظم: أنه لا يجوز الاستنجاء به، سواًء كان هذا العظم طاهر كعظم مأكول مُذكَّى، أو نجس كعظم الميته، لأنه قال: "ولا تأتني بعظم أو روث"، ولمَا صح في الأحاديث: فإنها طعام إخوانكم الجن، "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه" هذا بالنسبة لمؤمني الجن، العظام التي تُرمى يجعلها الله طعامًا للجانِّ، فإن لم يذكر اسم الله عليها تناولها الجان من مسلم وكافر، وإذا ذُكر اسم الله عليها لم يستطع الكفار من الجن أن يتناولوا منها شيء، وهي تُكسى لهم لحما فيأكلونها، ولهذا يُحرم رمي العظام في النجاسة، فلا يمكنك ترميها في النجاسة لأنها طعام إخوانك الجن تنجِّسها عليهم فما يخذونها فوق القمامات التي فيها النجاسة ويرمون العظام فوقها ،العظام ترمى في مكان ما يختلط بالنجاسة.

كذلك يقول الحنفية أنه يُكره -تحريمنا- الاستنجاء بالعظم، وتقدم ما ذكر المالكية في الروث مثله العظم عندهم،إذا كان العظم ميتة لا يجوز الاستجمار به، وإذا كان العظم طاهر فيجوز مع الكراهه كما قالوا في الروثة، هذا مذهب المالكية.

 قال : كان ﷺ يقول: "إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يتمسَّح بيمينه"، فيُكره مس العورة باليد اليمين إكراما لها.

وفي أدب "سيدنا عثمان قال: ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله ﷺ"، "لا يمسكنَّ أحدكم  ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح بالخلاء بيمينه ولا يستنجي بحجر استجمر به  مرة أخرى".

 وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: "كانت يد رسول الله ﷺ اليمنى لطهوره وطعامه وشرابه وأخذه وعطائه وترجُّله، و في تمشيطه الشعر وتنعُّله" أي: يلبس النعال بالرجل اليمنى أولا، بخلاف خلع النعال فيخلع اليسرى أولا، فتكون اليمنى أولهما دخولًا وآخرهما نزعًا، "وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى"، وذكر قول سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقال سيدنا سهل: "أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار حجران للصفحتين وحجر للمسربة"، "وقال كان ﷺ يغسل مقعدته ثلاثًا"، ففيه تكريم اليد اليمنى عن مسِّ العورة وكراهة الاستنجاء بالشمال، وعلمنا ما قال الحنفية من أنها كراهة تحريم.

 وقال أنس: كان ﷺ إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام منا معنا إداوة من ماء يستنجي بها، فقال ﷺ حديثًا عن الاستنجاء بالماء أي: بعد الحجارة، فلهذا كان الجمع أفضل، قال أبو هريرة: "كان رسول الله ﷺ إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور أو ركوة فاستنجى منه ثم دلك بالأرض، ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ ونضح فرجه، وقال : جاءني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إذا توضأت فانتضح، ثم أخذ كفاً من ماء ونضح به فرجه يريني وقال: يا محمد افعل كذا"، وفي رواية: "أتاني جبريل في أول ما أوحي إلي فعلمني الوضوء والصلاة فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من الماء فنضح بها  فرجه"، أي: إبعادًا للوسوسة. نعم

فالماء أفضل باتفاق الأئمة، والاستنجاء بالماء أفضل من الاستنجاء بالحجر، والجمع بين الحجر والماء أفضل، ولا يمكن الجمع إلا بأن يُقدِّم الحجر على الماء، لأن الحجر يزيل العين، والماء يزيل العين والأثر، فإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل.  

ثم ذكر عليه رضوان الله تبارك وتعالى ما قالت عائشة: "بال رسول الله ﷺ يومًا،  فقام عمر خلفه  بكوز من ماء،  فقال: ماهذا يا عمر؟ فقال: ماء تتوضأ به، قال: ما أمرتُ كلما بلت أن أتوضأ ولو فعلت لكانت سنة" ، فالمحافظة على الوضوء ليست بفرض، لم تكن سنة واجبة ولكنه مستحبة.

 وكان يقول: "إذا أتى أحدكم البراز فليستطب بثلاثة أحجار أوثلاثة أعواد أو ثلاثة حثيات من تراب" هذا إذا كان يجمع بينه وبين الماء، أما التراب وحده فلا يجزيء لمَا جاء في الروايات الأخرى.

كان سيدنا عمر يبول كثيرا ثم يمسح ذكره بالتراب أو الحائط، يقول:  هكذا علمنا ﷺ"، ولكن هذا لأجل تجفيف النجاسة فقط حتى لا يتنجس، ثم يستنجي بالماء، قبل أن يصلي يستنجي بالماء.

إذًا المحافظة على الوضوء سنة ونفى ﷺ وجوبه، وخشيَ من فرضه على الأمة فلهذا يؤخر الوضوء أحيانا ﷺ، يكفه الماء أفضل.

 كان أنس يقول: لما أنزل الله قوله: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرينَ) [التوبة: 108]، قال رسول الله ﷺ لأهل قباء:"إن الله تعالى قد أحسن الثناء عليكم في الطهور فما ذاك؟ قالوا: يا رسول الله نجمع في الاستنجاء بين الأحجار والماء لأنا قرأنا التوراة فوجدنا فيها الاستنجاء بالماء فما منا أحد يخرج من الغائط إلا غسل مقعدته بالماء"، فلذلك أثنى عليهم .

وكان علي يقول : إن من كان قبلكم كانوا يبعرون بعراً وأنتم تثلطون ثلطاً فأتبعوا الحجارة بالماء. 

وكان ابن مسعود يقول : "أمرني رسول الله ﷺ أن آتيه بثلاثة أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: ائتني بحجر"، وفي رواية: "أنه سكت واكتفى بالاثنتين" .

 قال الشافعية: أن المراد بالثلاث أحجار ثلاث مسحات ، وإذا كان الحجر كبير ومسح بطرفه ثم مسح بطرفه الثاني عدت ثانية، وليس المراد عدد الحجر نفسه ولكن عدد المسحات.

وكان يقول: "إنه رجس وإنه طعام إخوانكم الجن"، أي طعام دوابهم، قال رسول الله ﷺ: "ولا تأتني بعظم ولا بروثة"، قلت ما بال العظم والروث يا رسول الله؟ قال: هما من طعام الجن، إنه أتاني وفد جن نصيبين ونعم الجن،" -أثنى عليهم ﷺ مؤمنين- "فسألوني الزاد، فدعوت الله عز وجل لهم أن لا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعما" ،وفي رواية قال: "لكم لكل عظم ذُكر اسم الله عليه، يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علفًا لدوابكم" يتحول طعام لدوابهم، وهكذا جاء الحديث في صحيح مسلم: "كل بعرة تجدونها تمرا"، وفي رواية: "أن وفد جن نصيبين أتوني فقالوا يارسول الله ﷺ إن الله قد استجاب دعائك لنا، فانهى أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو جمًا -يعني فحما- فإنه تعالى جعلنا فيه رزقا "، فقال أبوهريرة: فنهانا رسول الله ﷺ عن ذلك، وقال من استنجى برجل دابة أو عظم فإن محمدا منه بريء قالوا: وما يغني ذلك عنهم يارسول الله ،قال: فإنهم لا يمرون بعظم إلا وجدوا عليه عرقة- يعني لحم- ولا يمرون بروثة إلا وجدوا عليها طعما"، "فإن العظم طعام إخوانكم الجن والبعر علف دوابهم".

 

رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنَا بالكرامة، ودفع عنا الأسواء، ورَزَقنا متابعة رسوله في السِّرِّ والنجوى، وأصلح الشأن كله، ودفع السوء وأهله، وأدام لنا العوافي في الظواهر والخوافي.

 

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابة

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

20 مُحرَّم 1445

تاريخ النشر الميلادي

06 أغسطس 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام