كشف الغمة 351- كتاب الصيام (28) النهي عن صوم العيدين وأيام التشريق ويوم الشك، وخاتمة في الطاعم الشاكر
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 351- كتاب الصيام (28) فرع في النهي عن صوم العيدين وأيام التشريق، والنهي عن استقبال رمضان بصوم يوم أو يومين، وخاتمة في الطاعم الشاكر
صباح الأحد 15 ربيع الأول 1447هـ
يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:
- نهي النبي عن صوم يوم العيدين
- حكم صوم أيام التشريق عند المذاهب
- هل يُحرم صوم النصف الثاني من شعبان؟
- حكم تقدم صوم رمضان بيوم أو يومين
- معنى صوم سرر الشهر
- شرح حديث: الطاعم الشاكر كالصائم الصابر
- حكم نذر صوم النصف الثاني من شعبان
- ما هو يوم الشك؟ وبيان حكم صومه
نص الدرس المكتوب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وبسندكم المتصل إلى الإمام أبي المواهب سيدي عبدالوهاب الشعراني -رضي الله تعالى عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم وعلوم سائر الصالحين في الدارين آمين في كتابه: (كشف الغمة عن جميع الأمة)، إلى أن قال:
فرعٌ: في النهي عن صوم العيدين وأيام التشريق
"تقدم أنه ﷺ كان ينهى عن صوم العيدين والتشريق ويقول: "عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى"، وفي رواية: "أما يوم الفطر ففطرُكم من صومكم وعيد المسلمين، وأما يوم الأضحى فكلوا من لحم نُسِككم"، وكانت عائشة -رضي الله عنها- وابن عمر -رضي الله عنهما- أما يوم يقولان: رخّص رسول الله ﷺ في صوم أيام التشريق لمن لم يجد الهدى، وفي رواية عنهما: "الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة فإن لم يجد هدياً ولم يصم صام أيام منى".
فرعٌ: في النهي عن استقبال رمضان بصوم يوم أو يومين
"قال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقول: "إذا أتى النصف من شعبان فلا تصوموا إلا رجل كان له عادة"، وفي رواية: "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك الصوم"، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: "افصلوا بين صوم رمضان وشعبان بفطر"، وكان ﷺ كثيراً ما يقول للناس على المنبر قبل شهر رمضان الصيام يوم كذا وكذا ونحن متقدمون فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر. قال بعض العلماء: وهذا محمول على من صام قبل اليومين لقول أم سلمة -رضي الله عنها-: "ما كان رسول الله ﷺ يصوم من السنة شهراً كاملاً إلا شعبان كان يصله برمضان"، وكان ﷺ كثيراً ما يقول للرجل: "أصمت من سرر الشهر شيئاً فإن قال لا قال صم يوماً بعد الفطر"، وسَرَرُ الشهر أوله وقيل آخره. قال شيخنا: وأراد به اليوم أو اليومين اللذين يستتر فيهما القمر قبل يوم الشك، وقيل السرر الوسط، وسَرَرُ كل شيء جوفه، فعلى هذا المراد أيام البيض".
خاتمة في الطاعم الشاكر
"كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "الطاعم الشاكر كالصائم الصابر"، وفي رواية: "إن للطاعم الشاكر من الأجر مثل ما للصائم الصابر"، والله سبحانه وتعالى أعلم.
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتك، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مُكرمنا بالشريعة الغرّاء، وبيانها على لسان خير الورى، سيدنا محمد ﷺ وبارك وكرّم عليه وعلى آله من حُبوا به طُهرًا، وصحبه من رُفِعَ لهم به قَدْرًا، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسانٍ سرًا وجهرًا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل والكرامة أعلى الذُرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويتحدث الشيخ -عليه رحمة الله- عما يتعلق بحكم الصيام، وذكَر النهي عن صوم يومي العيدين وأيام التشريق، وقال: "تقدم أنه ﷺ كان ينهى عن صوم العيدين والتشريق"، ويقول: "عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى"، وفي رواية: "أما يوم الفطر ففطرُكم من صومكم وعيد المسلمين، وأما يوم الأضحى فكلوا من لحم نُسِككم". فتبين بذلك نهيُهُ صوم يومي العيدين.
- وعلى ذلك جماهير فقهاء الإسلام: أنه يحرم صوم يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى، وكذلك أيام التشريق.
وأيام التشريق أيضًا هي:
- عند الجمهور: ثلاثة من بعد يوم العيد.
- وعند المالكية: يومان من بعد يوم العيد، واليوم الثالث يكره فيه الصيام ولا يحرُم، ولكن أيضًا عندهم ما ينعقد عن القضاء؛ لكراهة صومه تطوعًا؛ فما ينعقد عن القضاء عندهم.
- كذلك يقول الحنفية: أن صيام الثلاثة الأيام هذه بعد العيد مكروه كراهة تحريم؛ كراهة تحريميه.
- كذلك يقول الشافعية والحنابلة: أن صوم الثلاثة الأيام بعد يوم الأضحى مُحرمًا ولا يجوز صومها.
- إلا أن الحنابلة: استثنوا المتمتع، المتمتع إذا أحرم بالحج ولم يصُم قبل يوم الوقوف، فإن صيام ثلاثة أيام في الحج يجعلها هي أيام التشريق، وهو المذهب القديم للشافعي واختيار الإمام النووي، والذي عليه المعتمد في مذهب الشافعية أنه حرام ولا يجوز للمتمتع ولا لغيره؛ لا تُصام الثلاثة الأيام؛ أيام التشريق لا عن قضاء ولا غيره.
- ومع ذلك فإن المالكية كالحنابلة يقولون: إنه يجوز، لمن؟ للمتمتع بالحج والعمرة إذا لم يصم قبل يوم عرفة أن يصوم الثلاثة الأيام في أيام التشريق، لما جاء من قول سيدتنا عائشة وسيدنا ابن عمر: "لم يُرَخَّص في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدي"، يعني: المتمتع ما يجد هدْي فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، فتكون هذه في الحج الثلاثة الأيام.
- لكن يقول ابن عابدين: إن أيام التشريق لا تُجزؤه، مع أن مذهب الحنفية يجوز صومها.
- والأصح عند الشافعية في المذهب الجديد: لا يصح صومها أصلًا لا للمتمتع ولا لغيره.
ويقول أيضًا الحنفية: أن تحريم صومها لأمرٍ عارضٍ وطارئ، قالوا لأنها أيام ضيافة الله وليست في نفس اليوم؛ فلهذا تختلف عن يوم العيد عندهم مع قولهم تحريم صومها، لكن يقولون: من نذرها وجب عليه أن يصوم، لكن يجب أن يؤخر الصيام ويقضي للكراهة فيها، وأنه إذا صامها بعد النذر فإنه يجزؤه مع التحريم، يحصِّل حرمة من تخصيص هذه الأيام، ويسقط عنه الفرض إذا صامها، هكذا عند الحنفية.
إذًا فهذه الأيام المنهي عن الصيام فيها، وألحق الشافعية بها صيام النصف الثاني من شهر شعبان لحديث ورد فيه، ولكن قيَّدوه بقيودٍ:
- إنما يكون التحريم لمن لم يصله.
- ومن لم يكن له عادة.
- ولم يكن نذر ولا عن كفارة ولا قضاء.
فإذا كان كذلك فلا يُتطوع بعد النصف من شعبان إن لم يصله بما قبله.
- أما من اعتاد أن يصوم الدهر، أو يصوم يومًا بعد يوم، ويوم بيوم، فما عليه شيء.
- ومن له عادة يصوم اثنين أو خميس أو صادف، أو كان عن نذر أو عن قضاء كذلك، وكذلك يوم الشك.
يقول: "وفي رواية عنهما: "الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة فإن لم يجد هدياً ولم يصم صام أيام منى"، هذا مذهب المالكية والحنابلة، وهو قول عائشة وابن عمر، وهو أيضًا القول القديم للشافعي واختيار الإمام النووي.
وذكر النهي عن استقبال رمضان بصوم يوم أو يومين.
"إذا أتى النصف من شعبان فلا تصوموا إلا رجل كان له عادة"
- فهذا دليل مذهب الشافعية أنه يحرم الصوم النصف الأخير من شعبان.
- وبقية الأئمة قالوا: يجوز صومه، إنما الذي يحرُم أن يتقدم رمضان بيوم أو يومين. "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك الصوم".
"وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: "افصلوا بين صوم رمضان وشعبان بفطر"، وكان ﷺ كثيراً ما يقول للناس على المنبر قبل شهر رمضان الصيام يوم كذا وكذا ونحن متقدمون فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر. قال بعض العلماء وهذا محمول على من صام قبل اليومين لقول أم سلمة -رضي الله عنها-: "ما كان رسول الله ﷺ يصوم من السنة شهراً كاملاً إلا شعبان كان يصله برمضان".
قال: "وكان ﷺ كثيراً ما يقول للرجل: "أصمت من سرر الشهر شيئاً فإن قال لا قال صُم يوماً بعد الفطر"، وسَرَرُ الشهر أوله وقيل آخره"، وقيل: هو الوسط كالسُّرة -بين الشهرين-.
"قال شيخنا: وأراد به اليوم أو اليومين اللذين يستتر فيهما القمر -سَرَر هذا من الإسرار- يستتِر فيهما القمر قبل يوم الشك -آخر الشهر- قيل السَرَر الوسط -كالسُّرة في وسط الشيء- وسَرَرُ كل شيء جوفه فعلى هذا المراد أيام البيض"، سُمِّيَت أيام السَّرَر، أيام البيض، لأنها هي وسط الشهر.
ثم أورد لنا الحديث الذي فيه مكانة الشاكرين عند الله -تبارك وتعالى-؛ وهو الذي يقوم بحق أداء الشكر للرحمٰن باستعمال جميع النِّعم فيما خُلِقَت لأجله وفي مرضات الحق -جل جلاله-.
فالذي ثبت في مقام الشكر يتضاعف أجره ويعظم له قدره. قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [ابراهيم:7]، وذكر الحديث المشهور: "الطاعم الشاكر كالصائم الصابر"، "فإن للطاعم الشاكر من الأجر مثل ما للصائم الصابر" بهذا اللفظ الثاني أخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن، والذي قبله جاء أيضًا عن البيهقي في السنن، وعن رواية عبد الرزاق في مصنفه، وابن المبارك في كتاب الزهد.
"أن الطاعم الشاكر" والمراد: أن الذي يكون في أيام فطره مستغرقاً بأفعال الطاعات، وخصوصاً النفع المتعدي، ولا يستطيع أن يقوم به مع الصوم، فيفطر لذلك وللقيام بهذه المهام القوية التي يؤديها وهو مفطر، فلِما في ذلك من حسن عبوديته لله تعالى وتعدّي أيضاً نفعِه للغير، لا ينقص عن درجة الصائم والصابر، وقد يتضاعَف أجره عليه بحسب ما ينفع عباد الله -تبارك وتعالى- بشكره.
والقصد: أن الذي يمنعه عن الإكثار من الصيام انشغاله بمهمات الشكر والواجبات، وأداء العبادات المهمة عليه التي لا يستطيع أن يجمع بينها وبين الصيام، فيمنعه ذلك عن الإكثار من صيام التطوع، لا ينقص أجره عن من لم يبلغ مقامك في الشكر وإن كثُرَ صومُه -صوم الثاني-، فلا ينقص أجر هذا الطاعم عن أجر ذلك؛ لأنه لم يؤخره عن كثرة الصيام إلا انشغاله بعبادات مهمة وعظيمة لا يستطيع الجمع بينها وبين الصوم. فالمعنى أنه يقلُّ إكثاره من الصوم، ما معناه أنه لا يصوم شيئ من التطوع؛ يصوم نصيب من التطوع ولكن يقل صوم التطوع له -لا يكثر منه- بسبب انشغاله بمهمات هي موصوفة بالشكر لله -تبارك وتعالى-. وقد قال تعالى: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13]، مشيرًا إلى رتبة الشكر ومنزلتها لديه جل جلاله.
وقد قال خير خلقه عليه الصلاة والسلام: "أفلا أكونُ عبدًا شكورًا" صلوات ربي وسلامه عليه، وهو سيد الشاكرين وسيد الصابرين. والصابر شاكر، وكل شاكر فهو صابر وزيادة -ما يتأتى- ولكن منهم من يظهر مظهر الشكر، ومنهم من يظهر مظهر الصبر بغلبةِ أحوال هذا أو أحوال هذا. فالله يجعلنا من الذاكرين الشاكرين الصابرين المنيبين الخاشعين الموفقين، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
فعلمنا أن:
جواز صيام النصف الأخير من شعبان أنه جائز عند الجمهور، وعليه يُحمل حديث "سَرَر الشهر" بمعنى آخره، فأمرَه أن يصوم أيامًا في شوال، أي: تعويضًا لما فاته من صيام شعبان.
عند الشافعية أيضاً، كأيام التشريق وأيام العيد لا يصح نذره تطوعًا بعينه؛ إنما نعم، ينذر صوم الشهر كله أو يصله بما قبله، أو ينذر صوم ثلاثة أيام إذا حصل كذا، فحصل في النصف الأخير من شعبان، فإنه يصوم، وأخذوا بقوله: "إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا"، وجاء فيه عددٌ من الروايات.
وفي الحديث يقول سيدنا عمّار بن ياسر: "من صام اليوم الذي شكِّ فيه فقد عصى أبا القاسم"، صلى الله عليه وعلى آله و صحبه وسلم.
وما يوم الشك؟
قالوا: يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث برؤيته أثنان فأكثر، فتولَّد الشّك، فيسمى يوم الشّكِ.
والشّك معناه:
- الارتياب، خلاف اليقين.
- ويطلق الشّك في الاصطلاح: على استواء الطرفين في النفي والإثبات.
فيوم الشّك يحرُم صومُه أيضًا؛ ما بين الكراهة عند بعض الأئمة والتحريم عند الآخرين، فلا يحل صوم يوم الشّك إذا كان بغير سبب، فإذا صامه متعمدًا لم يصح صومه إلا أن يكون صائمًا من شعبان مواصلاً ونحوه.
ويقول الحنابلة: إنه يكره صوم يوم الشك تطوعاً، يكره ويصح. وكذلك لأجل الاحتياط لرمضان عندهم يجوز، وأخذوا بقول سيدنا علي: "لأن أصوم يومًا من شعبان أحب إلي من أن أفطر يومًا من رمضان".
وإذا وافق عادة أو وصله بصيام ما قبله، فلا يكره عند الحنابلة، كما لا يحرم عند الشافعية أيضا.
ومع ذلك أيضا فمذهب الحنابلة أنه إذا حال بين الرؤية غيم يصومون اليوم ويعدونه من رمضان. والجمهور قالوا: لا، إنما يوم الشّك إذا كان هناك -سواء كان هناك غيم أو صحو- ولم تثبت الرؤية فيوم الثلاثين، إذًا يوم الشّك.
رزقنا الله الاستقامة واتحفنا بالكرامة، ورزقنا الاقتداء والاهتداء، وتولانا فيما خفي وفيما بدا، ولا وَكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحدٍ من خلقه طرفة عين، وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين.
بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ
إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
الْفَاتِحَة
16 ربيع الأول 1447